تركيا وأزمة الهوية وانعكاساتها الداخلية والخارجية

تعد أزمة الهوية التي يعيشها المجتمع التركي ناتجة عن عدم الانسجام بين المعطيات التاريخية والثقافية والجغرافية لهذا البلد وبين الواقع السياسي والثقافي والقانوني الذي يفرض على المجتمع ولذلك فقد كانت المهمة الأساسية للعدالة والتنمية تتمثل في التخفيف من شدة العلمانية وغلواء القومية






الإسلام مكون رئيس في هوية الأتراك (رويترز-أرشيف)

محمد ثلجي


تعد أزمة الهوية التي يعيشها المجتمع التركي ناتجة عن عدم الانسجام بين المعطيات التاريخية والثقافية والجغرافية لهذا البلد وبين الواقع السياسي والثقافي والقانوني الذي يفرض على المجتمع، ولذلك فقد كانت المهمة الأساسية لحزب العدالة والتنمية الذي يحكم تركيا في الوقت الراهن تتمثل في التخفيف من شدة العلمانية وغلواء القومية اللتين سببتا الأزمات السياسية والثقافية في الدولة باتجاه علمانية أكثر حيادية وقومية أكثر انفتاحا.


مجتمع في طريقه إلى التغيير



التغيرات الجذرية التي يشهدها المجتمع التركي في الوقت الراهن تمثل حالة طبيعية في مسار تمثل هذا المجتمع لميراثه الثقافي والتاريخي
ويمكن القول بأن المجتمع التركي في طريقه إلى التغيير، ومحاولات ثنيه عن هذا التغيير لن تصمد طويلا، ومن المحتمل للتغيير الجذري الذي شهدته الدولة التركية في الثلث الأول من القرن الماضي أن يعود للظهور لكن بشكل مغاير هذه المرة (إسلامي التوجه) وبحدة أقل مرة أخرى في الثلث الأول من هذا القرن بدليل أن الهوية الثقافية التي تم تهميشها في الفترة السابقة يتم العمل على إعادتها بإرادة الشعب مرة أخرى في هذه المرحلة.


وعموما فقد تبنت حكومة العدالة والتنمية مقاربات جديدة للحد من أزمة الهوية التي يعيشها المجتمع، ويمكن تلخيص أهم التطورات على هذا الصعيد في النقاط التالية:


أولا: ظهور الوجه السياسي الذي ينتمي إلى الهوية الإسلامية على السطح، فرغم أن حزب العدالة والتنمية لا يعلن أو لا يسمح له بأن يشير إلى توجهاته الإسلامية، إلا أن الهوية الإسلامية التي تتمثل في فكر وسلوكيات أعضاء الحزب وجذورهم الحزبية التي تعود إلى حزب الرفاه لا تترك مجالا للشك بأن الشعب التركي قد اختار الحزب الذي يمثل الهوية الإسلامية ولو لم يعلن عنها بشكل رسمي.


ثانيا: العمل على الاعتراف بحقوق الأقليات وتلبية مطالبهم، فقد شهدت فترة تسلم حزب العدالة والتنمية انفتاحات ديمقراطية مهمة، تمثلت بإزالة العوائق أمام حريات الأقليات بشكل نسبي، وفتح المجال أمام مقاربات غير أمنية  في معالجة الأزمة الكردية والأزمة الأرمنية.





الهوية الإسلامية التي تتمثل في فكر وسلوكيات أعضاء العدالة والتنمية لا تترك مجالا للشك بأن الشعب التركي قد اختار الحزب الذي يمثل الهوية الإسلامية
ثالثا: العمل على إحداث توازن في علاقات تركيا مع الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي من جهة، وعلاقاتها مع العالم العربي والإسلامي من جهة أخرى، فقد شهدت فترة تسلم حزب العدالة والتنمية مواقف إيجابية ومصيرية من قضايا العالم العربي والإسلامي، ساهمت في تغيير الصورة السلبية لتركيا على الصعيد السياسي التي عرفها العالم العربي والإسلامي في القرن الماضي، كما حاولت تركيا في هذه الفترة كذلك أن تقوم بدور فاعل  ونشيط  في صنع القضايا الإقليمية وقضايا العالم الإسلامي.

ولذلك يمكن القول بأن التغيرات الجذرية التي يشهدها المجتمع التركي في الوقت الراهن تمثل حالة طبيعية في مسار تمثل هذا المجتمع  لميراثه الثقافي والتاريخي، وهي الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها أن يتعافى من مشكلات الهوية المزمنة التي ظلت تغذي حالات الاحتقان والتأزم منذ نشأة تركيا الحديثة.
_______________
باحث متخصص في الشأن التركي. النص ملخص لدراسة موسعة يمكن الاطلاع عليها بالضغط هنا.


عودة للصفحة الرئيسية للملف