لا يتوقف تأثير ارتفاع معدلات الجريمة في البرازيل على الأمن الاجتماعي فقط وإنما تمتد أيضا لتؤثر سلبا على البيئة الجاذبة للاستثمار (رويترز-أرشيف)
جوليانا جيومارايس
على الرغم من متانة الاقتصاد البرازيلي وآفاق مستقبله الواعد، والتي أسهب البروفيسور تييجو كافالاكانتي في تبيانها ضمن سياق ورقته السابقة "اقتصاد البرازيل: مقومات الصعود إلى مصاف القوى العظمى"؛ فإن من الأمانة القول: إن هذا الاقتصاد تنقصه -لكي نقول باطمئنان: إنه قد "ملك الحاضر وضمِن المستقبل"- التغلب على عدة عقبات، وتجاوز بضعة تحديات، من أبرزها: الإفراط في الاستهلاك العام، والعبء الضريبي، وارتفاع أسعار الخدمات العامة، وضعف البنية الأساسية، وتعثر آلية التنفيذ القضائي، فضلا عن عدم مواكبة التأهيل التعليمي لما يناسب المعايير المثلى للنهضة الاقتصادية.
هذه العقبات وتلك التحديات هي ما تحاول هذه الورقة أن تلقي عليه مزيدا من الضوء.
العبء الضريبي
البيروقراطية
عبء الضمان الاجتماعي
عدم مرونة سوق العمل
تدني مستوى رأس المال البشري
الفقر والجريمة
الخلاصة
يعاني الاقتصاد البرازيلي من زيادة العبء الضريبي على الأفراد والشركات؛ ففي مسعى من الدولة لكي تقرب بين الدخول، وترفع من مستويات معيشة الطبقات ذات الدخل المحدود، لجأت إلى الضرائب لتعظيم مواردها المالية؛ مما أدى إلى زيادة العبء الضريبي العام مقارنة بحجم الناتج المحلي الإجمالي. فبحسب مؤشرات التنمية، ووفقا لإحصائيات البنك الدولي فإن هذا العبء يشكِّل في البرازيل 35 % من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة -على سبيل المثال- بـ 18 % في شيلي و25% في كوريا الجنوبية. (شكل 1 و2)
شكل (1)
نسبة العبء الضريبي في البرازيل للناتج المحلي الإجمالي
المصدر: Instituto Brasileiro de Geografia e Estatísitca and Secretaria da Receita Federal
شكل (2)
معدل الإنفاق الحكومي
يتناول الجانب الأيسر من شكل (2) المقدار النهائي للإنفاق الحكومي على استهلاك السلع معبَّرا عنه بنسبة من الناتج المحلي الإجمالي. وفي هذا الشكل يعبِّر الخط الرمادي المتصل عن خط اتجاه الإنفاق. المصدر: World Development Indicators.، بينما يعرض الجانب الأيمن من شكل (2) للاستثمار معبَّرا عنه بنسبة من الناتج المحلي الإجمالي؛ حيث يعبر الخط الرمادي المتصل عن خط اتجاه الاستثمار. المصدر: Penn World Tables
ويتضح من شكل (2) على وجه التحديد أن الاستهلاك الحكومي قد بدأ في الزيادة بعد صدور دستور 1988، وهو الدستور الذي ألزم الحكومة بتقديم إعانات للفقراء فكان عليها -كما سبق القول- تدبير مصادر للدخل مما ألجأها إلى الضرائب؛ الأمر الذي جعل من زيادة العبء الضريبي إحدى أبزر مشكلات الاقتصاد الكلي في البرازيل.
كما يلاحَظ من شكل (2) أيضا أن معدل الإنفاق الحكومي على الاستهلاك النهائي معبَّرا عنه بحصة في الناتج المحلي الإجمالي يتجه نحو الزيادة، بينما يتخذ معدل الاستثمار شكلا عكسيا؛ فحجم الاستثمار في البرازيل اليوم لا يمثل أكثر من 14 % من الناتج المحلي الإجمالي.
وقد أشار أدروجو وآخرون Adrogué et al (2006) إلى أن أحد جوانب الضعف البنيوي في الاقتصاد البرازيلي يكمن في المعدل المرتفع للاستهلاك الحكومي؛ حيث أكدت هذه الدراسة على أن خفض الاستهلاك الحكومي لن يؤدي فقط إلى زيادة مباشرة في تعزيز البنية الأساسية مع تدفق مزيد من موارد الدخل للاستثمار العام، بل سيقلل بالمثل من سعر الفائدة الحقيقي، وهو ما من شأنه المساعدة في دفع وتعزيز الاستثمار.
هذا عن العبء الضريبي، أما عن البيروقراطية فهي كذلك من المشكلات المؤرِّقة التي تواجه الاقتصاد البرازيلي؛ فالجهاز الحكومي في الدولة متضخم، وذلك لأن الوظيفة العامة تتمتع بجاذبية فيقبل عليها كثير من البرازيليين؛ ففي المتوسط يحصل عامل القطاع العام على أكثر من ضعفي ما يتقاضاه عامل القطاع الخاص، كما أن الدستور يكفل حماية عمال القطاع العام من التسريح، وليس هناك في هذا القطاع نظم صارمة لتطبيق معايير الجودة. ومن الممكن التخلص من 30 % من حجم الوظائف الحكومية "بسهولة" دون أن يتأثر مستوى جودة الخدمة.
من أبرز التحديات الداخلية التي تواجه البراويل: الإفراط في الاستهلاك العام، والعبء الضريبي، وارتفاع أسعار الخدمات العامة، وضعف البنية الأساسية، وتعثر آلية التنفيذ القضائي، فضلا عن عدم مواكبة التأهيل التعليمي لما يناسب المعايير المثلى للنهضة الاقتصادية |
تستغرق أية شركة عاملة في البرازيل 2600 ساعة لتؤدي ما عليها من ضرائب، وهو عدد من الساعات قلما يوجد له نظير في العالم.
ويؤدي العبء الضريبي، والبيروقراطية، إلى انتشار ما يعرف بالاقتصاد غير الرسمي(*). ويتضح من بيانات البنك الدولي أن حصة القطاع غير الرسمي من الناتج المحلي الإجمالي تبلغ نحو 40 %، بينما لا تزيد هذه النسبة في شيلي -على سبيل المثال- عن 20 %. وقد أوضحت عدة دراسات أن بوسع الإصلاحات الهادفة إلى الحد من حجم القطاع غير الرسمي التأثير بقوة على زيادة الإنتاجية ونجاح المشروعات التجارية.
والسبب في ضخامة القطاع غير الرسمي هو رغبة الشركات في التخلص من التكاليف العالية التي تسببها المسارات المعقدة للبيروقراطية. ومن البدهي القول: إن المؤسسات العاملة في القطاع غير الرسمي بعيدة عن التواصل مع التمويل الخارجي، وغير مرتبطة بالنظام القانوني الذي بوسعه حماية أصولها الإنتاجية.
ومن الجلي أنه حين ندرس مستوى التنمية في البرازيل، فإن الدولة تُعد (بالمفهوم الإحصائي) خارجة عمّا يسمَّى بـ "النموذج المثالي" من حيث ترهل الجهاز الحكومي، وحجم العبء الضريبي، وضخامة القطاع غير الرسمي.
ولعل البرازيل اليوم في حاجة ماسة لإصلاح يأخذ في اعتباره جانب العرض أكثر من الطلب، ويهدف إلى الحد من الضرائب، ويرشِّد الإنفاق الحكومي.
وتزداد أهمية هذا الإصلاح إذا علمنا أن كلا من سعر الفائدة ونسبة الدين العام للناتج الإجمالي يشهدان حاليا تناقصا في البلاد. ومن ثَمَّ، فإن خفض الضرائب من شأنه أن يجعل الحكومة أقل رغبة في زيادة الإنفاق. وسيكون للحد من الإنفاق آثاره الإيجابية؛ حيث ستتحول تلك الأموال إلى وجهة أخرى أهمها الإنفاق على البنية الأساسية العامة؛ فالبرازيل لا تنفق أكثر من 2 % من الدخل الإجمالي على البنية الأساسية. وبحسب دراسة للبنك الدولي فإن على البرازيل مضاعفة إنفاقها على البنية التحتية بمقدار ثلاثة أضعاف ما هو عليه الآن حتى تصل إلى مستوى ما تنفقه دولة مثل كوريا الجنوبية.
يعد التوجه نحو تعديل نظام الضمان الاجتماعي أحد الإصلاحات المرجوة في البرازيل، والتي ستؤدي إلى خفض الإنفاق وزيادة الاستثمار العام. ورغم أن البرازيل دولة شابة نسبيا من حيث التركيب العمري للسكان (لا تزيد نسبة السكان الذين تجاوزت أعمارهم 65 عاما عن 6 %) إلا أن نظام التقاعد يكلف الدولة نفس مقدار التكلفة الذي تتكبده دولة من الدول المتقدمة؛ حيث تنفق البرازيل 11 % من دخلها على تمويل نظام التقاعد والضمان الاجتماعي. والمستفيد الأكبر من هذا النظام هم الموظفون في القطاع العام، الذين بوسعهم التقاعد بعد إكمال 35 سنة من العمل (أو 30 سنة فقط للنساء) بغضِّ النظر عن أعمارهم.
وبناء على هذا القانون فإن 60 % من الموظفين الذين ينتفعون بهذا النظام يبلغون سن التقاعد عند عمر 54 سنة. فضلا عن هذا فإن نحو ثلثي معاشات التقاعد يُنفَق على سداد معادل الحد الأدنى للأجور (والبالغ شهريا 465 ريالا برازيليا أو ما يعادل 250 دولارا أميركيا)، الذي زاد بنسبة 62 % خلال السنوات السبع الماضية. ويذهب كثير من هذه الأموال إلى مستفيدين لم يسهموا في نظام الضمان الاجتماعي. ومن شأن ذلك تشجيع الناس على العمل في القطاع غير الرسمي؛ لأنهم طالما سيحصلون على رواتب التقاعد في النهاية, فإن حافزهم للمشاركة في نظام الضمان الاجتماعي سيكون محدودا.
وقد شهد نظام الضمان الاجتماعي في البرازيل سلسلة من الإصلاحات منذ نهاية التسعينيات. ورغم العديد من الإصلاحات التي أُدخلت عليه ما يزال العجز في هذا النظام يمثل 4 % من الناتج المحلي الإجمالي، ومن المتوقع أن يرتفع بمرور الوقت. وبناء على ما سبق، فإن الإصلاحات المستقبلية ما تزال في حاجة لأن تأخذ في اعتبارها ضرورة استدامة نظام الضمان الاجتماعي على المدى البعيد.
يتسم سوق العمل في البرازيل بعدم مرونته وهو ما يجعل منه عقبة أمام إمكانات النمو الاقتصادي؛ فبحسب بيانات البنك الدولي عن مدى سهولة أداء الأعمال فإن مؤشر عدم مرونة التوظيف يزيد عن المعدل العام لبقية دول أميركا اللاتينية (يأخذ هذا المعدل في الاعتبار صعوبات التعيين والإقالة).
فكُلفة التوظيف في البرازيل تبلغ 26.8 % من راتب العامل (60% من هذه النسبة تذهب كضريبة كما سبق القول) مقارنة بـ 17 % في كوريا الجنوبية و 3.4 % في شيلي. أما كلفة الإقالة فتبلغ 165.3 % بحسابات الأجر الأسبوعي. بينما لا يتجاوز هذا الرقم 51.3 % في شيلي و 90 % في كوريا الجنوبية. ويقدم تشريع العمل البرازيلي حماية للعمال داخل النظام الرسمي (لكن 50 % من العمال يعملون في القطاع غير الرسمي)، كما أن هذا التشريع محكوم في المقام الأول بـ "الأهداف الاجتماعية ذات الآثار السلبية على الفعالية الاقتصادية". (**)
وقد أشار رجال الأعمال إلى أن تشريع سوق العمل الحالي -والذي يعود إلى خمسينيات وستينيات القرن العشرين- هو أحد عوائق النمو الاقتصادي. ويؤدي عدم مرونة سوق العمل إلى زيادة كلفة التشغيل في القطاع الرسمي، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى خفض الإنتاجية، والحد من توسع حجم المؤسسات التجارية الصناعية. ولهذا التشريع أيضا آثار عكسية على جهد العمالة، ذلك أن كلفة الإقالة مرتفعة، كما أن العمال يحصلون على بعض التعويضات في حالة الفصل التعسفي. وفي حقيقة الأمر, فإنه إذا كانت البرازيل تهدف إلى رفع إمكانات النمو الاقتصادي فعليها أن تحسن استغلال قوتها العاملة من خلال إعادة تنظيم هذه القوة.
تعاني البرازيل من قلة أعداد المتعلمين ذوي الخبرة وأصحاب المهارة التي يحتاجها سوق العمل، وقد أصبحت هذه المشكلة أكثر إلحاحا خاصة بعد أن وصل الاقتصاد إلى معدلات نمو مرتفعة عالميا. فالدولة لا تزال متأخرة في نظامها التعليمي مقارنة بدول أخرى؛ فعدد سنوات البقاء في التعليم المدرسي في البرازيل أقل من نظيره في كوريا الجنوبية على سبيل المثال. (انظر شكل رقم 3)
شكل (3)
معدل سنوات الاندماج في التعليم المدرسي للسكان الأكثر عمرا من 15 سنة
المصدر: Barro and Lee (2000)
وتقف البرازيل في مرتبة متأخرة ليس فقط من حيث "عدد" رأس المال البشري، بل أيضا من حيث "كفاءة" التعليم؛ فتبعا للمعيار الدولي لبرنامج تقييم مستوى الطلاب (PISA)، وهو أكثر المقاييس الدولية شمولا من حيث تحديد محصلة العملية التعليمية، حصلت البرازيل على أحد أقل الدرجات وذلك من بين 58 دولة في كافة المواد الدراسية محل المقارنة، وهي: الأدب، والرياضيات، والعلوم. ولعل ذلك من أهم العقبات التي تقف أمام طموحات النمو البرازيلي في المستقبل. وبحسب دراسة بيزوا ( Pessoa 2006) فإن الفرق بين مستوى التعليم في البرازيل والولايات المتحدة يناظر نحو 30 % من الفرق في الدخل الفردي بين الدولتين.
على الرغم من تراجع نسب التفاوت في الدخل خلال السنوات الخمسة عشرة الماضية في البرازيل، إلا أن المجتمع البرازيلي ما يزال يعد من أكثر المجتمعات في العالم تفاوتا في توزيع الدخل؛ إذ تشير مؤشرات بنك التنمية إلى أنه من بين 122 دولة فإن البرازيل تحتل المرتبة الرابعة بين أكثر دول العالم في عدم تساوي الدخل (راجع شكل 4). وليس هناك أسوأ حالا من البرازيل في هذا الأمر -بحسب مؤشر جيني Gini- سوى ليسوتو وهاييتي وبوليفيا.
وعلى نحو ما توضح عدة دراسات، فإن عدم المساواة في الدخل يتباين في البرازيل بتباين النوع (ذكور وإناث)، والتركيب الجنسي والعرقي، والتفاوت الجغرافي من إقليم لآخر، واختلاف أنماط عقود العمل. وعلى أية حال فإن التباين في مستوى التعليم, وتباين جودة التعليم المدرسي، يعتبر السبب الرئيس الذي يقف خلف ارتفاع نسب عدم تساوي الدخل في البرازيل. وليست المشكلة في ارتفاع معدل التفاوت في الدخل فحسب، بل هناك أيضا ضعف في الحراك الاجتماعي بين الأجيال. وذلك قياسا بالمعايير الدولية.
فعلى سبيل المثال هناك احتمالية عالية (بنسبة 47%) لبقاء ابن أسود من أب ينتمي لطبقة الأجور المتدنية دون أي ارتقاء اجتماعي، وهي ضعف نسبة الاحتمالية لنفس الابن لو كان أبيض البشرة.
وليست المشكلة فقط في عدم التساوي في الدخل وضعف الحراك الاجتماعي بل إن الفقر يمثل المشكلة الأكبر، وبصفة خاصة في الأقاليم الشمالية والشمالية الشرقية. وتبعا لمعدل خط الفقر الذي حددته هيئة الأبحاث الاقتصادية الحكومية IPEA في البرازيل؛ فإن 17 % من سكان البلاد يعيشون دون خط الفقر. وفي الأقاليم الشمالية الشرقية تبلغ النسبة 29 %، بينما تبلغ في الأقاليم الشمالية 35 %.
وهناك مؤشرات لتراجع الفقر نتيجة تبني برامج الإعانات المالية للأسر الفقيرة ورفع الحد الأدنى للأجور. لكن مستوى الفقر ما زال كبيرا بالنسبة لمستوى التنمية البرازيلية من ناحية ومستوى الإنفاق الحكومي من ناحية أخرى. كما يعكس الفقر أيضا نقص رأس المال البشري وضعف المهارات، وهو ما يؤدي إلى إنتاجية منخفضة في قوة العمل.
شكل (4)
الناتج المحلي الإجمالي ومكافئ القوة الشرائية في مقابل مؤشر جيني
المصدر: World Development Indicators. يمثل الخط الأسود المتصل ثاني أفضل ترتيب في التناسب متعدد الحدود.
ونتيجة لتأخر تنفيذ القوانين، وضعف المؤسسات، وعدم التساوي في الدخل، والفقر، فإن معدل الجريمة في البرازيل مرتفع للغاية مقارنة بالمعايير الدولية؛ فتبعا لإعلان جنيف عن العنف المسلح فإن معدل القتل العمد يبلغ في البرازيل 25.7 حالة قتل لكل مائة ألف من السكان، وهو أحد أعلى معدلات الجريمة في العالم، ويزداد هذا المعدل ارتفاعا بمرور الزمن. وهذا المعدل أعلى من نظيره في شيلي (1.55) والمكسيك (10) والأرجنتين (7.17). ولا تسبق البرازيل في أميركا اللاتينية سوى كولومبيا (26) وفنزويلا (48). وبحسب بيانات هيئة الأبحاث الاقتصادية الحكومية في البرازيل IPEA فإنه في المنطقة الحضرية لمدينة ريو دي جانيرو تبلغ معدلات جرائم القتل العمد نحو 64 لكل مائة ألف من السكان، بينما تبلغ في المنطقة الحضرية لمدينة ريسيفي نحو 74 حالة.
وبحسب بيانات عام 2005 لمكتب الأمم المتحدة لدراسة المخدرات والجريمة UNODC تؤثر الجريمة على كافة جوانب المجتمع، وإن كانت هناك تباينات في الطريقة التي تترك بها بصماتها على مختلف الطبقات الاجتماعية؛ فعلى سبيل المثال نجد أن معدل القتل العمد في المناطق السياحية في مدينة ريو دي جانيرو (مثل منطقتي كوباسابانا وإبانيما) قد بلغ 5 جرائم لكل مائة ألف من السكان، وهو رقم قريب لما تتمتع به أكثر المدن الأوربية أمنا. لكن في المناطق الفقيرة المتدهورة على بعد 2 إلى 3 كم فقط من المناطق السياحية السابق ذكرها يبلغ معدل جرائم القتل العمد 150 جريمة لكل مائة ألف من السكان. ويشير نفس التقرير إلى أن معدل العنف المرتفع في الدولة يعود إلى ثغرات في النظام القضائي الجنائي، وتقاعس الشرطة، وإنتاج الأسلحة النارية المحظورة المستخدمة في تهريب المخدرات والجريمة المحلية. وبناء على ما سبق فإن الحد من الجريمة في البلاد يجب أن يكون على قمة أولويات الدولة وهو ما سيكون له آثار مباشرة على رفاهية وتنمية البرازيل مستقبلا.
أوضح التحليل الذي سقناه في السطور السابقة ضرورة أن تزيح الدولة العوائق والحواجز التي تقف في طريق التنمية وتعطل نمو الإنتاج، وعلى رأسها المشكلات الناجمة عن العبء الضريبي والبيروقراطية والفقر والتفاوت الكبير بين الدخول، فضلا عن الجريمة والعنف، وضعف مستوى رأس المال البشري. ويجب أن تضع الحكومة برامج الإصلاح الاقتصادي "الجديدة" -والتي ينادي بها العديد من المحللين الاقتصاديين- على رأس أجندتها المستقبلية. ولعل في مقدمة تلك الإصلاحات خفض الضرائب، والحد من الإنفاق الحكومي (على سبيل المثال الترشيد الواجب في برامج الضمان الاجتماعي)، وإعادة تنظيم قوة العمل في البلاد، وخفض الضرائب في القطاعات التي تعاني من معدلات ضرائب مرتفعة. وستساعد هذه البرامج –إذا طُبقت- في مكافحة الاقتصاد غير الرسمي وسوف تزيد من الإنتاجية.
ومن الإصلاحات المهمة الأخرى ضرورة تحسين فاعلية النظام القضائي لتأمين بيئة مناسبة للاستثمار، وحقوق الملكيات الخاصة، ومحاربة الجريمة. كما أنه من المأمول أن تبذل الدولة جهودا للارتقاء بالعنصر البشري؛ فترفع من جودة التعليم وذلك حتى تضمن البرازيل استمرار نموها وتطورها في المستقبل.
_________________
جوليانا جيومارايس، باحثة برازيلية، حصلت على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة إلينوي بالولايات المتحدة الأميركية، وتحاضر حاليًا في كلية نيونهام بجامعة كامبريدج، المملكة المتحدة. وقد نشرت العديد من الدراسات في دوريات تابعة لمراكز دراسات برازيلية وعالمية مرموقة، مجال تخصصها المباشر متعلق بالدراسات الخاصة بالظواهر المجتمعية التي تؤثر سلبًا على التنمية البرازيلية كالأمية عمومًا وأمية المرأة البرازيلية خصوصا، فضلا عن الفقر، وتفاوت الدخل، والعنف المجتمعي. ترجم النص من الإنجليزية إلى العربية عاطف معتمد عبد الحميد.
هوامش:
(*) الاقتصاد غير الرسمي عبارة عن أعمال تتم خارج نطاق التنظيم الحكومي رغبة في التهرب من الضرائب أو بُعدا عن التعقيدات البيروقراطية، ويدخل ضمنها ما يعرف بالسوق السوداء والرِّشى. (المحرر)
(**) هناك آراء أخرى تعارض ما ذهبت إليه الباحثة سارا دا سوزا، وما سبق وأن أشار إليه أيضا الباحث تييجو كافالاكانتي خاصة في ما يتعلق بـ "الآثار السلبية للاعتبارات الاجتماعية على الفعالية الاقتصادية"، وخلاصة هذه الآراء أن مراعاة الدولة للأبعاد الاجتماعية وبالأخص لدى شرائح العمال والطبقات ذات الدخل المحدود تقلل من الجريمة والعنف المجتمعي، الأمر الذي ينعكس بدوره على البيئة العامة للاستثمار فيجعلها أكثر جاذبية لرؤوس الأموال، من ثَّم -وبالمنظور الاقتصادي البحت- فإن برامج الرعاية الاجتماعية والضمان الاجتماعي ليست دائما عبئا اقتصادية يجب التخلص منه، كما أن هذه البرامج ذاتها -وكما قال البروفيسور كافالاكانتي نفسه-: لا تكلف الحكومة سوى 0.3 % من مجمل الناتج المحلي الإجمالي. (المحرر)
المصادر:
Adrogué, R., Cerisola, M., and G. Gelos (2006). “Brazil’s Long-Term Growth Performance: Trying to Explain the Puzzle”, IMF Working Paper 06/282.
Antunes, A., and T. Cavalcanti (2007). “Start Up Costs, Limited Enforcement, and the Hidden Economy,” European Economic Review, 51(1), 203–224.
Barro, R. J., and J.-W. Lee (2000). “International Data on Educational Attainment: Updates and Implications,” CID Working Paper No. 42.
Barros, Ricardo and Rosane Mendonça, (1996). ``Os determinantes da Desigualdade no Brasil" A Economia Brasileira em Perspectiva IPEA. Vol. 2 pp.421-74.
Bourguignon, F., F. Ferreira, and M. Menéndez (2003). “Inequality of Outcomes and Inequality of Opportunities in Brazil,” World Bank Policy Research Working Paper 3174.
Bezerra, J. and T. Cavalcanti (2009). “Brazil’s Lack of Growth”. In: Love and Baer, Eds. Brazil Under Lula: Economy, Politics, and Society under the Worker President, Palgrave Macmillan.
Capp, J., H.-P. Estrodt, and W. B. Jones Jr. (2005). “Reining in Brazil’s Informal Economy,” The McKinsey Quarterly, 1.
Cavalcanti, T., Magalhães, A., and J. Tavares (2008). “Institutions and Economic Development in Brazil”, Quarterly Review of Economics and Finance, 48: 412-432.
Cavalcanti, T., Guimarães, J. And Sampaio B (2009). “Barries to Skill Aquisition in Brazil:Evidences from a University entrance exam”, Mimeo.
CNI (2006). “Crescimento: A Visão da Indústria,” Discussion paper, Confederação Nacional da Indústria.
Elstrodt, H.-P., M. A. Laboissieere, and B. Pietracci (2007). “Five Priorities for Brazil’s Economy,” The McKinsey Quarterly, Special Edition: Shaping a new agenda for Latin America.
Ferreira, S. G., and F. A. Veloso (2006): “Intergenerational Mobility of Wages in Brazil,” Brazilian Review of Econometrics, 26(2), 181–212.
Giambiagi, F., and L. de Mello (2006). “Social Security Reform in Brazil: Achievements and Remaining Challenges,” OECD: Working Paper CO/WKP(2006) 62