العلاقات الهندية-الإسرائيلية وتداعياتها الإستراتيجية على الشرق الأوسط

تحاول هذه الدراسة عرض فهم موضوعي لأسباب التطور السريع في العلاقات الهندية- الإسرائيلية، وأبعاد ومجالات هذه العلاقات.







الهند تتسلم بعض طائراتها من إسرائيل بعد أن زودتها الأخيرة بأنظمة الإنذار والسيطرة المحمولة جوا "أواكس" (رويترز-أرشيف)  

محمد فايز فرحات


تشهد العلاقات الهندية-الإسرائيلية نموا متسارعا على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية∙ غير أن المحتوى الأمني- الدفاعي يظل هو الأهم بين تلك المستويات، بالنظر إلى تداعياته الإستراتيجية على منطقة الشرق الأوسط.


مرحلة ما قبل التسعينيات 
مرحلة ما بعد التسعينيات: الانفتاح وإعادة قراءة الإرث التاريخي 
قضايا التعاون المشترك 
مشروع "المحور الهندي-الإسرائيلي-الأميركي" 
خاتمة


الملاحظة المهمة بخصوص العلاقات الهندية-الإسرائيلية هو انتقالها وتحولها السريع من مرحلة كان العالم العربي يتعامل فيها مع الهند باعتبارها "صديقا مضمونا"، خاصة فيما يتعلق بمساندة الحقوق العربية في الصراع مع إسرائيل، إلى انطلاق العالم العربي من افتراض أن العلاقات الهندية مع كل من العرب وإسرائيل أقرب إلى المباراة الصفرية، بمعنى أن كسب الهند "لإسرائيل" يعني خسارة العرب والعكس.


والواقع أن هذه المعادلة ظلت لعقود طويلة صالحة، نسبيا، وذلك نتيجة سيادة سياسات دولية وإقليمية معينة حكمت السياسة الخارجية الهندية خلال الفترة ما قبل استقلال الهند عن الاستعمار البريطاني وحتى نهاية عقد الثمانينيات. غير أن تغير هذه السياسات أدى إلى تغيرات جوهرية في طبيعة العلاقات الهندية- الإسرائيلية.


ولازال الكثير من الكتابات العربية يحاول فهم التحول في العلاقات الهندية- الإسرائيلية في سياقات تبتعد بها عن فهم العوامل الموضوعية التي قادت إلى التحول في التوجهات الهندية صوب إسرائيل، من قبيل حصرها، على سبيل المثال، في إطار التآمر "الهندوسي- اليهودي" على العالم الإسلامي، أو غيره من العناوين.


ودون نفي التداعيات الإستراتيجية السلبية المتوقعة للعلاقات الهندية الإسرائيلية على المصالح العربية والإسلامية، إلا أن مثل هذه الكتابات العربية تقع في خطأين أساسيين؛ الأول هو اختزال أسباب ودوافع العلاقات الهندية الإسرائيلية في استهداف العالم العربي والإسلامي على أساس "قومي" أو "ديني". والخطأ الثاني هو اختزال أسباب تطور هذه العلاقات في الدوافع الهندية أو الإسرائيلية فقط- رغم أهميتها- دون الالتفات للمسؤولية العربية والإسلامية عن حدوث النقلة المهمة في تلك العلاقات.


وتحاول هذه الدراسة عرض فهم موضوعي لأسباب التطور السريع في العلاقات الهندية- الإسرائيلية، وأبعاد ومجالات هذه العلاقات.


مرحلة ما قبل التسعينيات


اتسمت العلاقات الهندية الإسرائيلية خلال النصف الثاني من القرن الماضي بالمحدودية، سواء على المستوى السياسي والدبلوماسي، أو الاقتصادي والتجاري، أو العلاقات الثقافية. فعلى الرغم من اعتراف الهند بإسرائيل في سبتمبر/ أيلول عام 1950، وسعي إسرائيل الحثيث خلال تلك الفترة إلى توسيع نطاق علاقاتها الخارجية في محاولة لتكريس الاعتراف الدولي بها كدولة، والالتفاف على التوجهات العدائية العربية تجاهها، إلا أنها لم تنجح في تطوير علاقاتها مع الهند، واقتصر التمثيل السياسي عند مستوى التمثيل القنصلي فقط.





اتسمت العلاقات الهندية الإسرائيلية خلال النصف الثاني من القرن الماضي بالمحدودية، سواء على المستوى السياسي والدبلوماسي، أو الاقتصادي والتجاري، أو العلاقات الثقافية
واقع الأمر أن عوامل عديدة كانت وراء محدودية تلك العلاقات خلال المرحلة المذكورة، جاءت في جوهرها نتاجا للسياسات الدولية السائدة آنذاك، والمتمثلة أساسا في الحرب الباردة وقضايا التحرر الوطني، وعدم الانحياز.

وقد كان لهذه البيئة تأثيرها على العلاقات الهندية-الإسرائيلية من زوايا عدة؛ فمن ناحية، نظر حزب المؤتمر الحاكم في الهند إلى "المشروع الصهيوني" باعتباره امتدادا للاستعمار الغربي. ومن ناحية أخرى، فقد كان لقرار إنشاء إسرائيل دلالة خاصة من وجهة النظر الهندية، فقد نشأت إسرائيل بنفس الطريقة التي نشأت بها الهند، وهي التقسيم على أساس ديني، وهو ما كانت تعارضه الهند في حالة شبه القارة الهندية، حيث كانت تطرح بديل "دولة واحدة وأمتان". كما كان للعلاقات الهندية- الأميركية خلال تلك المرحلة، والتي اتسمت بدرجة من عدم الثقة، انعكاسها على العلاقات الهندية- الإسرائيلية.


وبالإضافة إلى العوامل الدولية، فقد لعب العامل الداخلي المتمثل في وجود أقلية مسلمة كبيرة في الهند، دورا مهما ضبط الانفتاح الهندي على إسرائيل. ورغم تراجع الأهمية النسبية لهذا العامل كمحدد في السياسة الخارجية الهندية تجاه إسرائيل في الفترة الحالية، إلا أن هذا العامل كان له تأثيره المهم في السنوات الأولى بعد تأسيس الدولة الهندية لأسباب تتعلق،من جهة، بحرص الهند على إثبات جدارة نظرية " الدولة الواحدة والأمتان"، وجدارة نظرية "الديمقراطية العلمانية" كإطار سياسي للدولة الهندية الجديدة، وتتعلق،من جهة أخرى، بقوة العلاقات الهندية- العربية خلال تلك المرحلة.


وعلاوة على ما سبق، فقد أدى وجود أقلية يهودية محدودة داخل الهند إلى ضعف تعاطف حركة التحرر الوطني الهندية، قبل الاستقلال، مع المسألة اليهودية. فرغم تفهم القيادات الوطنية الهندية للطموحات اليهودية في إقامة وطن خاص بهم، إلا أن حزب المؤتمر انتقد اعتمادهم على "الإمبريالية" البريطانية لإنجاز هذا الطموح، الأمر الذي أدى إلى نظرة الحزب لدولة إسرائيل باعتبارها مشروعا استعماريا(1). وقد استمر هذا الموقف من الدولة اليهودية الجديدة إلى ما بعد الاستقلال.


ولم تنجح المساعدات العسكرية الإسرائيلية للهند خلال عقود الستينيات، خاصة خلال المواجهات الهندية- الصينية، والحروب الهندية- الباكستانية، في تغيير التوجهات الهندية تجاه إسرائيل، كما لم تؤد معاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية سنة 1979 إلى إدخال تغيرات جوهرية عليها(2).


مرحلة ما بعد التسعينيات
الانفتاح وإعادة قراءة الإرث التاريخي


خلافا للفترة الممتدة من الخمسينيات وحتى نهاية الثمانينيات، فقد شهدت أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات بداية انفتاح واضح في العلاقات الهندية- الإسرائيلية، عكست تحولا بنيويا في توجهات السياسة الخارجية الهندية تجاه إسرائيل، وتحولا في الأهمية النسبية للمحددات التي حكمت العلاقات والتوجهات الهندية تجاه إسرائيل خلال المرحلة السابقة.


1- لماذا الانفتاح الهندي على إسرائيل؟
كما كان الحال فيما يتعلق بالمرحلة من الخمسينيات وحتى نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، فقد ارتبط التحول في اتجاهات السياسة الخارجية الهندية تجاه إسرائيل بالتحولات المهمة التي طالت النظام الدولي والسياسات الدولية والإقليمية بدءا من أواخر الثمانينيات والتي تمثلت بالأساس في انهيار الاتحاد السوفيتي- الحليف الرئيسي للهند خلال فترة الحرب الباردة- وتراجع الأهمية النسبية لأفكار ودور حركة عدم الانحياز، وبدء عملية التسوية السلمية في الشرق الأوسط، كل ذلك دفع بالنخبة الحاكمة في الهند آنذاك، وبدافع المصلحة الوطنية الهندية، إلى إعادة التفكير في جدوى الالتزام بمجموع المحددات التي حكمت العلاقات الهندية- الإسرائيلية خلال العقود السابقة.


1- فمن ناحية، دفع انهيار الاتحاد السوفيتي بالنخبة الحاكمة في الهند إلى التخلي عن سياسة عدم الانحياز، وإعادة النظر في علاقاتها مع الولايات المتحدة، الأمر الذي استتبعه بالضرورة مراجعة العلاقة مع إسرائيل كجزء من إعادة النظر في العلاقة مع الغرب. ومن ناحية أخرى، فقد أدى التغير الذي حدث في سوق النفط بدءا من أواخر الثمانينيات، خاصة تحول تلك السوق من "سوق منتجين" إلى ما عُرف بـ "سوق المستهلكين"، بما تضمنه ذلك من انحسار في نفوذ الدول العربية المصدرة للنفط، بعدما تراجع عامل النفط كمحدد في علاقات الدول المستوردة للنفط بالدول العربية وبإسرائيل، أدى إلى تحرر الهند نسبيا فيما يخص الانفتاح على العدو التقليدي للعرب آنذاك، والمتمثل في إسرائيل.


2- ثم جاءت عملية التسوية السلمية في الشرق الأوسط، والتي دشنها مؤتمر مدريد في أكتوبر/ تشرين الأول 1991، لتمثل نقطة تحول مهمة في توجهات الهند نحو إسرائيل، فقد أدت مشاركة معظم الدول العربية في المؤتمر وانخراطها في تلك العملية- بصرف النظر عن نتائجها الفعلية- إلى رفع الحرج "الأخلاقي" و"القيمي" عن صانع السياسة الخارجية الهندية، وعلى الكثير من الدول التي ترددت في الانفتاح على إسرائيل خلال العقود السابقة على بدء تلك العملية. وقد اكتسبت عملية السلام تلك أهمية أخرى بالنسبة للهند، إذ حرصت على المشاركة فيما عرف بالمفاوضات متعددة الأطراف، خاصة باللجان المعنية بقضايا الأمن الإقليمي وضبط التسلح وذلك بالنظر إلى مصالحها المختلفة في منطقة الشرق الأوسط (النفط، العمالة، الإسلام السياسي.. الخ).


وقد حاولت الهند من جانبها رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية تدريجيا، إلا أن إسرائيل أصرت على العلاقات الدبلوماسية الكاملة، كشرط مسبق للمشاركة في هذه المفاوضات، وهو ما اضطر الهند إلى القبول بالشرط الإسرائيلي، حيث تم الإعلان عن انتقال البلدين إلى مستوى العلاقات الدبلوماسية الكاملة في 29 يناير/ كانون الثاني 1992 في عهد رئيس الوزراء الهندي "نارسيمها راو" (1991- 1996).


ومثلت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون للهند في سبتمبر/ أيلول 2003 نقطة تحول فارقة في علاقات البلدين، والتي أوضحت للعالم أن الهند لم يعد لديها أي تحفظ بشأن علاقاتها مع إسرائيل، بل وانتقالها إلى مستويات ومجالات نوعية بالمقارنة ليس فقط بمرحلة الحرب الباردة، ولكن بالمقارنة بعقد التسعينيات أيضا.







3- ولم يكن لهذه التحولات الموضوعية أن تؤتي أكلها بهذه السرعة لولا تضافر عدة عوامل داخلية مهمة، كان على رأسها انتهاج الهند، بدءا من أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، سياسة التحول إلى القطاع الخاص والإصلاح الاقتصادي، وهو ما أعطى لإسرائيل أهمية خاصة بالنسبة للهند من زاوية محددة؛ فتوفير شروط مشجعة لبرنامج وخطط الإصلاح الاقتصادي كان يتطلب علاقات جيدة مع المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية، أي بالضرورة علاقات جيدة مع الولايات المتحدة الأميركية. وكما هو الحال في الكثير من الحالات، فقد مثلت إسرائيل مدخلا مهما لتطوير العلاقة مع الولايات المتحدة.

4- وبالإضافة إلى العوامل المتعلقة بتحولات النظام الدولي والداخل الهندي، فقد كانت هناك مجموعة من العوامل المهمة المرتبطة بالسياسات العربية تجاه منطقة جنوبي آسيا، والسياسة الباكستانية تجاه منطقة الشرق الأوسط. ونشير فيما يلي إلى بعض تلك العوامل.


أ- فعلى المستوى العربي شهدت السياسات العربية، خاصة الخليجية، تراجعا ملحوظا في الاهتمام بمشكلة كشمير كمحدد للسياسات العربية تجاه منطقة جنوبي آسيا(3)، الأمر الذي أدى بدوره إلى تحرر الهند نسبيا من المحدد العربي في توجهاتها نحو إسرائيل.


وقد جاء تراجع الأهمية النسبية لمشكلة كشمير كمحدد للسياسات العربية تجاه الهند وباكستان نتيجة عوامل عدة، أبرزها تطور القدرات النووية لطرفي الصراع، فقد أدى دخول العامل النووي كمتغير مهم في هذا الصراع إلى مزيد من برجماتية الدول الخليجية والعربية وتخليها عن الإنحياز النسبي لجانب باكستان، بل ودعوتها طرفي الصراع إلى التفاوض المباشر باعتباره المخرج الرئيسي الملائم لتسوية هذا الصراع.


كما شهدت أهمية هذه القضية مزيدا من التراجع كمحدد للسياسة العربية تجاه طرفي الصراع تحت تأثير عاملين آخرين.


الأول هو ما فرضته أحداث سبتمبر/ أيلول 2001 من تداخل بين الحرب ضد الإرهاب وقضية كشمير بسبب وجود العديد من التنظيمات الإسلامية المتشددة في كشمير، وتطور بيئة دولية لم تعد تقبل الخطاب المؤيد لتلك التنظيمات صريحا كان ضمنيا.


أما العامل الثاني فيتمثل في عملية التطبيع الجارية بين طرفي الصراع، والتي انطلقت في عام 2004، والتي لازالت قائمة حتى الآن وتحظى بالالتزام السياسي من جانب الطرفين رغم التوترات التي تحدث من وقت لآخر.


أضف إلى كل ذلك، التحول المهم الذي طال الخطاب الباكستاني بخصوص هذا الصراع، خاصة بعد إعلان الرئيس الباكستاني السابق برفيز مشرف في أكتوبر/ تشرين الأول 2004 استعداده التنازل عن تطبيق قرارات الأمم المتحدة التي تدعو إلى تسوية مشكلة كشمير من خلال تطبيق استفتاء حر في الإقليم، والحديث في المقابل عن بدائل عملية لتسوية هذا الصراع(4)، وهو الموقف الذي أعاد التأكيد عليه مرة أخرى في عام 2006(5).


ب- ومن المتوقع أن يتزايد تراجع الأهمية النسبية لمشكلة كشمير كمحدد للعلاقات العربية الهندية، وأن يتزايد تراجع الأهمية النسبية للمحدد العربي في السياسة الهندية تجاه إسرائيل في ضوء تزايد احتمالات تطبيع العلاقات الباكستانية-الإسرائيلية.


فقد أدى التطور المتسارع في الشراكة الهندية-الإسرائيلية، فضلا عن العوامل الدولية والإقليمية ذاتها التي لعبت دورا مهما في انفتاح الهند على إسرائيل، إلى تزايد احتمالات إقدام باكستان على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، ونقل هذه العلاقات من المستوى الفعلي إلى المستوى العلني.


ويستند هذا التحليل إلى عدد من المؤشرات، يأتي في مقدمتها الطابع البرجماتي للسياسة الخارجية الباكستانية الذي تميزت به طوال العقود السابقة وتمييزها بين غياب العلاقات الرسمية من ناحية، ووجود اتصالات فعلية مباشرة بين البلدين من ناحية أخرى، فغياب العلاقات الرسمية لم يحل دون وجود اتصالات مباشرة بين مسؤولين سياسيين وأمنيين من الطرفين.


كما لم يحل ذلك الغياب والتزام باكستان بقرارات المكتب الإسلامي للمقاطعة الذي تأسس في يناير/ كانون الثاني 1981 وانضمامها في سبتمبر/ أيلول 1994 إلي إعلان المقاطعة البريدية لإسرائيل، دون قيام بعض أشكال التجارة المباشرة أو غير المباشرة بين الجانبين.


كما جرت بعض المعاملات التجارية بين مؤسسات القطاع العام من الطرفين (صفقة شراء قطع غيار الطائرات بين الخطوط الدولية الباكستانية وشركة "صناعة الطائرات الإسرائيلية في عام 1995)، بالإضافة إلى بعض المعاملات التجارية غير المباشرة عبر أطراف ثالثة.


وينطبق الوضع ذاته على المستوى الداخلي، إذ يشهد المجتمع الباكستاني نمو اتجاه يدعو إلى تطبيع العلاقات الباكستانية- الإسرائيلية. ويتركز هذا الاتجاه بشكل خاص داخل القطاع الخاص ورجال الأعمال. ويستند هؤلاء إلى عدد من المبررات، أهمها  وجود علاقات اقتصادية بين إسرائيل والعديد من الدول العربية، وانطلاق عملية التسوية السلمية. ويعتبر هؤلاء أن نجاح الهند في تطوير شراكتها الإستراتيجية مع إسرائيل يعد أحد مظاهر فشل السياسة الباكستانية بالنظر إلى المكاسب التكنولوجية والعسكرية والسياسية التي تحققها الهند من تلك الشراكة.


كما يؤكد هؤلاء على أن تأخير تطبيع تلك العلاقات وقتا أطول من شأنه أن يخرج باكستان من سياق التفاعلات الجديدة في منطقة الشرق الأوسط، وأن يوفر بيئة مساعدة لتطور التحالف الهندي– الإسرائيلي علي حساب المصالح الباكستانية، وأن تطوير العلاقات الباكستانية- الإسرائيلية من شأنه أن يحول دون تطور هذا التحالف بشكل يستهدف تلك المصالح(6). فضلا عن ذلك، فإن الاتجاه إلي إعادة بناء منطقة الشرق الأوسط والحديث عن خريطة جديدة في المنطقة، والحديث عن شرق أوسط جديد تكون باكستان جزءا منه، أمر قد يغري باكستان بالاندماج في تلك العملية، حيث يصبح الاعتراف بإسرائيل في هذه الحالة أحد مقومات وشروط الدخول في تلك العملية، وربما يكون ذلك تحت ضغط أمريكي.





أصبحت الهند أكبر سوق لصادرات الأسلحة الإسرائيلية في العالم، إذ بلغت مبيعات السلاح الإسرائيلي للهند في عام 2006 مليار ونصف المليار دولار، ويعني ذلك أن السوق الهندية تستحوذ على أكثر من ثلث إجمالي قيمة مبيعات الأسلحة الإسرائيلية

5- ورغم أهمية الدوافع الهندية، والعوامل العربية والباكستانية وراء الانفتاح الهندي على إسرائيل، فإنه لا يمكن إغفال الدوافع الإسرائيلية أيضا في هذا الإطار.


ويمكن الإشارة هنا إلى دافعين رئيسيين وراء السعي الإسرائيلي الحثيث لتشجيع الانفتاح الهندي على إسرائيل، الأول يتعلق بالدافع السياسي المتمثل في السعي الإسرائيلي الحثيث لتوسيع علاقاتها الخارجية بشكل عام، خاصة مع القوى الإقليمية ذات العلاقات التاريخية مع الدول العربية، والتي انتهجت سياسات خارجية مؤيدة للقضية الفلسطينية بشكل خاص، حيث تكتسب الهند هنا موقعا خاصا بالنظر إلى علاقاتها التاريخية المهمة مع العالم العربي، والتي انتهجت سياسة خارجية استندت إلى مبادئ تتعلق بمواجهة الاستعمار ودعم الحقوق الفلسطينية، والتعامل مع إسرائيل باعتبارها "مشروعا استعماريا غربيا"، ومن ثم فقد مثلت الهند نقطة ارتكاز مهمة في تصفية إرث هذه المرحلة.


ولعل ما يؤكد أهمية الهند بالنسبة لإسرائيل في هذا المجال، أن السياسة الإسرائيلية تجاه الهند لم تأخذ بعين الإعتبارالمبادرات والتوجهات الهندية تجاه إسرائيل خلال العقود السابقة على بدء الانفتاح السياسي الهندي على إسرائيل في أوائل التسعينيات. إذ رغم التوجهات الهندية المتحفظة ضد الانفتاح على إسرائيل، فقد حرصت هذه الأخيرة على إبقاء الباب مواربا أمام علاقات مستقبلية مع الهند تتجاوز اعتبارات وقيود تلك المرحلة.


ولعل ما يرجح هذا التحليل هو الحرص الإسرائيلي على تقديم الدعم السياسي للهند في صراعاتها الإقليمية، خاصة خلال الحرب الهندية- الصينية في عام 1962، والحرب الهندية- الباكستانية في عام 1965.وتمثل كشمير خلال مرحلة التحفظ الهندي على علاقات منفتحة مع إسرائيل النموذج الأبرز لذلك الحرص الإسرائيلي(7).


ويتعلق الدافع الثاني بأهمية الهند كسوق لصادرات السلاح الإسرائيلي، ليس فقط من الناحية الكمية بل اكتسبت السوق الهندية أهمية نوعية أيضا بالنسبة لإسرائيل.


فقد ارتبطت تجربة تصدير السلاح الإسرائيلية بأسواق اتسمت بسيطرة النظم السياسية الديكتاتورية التسلطية، مثل نظام الفصل العنصري السابق في جنوب أفريقيا، ونظام سوموزا Somoza في نيكاراجوا، ونظام بينوشييه Pinochet في شيلي، ونظام ماركوس Marcos في الفلبين، ونظام Duvalier في هايتي، ونظام موبوتو Mobutu في زئير، وغيرها من الأنظمة التسلطية في أفريقيا وأمريكا اللاتينية(8)، الأمر الذي انعكس سلبا على صورة الصناعات العسكرية الإسرائيلية خلال تلك المرحلة.


ومن ثم، فقد مثل فتح السوق الهندية أمام صادرات السلاح الإسرائيلية مدخلا مهما لتغيير هذه الصورة السلبية حول الصناعة العسكرية الإسرائيلية بشكل عام، وحول وجهات صادراتها العسكرية بشكل خاص، وذلك بالنظر إلى اعتبار الهند واحدة من الديمقراطيات الكبيرة والمهمة داخل الدول النامية. ولعل ما يؤكد أهمية الدافع العسكري بشكل عام، أن كل زيارات المسؤولين السياسيين الإسرائيليين للهند، كان يسبقها أو يتبعها اتفاقات أو صفقات مبيعات أسلحة إسرائيلية للهند(9).


2- إعادة قراءة الإرث التاريخي
على العكس من مرحلة ما قبل التسعينيات، والتي تميزت بالتركيز على عناصر الخلاف والتناقض بين البلدين، فقد ارتبطت مرحلة الانفتاح السياسي بإعادة قراءة تلك العناصر على نحو يبرز التشابه القوي بين البلدين.


فمن ناحية، تحدثت النخب السياسية عن أن كلا البلدين يواجه بيئة إقليمية عدائية ضده، ففي الوقت الذي تواجه الهند عدوها التقليدي باكستان، بجانب عدد من التنظيمات الإسلامية المتشددة في جنوبي آسيا بشكل عام، فإن إسرائيل تواجه نظما عربية عدة في الشرق الأوسط وتنظيمات إسلامية متشددة (حماس وحزب الله بالأساس) لازالت ترفض التطبيع، وأن كلا منهما يمثل طرفا في صراع إقليمي اجتماعي طويل، ذي طبيعة دينية.


ثم جاءت أحداث سبتمبر/ أيلول 2001 لتعمق من هذا الإدراك لدى النخب السياسية في البلدين، وتضفي عليه بعدا جديدا، حيث تم التأكيد، في هذا السياق، على أن هناك تهديدا مشتركا بين البلدين ممثلا في "الإرهاب الإسلامي" في إقليم واحد، وهو إقليم "الشرق الأوسط الكبير".


ولم يقتصر الأمر على وحدة نمط التهديد الذي يواجهه البلدان، بل امتد الأمر للحديث عن تداخل مصادر التهديد هذه، فقد نظرت الهند – كغيرها من الدول الغربية- إلى "الفكر الوهابي" السعودي على أنه أحد روافد "الإرهاب الإسلامي"، الذي يمثل بذلك أحد مصادر تهديد الأمن القومي الهندي.


كما نظرت إسرائيل إلى الترسانة النووية الباكستانية باعتبارها أحد مصادر تهديد الأمن القومي الإسرائيلي في حالة سيطرة الإسلاميين المتشددين في باكستان على المنشآت النووية هناك، أو في حالة تصدير التكنولوجيات النووية الباكستانية إلى دول ذات علاقات عدائية مع إسرائيل في الشرق الأوسط (إيران أو سوريا) (10).


كما شمل هذا التداخل أيضا المساحة الكبيرة التي تحتلها قضيتا فلسطين وكشمير في خطاب الحركات والتنظيمات الإسلامية في الشرق الأوسط وجنوبي آسيا، إذ ترتبط دعوات هذه التنظيمات إلى الجهاد وحمل السلاح بالدعوة إلى تحرير هذه الأراضي باعتبارها أراضي إسلامية محتلة(11).


وبالإضافة إلى ذلك، فقد تم الترويج لعناصر تشابه أخرى من قبيل أن كلا البلدين يعد نموذجا للدولة الديمقراطية العلمانية في محيط إقليمي من الدول التسلطية.


غير أن التركيز على عناصر التشابه تلك، لا يلغي إدراك كلا البلدين لوجود عناصر اختلاف مهمة بينهما، خاصة فيما يتعلق برؤية كل منهما للنظام الدولي الأمثل لمصالحهما الوطنية، ففي الوقت الذي ترى فيه الهند أن نظاما دوليا متعدد الأقطاب يوفر لها هامش حرية أكبر هو الأفضل لمصالحها الوطنية رغم علاقاتها الإستراتيجية القوية مع الولايات المتحدة، ترى إسرائيل أن استمرار نظام أحادي القطبية تهيمن عليه الولايات المتحدة هو الأفضل لمصالحها الوطنية. إلا أن هذا الخلاف لا يؤثر كثيرا على علاقاتهما السياسية والأمنية، ويظل القاسم المشترك فيما بينهما هو أهمية الولايات المتحدة بالنسبة لهما على المستوى المنظور.


قضايا التعاون المشترك


الملاحظة المهمة فيما يتعلق بمجالات التعاون الأساسية بين الهند وإسرائيل هي مركزية القضايا الأمنية والدفاعية.








1- مكافحة الإرهاب
يشكل التعاون لمكافحة الإرهاب أحد المجالات السياسية والأمنية الأبرز في العلاقات الهندية- الإسرائيلية، ورغم أن التعاون في هذا المجال قد شهد دفعة قوية وزخما جديدا بعد أحداث سبتمبر/ أيلول 2001، إلا أنه يعود إلى ما قبل ذلك التاريخ، خاصة بعد تشكيل اللجنة المشتركة لمحاربة الإرهاب في عام 2001.


ويستند التعاون بين البلدين في هذا المجال إلى تطور إدراك هندي-إسرائيلي بأن ما يوصف "بالإرهاب الإسلامي" يمثل تهديدا مشتركا للبلدين، وأنهما يتحركان في بيئة إقليمية "عدائية" ضدهما، تتضمن، كما سبق القول، الكثير من العناصر والخصائص المشتركة.


وقد أدى تطور –أو تطوير- هذا الإدراك المشترك إلى دفع الهند للاستفادة من الخبرة الإسرائيلية في التعامل مع هذه البيئة العدائية، والاستفادة بشكل خاص من الخبرة الإسرائيلية في إدارة الصراعات المنخفضة الحدة مع التنظيمات الإسلامية المتشددة، وهو نمط الصراع ذاته الذي تواجهه الهند في كشمير، والذي واجهته لفترة طويلة في علاقاتها مع باكستان، قبل أن تشهد علاقات البلدين انفراجة واضحة منذ عام 2004. تبع ذلك الاستفادة الهندية من القدرات العسكرية الدفاعية لإسرائيل في هذا المجال، خاصة أجهزة الرؤية الليلية، وأجهزة مراقبة الحدود، والأسلحة الصغيرة، وسياسة زرع العملاء داخل مناطق "العدو".


2- التعاون في مجال الدفاع
يمثل التعاون في موضوع الدفاع المجال الأبرز في العلاقات الهندية الإسرائيلية، ويشمل هذا التعاون مجالات عدة، أبرزها تجارة السلاح، حيث تعد الهند في هذا الإطار أكبر سوق للسلاح الإسرائيلي. وقد جاء ذلك نتيجة عاملين، الأول هو انهيار الاتحاد السوفيتي، وما ترتب عنه من تراجع في تنافسية السلاح الروسي، من ناحية، وتقادم الترسانة العسكرية الهندية السوفيتية المنشأ.


وقد لعبت إسرائيل دورا مهما في هذا المجال من خلال نجاحها في تقديم نفسها ليس فقط كمصدر للأسلحة الحديثة وكمدخل مهم للاطلاع على التكنولوجيات العسكرية الغربية والأميركية بشكل خاص، ولكن أيضا كمتخصص في تحديث السلاح الروسي. 


كما حازت إسرائيل ميزة إضافية أخرى بالنسبة للهند، مقارنة بمصادر السلاح الأخرى الأوروبية والأميركية، وهي تحررها النسبي من التقيد باعتبارات الحفاظ على التوازن الاستراتيجي في منطقة جنوبي آسيا، خاصة التوازن الهندي- الباكستاني.


كما لعبت إسرائيل دورا مهما في إقناع الولايات المتحدة بالموافقة على حصول الهند على أسلحة إسرائيلية تتضمن تكنولوجيات عسكرية أمريكية كثيرا ما تحفظت الولايات المتحدة على حصول الهند عليها، ومن أمثلة ذلك نجاحها في إقناع إدارة كلينتون في منتصف عام 2000 بالموافقة على تزويد الهند بأنظمة الإنذار والسيطرة المحمولة جوا "أواكس" Airborne Warning and Controlling System (AWACS)، إذ كانت الولايات المتحدة تتخوف، في ذلك الوقت، أن يؤثر مثل هذا التسليح على التوازن الاستراتيجي في جنوب آسيا(12).


وقد قام البلدان بالفعل في عام 2004، بجانب روسيا، بتوقيع اتفاق بقيمة 1.1 بليون دولار مع شركة "التا" الإسرائيلية يقضي بتجهيز الأخيرة ثلاث طائرات من طراز IL-76 (الروسية الصنع) بنظام "أواكس"، حيث تم تسليم الطائرة الأولى في مايو/ أيار 2009(13).


وهكذا، أصبحت الهند أكبر سوق لصادرات الأسلحة الإسرائيلية في العالم، إذ بلغت مبيعات السلاح الإسرائيلي للهند في عام 2006 مليار ونصف المليار دولار، وهي قيمة المبيعات نفسها في السنوات الثلاث التي سبقتها. ويعني ذلك أن السوق الهندية تستحوذ على أكثر من ثلث إجمالي قيمة مبيعات الأسلحة الإسرائيلية التي بلغت 4.2 مليار دولار عام 2006.


وشملت المبيعات نماذج مطورة من طائرة "ميغ21"، ودبابات "ت-72" الروسية الأصل، ونظام "باراك" المضاد للصواريخ، ومعدات اتصال وقذائف موجهة بأشعة الليزر، ونظام "فالكون" للإنذار المبكر.


كما يحاول خبراء الأسلحة الإسرائيليون أيضا بيع نظام صواريخ "آرو-2" البالستية للهند، وهو ما سيتطلب الحصول على موافقة الولايات المتحدة بالنظر إلى وجود تقنيات أمريكية- إسرائيلية مشتركة في هذا النظام الصاروخي. وسبق أن تم بيع نظام رادار "باين" Green Pine للهند، وهو واحد من المكونات الأساسية لنظام صواريخ "آرو-2"(14).


وقد وصل التعاون الهندي- الإسرائيلي في مجالي الاستخبارات والدفاع مدى واسعا خلال السنوات الأخيرة، عبر عنه إطلاق إسرائيل قمر التجسس "بولاريس" في 21 يناير/ كانون الثاني 2008 على صاروخ هندي من قاعدة "سريهاريكوتا" الفضائية الهندية في المحيط الهندي. ويعد هذا القمر الأكثر تطورا من بين أقمار إسرائيل التجسسية، فهو أول قمر إسرائيلي مزود برادار ذي قدرة فائقة على التقاط الصور في جميع الظروف الجوية. وسيغطي القمر مواقع في إيران، بما يخدم خطط الجيش الإسرائيلي. وتشير بعض المصادر الهندية إلى أن قمرين صناعيين آخرين سيطلقان عن طريق مؤسسة بحوث الفضاء الهندية خلال السنوات القليلة القادمة(15).


مشروع "المحور الهندي- الإسرائيلي- الأميركي"


إضافة إلى التعاون الهندي-الإسرائيلي في مجالي الدفاع ومكافحة الإرهاب، سعت الهند إلى توسيع نطاق تحالفها مع إسرائيل ليشمل الولايات المتحدة من خلال طرح مشروع تأسيس محور ثلاثي بين الدول الثلاث.





حددت الهند الهدف الرئيسي للمحور الهندي-الإسرائيلي-الأميركي في محاربة الإرهاب الدولي، مؤكدا أن هذا المحور بما يضمه من ثلاث "ديمقراطيات" كبيرة، هو الأكثر فعالية وقدرة على مواجهة الإرهاب (الإسلامي) المتصاعد
وفي هذا الإطار، طرح مستشار الأمن القومي الهندي في حكومة آتال بيهاري فاجبايي، براجيش ميشرا Brajesh Mishra، أثناء حضوره العشاء السنوي الثامن والتسعين "للجنة اليهودية الأميركية" American Jewish Committee (AJC) بالولايات المتحدة الأميركية في الثامن من مايو/ أيار 2003، مشروعا لإنشاء محور ثلاثي يضم الدول الثلاث(16). وقد حدد ميشرا الهدف الرئيسي للمحور في محاربة الإرهاب الدولي، مؤكدا أن هذا المحور بما يضمه من ثلاث "ديمقراطيات" كبيرة، هو الأكثر فعالية وقدرة على مواجهة الإرهاب (الإسلامي) المتصاعد.

وقد ركز ميشرا بشكل خاص على أن المحور المقترح يضمن تجاوز العقبات الخاصة بالحاجة إلى الاتفاق على تعريف محدد للإرهاب، وتجاوز الفرضيات الخاصة بضرورة  التمييز بين الإرهاب والمقاومة المشروعة، وذلك استنادا إلى الأرضية المشتركة بين الدول الثلاث، خاصة وأنها دول ديمقراطية تتبنى قيما تقوم على التسامح والليبرالية والتعددية- على حد تعبيره. غير أنه رغم سعي إسرائيل والهند إلى إقناع الإدارة الأميركية بفكرة هذا المحور إلا أنهما لم تجدا القبول المتوقع من جانب الأخيرة، دون أن يعني ذلك موت هذا المشروع.


أ- لماذا المحور الهندي- الأميركي- الإسرائيلي؟
في الواقع، يمكن تفسير طرح الهند لهذا المشروع ثم تشجيعه من جانب إسرائيل، في ضوء العوامل التالية.


1- المحور كجزء من سياسة التحالفات والمحاور الهندية: لا يمكن فهم طرح الهند لمشروع هذا المحور بمعزل عن أحد التوجهات الجديدة التي ميزت السياسة الخارجية الهندية منذ انتهاء الحرب الباردة والذي يتمثل في العمل على بناء شبكة من التحالفات والمحاور الإستراتيجية الثلاثية والثنائية.


وبمعنى آخر، فإن مشروع المحور "الهندي- الأميركي- الإسرائيلي" ليس سوى واحدا من مشروعات التحالفات والمحاور الثلاثية والثنائية التي سعت الهند إلى تطويرها منذ نهاية الحرب الباردة. ومن الأمثلة البارزة في هذا الإطار، المحور "الهندي- الروسي- الإيراني"، والمحور "الهندي- الروسي- الصيني"، والمحور "الهندي- الإسرائيلي- التركي"، بالإضافة إلى المحور "الهندي- الإسرائيلي" والمحور "الهندي- الإيراني". وقد جاءت معظم تلك المشروعات نتاجا لدوافع عديدة، كان أبرزها سياسة الحصار السياسي الهندي لباكستان، واستغلال القدرات العسكرية لهؤلاء الحلفاء لتطوير وتحديث القدرات العسكرية الهندية، وتحويل الهند إلى قوة إقليمية رئيسية.


2- المحور كنتاج طبيعي لحلفاء "طبيعيين": تذهب بعض التحليلات إلى تفسير تطور مشروع هذا المحور باعتباره امتدادا منطقيا "لحلفاء طبيعيين"(17)، وكإفراز طبيعي لعدد من التحولات السابقة على طرح فكرة هذا المشروع. أول تلك التحولات هو التطور المتسارع في العلاقات الهندية- الإسرائيلية، والتي سرعان ما أخذت أبعادا إستراتيجية خلال السنوات الأخيرة خاصة منذ عام 1999.


ثاني تلك التحولات يتمثل في تطور التعاون الاستراتيجي بين الهند والولايات المتحدة والذي تطور بشكل متسارع خلال إدارة كلينتون الثانية، ثم إدارة بوش الابن. فعلى الرغم من أن أحداث سبتمبر/ أيلول قد فتحت آفاقا مهمة للتعاون الاستراتيجي بين البلدين في مجال مكافحة الإرهاب، إلا أن التعاون الأميركي- الهندي في هذا المجال كان سابقا على أحداث سبتمبر/ أيلول من خلال تأسيس "لجنة عمل مكافحة الإرهاب".


وجاءت أحداث سبتمبر/ أيلول لتؤكد أهمية هذا التعاون، وتطوير أجندة أمنية واقتصادية مشتركة، شملت ضمان الاستقرار في أفغانستان وآسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا ومنطقة المحيط الهندي، وضمان استمرار تدفق مصادر النفط والطاقة من الخليج، بالإضافة إلى المصلحة الهندية-الأميركية المشتركة في ضمان إعادة صياغة هيكل الارتباطات الداخلية للنظام السياسي الباكستاني مع الجماعات الإسلامية الباكستانية المتشددة، ودفع النظام الباكستاني إلى تنفيذ تعهداته بهذا الشأن. وبمعنى آخر، يمكن النظر إلى طرح مشروع المحور "الهندي- الأميركي- الإسرائيلي" باعتباره خطا منطقيا للربط بين التحالفات الثنائية "الهندي- الإسرائيلي"، والهندي- الأميركي"، و"الإسرائيلي- الأميركي".


ثالث تلك التحولات هو تصاعد الدور السياسي للأمريكيين من ذوي الأصول الهندية داخل الولايات المتحدة، إذ ارتفع حجم هذه الشريحة من حوالي 815.5 ألف، وفقا لتعداد السكان الأميركي سنة 1990 إلى نحو 1.7 مليون وفقا لتعداد سنة 2000، إلى حوالي 2.6 مليون نسمة وفقا لبيانات مكتب الإحصاء الأميركي في سنة 2007. وتولي الحكومة الهندية اهتماما كبيرا لهذه الشريحة، بالإضافة إلى الجالية الهندية هناك، حيث تسعى إلى تأهيل الدور السياسي لهذه الشريحة داخل الولايات المتحدة بما يخدم مصالحها الوطنية(18)، لتشكيل "لوبي هندي"، من خلال الاستفادة في هذا المجال من قدرات اللوبي اليهودي،ومن خلال تنمية أواصر التعاون بين الأميركيين الهنود واللوبي اليهودي، وهو التعاون الذي شهد نموا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة.


3- وآخرا، لا يمكن فهم طرح هذا المحور بمعزل عن السياق الزمني الذي طرح فيه، وعن الأهداف والمصالح الهندية والإسرائيلية. وقد جاء في مقدمة الأهداف الهندية عزل باكستان سياسيا، بل ومحاولة إدراجها على قائمة أهداف الحرب الأميركية ضد الإرهاب، وانتزاع موافقة الولايات المتحدة على توجيه ضربة وقائية ضد باكستان، وهو ما اتضح من خلال ربط ميشرا مشروع المحور بهدف محدد وهو محاربة الإرهاب، والتأكيد على الطابع الديمقراطي للدول الثلاث (مقابل الطابع غير الديمقراطي للنظام الباكستاني).


فقد حاولت الهند استغلال البيئة الأمنية الجديدة بعد أحداث سبتمبر/ أيلول لإدراج باكستان على قائمة أولويات تلك الحرب ومحاولة إعادة إنتاج النموذج الأميركي في التعامل مع أحداث سبتمبر/ أيلول  بعناصره الأساسية من تجميد دور الأمم المتحدة ومجلس الأمن وتطبيق مفهوم موسع لحق الدفاع الشرعي عن النفس، والتوجه الأحادي الانفرادي في الرد علي التهديدات والاعتداءات الأمنية، وممارسة الحق في التدخل لإزالة نظم سياسية قائمة بدعوى إيوائها لتنظيمات إرهابية، والأهم من ذلك تبني المفهوم الأميركي المرن للضربة الوقائية الذي طورته التجربة الأميركية، والذي ركز على التنظيمات الإرهابية وما أطلق عليه "الدول المارقة" ذات النظم غير الديمقراطية، والتي تسعى إلى تطوير أسلحة الدمار الشامل ودعم الإرهاب.


وقد رأت الهند في باكستان نموذجا مثاليا لتطبيق مفهوم الضربة الوقائية، فقد ذهب وزير الشؤون الخارجية الهندية  ياشوانت سن Yashwant Sinh في الأسبوع الأول من أبريل/ نيسان 2003 إلى "أن الهند تتوفر لديها حالة جيدة لتوجيه ضربة وقائية ضد باكستان"، كما أكد أنه "إذا كان غياب الديمقراطية وامتلاك أسلحة دمار شامل، وتصدير الإرهاب هي شروط الضربة الوقائية، فإن باكستان تمثل الحالة الأجدر بالعمل الوقائي"(19).
ولم يكن من اليسير تطبيق الهند للمفهوم الأميركي للضربة الوقائية أو للدفاع الشرعي عن النفس ضد باكستان بدون موافقة الولايات المتحدة، وهو ما حاولت الحصول عليه من خلال طرح مشروع هذا المحور، كإطار يضمن تمرير تلك الضربة.


وعلى الرغم من عدم نجاح الهند وإسرائيل في تمرير هذا المشروع لدى الولايات المتحدة وإعطائه شهادة ميلاد رسمية صريحة ومعلنة، إلا أن السياسات الأميركية الفعلية تدعم هذا المحور، من خلال الارتقاء بالشراكة الإستراتيجية الأميركية- الهندية والتي شهدت طفرات مهمة خلال العام الأخير تمثلت في التوقيع على اتفاق التعاون النووي السلمي بين البلدين، بالإضافة إلى استمرار الالتزامات الإستراتيجية الأميركية تجاه إسرائيل، ومباركتها للمحور "الهندي- الإسرائيلي".





نجح "اللوبي الهندي" في خلق حالة من التقارب والتعاون مع اللوبي اليهودي، وكان أهم مظاهر هذا التعاون تأسيس مبادرة الصداقة "الهندية- اليهودية- الأميركية" بين "اللجنة الأميركية اليهودية" و"لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية"
ب- مستقبل مشروع "المحور" الهندي- الإسرائيلي- الأميركي:
على الرغم من أن مشروع هذا المحور لم يلق الاستجابة المتوقعة من الولايات المتحدة ربما لإلحاحه على فكرة استهداف الحرب ضد الإرهاب للعالم الإسلامي بشكل حصري، ولتجسيده نوعا من التآمر "الهندوسي- المسيحي- اليهودي" ضد الإسلام والعالم الإسلامي، بالإضافة إلى فشل الهند في تطبيق إستراتيجية الضربة الوقائية ضد باكستان بسبب العديد من التعقيدات الأمر الذي أفقد مشروع هذا المحور بعض مبرراته من جانب الهند، إلا أن الفتور الأميركي إزاء المشروع لا يعني موته بشكل نهائي. ويعزى ذلك إلى الدعم القوي الذي يلقاه المشروع من جانب النخبة غير الرسمية في الدول الثلاث، خاصة من المؤسسات الأكاديمية ومراكز البحوث، واللوبيين اليهودي والهندي داخل الولايات المتحدة.

فمن ناحية، تلقى فكرة هذا المحور دعما قويا من جانب بعض المؤسسات البحثية والأكاديمية في الدول الثلاث، خاصة داخل إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية.


ومن الأمثلة البارزة في هذا الإطار، "معهد السياسات الدولية لمواجهة الإرهاب" The International Policy Institute for Counter Terrorism و"مدرسة هارولد هارتوج للحكومة والسياسة" Harold Hartog School of Government and Policy بجامعة تل أبيب، و"المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي" Jewish Institute for National Security Affairs بالولايات المتحدة. وقد بدأت هذه المؤسسات الثلاث في عام 2003 تنظيم سلسلة من المؤتمرات لمناقشة قضايا التعاون الاستراتيجي بين الدول الثلاث بمبادرة من المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي، حيث عقد المؤتمر الأول منها في نيودلهي في فبراير/ شباط 2003، وعقد المؤتمر الثاني في (16-17) فبراير/ شباط 2004 في إسرائيل، وعقد المؤتمر الثالث بالولايات المتحدة خلال عام 2005.


وقد أسفر المؤتمران الأول والثاني عن اتفاق الوفود المشاركة على صياغة خطة عمل تركز على تشجيع التعاون بين المنظمات غير الحكومية في الدول الثلاث خاصة المؤسسات الأكاديمية من خلال تبادل الخبرات والمعلومات والتكنولوجيات الخاصة بمكافحة الإرهاب، وتشجيع التعاون بين الهيئات العسكرية والأمنية المعنية بمكافحة الإرهاب في الدول الثلاث، وتشجيع التعاون بين تلك المؤسسات في مجال إنتاج وتطوير التقنيات الفنية والتكنولوجية في هذا المجال، بالإضافة إلى وضع إطار للتعاون المشترك في مجال دراسة ومتابعة عمليات دخول وتسرب العناصر "الوهابية" و"الخومينية" إلى المؤسسات العلمية ذات الصلة بإنتاج أسلحة الدمار الشامل.


وعلى الرغم من الطابع الأكاديمي لتلك المؤتمرات وورشات العمل، إلا أنها تلعب دورا مهما في تكريس فكرة هذا المحور بالنظر إلى عاملين رئيسين: الأول هو الدور الذي تلعبه هذه المؤتمرات وورشات العمل في خلق قناعة لدى الأوساط العلمية والأكاديمية بأهمية إنشاء هذا "المحور" وتوسيع قاعدة المؤسسات الأكاديمية المؤيدة له. أضف إلى ذلك الدور المهم الذي تقوم به تلك المؤسسات في وضع تصورات تفصيلية لقضايا وأبعاد هذا المحور.


أما العامل الثاني فيتمثل في الطابع شبه السياسي لتلك المؤتمرات. فعلى الرغم من أنها قد تعقد بمبادرات خاصة من المؤسسات الأكاديمية والبحثية، إلا أن هذا لا ينفي أبعادها السياسية لاعتبارين رئيسين:


الأول هو العلاقة القوية بين تلك المؤسسات ومراكز صنع القرار، خاصة أن بعض تلك المؤسسات يرأسها مسؤولون سياسيون سابقون، مثل شابتاي شافيت Shabtai Shavit الرئيس السابق لجهاز الموساد الإسرائيلي والذي رأس "معهد السياسات الدولية لمكافحة الإرهاب"، ود. اسحاق بن إسرائيل Itzhak Ben Israel الرئيس السابق لهيئة "قوات الدفاع الإسرائيلية لبحوث وتطوير الأسلحة" Israel Defense Forces Authority for Weapons Research and Development  الذي أدار برنامج الدراسات الأمنية بمدرسة هارولد هارتوج.


أما الاعتبار الثاني فيتمثل في المشاركة المكثفة للمسؤولين السياسيين، القائمين والسابقين، بالدول الثلاث في أعمال تلك المؤتمرات.


وتنطلق تلك المؤسسات ليس فقط من افتراض وجود قيم ومصالح مشتركة بين الدول الثلاث، ولكن من وجود تهديدات مشتركة للدول الثلاث تفرض الحوار والتعاون الاستراتيجي فيما بينها. ويُطرح في هذا الإطار، عدد من القضايا الرئيسية كموضوعات للتعاون والحوار الثلاثي، أهمها الإرهاب، وتحديث القدرات العسكرية البحرية، وأمن المحيط الهندي، وباكستان وإيران كدولتين راعيتين للإرهاب، بالإضافة إلى التعاون في مجال تكنولوجيا الفضاء.


ومن ناحية أخرى، تلعب جماعتا الضغط اليهودية والهندية داخل الولايات المتحدة دورا متناميا في هذا الإطار. فعلى الرغم من حداثة "اللوبي الهندي" داخل الولايات المتحدة، نسبيا، إلا أنه يعد واحدا من جماعات الضغط المرشحة للنمو بقوة داخل الولايات المتحدة خلال السنوات القادمة بالنظر إلى الوضع المتميز الذي تتمتع به الجالية الهندية والأميركيون الهنود داخل الولايات المتحدة، خاصة فيما يتعلق بالمستوى التعليمي والمادي، واتجاه الهند إلى تفعيل وتنشيط هذه الجالية لخدمة مصالحها الاقتصادية والإستراتيجية لدى الولايات المتحدة.


وقد نجح "اللوبي الهندي" خلال السنوات الأخيرة في خلق حالة من التقارب والتعاون الشديد مع اللوبي اليهودي، وكان أهم مظاهر هذا التعاون تأسيس مبادرة الصداقة "الهندية- اليهودية-الأميركية" بين "اللجنة الأميركية اليهودية" American Jewish Committee (AJC) و"لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية" (الإيباك) American Israeli Public Affairs Committee (AIPAC)، و"لجنة العمل السياسية الأميركية الهندية" US-Indian Political Action Committee (USINPAC) (20) وهي إحدى جماعات الضغط الخاصة بالهنود الأميركيين التي تم تأسيسها في عام 2002 ويتوقع أن تلعب دورا مؤثرا في الدفاع عن المصالح الهندية داخل الولايات المتحدة في المرحلة القادمة. وقد أطلق أحد أعضاء الكونجرس الأميركي على تلك المبادرة "الزواج العظيم".


خاتمة


لا تخلو خبرة التطور المهم الذي شهدته العلاقات الهندية- الإسرائيلية منذ بداية الثمانينيات من دروس مهمة بالنسبة للعالم العربي، يمكن نشير فيما يلي إلى أهمها:


1- أن الكثير من الكتابات العربية قد أخطأت في تفسير التوجه الهندي نحو إسرائيل، من زاويتين، الأولى عندما افترضت أن العلاقات التاريخية بين الهند والعالم العربي، والسياسة الهندية تجاه إسرائيل خلال تلك المرحلة، هي علاقات ثابتة، أو يجب أن تكون كذلك، بصرف النظر عن أية تحولات إستراتيجية. والثانية عندما اختزلت فهم هذا التوجه كمحصلة وكنتيجة لتعاون وتلاقي التطرف الهندوسي- الصهيوني في مواجهة الإسلام والعالم الإسلامي. والواقع أن كلا الفهمين، يتسم بعدم الموضوعية.


وكما اتضح من التحليل السابق، فقد تراجعت الأهمية النسبية للمحدد العربي في السياسة الخارجية الهندية بشكل عام، وتجاه إسرائيل بشكل خاص، نتيجة مجموعة من العوامل الموضوعية، تعلق بعضها بالتحولات الإستراتيجية على مستوى النظام الدولي، وتعلق بعضها الآخر بتحولات داخلية مهمة، على نحو أدى في التحليل الأخير إلى تراجع ثوابت السياسة الهندية تجاه العالم العربي والإسلامي، دون أن ينفي ذلك حرص الهند تبني خطاب عام مؤيد للحقوق الفلسطينية.


كما أنه ليس صحيحا أيضا أن تطور العلاقات الهندية- الإسرائيلية على هذا النحو هو ترجمة مباشرة أو الوجه الآخر من مؤامرة "هندوسية- صهيونية" تُحاك ضد العالم الإسلامي. لا يمكن أن ننفي أن العلاقات الهندية- الإسرائيلية قد يكون لها انعكاساتها السلبية على المصالح العربية والإسلامية، إلا أن تطور هذه العلاقات لم يأت بدافع التآمر "الهندوسي- الصهيوني" على العالم العربي أو الإسلامي، بقدر ما جاء نتيجة عوامل موضوعية مهمة.


2- أن أية علاقات أو تحالفات يجب أن تستند إلى مصالح وأسس مادية، وأن الأساس "الخطابي"- إذا جاز التعبير- لا يمكن أن ينهض أساسا لعلاقات قوية. لقد وقع العالم العربي في خطأ –ولا يزال- الاستناد إلى الحقوق العربية الأصيلة في الصراع العربي الإسرائيلي باعتبارها الأساس الذي يجب أن يحكم علاقات القوى الدولية في توجهاتها نحو إسرائيل. فقد بدت قناعة الدول العربية بأنها صاحبة "الحق المطلق" والقضية "العادلة" المطلقة"، وكأنها تكفي لإعفاء الدول العربية من عناء الحفاظ على التحالفات والصداقات القديمة، وهو افتراض خاطئ. ففي الوقت الذي لا يقدم فيه العرب كثير للهند باستثناء سلعة النفط، نجحت إسرائيل في تقديم نفسها باعتبارها لاعبا سياسيا مهما، وكمصدر لسلع وخدمات لا يستطيع العالم العربي تقديمها للهند، بدءا من صيانة وتحديث السلاح وانتهاء كقناة مرور سياسي مهمة إلى الولايات المتحدة والتكنولوجيات العسكرية الأمريكية.


صحيح أن جزءا من هذه الخدمات يعود إلى العلاقة الخاصة لإسرائيل بالولايات المتحدة ولكن الجزء الأكبر منها يعود إلى ما تمتلكه إسرائيل من إمكانات علمية وتكنولوجية لا زال يفتقدها العالم العربي، ومن ثم فإن سؤالا مهما يجب طرحه دائما قبل تناول العلاقات الهندية مع الدول العربية ومع إسرائيل، وجنوحها إلى جانب إسرائيل: ما الذي تقدمه الدول العربية للهند؟ وما الذي تقدمه إسرائيل للهند؟


وواقع الأمر أن هذا لا يفسر فقط الانفتاح الهندي على إسرائيل، ولكنه يفسر أيضا انفتاح الكثير من القوى الآسيوية الأخرى عليها، مثل الصين واليابان.


3- هذا لا يعني أن العلاقات الهندية بكل من الدول العربية وإسرائيل هي مباراة صفرية بالضرورة، أو أن الدول العربية تفتقد إلى وجود أوراق مهمة يمكن توظيفها مع الهند، إذا لا زالت هناك بعض مجالات التعاون المهمة بين الدول العربية والهند والتي تتراجع فيها كثيرا الأهمية النسبية لإسرائيل. وتحديدا هناك أربعة مجالات هي: سوق العمالة الخليجية الذي يمثل أحد الأسواق الخارجية المهمة للعمالة الهندية، والنفط العربي، والكتلة التصويتية العربية داخل الأمم المتحدة، وأخيرا السوق العربية الضخمة كوجهة للصادرات الهندية. ولكن تعظيم الاستفادة من هذه الأوراق يحتاج إلى رؤية سياسية عربية، وهو ما يصطدم بعقبات عديدة، أهمها أن معظم هذه الأوراق يتركز لدى دول الخليج العربية. 


___________________


محمد فايز فرحات، باحث متخصص في الشؤون الآسيوية.


المصادر:
(1) انظر مقتطفات من أحاديث للمهاتما غاندي في عام 1921، وجواهر لال نهرو في عام 1974 حول تلك المسألة في:
P. R. Kumaraswamy, "Israel- India Relations: Seeking Balance and Realism", Israeli Affairs, Autumn- Winter 2004, Vol. 10, Issue 1-2, p. 255-256.
(2) Efraim Inbar, "The Indian- Israeli Entente", Orbis, Winter 2004, pp. 89-90.
(3) حول موقف دول الخليج العربية من مشكلة كشمير انظر: أ. ك. باشا، "الهند ودول الخليج: التحديات والآفاق" (باللغة الإنجليزية)، ورقة مقدمة إلي ندوة "شبه القارة الهندية والخليج العربي"، قسم العلوم السياسية، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة الإمارات العربية المتحدة، العين، 21-22 أكتوبر/ تشرين الأول 2002.
(4) Asia News, "Musharraf urges Kashmir rethink", 26 October 2004.  http://www.asianews.it/index.php?art=1764&l=en
(5) B.B.C., "Musharraf pushes Kashmir proposal", 5 December 2006.
http://news.bbc.co.uk/2/hi/6208660.stm
(6) P. R. Kumaraswamy, Beyond the Veil: Israel –Pakistan Relations, Tel Aviv University, Jafee Center for Strategic Studies, Memorandum no. 55, March 2000), p. 20.
(7) Harsh V. Pant, "Indian- Israeli Partnership: Convergence and Constraints", Middle East Review of International Affairs (MERIA), Vol. 8, no. 4, December 2005.
(8) Raja Swamy, "The Case against Collaboration between India and Israel", Monthly Review, 30/08/2006. http://www.mrzine.monthlyreview.org/
swamy300806.html

(9) انظر رصدا بزيارات المسؤولين السياسيين الإسرائيليين للهند خلال الفترة (1996- 2006) وما سبقها أو تلاها من زيارات لمسؤولين عسكريين وصفقات عسكرية بين الجانبين في المقال التالي:
Raja Swamy, "The Case against Collaboration between India and Israel", op., cit.
(10) للتعرف على وجهة نظر إسرائيلية في هذا المجال، انظر:
Efraim Inbar, "The Indian- Israeli Entente", Orbis, Winter 2004, pp. 92-93.
(11) Harsh V. Pant, "Indian- Israeli Partnership: Convergence and Constraints", op. cit.
(12) Brookings Institute, "Israel & India: New Allies", Middle East Bulletin, 21 March 2008.
http://www.brookings.edu/opinions/
2008/0321_india_riedel.aspx?sc_lang=en

(13) "Indian Air Force inducts its first AWACS", The times of India,28 May 2009.
http://timesofindia.indiatimes.com/Indian-Air-Force-inducts-its-first-AWACS/articleshow/4587972.cms
(14) Brookings Institute, "Israel & India: New Allies", op., cit.
(15) Ibid.
(16) انظر نص المحاضرة على الموقع الإليكتروني لسفارة الهند في الولايات المتحدة الأميركية :
Address by Brajesh Mishra, National Security Advisor of India at the American Jewish Committee Annual Dinner, Washington, DC, May 08,2003.
http://www.indianembassy.org/indusrel/
2003/nsa_ajc_may_8_03.htm

(17) لمزيد من التفصيلات حول تلك الفكرة، انظر:
Dr. Richard L. Benkin, "An India-Israel-United States Alliance: The Last Great Hope for Humanity", a lecture delivered at the "Arvind Ghosh Memorial Lecture", Chicago, November 1, 2008.
http://www.interfaithstrength.com/Arvind%20Ghosh%20Memorial%20Lecture.pdf
(18) تولي الحكومة الهندية اهتماما كبيرا للارتقاء بدور الجاليات الهندية الموجودة في الخارج، وخاصة في الولايات المتحدة، سواء الأميركيين من أصل هندي أو الهنود المقيمين في الولايات المتحدة. انظر لمزيد من التفصيلات التقرير التالي لوزارة الخارجية الهندية:
The Indian Dispora, Ministry of External Affairs, Foreign Secretary's Office, 18 august 2000.
http://www.indiandiaspora.nic.in/contents.htm
http://www.indiandiaspora.nic.in/diasporapdf/part1-ord.pdf
http://en.wikipedia.org/wiki/Indian_American#Numbers
(19) The Hindu, 10 April 2003.
(20) لمزيد من التفصيلات حول هذه اللجنة أنظر موقعها الإليكتروني على  الرابط التالي:http://www.usinpac.com/


عودة إلى الصفحة الرئيسية للملف