استضافت كوليج دوروب (Collège d’Europe)، وهي إحدى أهم الجامعات المتخصصة في الدراسات الأوروبية، حلقة نقاشية حول العلاقات الأوروبية-العربية في مدينتي، بروج وبروكسل، لمدة أسبوع (15 – 19 يوليو/تموز 2019) بمشاركة 24 مشاركًا من الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي وبعض هيئات المجتمع المدني، ومراكز الفكر، وأساتذة الجامعات، تمَّ اختيارهم من قائمة ضمَّت 300 مرشح قبل التصنيف.
كانت الغاية من هذا الملتقى بعنوان "الحوار"، بتمويل من الاتحاد الأوروبي، "تعزيز الحوار والتعاون بين الجهات الفاعلة الإقليمية الرئيسية التي تحدِّد مسار العلاقات الأوروبية-العربية، من خلال عدد من الأنشطة بما فيها الدورات التدريبية المؤسسية والحوارات السياسية". وشمل الملتقى أيضًا محاضرات وورش عمل ركَّزت على بلورة المهارات، وحلقات النقاش، والموائد المستديرة، وزيارة دراسية لمؤسسات الاتحاد الأوروبي، وتوفير الفرص لتوسيع الشبكة المهنية بين المشاركين.
قدّم الدكتور محمد الشرقاوي، باحث أول في مركز الجزيرة للدراسات، عرضًا بعنوان "بناء حوار أوروبي عربي في المجال العام" "Constructing a Euro-Arab Dialogue Discourse in the Public Sphere" تناول فيه التحديات التي تنال من فعالية الحوار الأوروبي-العربي في ظل بروز الحركات اليمينية ونزعات الإقصاء والتطرف، وأيضًا التوقعات المتوخاة من عدة حكومات وشعوب تعيش في منطقة جوار استراتيجي شمال وجنوب البحر المتوسط بغية قلب تلك المعادلة السلبية إلى تفاعل وتوافق سياسي وثقافي وحضاري.
انطلق في التحليل من مفهوم البنائية constructivism بالنظر إلى أن الأفراد والمجتمعات والمسؤولين السياسيين يستمدون انطباعاتهم ومواقفهم وفهمهم لما يجري في العالم مما يستهلكونه من وسائل الإعلام، سواء التقليدية أو التواصلية الاجتماعية؛ فهو يقول: إن "وسائل الإعلام حقل متحرك مليء بالسرديات والخطابات والفلسفات السياسية المتنافسة"، ويشير إلى مدى تأثير الديناميات التواصلية ضمن تطور المجال العام العربي منذ انتفاضات 2011.
أشار الشرقاوي أيضًا إلى ظهور حملة شكوك ونزعات انعزالية وسرديات متطرفة في أغلب أنحاء الدول الواقعة شمال البحر المتوسط بفعل تزايد تيارات الشعوبية والقومية والسياسات اليمينية في إيطاليا والمجر والنمسا وإسبانيا وغيرها. وعززت الانتخابات الأوروبية الأخيرة، التي تم إجراؤها بين 23 و26 مايو/أيار 2019، توازن قوى جديدًا لصالح القوميين الذين تزايد عددهم في عضوية البرلمان الأوروبي الجديد الذي سيباشر مهامه في سبتمبر/أيلول المقبل (2019). كما أشار إلى التحول في موقف أوروبا من دعم التحولات الديمقراطية العربية وتمكين المجتمع المدني العربي (2011 -2014) إلى نقاش بين استراتيجيات التقارب/الاختلاف في تحديد السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي تجاه الدول العربية (2014 -2019).
تناول الشرقاوي كذلك معضلة التطرف والعنف السياسي، وآفاق بلورة إسلام أوروبي معتدل، وأهمية الجيلين، الثاني والثالث، من العرب/المسلمين الأوروبيين في إعادة تشكيل سياسات الهوية، والتي تثير أسئلة جديدة حول الحاجة لمنطلقات وأدوات تغيير بديلة، خاصة في عام انتخابات الاتحاد الأوروبي، والتي تمثل أكثر من 512 مليون شخص من 28 دولة.
خلال حديثه عن دوافع التغيير في العلاقات الأوروبية-العربية، دعا الشرقاوي لإدخال تحوُّل في خطاب بناء السلام الأوروبي-العربي من المنطلق المعياري والمثالية الرومانسية إلى استراتيجية براغماتية وموجَّهة نحو تحقيق النتائج، وقال: "هذان مجالان من مجالات المشاركة الواعدة بين الدول الأوروبية والعربية. ومع ذلك، فإنهما لا يزالان قيد الدراسة في مجال بناء السلام والوساطة:
أولًا: تمكين المجتمع المدني العربي والأوروبي/العربي، كعامل واعد للتغيير، للمساعدة في وضع تصور لمبادرات مبتكرة في المجالين العامين، الأوروبي والعربي، وبالتالي دفعهما، كنقاط دخول جديدة، إلى صياغة سياسات عامة على جانبي المتوسط.
ثانيًا: رعاية المجال العام العربي الخالي من الخوف في حقبة الانتفاضات بعد عام 2011؛ حيث تقوم وسائل الإعلام المختلفة بتأطير وإعادة صياغة سردياتها حول الشؤون الجارية المعقدة طوال دورة الأخبار اليومية المفتوحة".
وعلَّق الدكتور الشرقاوي على أهمية الترابط بين المجتمع المدني ووسائل الإعلام في تعبئة وتعزيز الدعوات والحركات الاجتماعية من القاعدة إلى القمة من أجل تغيير المفاهيم، ووجهات النظر والاستراتيجيات. ويهدف اقتراحه في المنتدى إلى تطوير نموذج بديل لتعاون المجتمعات المدنية الأوروبية/العربية ووسائل الإعلام لكي تعمل كدعاة لبناء السلام والوساطة الثقافية.