اقتصاد البرازيل.. مقومات الصعود لمصاف الدول العظمى

تمتعت البرازيل على مدى العقود الثلاثة الماضية باستقرار في الاقتصاد الكلي، وانخفاض في التضخم، ونمو اقتصادي مرتفع، وانخفاض نسبة الديون إلى إجمالي الناتج المحلي، فضلا عن الحد من التفاوت في الدخل، وانحسار الفقر ولم تتأثر البرازيل بتداعيات الأزمة المالية العالمية.






تشتهر البرازيل بصناعة السيارات والطائرات والآلات الحاسبة ولم تعتد تقتصر في تصديرها فقط على المواد الخام (رويترز-أرشيف)

تييجو كافالاكانتي


حققت البرازيل على مدى العقدين الماضيين استقرارا اقتصاديا، تجلَّى بعض مظاهره في انخفاض معدلات التضخم، وتحقيق نمو اقتصادي مرتفع، وانخفاض نسبة الديون إلى إجمالي الناتج المحلي، فضلا عن الحد من التفاوت في الدخول، وانحسار نسبي للفقر، كما أنها لم تتأثر كثيرا بتداعيات الأزمة المالية العالمية الأخيرة التي تركت أثرا سلبيا على عديد من دول العالم.


التاريخ الاقتصادي 
اقتصاد البرازيل والأزمة المالية العالمية (2008) 
الإمكانات المستقبلية لنمو اقتصاد البرازيل 
الخلاصة


وتبدو البرازيل لأول مرة في تاريخها، مستعدة لامتصاص الصدمات الاقتصادية الخارجية، تتسلح في ذلك بسعر صرف مرن، واحتياط ضخم من العملات الأجنبية، وتناقص مستمر في نسبة الدين إلى الناتج، وإدارة رشيدة من البنك المركزي لمشكلة التضخم.


فكيف قطعت البرازيل كل هذه الخطوات، حتى أصبحت ثامن أكبر اقتصاد في العالم؟


وكيف أقنعت المستقبل بأن "يطوي أشرعته على مرافئها" كما علقت ذات مرة صحيفة الغارديان البريطانية في إحدى افتتاحياتها عام 2008 وهي تستعرض عناصر القوة التي باتت تمتلكها هذه الدولة؟


التاريخ الاقتصادي


كي نقيِّم مستقبل نمو الاقتصاد البرازيلي يجب إعطاء وصف موجز لخلفيات السياسات الاقتصادية التي تبنتها الدولة في السنوات الأخيرة. فكما حدث في بقية دول أميركا اللاتينية، تميزت الفترة من 1950 وحتى 1980 بتبني سياسة "التصنيع عوضا عن الاستيراد"(1)، واتبعت الحكومة سياسة الحمائية والدعم الشعبي وبعضا من المشاركة المباشرة (في المشروعات المملوكة للدولة)؛ وذلك من أجل دعم التصنيع في البلاد.


فعلى سبيل المثال، شهدت تلك الفترة تشكيل شركة النفط البرازيلية بتروبراس Petrobras في عام 1954، ومنحتها الدولة حقوق احتكار التنقيب عن البترول واستخراجه وتكريره. وفي المقابل سمحت الدولة لشركات التكرير الخاصة بالاستمرار في العمل لكن دون أن تتوسع في أنشطتها. ومن 1950 وحتى 1980 نما الاقتصاد البرازيلي بمعدلات عالية جدا، ونوّع هذا الاقتصاد من قاعدته الصناعية. غير أن هذه القاعدة تميزت أيضا بندرة في رأس المال، وتقادم وإنهاك أدواتها التقنية، وهو ما تطلب دعما من الدولة أو من قِبل مستثمرين من الخارج من أجل مواصلة التنمية.





تمتعت البرازيل على مدى العقود الثلاثة الماضية باستقرار في الاقتصاد الكلي، وانخفاض في التضخم، ونمو اقتصادي مرتفع، وانخفاض نسبة الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي، فضلا عن الحد من التفاوت في الدخل، وانحسار نسبي للفقر
وخلال سبعينيات القرن العشرين استمرت البرازيل في تشجيع الإستراتيجية التي اعتمدت على الديون كأحد الركائز الأساسية، والتي نقلت عبء النمو المرتفع إلى الأجيال المقبلة. وأصبح هذا الدين مرهقا خاصة حين ضربت أزمة الديون اقتصاد البلاد في الثمانينيات. واتسمت الفترة بين 1980 ومطلع تسعينيات القرن العشرين بتجريب محاولات متعددة للسيطرة على التضخم المفرط الذي أدى إلى إطالة أمد حالة النمو البطيء والمتذبذب، وذلك قبل أن ينخفض التضخم في عامي 1993 و 1994.

وفي تسعينيات القرن العشرين تبنت البرازيل نهجا إصلاحيا لتوجيه البلاد نحو اقتصاد السوق، فاتبعت آنذاك النهج العالمي الهادف إلى الخصخصة والتحرير الاقتصادي والانفتاح (خاصة في قطاعي التجارة والمال) وهو ما عرَّض المنتجين المحلين للمنافسة الخارجية.


كما طبقت البرازيل أيضا بعض الإصلاحات الاقتصادية على المستوى التفصيلي، مثل تلك التي غيرت قانون الإفلاس، والتحكم في العجز العام على مستوى الولايات والبلديات، فضلا عن تنظيم سوق النفط من خلال كسر احتكار شركة بتروبراس للتنقيب عن النفط واستخراجه في البلاد.


ورغم أن البلاد حققت من وراء الإجراءات السابقة قدرا من التعافي قصير المدى، وجنت بعض المكاسب، إلا أن فترة ما بعد الإصلاح (التي امتدت من 1996 وحتى 2003) فشلت في تحقيق توقعات النمو الاقتصادي المأمولة(2)؛ ففي تلك الفترة حقق الناتج المحلي الإجمالي معدل نمو مقداره 1.9 % سنويا (راجع شكل 1) في الوقت الذي كان معدل نمو الدخل الفردي يبلغ 0.4 % سنويا.


وقد حققت تجربة البرازيل -وغيرها من دول أميركا اللاتينية- تقدما متواصلا في إدارة الاقتصاد الكلي خلال تسعينيات القرن العشرين، غير أن هذه التجربة أظهرت أن استقرار الاقتصاد الكلي ليس كافيا بمفرده لتحقيق نمو متواصل في الإنتاجية.


وعلى أية حال، فإن الاقتصاد البرازيلي -الذي يزداد الطلب الخارجي على مواده الخام (زمن الأسعار المرتفعة، والنمو الاقتصادي العالمي) ويتمتع بإصلاحات اقتصادية على المستوى التفصيلي- شهد نموا متواصلا في الدخل خلال السنوات الأربع الماضية.


وفيما بين عامي 2004 و 2008 كان معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي 4.7 % سنويا (راجع شكل 1). ورغم الأزمة المالية العالمية، حقق الاقتصاد البرازيلي معدل نمو مقداره 5.1 % في عام 2008، وهو العام الذي يمثل قمة الأزمة وذروة العاصفة، ثم حافظ على معدل أعلى بقليل في عام 2009، ويُتوقع أن يصل بنهاية 2010 إلى 6%. وبشكل عام فإن معدل النمو الحديث في الاقتصاد البرازيلي معدل إيجابي ويتراوح بين 4 و 5 %.


شكل (1) معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي








يمثل الخط الأزرق المتذبذب معدل النمو، بينما يعبر الخط الأسود عن مسار الاتجاه عبر هذا المعدل.
المصدر: Source: IPEADATA, www.ipea.gov.br


وقد رافق نمو الاقتصاد البرازيلي انخفاض حاد في التفاوت في الدخل، وتراجع مماثل في الفقر (شكل2)؛ فمنذ منتصف تسعينيات القرن العشرين طبقت البرازيل عدة وسائل لمحاربة الفقر والتفاوت في الدخل. ومن بين هذه الوسائل برنامج الإعانات المالية المشروطة للأسر الفقيرة. وكان هذا البرنامج قد بدأ قبل وصول الرئيس "لولا دا سيلفا" إلى الرئاسة، لكن يعود إلى "لولا" الفضل في ضخ طاقة أكبر في البرنامج والوصول به إلى عدد أكبر من المستفيدين.


وفي ظل هذا البرنامج تحصل الأسر التي يقل دخل الفرد فيها عن 60 ريالا برازيليا شهريا (نحو 28 دولار أميركيا) على دعم مقداره 62 ريالا لكل فرد، و20 ريالا لكل طفل (15 سنة فأقل) بحد أقصى ثلاثة أطفال، كما تحصل الأسرة على 30 ريال أخرى لكل فرد في سن ما بين 16 و 17 سنة؛ ومن ثَمَّ فإن الأسر الفقيرة تحصل على متوسط إعانة شهرية إجمالية مقداره 182 ريالا وهو ما يعادل 40 % من الحد الأدنى للأجر الشهري في البلاد.


وهناك شروط يجب توافرها في الأسر التي تستحق الإعانة، مثل وجود صعوبات في الالتحاق بالتعليم، وتطعيم الأطفال ضد الأمراض، وتكلفة الإنجاب وعبء الأمومة. وقد شملت التغطية الإجمالية لهذا البرنامج أعدادا ضخمة من المستفيدين. فطبقا لوزارة التنمية الاجتماعية ومحاربة الفقر في البرازيل وصل البرنامج إلى 11 مليون أسرة و64 مليون مستفيد، وهو ما يعادل ربع سكان البلاد.


وفي أكثر مناطق البرازيل فقرا، خاصة في شمال شرق البلاد، يستفيد 49 % من الأسر من هذا البرنامج. وفي بعض المدن الفقيرة للغاية، مثل مدينة مناري في ولاية بيرنامبوكو، شمل البرنامج 90 % من كافة الأسر في المدينة(3). وتشير التقديرات إلى أن هذا البرنامج لا يكلف الحكومة سوى 0.3 % من مجمل الناتج المحلي الإجمالي. وإضافة إلى الإعانات المالية، شهدت قيمة الحد الأدنى من الأجور ارتفاعا ملحوظا في السنوات الأخيرة، على نحو ما يوضح شكل(3).


وفي حقيقة الأمر، بدأ الحد الأدنى للأجور في الارتفاع حين تمكنت الدولة من السيطرة على التضخم في منتصف تسعينيات القرن العشرين، ولكن الاتجاه نحو الزيادة الملحوظة قد تحقق في السنوات الأخيرة فقط؛ فعلى سبيل المثال، زادت القيمة الحقيقية للحد الأدنى من الأجور بنسبة 62 % فيما بين يناير/كانون الثاني 2003 وأكتوبر/تشرين الأول 2009. وكان لهذا أثره الكبير ليس فقط على الأجور بل كذلك على رواتب التقاعد والموازنة العامة؛ وذلك لأن الفوائد التي جنتها رواتب التقاعد تم ربطها بمستوى الحد الأدنى من الأجور.


كما كان تأثير عدم التساوي في الدخل ومعدل الفقر واضحًا أيضا؛ فقد أصبح برنامج الإعانات المالية المشروطة للأسر الفقيرة مسؤولا عن 21 % من هبوط مؤشر جيني(*) خلال الفترة بين 1995 و2004. وكان ربط رواتب التقاعد بالحد الأدنى للأجور ذا أثر كبير في هذا الإنجاز؛ إذ يعود إليه الفضل في هبوط مؤشر جيني بنسبة 32 % في نفس الفترة. ومن الملاحظ في هذا الصدد أنه بينما كان لبرنامج الإعانات المالية تأثير محدود على ميزانية الدولة،  كان تأثيره على الحد الأدنى من الأجور كبيرا ومؤثرا.


شكل (2) نسبة الفقر في البرازيل








يعبر الخط الأزرق والمحور الرأسي الأيسر من الشكل عن مؤشر جيني للدخل، ويعبر الخط الأخضر والمحور الرأسي الأيمن عن نسبة الفقراء لإجمالي عدد السكان.
المصدر: IPEADATA, www.ipea.gov.br


وفي المجمل يمكن الخروج بأن الاستقرار الاقتصادي، والنمو، والحد من الفقر، قد خلق حراكا جديدا في السوق المحلي في البرازيل، وكان لذلك الفضل في دمج فئات جديدة من السكان في سوق العمل الرسمي وسوق الاستهلاك، وهو ما جعل البرازيل أقل حساسية لصدمات الطلب الاقتصادي الخارجي، وأكثر اعتمادا على سوقها المحلي.


وعلى الرغم من أن البرازيل حققت نجاحا كبيرا في تدعيم استقرار اقتصادها الكلي، خاصة بتقديمها دعما قويا للإعانات الاجتماعية، وما تركه ذلك من تداعيات كبيرة على النمو الاقتصادي، والحد من فجوة عدم التساوي في الدخل، إلا أن اقتصاد البرازيل ما يزال يواجه رغم ذلك عقبات عدة. وتتمثل المشكلة الأكبر في أن البيئة السياسية تقف حجر عثرة أمام تنفيذ إصلاحات عميقة ضرورية لإزالة تلك الحواجز، لكن رغم هذه العقبات يمتلك الاقتصاد البرازيلي إمكانات كبيرة بوسعها -إن أحسن استغلالها- جلب منافع كبيرة على اقتصاد البلاد.


شكل (3) الحد الفعلي الأدنى من الأجور
معبَّرا عنه بالريال البرازيلي








المصدر: IPEADATA, www.ipea.gov.br


اقتصاد البرازيل والأزمة المالية العالمية (2008)


بدأت الأزمة المالية العالمية التي وقعت في عام 2008 بما عُرف بانفجار فقاعة الإسكان في الولايات المتحدة، ووصلت هذه الأزمة إلى كافة القطاعات المالية وطالت الأسواق المالية الكبرى، مسببة أزمة ائتمان وانكماش في أسعار الأصول، وهو ما كان له تداعيات كبرى على الاقتصاد الفعلي. ودخلت اقتصاديات الدول المتقدمة -ومعها عدد من الاقتصاديات الناشئة- في مرحلة انتكاسة عميقة، غير أن الاقتصاد البرازيلي استطاع امتصاص هذه الصدمة، واستطاع المحافظة على معدلات نموه (5.1% عام 2008)، وكان لهذا أسبابه التي من أهمها: متانة الموازنة العامة للدولة؛ حيث إن نسبة الدين العام للناتج المحلي الإجمالي، والذي كانت قد بلغت 50 % في عام 2003، تراجعت لنحو 37 % في نهاية عام 2008 (راجع شكل 4 ).


وفي أبريل/نيسان 2008 دلَّت مؤشرات ستاندرد وبور Standard & Poor's  على أن نسبة الديون السيادية طويلة الأمد من العملات الأجنبية قد وصلت إلى مستوى الاستثمار. وفي سبتمبر/أيلول من نفس العام اتفق مؤشر مودي للخدمات الاستشاريةMoody’s Investors Services  مع ما ذهب إليه مؤشر ستاندرد وبور حين وصل بمعدل الائتمان إلى مستوى الاستثمار.


وإضافة إلى ما سبق كان الاقتراض بالعملة الأجنبية يتم استبداله في معظم الأحوال بعملة الريال البرازيلي، واليوم تعد البرازيل واحدة من الدول القلائل المقرِضة لصندوق النقد الدولي، وهو نجاح لم يتوقعه أحد قبل 7 سنوات، حين كادت الدولة تعلن إفلاسها قُبَيل تولي "لولا" رئاسة البلاد.





لأول مرة في تاريخها، تبدو البرازيل اليوم مجهزة تماما لامتصاص الصدمات الاقتصادية الخارجية. وتتسلح البرازيل لذلك بسعر صرف مرن، واحتياطي ضخم من العملات الأجنبية، كما أن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي تتناقص بشكل ملحوظ
وبناء على ما سبق لم يعد تأرجح سعر الصرف يؤثر على الميزانية العمومية للدولة(4). وتمكنت البرازيل من ادخار نحو 235.7 بليون دولار من احتياطي العملات الأجنبية، وحررت سعر الصرف.

وإلى جانب ذلك، فإن النشاط الفعلي في الاقتصاد العالمي المتباطئ، وانخفاض أسعار السلع والمواد الخام قد أدى إلى تخفيف حدة الضغوط التي شكّلها التضخم، وهو ما سمح للبنك المركزي بخفض سعر الفائدة (بحيث جعل الدين العام أرخص من الخدمة).


وقد خفض البنك المركزي من سعر الفائدة الاسمي بأكثر من أربع نقاط مئوية؛ حيث انخفضت من 13.25 % في يناير/كانون الثاني 2009 إلى قيمتها الفعلية البالغة 8.75 % في نوفمبر من نفس العام. وما يزال بعض المحللين يعتقد أن الفرصة سانحة لخفض إضافي لسعر الفائدة طالما أن التضخم ما يزال دون مستوى الهدف المطلوب تحقيقه. ومن المهم التأكيد أنه منذ عام 1999 اتبع البنك المركزي البرازيلي برنامجا للحد من التضخم وإخضاعه للمستوى المقبول.


وفي تقرير قدمته الإيكونومست في 10 يوليو/تموز 2008 -خلال مرحلة ازدهار الأسعار- منحت المجلة البنك المركزي البرازيلي اسم "باندسبنك bundesbank أميركا  اللاتينية" مشبهة إياه بالبنك المركزي الألماني. وقد تم خفض التضخم السنوي بمعدل نقطتين خلال السنوات السبع الماضية، وأصبح قريبا جدا من الهدف المعلن، ولم يتجاوز مدى الثقة الذي حدده البنك المركزي.


شكل (4) نسبة الدين العام للناتج المحلي الإجمالي








المصدر: IPEADATA www.ipea.gov.br


وإلى جانب موقف الاقتصاد الكلي القوي، نجا النظام البنكي البرازيلي من انتقال عدوى سندات الرهن العقاري، ومن ثَمَّ لم يتعرض هذا النظام لخسائر في السندات المالية المدعومة بالأصول ومشتقاتها. أما الوساطة المالية، والتي تُعد منخفضة في البرازيل مقارنة بالدول المتقدمة، فتقوم بها بشكل أساسي مؤسسات محلية وتخضع لرقابة حكومية شديدة؛ فعلى سبيل المثال تتحكم الدولة في بنك التجزئة الرئيسي (بنك البرازيل) والذي يعد أكبر بنك تسليف لصكوك الرهن العقاري.


كما تشرف الحكومة على أكبر بنك تنمية في أميركا اللاتينية (بنك بنديس  BNDES) والذي يقدم قروضا ميسرة للشركات الكبرى. ولا تزيد نسبة الأصول البنكية المملوكة للأجانب عن 30 % مقارنة بأكثر من 80 % في المكسيك. وقبل وقوع أزمة الائتمان كان 35 % من الزيادة الشهرية في الائتمان بالبرازيل تأتي من البنوك الحكومية، و47 % من البنوك المحلية الخاصة، و18% من البنوك الأجنبية الخاصة.


وخلال الفترة من أكتوبر/تشرين الأول 2008 ومارس/آذار 2009 تغيرت هذه الصورة بشكل جذري؛ فالزيادة الشهرية في الائتمان أصبحت تأتي من البنوك الحكومية بنسبة 82 %، وبنسبة 8 % من البنوك المحلية الخاصة، و10 % من البنوك المحلية الأجنبية. وعلى هذا، ونظرا لأن البنوك البرازيلية تخضع لرقابة الحكومة بشكل كبير وتعتمد بدرجة محدودة على الخارج، فإن القطاع المالي محمى بدرجة كبيرة من أزمات الانكماش الكبرى في الائتمان التي تشهدها الأسواق المالية العالمية. وكنتيجة لذلك، لا توجد في القطاع المالي البرازيلي قوة رافعة رئيسية؛ فنسبة الائتمان للناتج محدودة إذا قورنت بغيرها من الدول ذات المستوى المتشابه في التنمية مثل شيلي والمكسيك، ولم تشهد هذه النسبة نموا كبيرا في الفترة الأخيرة، على نحو ما حدث في الولايات المتحدة (راجع شكل 5).


وتضم البنوك العامة نحو 40 % من إجمالي الائتمان الخاص في البرازيل. وعلاوة على ما سبق، فإن الائتمان في البرازيل بالغ التكلفة. ويتميز بواحد من أكبر معدلات الانتشار Spread Rate في العالم (يُحسب معدل الانتشار من خلال الفرق بين الاقتراض ونسبة الفائدة من الودائع).


وبحسب البيانات الصادرة عن صندوق النقد الدولي (الإحصاءات المالية العالمية) فإن معدل الانتشار في البرازيل يبلغ 10 أمثال نظيره في كل من الولايات المتحدة وشيلي، ومن ثَمَّ -وعلى حد تشبيه مجلة الإيكونومست في 5 مارس/آذار 2009- فإن "الأزمة المالية العالمية قد مضغت الائتمان البرازيلي مضغا خفيفا ولم تطحنه طحنا شديدا، على نحو ما عانت بلاد أخرى".


وفي تقرير حديث عن البرازيل أشارت الإيكونومست أيضا (بتاريخ 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2009) إلى أن ميزانية صكوك الرهن العقاري لا تمثل أكثر من 2 % من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، وهي أقل بأربع مرات عن نظيرتها في المكسيك (9 %). وعلى أية حال يتألف نصف صادرات البرازيل من السلع والمواد الخام غير المصنعة، والتي استفادت من الارتفاع غير المسبوق في الأسعار الذي شهدته السنوات الأربع الماضية، وذلك قبل أن تدخل اقتصاديات الدول المتقدمة مرحلة الركود.


وقد أدى الانهيار في الطلب العالمي إلى انهيار مماثل في أسعار السلع والخامات؛ إذ تراجعت أسعار النفط بأكثر من 60 % مقارنة بما كانت عليه إبان ذروة الأسعار في يوليو/تموز 2008 (وإن كانت هذه الأسعار الآن أعلى من قيمتها الحقيقية التي كانت عليها خلال عقد التسعينيات). كما أن أسعار المعادن والمواد الغذائية انخفضت بشكل ملحوظ أيضا.


وقد أدى هذا الانخفاض إلى تقليل سقف طموحات النمو في عدد من الاقتصاديات القائمة على تصدير السلع والمواد الخام ومن بينها البرازيل. وعلى أية حال فإن الاقتصاد البرازيلي مغلق نسبيا ويعتمد بشدة عل السوق الداخلي.


وتوضح البيانات المستمدة من مؤشرات التنمية للبنك الدولي أن صادرات البرازيل تعادل نحو 13 % من الناتج المحلي الإجمالي، وهي أقل بثلاث مرات من نظيرتها في كوريا الجنوبية. ومع نمو الطبقة الوسطى نتيجة الاستقرار في الاقتصاد الكلي، والنمو الاقتصادي، وسياسات محاربة التفاوت في الدخل، والتوسع في مشروعات البنية الأساسية، يبدو أن الاستهلاك الخاص والاستثمار المحلي سيصبحان المصدرين الأساسيين للنمو الاقتصادي في المستقبل.


شكل (5) نسبة الائتمان الخاص للناتج المحلي الإجمالي
في كل من البرازيل وشيلي والولايات المتحدة








المصدر: World Development Indicators (World Bank).


الإمكانات المستقبلية لنمو اقتصاد البرازيل


يمكن التعرف على إمكانات النمو المستقبلي للاقتصاد البرازيلي من خلال دراسة العناصر الثلاثة الأساسية التالية: السوق المحلي، والموارد الطبيعية (وبصفة خاصة إنتاج البترول والإيثانول)، والعلاقة بين الديموقراطية والنمو الاقتصادي.


السوق المحلي
تتمتع البرازيل بسوق محلي قوي يمثل أحد أهم إمكانات النمو المستقبلي لاقتصاد الدولة. وقد استمد هذا السوق قوته من الاستقرار الاقتصادي، وسياسات النمو والحد من الفقر، تلك السياسات التي أدت إلى تنمية الطبقة الوسطى، كما أفرزت حراكا جديدا في السوق المحلي. وإضافة إلى ما سبق، فإن 15 سنة من الاستقرار الاقتصادي قد شجعت الأسر والمؤسسات التجارية لتراهن على المستقبل بشكل أكثر أمنا؛ بحيث بنت خططها وسياساتها المقبلة على مدى زمني طويل.


ورغم أن النمو المالي في البرازيل بطيء -حيث تبلغ نسبة الائتمان للناتج المحلي 40 %- ، والائتمان مكلف للغاية (أشرنا سلفا إلى أن معدل الانتشار في البرازيل يعد واحدا من أعلى المعدلات في العالم) مقارنة بالمستويات الدولية، إلا أن الآفاق المستقبلية للنمو في مجال صناعة الائتمان تبدو هائلة. ويقدر تمويل الملكية بنحو 2 % فقط من الناتج المحلي الإجمالي. وإذا ما تم تعيين مخصصات مالية إضافية في هذا المجال سيكون لذلك أثر كبير على الملكية والتشييد والبناء.





نمت الطبقة الوسطى في البرازيل نتيجة استقرار الاقتصاد الكلي، والنمو الاقتصادي، والسياسات العامة الهادفة إلى محاربة التفاوت في الدخل. ونتيجة لما سبق فإن الاستثمار الخاص والاستهلاك المحلي سيصبحان المصدرين الرئيسيين للنمو في السنوات المقبلة
من زاوية أخرى، أصبحت القروض الممنوحة للسيارات وللمنازل متاحة بشكل أكثر وفرة من ذي قبل؛ وذلك بعد تغيير القوانين. فبين عامي 2004 و 2006 اتخذت حكومة البرازيل العديد من التدابير لإعداد حوافز لتطوير سوق الإقراض الداخلي. وفي ظل القانون الجديد يظل المقرِضون يمتلكون السلع المشتراة إلى أن يتمكن المقترض من تسديد كافة الأقساط. وكان لهذا أثر جلي على نمو قروض صكوك الرهن والسيارات. وقد أظهرت الدراسات أنه بإصلاح سوق الائتمان ستكون هناك آثار إيجابية كبيرة لمستقبل النمو الاقتصادي والتنمية.

وفرة الموارد الطبيعية
تتمتع البرازيل أيضا بموارد طبيعية عالية الإمكانات. وتجدر الإشارة إلى أن عددا من الاقتصاديين قد وجهوا اللوم خلال القرن العشرين للدول النامية لاعتمادها على المواد الخام غير المصنَّعة معتبرين ذلك هو سبب تأخرها الاقتصادي(5). ومن ثَمَّ اتجهت الحكومات إلى تبني سياسات مكنتها من الانتقال إلى مستوى الاقتصاديات الصناعية الحديثة.


وبغضِّ النظر عن تقييم تلك السياسات، فإن من المؤكد أن البرازيل تمتلك حاليا إمكانات هائلة من الموارد الطبيعية وأخرى ما زالت تنتظر الاستكشاف والاستغلال مستقبلا. فقد حبا الله عز وجل البرازيل بثروات وفيرة من مسطحات مائية مالحة وعذبة، ومساحات أخرى واسعة من الأراضي القابلة للزراعة، فضلا عن نظام فعال للري يمكِّنها من زراعة محصولين في السنة.


كما أن البرازيل تعد من أولى دول العالم في إنتاج البن والسكر وعصير البرتقال واللحوم وفول الصويا والإيثانول وخامات الحديد إضافة إلى عدد كبير آخر من المواد الخام.


وفي مجال الثروات المعدنية وإمكانات التعدين فقد أصبحت شركة فال دو روي دوس Companhia Vale do Rio Doce عام 2006 -والتي تم خصخصتها في 1997- ثاني أكبر شركات التعدين عالميا؛ وذلك حين ضمت إلى ملكيتها شركة إنكو، وهي شركة كندية لإنتاج النيكل (Schmitz and Teixeira (2008)). ويتألف سوق الأسهم البرازيلي  من 60 % من أسهم سلع المواد الخام، والنسبة الباقية لسلع المواد غير الخام.


أما حصة الصادرات القائمة على الموارد الطبيعية فقد ارتفعت في العقد الأخير، وتبلغ هذه الحصة 55 % من إجمالي الصادرات، لكن البرازيل زادت من تصدير السلع التقنية ذات المستوى المتقدم والمتوسط، إضافة إلى بعض السلع المصنَّعة الأخرى؛ فعلى سبيل المثال أصبحت شركة إمبرييرEmbraer  واحدة من كبريات شركات تصنيع الطائرات في العالم من خلال تركيزها على قطاعات تسويقية بعينها (خاصة في مجال رحلات الطيران التجارية والعسكرية ورجال الأعمال).


وبناء على بيانات وزارة الصناعة والتجارة، أصبحت شركة إمبريير أكبر مصدِّر في البرازيل بين عامي 1999 و2001، وبقيت بين عامي 2002 و2004 ثاني أكبر شركة مصدرة في البلاد؛ ومن ثَمَّ فإن البرازيل خلال سعيها لتحقيق نمو اقتصادي تُزاوج بين الإنتاج عالي التقنية والإنتاج القائم على المواد الخام غير المصنعة؛ وذلك من أجل الاستفادة من مواردها الطبيعية الهائلة. ولعل أفضل الأمثلة على هذه المزاوجة ما تمثله شركة البترول البرازيلية بتروبراس وشركة التعدين البرازيلية فال دو ريو دوس.


ويعبِّر تاريخ إنتاج البترول والإيثانول في البلاد عن كيفية تغلب البرازيل على عدة عقبات وقفت في سبيل استغلال وتطوير التقنيات المتقدمة لاستكشاف موارد البلاد الطبيعية. ومع الاكتشافات الجديدة لاحتياطيات البترول في المياه العميقة لحوضي كامبوس وسانتوس، ستصبح البرازيل واحدة من دول العالم الكبرى في إنتاج وتصدير البترول، كما توضح ذلك الأسطر التالية.


أ‌- إنتاج البترول
على مدار السنوات الخمس عشرة الماضية بذلت البرازيل جهدا كبيرا لزيادة طاقتها الإنتاجية الكلية وبصفة خاصة من البترول. وقد كان ذلك هدفا طويل الأجل للحكومة البرازيلية؛ فقد نشأت شركة بتروبراس في عام 1954، ومنحتها الحكومة احتكارا في مجال التنقيب عن البترول واستخراجه وتكريره. وفي عام 1997 -وفي ظل إدارة الرئيس كاردوسو- أنهى البرلمان البرازيلي 40 سنة من احتكار بتروبراس لقطاع النفط. وتم إنشاء هيئة البترول الوطنية ANP في عام 1997مع تكليفها بمسؤولية منح تراخيص التنقيب والإنتاج، وتفويضها فيما يرتبط بذلك من إجراءات.


وقد نظّم قانون البترول عملية تحرير كافة القطاعات الأخرى المرتبطة بإنتاج النفط، وإن كان قد حفظ لشركة بتروبراس حقوقها في استخراج البترول في المناطق التي تثبت أنها حققت فيها استثمارا. وما تزال بتروبراس تسيطر على معظم سوق النفط البرازيلي؛ فعلى سبيل المثال تتحكم هذه الشركة في 95 % من إنتاج النفط الخام في البلاد؛ ولذلك فمن الناحية الفعلية فإن المنافسة في قطاع النفط في البرازيل محدودة.


وعلى أية حال، فبعد أن فقدت بتروبراس حقوق الاحتكار، زاد الإنتاج بشكل واضح حتى إن معدل نمو الإنتاجية العمالية قد تضاعف. فبين عامي 1976 و1993 كان هذا المعدل ينمو بمعدل سنوي مقداره 4.6 % بينما وصل إلى 13.6 % بين عامي 1993 و2001. وكما كان متوقعا، فإن تهديد المنافسة أدى إلى زيادة إنتاجية قطاع البترول البرازيلي. ورغم أن شركة بتروبراس خاضعة للحكومة، إلا أن رأس مالها لا يخضع للتعتيم أو التغطية، وتُعتبر الشركة من أفضل المؤسسات الصناعية إدارة في البلاد، وذلك على النقيض من الشركات البترولية التي تديرها الدولة في كل من فنزويلا والمكسيك.


ومن باب المقارنة بين "نهجين مختلفين" في تأمين الاحتياجات النفطية يلاحَظ أنه بينما زاد الاعتماد بشدة على استيراد البترول في الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، مضت البرازيل في منحى عكسي ونجحت في خفض اعتمادها على واردات الطاقة ليس فقط من خلال زيادة الإنتاج المحلي من النفط بل من خلال تطوير وزيادة إنتاج الإيثانول. ويعرض شكل (6) لصافي حصة واردات النفط في كل من البرازيل والولايات المتحدة بين عامي 1980 و2007. ومن الشكل نلاحظ أن صافي حصة واردات النفط في الولايات المتحدة قد زادت من نحو 37 % في عام 1980 إلى 60 % في عام 2007، أما في البرازيل فقد تناقص صافي حصة واردات النفط من نحو 80 % في عام 1980 إلى أقل من 5 % في عام 2007، وأصبحت الدولة مكتفية ذاتيا في عام 2008.


وتتفق نقطة البداية في الانخفاض الحاد في اعتماد البرازيل على النفط مع تلك الفترة التي تم فيها إسقاط حقوق الاحتكار التي تمتعت بها شركة بتروبراس؛ ومن ثَمَّ فإن صدمة النفط العالمية التي حدثت في أعقاب حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973 لم يكن لها أثر ملموس في البرازيل سواء على معدلات النمو، أو تذبذب الناتج الإجمالي، أو التضخم.


وتعد البرازيل اليوم ثاني أكبر منتج للنفط في أميركا الجنوبية بعد فنزويلا. ويحتوي حقلا البترول كامبوس وسانتوس، واللذان يقعان في جنوب شرق البلاد، على الغالبية العظمى من احتياطات النفط المؤكدة في البرازيل، كما يسهمان بأكبر قدر من الإنتاج النفطي في البلاد. ويتم استخراج معظم النفط البرازيلي من منطقة المياه بالغة العمق في المنطقة البحرية المواجهة لسواحل المحيط الأطلنطي.


وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2009 أعلنت شركة بتروبراس عن اكتشافها لخامات نفطية تقدر بنحو 6 إلى 8 بليون برميل في حقول قديمة (تضم كلا من النفط والغاز الطبيعي)؛ وذلك في حقل تيوبي Tupi الواقع ضمن حوض سانتوس، على بعد نحو 300 كم من ساحل ريو دي جانيرو. وتقع هذه الاحتياطات المكتشَفة في المياه الواقعة على عمق يزيد عن 18.000 قدم أسفل مياه المحيط.


وتعد اكتشافات حقل تيوبي الجديدة أكبر الاستكشافات النفطية خلال السنوات السبع الماضية. فضلا عن أن النفط المختَزَن في المياه العميقة يبدو أنه أخف وأكثر نقاءً من بقية نفط الحقول البرازيلية الأخرى. وأعقب الإعلان عن حقل تيوبي استكشافات جديدة في نطاق المياه العميقة تضم حقول كاريوكا، وإيارا، وجيورا، وباراتي، وبيم تي ـ في، وتيوبي سول. وقد قدَّر رئيس هيئة البترول الوطنية كافة الاحتياطات المحتملة في حوض سانتوس بنحو 80 بليون برميل، وإذا ما أصبح استخراج هذه  الكميات مجديا تجاريا؛ فستصبح البرازيل حينها واحدة من كبرى دول العالم في إنتاج وتصدير البترول.


شكل (6) صافي حصة واردات النفط
في كل من البرازيل والولايات المتحدة








المصدر:  Energy Information Administration office


ولا يمكن إغفال تأثير استكشافات المياه العميقة في البرازيل على أسواق النفط العالمية. وعلى أية حال ستكون هناك تحديات كبيرة تنتظر التغلب عليها حتى يمكن استخراج النفط من تلك المناطق بشكل تجاري ومربح.


ومن أهم هذه العوائق التغلب على طبقة سميكة من الملح الصخري الصلب أثارت جدالا بشأن كيفية اختراقها وصولا إلى المخزون النفطي. كما أن المخزون النفطي في المياه العميقة يحتوي على نسب تركيز عالية من الغاز الطبيعي إلى جانب البترول، وكي تتمكن البرازيل من حُسن استخراج هذا الغاز فإن عليها أن تحضِّر من الآن بِنى أساسية صناعية، وتجهيزات تقنية عالية.


وكنتيجة لذلك فإن إنتاج المشروعات النفطية الصغيرة هو المجال المؤكد خلال السنوات القليلة المقبلة، أما تطوير الاستخراج من المخزون الضخم في المياه العميقة فمن المستبعد أن يحدث في المدى القريب. فحين أُعلن عن استكشاف حقل تيوبي كانت أسعار النفط تقترب من 100 دولار للبرميل، لكن الأسعار انخفضت بعد ذلك مما وضع استخراج النفط من ذلك الحقل محل تساؤل حول حسابات التكلفة والعائد. ولا يمكن في هذه الحالة إغماض العين عن التحديات التقنية والمالية، وإن كانت بتروبراس ذات تاريخ زاخر بالإنجازات في استخراج النفط، وتشتهر بأنها واحدة من أفضل الشركات في العالم في استخراج النفط من المياه بالغة العمق.


ب‌- إنتاج إيثانول قصب السكر
يُعد إنتاج الإيثانول من قصب السكر أحد المشروعات الحكومية الناجحة الأخرى في البرازيل؛ فبعد أزمة الطاقة في أعقاب حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 (في ذلك الوقت كانت البرازيل تعتمد بشدة على الواردات النفطية) أطلقت الحكومة العسكرية في البرازيل البرنامج الوطني لإنتاج الكحول. وقد وُجِّه هذا البرنامج لزيادة إنتاج الكحول من قصب السكر، فضلا عن تحديث وتوسعة معامل تقطير السكر القائمة بالفعل، وتطوير وحدات إنتاجية جديدة. وقد قدم هذا البرنامج حوافز ضريبية لتوسعة صناعة السكر، ولقي مساندة من استثمارات القطاعين العام والخاص. وقد خوَّلت حكومة البرازيل شركة بتروبراس الحق في شراء وتوزيع إيثانول قصب السكر في البلاد.





ما تزال البرازيل تواجه عقبات صعبة تحول دون استمرار نمو الإنتاجية، وفي مقدمة تلك العقبات ضعف مستوى كلٍّ من البنية الأساسية العامة ومخزون رأس المال البشري، والمستوى المرتفع من تجريد ملكية الاستثمار الخاص، وعدم ضمان حقوق التمل.
كما قدمت الحكومة قروضا ميسرة الفوائد وضمانات ائتمانية من أجل إنشاء معامل تكرير جديدة، وفرضت ضرائب عالية على ضخ مشتقات البترول من الجازولين. كما ألزمت الحكومة وسائل النقل باستخدام وقود ممزوج بنسبة لا تقل عن 22 % من الإيثانول(6). وكانت النتائج مذهلة؛ فبين عامي 1975 و1979 زاد إنتاج الإيثانول بنسبة 500 %. ثم انطلقت المرحلة الثانية من المشروع في 1979، حين وقَّعت البرازيل عقودا مع شركات السيارات الكبرى لإنتاج محركات تعتمد على الإيثانول بنسبة 100%. كما قدمت الحكومة دعما لسائقي التاكسي لشراء سيارات تعمل بالإيثانول فقط.

وخلال مطلع ثمانينيات القرن العشرين ازدهر برنامج الإيثانول في البرازيل مع ارتفاع أسعار النفط عالميا، والرعاية الحكومية للبرنامج، وتغطية البنك الدولي لجزء من نفقات المشروع. وفيما بين عامي 1979 و1985، تضاعف إنتاج الإيثانول في البرازيل ثلاث مرات. لكن هذا البرنامج -البديل لاستهلاك الطاقة- بدأ يواجه صعوبات كبيرة في منتصف الثمانينيات مع انخفاض أسعار النفط، وبداية ارتفاع أسعار السكر. واضطرت الحكومة لرفع أيديها عن رعاية البرنامج خاصة مع الانخفاض الملموس في أسعار النفط عالميا في نهاية الثمانينيات ومطلع التسعينيات.


ولأن القصب يُستخدم في أغراض عديدة غير الإيثانول فقد عاد منتجو القصب من جديد إلى إنتاج السكر بدلا من الإيثانول. لكن مع ذلك تم الحفاظ على شبكة نقل الإيثانول في البرازيل للاستغلال المستقبلي.


وفي عام 1988 وفي ظل إدارة الرئيس كاردوسو، أجرت حكومة البلاد عدة تغييرات في برنامج إنتاج الإيثانول. فقد تم الحد من احتكار شركة بتروبراس لتوزيع الإيثانول، ورفعت الحكومة أيديها عن التحكم في أسعار الإيثانول في السوق. كما تم خفض معظم الدعم الذي كانت تقدمه الحكومة لإنتاج الإيثانول، وإن بقيت الضرائب المفروضة على إنتاج الإيثانول في حدها الأدنى. كما أعادت الحكومة تحديد نسبة الإيثانول الممزوجة مع الجازولين إلى 24 % في 2002.


وقد أوضح استيعاب تقنيات جديدة في السنوات الأخيرة في البرازيل أن الإيثانول بديل موثوق لمصادر الطاقة؛ ففي عام 2002 قدمت شركة فورد نوعا جديدا من السيارات المتوافقة مع استخدام الإيثانول، وتبعتها شركة فولكس فاغن في عام 2003. وهذا النوع المتوافق يمكنه العمل مع أنواع الوقود الثلاثة: الإيثانول، أو الجازولين، أو أي نسبة مزج من الاثنين معًا. كما قدمت الحكومة حوافز للمستهلكين لشراء السيارات المتوافقة مع الإيثانول؛ وذلك من خلال خفض ضرائب الشراء بنسبة 2 % مقارنة بالسيارات التي تعمل محركاتها فقط بالجازولين. والسيارات المتوافقة مع استهلاك الإيثانول لا تكلف أكثر من غيرها؛ ففي عام 2004 كان إنتاج هذا النوع من السيارات قد بلغ 328.300 سيارة قبل أن يقفز حجم الإنتاج في عام 2008 إلى 5 ملايين سيارة. واليوم تبلغ نسبة السيارات الجديدة المنتَجة في البرازيل والمتوافقة مع استهلاك الإيثانول 90 %.


وبحسب بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية AEIA تعد البرازيل واحدة من أكبر دول العالم إنتاجا للإيثانول، وأكبر مصدِّر لهذا النوع من الوقود عالميا. وإضافة إلى ذلك، فإذا وضعنا في الحسبان كافة عمليات إنتاج الوقود، سنجد إيثانول قصب السكر ينتج 9.3 وحدة طاقة، وهو معدل أكثر إنتاجا من أي مصدر آخر ينتج الإيثانول من غير قصب السكر مثل بنجر السكر والحبوب والغلات الزراعية (كالذرة والقمح والشعير) والتي تقل فيها نسبة الإيثانول مقارنة بقصب السكر بنسبة 2 إلى 1.


وفضلا عما سبق، فإن العوادم المنبعثة من حرق الإيثانول -والتي قد تتسبب في ارتفاع حرارة المناخ (بسبب ما يعرف بغازات الصوبة)- أقل بنحو 90 % من نظيرتها المنبعثة من استهلاك الجازولين. وتواجه صادرات البرازيل من الإيثانول صعوبات فرض رسوم جمركية عالية في بعض الأسواق، على نحو ما تفرض الولايات المتحدة 54 سنتا على كل جالون من الإيثانول.


والسبب وراء هذه الرسوم أن الولايات المتحدة تصنِّف الإيثانول كـ"صناعة ناشئة"، علما بأن هذه التعريفات يتم تجديد فرضها بشكل دوري على مدى ثلاثين سنة مضت.


وتجدر الإشارة إلى أن إنتاج الإيثانول من قصب السكر لا يشغل من الأراضي الزراعية في البرازيل سوى 1%. وهو ما يعني أن بوسع البرازيل تغطية نصف حاجتها من الجازولين بنسب متزايدة من إيثانول قصب السكر دون أن تؤثر على مساحة الأرض الزراعية التي تنتج المحاصيل الغذائية. ومعظم قصب السكر المزروع لإنتاج الإيثانول يأتي من جنوب وسط البلاد، وبحسب بيانات المعهد الوطني البرازيلي للأبحاث المكانية INPE فإن نحو 65 % من التوسع الذي تم مؤخرا في زراعة قصب السكر قد تم على أراضي مستصلحة كانت تعاني من التدهور والإهمال في جنوب وسط البلاد. وفي هذا الصدد أكدت البرازيل، أن اكتشاف النفط في المياه العميقة في جنوب شرق البلاد لن يصرفها عن المضي قدما في استثمار إنتاج الإيثانول، وغيرها من مصادر الوقود الحيوي.


الخلاصة


تمتعت البرازيل على مدى العقود الثلاثة الماضية باستقرار في الاقتصاد الكلي، وانخفاض في التضخم، ونمو اقتصادي مرتفع، وانخفاض نسبة الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي، فضلا عن الحد من التفاوت في الدخل، وانحسار نسبي للفقر. كما أن الاقتصاد البرازيلي صمد في وجه الأزمة المالية العالمية التي تركت أثرا سلبيا على معدل النمو في اقتصاديات العديد من بلدان العالم النامية منها والمتقدمة.


يدل على ذلك أن معدل النمو في البرازيل -في أوج الأزمة المالية (عام 2008)- بلغ نحو 5.1%، ومن المقدَّر أن يستمر محافظا على هذا المعدل (تشير توقعات البنك المركزي البرازيلي إلى أن معدلات النمو ستصل بنهاية عام 2010 إلى 6 %).


وإضافة إلى ما سبق فإنه لأول مرة في تاريخها، تبدو البرازيل اليوم مجهزة تماما لامتصاص الصدمات الاقتصادية الخارجية. وتتسلح البرازيل لذلك بسعر صرف مرن، واحتياطي ضخم من العملات الأجنبية، كما أن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي تتناقص بشكل ملحوظ، كما أن البنك المركزي البرازيلي يدير نظاما يهدف إلى تحقيق مستوى معقول من التضخم.


كما يتميز سعر الفائدة الحقيقي بارتفاعه، وهو ما يعني أن البنك المركزي بوسعه الاستمرار في خفض سعر الفائدة من أجل تحقيق النمو الاقتصادي. والأهم مما سبق، أن العدوى التي أحدثتها سندات الرهن العقاري لم تنتقل إلى النظام البنكي البرازيلي، ومن ثم لم يتعرض هذا النظام لخسائر في السندات المالية المدعومة بالأصول ومشتقاتها. أما الوساطة المالية، والتي تُعد منخفضة في البرازيل مقارنة بمعايير الدول المتقدمة، فتقوم بها بشكل أساسي مؤسسات محلية وتخضع لرقابة حكومية شديدة.


وليس هناك نفوذ استقطابي في القطاع المالي البرازيلي. وتُسهم البنوك العامة بنحو 40 % من إجمالي الائتمان الخاص في البلاد، وهو أمر بالغ التكلفة بالمعايير الدولية. وبناء على هذا -وعلى نحو ما أشارت مجلة الإيكونومست بتاريخ 5 مارس/أذار 2009- فإن الأزمة المالية العالمية لم تؤثِّر في الائتمان البرازيلي بقدر ما أثَّرت في دول أخرى.


ومن زاوية أخرى، نمت الطبقة الوسطى في البرازيل نتيجة استقرار الاقتصاد الكلي، والنمو الاقتصادي، والسياسات العامة الهادفة إلى محاربة التفاوت في الدخل، ومشروعات البنية الأساسية الضخمة التي ما زالت تحت الإنشاء. ونتيجة لما سبق فإن الاستثمار الخاص والاستهلاك المحلي سيصبحان المصدرين الرئيسيين للنمو في السنوات المقبلة.


ولكن مع ذلك ما تزال البرازيل تواجه عقبات صعبة تحول دون استمرار نمو الإنتاجية، وفي مقدمة تلك العقبات ضعف مستوى كلٍّ من البنية الأساسية العامة ومخزون رأس المال البشري، والمستوى المرتفع من تجريد ملكية الاستثمار الخاص، وعدم ضمان حقوق التملك.


ويجب أن تضع الحكومة الإصلاحات الاقتصادية على أولويات أجندتها، خاصة خفض الضرائب، والحد من الإنفاق الحكومي (وبصفة خاصة في برامج الضمان الاجتماعي)، وإعادة تنظيم سوق العمل. وبوسع هذه الإصلاحات أن تحد من ممارسات الاقتصاد غير الرسمي، وتزيد من الإنتاجية. ومن الإصلاحات الأخرى المهمة تحسين الاستثمار وحقوق الملكية.


كما أن جهود زيادة كل من البنية الأساسية ومخزون رأس المال البشري (كمًّا ونوعًا) هي بمثابة العوامل المحورية للتنمية المستقبلية في البرازيل.


وبإجراء مثل هذه الإصلاحات، ستتمكن البرازيل من استكشاف إمكانات نموها، خاصة تلك الإمكانات المرتبطة بمزاياها الطبيعية، وما بحوزتها من مسطحات مائية واسعة، وحرارة متوفرة يمكن استغلالها في توليد الطاقة المتجددة، ومساحات شاسعة من الأراضي القابلة للزراعة، ونظام ري فعال يمكِّن البلاد من زراعة أكثر من محصول في العام. من هنا، وبعد هذه الرحلة الطويلة مع الاقتصاد البرازيلي، يمكن القول: إن المستقبل بالفعل "قد طوى أشرعته أخيرا على مرافئ البرازيل".
______________________
تييجو كافالاكانتي، أستاذ مشارك في جامعة بيرنامبوكو في البرازيل، يدرِّس مادة الاقتصاد منذ عام 2003، ويحاضر منذ 2007 حتى الآن في كلية الاقتصاد بجامعة كامبريدج بالمملكة المتحدة. حصل كافا لاكانتي على الدكتوراه من جامعة إلينوي بالولايات المتحدة عام 2001. أصدر أكثر من 17 بحثا بعضها منفردا وبعضها الآخر بالاشتراك مع آخرين. صدر له العديد من الكتب، كما قدّم عشرات الأوراق البحثية لورش عمل وحلقات نقاش معنية بالتنمية الاقتصادية في البرازيل نظمتها مراكز دراسات مرموقة وجامعات ذات سمعة عالمية. ترجم النص من الإنجليزية إلى العربية عاطف معتمد عبد الحميد.


الهوامش والمصادر:
(*) مؤشر جيني هو مؤشر لقياس عدم المساواة في توزيع الدخول بين أفراد المجتمع، ويتراوح مؤشر جيني بين صفر وواحد (0 – 1)، وكلما اقتربت القيم من 1.00 دلَّ ذلك على زيادة عدم المساواة (التفاوت) في الدخول. (المحرر)


(1) في مقدمة هذه السياسة فرض حواجز جمركية وغير جمركية، مثل فرض حظر كامل على استيراد عديد من السلع. كما شملت عملية التصنيع البرازيلية مشاركة فاعلة من رأس المال الأجنبي. ولمزيد من التفاصيل عن سياسات التصنيع البرازيلية وسياسات ضبط الاقتصاد الكلي، انظر: دراسة  Baer (2008).


(2) باستخدام منحنيات إنجل Engel curves شكَّكت دراسة Carvalho Filho and Chamon (2006) في النتيجة القائلة بأن هناك انخفاضا في معدل النمو الحقيقي للاقتصاد البرازيلي في فترة ما بعد الإصلاح. وأوضحت هذه الدراسة أن نمو الدخل الأسري خلال الفترة من 1987 و2002 قد بلغ 4.5 %، متفوقا على تقدير 1.5 % الذي تم الحصول عليه من خلال خفض قيمة الدخل الاسمي المحسوب وفقا لمؤشر أسعار المستهلك.


(3) في الفترة الأخيرة تبنَّى عديد من الدول النامية نوعا من الإعانات المالية المشروطة كآلية لمكافحة الفقر، وسوء التغذية، وعدم التساوي في الدخل. ومن أشهر الأمثلة على ذلك برنامج بروجريسا  Progresa في المكسيك، فضلا عن عديد من البرامج المماثلة في العالم، ومنها مشروع في مدينة نيويورك (انظر للتفصيل:  Currie and Gahvari. 2008).


(4) في حقيقة الأمر تبنت الحكومة البرازيلية عدة وسائل (كفرض ضريبة 2 % على انتقال الأموال) للسيطرة على تدفق رأس المال، وتقدير قيمة سعر الصرف.


(5) تقوم هذه الفرضية على أن وفرة الموارد الطبيعية نقمة لا نعمة؛ فالدول غنية الموارد تؤدي حسب هذا المنطق أداء أسوأ مقارنة بالدول الفقيرة في موارد مثل النفط والغاز الطبيعي والمعادن وغيرها من الموارد غير المتجددة؛ ومن ثَمَّ يعتقد البعض أن وفرة الموارد هي المسبِّب الأول للفشل الاقتصادي، وهو ما ينضوي على القول بأن وفرة الموارد نقمة لا نعمة (انظر في ذلك على سبيل المثال: Sachs and Warner (1995) ). لكن في مقالة حديثة خلصت دراسة إحصائية قام بها Cavalcanti, Mohaddes and Raissi (2009)  إلى أن وفرة النفط على سبيل المثال هي في الواقع نعمة لا نقمة.


(6) لتحليل تاريخي عن برنامج الإيثانول في البرازيل


راجع Schmitz, Seale and Buzzanell (2007) and Weidenmier, Davis, and Aliaga-Diaz (2008)


المراجع


Alston, L., Melo, M. A, Mueller, B. and C. Pereira (2008). “Political Institutions, Policymaking Processes and Policy Outcomes in Brazil”, IADB Working Paper R-509.
Antunes, A., Cavalcanti, T. and A. Villamil (2008). “The Effects of Financial Repression on Entrepreneurship and Economic Development”, Journal of Monetary Economics 55: 278-297.
Araujo, A. and B. Funchal (2009). “Credit Markets in Brazil: Institutional Reforms and Growth”, Working Paper, IMPA- Instituto de Matemática Pura e Aplicada.
Baer, W (2008). The Brazilian Economy: Growth and Development. Lynne Rienner Pub- lishers, 6th Edition.
Bezerra, J. and T. Cavalcanti (2009). “Brazil’s Lack of Growth”. In: Love and Baer, Eds. Brazil Under Lula: Economy, Politics, and Society under the Worker President, Palgrave Macmillan.
Bridgman, B., Gomes, V., and A. Teixeira (2008). “Sustainable Miracles: Protection and Competition in the Brazilian Oil Industry,” Working Paper, Bureau of Economic Analysis.
Carvalho Filho, I. and M. Chamon (2006). “The Myth of Post-Reform Income Stagnation in Brazil,” IMF Working Paper 06/275.
Cavalcanti, T. and M. Corrêa (2009). “Cash Transfers to the Poor and the Labor Market”, Mimeo, University of Cambridge.
Cavalcanti, T. and J. Jalles (2009). “Macroeconomic Effects of Oil Price Shocks in Brazil and in the United States”, Mimeo, University of Cambridge.
Cavalcanti, T., Mohaddes, K., and M. Raissi (2009). “Growth, Development and Natural Resources: New Evidence Using a Heterogeneous Panel Analysis”. Working Paper, University of Cambridge.
Currie, J. and F. Gahvari (2008). “Transfer in Cash and in-Kind:  Theory Meets the Data,” Journal of Economic Literature, 46(2), 333–383.
Kohli, A. (2004). State-Directed Development: Political Power and Industrialization in the Global Periphery. Cambridge University Press.
Levine, R. (1997). “Financial Development and Economic Growth: Views and Agenda. Journal of Economic Literature XXXV: 688–726.
Sachs, J. and M. Warner (1995). “Natural Resource Abundance and Economic Growth”, NBER Working Paper 5398.
Schmitz, T., Seale, J. and P. Buzzanell (2007). “Brazil’s Domination of the World’s Sugar Market”, Working Paper, Arizona State University.
Soares, F. V., Soares, S., Medeiros, M. and R. Osório (2006). Cash Transfer Programmes in Brazil: Impacts on Inequality and Poverty”, United Nations Development Programme Working Paper 21.
Schmitz, J. and A. Teixeira (2008). “Privatization’s Impact on Private Productivity: The Case of the Brazilian Iron Ore”. Review of Economic Dynamics 11: 745-760.
Weidenmaier, M., Davis, J. H., and R. Aliaga-Diaz (2008). “Is Sugar Sweeter at the Pump? The Macroeconomic Impact of Brazil’s Alternative Energy Program”, NBER Working Paper 14362.


عودة إلى الصفحة الرئيسية للملف