تركيا.. تحديات الداخل ورهانات الخارج

استطاعت تركيا أن تعيد ترتيب بيتها الداخلي على المستويين السياسي والاقتصادي، وتعيد رسم أسس ومرتكزات سياساتها الخارجية وفق رؤية جديدة وخطوط إستراتيجية مغايرة عن تلك التي كانت قائمة، وقد انعكس ذلك على قوة الدولة ومكانتها الإقليمية والدولية كما تبينه "ملخصات" دراسات الملف التالي.









استطاعت تركيا خلال السنوات القليلة الماضية أن تعيد ترتيب بيتها الداخلي على المستويين السياسي والاقتصادي، وتعيد رسم أسس ومرتكزات سياساتها الخارجية وفق رؤية جديدة لنفسها وخطوط إستراتيجية مغايرة عن تلك التي كانت قائمة ومتبعة منذ تأسيس الجمهورية عام 1923، وقد انعكس ذلك على قوة الدولة ومكانتها الإقليمية والدولية، كما تبينه الملخصات التالية.. مزيد من التفاصيل


تحديات الداخل


الدولة والمجتمع


 محمد زاهد جول


تقع تركيا على حافة أحد أهم خطوط الفصل بين العالم الإسلامي والمسيحي، كما تشكل نقطة تقاطع لهويات ثقافية متعددة، الأوروبية، الروسية، الآسيوية، العربية، ولذلك ساهمت هذه الجغرافيا في تكوين الهوية الثقافية والسياسية لتركيا من خلال التفاعل السياسي والثقافي لهذه الحضارات على مر التاريخ. وتعبر تركيا خطوط مواصلات من أوروبا إلى آسيا، ومؤخرا بدأت مشاريع لنقل النفط والغاز عبر تركيا إلى أوروبا والعالم، كما أنها الدولة الأغنى بالمياه في الشرق الأوسط، فضلا عن امتلاكها لأدوات القوة الناعمة وعلى رأسها جاذبية المشروع الذي تقدمه وما تظهره من تجربة متميزة في التناوب السلمي على الحكم.



الاقتصاد وعقد التحولات الكبرى


إبراهيم أوزتورك


مر الاقتصاد التركي بعملية تحول كبيرة طيلة السنوات السبع الواقعة ما بين الأزمة الاقتصادية الداخلية 2001 والأزمة الاقتصادية العالمية 2008. وكان من نتائج هذا التحول أن قفز الناتج المحلي الإجمالي من 300 مليار دولار إلى 750 مليار دولار، بمعدل نمو بلغ 6.8 % سنويا، وانعكس ذلك على دخل الفرد فزاد من 3300 دولار إلى 10.000 دولار، كما نجحت الدولة في معالجة مشكلتي العجز والتضخم وما نجم عنهما من اختلالات، وأصبحت واحدة من أكثر الدول جذبا للاستثمار الخارجي، واحتلت بذلك كله المرتبة السادسة عشرة في ترتيب أكبر الاقتصاديات العالمية والمرتبة السادسة أوروبيا، وإذا ما أخذ بعين الاعتبار التغيرات بعيدة المدى التي يتوقع أن تطرأ على الخريطة الاقتصادية العالمية، والدور التركي المتنامي على المستوى الدولي، فإنه يتوقع من تركيا أن تلعب دورا اقتصاديا مهما.


الجيش والحياة السياسية.. تفكيك القبضة الحديدة


طارق عبد الجليل


تقليص سيطرة الجيش على الحياة السياسية يعد التغير الأهم والأبرز الذي طرأ على بنية الدولة في تركيا منذ تأسيس الجمهورية عام 1923. فمع وصول العدالة والتنمية إلى السلطة استصدرت حكومة أردوغان قوانين جديدة متوافقة مع معايير كوبنهاجن بهدف إعادة هيكلة المؤسسات، وكانت نقطة التحول الأقوى في العلاقة بين العسكريين والمدنيين داخل مجلس الأمن القومي وأمانته العامة وهما الذراعان اللذان ظلا دوما يلعبان دورا مهما في عسكرة الحياة السياسية في تركيا. غير أن ذلك لا يدفع إلى القول بأن عهد تدخل الجيش في السياسة قد ولَّى؛ فلا يزال هذا الحق مكفولاً له في دستور 1982 المعمول به حاليا. ولذلك فإن جهود العدالة والتنمية لسن دستور مدني جديد ترنو -فيما ترنو إليه- إلى وضع المؤسسة العسكرية في مكانها الدستوري الصحيح وفق معايير النظم الديمقراطية الحقيقية.


 أزمة الهوية.. طرق جديدة للمعالجة


محمد ثلجي


أزمة الهوية التي يعيشها المجتمع التركي ناتجة عن عدم الانسجام بين المعطيات التاريخية والثقافية والجغرافية لهذا البلد وبين الواقع السياسي والثقافي والقانوني الذي يفرض على المجتمع، ولذلك فقد كانت المهمة الأساسية لحزب العدالة والتنمية هي التخفيف من شدة العلمانية وغلواء القومية اللتين سببتا الأزمات السياسية والثقافية في الدولة باتجاه علمانية أكثر حيادية وقومية أكثر انفتاحا. ويمكن القول بأن المجتمع التركي في طريقه إلى التغيير، ومحاولات ثنيه عن هذا التغيير لن تصمد طويلا، ومن المحتمل للتغيير الجذري الذي شهدته الدولة التركية في الثلث الأول من القرن الماضي أن يتكرر لكن بشكل مغاير هذه المرة (إسلامي التوجه) وبحدة أقل في الثلث الأول من هذا القرن بدليل أن الهوية الثقافية التي تم تهميشها في الفترة السابقة تعود هذه المرة لكن بإرادة شعبية.


 الإسلاميون.. من الهامش إلى المركز


كمال السعيد حبيب 


لم يكن صعود التيار الإسلامي في تركيا بالأمر الهين نظرا لطبيعة الدولة التركية العلمانية الصارمة والتي يحرّم دستورها التطرق إلى الشأن العام من منظور ديني، وقد ظلت المؤسسة العسكرية الحارس لهذه العلمانية، ولهذا فقد سبق وصول العدالة والتنمية إلى الحكم عقودا طويلة تخللها تغيرات فكرية وتنظيمية ساعد عليها تراكم الخبرة واستخلاص الدروس خاصة من تجربة نجم الدين أربكان. وقد تكللت هذه الجهود بانتقال الإسلام من الهامش إلى المركز ومن الاغتراب إلي الاختراق ليصبح هو الظاهرة الأهم في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية للبلاد. ويمكن القول إن حقائق التطور السياسي في تركيا تتجه لصالح دولة ديمقراطية تحترم الإسلام والمتدينين ولا تنفي العلمانية وإنما تهذبها لتكون أكثر انفتاحا وديمقراطية وتجاوبا مع حقائق العصر.


رهانات الخارج


السياسة الخارجية.. أسس ومرتكزات 


محمد نور الدين


للمرة الأولى يأتي إلى السلطة حزب يحمل مسبقا رؤية مختلفة إلى مكانة تركيا وموقعها ودورها في الساحتين الإقليمية والدولية. وقد بنت تركيا إستراتيجيتها في سياستها الخارجية على عدة أسس من بينها التوفيق بين الحريات والأمن، وإنزال المشكلات مع الجيران إلى نقطة الصفر، واتباع سياسة خارجية متعددة الأبعاد ومتعددة المسالك، كما عملت على تطوير الأسلوب الدبلوماسي وإعادة تعريف دور تركيا في الساحة الدولية، والانتقال من الكمون الدبلوماسي إلى الحركة والتواصل مع بلدان العالم. ولتحقيق هذه الأسس كان الأمر بحاجة إلى أن تعيد تركيا توجيه البوصلة الفكرية لموقعها وجعلها منسجمة مع عمقها التاريخي والحضاري والثقافي المتمثل في العالم الإسلامي ومنه العربي بعدما ابتعدت عنه منذ انهيار السلطنة العثمانية، حيث أصبحت مذاك جزءا تابعا للمنظومة الغربية.


مع الولايات المتحدة.. مصالح إستراتيجية متبادلة

خليل عناني


تمثل تركيا أحد المفاتيح المهمة لفهم السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، وذلك ليس فقط بسبب البعد الجيوإستراتيجي لتركيا والذي أعطاها ميزة تنافسية عالية، وإنما أيضا بسبب قدرة تركيا الفائقة علي تقديم نفسها للغرب والولايات المتحدة باعتبارها الشريك الأمثل الذي يمكن الاعتماد عليه في منطقة بالغة الأهمية والحساسية بالنسبة لهما. لذا فقد دخلت أنقرة في شراكة إستراتيجية طويلة المدى مع الغرب والولايات المتحدة منذ إنشاء الجهورية أوائل القرن الماضي وبشكل جعلها بمثابة "حجر زاوية" في أي سياسة أمريكية تجاه الشرق الأوسط. وبعد رحيل بوش الابن ومجيء باراك أوباما وضعت الإدارة الأميركية الجديدة توثيق العلاقات مع تركيا على أولوية أجندتها الخارجية.


تركيا وأوروبا.. جدلية الاستيعاب والاستبعاد


إبراهيم اليومي غانم


تتحكم جدلية "الاستيعاب/الاستبعاد" في توجيه مسارات العلاقات التركية الأوروبية وفي فهمها أيضاً. وللوهلة الأولى قد يبدو أن مفتاح العلاقات التركية الأوروبية في يد أوروبا، وأن تركيا تركض للإمساك بنسخة منه عبر انضمامها للاتحاد الأوروبي، ولكن هذا الانطباع غير صحيح، بل الصحيح هو أن في أنقرة كما في بروكسل قوة للمساومة على العضوية، وإن كانت غير متوازنة بطبيعة الحال لصالح الطرف الأوروبي. وإن العوامل الحضارية والتاريخية ستكون أكثر حسماً من العوامل الاقتصادية في تحديد موقف المجموعة الأوروبية من عضوية تركيا. وإن كان زعماء أوربا الذين نراهم اليوم مقتنعين بمركزية الحضارة الغربية وغير مستعدين لرؤية دولة مسلمة عضواً في ناديهم الأوروبي، فإن المزاج التركي لا يقل اعتزازاً بهويته وعمقه الحضاري عن الأوروبيين.


في آسيا الوسطى والقوقاز.. تأمين لجسور الطاقة


محرم أكشي


تقدم تركيا دعما ماليا وفنيا لدول آسيا الوسطى والقوقاز في مجالات مختلفة من أهمها مشاريع البنية التحتية، وتولي اهتماما خاصا بقطاع التعليم، وتؤمن بأن استثماراتها في هذا المجال هي استثمارات إستراتيجية بعيدة المدى، هدفها تكوين جيل يحسن فهم تركيا ويشعر نحوها بالاحترام. ومنذ مجيء العدالة والتنمية وسياسته بمنطقة القوقاز وآسيا الوسطى تتميز بخاصية فارقة ومميزة عن السياسات التي كانت متبعة خلال الفترات السابقة، فقد عملت حكومة العدالة والتنمية على عدم تحييد روسيا، واتبعت مقاربة تنطلق من قاعدة الشراكة والمصالح المشتركة وليس الصراع الهادف إلى إقصاء كل طرف للآخر، والعمل على إشراكها في المشاريع الكبرى وعلى رأسها مشروع نابوكو (Nabucco) الذي كان الهدف منه في الأساس تجاوزها وعزلها.


 تركيا والعرب.. شروط التعاون المثمر


مصطفى اللباد


يحظى الموقف العربي من الدور الإقليمي التركي بأهمية تحليلية استثنائية لاعتبارات مختلفة من بينها أن العرب يشكلون شطراً كبيراً من منطقة الشرق الأوسط جغرافياً وبشرياً وتاريخياً وثقافياً، ومن ثم يمكنهم تسهيل عودة تركيا إلى توازنات المنطقة أو عرقلتها. وتبرز تركيا من جديد كحقيقة جغرافية وتاريخية وعسكرية، في لحظة تاريخية تعاني فيها الدول العربية في المشرق من مآزق بنيوية هي الأخطر منذ الاستقلال، وهو ما يخلق فراغاً كبيراً تتقدم تركيا –موضوعياً- كي تشغله. وبسبب اختلال القدرات الواضح بين الطرفين، يبدو أن القراءة العربية للدور التركي الإقليمي في الشرق الأوسط تنطلق من أنه حقيقة واقعة لا يجب الوقوف أمامها، بل التعامل معها لتعظيم المكاسب منها. وتأسيساً على ذلك يتوقف تعزيز المصالح العربية وتعظيم القدرة على ترتيب الأولويات الوطنية والإقليمية على فهم الإستراتيجية التركية الجديدة والتعامل معها على قاعدة المصالح المشتركة.


 تركيا وإيران.. البعد عن حافة الصدام

حقي أوغور


رغم ما شهدته العلاقات التركية الإيرانية على مدى العقود الماضية من فترات مد وجذر إلا أنه ومنذ مجيء العدالة والتنمية وتطويره أسس ومرتكزات السياسة الخارجية الإيرانية لتقوم على فكرة التعاون والشراكة أكثر من التنافس والصراع والعلاقات بين أنقره وطهران تشهد تطورا مستمرا. ففضلا عن المصالح والأهداف الإستراتيجية والمتمثلة في المحافظة على وحدة التراب العراقي وعدم السماح للأكراد بإقامة دولة مستقلة لهم في الشمال والتنسيق الأمني والعسكري اللازم لتحقيق هذا الهدف فإن المواقف التي أبدتها أنقره إزاء الملف النووي الإيراني واعترافها بحق طهران في امتلاك التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية ساعد على تطوير العلاقة. لكن هذا لا يمنع الاختلاف في وجهات النظر خاصة إذا تعلق الأمر بالعلاقات التركية الإسرائيلية والوساطة التي تقوم بها تركيا للوصول إلى اتفاق سلام بين دمشق وتل أبيب، لكنه اختلاف لن يتطور إلى صدام.


---------------------------------------------------------------


للمساهمة في هذا الملف وإبداء الرأي والتعليق mabdualati@aljazeera.net


---------------------