تعامل الاتحاد الأوروبي مع الحرب على غزة

يجب على أوروبا فيما يتعلق بغزة أن تكون مستقلة وحازمة في الدفاع عن القانون الدولي ووصول إدارة أميركية جديدة قد يساعدها على مسئولياتها








 

بقلم: سامي ناير
ترجمة: رشا الطاهر



موقف الاتحاد الأوروبي
أسباب العجز الأوروبي
إسرائيل بهوية أوروبية


أثارت ردود الفعل الحذرة للاتحاد الأوروبي اتجاه عمليات القتل الجماعي التي شنتها إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة لعدة أسابيع والحصار المفروض على الأراضي المحتلة، دهشة الكثير من المراقبين. ولكي نفهم هذا الموقف، يجب أن نتذكر أن الاتحاد ليست لديه في الواقع "سياسة خارجية مشتركة"، وذلك ببساطة لأنه مكون من عدة دول. وفي الواقع، فإن مواقف الاتحاد تؤخذ بعد التشاور وتوافق الآراء بين أعضاء المجلس الأوروبي، وهي مؤسسة تجمع بين رؤساء 27 دولة في الاتحاد الأوروبي. فعندما لم يتحدث ممثل السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، خافيير سولانا، عن أية موقف خاص فيما يتعلق بقضية الشرق الأوسط وغيرها، فهو باعتباره الأمين العام السابق لمنظمة حلف شمال الأطلسي، لا يسعى بالتأكيد إلى اتخاذ مواقف مغايرة عن الأغلبية في المجلس الأوروبي.



موقف الاتحاد الأوروبي






على الرغم من أن البيان الأوروبي كان إنسانيا في جوهره إلا أننا لا نجد فيه إدانة مباشرة للقصف الإسرائيلي ضد المدنيين أو ذكرا لانتهاك اتفاقية جنيف بشأن الحرب أو إشارة إلى أن قطاع غزة أصبح سجنا
اتخذ الاتحاد الأوروبي موقفا في 30 ديسمبر 2008، بعد عدة أيام من المفاوضات بين أعضائه، وخاصة بعد ثورة الغضب العالمي الناجم عن القصف الإسرائيلي ضد المدنيين في غزة. وقد اقترح الاتحاد الأوروبي في بيان رسمي، عدة حلول "للخروج" من الأزمة: وقف إطلاق النار الفوري الدائم وغير المشروط، ووقف إطلاق الصواريخ من قبل حماس ووقف الأعمال العسكرية لإسرائيل. ونص البيان على ضرورة استئناف عملية السلام المنصوص عليها في القرار 1850 الصادر عن مجلس الأمم المتحدة، وأضاف: "ليس هناك من حل عسكري لإسرائيل والفلسطينيين في غزة أو في أي مكان آخر. الحل ينبغي أن يستند إلى العملية التي اعتمدت في أنابوليس، وعلى إنشاء دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل على أن يتم التعايش بينهما في سلام وأمن. وعلى أن تتم معالجة هذا الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني بشكل عملي ومتماسك، خاصة في ضوء مبادرة السلام العربية. وتشجع أوروبا المصالحة الفلسطينية التي يتبناها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وفق ما طالب به وزراء جامعة الدول العربية يوم 26 نوفمبر، كما تدعم جهود الوساطة التي تبذلها مصر والجامعة العربية حول هذا الموضوع. ويؤكد الاتحاد الأوروبي عزمه مجددا على مساعدة الأعضاء الآخرين في اللجنة الرباعية ودول المنطقة لوضع حد للعنف وإحياء عملية السلام ". وقد أرسل الاتحاد الأوروبي وفدا لهذا الغرض.


وعلى الرغم من أن البيان إنساني في جوهره، إلا انه لا يعتبر خارجا عن هذا الموقف. بحيث لا نجد في أي مكان في نص البيان إدانة مباشرة للقصف الإسرائيلي ضد المدنيين، أو لانتهاك اتفاقية جنيف بشأن الحرب، أو الإشارة إلى أن قطاع غزة أصبح سجنا في الهواء الطلق وهدفا للتقتيل من جانب الجيش الإسرائيلي، ناهيك عن إلقاء اللوم على إستراتيجية الحصار لتجويع الشعب الفلسطيني. مع هذا الإعلان، نجد أنفسنا في عالم مجرد من المبادئ والضمير. لا أكثر ولا أقل. ولا يفوتنا أن نذكر إشارة هانز جيرت بوترنج، رئيس البرلمان الأوروبي، إلى ابسط بديهيات البشرية المتحضرة بقوله: "إن حياة الفلسطيني لها نفس قيمة حياة الإسرائيلي". وأدان استئناف الهجمات الصاروخية من جانب حماس ضد إسرائيل، مع ذكر أن رد الفعل الواسع النطاق لإسرائيل "هو تصعيد عسكري غير مناسب تماما". وخلص إلى أن: " قتل وجرح مدنيين بهذا المستوى لن يؤدي إلا إلى تقوية حماس، وسيدفع سكان غزة والفلسطينيين نحو مزيد من التطرف".



أما فيما يخص اللجنة الأوروبية، فقد قررت في 4 يناير/ كانون الثاني 2009، إقرار حالة الطوارئ الإنسانية وتخصيص 3 ملايين يورو إضافية لتلبية الاحتياجات الأساسية للسكان المتضررين من الضربات الجوية الإسرائيلية والحصار المفروض على القطاع.


وأخيرا، وعلى أساس الوقائع الموضوعية، فإننا نعلم أن الرئاسة الحالية للاتحاد، التي يقودها التشيكي فاتسلاف كلاوس، منحازة تماما للجانب الإسرائيلي.



أسباب العجز الأوروبي






الاتحاد الأوروبي في أغلبيته يجمع بين وجهة النظر الإسرائيلية الأمريكية في مواجهة العالم العربي والإسلامي وهنالك دول منفردة فقط مثل فرنسا في ظل الإدارة السابقة لشيراك أو إسبانيا تحت حكم ثاباتيرو الحالي رفضتا إتباع هذا الاتجاه
المشكلة الحقيقية والواقعية تكمن في أن الاتحاد الأوروبي لا يعتبر نفسه لاعبا رئيسيا في المنطقة، وتتقاسم الأطراف الرئيسية في هذا الصراع -الفلسطينيون والإسرائيليون والدول العربية- معه هذه الفكرة. وإن اتخذ الاتحاد موقفا مبدئيا من الصراع، إلا أن ذلك لا يعنى توجيه سياساته لمنطقة الشرق الأوسط وهي طريقة أخرى لتوضيح أن سياسته هي سياسة الولايات المتحدة الأمريكية.


كيف توصلنا لهذا الاستنتاج؟ في الواقع، إن الاتحاد قد وافق، كما فعلت السلطة الفلسطينية، على تغييرين أساسيين في إدارة هذا الصراع الدولي منذ بداية التسعينيات. أولا، وبعد حرب الخليج في 1990-91، وافق الاتحاد الأوروبي على وضع الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني خارج إطار الشرعية الدولية، من خلال مبادرة مؤتمر مدريد. وفي حين كانت النتائج الأولية لمؤتمر مدريد في عام 1992 هي إقامة حوار مباشر بين الإسرائيليين والفلسطينيين، فقد أدت أيضا إلى جعل المشكلة الإسرائيلية الفلسطينية من اختصاص الأمم المتحدة. ومنذ ذلك الحين، أوضح الأمريكان والإسرائيليون للعالم أنه لا يمكن إيجاد حل لهذا الصراع إلا في إطار اتفاقية ثنائية بين الأطراف الرئيسية في ظل الإدارة الأمريكية: بينما يقتصر دور الأمم المتحدة على التأييد. الفلسطينيون، والذين اضعف موقفهم بسبب دعمهم لعراق صدام حسين خلال حرب عام 1991، لم يكن أمامهم سوى القبول بهذا الوضع، حيث أن شرعية حقوقهم لا تتوقف على قرار من المجتمع الدولي، ولكن على ما يحرز من تقدم أو تراجع في المفاوضات بينهم وبين الإسرائيليين الذين يحظون بتأييد مطلق من الأمريكيين. وقد اتخذ اتفاق أوسلو الاتجاه نفسه. وإن قام أرييل شارون بخرقه دون أي اعتراض من الأمم المتحدة ، فذلك لأن هذه الاتفاقات لا تندرج ضمن هذه المؤسسة.



وهكذا أعفت الأمم المتحدة نفسها من هذا الصراع ووضعته في يد الولايات المتحدة وإسرائيل، وعليه، فإن العقوبات أو القرارات التي يتخذها مجلس الأمن في هذا الشأن لا تقلق الإسرائيليون والأميركيون، لأنها لا تتعدى ببساطة، كونها مجرد مظلة رسمية للشرعية الدولية لإيجاد حل لهذا الصراع. وقد وافقت أوروبا على هذا المنحى، بل ودعمته دبلوماسيا أيضا.



ثانيا، وكنتيجة لهذا التحول الأساسي للصراع منذ ما يقرب من سبعة عشر عاما، فقد قبلت أوروبا بتغيير آخر فرضه الجانب الإسرائيلي - الأمريكي، وهو وضع مصطلح "أمن إسرائيل" كشرط مسبق لإحراز أي تقدم في المفاوضات مع الفلسطينيين، بديلا عن خيار "السلام مقابل الأرض". ولكن، وكما ترفض إسرائيل تحديد حدودها، وخاصة بعد استمرار منهجية استعمار الأراضي المحتلة (المستوطنات الاستعمارية زادت أربعة أضعاف منذ اتفاقات أوسلو)، فمن الواضح أن هذه البلاد محاطة بالحرب من كل جانب ولا يوجد أي مكان آمن فيها. وقد وافق الاتحاد الأوروبي على هذا التغيير، وهذا هو السبب وراء استخدامه لمصطلح "امن إسرائيل" في كافة التصريحات دون تحديد نطاق لهذا المفهوم.


إن التمسك بحق إسرائيل في الأمن أصبح الأداة الرئيسية لفشل أي مفاوضات حقيقية مع الفلسطينيين. كما فقدت أنشطة "اللجنة الرباعية" في ظل الإدارة الأمريكية قيمتها بالاستخدام المضلل لهذا المبدأ. كل هذا، أدى في المقابل إلى تعزيز موقف حركة حماس.



هذان السببان تحديدا يفسران لماذا يرفض الاتحاد الأوروبي الاعتراف بفوز حركة حماس، على الرغم من دعوته لإجراء انتخابات ديمقراطية في فلسطين في عام 2006، وعلى الرغم من إرسال مراقبين أوروبيين للتحقيق على أرض الواقع وضمان نزاهة الانتخابات. إضافة إلى معاملتها باعتبارها منظمة إرهابية، مما جعل الغالبية العظمى من الناخبين الفلسطينيين يبدون كداعمين للعنف. في الواقع، إن الاتحاد الأوروبي، في أغلبيته، يجمع بين وجهة النظر الإسرائيلية - الأمريكية في مواجهة العالم العربي والإسلامي. دول منفردة فقط، مثل فرنسا في ظل الإدارة السابقة لشيراك أو إسبانيا تحت حكم ثاباتيرو الحالي، رفضتا إتباع هذا الاتجاه.



إسرائيل بهوية أوروبية





بررت تسيبي ليفني القصف الإسرائيلي في غزة بإن إسرائيل تدافع عن القيم الغربية ولا تتورع جماعات الضغط الموالية لإسرائيل في أوروبا عن القول بأن دعم إسرائيل تكفير عن عمليات إبادة اليهود خلال الحرب العالمية الثانية
وأخيرا، كيف يمكن تفسير هذا الموقف؟ هناك الكثير مما يمكن قوله. ولكن ينبغي أن نلاحظ هنا بعض المسائل الهامة. الأولى هي مسألة الهوية: فإن الرأي العام في الغالبية العظمى من دول الاتحاد الأوروبي يرى إسرائيل كدولة أوروبية في الشرق الأوسط، أو دولة غربية في قلب العالم الإسلامي. وقد لعبت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني، على هذا الوتر، خلال زيارتها لفرنسا، حيث بررت القصف الإسرائيلي في غزة بقولها "إن إسرائيل تدافع عن القيم الغربية". وتعزز وجهة نظر الاتحاد الأوروبي هذه جماعات الضغط الموالية لإسرائيل في وسائل الإعلام، والقطاع المالي، والأحزاب السياسية، حيث لا يتورعون عن تذكير أوروبا بأن دعم سياسة إسرائيل هو الثمن الذي تدفعه للتكفير عن عمليات الإبادة الجماعية ضد اليهود خلال الحرب العالمية الثانية. وهنا لا بد من الإشارة إلى أمرين: أولا، لا ينبغي الخلط بين هذه الأقليات من جماعات الضغط وبقية المواطنين من اليهود في أوروبا، والذي يعد جزء منهم من دعاة السلام في منطقة الشرق الأوسط. ثانيا، لقد تغير الرأي العام الأوروبي، في الواقع، في السنوات العشر الأخيرة، حيث تدهورت صورة إسرائيل بسبب سياستها في الأراضي المحتلة.

إن شرعية القضية الفلسطينية لا تتأثر بالرأي العام الأوروبي، إلا انه يعتبر وسيلة من وسائل دعم كفاح الفلسطينيين.



هناك أيضا تنسيق منهجي للاتحاد الأوروبي بشأن السياسة في أمريكا الشمالية، وخاصة منذ دخول بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، وهو ما يعني نهاية استثناء الديجولية في أوروبا. هذا التأييد للولايات المتحدة قد ازداد بشكل كبير منذ التوسيع الأخير لدول الشرق. وهناك أيضا "الإرباك أو التشويش" التدريجي لصورة الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، الذي يبدو في نظر معظم الحكومات الأوروبية بأنه خطر مماثل لذلك الموجود في أفغانستان أو العراق، كما أن حملات الدعاية اليومية تفاقم من الشعور بالمساواة بين الإسلام والأصولية. كذلك فقد لا يرتبط الدعم للسلطة الفلسطينية بعدالة قضيتها، بقدر ما يرتبط بنظرتهم لها باعتبارها أقل شرا من حماس.



يمكن للمرء أن يضيف الكثير من التفسيرات، ولكن الحقيقة هي أن الاتحاد الأوروبي، من خلال اعتماد هذا الموقف، لا يفعل شيئا من أجل حل الصراع الذي يجري أمامه. وهذا يفسر رجوع بعض الدول الأوروبية لاعتماد السياسات الفردية. وتعلم فرنسا، التي غادرت للتو رئاسة الاتحاد الأوروبي، انه لا ينبغي أن يعول على جمهورية التشيك في دفع الاتحاد لإيجاد حل للصراع، حيث اتخذت مع مصر في 6 يناير مبادرة لاقتراح وقف إطلاق النار. وتأتي أهمية هذه المبادرة من موقف نيكولا ساركوزي (وكذلك وزير خارجيته برنار كوشنير) المعروف بتأييده لإسرائيل، كما صرح بذلك عند وصوله إلى رئاسة الجمهورية. لكن ساركوزي من الذكاء بمكان بحيث يعلم أنه لا يستطيع إعلان تأييده في مواجهة العالم العربي في هذه القضية. فكانت إستراتيجيته هي الاعتماد على مصر والسلطة الفلسطينية لتسهيل الحوار مع إسرائيل. ولم يكن باستطاعته الدعوة للتفاوض مع حماس، لأن الرئيس الفرنسي حساس لتغير ميزان القوى وتغير التحالفات، وموقفه في كل الأحوال لا يخرج عن موقف الاتحاد الأوروبي المؤيد لأمريكا.



وعلى كلٍ، فإن أوروبا، نظرا للمصالح الاقتصادية والجيوسياسية، يمكن أن تؤثر في الواقع على هذا الصراع. كيف؟ أولا، عن طريق وضعه في سياق القانون الدولي من خلال العودة إلى شرعية الأمم المتحدة. وهذا يعني عمليا: الدعوة لتنظيم مؤتمر دولي تحت إشراف مجلس الأمن، الحث على إرسال قوات دولية للأمم المتحدة للمراقبة على أرض الواقع، استخدام آلية "الشراكة المميزة" (تعليق الاتفاقات الاقتصادية إذا كان القانون الدولي لا يحترم من قبل الدولة التي تستفيد من هذه العلاقة)، مراقبة استخدام الأموال المرسلة للسلطة الفلسطينية. أخيرا وليس آخرا، الحوار مع حماس، وهذا هو الذي سيجعل إدانة الاتحاد الأوروبي للهجمات ضد المدنيين الإسرائيليين أكثر فعالية.



باختصار، فإن أوروبا يجب أن تكون مستقلة وحازمة في الدفاع عن القانون الدولي. كما أن وصول إدارة أميركية جديدة سوف يساعدها على تحمل مسئولياتها في النهاية. نأمل ذلك!
_______________
أستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس 8
وأستاذ زائر في جامعة بابلو دي أولافيد في اشبيلية (اسبانيا)
مركز الجزيرة للدراسات