الهند.. الدولة والمجتمع

تدخل الهند القرن الحادي والعشرين ممسكة بكافة المعطيات التي حددها علماء الجغرافيا السياسية لتعريف الدول القوية. فهي دولة مستقلة، وذات حكومة متميزة، ومؤلفة من رقعة واسعة من الأرض، وذات حجم سكاني ضخم، فضلا عن أنها قوة نووية إقليمية.
1_581257_1_34.jpg







أحمد سرور


تدخل الهند القرن الحادي والعشرين ممسكة بكافة المعطيات التي حددها علماء الجغرافيا السياسية لتعريف الدول القوية. فهي دولة مستقلة، وذات حكومة متميزة، تتمتع برقعة واسعة من الأرض، وحجم سكاني ضخم، فضلا عن أنها قوة نووية إقليمية تطمح في المستقبل المنظور للعب دور عالمي أكبر.


ملامح البيئة الطبيعية 
مشاهد من التاريخ 
المركب الديني والعرقي والطبقي 
النظام السياسي والمؤسسي
تركة الاستعمار وميراث التاريخ 
القدرات العسكرية والنووية 
خاتمة


ملامح البيئة الطبيعية


تتسم الهند بثراء طبوغرافي وموارد بشرية معتبرة، وموقع جيواستراتيجي مثالي، كما تطل الهند على طرق بحرية تربط أوربا والشرق الأوسط الغني بالنفط  ,من ناحية بدول الازدهار الاقتصادي  كالصين واليابان وبقية دول آسيا الشرقية  من ناحية أخرى. ومن ثم تقع الهند في منتصف ذلك القوس الواسع الممتد بين مدينة فلاديفوستوك في شرق روسيا ولندن في المملكة المتحدة، مرورا برأس الرجاء الصالح في جنوب إفريقيا. 





في الوقت الذي بدأت فيه أهمية الغرب في التراجع ظهرت قوى اقتصادية في الشرق مثل الصين واليابان والهند وماليزيا وإندونيسيا وتايوان. وهنا تبرز أهمية الهند كمحطة عبور لا غنى عنها على طرق الملاحة بين الشرق والغرب

وإلى جانب تنوعها اللغوي والديني والثقافي، تتسم الهند بتنوع كبير في مظاهر سطح الأرض. فجبال الهيمالايا المغطاة قممها بالثلوج تمتد لمسافة 2400 كم من الغرب للشرق. وتضم هذه الجبال بعض أعلى القمم الجبلية في العالم، والتي تمثل حاجزا طبيعيا ضخما كأنه حائط دفاعي يحمي الهند من جهة الشمال. ورغم أن هذا الحائط قد اخترقه الجيش الصيني في أكتوبر- نوفمبر 1962، فانه يظل في مجمله حصنا منيعا للهند أمام الصين، ثاني أكبر قوة في العالم المعاصر.


ومن أعلى قمم هذه الجبال، يمتلك الجيش الهندي القدرة على مراقبة الأوضاع العسكرية في العمق الصيني شمالا، وباكستان وآسيا الوسطى غربا، وميانمار شرقا. وقد تمكنت الهند في عام 1984 من السيطرة العسكرية على نهر سياتشن الجليدي في سلسلة جبال الهيمالايا، وذلك على الحدود مع باكستان، حيث دارت معارك لم يعرف لها التاريخ مثيلاً .


وإلى الجنوب من الهيمالايا تترامى السهول الشمالية التي تعد موطنا لثلاثة أنظمة نهرية كبرى هي السند، والجانج، وبراهمابوترا. وقد حملت ثلاث حضارات كبرى أسماء هذه الأنهار وازدهرت عبر التاريخ القديم. ومن القمم الجليدية للهيمالايا تنبع آلاف الروافد النهرية المتفاوتة في الحجم، والتي تقدم للإقليم رواسب تجعله واحدا من أكثر الأقاليم خصوبة. وتبلغ مساحة هذا الإقليم 700.000 كم2 ممتدا لمسافة تزيد عن 2400 كم طولا، بينما يتراوح الاتساع ما بين 240 و 320 كم. وعلى مدى آلاف السنين، كانت خصوبة هذه الأرض وظروفها المناخية المواتية سببا في جذب الغزاة والتجار من كافة أرجاء العالم.


وإذا توغلنا أكثر نحو جنوب هذا السهل الخصيب، تمتد هضبة عظمى تتميز بثراء كبير في مواردها المعدنية ومحاصيلها الزراعية، وفي مقدمتها القطن. كما تتميز بظروف مناخية مثالية كانت وراء ظهور مدن كبيرة ، مثل حيدر أباد وبانجالور,كما لعبت دورا كبيرا في جذب المستثمرين الأجانب نحو هذه المدن.


والسواحل الغربية والشرقية للهند مثالية لإقامة الموانئ والمرافئ، ويبلغ طولها نحو 7517كم. وقد شهدت تلك السواحل صولات وجولات الأساطيل البحرية خلال عصر التوسع التجاري.


وفي الهند منطقتان صحراويتان، واحدة في ولاية راجستان غرب الهند، على الحدود مع باكستان، والثانية صحراء باردة في منطقة لاداخ على مقربة من الحدود مع الصين، ولهاتين المنطقتين أهمية استراتيجية كبرى.


كما تضم الهند مجموعتين من الجزر تمثلان مخافر أمامية للبلاد. ففي الغرب تمتد جزر لاكشدويب بينما تمتد جزر آندمان ونيكابور في الشرق. وتوفر هذه الجزر للهند فرصة مثالية لمراقبة ما يحدث في أعالي البحار.


مشاهد من التاريخ


على الدوام مثلت الهند الموحدة، والتي كانت تضم ضمن حدودها ما يعرف اليوم بباكستان وبنجلاديش،  مصدر جذب للغزاة من جهة الغرب، والذين جاءوا في أغلب الحالات عبر ممر خيبر على الحدود الأفغانية. كما تمكن القائد العربي محمد بن قاسم من جلب خيول المسلمين لأول مرة إلى الهند عام 712م، واصلاً في البداية إلى السند (في باكستان اليوم) ثم إلى إقليم البنجاب عبر الطريق الجانبي المخترق لمنطقة بالوشستان الإيرانية. وقبل وصول المسلمين، تعرضت الهند لهجمات متوالية من جهة الغرب. إذ كان الإسكندر المقدوني أبرز الملوك الذين هاجموا الهند في التاريخ القديم.






انخرط المحتل البريطاني في عملية نهب منظم ومتواصل للهند على مدى قرنين. وقد اتبع سياسة "فرق تسد" فألب الهنود على بعضهم البعض، وخلق تصنيفات دينية وطبقية وقبلية لا تزال الهند  تعاني منها إلى اليوم



لم يكن  محمد بن قاسم في حقيقة الأمر أول من جاء بالإسلام إلى الهند، فقد سبقه البحارة والتجار والدعاة العرب الذين كانوا قد توافدوا على الهند عبر ساحل كيرلا في جنوب غرب البلاد. وقد حدث هذا بعد عقود قليلة من وفاة الرسول (صلوات الله عليه) ابتداء من سنة92هجرية. ولقد استفادت السيطرة العربية على طرق الملاحة البحرية من الهند كثيرا، خاصة أن الهندوس كانوا آنذاك يعتبرون الملاحة في البحر من الخطايا.


وبعد ثمانية قرون، تبع الملاح البرتغالي فاسكو دي جاما الطريق الملاحي العربي، وتمكن من الوصول إلى قاليقوط في كيرلا عام 1498. لقد قام الملاح أحمد بن ماجد بإرشاده حتى الساحل الهندي. ثم تلا ذلك وصول البريطانيين والهولنديين والفرنسيين الذين جاءوا بداية كتجار في متصف القرن 18، ثم سرعان ما راودتهم طموحات السيطرة على الهند، قبل أن تتمكن بريطانيا من هزم كافة القوى الأوربية الأخرى الساعية لاحتلال شبه القارة الهندية.


واندفع البريطانيون نحو السيطرة على الهند لملء الفراغ الذي عاشته الهند نتيجة الضعف الذي أصاب حكامها من المغول من تفكك بعد وفاة أورانجزيب، آخر أباطرتهم العظام في 1707.


نجح البريطانيون في هزيمة حاكم البنغال الهندي في معركة بلاسي عام 1757، وذلك عبر اختراق جبهة الهند الشرقية في سابقة تاريخية، إذ كانت هذه هي المرة الأولى التي تأتي فيها القوى الغازية عبر طريق بحري شرقي. ومن المفارقات في هذا الصدد أن البريطانيين الذين هم أبعد شعوب الأرض نحو الغرب من الهند، اختاروا حين غزوها الجبهة الشرقية التي لم تجرب من قبل.


وخلال فترة حكم الإمبراطور المغولي أورانجزيب (1658م-1707م) كانت الهند إمبراطورية ضخمة تضم باكستان وبنجلاديش  ضمن هوية جغرافية واحدة. وكانت الهند آنذاك رائدة الاقتصاد العالمي، إذ كانت تسهم حتى عام 1750 بنحو 25 % من إجمالي الناتج القومي العالمي، بينما لم تكن بريطانيا تسهم سوى بـ 1.5 % من هذا الناتج. وبعد نحو قرن من ذلك التاريخ، انقلب الوضع تماما، وأصبحت بريطانيا تسهم بنحو 25 % بينما تناقصت حصة الهند إلى 1.5 %، بل إلى أقل من ذلك.


وعندما وصل الإنجليز إلى شبه القارة الهندية لم تكن بريطانيا دولة قوية ولا ثرية، وإن كان المد البريطاني قد تجلى من خلال مستعمراتها الكبيرة في أمريكا. وخلال قرنين من الزمن استنزفت بريطانيا موارد الهند المعدنية والزراعية. وقامت معظم إنجازات الثورة الصناعية التي شهدها القرن  19 بفضل الاعتماد على ثروات الهند.


وقبل اختراع القطارات والسيارات وغيرها من الآلات الحديثة أسرف البريطانيون في استنزاف الزراعة الهندية وصناعتها القطنية. وقد رفعت الإنجازات العلمية خلال القرنين 18 و 19 من حجم الاستغلال البريطاني في هذين المجالين. فخطوط السكك الحديدية مدت على طول المناطق الغنية بالموارد المعدنية بوسط الهند، وذلك من أجل السيطرة على كافة الموارد، وبصفة خاصة خامات الفحم والحديد. كما انخرط البريطانيون في اجتثاث محموم للغابات شمل كل إقليم الهضاب في البلاد، تلبية لحاجة بريطانيا من الأخشاب لبناء السفن والعوارض الخشبية لخطوط السكك الحديدية.


ومن الجدير بالملاحظة أن الغزو البريطاني خاصة ـ و الأوربي عموما ـ يختلف عن أي غزو خارجي آخر. فبعض من الغزاة الأوائل اتخذوا من الهند موطنا لهم، بينما قام غزاة آخرون بعمليات سلب ونهب ثم عادوا إلى أوطانهم ليعيشوا حياة الدعة والرفاه، منفقين ما سلبوا ونهبوا. أما البريطانيون فقد جاءوا إلى الهند في مرحلة تاريخية شهدت تطورا نسبيا في وسائل النقل، خاصة عبر البحار.


لم يقم البريطانيون بنهب سريع ليعودوا بعده إلى أوطانهم، كما لم يستقروا في البلاد ولم يجعلوها موطنا لهم. فعدد البريطانيين في الهند لم يتجاوز 100 ألف، ومع ذلك تمكنوا من السيطرة على بلد يزيد سكانه عن 300 مليون نسمة في عام 1947، وهو العام الذي استقلت فيه الهند.


 لقد انخرط البريطانيون في عملية نهب منظم ومتواصل لموارد الهند، وذلك طوال قرنين، فألبوا الهنود على بعضهم البعض، وخلقوا تصنيفات دينية وطبقية وقبلية. ورغم أن جهودهم تلك لم تكلل بالنجاح في القرن 18، إلا أنهم اتبعوا أسلوبا أكثر نجاحا في القرن 19 مستفيدين من الإنجازات التي حققتها الثورة الصناعية والاكتشافات العلمية، الأمر الذي ساعدهم على إتمام السيطرة على إمبراطوريتهم المترامية.


ومما هو جدير بالملاحظة في حالة الاستعمار الأوربي، أن هذا الاستعمار حقق نجاحا في الهند، والشرق الأقصى والصين، بدرجة أكبر مما حققه في شمال إفريقيا وشرق أوربا وغرب آسيا. وقد كان مرد ذلك إلى أن الأتراك العثمانيين، وإن تعرضوا للضعف بمرور الزمن، كانوا لا يزالون يمتلكون من القوة ما مكنهم من الدفاع والمقاومة.


هكذا لم تتمكن القوى الأوربية من احتلال شمال إفريقيا، القريبة منها، إلا في مطلع القرن التاسع عشر، وذلك بعد قرن على الأقل من احتلال الهند وغيرها من دول شرق آسيا. وفيما بين القرنين 15 و17 فضلا عن بداية القرن 18 كان للأسطول العثماني نفوذ كبير على البحر المتوسط، وهو ما أخر سيطرة بريطانيا على شمال إفريقيا.


واليوم، ومع دلائل تراجع الغرب ـ أو ربما وصوله إلى سقف التطورـ وظهور قوى اقتصادية مثل الصين واليابان والهند، تتجه أنظار العالم نحو الشرق. ويدعم ذلك ظهور دول أخرى في الجوار الإقليمي مثل ماليزيا وإندونيسيا وتايوان. وبفضل هذه الصحوة التي يشهدها النصف الشرقي من الكرة الأرضية ، وتحول كل الطرق التجارية إليه اليوم ,أصبحت الهند محطة عبور لا غنى عنها على هذه الطرق.


تتمتع الهند بميزات لا تتوفر لجارتها الصين، التي وإن كانت دولة عظمى إلا أن موقعها الجغرافي يتوغل أكثر نحو الشرق، وتحيط به السلاسل الجبلية الضخمة من ثلاث جهات، وليس له سوى واجهة بحرية واحدة على المحيط الهادئ، الأمر الذي جعل بلوغ الأراضي الصينية ليس بالأمر الهين، فالصين , بناء على ما سبق ,تبدو منعزلة إذا ما قورنت بالهند.


المركب الديني والعرقي والطبقي


بناء على تعداد عام 2001 فان عدد سكان الهند يزيد عن 1.03 بليون نسمة، وتشير تقديرات عام 2009 إلى أن هذا العدد قد بلغ 1.16 بليون نسمة. ويشكل الهندوس 82 % من السكان بينما تتوزع النسب الباقية على المسلمين (13.4% ) والمسيحيين (2.3%) والسيخ (1.99%) وهناك أقليات أخرى أقل عددا تعتنق الديانات الجانية، والبوذية والزرادشتية واليهودية.





عمل الاحتلال البريطاني على الإيقاع بين المسلمين والهندوس ليسود بينهما العداء فيستتب له الأمر، وقد نجح في ذلك منذ القرن التاسع عشر، ولا تزال العلاقات بينهما متوترة رغم استقلال الهند عام 1947 

وإذا كانت الزرادشتية (الفارسية) قد أتت من فارس، فإن اليهودية في الهند تمد جذورها إلى ساحل الليفانت. ويعيش معتنقو هاتين الديانتين، بأعداد صغيرة للغاية لا تتجاوز عدة آلاف،  في مدينة مومباي، عاصمة الهند التجارية. وبينما يضرب الإسلام واليهودية بجذورهما في المشرق العربي، تعد السيخية والجانية والبوذية ديانات متفرعة عن الهندوسية.


ومن المفارقات أن البوذية التي نشأت عن الهندوسية وانتشرت في جزء كبير من شرق وجنوب شرق آسيا، لا يعتنقها في الهند اليوم سوى عدد محدود للغاية لا يصل إلى 1 % من سكان الهند. فقد طرد البوذيون من الهند قبل 1500 سنة، وذلك خلال حكم الملك بوشيميترا سونجا. وأجبر من بقي منهم في الهند على اعتناق الهندوسية.


بعد استقلال الهند قام أول وزير للعدل ورئيس لجنة صياغة الدستور، الدكتور بيم راو أمبدكار مع آلاف من مناصريه من طبقة الداليت الفقيرة بإعلان تحولهم إلى البوذية. ومن المعروف أن الداليت هم أضعف شريحة في المجتمع الهندي. لكن هذا المشهد لا يغير من الواقع في شيء، ذلك الواقع الذي تبدو فيه البوذية غائبة عن الأرض التي ولدت فيها.


ويمكن القول إنه ليست هناك توترات ساخنة بين الأديان ذات الجذور الضاربة في التربة الهندية، وإن كانت ثمانينات القرن العشرين قد شهدت حركة انفصال سيخية، كانت من الشدة بحيث أدت إلى وقوع هجمات إرهابية وعمليات عنف في معظم أرجاء شمال الهند، وخاصة في ولاية البنجاب، حيث يمثل السيخ الأغلبية، كما ينتشرون بنسب أقل في ولاية هريانا المجاورة، إضافة إلى عاصمة البلاد نيودلهي. 


لقد ترتب على حركة الانفصال السيخية تلك تداعيات أدت إلى أوضاع مأساوية، حيث قام الجيش الهندي في يونيو 1984 بقصف المعبد الذهبي في مدينة أمريتسار، أكثر مدن  السيخ قداسة، وذلك لإخراج مئات المسلحين السيخ المعتصمين في المعبد، بعد أن سعوا إلى الانفصال وتشكيل دولة خالستان في إقليم البنجاب الهندي. كما قتل مئات من السيخ، من بينهم عسكريون سابقون في الجيش الهندي، إضافة إلى عناصر من القوات الهندية، وذلك في معركة استمرت 48 ساعة.


ونتيجة لقصف المعبد الذهبي تمرد السيخ في الجيش الهندي، لكن سرعان ما تم قمع ذلك التمرد. صحيح أنه لم يكن كافة السيخ يسعون إلى إقامة دولة خالستان، لكن لا أحد  منهم كان ليقبل بالهجوم على المعبد الذهبي. ثم تفاقمت الأوضاع حين قام بعض من الحرس الشخصي لرئيسية الوزراء الهندي السيدة إنديرا غاندي باغتيالها (ويعتقد أنهم من السيخ). وقد أدى هذا إلى وقوع مذابح انتقامية قام بها الهندوس الغاضبون ضد السيخ في دلهي وبقية المدن الهندية. وفيما بين يومي 31 أكتوبر/تشرين الأول و2 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1984 قتل أكثر من 3000 سيخي في شوارع دلهي فقط.


لقد تطلب الأمر سنوات عدة حتى تعود الأمور, بين أبناء الطائفتين, إلى سابق عهدها السلمي. ومن علامات هذا التحسن أن منصب رئاسة وزراء الهند يشغله اليوم السيخي "مانموهان سينغ".


على الواجهة الأخرى، تتسم العلاقة بين المسلمين والهندوس بتاريخ مضطرب. فالمشاحنات الطائفية بدأت في القرن 19، حين زرع الاحتلال البريطاني بذور الفتنة من خلال تطبيقه لسياسة ٍ’’فرق تسد ’’. فقد أدت الخطط البريطانية لتقسيم الهند، والتي ترجمت عمليًا في عام 1947، إلى صدع ديني حاد بين الهندوس والمسلمين. فمع تقسيم شبه القارة الهندية، انتقل الجزء الأعظم من مسلمي الهند إلى باكستان. ورافق ميلاد باكستان محرقة طائفية بين الهندوس والمسلمين.


وتبعا للتقديرات فقد قتل ما بين 0.7 إلى 1 مليون نسمة في حمام دماء بدأ قبيل التقسيم في أغسطس/آب 1947 واستمر لعدة أشهر بعده. وخلال الشهور التي شهدت المذابح والحرب الأهلية هاجر 8.9 مليون مسلم من الهند إلى باكستان، التي ظهرت للوجود في 14 أغسطس/آب 1947، وفي المقابل هاجر 8.2 مليون من الهندوس والسيخ من باكستان إلى الهند، التي أعلنت استقلالها بعد يوم واحد، في 15 أغسطس/آب1947.


لقد بقيت المشاحنات الطائفية ظاهرة منتظمة في الهند، خاصة في نصفها الشمالي حيث ترك التقسيم آثارا بالغة. فجرت أعمال عنف بين الهندوس والمسلمين على فترات منتظمة التباعد منذ تاريخ التقسيم. وإن بدأت العلاقات في التحسن التدريجي في أجزاء عديدة من البلاد. غير أنه في نهاية ثمانينات وبداية تسعينيات القرن العشرين شهدت الهند موجة جديدة من العنف بين الطرفين، وخاصة في ولايات جوجارات و أوتار براديش وبيهار ، وماديا براديش، ومهراشترا... وغيرها.


بؤرة التوتر اليوم يمثلها المسجد البابري الذي يعود بناؤه إلى القرن 16 خلال حكم الإمبراطور بابير (1526-1530) وهو أول إمبراطور مغولي للهند. وبحسب معظم المؤرخين فقد بني هذا المسجد بأمر من أحد جنرالات  بابير في أيودا، وهي بلدة صغيرة تقع في منطقة فايزآباد حيث أكثر المناطق كثافة بالسكان في ولاية أوتار براديش بشمال الهند.


وقد ظهرت في العقود الأخيرة حركة هندوسية سياسية يمينية التوجه، تعرف باسم حزب الشعب الهندوسي (حزب بهاراتيا جاناتا BJB) المنبثقة عن منظمة ثقافية تعرف باسم منظمة  أر. إس. إس (راشتريا سويامسيفاك سانغ Rahtriya Swamsevak Sangh، ومعناها الحرفي المنظمة القومية للمعتمدين على سواعدهم).


ويصر حزب الشعب الهندوسي على أن بابير دمر معبد الإله رام وبنى المسجد على أنقاضه. ومن المعروف أن رام إله هندوسي يزعم الهندوس إنه ولد في نفس البقعة التي أقام فيها بابير المسجد. وعلى الرغم من أن النزاع حول الحق التاريخي مطروح أمام أنظار القضاء إلا أن حزب الشعب الهندوسي، تحت زعامة لال كريشنا أدفاني، الذي صار رئيسا لوزراء الهند (1998-2004) شن حملة واسعة النطاق مطالبا بالسيطرة على المسجد لهدمه وإعادة بناء معبد رام من جديد. وقد بدأت تلك الحملة في 1989 واستمرت إلى 6 ديسمبر/كانون الأول 1992، حتى اليوم الذي تمت فيه تسوية المسجد بالأرض.


لقد قوبل موقف حزب الشعب الهندوسي بمعارضة كبيرة، ليس فقط من قبل المسلمين، لكن من قبل المؤرخين العلمانيين أيضا ، ونشطاء المجتمع المدني وعدد من السياسيين. فقد اعتقد هؤلاء، وما يزالون، أن حركة معبد رام كانت مجرد ذريعة مفتعلة لخلق صدع بين الطائفتين، وذلك بدافع انتهازية سياسية للوصول بحزب الشعب الهندوسي إلى سدة الحكم.


وقد تكاثفت جهود حركة معبد رام، وحزب الشعب الهندوسي، ومنظمة أر. إس. إس، فاجتمعوا في السادس من ديسمبر/كانون الأول 1992 مع الآلاف من مناصريهم في بلدة أيودا، وقاموا بتدمير شامل للمسجد البابري، الذي يعتقد أنه بني بين عامي 1527-1528. وقد لقي آلاف الأشخاص حتفهم نتيجة أعمال العنف الطائفية التي نشبت في عديد من المدن والبلدات في أعقاب ذلك، ونقلت وسائل الإعلام العالمية هذه الأحداث. كما لم تسلم مومباي بدورها من الأعمال الطائفية التي أودت بحياة مئات الأشخاص.


وفي 12 مارس/آذار 1993 انفجرت عدة قنابل ضخمة في مومباي وأودت بحياة 250 شخصًا. ويعتقد أن هذه التفجيرات نفذها بعض المسلمين كرد فعل على تدمير المسجد البابري وما تلا ذلك من مذابح. وبعد أربعة أيام (في 16 مارس/آذار 1993) لقي أكثر من 100 شخص حتفهم في تفجير آخر في المدينة الحضرية الكبرى "كلكتا" الواقعة في شرق الهند.






ما يزال التمييز الطبقي جليا بين أغلب شرائح المجتمع الهندي. كما لا يزال "الداليت"، وهم أدنى طبقة في المجتمع، منبوذين في كثير من أرجاء الهند، وأحيانا يتحول التمييز إلى عنف دموي


وبعد عدة سنوات من تدمير المسجد البابري، وصل حزب الشعب الهندوسي إلى الحكم (1998-2004) متحالفًا مع بعض  الأحزاب ذات التوجه الفكري المشابه. ورغم أن العلاقة بين الهندوس والمسلمين بدأت بالتحسن من جديد، إلا أن أعمال العنف الطائفية اندلعت , من جديد , في فبراير/شباط 2002 في ولاية جوجارات في غرب الهند، وذلك في أعقاب احتراق عربة قطار مكدسة بالحجاج الهندوس العائدين من أيودا.


كان حزب الشعب الهندوسي يحكم ولاية جوجارات آنذاك، وقد اتهم الحزب المسلمين في منطقة جودرا، حيث احترق القطار، بارتكاب الحادث. وعلى الرغم من أن الاستقصاء المستقل لم يتهم المسلمين بإضرام النيران في القطار، إلا أن أعمال عنف طاحنة وقعت في الولاية بعيد وقوع الحادث بساعات معدودة، تسببت في قتل مئات المسلمين وتشريد آلاف غيرهم.


لقد أدى تدمير المسجد البابري في 1992، وأحداث جوجارات في 2002 إلى خلق صدع كبير بين الطائفتين. وقد تبع كل حادثة عدد من التفجيرات في عدة مدن هندية. وما تزال هذه الظاهرة مستمرة إلى اليوم، ويقال إن بعض المسلمين في الهند متورطين فيها.


وفي تسعينيات القرن العشرين، شهدت الهند لأول مرة تدهورا في العلاقة بين الهندوس والمسيحيين. وكان السبب مرة أخرى صعود حزب الشعب الهندوسي، إذ استهدفت البعثات التبشيرية المسيحية، التي قامت بأعمال تعليمية وخدمات صحية، من قبل المتطرفين الهندوس، خاصة في ولايات جوجارات وأوريسا وماديا براديش. وفي أغسطس/آب- سبتمبر/أيلول 2008 لقي نحو 40 مسيحيا مصرعهم، وتم تشريد نحو ألف آخرين، وذلك  في الأجزاء الداخلية من ولاية أوريسا.


وإذا انتقلنا إلى البعد الاجتماعي، سنجد المجتمع الهندي مقسما على أسس طبقية، ورغم أن الطبقة (الكاست الهندي Caste) ظاهرة هندوسية بامتياز، إلا أنه يمكن تلمس تأثيرها على المسلمين والمسيحيين والسيخ على السواء.


وما يزال التمييز الطبقي جليا بين أغلب شرائح المجتمع الهندي. كما لا يزال الداليت، وهم أدنى طبقة في المجتمع، منبوذين في كثير من أرجاء الهند. وفي بعض الأحيان يتحول التمايز الطبقي إلى منهج عنيف كلما ازداد  تأكيد الطبقات لهويتها في المجتمع الهندي. وإن كانت هناك بعض الحالات المبشرة، على نحو ما حدث في ولاية أوتار براديش، وهي أكبر الولايات سكانا، حيث اختيرت مايواتي، وهي امرأة من طبقة الداليت، رئيسة لوزراء الولاية.


وعلى الرغم من أنه لم تنشر مطلقا أية بيانات رسمية عن التوزيع الطبقي في الهند منذ الاستقلال، إلا أن التقديرات غير الرسمية تشير إلى أن الطبقة الهندوسية العليا تشكل 15 % من السكان، بينما تشكل الطبقات الدنيا نحو 43 % ، ويشكل الداليت 16 %، بينما يمثل سكان القبائل نحو 8 %. أما البراهمة، ويمثلون أرقى الطبقات في الهند، فيتوزعون في كافة أرجاء البلاد، وإن لم تزد نسبتهم من إجمالي السكان عن 3 %، على نحو ما تشير إليه نفس التقديرات غير الرسمية. 


وإذا كان من النادر حدوث التزاوج بين الطبقات في الهند، فان بعض الزيجات العابرة للطبقات قد تحدث خاصة في أوساط الفئات العليا للمجتمع الحضري، وهذا الأمر ينطبق أيضا على طائفتي السيخ والمسلمين دون المسيحيين. كما انه ليس شائعا لدى مسلمي شمال الهند وإن لم يتخذ درجة الصرامة التي نجدها في الحالة الهندوسية، حيث يتم إنزال عقوبة الإعدام، من طرف محاكم شعبية، بكل من يتزوج من خارج الطبقة. وخاصة في المناطق الريفية.


ويقف النظام الطبقي الصارم عقبة كبيرة أمام مسار التنمية المتسارع في الهند. ففي المناطق الحضرية قد لا يلحظ  المرء حدة تأثيرات الطبقة ـ وإن كانت ما تزال موجودة ـ لكن في كثير من المناطق الريفية فإن شخصا من طبقة الداليت (المنبوذين) لا يمكنه حتى الجلوس أمام شخص من طبقة أعلى منه، ويحظر عليه ملء الماء من نفس البئر أو ذات الصهريج الذي يملأ منه شخص من طبقة أعلى، كما يحظر عل أبناء الداليت ارتياد المعابد التي يتعبد فيها أبناء الطبقات الأسٍمى.


ويعيش أكثر من 77 % من مواطني الهند بدخل يومي لا يتجاوز نصف دولار يوميا في أوضاع لا إنسانية، دون أن تحقق جهود الحكومة أي تحسن ملحوظ في أوضاعهم المعيشية.


وعلى المستوى الإداري، تتألف الهند من 28 إقليما تسمى ولايات، فضلا عن 7 اتحادات إدارية مركزية صغيرة. وتتميز الهند بتنوع ثقافي واجتماعي فريد. فمواطنو الهند في ولاية البنجاب (غرب الهند) هم أقرب من الناحية الثقافية واللغوية – وربما الدينية- لمواطني دولة باكستان المجاورة منهم إلى الهنود في ولاية كيرلا في جنوب غرب الهند. كما أن التاميل في ولاية تاميل نادو في جنوب شرق البلاد هم أقرب إلى التاميل ثقافيا ولغويا في دولة سريلانكا منهم إلى مواطنيهم في الولايات الهندية المجاورة. 


ويعترف الدستور الهندي بـ 22 لغة. وتعد اللغة الهندية اللغة الرسمية للبلاد، بينما الإنجليزية لغة رسمية قرينة للهندية. وتنتشر في البلاد 33 لغة أخرى فضلا عن ألفي لهجة محلية. ويتكلم الهندية نحو 18 % من سكان البلاد، وهي لغة الشمال بشكل أساسي. وتشير التقديرات الحديثة إلى أن 40 % من المواطنين يفهمون ويتكلمون تلك اللغة.  لكن في الولايات الجنوبية مثل كرنتاكا وكيرلا واندرا براديش وتاميل نادو وولايات الشرق الممثلة في البنغال الغربية وآسام وتريبورا وناجالاند وميزورام وميجاليا ومانيبور وغيرها، يفضل السكان التحدث بلغاتهم الإقليمية.


وباستثناء بضع ولايات، يتحدث المسلمون في الهند اللغة الأوردية. وتجدر الإشارة إلى أن ثمة تشابه كبير بين اللغتين الهندية والأوردية. وعلى أية حال يفهم المسلمون اللغات الإقليمية الأخرى وبوسعهم التحدث بها. 


وفي العديد من الولايات الهندية، هناك انتماء قوي للغات الإقليمية. فعلى سبيل المثال، يعارض التاميل في ولاية تاميل نادو فرض اللغة الهندية كلغة قومية للبلاد، الأمر الذي دعى الحكومة إلى قبول اللغة الإنجليزية كلغة رسمية ثانية.


ورغم أنه لم يكن هناك الكثيرون في شمال الهند ممن يعارضون فرض اللغة الهندية كلغة وطنية، إلا أن ولاية تاميل نادو وغيرها من ولايات الجنوب قد شهدت معارضة قوية لهذا التوجه. ففي ستينيات القرن العشرين، انتحر عدد من التاميل احتجاجا على التوجه لفرض اللغة الهندية كلغة وطنية للبلاد.


ورغم أن الإنجليزية ليست اللغة الأم في أي ولاية هندية، إلا أن ربع السكان يمكنهم التواصل بهذه اللغة. ولدى 10 % من سكان البلاد القدرة على استخدام قدر أو آخر من الإنجليزية تحدثا وكتابة، ومرد ذلك إلى الموروث البريطاني، الذي ساعد الهند على التفوق على الصين في صناعة البرمجيات المعتمدة على الإنجليزية. كما ساعدت الإنجليزية في نهوض قطاع صناعة الخدمات في الهند، الأمر الذي أتاح للشركات متعددة الجنسية اتخاذ الهند مقرا لأعمالها، وخاصة تلك المرتبطة بالنشر والخدمات المصرفية والتجارية. 


التقسيم الإداري
وعلى المستوى الإداري، تتألف الهند من 28 إقليما تسمى ولايات، فضلا عن 7 اتحادات إدارية مركزية صغيرة. وتتميز الهند بتنوع ثقافي واجتماعي فريد. فمواطني الهند في ولاية البنجاب (غرب الهند) هم أقرب من الناحية الثقافية واللغوية – وربما الدينية- لمواطني دولة باكستان المجاورة منهم إلى الهنود في ولاية كيرلا في جنوب غرب الهند. كما أن التاميل في ولاية تاميل نادو في جنوب شرق البلاد هم أقرب إلى التاميل ثقافيا ولغويا في دولة سريلانكا منهم إلى مواطنيهم في الولايات الهندية المجاورة. 


ويعترف الدستور الهندي بـ 22 لغة. وتعد اللغة الهندية اللغة الرسمية للبلاد، بينما الإنجليزية لغة رسمية قرينة للهندية. وتنتشر في البلاد 33 لغة أخرى فضلا عن ألفي لهجة محلية. ويتكلم الهندية نحو 18 % من سكان البلاد، وهي لغة الشمال بشكل أساسي. وتشير التقديرات الحديثة إلى أن 40 % من المواطنين يفهمون ويتكلمون تلك اللغة.  لكن في الولايات الجنوبية مثل كرنتاكا وكيرلا واندرا براديش وتاميل نادو وولايات الشرق الممثلة في البنغال الغربية وآسام وتريبورا وناجالاند وميزورام وميجاليا ومانيبور وغيرها، يفضل السكان التحدث بلغاتهم الإقليمية.


وباستثناء بضع ولايات، يتحدث المسلمون في الهند اللغة الأوردية. ومن المهم الإشارة إلى أن ثمة تشابه كبير بين اللغتين الهندية والأوردية. وعلى أية حال يفهم المسلمون اللغات الإقليمية الأخرى وبوسعهم التحدث بها. 


وفي عديد من الولايات الهندية، هناك انتماء قوي للغات الإقليمية. فعلى سبيل المثال، يعارض التاميل في ولاية تاميل نادو فرض اللغة الهندية كلغة قومية للبلاد، الأمر الذي دعى الحكومة إلى قبول اللغة الإنجليزية كلغة رسمية ثانية.


ورغم أنه لم يكن هناك كثيرون في شمال الهند يعارضون فرض اللغة الهندية كلغة وطنية، إلا أن ولاية تاميل نادو وغيرها من ولايات الجنوب قد شهدت معارضة قوية لهذا التوجه. ففي ستينيات القرن العشرين، انتحر عدد من التاميل اعتراضا على التوجه لفرض اللغة الهندية كلغة وطنية للبلاد.


ورغم أن الإنجليزية ليست اللغة الأم في أي ولاية هندية، إلا أن ربع السكان يمكنهم التواصل بهذه اللغة. ولدى 10 % من سكان البلاد القدرة على استخدام قدر أو آخر من الإنجليزية تحدثا وكتابة، ومرد ذلك إلى الموروث البريطاني، مما ساعد الهند على التفوق على الصين في صناعة البرمجيات المعتمدة على الإنجليزية. كما ساعدت الإنجليزية في نهوض قطاع صناعة الخدمات في الهند، الأمر الذي أتاح للشركات متعددة الجنسية اتخاذ الهند مقرا لأعمالها، وخاصة تلك المرتبطة بالنشر والخدمات المصرفية والتجارية. 


النظام السياسي والمؤسسي  


تعد الهند أكبر ديموقراطية برلمانية في العالم. ويتكون البرلمان الهندي من مجلسين: يعرف الأدنى باسم لوك صابحا (مجلس الشعب) حيث ينتخب الشعب الهندي أعضاء هذا المجلس بالاقتراع المباشر. ويحق لكل هندي أكمل من العمر 18 عاما التصويت لاختيار أعضاء هذا المجلس في دورة انتخابية مدتها خمس سنوات. ويتألف هذا المجلس من 545 عضوا يتم انتخابهم في دوائر انتخابية موزعة على كافة أرجاء البلاد.






إضافة إلى السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، فإن لدى الهند سلطتها الرابعة المستقلة، التي يمثلها الإعلام. فوسائل الإعلام الإليكترونية والمطبوعة تتمتع بالحرية وتدلي بدلوها في الحراك السياسي في البلاد


 


أما المجلس الأعلى فيعرف باسم راجيا صابحا (مجلس الولايات) ويتألف من 250 عضوا يتم انتخابهم من قبل أعضاء المجالس التشريعية على مستوى الولايات، وليس عبر انتخاب مباشر من قبل الشعب. وكما هو الحال في المملكة المتحدة، فإن لمجلس الشعب نفوذًا أكبر من مجلس الولايات.


ولا يمكن إقرار قانون جديد في الدولة دون تقديم "مشروع قانون" يناقشه كلا المجلسين، كما لا يصبح هذا القانون ساريا قبل تصديق رئيس الدولة عليه. ويناظر منصب رئيس الدولة في الهند منصب الملك البريطاني، بينما تقع السلطة التنفيذية في يد رئيس الوزراء. والفرصة متاحة أمام أعضاء المجلسين النيابيين لأن يصبح أي منهم رئيسا للوزراء أو وزيرًا في مجلس الوزراء.


وتتألف الهند من بناء فدرالي، وكما أن البرلمان يمثل الدولة على المستوى القومي، فكذلك لكل ولاية مؤسساتها التشريعية المشابهة للمجلسين البرلمانيين. ويسمى المجلس النيابي على مستوى الولاية بالمجلس التشريعي, كما يسمى رئيس الحكومة على مستوى الولاية باسم الوزير الأول (رئيس وزراء الولاية). وكما أن للهند رئيسا فإن لكل ولاية حاكما عاما.


وبينما يتم انتخاب المجالس النيابية كل خمس سنوات، فإن المجالس التشريعية الدائمة، أو ما يعرف بالأجهزة البيروقراطية، ذات تأثير ونفوذ قويين للغاية. كما توجد لجنة الخدمات الاتحادية التي تشرف على اختيار أعضاء المؤسسات البيروقراطية على مستوى الهند. وبالمثل، هناك لجان اتحادية على مستوى كل ولاية، تقوم باختيار مسئولي العمل الحكومي. ومن الناحية الإدارية، تتألف الهند من 630 قسما إداريا، يرأس كل قسم منها قاض ومراقب عام للشرطة.


ويرأس الجهاز البيروقراطي على مستوى الولاية أمين عام، بينما يشغل أعلى منصب مدني في الجهاز البيروقراطي "أمين سر" الدولة. كما أن لكل وزارة في الدولة ممثليها الإداريين على مستوى كل ولاية. 


وتتمتع الهند بنظام قضائي مستقل، ويسمى كبير قضاة المحكمة العليا باسم قاضي قضاة الهند، يساعده عدد من القضاة. وتعرف المحكمة العليا باسم المحكمة الدستورية العليا. وتراقب هذه المحكمة أي انتهاك للدستور، حتى ولو من قبل المؤسسات التنفيذية.


وإلى جانب ذلك فإن لكل ولاية محكمتها العليا التي يرأسها كبير القضاة في تلك الولاية. ويتفاوت عدد القضاة من ولاية لأخرى. وهناك محكمة إدارية في كل قسم إداري، وتمثل الوحدة الأساسية للنظام القضائي الهندي. والمحكمة الإدارية تنظر في كافة القضايا المدنية والجنائية. وهناك محاكم استئناف تمثلها كل من المحاكم العليا والمحاكم الدستورية العليا. وإلى جانب ذلك هناك محاكم للنظر في رفع دعاوى المصلحة العامة.


وعلى مدى العقود الماضية، شهدت الهند عددا من الأحكام القضائية ذات التأثير المصيري. ففي عام 1975 تجرأت المحكمة العليا في مدينة الله آباد وأبطلت انتخاب رئيسة وزراء البلاد إنديرا غاندي، التي اتخذت رد فعل قوي على هذه الخطوة وأعلنت حالة الطوارئ في البلاد لمدة 21 شهرا. وخلال هذه الفترة المحدودة من الزمن خضع النظام القضائي لرقابة سياسية من السلطة التنفيذية. ورغم عدم استبعاد التأثير على القضاء الهندي، إلا أن هذا النظام يبقى متمتعا بدرجة أو بأخرى من الاستقلالية.


وإضافة إلى السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية التي تلعب دورها في إدارة شؤون البلاد، فإن لدى الهند سلطتها الرابعة المستقلة، التي يمثلها الإعلام. فوسائل الإعلام الإليكترونية والمطبوعة تتمتع بالحرية وتدلي بدلوها في الحراك السياسي في البلاد، وهذا شأن المجتمعات الديموقراطية التي تلعب أحزاب المعارضة ووسائل الإعلام فيها دورا لا يقل أهمية عما تلعبه السلطة الحاكمة.


وإذا ما راجعنا الأحزاب التي حكمت الهند، سنجد أنه خلال الثلاثين عاما الأولى من استقلال البلاد (1947-1977) كان الحكم في يد حزب المؤتمر الوطني، وهو الحزب الذي صارع من أجل تحقيق الاستقلال. وفيما بين 1977 و1980 وصل حزب جانات، وهو تحالف من الأحزاب المعارضة، إلى سدة الحكم، وقد خسر حزب المؤتمر أمام هذا التحالف لأنه كان عليه أن يدفع ثمن فرض قانون الطوارئ الذي أقرته إنديرا غاندي في 25 يونيو 1975 واستمر حتى انتخابات مارس 1977.


وقد تمكن حزب المؤتمر من العودة مجددا إلى الحكم تحت قيادة إنديرا غاندي في عام 1980، وذلك حين أجريت انتخابات مبكرة بعد فشل تحالف الأحزاب المعارضة في الاستمرار في الحكم فسقط في منتصف الطريق بعد ثلاث سنوات فقط من وصوله إلى السلطة.


بقي حزب المؤتمر في السلطة بين عامي 1980 و1989 قبل أن يخسر أمام تحالف معارض آخر يقوده حزب جاناتا دال. وبدوره لم يعمر جاناتا دال في الحكم طويلا وخسر مرة أخرى في انتخابات عام 1991 تاركا السلطة لحزب المؤتمر من جديد. وفي عام 1996 خسر حزب المؤتمر الانتخابات مرة أخرى. وفيما بين عامي1996 و1998 خضعت الهند لحكومتي ائتلاف، سرعان ما تعرضتا للسقوط.  


وفي عام 1998 وصلت إلى السلطة جبهة سياسية جديدة عرفت باسم التحالف الوطني الديموقراطي، وكان حزب الشعب الهندوسي ذو التوجهات القومية المتطرفة هو القوة الدافعة في هذا التحالف، وهو الذي حكم الهند حتى عام 2004. إلا انه وفي الانتخابات البرلمانية التي جرت في 2004 تمكنت الجبهة التقدمية المتحدة بزعامة حزب المؤتمر الوطني بقيادة مانموهان سينغ، من الوصول إلى السلطة. ثم تجدد فوزها مرة أخرى في انتخابات أبريل-مايو 2009.


وبينما يعد حزب الشعب الهندوسي حزبا يمينيا متشددا يصنف حزب المؤتمر كحزب وسطي. وبالمثل تنتمي أغلب الأحزاب الإقليمية المشاركة في التحالف الوطني الديموقراطي الذي يتزعمه حزب الشعب الهندوسي إلى أطياف ذات توجه سياسي يميني، بينما تنتمي أغلب الأحزاب المشاركة في الجبهة التقدمية المتحدة إلى أطياف ذات توجه سياسي وسطي. وإن كانت السياسات الاقتصادية لكل من حزب المؤتمر وحزب الشعب متشابهة وذلك منذ تحرير الاقتصاد الهندي في عام 1991 على يد حكومة ناريسما راو (من حزب المؤتمر)، وقد كان الاقتصاد الهندي, قبل ذلك التاريخ , اقتصادا اشتراكيا أو مختلطا.  


تركة الاستعمار وميراث التاريخ


ترك الاستعمار آثارا بالغة على الهند، ليس فقط من حيث استنزافه للموارد مثل الفحم والحديد والحبوب الغذائية والأعشاب الطبية، بل واستنزافه موارد الهند البشرية من خلال تجنيد الرجال للقتال في معارك دارت رحاها بعيدا عن الوطن الهندي، سواء في الحرب العالمية الأولى أو الثانية.





ترك الاستعمار آثارا بالغة على الهند، ليس فقط من حيث استنزافه للموارد الطبيعية بل والبشرية أيضا، فقام بتجنيد الهنود للقتال في معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل مثلما حدث في الحربين العالميتين الأولى والثانية
لقد ألقى الاحتلال البريطاني خلال الحربين العالميتين بالجنود الهنود في أتون المعارك في تركيا، والعراق، وشمال إفريقيا، وجنوب شرق آسيا. وكانت النتيجة مقتل وجرح وتشويه الملايين منهم الذين استخدموا كدروع للدفاع عن المستعمرات البريطانية في بقية أنحاء العالم.

وبعد رحيل البريطانيين، تبنت الهند المستقلة سياسة تحديث البلاد. ولم يتردد أول رئيس للوزراء بالبلاد، جواهر لال نهرو، في تبني المظاهر الإيجابية من حضارة الغرب.


لقد كان من حسن حظ الهند أن كلا من حكامها الأفغان والمغول خلال فترة العصور الوسطى كما حكامها البريطانيين خلال القرنين 19 و 20 أقاموا بنية تحتية أساسية ضخمة في البلاد، ساعدت في تنمية الهند فيما بعد. فالإمبراطور الأفغاني شير شاه (1540-1545) مد طريقا ضخما يكاد يربط كافة أرجاء الهند من الشرق للغرب.


هذا الطريق، الذي عرف بـ "السراك العظم" أو "الطريق العظيم"، يربط بيشاور التي تقع اليوم في غرب باكستان قرب حدودها مع أفغانستان بمنطقة ناريانغانج في بنجلاديش الواقعة في أقصى شرق الهند، ممتدا على مسافة تزيد عن 2500 كم.


وفضلا عن ذلك قام شير شاه بمد شبكة واسعة من الطرق خلال خمس سنوات فقط من حكمه. وفي العهود اللاحقة قام الحكام المغول والمستعمرون البريطانيون بتطوير هذه الطرق، التي ما تزال تعمل كشريان حياة للسكان في شمال الهند وباكستان وبنجلاديش.


كما قام الاستعمار البريطاني يمد شبكة من طرق السكك الحديدية. فبعد اختراع القطار مدت بريطانيا في الأراضي الهندية أكثر من 60.000 كم من خطوط السكك الحديدية وذلك فيما بين عامي 1853 و1947. صحيح أن معظم هذه الطرق والسكك الحديدية ربطت مناجم الموارد المعدنية الهندية بالموانئ البريطانية، إلا أنه وبعد جلاء البريطانيين ظلت البنية التحتية لهذه الطرق تستخدم لبناء الاقتصاد الهندي.


ولما كانت الهند قد تعرضت دوما للغزو العسكري والحضاري، فقد تشكل على أرضها مزيج ثري من الثقافات. لقد ترك التأثير العربي والفارسي والتركي والمغولي آثارا ملموسة إلى اليوم، دون أن يتعارض هذا مع حقيقة أن الهند في معظمها تبدو ذات ثقافة هندوسية بالدرجة الأولى. ومن زاوية أخرى أعطت الإنجليزية، لغة المستعمر البريطاني، الهند فرصة لفهم الغرب وتقدمه بدرجة أفضل مما تحقق في كثير من البلدان الأخرى في المنطقة. وقد ساعدت هذه اللغة الهند على تجاوز الصين في تكنولوجيا البرمجيات كما في قطاع الخدمات، وربما لهذا السبب يعاني اليابانيون من تأخر نسبي في  تعلم اللغة الإنجليزية، وإن كانوا يحاولون علاج تلك الفجوة بوتيرة أسرع. 


القدرات العسكرية والنووية 


تقاوم الهند باعتبارها قوة نووية ضغوطا صارمة من قبل الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية لحثها على التوقيع على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. ومن أجل الوفاء بمتطلباتها من الطاقة وقعت الهند مؤخرا اتفاقات ثنائية مع الولايات المتحدة من اجل إقامة مشروعات طاقة نووية تلبي احتياجاتها الشرهة من الطاقة والتغلب على عجز الطاقة في البلاد. كما تقاوم الهند في ذات الوقت الضغوط الأمريكية من أجل التحكم في كميات الكربون المنبعث من الأنشطة الصناعية.


وقد أجرت الهند أولى تجاربها النووية في مايو 1974، وأتبعت ذلك بتجارب أخرى في مايو 1998. وتعمل الهند جاهدة على الثبات على موقفها بألا تكون البادئة باستخدام السلاح النووي.


ومع تقادم السلاح السوفيتي في البلاد، تتجه الهند للاعتماد بشكل أساسي على الدول الغربية مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا من أجل تحديث قواتها البرية والبحرية والجوية. وفي العقود الماضية تطور تعاون عسكري هندي – إسرائيلي، حتى أن الهند اليوم تمثل أكبر مشتر للسلاح من إسرائيل.*


وللهند جيش قوي وجيد التسليح قوامه 1.1 مليون جندي. ويعتمد هذا الجيش على كافة أنواع الأسلحة التقليدية، إضافة إلى أحدث أنواع صواريخ أرض ـ أرض، وأرض ـ جو.


وفي السنوات القليلة الماضية ارتفع الإنفاق العسكري في الهند بشكل مطرد، حتى وصل معدل الزيادة إلى 8.5 % بين عامي 2006-2007. وقد شهدت ميزانية السنة المالية لعامي 2007-2008، المعروضة على البرلمان في فبراير عام 2007، زيادة أخرى في ميزانية الدفاع بنسبة 7.8 %، بل زادت هذه الميزانية بنسبة 10 % في العام التالي.


لقد ارتفع حجم الإنفاق العسكري خلال عام 2009-2010 إلى 141.7 بليون روبية هندية، بقفزة مقدارها 34 % عن العام السابق مباشرة. ويعزى السبب الرئيسي وراء ذلك للهجوم الإرهابي الذي شهدته مدينة مومباي في 26-28 نوفمبر/تشرين الثاني 2008 وأدى إلى مقتل 166 شخصا. 


وفي صيف 1999، ذلك العام الذي خاضت فيه الهند آخر معاركها ضد باكستان في تلال كارجيل الجليدية في جامو وكشمير، كانت الهند قد أنفقت 48.5 بليون روبية على الدفاع، بما في ذلك كلفة المعركة ذاتها.


وباعتبار التطورات الحادثة في دول الجوار، فضلا عن طموح الهند للعب دور إقليمي وعالمي أكبر،فقد قررت الهند تحديث جيشها وأسلحتها على نطاق واسع. وإن كانت الزيادة في معدل التضخم يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند حساب هذه الزيادة الكبيرة في ميزانية الدفاع.


ولأنها قوة نووية تسعى الهند لأن تصبح عضوا دائما في مجلس الأمن، وإن كان عدد من أعضاء هذا المجلس ليست لديهم النية للسماح بذلك.


خاتمة


تقف الهند اليوم دون شك كدولة ذات موقع بالغ الأهمية الاستراتيجية، متمتعة بميراث ثقافي ثري، وأراض خصبة وغنية بالموارد ، ولديها قوة عمل ضخمة، فضلا عن قدراتها العسكرية والنووية ونموذجها الديمقراطي الموحي. وتتخذ الهند وضع الاستعداد للانطلاق إلى مصاف الدول العظمى. لكن هذا كله لا يمنعنا من القول بأن التصنيف الطبقي للمجتمع الهندي يقف حجر عثرة أمام إمكانيات التطور المستقبلي، هذا على الرغم مما حققه الآباء المؤسسون من بناء وحدة قائمة على التنوع، وهو الهدف الذي يجب أن تظل الهند محافظة عليه وساعية إليه على الدوام.


_____________________


أحمد سرور، كاتب وباحث هندي. ترجم النص من الإنجليزية إلى العربية عاطف معتمد عبد الحميد.


لمزيد من التفاصيل عن التعاون الهندي الإسرائيلي، انظر "العلاقات الهندية الإسرائيلية وتداعياتها الإستراتيجية على الشرق الأوسط"، محمد فايز فرحات، في الملف نفسه عبر الرابط التالي:


http://www.aljazeera.net/NR/exeres/AA25AD7C-4F83-4481-AC8E-D4D13C028100.htm?


عودة إلى الصفحة الرئيسية للملف