استضاف المعهد المغربي لتحليل السياسات ندوة دولية ضمن منتدى الرباط للسياسات لتقييم أداء المؤسسات السياسية والاقتصادية في المغرب عام 2019 بمشاركة باحثين من عدة جامعات ومراكز أبحاث عربية وأوروبية وأمريكية. وخلال المحاضرة الافتتاحية بعنوان "الرأسمال الاجتماعي بين الدولة والمجتمع: تأملات من الخارج إلى الداخل"، تحدث الدكتور محمد الشرقاوي عن الحاجة لبلورة مخيلة سوسيولوجية كمدخل إلى دراسة العلاقة بين ذاتية الأفراد ورؤاهم والبنية السياسية. واقتبس من عالم الاجتماع الأمريكي ي. ميلز وْرايتC. Wright Mills الذي كتب عام 1959 يقول "لا يمكن فهم حياة الفرد ولا تاريخ المجتمع دون فهم كليهما معا." ويعتقد أن علم الاجتماع يثبت لنا أن "المجتمع - ليس ضعفنا وأوجه فشلنا - مسؤول عن الكثير من مشاكلنا". ودعا الشرقاوي لتبني منظور منهجي شمولي يحفز على خروج الباحثين المشاركين في الندوة للخروج من نطاق اختصاصاتهم الأكاديمية والمساهمة في تحليل دقيق لأداء المؤسسات المغربية ، وتعاون أفضل بين نظريات الشخص ونظريات البنية ونتائج العمل الميداني. وأشار إلى الجدوى من اعتماد نظرية التعقيدcomplexity theory كإطار توضيحي لدراسة كيفية تفاعل الأفراد والمنظمات وترابطها وتطورها ضمن نظام اجتماعي اجتماعي أكبر.
استعرض الشرقاوي تتطور نظرية رأس المال الاجتماعي عبر الأعمال الفكرية ل Pierre Bourdieu في علم الاجتماع (1984) ، وروبرت بوتنام Robert Putnamفي العلوم السياسية (1993 ، 1996)، وجيمس كولمانJames Coleman في علم النفس التربوي (1988)، وفرانسيس فوكوياما Francis Fukuyama في التاريخ الاقتصادي (1996). وجادل منظّرون آخرون مثل جانيت هولاندJanet Holland بالقول إنّ رأس المال الاجتماعي يكمن بين نموذج التكامل ونموذج قائم على الظلم وعدم المساواة. بيد أن الأستاذ في جامعة أكسفورد والمدير السابق لمجموعة بحوث التنمية في البنك الدولي بول كولير Paul Collier يرى أن مفهوم رأس المال الاجتماعي "لا ينبغي حصره في تلك التفاعلات الاجتماعية التي لها آثار اقتصادية غير مقصودة." فهو يؤكد على تعريف اجتماعي أوسع يشمل رأس المال الحكومة ، "بما أن مساهمة الحكومة في الدخل هي تحقيق فوائد لن تتحقق من خلال نظام السوق، وستكون هذه الفوائد دائمة لأن الحكومة هي ذاتها دائمة."
تبقى الثقة متغيرًا متحرّكا جدًا بين المواطنين والمؤسسات، ولا تتشكل من خلال تلك الشبكات الاجتماعية الثقافية فحسب، بل وأيضًا من خلال التصورات وردود الأفعال العامة في المجتمع. وقال الشرقاوي إننا "بحاجة إلى تبني منهجية البنائية الاجتماعية social constructivismللمساعدة في تحديد خريطة الديناميات في تطور البنية السياسية والاقتصادية وتطور قدرات الفرد ومطالبه. ويوضح عالم الاجتماع البريطاني أنتوني جيدينز كيف أن الجهات الفاعلة في المجتمع تنحو منحة التأمل مما يجسد جانبًا من جوانب العمل الاجتماعي ، وبالتالي ، جزءًا من نظرية الهيكلية.
وأشار الشرقاوي إلى أن عدة مؤشرات داخلية وخارجية تنطوي على مجموعة متنوعة من التحديات التي تحتاج المؤسسة المغربية لمعالجتها في عام 2019 وما بعده. وتناول ثلاثة تحديات أساسية: أولها، معضلة الحاءات والهاءات الثلاث: 1) الحكرة (وهو لفظ مغربي معناه الاحساس بالعجز وفقدان الكرامة)، والحريك (تمسك أغلب الشباب المغربي بفكرة الهجرة والسعي إلى العبور إلى أوروبا حتى في رحلة محفوفة بالمخاطر في قوارب الموت)، و"هاشتاغ" (استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للتنفيس عن الشعور بالضجر واليأس. ويشكل هذا المثلث مقياسا لم ينل حظه من الدرالسة بعد من كمؤشر على حالة التذمر الاجتماعي في المغرب. 2) التآكل العمودي لرأسمال السياسي بين الدولة والمجتمع والتآكل الأفقي له داخل المجتنمع ذاته، و3( تصعيد نزاع اجتماعي ممتد protracted social conflict في البلاد.
(الجزيرة) |
وبعد المحاضرة الافتتاحية للدكتور الشرقاوي، ناقش منتدى الرباط للسياسات 2019 عددا من القضايا في ثلاث جلسات:
الجلسة الأولى: الثقة بين الإصلاحات الديمقراطية وصمود الاستبداد
• عماد الديمي، مسار بناء الثقة في المؤسستين العسكرية والأمنية بعد الثورة في تونس
• باولا ريفيتي، وظائف الثقة السياسية في البيئات الاستبدادية
• عباس بوغالم، الدولة والمجتمع: نحو عقد اجتماعي جديد؟
الجلسة الثانية: انعدام الثقة في مؤسسات الدولة
• عبد اللطيف الشنتوف، الإصلاحات وآثارها على الثقة في العدالة المغربية بعد دستور عام 2011
• محمد برو، أجهزة الرقابة ومكافحة الفساد وسؤال الثقة
• رشيد أوراز، كيف تؤثر الثقة في المؤسسات على الاستثمارات؟
محاضرة بعد الظهر: صونيا زمرلي، الثقة السياسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: الخصوصيات والقواسم النشتركة مع الديمقراطيات الراسخة
الجلسة الثالثة: الحركات الاجتماعية والمواطنة والثقة السياسية
• كاتيا برادة، التغييرالت المؤسسية: منظور عضوي
• أنا جيكوبز، الشعب والاحتجاج والبرلمان: التحديات والفرص المتاحة لتمكين المؤسسات الديمقراطية في المغرب
• إنجريد هيدالمير شغدالي، الابتعاد عي التسيس والمواطنة في الأنظمة المختلطة
وترأس الدكتور الشرقاوي الجلسة الثالثة حول موضوع "الحركات الاجتماعية والمواطنة والثقة السياسية". ويعتزم المعهد المغربي لتحليل السياسات إصدار كتاب جماعي التأليف بمساهمات المشاركين في الندوة وآخرين في المستقبل.
(الجزيرة) |