الجزيرة للدراسات في ندوة ولجنة التحكيم لدى أكاديمية دوتشفيله الألمانية

نظَّمت أكاديمية دوتشفيله DW Akademie ندوة حول موضوع "التحول الرقمي: تهديدات وفرص صحافة الجودة" في مدينة الدار البيضاء المغربية، الثلاثاء 18 ديسمبر/كانون الأول 2019، وأجرت مسابقة لتشجيع عمل الصحفيين في مجال الصحافة الرقمية في المغرب حول محور "تفكير عالمي، معالجة محلية" Think Globally, Act Locally.
(الجزيرة)

نظَّمت أكاديمية دوتشفيله DW Akademie ندوة حول موضوع "التحول الرقمي: تهديدات وفرص صحافة الجودة" في مدينة الدار البيضاء المغربية، الثلاثاء 18 ديسمبر/كانون الأول 2019، وأجرت مسابقة لتشجيع عمل الصحفيين في مجال الصحافة الرقمية في المغرب حول محور "تفكير عالمي، معالجة محلية" Think Globally, Act Locally. ووجهت أكاديمية دوتشفيله دعوة إلى الدكتور محمد الشرقاوي، الباحث الأول في مركز الجزيرة للدراسات، لإلقاء المحاضرة الافتتاحية في الندوة، فاختار موضوع "المجال العام والإعلام بين مكاسب وتهديدات الرقمنة"، وركز على أهم التحولات الرقمية ذات العلاقة بين الإعلام والمجال العام Public sphere.

أشار الشرقاوي إلى أهمية مراعاة ثلاثة أمور أساسية يستدعيها بحث التحول المعاصر، وهي: السياق والمآل والمقارنة بين التحول الرقمي في المغرب، كعيِّنة من الدول العربية، وما حدث في الولايات المتحدة وأوروبا في هذا المجال. وتساءل في البداية عمَّا لم يتنبأ به الفيلسوف الألماني، يورغن هابرماس، بشأن التحول الرقمي عندما كان يبلور نظريته عن التواصل ودينامية المجال العام ضمن كتابه الشهير Strukturwandel der Öffentlichkeit عام 1962، والذي تمت ترجمته إلى الإنجليزية بعنوان Structural Transformation of the Public Sphere"التحول البنيوي للمجال العام"، عام 1989.

أوضح أن هابرماس لم يكن يترقب أن يصبح التفاعل مكثفًا عبر مختلف الوسائط الرقمية ويعزز دينامية ومدى تأثير المجال العام خلال عقود قليلة. واستعرض كيف كان الأميركيون مثلًا في نهاية الستينات يتابعون أخبار حرب فيتنام عبر ثلاث قنوات تلفزيونية رئيسة، NBC وABC وCBS، وبعض الصحف واسعة الانتشار، منها: "الواشنطن بوست" و"نيويورك تايمز" و"لوس أنجلوس تايمز". وبين ذروة الصحافة التقليدية آنذاك وما نشهد حاليًّا، تحول النقاش عن قوة "السلطة الرابعة" من تراجع الصحف الورقية، مثل "البوسطن غلوب" التي تكاد تتوارى عن الأنظار، إلى انتعاش الصحافة الرقمية والانتقال من النص المكثف بالكلمات والفقرات إلى تنامي الطلب على الصفحة المدججة بعدة عناصر متداخلة ومتكاملة: النص، والصورة، والفيديو، والبيانات التفصيلية graphics، والخرائط التفاعلية، وحتى مقتبسات منتقاة من تويتر وغيرها من الأدوات المرئية من أجل استقطاب انتباه الجمهور.

قال الشرقاوي: إننا تحولنا خلال ستة عقود من جمهور واسع العدد شبه موحد يستهلك المادة الصحفية إلى جماهير فرعية أو مجرد شبكات اجتماعية Social networks. وجادل بالقول: إنه "ليس هناك مجتمع يمكن تخيله أو تركيبه ذهنيًّا دون وجود تلك الشبكات الاجتماعية. فأصبح الإعلام الرقمي يستهدف هذه الفئات الفرعية حسب الأعمار والاهتمامات والتيارات السياسية أحيانًا. ولم يعد المجال العام الهابرماسي موحدًا بل منشطرًا إلى دوائر تتنافس بين بعضها بعضًا في تحقيق الشهرة والانتشار. وما يساعد في ذلك إحصائيات عدد القرَّاء أو الذين فتحوا الصفحة على غرار الأرقام القياسية في أنظمة تويتر وفيسبوك ويوتيوب وإنستغرام وغيرها من مجالات عامة فرعية".

وأشار الشرقاوي إلى تحول آخر مواز، خلال العقود الستة ذاتها، هو انتقال التركيز في غرف الأخبار الصحفية والإذاعية والتليفزيونية من هيمنة الأخبار الصلبة Hard news، أي الأخبار السياسية، إلى التركيز على التنوع والاهتمام بأخبار المجتمع News of society أو Societal news ضمن الأجناس الصحفية المختلفة، مثل: التحقيق الميداني و"الفيتر" و"البروفايل" وغيرهم. حسب هذه الوتيرة، تسعى صحيفة النيويورك تايمز مثلًا التي يتابعها 4.3 ملايين من الجمهور حاليًّا إلى التحول إلى منصة رقمية للوصول إلى 10 ملايين من القراء مع اعتماد خطة اقتصادية بديلة تحتم عليهم تسديد تكلفة المشاركة شهريًّا. وتبعًا لهذا المسار، تناول الشرقاوي التفاعل الراهن في المجال العام حاليًّا وكيف "تزداد الصحافة الرقمية قوة نحو تغليب كفة أخبار المجتمع مقابل أخبار السياسة ورجالها، أي التحول من منطلق من الأعلى إلى الأسفل إلى المنطلق البديل من الأسفل إلى الأعلى. وهنا تتضح فكرة "تسطيح العالم" ليس بفضل انتشار الإنترنت وأجهزة الكمبيوتر الشخصية، كما قال توماس فريدمان، بل تصبح الصحافة الرقمية أكثر المنصات خدمة لإرادة المواطن ومساهمته في النقاش في المجال العام، وبالتالي تعزيز المنحى الديمقراطي والمشاركة السياسية بشكل غير مباشر".

(الجزيرة)
(الجزيرة) 

 

أشار الشرقاوي إلى أن الصحافة الرقمية تعيد الأمل في "الاقتراب من ديمقراطية مباشرة كما تخيلها بعض فلاسفة الإغريق، وهي المنصة الأكثر استراتيجية في تقديم مضمون إعلامي يتسم بالشفافية والمحاسبة والدقة والجودة. وينبغي التشديد على أن الضوابط المهنية للصحافة التقليدية (ومنها: الموضوعية، والحياد، وتكامل الزوايا في التعامل مع أية قضية أو أزمة، وتعدد المصادر، وتفادي النعوت التي تنم عن أحكام قيمية، أو التخندق في موقف أيديولوجي، وغيرها) لم تتغير حتى في ذروة الصحافة الرقمية. وليست هناك قطيعة مع المعايير المهنية التي كانت تتمسك بها الصحافة التقليدية، كما هي حال الصحافة الأميركية في الستينات والسبعينات".

غير أن التبشير بالعصر الرقمي في الصحافة، كما يقول الشرقاوي، "لا يعني تجاهل عدد من التهديدات التي قد تُفقدها المصداقية المنشودة، أولها: المغالاة في الطرح الذاتي أو تشبع الصحفي الرقمي بأنه "ناشط" أمام رجال السياسة ومراكز القوة، وهذه مجازفة قد تخرجه من السياق العام للصحافة وتضعه ضمن دائرة ضيقة قد نسميها صحافة النضال أو التعبئة advocacy journalism. ثانيًا: تنامي تيار ما بعد الحداثة Post-modernism، وهي نتيجة حتمية للمغالاة في الطرح الذاتي للقضية أو الأزمة وقد تجعل المادة الصحفية امتدادًا لمقالات الرأي وليس صحافة الوقائع. وقد ينتج عن هذا المنحى خطر العودة إلى طغيان الأيديولوجيا وتراجع الموضوعية في دينامية المجال العام. ثالثًا: يكمن التهديد الثالث في خطر ما فوق الحقيقة Post-truth وهو منحى لا يعترف بالموضوعية والحياد بل يجاري معضلة الأخبار الزائفة Fake news التي يروج لها ترامب والترامبيون الجدد والوقائع البديلة Alternative facts التي "بشرت" بها مستشارة البيت الأبيض Kellyanne Conway".

(الجزيرة)
(الجزيرة)

شارك الدكتور الشرقاوي أيضًا في لجنة التحكيم لجائزة أكاديمية دوتشفيله الألمانية لمسابقة الصحفيين المغاربة حول محور "تفكير عالمي، معالجة محلية" Think Globally, Act Locally إلى جانب منصف السليمي، رئيس تحرير دوتشفيله الرقمية، وماجدولين بنشريف، رئيسة تحرير إذاعة ميدي 1، وعبد الكريم المالكي، الأستاذ في معهد الإعلام والاتصال في الرباط، وحنان زبيس، الصحفية في مجال التحقيقات الاستقصائية في تونس. وانكبَّت لجنة التحكيم خلال أربعة أيام من المداولات المكثفة والمغلقة على فحص ملفات الترشيحات المقدمة بناء على المعايير التالية:

المعيار الأول: اللغة، من حيث سلامة القواعد وسلاسة الأسلوب والقاموس الاصطلاحي المستخدم.

المعيار الثاني: طريقة المعالجة من حيث منهجية وهيكلة الموضوع، والتشويق في عرض القصة الصحفية Storytelling، والتميز والإبداع أو السبق في طرح الموضوع، ثم الأثر الذي يتركه الموضوع لدى أعضاء اللجنة.

المعيار الثالث: تعدد الوسائط Multimedialité عبر استخدام التقنيات والإمكانيات التي تتيحها الصحافة الإلكترونية، نصًّا وصورة وفيديو وغرافيك وغيرها من عناصر تجذب اهتمام المستخدم.

المعيار الرابع: حقوق النشر والملكية الفكرية، سواء تعلق الأمر بالمحتوى أو الصورة أو الفيديو وغيرها من المواد أو الأشكال المنشورة ضمن الموضوع.

أوضحت لجنة التحكيم أنها بناء على تلك المعايير الأربعة حددت "لوائح لتقييم المواضيع المترشحة، وكان عملًا دؤوبًا على امتداد ساعات طوال، على المستويين الفردي والجماعي كفريق، ووفرت خلاله أكاديمية دويتشه فيله لأعضاء اللجنة وسائل العمل الملائمة والمجال لاتخاذ قراراتهم بحرية تامة". وأضافت اللجنة أنه "من دواعي حرصنا على توضيح حيثيات قرار اللجنة فيما يتعلق باختيار الفائزين بجوائز هذه المسابقة بكل نزاهة، التأكيد على الملاحظات التالية، وتوصي مستقبلًا بمزيد من الحرص على احترامها:

التوصية الأولى: سجلت اللجنة أن جودة العمل الصحفي مهما تطورت أشكاله وتقنياته، تكمن أولًا وأساسًا في تقيده بالمعايير المهنية المتمثلة في التوازن والحيادية في عرض الآراء المتباينة وإتاحة الفرصة لكل طرف له دور في الموضوع لعرض حججه، دون انحياز أو تجاهل للرأي الآخر. كما تنوه اللجنة إلى أهمية الاجتهاد في تقديم البدائل والآفاق للقارئ/المستخدم وعدم الاقتصار على البعد النقدي رغم أهميته الحيوية في بناء المواضيع الصحفية.

التوصية الثانية: تنوه اللجنة إلى الأهمية القصوى للبعد الميداني في العمل الصحفي، وتطوير الأسلوب والقصة الصحفية Storytelling وطرق المعالجة. بالإضافة إلى تنويع الأجناس الصحفية بما يتيح للقارئ والجمهور أكبر فرص للاستفادة.

التوصية الثالثة: ليس تطوير المادة الصحفية من إطار وسائل الإعلام التقليدية (مكتوبة، مسموعة، مرئية) إلى الصحافة الالكترونية، عملية نسخ ميكانيكية بل يتطلب استخدامًا أمثل للتقنيات والإمكانيات الهائلة من الوسائط المتعددة التي تتيحها هذه الأخيرة.

التوصية الرابعة: توقفت اللجنة من خلال عشرات المواضيع المرشحة للجائزة، عند الكفاءات الواعدة لدى الصحفيين الشبان. وتنوه إلى أن تطوير وصقل هذه الكفاءات لا يتطلب فقط تشجيعًا على مستوى الإمكانيات بل أيضًا إحاطة مهنية وإشرافًا تحريريًّا ملائمًا".

(الجزيرة)
(الجزيرة)

 

في مساء الثلاثاء، 17 ديسمبر/كانون الأول 2019، أعلنت لجنة التحكيم الجوائز حسب الترتيب التالي:

المرتبة الأولى: رشيد البلغيتي، من موقع "لوديسك"، عن تحقيق أنجزه حول "المغرب الأصفر: تنمية الفقر في جغرافيا البطيخ والعطش".

المرتبة الثانية: عبد الرحيم السموغني، من موقع "تيل كيل عربي"، عن تحقيق بعنوان "حد حرارة: 4 ملايين و10 سنوات في انتظار جرعة ماء".

المرتبة الثالثة: محمد محلا وكوثر الزاكي، من موقع "لوسيت أنفو"، عن مقال "مغاربة داعش: الراغبون في العودة بعد انهيار وهم دولة الخلافة".

وتم تكريم محمد الراجي، من "هسبريس"، وعزيز الدريوشي، من موقع "24 ساعة"، وكوثر ودغيري وسوفي لمبير، عن "تيل كيل".

(الجزيرة)
(الجزيرة)