
افتتحت في العاصمة القطرية الدوحة، أمس السبت، 10 مايو/أيار 2025، أعمال الدورة الرابعة لمؤتمر الحوار العربي-الإيراني، تحت شعار "علاقات قوية ومنافع مشتركة". ينظم المؤتمر مركز الجزيرة للدراسات والمجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، ويشارك فيه نخبة من المسؤولين والخبراء والباحثين المتخصصين في الشؤون الإقليمية والدولية.
حمد بن ثامر آل ثاني: الحوار العربي-الإيراني منصة لتعميق التفاهم وتعزيز الاستقرار الإقليمي
في مستهل المؤتمر، ألقى الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني، رئيس مجلس إدارة شبكة الجزيرة الإعلامية، كلمة رحّب فيها بالحضور، مؤكدًا أهمية الحوار العربي-الإيراني في سياق إقليمي معقّد يتطلب نقاشًا فكريًّا معمقًا واستراتيجيات واضحة لتجاوز التحديات الراهنة. واعتبر أن هذا الحوار لا يقتصر على البعد الجغرافي، بل ينطلق من تاريخ طويل من التفاعل الحضاري والمصالح المشتركة، ما يستدعي بحثًا معمقًا لفهم أبعاد العلاقة بشكل أعمق، واستشراف آفاق تعاون مثمر ومستدام.
وأكد الشيخ حمد بن ثامر في كلمته أن دورة هذا العام، المنعقدة تحت شعار "علاقات قوية ومنافع مشتركة"، تجسد أهمية استمرارية الحوار وتعميقه، معربًا عن أمله في أن تسهم النقاشات في إيجاد مقاربات جديدة لدراسة آليات تسوية النزاعات وتعزيز الاستقرار الإقليمي. كما رحب بالمفاوضات الإيرانية-الأميركية التي تستضيفها سلطنة عمان، معربًا عن أمله في أن تتوج بنتائج إيجابية تخدم مصالح جميع الأطراف، وتنهي حالة القلق الإقليمي، وتساهم في تعزيز الاستقرار العالمي.
عباس عراقجي: إيران تدعم التفاهم والتعاون الإقليمي وتعزيز الاستقرار
عقب كلمة الشيخ حمد بن ثامر، ألقى وزير خارجية إيران، عباس عراقجي، كلمته في المؤتمر، معبرًا عن سروره بالمشاركة في الدورة الرابعة لمؤتمر الحوار الإيراني العربي، مؤكدًا على أهمية تعزيز التفاهم والتفاعل بين إيران والعالم العربي. ووجه الشكر لمجلس العلاقات الخارجية ومركز الجزيرة للدراسات في قطر على تنظيم هذا الملتقى، مستذكرًا وزير الخارجية الراحل حسين أمير عبد اللهيان، الذي كان المتحدث في الملتقى السابق في طهران.
وأشار عراقجي إلى أن العلاقات الطيبة بين إيران والعالم العربي على مر التاريخ في إطار الحضارة الإسلامية العظيمة، قد ساهمت في تحقيق إنجازات قيمة للعالم الإسلامي، وأن المنطقة، التي كانت مهدًا للحضارات العريقة، تحتاج اليوم إلى تعزيز التفاهم والتعاون أكثر من أي وقت مضى.
وأكد عراقجي أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بنظرتها الحضارية إلى محيطها، تدعم خطاب التفاهم والوحدة الإقليمية، مشددًا على أهمية تحقيق الوفاق الإقليمي وتعزيز الاستقرار، مشيرًا إلى أن ما يجمع دول المنطقة من قواسم مشتركة يفوق بكثير ما يفرقها، وأن أغلب نقاط الخلاف فرضت من الخارج بشكل مصطنع.
وفيما يتعلق بفلسطين، شدد عراقجي على أن "الكيان الصهيوني" يمثل التهديد الأكبر للسلام في المنطقة. واعتبر أن فكرة حل الدولتين التي كانت تُستخدم لسنوات طويلة لإضاعة الحقوق الفلسطينية، ألغيت رسميًّا من قبل "الكيان الصهيوني"، الذي يسعى لإبادة الشعب الفلسطيني وتهجيره القسري.
وأعرب عن ضرورة مواجهة هذا التهديد عبر تعزيز التضامن الإقليمي وتوحيد الجهود الدبلوماسية، مشددًا على أن التصدي لهذه الممارسات هو واجب قانوني وأخلاقي يقع على عاتق دول المنطقة.
في ختام كلمته، تناول عراقجي موضوع المحادثات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، التي ستُعقد جلستها الرابعة يوم الأحد 11 مايو/أيار 2025 في سلطنة عمان، مؤكدًا أن إيران تعتبر الحصول على الأسلحة النووية واستخدامها أمرًا محرمًا، لكنها في الوقت نفسه تصر على حقها في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، مشيرًا إلى أن طهران لن تتنازل عن حقوق شعبها في هذا الصدد.
كمال خرازي: ضرورة إرساء آلية مؤسسية للحوار الإقليمي
اختتم الجلسة الافتتاحية رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، كمال خرازي، بكلمة دعا فيها إلى إرساء آلية مؤسسية لاستمرار الحوار وتعزيز قنوات التواصل بين النخب الفكرية في المنطقة. وأشاد بتنظيم قطر للمؤتمر، مشيرًا إلى ضرورة التزام دول المنطقة بمبدأ الاحترام المتبادل وتكافؤ السيادة والشعور بالمسؤولية المشتركة لتحقيق السلام والاستقرار.
وأكد خرازي أن الأمن الجماعي لا يُستورد، بل يجب أن يُبنى من الداخل دون تدخل خارجي، مضيفًا أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تدعم إيجاد بيئة تحقق الأمن والتنمية المستدامة بين دول المنطقة، وأن بلاده تعمل على تعزيز الدبلوماسية النشطة لتسوية الخلافات بطرق سلمية.
في المجال الاقتصادي، شدد خرازي على أهمية التعاون الجماعي والتنمية المشتركة، مشيرًا إلى أن منطقة الشرق الأوسط، الغنية بالموارد الطبيعية، تمتلك إمكانات كبيرة يمكن أن تُستغل في تحقيق التنمية المستدامة، مؤكدًا على ضرورة تعزيز الاقتصاديات المكملة في المنطقة بدلاً من التنافسية.
وفي الختام، دعا خرازي إلى تعزيز التعاون العلمي والتكنولوجي، مؤكدًا استعداد إيران لتقاسم تجاربها، وتعزيز التعاون بين الجامعات وإنشاء مراكز أبحاث مشتركة لتعزيز التفاهم الإقليمي.
أجندة المؤتمر والمحاور الرئيسية
تتناول أجندة الدورة الرابعة من مؤتمر الحوار العربي-الإيراني عددًا من الملفات المهمة، من بينها التحديات الكبرى التي تواجه منطقة الشرق الأوسط، وتأثيرات التصعيد والتهدئة على موازين القوى الإقليمية، فضلًا عن مناقشة الأوضاع في لبنان، ومستقبل "حزب الله" عقب الضربات الإسرائيلية، والعلاقات الإيرانية-السورية في مرحلة ما بعد سقوط نظام بشار الأسد، والملف اليمني بتركيز على مسار الحوار اليمني-اليمني.
كما تخصص الدورة الحالية مساحة واسعة للقضية الفلسطينية، لمناقشة تداعيات عملية "طوفان الأقصى" على مسار المشروع الوطني الفلسطيني، والتصورات العربية والإيرانية لمستقبل هذا المشروع في ظل المتغيرات السياسية.
يُذكر أن مؤتمر الحوار العربي-الإيراني رسّخ حضوره منذ انطلاق دورته الأولى في الدوحة عام 2022، ويهدف إلى تعزيز قنوات الحوار بين العالم العربي وإيران، واستكشاف سبل إقامة شراكة استراتيجية مستدامة قادرة على مواجهة التحديات الإقليمية والدولية.