مقدمة ملف تركيا.. تحديات الداخل ورهانات الخارج

يتناول هذا الملف الذي شارك فيه نخبة من الباحثين الأتراك والعرب التطورات والتغيرات البنيوية التي حدثت في تركيا على مستوى الدولة والمجتمع منذ تولي حزب العدالة والتنمية الحكم عام 2002 حتى 2009، وكيف انعكس هذا التطور وذلك التغير على الداخل اقتصادا وسياسة وثقافة، وكيف امتد إلى الخارج حضورا وتأثيرا.







يأتي هذا الملف ضمن سلسلة بدأها مركز الجزيرة للدراسات مؤخرا تركز على دراسة القوى الصاعدة المؤثرة في نظام عالمي جديد تلوح ملامحه في الأفق.

ويتناول ملف "تركيا.. تحديات الداخل ورهانات الخارج" (*) الذي شارك فيه نخبة من الباحثين الأتراك والعرب التطورات والتغيرات البنيوية التي حدثت في تركيا على مستوى الدولة والمجتمع منذ تولي حزب العدالة والتنمية الحكم عام 2002 حتى 2009، وكيف انعكس هذا التطور وذلك التغير على الداخل اقتصادا وسياسة وثقافة، وكيف امتد إلى الخارج حضورا وتأثيرا.


وبالنسبة للملف الحالي فصحيح أن كتابات كثيرة في العالم العربي تناولت الشأن التركي، لكن يغلب على جل هذه الكتابات النظرة المجتزئة التي تركز على قضية واحدة متعلقة إما بالشأن الداخلي أو الخارجي، ويطمح هذا الملف إلى أن يكون أحد المحاولات الجادة عربيا في قراءة "الحالة التركية" من منظور متكامل وبشكل منهجي من خلال دراسات وبحوث محكمة.


كان الهدف الرئيس لهذا الملف معرفة ما إذا كانت التغيرات التي شهدتها تركيا منذ مجيء حزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية شيئا طارئا معرضا لأن يزول بزوال هذا الحزب لأي سبب من الأسباب، أم أن ما حدث من تغيرات هي من العمق والمتانة بحيث لا يؤثر فيها تغير السياسات التي تتغير بتغير الأحزاب المتداولة على السلطة.


ولتحقيق هذا الهدف تم تقسيم الملف إلى قسمين أساسين، ركز القسم الأول على الداخل، وقد حاول المشاركون في هذا القسم إبراز التحديات التي تواجه تركيا/العدالة والتنمية، وكيفية تعامله معها. وتم تخصيص القسم الثاني للخارج وذلك لمعرفة البيئة الإقليمية والدولية التي تمارس فيها تركيا/العدالة والتنمية سياستها الخارجية، وكيف ستتعامل مع ملفاتها الشائكة وقضاياها المعقدة.


بدأ القسم الأول من الملف بتساؤل لأستاذ الاقتصاد بجامعة مرمرة - إسطنبول إبراهيم أوزتورك عن سر نجاح الاقتصاد التركي وكيف استطاع حزب العدالة والتنمية أن يحقق في سبع سنوات ما يشبه المعجزة الاقتصادية، والتي تمثلت بعض مظاهرها في انخفاض نسبة التضخم من 70% قبل تولي العدالة والتنمية الحكم إلى أقل من 10% حاليا رغم الأزمة المالية العالمية، وارتفاع متوسط دخل الفرد من حوالي ثلاثة آلاف دولار إلى ما يقارب العشرة آلاف دولار، وتحقيق معدل نمو منتظم في الناتج المحلي الإجمالي قارب الـ 7% سنويا، الأمر الذي رفع من مرتبة الاقتصاد التركي حتى أصبح يتبوء المكانة السادسة عشرة على المستوى العالمي والسادسة أوروبيا. كيف استطاع العدالة والتنمية تحقيق ذلك؟ هذا هو ما حاول الدكتور أوزتورك الإجابة عليه في المحور الثاني من القسم الأول للملف.


أما المحور التالي فتم تخصيصه لتلك المعضلة الكبرى التي أعاقت التطور الديموقراطي في تركيا عبر عقود طويلة من الزمن، والتي كانت كفيلة في أي لحظة بأن تقلب الطاولة وتعيد خلط الأوراق وترجع بالبلاد إلى سابق عهدها، ونعني بها مؤسسة الجيش أو بعبارة أدق المؤسسة العسكرية. كيف استطاع حزب ذي خلفية إسلامية أن "يروض" هذه المؤسسة، ويقلص من صلاحياتها، ويستعمل في ذلك أدوات دستورية وقانونية؟، ولماذا لم تنجح مساعي الجيش في مقاومتها؟ وهل ما حدث هو "تقليم نهائي لمخالب الأسد" أم أن ما نراه هو "استراحة محارب" وأن الأمور لا تزال مشرعة على كافة الاحتمالات؟ هذه الأسئلة كانت مدار بحث محور الجيش والحياة السياسية.. تفكيك القبضة الحديدية الذي كتبه الأستاذ بجامعة عين شمس والمتخصص في التاريخ التركي الحديث والمعاصر طارق عبد الجليل.


وكما الحال في محور الجيش والحياة السياسية ألقى الملف الضوء على أزمة أخرى ما انفكت تواجه تركيا وتلقي بظلالها على النسيج المجتمعي بأكمله، ألا وهي أزمة الهوية، فتحدث في هذا المحور الباحث المتخصص في الدراسات التركية الدكتور محمد ثلجي. كان الغرض الأساسي لمحور أزمة الهوية.. طرق جديدة للمعالجة ليس مجرد استعراض الأزمة وإنما البحث عن "مولداتها"، من أين نشأت، وكيف تطورت، والأهم كيف تعامل معها حزب العدالة والتنمية طوال السنوات القليلة الماضية؟ هل تعامل معها بفكر جديد وفلسفة مختلفة؟ وإلى أي درجة نجح في ذلك؟


وعلى المنوال نفسه نسج الباحث في شؤون الحركات الإسلامية والمتخصص في موضوع الإسلام السياسي في تركيا الدكتور كمال السعيد حبيب محوره الإسلاميون.. من الهامش إلى المركز. فتحدث عن جذور التدين في المجتمع التركي وكيف أن الأتاتوركية لم تستطع اقتلاع هذه الجذور، ثم تحدث عن الإسلام السياسي وكيف استطاع قادة وكوادر العدالة والتنمية الاستفادة فكريا وتنظيميا من تجربة الزعيم الإسلامي التركي نجم الدين أربكان، وحققوا الانتصار في انتخابات 2002 بعد أن راكموا التجارب وتعلموا الدروس. لم يقتصر هذا المحور على "التأريخ" للظاهرة الإسلامية في تركيا وتتبع مراحل بروزها وتطورها وإنما حاول تقديم إضافة معتبرة تتمثل في الوصول إلى خلاصات مستقاة من هذا التاريخ: هل هذه الصيغة الناضجة من التجربة الإسلامية في الحكم مؤهلة للاستمرار في بلد تأسس منذ عام 1923 على أسس ومبادئ علمانية صارمة؟


وبهذا التساؤل يختتم القسم الأول من الملف محاوره، ليبدأ قسم جديد مخصص للحديث عن السياسة الخارجية التركية، مستهلا محاوره بالحديث عن أسس ومرتكزات هذه السياسة، هل تغيرت الرؤية إلى موقع تركيا ومكانتها؟، هل أعيد النظر في التوجهات الإستراتيجية؟ وهل استلزم ذلك أدوات سياسية ودبلوماسية جديدة؟ هذا ما ناقشه أستاذ التاريخ واللغة التركية بالجامعة اللبنانية محمد نور الدين.


وانطلاقا من هذه الأسس وتلك المرتكزات راح الملف يبحث في طبيعة وآفاق العلاقات التركية مع محيطها الإقليمي وبيئتها الدولية، وكان مناسبا البدء بالعلاقة مع أكبر القوى العالمية وأكثرها تأثيرا، الولايات المتحدة الأميركية. تحدث في هذا المحور الباحث في العلاقات الدولية خليل عناني عن المشتركات الإستراتيجية التي تجمع بينهما، وحاول إلقاء الضوء على الأسباب التي جعلت كل الإدارات الأميركية منذ إنشاء الجمهورية التركية أوائل العشرينيات من القرن الماضي تعتبر أنقره "حجر الزاوية" في سياستها إزاء الشرق الأوسط، وكيف فهمت تركيا/العدالة والتنمية ذلك، وكيف تعاملت معه لا سيما في المسائل والقضايا الحساسة بالمنطقة.


ومن الولايات المتحدة إلى أوروبا والحلم التركي بالانضمام إلى اتحادها. كانت القراءة الغالبة على العقل العربي أن مسار العلاقات التركية الأوروبية هو دائما في اتجاه واحد، مساعي تركية دائمة ومستمرة للانضمام إلى هذا الاتحاد، لكن خبير الشئون التركية ورئيس قسم الرأي العام في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة الدكتور إبراهيم البيومي غانم كان له رأي مختلف كما تبدى في محور جدلية الاستيعاب والاستبعاد في العلاقات التركية الأوروبية.


ومن الولايات المتحدة وأوروبا إلى الدائرة الأقرب لتركيا، آسيا الوسطى والقوقاز ثم المنطقة العربية وما جاورها. إذ ليس من شك في أن منطقة آسيا الوسطى والقوقاز تمثل لتركيا عمقا إستراتيجيا لا يمكن تجاهله. في هذا المحور دخل الباحث التركي والمتخصص في مجال الطاقة والسياسة الأمنية بأوراسيا والخبير بمركز SETA محرم أكشي إلى لب الموضوع مباشرة، فوضع يده على مفاصل السياسات التركية في هذه المنطقة وكيف استثمرت في التعليم لإيجاد جيل يؤمن بأهمية الارتباط بتركيا. كما حاول أكشي معرفة الأسباب والوسائل التي مكنت أنقرة من تجاوز العقد التاريخية التي ظلت مستعصية مع أرمينيا، وانعكاس كل ذلك إيجابا على البلدين، لاسيما في مشاريع الطاقة والأنابيب العملاقة التي يجري العمل على مدها حاليا لنقل النفط والغاز من القوقاز وآسيا الوسطى إلى أوروبا والعالم عبر الأراضي التركية.


ومن القوقاز وآسيا الوسطى إلى الوطن العربي، إذ أن أهمية العلاقات التركية العربية لا تنبع فقط من الروابط التاريخية والدينية التي جمعت بين العرب وتركيا على مر القرون، وإنما أيضا من رغبة الأتراك في استثمار الفراغ الإستراتيجي الذي لم يعد حاليا بمقدور العرب ملؤه، لكن قد يكون الأهم في هذا المحور الذي كتبه مدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والإستراتيجية بالقاهرة الدكتور مصطفى اللباد هو اختبار متانة العلاقات التركية العربية في ظل الأوضاع الحالية للنظم العربية.


ويختتم القسم الثاني من هذا الملف محاوره بالحديث عن العلاقات التركية الإيرانية، وكيف أن الاثنين قد بنيا أسس هذه العلاقة على قاعدة الابتعاد عن حافة الصدام، وتعظيم القواسم المشتركة ومحاولة البحث الهادئ في سبل حل القضايا والخلافات العالقة بينهما، ومدى نجاحهما أو إخفاقهما في ذلك مع ما هو معروف عن طبيعة التنافس الذي يحكم ويتحكم في علاقات قوتين إقليميتين كبيرتين بحجم تركيا وإيران. هذه العلاقة المتشابكة والمعقدة حاول أن يفك عقدها الباحث التركي الدكتور حقي أوغور.
_______________
(*) المنشور عبارة عن ملخصات لدراسات مطولة تم تحريرها من قبل مركز الجزيرة للدراسات، وسيتم لاحقا نشر أصول هذه الدراسات.



عودة للصفحة الرئيسية للملف