موقف الاتحاد الأوروبي من الحرب على غزة

الإستراتيجية الفرنسية والأوروبية الساعية للتقارب مع إسرائيل تهدف إلى التأثير على السياسة الإسرائيلية لكن ذلك لم يمنع مما حدث في غزة من مذابح


بقلم: آلان غريش


ترجمة: سيدي أحمد ولد أحمد سالم



تعزيز العلاقات مع إسرائيل
التحول الإستراتيجي
الأزمة في غزة تؤكد التحول الفرنسي


بدأ الاجتياح الإسرائيلي لغزة في أواخر ديسمبر/ كانون الأول 2008 مؤكدا على المنعطف الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي وفرنسا. لقد استعيض عن الدبلوماسية الطلائعية المدشَّنة خلال إعلان مدينة البندقية عام 1980 والمؤكدة بالحوار مع منظمة التحرير الفلسطينية وتقديم الدعم للدولة الفلسطينية -قبل فترة طويلة من تأييد الولايات المتحدة لهذه الرؤية- استعيض عنها بموقف يدعو الجانبين إلى تقدير الأضرار المشتركة بينهما كما استعيض عنه أيضا بتعزيز مثير لعلاقات الاتحاد الأوروبي مع إسرائيل، وهو تعزيز مستقل عن سياسة هذه الدولة تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.


تعزيز العلاقات مع إسرائيل





قرر الاتحاد الأوروبي عقد اجتماعات دورية لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي مع دولة إسرائيل وهو امتياز لم يمنح إلا لعدد قليل من الدول الكبيرة كالصين وروسيا والهند
اعتمد وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في الثامن والتاسع من شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي نصا عنوانه: "استنتاجات مجلس الاتحاد الأوروبي حول تعزيز العلاقات الثنائية مع الشركاء المتوسطيين ورفع مستوى التعزيز مع إسرائيل"، وكان ذلك قبل الأحداث الراهنة، وتم رغم الوعود التي قطعت في قمة أنابوليس بشأن إقامة دولة فلسطينية وتلك الوعود لم ينفذ منها شيء، وهو أمر لا يفاجئ أحدا. وكان مبدأ تعزيز العلاقات بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي قد تم اعتماده أوروبيا بإيعاز من الرئاسة الفرنسية. وحتى قبل قمة البحر الأبيض المتوسط حاولت باريس اعتماد هذا الإجراء لكنها اضطرت إلى التراجع نظرا لتصلب بعض الأنظمة العربية ومنها مصر.


وقد اعتمد هذا النص بعد مناقشات مستفيضة، وصيغته الأولى التي قدمتها فرنسا والمنحازة لإسرائيل أثارت تحفظات لدى بعض الشركاء الأوروبيين كبريطانيا وبلجيكا اللتان دعتا إلى "إعادة توازن" النص. وأخيرا أدمج في النص، الذي اعتمده الاتحاد الأوروبي، إشارات إلى سياسة الجوار الأوروبي مع المغرب وتونس بل ومع جميع الدول العربية تقريبا، وهي إشارات محض شكلية إذ من شأنها تمرير ما هو مهم في النص: ذلك أن الفقرة التاسعة تنص على تصميم الاتحاد الأوروبي على تحسين علاقاته مع إسرائيل. ومن المفيد أن نشير هنا إلى أن هذا النص يشدد على أن تعزيز العلاقات مع إسرائيل ينبغي أن يتم في سياق ما يسميه "مصالحنا المشتركة" التي تشمل حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على أساس وجود وتعايش دولتين. غير أن هذه الإضافة شكلية ذلك أن تعزيز العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل قد أعطى فيما يبدو الضوء الأخضر للعملية الإسرائيلية الأخيرة في قطاع غزة. والأغرب من ذلك أن البرلمان الأوروبي كان من قبل قد أجَّل تأييدَ اقتراح تعزيز العلاقات.


ولتلخيص مضمون "تعزيز" هذه العلاقات على النحو الذي اعتمده اجتماع مجلس وزراء الاتحاد فإنه يعني: أولا عقد اجتماعات دورية لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي وإسرائيل وهو امتياز لم يمنح إلا لعدد قليل من الدول الكبيرة كالصين وروسيا والهند، الخ. ثم إقامة لقاءات بشكل مستمر، على الأقل ثلاث مرات في السنة، بين وزراء الخارجية (وهو أمر ليس بالجديد حيث كان مقررا في السابق). وستشمل هذه الاجتماعات قطاعات أخرى غير الشؤون الخارجية. كما تقررت الدعوة الدائمة لوزارة الخارجية الإسرائيلية لحضور اجتماعات لجان الاتحاد السياسية والأمنية فضلا عن تنظيم مشاورات أوسع وغير رسمية حول المسائل الإستراتيجية، وكذلك تكثيف تبادل الآراء حول نقاط محددة خصوصا حقوق الإنسان ومعاداة السامية. كما أن هنالك دعوة لتشجيع إسرائيل على الانضمام إلى السياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي وهو ما يعني السماح لخبراء إسرائيليين المشاركة في بعثات خارج الاتحاد سواء في أفريقيا أو في غيرها.



وما دام يحظر على إسرائيل أن تنضم إلى مجموعة آسيا في الأمم المتحدة فإن الاتحاد الأوروبي سيحاول إدماجها في مجموعة دول أوروبا الغربية ومجموعات أخرى المعروفة اختصارا بـ (The Western European and Others Group "WEOG") وهو مطلب إسرائيلي قديم من شأنه أن يسمح لها بولوج مختلف المحافل الدولية بما في ذلك عضوية مجلس الأمن.



وقد ذكر باراك رافيد في مقال له في صحيفة هاآرتس صدر في التاسع من شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي أن "تصويت الاتحاد الأوروبي لرفع مستوى علاقات الاتحاد مع إسرائيل سيتم على الرغم من ضغوط الدول العربية" وأضاف رافيد أنه في الأسبوع الماضي: "ذهبت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني إلى بروكسل لتضغط بنفسها على وزراء خارجية الاتحاد وبشكل خاص على وزير خارجية فرنسا برنار كوشنير. في وقت الاجتماع طلبت مقابلته على انفراد وطلبت من الوزراء الآخرين مغادرة القاعة. وخلال هذه المحادثة اتفق الجانبان على أنه لن يكون هناك "ارتباط" بين تعزيز علاقات الاتحاد الأوروبي وإسرائيل وبين مفاوضات السلام، ولكن الاتحاد سينشر بيانا منفصلا يدعو لاستمرار محادثات السلام حول الوضع النهائي. وكان النصر الإسرائيلي أكبر خصوصا حين استطاعت ليفني أن تَحولَ دون اعتماد إستراتيجية عمل تذكر بموقف الاتحاد الأوروبي بشأن الصراع في الشرق الأوسط. وقد تم سحب هذا النص بعدما أعدته فرنسا".


التحول الإستراتيجي






تسيبي ليفني: "مواقف الفرنسيين أصبحت أفضل، فهم يناضلون ضد المشروع النووي الإيراني وضد حزب الله في جنوب لبنان ومواقفهم أصبحت صارمة ضد حماس. ماذا يمكن أن نتمنى أفضل؟"
وتجدر الإشارة إلى أن الإستراتيجية الفرنسية (والأوروبية أيضا) الساعية للتقارب مع إسرائيل مبررة على اعتبار أن تحسين العلاقات من شأنه أن يسمح للاتحاد الأوروبي وفرنسا على وجه الخصوص بالتأثير على السياسة الإسرائيلية. ولقياس مدى عدم نجاعة هذه الإستراتيجية الأوروبية يكفي أن ننظر إلى ما يحدث في غزة الآن وإلى توسيع المستوطنات الإسرائيلية وإلى المذابح التي يتعرض لها العرب.

إن هذا التحول في الإستراتيجية الأوروبية لا يمكن فهمه دون تحليل التغيرات التي حصلت في السياسة الفرنسية، حتى ولو كانت هناك عوامل أخرى ساهمت في هذا التحول كتوسع الاتحاد الأوروبي نحو الشرق وانضمام بلدان عرفت بتأييدها القوي للسياسة الإسرائيلية. ذلك أنه منذ سبعينات القرن الماضي إلى بداية الألفية الراهنة، وأيا كان الرئيس الفرنسي، فإن فرنسا لعبت دورا رئيسيا في أوروبا فيما يتعلق بقضية الشرق الأوسط.


وقد جاء على لسان وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني خلال زيارتها لباريس في 1 مارس/ آذار 2006 أنه قد حان الوقت بالنسبة لإسرائيل "أن تتحرك الأمور فيما يتعلق بالعلاقات مع فرنسا. (...) فمواقف الفرنسيين أصبحت أفضل، فهم يناضلون ضد المشروع النووي الإيراني وضد حزب الله في جنوب لبنان ومواقفهم أصبحت صارمة ضد حماس. ماذا يمكن أن نتمنى أفضل؟"، وكان الرئيس الفرنسي يومئذ جاك شيراك، وقد عرف العامان الأخيران من رئاسته (2005-2007) تحولا غير مسبوق نحو تعزيز العلاقات مع إسرائيل.



إن هنالك أربعة أسباب قد تكون مختلفة جدا لكنها ساهمت في تحول السياسة الفرنسية تجاه إسرائيل: فثمة رغبة في الاقتراب من الولايات المتحدة، وهناك ثانيا "تعب" تجاه القضية الفلسطينية، وثالثا يوجد اعتقاد أننا "نحن" الغربيين نواجه مثل إسرائيل عدوا واحدا هو الإسلام ، وأخيرا الرغبة بنيل حظوة لدى الجالية اليهودية (مع أنها لا تمثل سوى أقلية في فرنسا).



وقد أعطى وصول الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي للإليزيه في مايو/ أيار 2007، سرعة لإشاحة الوجه عن فلسطين. فقد رفض ساركوزي التنديد بـ"الاحتلال" بل إن هذا المصطلح اختفى من مفردات الدبلوماسية الفرنسية، وقد وافق الرئيس على سياسة الحصار المفروض على غزة ومقاطعة حماس كما وافق على السماح لليد الأمريكية باللعب كـ"عراب" سلام تأجل مرارا. وقد صرح وزير خارجيته في 18 يوليو/ تموز 2007 أن حماس تحتفظ بـ"اتصالات مع تنظيم القاعدة". وفي الوقت نفسه عمقت فرنسا علاقاتها مع إسرائيل، وخير شاهد على ذلك زيارة الرئيس ساركوزي لإسرائيل في الفترة من 22 إلى 24 يونيو/ حزيران 2008.



الأزمة في غزة تؤكد التحول الفرنسي






جدد نيكولا ساركوزي اتهامه لحماس واصفا إياخا بأنها تصرفت تصرفا غير مسؤول ولا يمكن غفرانه
منذ السابع والعشرين ديسمبر/ كانون الأول ومع اندلاع التدخل الإسرائيلي في غزة دعا ساركوزي إلى "الوقف الفوري للهجمات الصاروخية على إسرائيل ووقف القصف الإسرائيلي لغزة." ولم يكن هذا الموقف يعني دعوة الجانبين إلى تقدير الأضرار المشتركة بينهما والناتجة عن هذه الحرب لأنه يدين "الاستفزاز غير المسؤول الذي أدى إلى هذا الوضع (أي إطلاق الصواريخ)."


وفي الثالث من يناير/ كانون الثاني الجاري وفي الوقت الذي تسبب الهجوم الإسرائيلي في وفاة مئات الأشخاص نجد فرنسا "تدين الهجوم البري الإسرائيلي كما تدين استمرار إطلاق الصواريخ".



وخلال زيارته إلى المنطقة في مطلع يناير/ كانون الثاني الجاري دعا ساركوزي لوقف العنف وإلى هدنة إنسانية –رفضها بشدة رئيس الوزراء الإسرائيلي- وجدد اتهامه لحماس بأنها تصرفت تصرفا "غير مسؤول ولا يمكن غفرانه". ومن المسلم به أن فرنسا تقوم إلى جانب مصر بمحاولة للتوصل لوقف لإطلاق النار، ولكنها في الوقت الذي تحمل حركة حماس مسؤولية ما يحدث فإنها تشجع التطرف الإسرائيلي. وأثناء مناقشة مجلس الأمن لاعتماد لقرار (تم التصويت عليه في الثامن من يناير) فإن فرنسا التي ترأس المجلس حاولت الاعتراض على نص القرار مفضلة بيانا بسيطا. وحينما وجدت فرنسا نفسها معزولة لم يكن في استطاعتها غير التصويت لصالح قرار أعد الجزء الأكبر منه من جانب البريطانيين والأميركيين.
_______________
المدير المساعد لجريدة لوموند ديبلوماتيك
مركز الجزيرة للدراسات