ملخص ملف "مصر.. تبديد أرصدة القوة"

اجتهدت الدراسات التي حواها هذا الملف في تقديم قراءة معمقة للواقع المصري في أهم مناحيه السياسية والاجتماعية والاقتصادية؛ وذلك بغية تكوين رؤية تعين على الإجابة على التساؤل التالي: أين تقف مصر الآن؟ وإلى أين تسير؟







محمد عبد العاطي


اجتهدت الدراسات التي حواها هذا الملف في تقديم قراءة معمقة للواقع المصري في أهم مناحيه السياسية والاجتماعية والاقتصادية؛ وذلك بغية تكوين رؤية تعين على الإجابة على التساؤل التالي: أين تقف مصر الآن؟ وإلى أين تسير؟


وترجع أهمية هذا التساؤل إلى الاهتمام الذي يوليه القارئ العربي لهذا البلد الكبير، ورغبته  المعرفية في إيجاد تفسير جاد لأسباب تراجع الدور المصري وتداعياته على المحيط العربي والإقليمي.


وقد خلص الملف إلى أن حالة الضعف التي تعيشها مصر الآن مقارنة بما كانت عليه في فترات كثيرة من تاريخها، لعل آخرها إبان عهد محمد علي في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وخلال فترة حكم جمال عبد الناصر في العقدين الخامس والسادس من القرن العشرين، ترجع إلى مجموعة من العوامل، بعضها متعلق بطبيعة النظام السياسي وإفرازاته السياسية والاقتصادية، وبعضها الآخر متعلق بالبيئة الثقافية ومنظومة القيم السائدة حاليا في المجتمع وتأثيرها على شخصية الإنسان المصري وسلوكياته وعلاقاته الاجتماعية.


ويخرج القارئ لهذه المجموعة من العوامل والأسباب التي استعرضتها دراسات الملف بتصور عام مفاده أن مصر هي في أمسِّ الحاجة حاليا إلى "تغيير جذري" يعيد تأسيس نظام سياسي جديد على أسس وقواعد مختلفة عن تلك التي قامت عليها طيلة الستين عاما الماضية، وبغير ذلك فإن الأمور مرشحة لمزيد من التدهور؛ مما سيكون له تداعيات أشد خطورة على المستوى الداخلي والخارجي.


وقد حرص هذا الملف على أن يشارك بالكتابة فيه نخبة من الكتاب والباحثين المصريين من مختلف التوجهات الفكرية، وكان المعيار الأساسي الحاكم في اختيار هؤلاء هو جدية الطرح ورصانة العرض والالتزام قدر المستطاع بأسس وقواعد البحث المتعارف عليها.


وفيما يلي تلخيص مكثف لبعض ما ورد في هذه الدراسات، وهو تلخيص لا يغني عن قراءة الأصل حتى تكتمل الفكرة التي أراد الكاتب إيصالها.


مدخل تمهيدي: مصر.. الدولة والمجتمع
عاطف معتمد عبد الحميد، أستاذ مساعد الجغرافيا السياسية بجامعة القاهرة


يستهل الملف أوراقه البحثية بمدخل تمهيدي، كان الهدف منه إعطاء القارئ -خاصة غير المصري- خلفية معرفية مكثفة تساعده على الإلمام العام بهذا البلد، من ناحية التاريخ والجغرافيا والسكان. وتخلص هذه الدراسة إلى أن مصر تمتلك مقومات القوة الإقليمية الصاعدة لو أُحسن استغلالها، سواء من ناحية عدد السكان أو الإرث التاريخي والإسهام الحضاري، أو الموارد والإمكانات والقدرات. لكن الأمر –كما تشير الدراسة- منوط بعاملين، الأول: أن "يصح العزم، وتمتلك مصر إرادتها، وتنتقل من عصر التوريث والبرجوازية الصدئة والرأسمالية الزائفة إلى عصر تنعم فيه بحكومة وطنية ذات مشروع قومي. والثاني: حين يتخلص المصريون أنفسهم من ثلاثية الهلاك المتمثلة في التناقض وهوان النفس وضعف المبادرة".1


أزمة النظام السياسي المصري: العلاقة بين السلطات ومعضلة الشرعية السياسية
حسنين توفيق إبراهيم، أستاذ العلوم السياسية بجامعتي القاهرة وزايد


تحاول هذه الدراسة التعمق في فهم طبيعة النظام السياسي المصري، وتتساءل عما إذا كان هناك تداخل بين السلطات الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية، وأثر ذلك –إن وُجد- على الحياة السياسية المصرية. وتخلص إلى أن النظام السياسي المصري يعيش أزمة بنيوية تتمثل تجلياتها في غياب التوازن بين هذه السلطات، وذلك بسبب هيمنة السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية وتغولها على السلطة القضائية. هذه الحالة التي وصفَّتها الدراسة أفرزت العديد من الأزمات في المجالات الاجتماعية والاقتصادية وذلك للمكانة المركزية التي يمثلها النظام السياسي في مصر باعتباره المحدد للسياسات العامة التي تنتهجها الدولة، والمُرتِّب للأولويات والاختيارات، والمعبئ للموارد والطاقات. وقد تسببت هذه الأزمة البنوية أيضا –كما تشير الدراسة- في انتشار الفساد السياسي والإداري على نطاق واسع، وتراجع هيبة الدولة، وتآكل سيادة القانون.2


الجهاز الإداري للدولة المصرية.. عرض مقتضى الحال وتصور للمآل
عطيه حسين أفندي، أستاذ الإدارة العامة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة


تستعرض هذه الدراسة أسباب ما وصفته بترهل الجهاز الإداري للدولة المصرية، وتبحث في العوامل التي أضعفت كفاءته وقللت فعاليته خاصة فيما يتعلق -كما يقول الكاتب- بقدرته على تلبية احتياجات المواطنين لا سيما في الوزارات والهيئات والمصالح المرتبطة بالخدمات كأمن المجتمع والتعليم والصحة والإسكان. وتؤكد الدراسة على أن من أسباب ذلك "الترهل" إحساس القائمين على الجهاز الإداري –نظرا لغياب العمل السياسي المعبر عن الجماهير- بأنهم ليسوا في حاجة إلى الحصول على الرضاء العام من هذا الجمهور.3 وتشير الدراسة إلى أهمية العمل لرفع كفاءة هذا الجهاز بطريقة تشمل كل عناصر المنظومة الإدارية وليس"بأسلوب ترقيعي" يجعل من الحديث عن أهمية "هز الجهاز الحكومي" وتحقيق "الثورة الإدارية" كلاما ينقصه الفعل.4


السلطة والثروة والعلاقة الشوهاء.. كيف تحول الفساد إلى بنية مؤسسية في مصر؟
عبد الخالق فاروق، خبير اقتصادي وباحث في قضايا الفساد


تتبع هذه الدراسة جذور العلاقة بين السلطة والثروة، وهي علاقة وسمت نظام حكم الرئيس حسني مبارك خاصة في العشرية الأخيرة. والمقصود بها أن كبار رجال المال والأعمال في مصر امتد نشاطهم واتسع تأثيرهم ونفوذهم حتى وصلوا إلى صلب النظام السياسي، وبات بمقدورهم التحكم في السياسات وتوجيه القرارات، وهو أمر كانت له تداعيات كثيرة، أبرزها تمثل في شيوع الفساد حتى أصبح ظاهرة مجتمعية خطيرة. وهنا تقدر الدراسة حجم ما تخسره مصر بسبب الفساد بـ 35% من ناتجها المحلي الإجمالي، وهو ما جلعها تحتل المرتبة 98 في تقرير منظمة الشفافية الدولية الصادر في أكتوبر 2010. وتؤكد الدراسة على أن الفساد الحالي في مصر تحول من مجرد انحرافات فردية كما كان يحدث قبل ثورة 1952 وطوال عهدي عبد الناصر والسادات، إلى "بنية مؤسسية متكاملة تتحرك من خلال مجموعة من الآليات تسببت في شيوع الفساد في العديد من المؤسسات الأساسية في المجتمع".5


المعارضة الحزبية في مصر: اختلالات البناء وضعف الأداء
وحيد عبد المجيد، مستشار في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية


تخلص هذه الدراسة إلى أن أحزاب المعارضة المصرية ضعيفة وهشة وقليلة الفاعلية والتأثير، وترجع أسباب ذلك إلى القيود السياسية والأمنية التي فُرِضت عليها من قبل النظام، وإلى "الاختلالات الجوهرية في بناء هذه الأحزاب وطريقة تسييرها".6 وتفسر الدراسة ذلك بقولها: إن مصر بعد ثورة 1952 شهدت تدميرا لمقومات التعددية؛ وهو ما أدى إلى ضعف تكوين النخبة السياسية والثقافية، وقد كان لهذه الحالة بالغ الأثر حينما انتقلت مصر إلى التعددية الحزبية المقيدة في منتصف السبعينيات من القرن العشرين؛ حيث تبين أن هذه النخب أضعف من أن تحمل على كاهلها أعباء بناء نظام تعددي قادر على النمو والتطور؛ ولذلك-تضيف الدراسة- فإن بعض هذه النخب ذهب بعيدا في مساومات غير مجدية مع نظام الحكم، وتخبط بعضها الآخر بين المواجهة والمهادنة، وقنعت كلها في النهاية بدور "كومبارس"-على حد وصف الباحث-، وبدت هذه النخب عاجزة عن المبادرة والفعل المؤثر، وأسيرة ردود فعل غلب عليها الطابع العشوائي.7


قوى الحراك السياسي الجديد في مصر.. وليد في طور النمو
عمرو الشوبكي، خبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية


تتبع هذه الدراسة نشأة قوى الحراك السياسي الجديدة في مصر مثل حركة كفاية والجمعية الوطنية للتغيير وشباب 6 أبريل...، توحاول تقييم أدائها ومعرفة الأسباب التي جعلتها غير مؤثرة في المشهد السياسي بالقدر المنشود حتى الآن. وترجع الدارسة بعض أسباب ذلك التعثر إلى القيود السياسية والأمنية المفروضة عليها في ظل حالة الطوارئ التي تعيشها مصر منذ بدايات حكم الرئيس حسني مبارك والتي ألجأتها إلى الاعتماد كثيرا على الفضاء الإلكتروني عوضا عن التواجد الجماهيري، كما ترجعها إلى بعض الخلافات بين قيادات هذه الحركات، وإلى ما أسمته حالة التصحر السياسي والثقافي التي أصابت المجتمع المصري.8


مبارك والإخوان.. خبرة الثلاثين عاما


خليل العناني، باحث في سوسيولوجيا الإسلام والحركات الدينية، ومحاضر في جامعة "دورهام" البريطانية


تخلص هذه الدراسة إلى أن حال جماعة الإخوان المسلمين من حيث قدرتها على إجبار النظام على إحداث الإصلاح أو التغيير السياسي المطلوب لا يختلف كثيرا عن مثيلاتها من قوى المعارضة الأخرى. وتُرجِع الدراسة أسباب ذلك إلى أن نظام الرئيس حسني مبارك قد نجح فى "تهذيب السلوك السياسي للجماعة، وتحديد سقفها وطموحها ودفعها للتعايش مع الأمر الواقع والرضا بما هو قائم حتى أصبح الهدف الأساسي لهذه الجماعة هو البقاء (فقط) كتنظيم اجتماعي تعبوي متماسك يلبي احتياجات أعضائه ويمتص حماستهم".9  وتشير الدراسة إلى أن العلاقة بين النظام والجماعة في مصر وصلت فى النهاية إلى حد "التوظيف المتبادل"، بمعنى أن النظام "يوّظف الإخوان من أجل تحقيق مكاسب عديدة ليس أقلها الإبقاء على حالة الجمود السياسي داخليًا، وتخويف القوى الدولية من صعود الإخوان خارجيًا. في حين تبدو الجماعة مستفيدة من بقاء الأوضاع على ما هي عليه ما دامت قواعدها موجودة ومكاتبها الإدارية تعمل.10


وعن مآلات الإخوان كقوة سياسية فاعلة تؤكد الدراسة أن ذلك يظل مرتبطًا بقدرة الجماعة على تطوير خطابها السياسي كي يصبح أكثر انفتاحًا وديمقراطية. لكن الدراسة تؤكد أن ذلك أمر صعب لأنه يتطلب أن تعيد الجماعة النظر فى مشروعها الفكري برمته وهو ما يصعب التنبؤ به -كما يقول الكاتب- فى ظل عملية الإقصاء المستمرة للعناصر الإصلاحية داخل الجماعة، وتخلص إلى أنه ربما لن تضمُر حركة "الإخوان المسلمين" تنظيميًا أو حركيًا، على الأقل فى المدى المنظور، بيد أنها "بلا شك فقدت زمام المبادرة السياسية، ولم تعد قادرة على فرض نفسها كبديل مقنع للنظام المصري، وهو ما قد يمثل خطرًا وجوديًا على المشروع الإخواني ذاته ما لم يتم الالتفات للنقاط السابقة".11


العلاقة بين نظام حكم الرئيس مبارك والأقباط.. أسباب التوتر وبواعث القلق
كمال زاخر موسى، باحث متخصص في الشؤون القبطية


تناقش هذه الدراسة العلاقة المتوترة بين نظام حكم الرئيس مبارك والأقباط منذ السبعينيات حتى الآن، وترصد أسباب هذا التوتر، وتعتبر أن هذا التوتر أدى إلى تعاظم دور الكنيسة، وتخلص إلى أن هذه العلاقة المتوترة لم تجد في المقابل من يتعامل معها بالجدية التي تستحق، وأن المشكلة القبطية مرشحة لمزيد من التصعيد نظرا لدخول لاعبين جدد فى ملعب الأحداث لتحقيق أجندات خاصة بهم إن محليًا أو إقليميًا أو دوليًا، ويساعد أيضا على هذا التصعيد ثورة الاتصالات والانفتاح الإعلامي، والإصرار على التناول السطحي للأزمات المزمنة والمستحدثة بين الطرفين، وغياب الرؤية الإستراتيجية عن الساحة، والافتقار لفكر موضوعي لإدارة الأزمات.12


المتغيرات المسؤولة عن ضعف بناء الثقافة ومنظومات القيم في مصر عبر العقود الثلاثة الأخيرة
علي ليلة، أستاذ النظرية الإجتماعية بكلية الآداب، جامعة عين شمس


تسلط هذه الدراسة الضوء على عامل آخر من العوامل التي أوهنت مصر في العقود الثلاثة الأخيرة، وهو ضعف منظومة القيم في المجتمع المصري، وهو أمر أدى إلى أن يفقد هذا المجتمع شيئا من حصانته الداخلية ومناعته الذاتية. وتستعرض الدراسة مظاهر ذلك الضعف وتنقب في أسبابه وتخلص إلى أن "الإنهيار الثقافي الذى أصاب المجتمع المصري، قد أصاب أخلاقه (أيضا) فى مقتل".13 وترجع ذلك إلى مجموعة من العوامل، منها: الفساد، وزيادة الضغوط الاقتصادية، وتردي الخدمات الذي ساعد على توليد حالة من العدوانية الطافية في فضاء المجتمع، و"استرخاء القانون"، وزيادة نسب تعاطي وإدمان المخدرات، إضافة إلى فاعلية العوامل الخارجية التي صدرت عن قوى العولمة بالأساس، كتأثير الفضائيات وتكنولوجيا الإعلام والمعلومات على الأخلاق العامة للمجتمع، بحيث ساعد كل ذلك –كما تخلص الدراسة- فى اتساع مساحات الثقافات الفرعية المنحرفة التي لعبت دورها فى تآكل الأخلاق العامة للمجتمع.14


الاقتصاد المصري ومعضلة الفقر والتهميش كمحصلة للسياسات الاقتصادية العامة
أحمد السيد النجار، خبير اقتصادي، ورئيس الوحدة الاقتصادية بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام


تشخص هذه الدراسة الملامح الرئيسة للسياسات الاقتصادية لنظام الرئيس حسني مبارك، وتشير إلى أن هذه السياسات تأسست على رؤية قوامها تقليص دور الدولة؛ مما أدى إلى خروجها من عمليات الاستثمار المباشر فى الصناعة والزراعة، والاكتفاء بتطوير البنية الأساسية وتحرير سعر وسوق الصرف وخصخصة القطاع العام. وتؤكد الدراسة على أن المستشف من سلوك النظام، خاصة خلال السنوات العشر الأخيرة، هو أن  السياسات الاقتصادية التي تبناها موجهة لخدمة الطبقة الرأسمالية الكبيرة، المحلية والأجنبية، على حساب الطبقتين الوسطى والفقيرة، وهو ما يمكن إدراكه -كما تسهب فيه الدراسة- من قراءة تحليلية ونقدية لقوانين الضرائب وحماية المنافسة ومنع الاحتكار وسياسات التشغيل والأجور وتوزيع الدخل والخصخصة.15


    
القوة الناعمة: أزمة النظام القوي والدولة الضعيفة في مصر
هبة رؤوف، مدرس العلوم السياسية بجامعة القاهرة


تستعرض هذه الدراسة حالة القوة الناعمة لمصر وما لحق بها من تغيرات خلال السنوات الثلاثين الماضية، وتخلص إلى أن قوة مصر الناعمة قد تآكلت إلى حد كبير لأن هذه القوة يفترض أن ترتكز على قوة مدنية تشترط مساحة من الحرية والديمقراطية والمشاركة في صنع القرار الإستراتيجي، وتستند لخيارات في تخصيص الموارد بما يحفظ للقطاعات المختلفة في الدولة قوة تستطيع أن تستثمر بعضها في المجال الخارجي – الإقليمي والدولي، وتشترط حنكة سياسية تميز بين الخصومة السياسية والإمكانية والمكانة الوطنية للخصوم، وكلها عناصر تؤكد الدراسة أن مصر "فقدتها عبر العقود، وتحتاج لأن تعيد ترتيب أوراقها وتشحذ همتها من أجل استعادة ما تم إهداره واسترداد ما تم تبديده".16


أسس ومرتكزات السياسية الخارجية المصرية في عهد مبارك.. معطيات التاريخ وحقائق الجغرافيا
حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة


بعد تحليل الواقع المصري بأبعاده السياسية والاجتماعية والاقتصادية ومعرفة كيف أضحت مصر -نتيجة لتراكمات عوامل الضعف السابق ذكرها- بلدا مأزوما، تقعده مشكلاته الداخلية وتفت في عضده، ينتقل الملف إلى التنقيب عن تداعيات ذلك على دور مصر العربي ومكانتها الإقليمية والدولية.


تستعرض دراسة أسس ومرتكزات السياسة الخارجية المصرية مدى كفاءة وفعالية الدبلوماسية المصرية في تمتين العلاقات والروابط الخارجية لمواجهة التحديات التي تواجه مصر وعلى رأسها تحدي الأمن المائي مع دول حوض النيل، والتهديد النووي القادم من إسرائيل، وتحدي التنمية وما يتطلبه من تحسين العلاقات مع الدول العربية، وتنتهي الدراسة إلى أن هذه الكفاءة لم تكن بالقدر المطلوب. وتخلص إلى أن استمرار سياسة مصر الخارجية على ما هي عليه لن يؤدي إلا إلى زيادة التحديات خطورة وتعقيدا, وتلمح إلى أنه "ما لم تتوافر لقيادتها السياسية إرادة حقيقية لمواجهة هذه التحديات، والخروج عن الطوق الأميركي فسوف يستمر تدهور دور ووضع ومكانة مصر في النظامين الإقليمي والعربي".17


كما تؤكد الدراسة على أنه حين تتوفر للقيادة المصرية الإرادة السياسية فسوف تظهر الحاجة الماسة لتغيير بوصلة سياسة مصر الخارجية انطلاقا من الأسس التالية:



  1. التعامل مع إسرائيل باعتبارها مصدر التهديد الرئيسي على أمن مصر وأمن العالم.
  2. إعادة ترتيب البيت العربي على أسس جديدة، والسعي لبناء توافق عربي حول صيغة للتكامل تحقق منافع متبادلة لكافة الدول العربية ويكسب منها الجميع.
  3. فتح صفحة جديدة في العلافات مع إيران تبدأ بإعادة العلاقات على مستوى السفراء, ودعم علاقات التعاون مع تركيا, وتمهيد الطريق لحوار عربي-تركي-إيراني يستهدف البحث عن حلول إقليمية متوازنة لمشكلات الأمن في المنطقة.18

العلاقات المصرية السودانية بين التوجهات السياسية والمصالح الإستراتيجية



مصر هي في أمسِّ الحاجة حاليا إلى "تغيير جذري" يعيد تأسيس نظام سياسي جديد على أسس وقواعد مختلفة عن تلك التي قامت عليها طيلة الستين عاما الماضية، وبغير ذلك فإن الأمور مرشحة لمزيد من التدهور؛ مما سيكون له تداعيات أشد خطورة على المستوى الداخلي والخارجي
هانئ رسلان، رئيس وحدة دراسات السودان ودول حوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية

تشير هذه الدراسة إلى أن انفصال جنوب السودان-وهو الأمر الأرجح-، سوف يؤدي بالضرورة إلى إعادة صياغة التوازنات الإستراتيجية في المنطقة الممتدة من الحدود الشمالية للسودان مع مصر وليبيا وصولا الى منطقتي البحيرات العظمى من ناحية ومنطقة القرن الأفريقي من الناحية الأخرى، وهي مناطق مهمة بالنسبة لمصر وارتباطها الوثيق بقضايا مياه النيل وأمن البحر الاحمر وتأمين قناة السويس. كما سيؤثر انفصال الجنوب السوداني أيضا بشكل سلبى على الأمن المباشر لمصر على حدودها الجنوبية ودورها ومكانتها فى الإقليم، وسوف ينقل قضية حاجة مصر إلى المياه إلى مرحلة جديدة تحتاج إلى إستراتيجيات مختلفة للتكيف مع الأوضاع المستجدة. وتوضح الدراسة أنه "في ظل الأوضاع الحالية فإن عملية إعادة صياغة الخريطة السياسية في تلك المنطقة قد تتم خصما من مكانة مصر وقدرتها على التأثير والتدخل لحماية مصالحها الحيوية، لصالح قوى وأطراف إقليمية ودولية أخرى ذات تواجد فعلي فى هذه المناطق وتسعى بقوة لتوسيع نفوذها".19


وتخلص الدراسة إلى أن السياسة المصرية الحالية نحو السودان تبدو غير متناسبة مع الثقل المفترض لمصر وضخامة مصالحها من ناحية، والظروف والتعقيدات التى يواجهها السودان من ناحية أخرى، وتستدل على هذه النتيجة بعدة دلائل منها أن "المواقف المصرية تراوح في تحركاتها بطريقة قد تصلح للتعامل مع أوضاع مستقرة وليس مع مثل هذه التفاعلات الهائلة التي تهدف إلى الفك والتركيب؛ حيث تظهر الحاجة الماسة إلى رؤية جديدة متكاملة تنظر إلى ما يجري، وتعيد تعريف المصالح المصرية في السودان، وتسعى إلى تحقيقها بالوسائل والسياسات المطلوبة".20


مصر ودول حوض النيل.. الحاجة إلى إعادة ترتيب الأولويات
نادر نور الدين، أستاذ المياه والتربة بكلية الزراعة جامعة القاهرة


تستعرض هذه الدراسة الصعوبات التي تواجه مصر في موضوع مياه نهر النيل وبخاصة في ما يتعلق بمطالبة دول المنابع بإعادة توزيع حصص مياه النهر وفقا لما تعتقده بأنه التوزيع العادل للمياه بعيدا عن الاتفاقيات التي وُقِّعت في عهود سابقة لا تعترف بها النظم الحالية، والتي ترى أن سيطرة دولتي المصب، مصر والسودان، على 90% من المياه الجارية بالنهر مقابل 10% فقط لدول المنابع السبع فيه ظلم كبير يحتاج إلى إعادة نظر. ولم تكتف الدراسة باستعراض مهددات مياه النيل في أبعادها الخارجية فقط وإنما ألقت كذلك الضوء عى ما يشهده هذا النهر داخل الأراضي المصرية من تلوث ناجم عن مخلفات الصرف الصحي والصناعي والزراعي والذي أدى إلى انتشار العديد من الأمراض. وتدعوا الدراسة في النهاية إلى أن يكون تعامل النظام المصري مع تلك المشكلات والتحديات على قدر ما تمثله من تهديد.


العلاقات المصرية – الإيرانية بعد ثلاثة عقود من حكم مبارك.. البحث عن مسار مختلف
محمد السعيد إدريس، رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية، رئيس تحرير مجلة "مختارات إيرانية"، بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية


تشير هذه الدراسة إلى أن إدارة مصر للعلاقات مع إيران على مدى الأعوام الثلاثين الماضية كانت محصلة لنوعين من العوامل، الأول: ما يمكن اعتباره عوامل خارجية إقليمية ودولية مفروضة، والثاني: عوامل ذاتية خاصة بنظامي الحكم فى القاهرة وطهران، ومن ثَمَّ فإن أي تغير يمكن أن يحدث فى أي من هذين النوعين من العوامل سوف ينعكس حتمًا على العلاقات بينهما سواء في شكل تراجع التوتر والاتجاه نحو تحسين العلاقات أو في شكل الاستمرار في التوتر وربما التصعيد إلى درجة الصراع، وإن كان مثل هذا التصعيد يبدو مستبعدًا كما تؤكد الدراسة.21


وبعد استعراض الدراسة المحطات المهمة في العلاقات الثنائية بين البلدين تخلص إلى أن ابتعاد القاهرة عن الدور القيادي للنظام الإقليمي العربي جعل "نظام الرئيس حسني مبارك يتعامل مع إيران من منظور مصالحه الضيقة وتحالفاته وقضاياه الأساسية، وهي: التحالف مع أميركا للحصول على الدعم الاقتصادي. السلام مع إسرائيل لتأمين مصر من أي انجرار نحو حرب جديدة، والأمن الداخلي للنظام ضد كل القوى الطامحة في الوصول إلى السلطة وخاصة التيارات الإسلامية".22


وتؤكد الدراسة أن النظام المصري لو تعامل مع إيران من منظور كونه قيادة قومية عربية لأمكنه الوعي بقواعد معادلة أخرى جديدة تفرض عليه أن يتعامل مع طهران كقوة حليفة في ظل معادلات توازن القوى الإقليمية وخاصة مع بروز الدورين الإيراني والتركي، والوجود القوي للكيان الصهيوني، وتشتت القوة العربية بين العديد من الدول العربية المتنافسة في ظل غياب المشروع القومي الموحد للأمة العربية وغياب القيادة القومية.23


العلاقات المصرية – الأميركية.. كيف يصحح الخلل ويتحقق التوازن؟  
منار الشوربجي، أستاذ مساعد العلوم السياسية بالجامعة الأميركية في القاهرة


تخلص هذه الدراسة إلى أن العلاقات المصرية الأميركية انطوت على تناقض داخلي دائم؛ إذ يُفترض نظريا أن يكون من مصلحة واشنطن ألا تكون مصر ضعيفة حتى تستفيد من دورها ونفوذها الإقليمي، لكن وجود إسرائيل في صلب معادلة العلاقات المصرية الأميركية معناه في أحيان كثيرة أن تكون المصلحة هى تحجيم دور مصر وليس العكس، وهو ما يؤدي بالضرورة إلى الإضرار بمصالح مصر بل وأحيانا بمصالح أميركا نفسها كما بدأت الأخيرة تدرك ذلك مؤخرا. من هنا –كما تستطرد الدراسة- فإن كل مسارات العلاقات المصرية الأميركية لم تكن أبدا ملك الطرفين الأميركي والمصري، وإنما ظلت دوما رهنا لرغبات إسرائيل ومصالحها، بل صارت إسرائيل قادرة على توتير علاقة أميركا بمصر أو تقويتها حسب مصلحتها في كل فترة زمنية. بعبارة أخرى، فإن تحسن العلاقة مع أميركا ليس فى الحقيقة في يد مصر وأميركا وإنما فى يد مصر في جانب وأميركا وإسرائيل معا في الجانب الآخر.24 وتُختتم الدراسة بالقول: إن "المشكلة ليست فى العلاقة مع أميركا في ذاتها ولا هي في الضغوط الأميركية التى تستجيب لها مصر وإنما مكمن الخلل هو في رؤية مصر الحالية لذاتها ودورها، وتعريف النخبة الحاكمة القاصر لمصالح مصر وأمنها القومي ودورها الإقليمي".25


العلاقات المصرية-الإسرائيلية.. تكلفة السلام
الدكتور عبد العليم محمد، مستشار بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام


تُلقي هذه الدراسة الضوء على طبيعة علاقة القاهرة بتل أبيب على مدى الثلاثين عاما الماضية، وتتساءل: إذا ما كانت المحصلة النهائية تصب في مصلحة أمن مصر القومي؟ وتشير الدراسة إلى أن العلاقات المصرية الإسرائيلية قد خضعت منذ بدايتها لأحكام معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في عام 1979، وأن هذه المعاهدة "قد فكَّت الارتباط -إلى حين- بين مصر وبوابتها الشرقية؛ حيث قبلت مصر بالخروج من الصراع العربى الإسرائيلي بثقلها الإستراتيجي والعسكري والتاريخي -حتى لو لم تكن في البداية تريد ذلك تمامًا- ولكن هذا ما انتهى إليه الأمر فعليًا".26 وتخلص الدراسة إلى أن "دور مصر الإقليمي وتأثير النموذج الذى تمكنت من صنعه وصياغته إبان حقبة الخمسينيات والستينيات، قد أصابه قدر كبير من التراجع على الصعيد العربي والأفريقي، وأن السياسة المصرية الخارجية فقدت الكثير من قدرتها ومصداقيتها في مجال ضبط التفاعلات الواقعة والناجمة عن خروج مصر كفاعل إستراتيجي في مواجهة إسرائيل".27


مستقبل نظام الحكم في مصر
معتز بالله عبد الفتاح، أستاذ مساعد العلوم السياسية بجامعتي القاهرة وميتشيجان بالولايات المتحدة


وأخير يختتم الملف دراساته باستشراف مستقبل نظام الحكم في مصر، وتتوقع هذه الدراسة أن تكون السمة المميزة لنظام حكم الرئيس مبارك سواء بقي في السلطة أو خلفه آخر من داخل النظام "عدم الاستقرار"، وأن مظاهر عدم الاستقرار هذه سوف تزداد كلما زادت المطالب السياسية وضعفت قدرة المؤسسات السياسية على الاستجابة الفاعلة لها إما بتلبيتها عن طريق المؤسسات الخدمية، أو التعبير عنها من خلال المؤسسات التمثيلية أو بقمعها على يد المؤسسات الأمنية. 29


_______________


مركز الجزيرة للدراسات، محرر الملف.


الهوامش:


1. عاطف معتمد عبد الحميد، مصر.. الدولة والمجتمع، ص 20
2. حسنين توفيق إبراهيم، أزمة النظام السياسي المصري:التوازن بين السلطات ومعضلة الشرعية، ص 2
3. الجهاز الإداري للدولة المصرية.. عرض مقتضى الحال وتصور للمآل، عطيه حسين أفندي، ص 2
4. المرجع السابق، ص 9
5. عبد الخالق فاروق، السلطة والثروة والعلاقة الشوهاء.. كيف تحول الفساد إلى بنية مؤسسية متكاملة في مصر؟، ص 8
6. وحيد عبد المجيد، "المعارضة الحزبية في مصر: اختلالات البناء وضعف الأداء" ص1
7. المرجع السابق، ص 5
8. عمرو الشوبكي، قوى الحراك السياسي الجديد في مصر.. هل من جديد؟، ص 7
9. خليل العناني، مبارك والإخوان.. من المواجهة إلى التوظيف المتبادل، ص 1
10. المرجع السابق، ص 13 المرجع السابق، ص13
11. كمال زاخر موسى، العلاقة بين الدولة والأقباط.. أسباب التوتر وبواعث القلق، ص 8
12. علي ليلة، المتغيرات المسؤولة عن ضعف بناء الثقافة ومنظومات القيم فى مصر عبر العقود الثلاثة الأخيرة، ص 12
13. المرجع السابق، ص 6
14. أحمد السيد النجار، الاقتصاد المصري ومعضلة الفقر والتهميش كمحصلة للسياسات الاقتصادية العامة، ص 2
15. هبة رؤوف عزت، القوة الناعمة: أزمة النظام القوي والدولة الضعيفة في مصر، ص 21
16. حسن نافعة، أسس ومرتكزات السياسة الخارجية المصرية في عهد مبارك.. معطيات التاريخ وحقائق الجغرافيا، ص 16
17. المرجع السابق، ص 17
18. هانئ رسلان، العلاقات المصرية السودانية بين التوجهات السياسية والمصالح الإستراتيجية، ص 4
19. المرجع السابق، ص 8
20. المرجع السابق، ص8
21. محمد السعيد إدرايس، العلاقات المصرية-الإيرانية بعد ثلاثة عقود من حكم مبارك.. البحث عن مسار مختلف، ص 9
22. المرجع السابق، ص 10
23. المرجع السابق، ص 10
24. منار الشوربجي، العلاقات المصرية – الأميركية.. كيف يصحح الخل ويتحقق التوازن؟، ص 1
25. المرجع السابق، ص 12
26. عبد العليم محمد، العلاقات المصرية – الإسرائيلية.. تكلفة السلام، ص 16
27. المرجع السابق، ص  17
28. معتز بالله عبد الفتاح، مستقبل نظام الحكم في مصر.. عدم استقرار لا يصل إلى درجة الثورة، ص 6
29. المرجع السابق، ص 6