مؤتمر الحوار العربي–الإيراني يختتم دورته الرابعة بطرح مقاربات ومقترحات لتعميق التعاون

الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني يلقي كلمته

انتهت في الدوحة أعمال مؤتمر الحوار العربي-الإيراني، الذي انعقد خلال الفترة من 10 إلى 12 مايو/أيار 2025، بتنظيم مشترك بين مركز الجزيرة للدراسات والمجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية في إيران. وقد شهد المؤتمر حضور وزير خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ورئيس مجلس إدارة شبكة الجزيرة الإعلامية، إلى جانب مديري المؤسستين المنظمتين، ونخبة من السياسيين والخبراء والباحثين من دول عربية وإيران.

ركَّزت النسخة الرابعة من مؤتمر الحوار العربي-الإيراني، المنعقدة هذا العام تحت شعار "علاقات قوية ومنافع مشتركة"، على مناقشة السبل الكفيلة بحل القضايا الخلافية بين الجانبين، وتقريب وجهات النظر بشأن الملفات الشائكة، إلى جانب استكشاف آفاق التعاون السياسي والأمني والاقتصادي.

1
مدير مركز الجزيرة للدراسات، الدكتور محمد المختار الخليل (الجزيرة)

استُهلت أعمال المؤتمر بكلمة ترحيبية ألقاها مدير مركز الجزيرة للدراسات، الدكتور محمد المختار الخليل، شدَّد فيها على أهمية مواصلة تنظيم مثل هذه الفعاليات الحوارية، لما تتيحه من فرص لتعزيز القواسم المشتركة، ومناقشة التحديات التي تواجه العلاقات العربية-الإيرانية، والسعي إلى تقديم رؤى ومقترحات عملية للتعامل معها.

حمد بن ثامر: الحوار ضرورة في بيئة إقليمية معقَّدة

عقب ذلك، ألقى الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني، رئيس مجلس إدارة شبكة الجزيرة الإعلامية، الكلمة الرئيسية الأولى في الجلسة الافتتاحية؛ حيث أكد خلالها أن الحوار العربي-الإيراني يكتسب أهمية خاصة في ظل السياق الإقليمي المعقَّد، الذي يتطلب نقاشًا فكريًّا معمقًا، وصياغة إستراتيجيات واضحة لتجاوز التحديات الراهنة. وأشار إلى أن هذا الحوار يتجاوز حدود الجغرافيا، وينبع من تاريخ طويل من التفاعل الحضاري والمصالح المشتركة؛ الأمر الذي يستدعي مقاربة عميقة لفهم أبعاد العلاقة واستشراف آفاق التعاون المثمر والمستدام.

وشدَّد الشيخ حمد بن ثامر على أن دورة هذا العام، المنعقدة تحت شعار "علاقات قوية ومنافع مشتركة"، تعكس الحاجة الملحَّة إلى استمرارية الحوار وتعميقه، معربًا عن أمله في أن تُفضي النقاشات إلى بلورة مقاربات جديدة تسهم في تسوية النزاعات وتعزيز الاستقرار الإقليمي. كما رحَّب بالمفاوضات الإيرانية-الأميركية الجارية في سلطنة عُمَان، متمنيًا أن تفضي إلى نتائج إيجابية تصب في مصلحة جميع الأطراف، وتخفف من حدة التوتر في المنطقة، وتدعم الاستقرار العالمي.

1
الدكتور عباس عراقجي، وزير الخارجية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية (الجزيرة)

عباس عراقجي: التفاهم الإقليمي ركيزة للاستقرار المشترك

عقب كلمة الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني، ألقى الدكتور عباس عراقجي، وزير الخارجية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، الكلمة الرئيسية الثانية في الجلسة الافتتاحية؛ حيث أشار إلى أن منطقة الشرق الأوسط تمر بمرحلة دقيقة تتطلب تعزيز التفاهم والتعاون الشامل بين دولها، مؤكدًا أن بلاده تؤمن بالحوار نهجًا ثابتًا في سياستها الإقليمية والدولية، وترى فيه ضرورة إستراتيجية لمواجهة التحديات وترسيخ الاستقرار.

وأوضح عراقجي أن العلاقات بين إيران والعالم العربي تقوم على أسس حضارية وثقافية عريقة ومشتركة، وهو ما يحتم توثيق التعاون وتجاوز الخلافات، من أجل بناء مستقبل أكثر أمنًا وتنمية في المنطقة. وفي معرض حديثه عن الملف النووي الإيراني، شدَّد على أن بلاده لا تسعى إلى امتلاك السلاح النووي، معتبرًا استخدام هذا السلاح "محرمًا شرعًا ولا مكان له في العقيدة الدفاعية الإيرانية"، لكنه في المقابل، أكد تمسك إيران بحقها الكامل في تطوير برنامجها النووي السلمي، بما في ذلك تخصيب اليورانيوم.

وكشف عن أن الجولة الرابعة من المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة ستُعقد قريبًا، مؤكدًا أن التوصل إلى اتفاق "عادل ومتوازن" لا يزال ممكنًا، إذا ما تخلَّت الأطراف الأخرى عن مطالبها غير الواقعية.

وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، أكد عراقجي أن هذه القضية ستظل القضية المركزية للأمة الإسلامية، وأن إيران لا يمكن أن تصمت إزاء "الجرائم اليومية والمجازر التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، خصوصًا في قطاع غزة"، واصفًا الكيان الإسرائيلي بأنه الخطر الأكبر على الأمن الإقليمي. كما حذَّر من التداعيات الخطيرة لسياسات الاحتلال، لاسيما التهجير القسري والقتل الممنهج، داعيًا الدول الإسلامية إلى تحمُّل مسؤولياتها ودعم نضال الشعب الفلسطيني من أجل حقوقه المشروعة.

وفي سياق العلاقات الإيرانية-الخليجية، رحَّب عراقجي بالتطورات الإيجابية التي شهدتها المنطقة خلال العام الماضي، مشيرًا إلى الاجتماع المشترك بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي، الذي عُقد لأول مرة منذ أربعة عقود، واصفًا إياه بأنه "خطوة مهمة على طريق بناء الثقة والشراكة الإقليمية". ودعا إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين دول المنطقة، لاسيما في مجالات الطاقة والنقل والتكنولوجيا، مؤكدًا انفتاح إيران على أي مبادرة تؤدي إلى بناء اقتصاد تكاملي إقليمي قائم على المنافع المشتركة.

كما شدَّد على أهمية تفعيل أدوات الدبلوماسية الثقافية والعلمية، لما لها من دور في ترسيخ التفاهم الحقيقي بين الشعوب، معتبرًا أن التقارب الحضاري يشكِّل قاعدة راسخة لأي شراكة سياسية أو اقتصادية طويلة الأمد.

وفي ختام كلمته، جدَّد عراقجي دعوة بلاده إلى العمل الجماعي من أجل استقرار المنطقة، مؤكدًا أن "إيران تمد يدها لجميع الأطراف لبناء مستقبل مشترك"، وداعيًا إلى أن يكون الجميع "شركاء في السلام لا خصومًا في النزاعات"، لأن الحوار والتفاهم، كما قال، هما السبيل الوحيد لتحقيق الأمن والتنمية المستدامة.

1
الدكتور كمال خرازي، رئيس المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية ووزير الخارجية الإيراني الأسبق (الجزيرة)

كمال خرازي: الأمن والتنمية رهن بإرادة إقليمية مستقلة

اختتم الدكتور كمال خرازي، رئيس المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية ووزير الخارجية الإيراني الأسبق، الجلسة الافتتاحية للمؤتمر بكلمة شدَّد فيها على أهمية إرساء آلية مؤسسية تضمن استمرارية الحوار وتعزيز قنوات التواصل بين النخب الفكرية في المنطقة. وأشاد بتنظيم مركز الجزيرة للدراسات لهذا المؤتمر، معتبرًا أن المرحلة الراهنة تتطلب التزامًا حقيقيًّا من دول المنطقة بمبادئ الاحترام المتبادل، وتكافؤ السيادة، والشعور بالمسؤولية الجماعية لتحقيق الأمن والاستقرار.

وأكد خرازي أن الأمن الجماعي لا يُستورد، بل يُبنى من الداخل عبر توافق إقليمي بعيدًا عن التدخلات الخارجية، مشيرًا إلى أن إيران تسعى لتفعيل دبلوماسية نشطة تركز على تسوية الخلافات بطرق سلمية وتعزيز بيئة إقليمية تنموية وآمنة.

وفي الجانب الاقتصادي، دعا خرازي إلى توجيه الجهود نحو التعاون الجماعي والتنمية المشتركة، مشيرًا إلى أن منطقة الشرق الأوسط تزخر بموارد طبيعية هائلة؛ مما يستدعي توظيف هذه الإمكانات في بناء اقتصادات تكاملية بدلًا من الاستمرار في التنافس الإقليمي غير المجدي. كما أبدى استعداد بلاده لتقاسم خبراتها في مجالات العلوم والتكنولوجيا، وتعزيز التعاون الأكاديمي من خلال إنشاء مراكز أبحاث وجامعات مشتركة.

وفي الشأن السياسي، عبَّر خرازي عن قلقه إزاء تصاعد النزاعات، لاسيما استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، داعيًا إلى تفعيل الأدوات القانونية والدبلوماسية لردع الانتهاكات ودعم القضية الفلسطينية.

واختتم كلمته بالدعوة إلى إنشاء آلية إقليمية شاملة للتعاون الأمني والاقتصادي، تعكس الإرادة المشتركة لدول المنطقة في بناء مستقبل مستقر قائم على الشراكة والتكامل، مؤكدًا أن إيران منفتحة على كل المبادرات التي تسهم في ترسيخ السلام والازدهار الإقليمي.

رؤى بحثية ومقاربات فكرية لملفات شائكة

بعد انتهاء الجلسة الافتتاحية العلنية، عقدت مجموعة من الباحثين والخبراء سلسلة من الجلسات المغلقة على مدار يومين، خُصصت لبحث عدد من القضايا المفصلية، وفي مقدمتها الملف الفلسطيني. وقد انصبت النقاشات على مراجعة المشروع الوطني الفلسطيني من حيث رؤيته وأولوياته وأدواته، والجهات المسؤولة عن بلورته وصياغته في ضوء التحولات الإقليمية والدولية المتسارعة.

وتوقفت المداولات عند الأدوار التي يُفترض أن تنهض بها المؤسسات الفلسطينية في هذا السياق، لاسيما المجلس الوطني الفلسطيني، ومنظمة التحرير الفلسطينية، وفلسطينيو الخارج، بوصفها أطرافًا أساسية في إعادة بناء مشروع وطني جامع، يستند إلى إرادة شعبية ويستجيب لتحديات المرحلة ومتطلباتها.

كما تناولت الجلسات الملف اللبناني في سياق المتغيرات السياسية الأخيرة، ولا سيّما تراجع النفوذ النسبي لحزب الله، وانتخاب رئيس للجمهورية، واختيار رئيس للوزراء. وتركزت النقاشات على تحليل التوازنات الداخلية الدقيقة، والتقاطعات العربية والإيرانية في المشهد اللبناني، وسبل بلورة مقاربة واقعية تسهم في تقليص التوترات وتدفع باتجاه استقرار سياسي مستدام يعكس التوافق الإقليمي ويستجيب لتطلعات اللبنانيين.

كما خصصت إحدى الجلسات المغلقة لمناقشة تطورات الوضع في اليمن، في ظل استمرار سيطرة جماعة أنصار الله على العاصمة، صنعاء. وجرى خلال النقاش استعراض رؤية الجماعة إزاء المشهد السياسي الراهن، وموقفها من مسارات التسوية المحتملة. كما تم التطرق إلى مواقف الأطراف اليمنية الأخرى غير المنضوية تحت أنصار الله، وتقديراتها للوضع القائم، بالإضافة إلى قراءة مواقف القوى الإقليمية الفاعلة، ولاسيما إيران والسعودية، من الصراع في اليمن، وحدود تقاطع المصالح أو تضاربها فيما يتعلق بمستقبل هذا البلد.

وأولت الجلسات المغلقة اهتمامًا واسعًا للملف السوري، في ضوء التحولات الجوهرية التي أعقبت سقوط نظام بشار الأسد على يد فصائل المعارضة المسلحة، وما ترتب على ذلك من تغييرات عميقة في المعادلات الداخلية والإقليمية. وقد تركزت المناقشات على تراجع النفوذ الإيراني في سوريا، وانعكاسات هذا التراجع على التوازنات الإقليمية، إلى جانب الحاجة الملحَّة لإرساء الأمن والاستقرار في البلاد، بوصفه شرطًا ضروريًّا لاستقرار المنطقة ككل.

كما تناولت الجلسات تباينات المواقف والرؤى بين الفاعلين الإقليميين، ولاسيما إيران والدول العربية، حيال مستقبل سوريا، ومسارات إعادة البناء السياسي والأمني، وآفاق التوافق الممكنة حول مقاربة مشتركة تُسهم في إنهاء الصراع وتعزيز الاستقرار الإقليمي.

واختتمت الجلسات أعمالها بمناقشة آفاق التعاون الاقتصادي بين إيران والدول العربية، ولاسيما دول الخليج المجاورة. وقد ركز المشاركون على أهمية تفعيل الشراكات الاقتصادية من خلال استثمار الميزات النسبية التي يتمتع بها كل طرف، مثل الموارد المالية، والقوى البشرية، والموقع الجغرافي الإستراتيجي، واحتياطيات النفط والغاز، إلى جانب الأسواق الواسعة والمشروعات القابلة للتنفيذ والتي من شأنها أن تحقق منافع متبادلة.

كما تناولت النقاشات أبرز العوائق التي تعترض هذا التعاون، سواء كانت سياسية أو أمنية أو مؤسسية، وبحثت في سبل تجاوزها من خلال بناء الثقة، وتوسيع مجالات التفاهم، وتعزيز الإطار القانوني والمؤسسي للتعاون الاقتصادي، بما يفضي إلى شراكة إقليمية مستدامة تعود بالنفع على جميع الأطراف.

عن مؤتمر الحوار العربي–الإيراني

تجدر الإشارة إلى أن مؤتمر الحوار العربي–الإيراني رسَّخ حضوره خلال السنوات الأخيرة بوصفه منصة فكرية وسياسية حيوية، تهدف إلى تعزيز قنوات الحوار بين العالم العربي وإيران، واستكشاف سبل إقامة شراكة إستراتيجية مستدامة قادرة على التصدي للتحديات الإقليمية والدولية. وقد انطلقت أولى دوراته في الدوحة، عام 2022، وتوالت انعقاداته على النحو التالي:

الدورة الأولى: الدوحة، 21–23 مايو/أيار 2022، تحت عنوان "العرب وإيران: حوار حول أزمات المنطقة".

الدورة الثانية: الدوحة، 27–29 مايو/أيار 2023، تحت عنوان "الأمن والاقتصاد والأزمات: مقاربات وحلول".

الدورة الثالثة: طهران، 12–15 مايو/أيار 2024، تحت عنوان "إيران والعرب: حوار من أجل التعاون والتفاعل".

وقد واصل المؤتمر في دورته الرابعة هذا العام تعزيز تقليد الحوار البنَّاء، في ظل بيئة إقليمية شديدة التعقيد، واضعًا في صلب أولوياته بناء تفاهمات واقعية تدفع باتجاه الاستقرار والتكامل الإقليمي.