تنظيم القاعدة.. عوامل التغذية

الهدف من هذه الدراسة هو رصد وتحليل وتقييم أهم العوامل التي أسهمت -وتسهم- في استمرارية تنظيم القاعدة مع تحقيق الانتشار الجغرافي له، وذلك رغم كل الملاحقات الأمنية وغير الأمنية التي تستهدفه على الصعيد العالمي






نشاط القاعدة تزايد عوض أن يقل وكان لذلك أسباب ومبررات (رويترز-أرشيف)

حسنين توفيق إبراهيم


لقد شهد العقد الأول من الألفية الثالثة انتشارًا جغرافيًا واسعًا لتنظيم القاعدة؛ حيث أصبحت أيديولوجيته عابرة لحدود الدول، وانتشرت فروعه وخلاياه والتنظيمات والعناصر المرتبطة به والمتعاطفة معه في عديد من دول العالم. كما أن العمليات التي نفذها التنظيم امتدت على نطاق عالمي واسع؛ حيث وقع بعضها في قارتي آسيا وأفريقيا، وبعضها الآخر في قارة أوربا، وبعضها الثالث في الولايات المتحدة الأميركية. وبالنظر إلى المنطقة العربية، يُلاحَظ أن فروع تنظيم القاعدة وخلاياه موجودة في كل من المشرق العربي، ومنطقة الخليج والجزيرة العربية، والمغرب العربي كذلك(1).


وبسبب الانتشار الجغرافي لتنظيم القاعدة، وتمدد دوره على الصعيد العالمي، فقد أصبح حاضرًا على مستوى السياسات العالمية؛ حيث يُصنف ضمن قائمة الفاعلين الدوليين غير الرسميين ( Non-State Actors)، وذلك بالنظر إليه كمنظمة إرهابية عابرة للحدود، وبخاصة بعد أن هاجم الولايات المتحدة في عقر دارها في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، وضربها في أهم رمزين لقوتها (القوة المالية والقوة العسكرية)(2). ومن ثَمَّ فقد أصبح التنظيم هدفًا رئيسيًا لإستراتيجية الحرب ضد الإرهاب التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر. ولكن رغم كل الضربات الأمنية التي وُجهت إلى التنظيم، ورغم تواصل جهود مطاردة زعيمه أسامة بن لادن والرجل الثاني فيه أيمن الظواهري، فإنه استطاع الحفاظ على استمراريته رغم تراجع نشاطه في بعض الفترات، كما أنه عزز من انتشاره الجغرافي على نحو ما سبق ذكره؛ ولذلك أصبح يُنظر إليه على أنه أحد المصادر الرئيسة للخطر والتهديد على الصعيد العالمي.


وثمة ملاحظة مهمة يتعين أخذها في الاعتبار عند الحديث عن الانتشار الجغرافي لتنظيم القاعدة مفادها أنه على الرغم من وجود بعض الاختلافات بين فروع التنظيم وخلاياه في الدول والمناطق المختلفة سواء من حيث ظروف النشأة، أو الأهداف المرحلية والتكتيكية، أو أساليب الحركة والفعل، أو أنماط التعامل مع ظروف ومعطيات البيئة المحيطة أو غير ذلك من الأمور، إلا أن كل فروع التنظيم وخلاياه تنطلق من أيديولوجية القاعدة كما عبَّر -ويعبر- عنها بن لادن والظواهري؛ ومن هنا فإن تنظيم القاعدة اليوم هو بمثابة شبكة عابرة لحدود الدول، وليس تنظيمًا مركزيًا هرميًا بالمعنى المتعارف عليه. وهناك من يعتبره أول مجموعة إرهابية متعددة الجنسيات في القرن الحادي والعشرين(3).


وفى ضوء ما سبق، فإن الهدف من هذه الدراسة هو رصد وتحليل وتقييم أهم العوامل التي أسهمت -وتسهم- في استمرارية تنظيم القاعدة مع تحقيق الانتشار الجغرافي له، وذلك رغم كل الملاحقات الأمنية وغير الأمنية التي تستهدفه على الصعيد العالمي. ومن هذا المنطلق، فإن المقولة الأساسية التي تناقشها الدراسة مفادها أن استمرارية التنظيم وانتشاره جغرافيًا هما محصلة لمجموعة من العوامل المتداخلة، بعضها يتعلق بالأزمات البنيوية الداخلية التي يعانى منها العالم العربي والإسلامي، وبعضها الآخر يتعلق بعوامل إقليمية ودولية من أبرزها: سياسات كل من إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية والغرب عمومًا تجاه العرب والمسلمين، وفشل إستراتيجية مكافحة الإرهاب التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية منذ هجمات سبتمبر، واستمرار حملات التشويه التي يتعرض لها الإسلام في الغرب، فضلاً عن المشكلات التي تعاني منها الأقليات المسلمة في عديد من الدول الغربية. كل هذه العوامل وغيرها خلقت بيئة ملائمة لبروز وتنامي التنظيمات الإسلامية الراديكالية وفى مقدمتها تنظيم القاعدة؛ ففي ظل هذه البيئة المواتية، جاءت الأيديولوجية الراديكالية التي يطرحها تنظيم القاعدة، وخطابه السياسي والإعلامي التعبوي، وبنيته الشبكية، وإستراتيجياته الحركية، جاءت جميعها لتعزز من فرص استمراريته وانتشاره جغرافيًا، لا سيما أن ثورة الاتصالات والمعلومات قد ساعدت على ذلك. وبلغة أخرى، فإن استمرار تنظيم القاعدة وانتشاره جغرافيًا هو محصلة لوجود بيئة ملائمة في العالم العربي والإسلامي، وهى بيئة شكلتها جملة من الأزمات الحادة والمتزامنة التي تراكمت عبر فترات ممتدة من الزمن بفضل عوامل داخلية وأخرى خارجية (إقليمية ودولية)، فضلاً عن خصوصية التنظيم من حيث أيديولوجيته الراديكالية، وبنيته الشبكية، وإستراتيجياته الحركية.  


وفيما يلي عرض لكل من النقاط السابقة بشيء من التفصيل.


أولاً: أيديولوجية تنظيم القاعدة، وبنيته الشبكية، وإستراتيجياته الحركية: الجهاد العالمي 
ثانيًا: الأزمات البنيوية في العالم العربي والإسلامي 
ثالثًا: استمرار العربدة الإسرائيلية في المنطقة، وعجز النظام الرسمي العربي عن وضع حد لها 
رابعًا: خطايا وتناقضات السياسة الأميركية تجاه العالم العربي والإسلامي 
خامسًا: فشل إستراتيجية الحرب ضد الإرهاب 
سادسًا: الحملات المضادة للإسلام في الغرب، ومشكلات الأقليات المسلمة في الدول الغربية 
خاتمة


أولاً: أيديولوجية تنظيم القاعدة، وبنيته الشبكية، وإستراتيجياته الحركية: الجهاد العالمي


تُعتبر الأيديولوجية الراديكالية ذات المنطلقات الدينية لتنظيم القاعدة من أهم العوامل التي ساعدت على انتشاره جغرافيًا، لا سيما أن جُلَّ عناصر الجيل الأول من أعضاء التنظيم هم ممن يُطلق عليهم "الأفغان العرب"، وهم يحملون جنسيات بلدان عديدة، وكانوا قد توجهوا إلى أفغانستان خلال ثمانينيات القرن العشرين للمشاركة في الجهاد ضد الاحتلال السوفيتي. وبعد انسحاب الاتحاد السوفيتي من أفغانستان، عاد بعض "الأفغان العرب" وغيرهم من مواطني بعض الدول الإسلامية الذين شاركوا في الجهاد الأفغاني إلى بلدانهم، وأسهموا بدرجة أو بأخرى في نشر أيديولوجية القاعدة(4).






على الرغم من وجود بعض الاختلافات بين فروع تنظيم القاعدة وخلاياه في الدول والمناطق المختلفة سواء من حيث ظروف النشأة، أو الأهداف المرحلية والتكتيكية، أو أساليب الحركة والفعل، أو أنماط التعامل مع ظروف ومعطيات البيئة المحيطة..، إلا أن كل فروع التنظيم وخلاياه تنطلق من أيديولوجية القاعدة كما عبَّر -ويعبر- عنها بن لادن والظواهري؛ ومن هنا فإنه اليوم بمثابة شبكة عابرة لحدود الدول، وليس تنظيمًا مركزيًا هرميًا بالمعنى المتعارف عليه

وبدون الخوض في تفاصيل مطولة حول أيديولوجية التنظيم من حيث منطلقاتها الدينية والعقيدية ومصادرها الفكرية، يمكن القول: إن أبرز عناصر هذه الأيديولوجية يتمثل في إقامة الخلافة الإسلامية على نهج النبوة، وتطبيق شرع الله، وممارسة الجهاد العالمي ضد اليهود والصليبيين من أجل تحرير فلسطين، ومواجهة الهيمنة الغربية وبخاصة الأميركية على العالم الإسلامي، ونصرة المستضعفين وتخليصهم من الظلم. ومن هنا فقد أصبحت مواجهة الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها والنظم العميلة الموالية لها في الأقطار العربية والإسلامية من المرتكزات الرئيسة في أيديولوجية تنظيم القاعدة وإستراتيجياته الحركية. ولعل هذا يفسر كثرة العمليات التي استهدفت منشآت ومصالح أميركية منذ مطلع تسعينيات القرن العشرين، والتي كان من أبرزها هجمات الحادي عشر من سبتمبر.

وعلى إثر تزايد الوجود العسكري الأميركي في منطقة الخليج والجزيرة العربية في أعقاب كارثة الاحتلال العراقي لدولة الكويت عام 1990، راح بن لادن يؤكد على ضرورة طرد المشركين من جزيرة العرب؛ حيث اعتبر أن بلاد الحرمين باتت محتلة من قِبل القوات الأميركية. كما أن القضية الفلسطينية ظلت حاضرة في الخطاب السياسي والإعلامي لتنظيم القاعدة رغم عدم استهداف التنظيم لمصالح وأهداف إسرائيلية بشكل مباشر. وكل ذلك وغيره يؤكد على حقيقة التداخل الشديد بين الديني والسياسي في أيديولوجية تنظيم القاعدة مع توظيف الأول لتسويغ الثاني وتبريره(5).


ورغم أن المنطلقات الاعتقادية والأيديولوجية لتنظيم القاعدة ليست حكرًا عليه؛ حيث تبنَّى بعضَها تنظيماتٌ إسلامية راديكالية أخرى، ظهرت في عديد من الدول العربية والإسلامية على فترات مختلفة، وبخاصة فيما يتعلق ببعض التفسيرات والتأويلات الدينية لعدد من المسائل، مثل: الحاكمية، والجاهلية، والتكفير، وممارسة الجهاد، وتطبيق شرع الله، وبناء الدولة الإسلامية على أسس إسلامية صحيحة حسبما تتصورها هذه التنظيمات، إلا أن الفارق الجوهري هنا هو أن تنظيم القاعدة ركز بالأساس على مواجهة العدو البعيد متمثلاً في الولايات المتحدة الأميركية والغرب عمومًا وإسرائيل، باعتبار أنه لا يمكن هزيمة العدو القريب المتمثل في النظم الحاكمة في البلدان الإسلامية، والتي لا تطبق شرع الله، طالما العدو البعيد يدعمها، وبالمقابل فقد ظلت دائرة عمل التنظيمات الإسلامية الراديكالية الأخرى محصورة داخل الحدود الوطنية؛ حيث ركزت بالأساس على هدف إطاحة النظم الحاكمة في بلدانها(6). وبلغة أخرى فإن تنظيم القاعدة هو تجسيد  لما يسميه البعض بـ "الجهاد العالمي" (Global Jihad)، أو "الجهادية السلفية العالمية" (Global Salafi- Jihadi )؛ حيث تبنى نهج "النضال ضد السيد خير من النضال ضد أتباعه" على حد تعبير فرانسوا بورجا(7).    


وثمة ثلاثة عوامل أسهمت في نشر أيديولوجية تنظيم القاعدة، وتعزيز قدرته على الاستمرار:


أولها: الإستراتيجية الإعلامية للتنظيم؛ حيث اعتبر تنظيم القاعدة الإعلام أحد الأسلحة الرئيسة في معركة كسب عقول وقلوب المسلمين؛ ولذلك أوْلى اهتمامًا كبيرًا لنشر رسالته وفكره عبر وسائل الإعلام وبخاصة القنوات الفضائية. وعلى سبيل المثال، فإنه خلال عام 2007 كان تنظيم القاعدة ينتج مادة إعلامية في شكل شريط كاسيت أو تسجيل فيديو أو غير ذلك كل ثلاثة أيام. وخلال السنوات التالية لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، استمر ظهور بن لادن والظواهري عبر وسائل الإعلام على فترات متقطعة، وذلك من خلال أشرطة فيديو أو تسجيلات صوتية. وهذا يدل على وعي قيادات القاعدة بأهمية الإعلام ودوره(8). وقد حظيت الخطب والرسائل الصوتية المسجلة وأشرطة الفيديو الخاصة بقيادات القاعدة -وبخاصة بن لادن والظواهري- حظيت بتغطيات إخبارية وتحليلية واسعة من قبل وسائل الإعلام سواء على المستوى العربي أو العالمي، الأمر الذي أسهم -ولو بشكل غير مباشر- في انتشارها على نطاق واسع. وثمة عدد من المؤسسات الإعلامية يقف خلف السياسة الإعلامية للقاعدة، منها: مؤسسة الملاحم للإنتاج الإعلامي، ومؤسسة الفرقان للإنتاج الإعلامي، ومؤسسة السحاب للإنتاج الإعلامي. وقد أصدرت هذه المؤسسات المئات من المواد الإعلامية الخاصة بالتنظيم ما بين تسجيلات وشرائط فيديو وغير ذلك(9).


وثانيها: استفادة تنظيم القاعدة من شبكة الإنترنت؛ حيث مكّنته الشبكة من نشر أفكاره ومعتقداته على نطاق واسع، وتحقيق نوع من التواصل فيما بين فروعه وخلاياه، فضلاً عن تجنيد الأعضاء، وكسب المؤيدين والمتعاطفين، وممارسة ما يُعرف بـ "الجهاد الإلكتروني"(10). وقد قام كاتب هذه السطور في 1 أبريل/نيسان 2010 بكتابة كلمة (Al-Qaeda) على محرك البحث المعروف (جوجل)، فظهر أن الشبكة العنكبوتية تحتوى على حوالي ( 13,900,000) رابط عن تنظيم القاعدة ما بين كتب ومقالات وتعليقات وصور وتسجيلات صوتية وغير ذلك. وقد أشارت إحدى الدراسات إلى وجود أكثر من (4000) موقع إلكتروني لتنظيم القاعدة على شبكة الإنترنت، الأمر الذي يمكنه من نشر أفكاره على نطاق واسع وبخاصة في ظل سهولة التعامل مع الشبكة العنكبوتية. ومن المعروف أن العديد من مواقع القاعدة يستهدف المسلمين غير الناطقين باللغة العربية، بهدف نشر فكره فيما بينهم، واستقطاب عناصر منهم في صفوفه. كما ظهرت عدة مجلات إلكترونية مرتبطة بالتنظيم مثل: "صوت الجهاد"، و"معسكر البتّار"، ومجلة "المجاهد التقني"، والأخيرة تُعنَى بتقديم معلومات لأعضاء التنظيم بشأن الاحتياطات الأمنية للتعامل مع الإنترنت مثل إخفاء الملفات والحفاظ عليها في حالة حدوث اختراق(11). 


وبالإضافة إلى ما سبق، فإن ثورة المعلومات والاتصالات جعلت قيادات القاعدة المطاردة والمحاصرة في المناطق الجبلية الواقعة بين أفغانستان وباكستان، جعلتها على صلة بما يجري على صعيد العالم العربي والإسلامي، وكذلك على الصعيد العالمي؛ ولذلك جاءت الخطب والرسائل الصوتية المسجَّلة لكلٍّ من بن لادن والظواهري لتؤكد على ذلك؛ حيث تضمنت تحليلات وتقييمات لبعض الأحداث والتطورات الجارية مع تحديد موقف التنظيم منها، كما تضمنت انتقادات لممارسات بعض النظم الحاكمة في الأقطار العربية والإسلامية، فضلاً عن انتقاد سياسات وممارسات كل من إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية وبعض القوى الغربية الأخرى تجاه قضايا العرب والمسلمين، ناهيك عما تضمنته من توجيهات ونصائح لخلايا القاعدة والمتعاطفين مع التنظيم بشأن الأهداف التي يتعين التركيز عليها، بالإضافة للدعوات والرسائل الموجهة لبعض القوى والفئات الاجتماعية وللمسلمين عمومًا من أجل المشاركة في الجهاد ضد الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، والتحرك كذلك ضد النظم العميلة الحاكمة في ديار المسلمين.


وثالثها: رفع راية الرفض والتحدي في وجه الولايات المتحدة الأميركية؛ فالتصدى للقوة العظمى الوحيدة في مرحلة ما بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة -وبغضِّ النظر عن تقييم النتائج التي ترتبت على ذلك- قد خلق صورة إيجابية للتنظيم لدى بعض الفئات الاجتماعية في عديد من الأقطار العربية والإسلامية، وكذلك في أوساط بعض الجاليات الإسلامية في الغرب، وبخاصة في ظل تراكم حالة اليأس والإحباط في العالم العربي والإسلامي من جرَّاء عجز النظم الحاكمة عن مواجهة السياسات الإسرائيلية والأميركية المتغطرسة والعدوانية من ناحية، وتفاقم الأزمات والمشكلات الداخلية من ناحية ثانية، وهامشية دور العرب والمسلمين على الصعيد العالمي من ناحية ثالثة. كل هذه العوامل خلقت بيئة ملائمة لانتشار فكر تنظيم القاعدة، وظهور خلايا وجماعات تابعة له أو مرتبطة به في عديد من دول العالم.


كما أن البنية الشبكية لتنظيم القاعدة تُعتبر من أهم عوامل استمراريته وانتشاره جغرافيًا، فإذا كانت الإطاحة بنظام حكم طالبان في أفغانستان في عام 2001 قد حرمت تنظيم القاعدة من ركيزة أساسية كان يستند إليها، وهى المتمثلة في دعم حكومة طالبان للتنظيم على خلفية العلاقة الخاصة التي ربطت بين الطرفين، إلا أن هذا التطور كرَّس من سمة اللامركزية (الأصل أن "ال" لا تدخل على الحروف مثل (لا)؛ لذا الصواب أن نقول: عدم المركزية، ولكن لانتشار الأسلوب أنت بالخيار) في عمل تنظيم القاعدة، لا سيما أن التنظيم نجح في التكيف مع المستجدات التي أعقبت إطاحة حكم طالبان. وفي هذا السياق برز دور القاعدة كشبكة عابرة للحدود  (International Non-State Network)؛ حيث اهتم بن لادن والظواهري بنشر فكر القاعدة، وقامت عناصر محلية في دول عديدة بتبني هذا الفكر مع صياغة إستراتيجياتها الحركية في ضوء الظروف والمعطيات الخاصة بكل حالة على حدة؛ وبذلك أصبحت القاعدة بمثابة مظلة لعديد من الخلايا والجماعات والعناصر التي تتبنى فكر القاعدة والمنتشرة جغرافيًا على نطاق واسع.


وبالإضافة إلى ما سبق، فإن البنية الشبكية للتنظيم جعلت مسألة استهدافه أمنيًا صعبة ومعقدة، بل جعلته أكثر قدرة على امتصاص الضربات الأمنية؛ فضرب خلية للتنظيم في هذه الدولة أو تلك لا يؤثر بالضرورة على الفروع والخلايا في دول أخرى(12). أضف إلى ذلك، فإنه على الرغم من الإجراءات العديدة التي اتُّخذت للحيلولة دون وصول أية أموال إلى تنظيم القاعدة، فإنه استمر قادرًا عبر فروعه وخلاياه الممتدة على تدبير بعض الموارد المالية اللازمة لتمويل أنشطته(13). كما ظلَّ التنظيم قادرًا على تطوير بعض عناصر القوة في تنفيذ عملياته، الأمر الذي ساعد على استمراريته. وقد اعتبرت إحدى الدراسات أن أهم هذه العناصر يتمثل في الفاعلية في إدارة الموارد البشرية للتنظيم سواء من حيث تجنيد أعضاء الفرق المكلفة بتنفيذ عمليات، أو تحفيز الأعضاء وإعدادهم، أو بناء هياكل تنظيمية واضحة، أو تقسيم العمل بكفاءة وحرفية، فضلاً عن الكفاءة في إدارة الاتصالات...إلخ. ولذلك يبدو تنظيم القاعدة وكأنه يطبق في تنفيذ عملياته بعض مبادئ الإستراتيجية الناجحة في إدارة المشاريع(14).


ثانيًا: الأزمات البنيوية في العالم العربي والإسلامي


لا يمكن فهم مسألة استمرارية تنظيم القاعدة وانتشاره جغرافيًا وبخاصة في العالم العربي والإسلامي بمعزل عن الأزمات البنيوية التي تعاني منها دول عربية وإسلامية عديدة بدرجات متفاوتة وأشكال مختلفة؛ فالأزمات الحادة والمتزامنة تمثل بيئة ملائمة لظهور وتمدد ظواهر التطرف والعنف والإرهاب والجريمة؛ فشيوع التسلط والاستبداد، واستشراء الفساد، وتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، واتساع دوائر الفقر والتهميش الاجتماعي، وغياب العدالة الاجتماعية، وانتهاك حقوق الإنسان، والتبعية للخارج، وغياب أو ضعف شرعية النظم الحاكمة، كل هذه الأزمات وغيرها أسهم -ويسهم- في ظهور وتمدد قوى وتنظيمات الرفض السياسي والاجتماعي التي تتخذ من العنف وسيلة للتغيير، ومنها التنظيمات الإسلامية الراديكالية التي خبرتها دول عربية وإسلامية عديدة منذ سبعينيات القرن العشرين؛ حيث مارست العنف ضد النظم الحاكمة وأحيانًا ضد النظم والمجتمعات، وذلك استنادًا إلى رؤى وتأويلات دينية خاصة بها.





لا يمكن فهم استمرارية تنظيم القاعدة وانتشاره جغرافيًا وبخاصة في العالم العربي والإسلامي بمعزل عن الأزمات البنيوية التي تعاني منها دول عربية وإسلامية عديدة بدرجات متفاوتة وأشكال مختلفة؛ فالأزمات الحادة والمتزامنة تمثل بيئة ملائمة لظهور وتمدد ظواهر التطرف والعنف والإرهاب والجريمة
ويتمثل أحد أهم الفوارق الجوهرية بين تنظيم القاعدة والتنظيمات الإسلامية الراديكالية الأخرى في أن الأول جعل الأولوية لمواجهة العدو البعيد (الولايات المتحدة الأميركية وغيرها من القوى الغربية وإسرائيل)، ثم العدو القريب بعد ذلك (النظم الحاكمة في الدول الإسلامية)؛ ولذلك جعل العالم ساحة لعملياته، وبالمقابل انخرطت التنظيمات الأخرى في مواجهة النظم الحاكمة على الصعد الوطنية. وبلغة أخرى، يمكن القول: إن ظواهر التطرف والعنف والإرهاب التي شهدها -ويشهدها- العالم العربي والإسلامي هي الوجه الآخر للتسلط والفساد والفقر وغياب العدالة وأزمة الهوية والتبعية للخارج.  وكل هذه العوامل وغيرها يتعين أخذه في الاعتبار عند تفسير استمرارية تنظيم القاعدة وانتشاره جغرافيًا(15).

وفى إطار تفصيل ماسبق، يمكن القول: إن أبرز الأزمات البنيوية التي يعانى منها العالم العربي-الإسلامي تتمثل فيما يلي:


1-  معضلة بناء الدولة الوطنية الحديثة: حالات الدول المنهارة والضعيفة: من المعروف أن أبرز الدول التي نشط فيها تنظيم القاعدة وشكلت منطلقًا لأنشطته وعملياته منذ تأسيسه في أواخر ثمانينيات القرن العشرين، هي: أفغانستان والصومال والسودان وعراق ما بعد صدام حسين وباكستان (وبخاصة في مناطق القبائل على الحدود الأفغانية–الباكستانية)، واليمن. وبالنظر إلى هذه الدول، يُلاحَظ أنها تُصنف على أنها دول منهارة كما هو الحال بالنسبة للصومال، أو دول ضعيفة أو تواجه مخاطر الفشل كما هو الحال بالنسبة لبقية الدول المذكورة. وهناك من يعتبرها "دولاً فاشلة"، مع التحفظ على استخدام هذا المفهوم لما يُثار حوله من إشكاليات نظرية وإجرائية تجعل حجيته العلمية موضع تساؤل.


ورغم وجود بعض جوانب الاختلاف بين الدول المذكورة، إلا أن هناك عدة قواسم مشتركة تجمعها، منها على سبيل المثال: ضعف قدرة الدولة على فرض سيطرتها على إقليمها؛ حيث توجد مناطق خارج سيطرة الدولة بدرجة أو بأخرى، وضعف قدرتها على ضبط حدودها، وتحقيق الأمن لمواطنيها، وفرض النظام وسلطة القانون. كما تفتقد هذه الدول أحد أهم عناصر الدولة الحديثة وهو المتمثل في احتكار حق الاستخدام المشروع للقوة؛ حيث تظهر جماعات وميليشيات تناوئ الدولة وتنازعها سلطتها وتشكل تحديًا لها. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الدولة الضعيفة تتسم بمحدودية قدرتها على تقديم السلع والخدمات العامة لمواطنيها. وهى في المجمل تقسع فريسة للاستبداد السياسي، والفساد، وسوء الإدارة، وتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، والصراعات الداخلية، والتدخلات الخارجية(16).


وقد شكلت الدول سالفة الذكر معاقل لتنظيم القاعدة وغيره من التنظيمات الراديكالية، وأمراء الحرب وعصابات الجريمة المنظمة؛ حيث إن ظروفها السياسية والاقتصادية والأمنية مكَّنت تنظيم القاعدة من إيجاد ملاذات آمنة وأماكن لتدريب كوادره فيها، كما أن عدم قدرتها على ضبط حدودها سمح لعناصر التنظيم بسهولة الحركة والدخول الخروج، ناهيك عن سهولة الحصول على الأسلحة والمتفجرات. كما أن تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في هذه الدول ساعد تنظيم القاعدة على استقطاب وتجنيد بعض مواطنيها في صفوفه؛ ولذلك أصبح يُنظر إلى الدول المنهارة والفاشلة (مع التحفظ على المفهوم) والضعيفة على أنها مصادر لتهديد الأمن سواء على الصعيد الإقليمي أو العالمي. وبإيجاز فإن التنظيمات على غرار القاعدة ليست بحاجة إلى دول قوية تدعمها بقدر ما هي بحاجة إلى دول منهارة أو ضعيفة تواجه مخاطر الفشل والتفكك بحيث تشكل معاقل ملائمة لها(17).


2- رسوخ الاستبداد السياسي: يعاني الوطن العربي وشطر كبير من العالم الإسلامي من رسوخ وتجذر ظواهر وممارسات التسلط والاستبداد على الصعيد السياسي. وبالنظر إلى الوطن العربي، فقد دأبت الأدبيات المتخصصة في التحول الديمقراطي على وصفه بأنه يمثل الاستثناء ضمن الموجة الثالثة للتحول الديمقراطي التي انطلقت منذ منتصف سبعينيات القرن العشرين، وشملت دولاً من جنوب أوربا (أسبانيا واليونان والبرتغال)، ثم تمددت بعد ذلك لتشمل دولاً عديدة في أميركا اللاتينية وآسيا، وأفريقيا جنوب الصحراء، وشرق ووسط أوربا. ورغم عالمية هذه الموجة للتحول الديمقراطي، إلا أنها لم تُصب الوطن العربي إلا بشكل هامشي؛ فمحاولات الإصلاح السياسي التي جرت في عديد من الدول العربية منذ ثمانينيات القرن العشرين، والتي اتسع نطاقها بعض الشيء في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وما ترتب عليها من تداعيات، لم تُفضِ إلى تحول ديمقراطي حقيقي في أي من الدول العربية، وما ترتب عليها في أفضل الأحوال هو نوع من الانفتاح السياسي الجزئي أو الهامش الديمقراطي المحدود الذي يتسع أحيانًا ويضيق أحيانًا أخرى طبقًا لإرادة النخبة الحاكمة.


إن النخب العربية الحاكمة هندست عملية الإصلاح السياسي بما يضمن استمرارها في السلطة، وسارت في هذه العملية بمنطق خطوة للأمام وخطوة أو خطوتين للخلف؛ ولذلك فالإصلاحات السياسية أحدثت في معظم الحالات تغييرًا في شكل النظام السياسي، ولكن دون المساس بطبيعة السلطة، وعلاقات القوة في النظام السياسي، ونمط ممارسة الحكم، وشكل العلاقة بين الدولة والمجتمع؛ ولذلك ينظر إليها كثيرون على أنها بمثابة عملية تحديث للطبيعة التسلطية للنظم الحاكمة، حيث تم أخذ بعض أشكال وآليات النظم الديمقراطية دون جوهرها؛ فالتعددية الحزبية تم تفريغها من مضمونها الحقيقي في ظل وجود خلل كبير في النظام الحزبي التعددى نتيجة لضعف وهشاشة أحزاب المعارضة وتنوع القيود السياسية والقانونية والإدارية والأمنية المفروضة عليها من ناحية، وهيمنة الحزب الذي يترأسه رئيس الدولة على الحياة السياسية كما هو الحال في دول مثل مصر واليمن وتونس وغيرها من ناحية أخرى. وفقدت الانتخابات الدورية في الأغلب الأعم وظيفتها كآلية لتحقيق التداول السلمي للسلطة بسبب افتقارها إلى الشفافية والنزاهة، وتعدد أشكال التزوير والتلاعب فيها؛ حيث من النادر أن يمضى استحقاق انتخابي دون الطعن في نتائج الانتخابات ونزاهتها من قِبل بعض القوى والتيارات السياسية. ناهيك عن استمرار العمل بقوانين الطوارئ وبترسانات من القوانين المقيدة للحقوق والحريات في غالبية الدول العربية، فضلاً عن القيود المفروضة على منظمات المجتمع المدني. وكل ذلك وغيره جعل -ويجعل- مبدأ التداول السلمي للسلطة بعيد المنال في المنطقة العربية، لا سيما أن بعض النظم الجمهورية تحولت أو مرشحة للتحول إلى جمهوريات ملكية في ظل تزايد احتمالات توريث السلطة فيها ولو عبر آليات تبدو ديمقراطية من حيث الشكل(18).


وثمة عدة عوامل تفسر تعثر عملية التحول الديمقراطي في المنطقة العربية، منها: رسوخ تقاليد التسلط والاستبداد في الثقافة السياسية العربية، وغياب أو ضعف المقومات الاقتصادية والاجتماعية للتحول الديمقراطي، وتجذُّر ذهنية التأبيد في السلطة من قِبل النخب التي تولت الحكم في مرحلة ما بعد الاستقلال، لا سيما أن مصالح هذه النخب والنخب الأخرى المرتبطة بها أصبحت رهينة باستمرارها في السلطة، فضلاً عن ضعف وهشاشة القوى الديمقراطية المستعدة للنضال من أجل تحقيق المشروع الديمقراطي، خاصة أن النظم الحاكمة انتهجت سياسات وآليات عديدة أسهمت في عدم تبلور هذه القوى وفي تفكيكها، فضلاً عن الدور التاريخي الذي لعبته القوى الغربية وبخاصة الولايات المتحدة الأميركية في دعم النظم التسلطية والاستبدادية في المنطقة طالما تتوافق مع مصالحها وتوجهاتها(19). 


3- استشراء الفساد: تعاني دول عربية وإسلامية عديدة من استشراء ظاهرة الفساد؛ حيث تتعدد صور وأشكال ممارسة الفساد سواء أكان كبيرًا أم صغيرًا. وأخطر ما في الأمر أن الفساد تحول في بعض الدول إلى مؤسسة قوية لها آلياتها المتنوعة ومصادر قوتها المتعددة، كما تغلغل الفساد في أجهزة الدولة ومؤسساتها بحيث أصبحت مرتعًا له بدلاً من أن تكون حائط صد ضده. وقد ترتب على كل ذلك أن تحول الفساد إلى ثقافة؛ حيث أصبح المتخصصون يتحدثون عن "ثقافة الفساد"، وهى تتمثل في منظومة القيم السلبية التي تسوِّغ الفساد وتبرره.


وبالنظر إلى مؤشر مدركات الفساد (Corruption Perceptions Index) لعام 2008 -وهو مؤشر تصدره سنويًا منظمة الشفافية الدولية، وترتب على أساسه دول العالم طبقًا لإدراك عينة من رجال الأعمال والمحللين المتخصصين في كل دولة لمدى انتشار الفساد بين السياسيين والموظفين العموميين فيها. ويتراوح المؤشر بين صفر وعشر درجات؛ حيث يمثل الصفر أعلى درجات الفساد، فيما يمثل رقم 10 أعلى درجات النزاهة والشفافية- بالنظر إلى المؤشر لعام 2008، وبغضِّ النظر عن الملاحظات التي يطرحها البعض بشأن صدقية هذا المؤشر؛ فإنه يُلاحظ أن بعض الدول العربية والإسلامية التي شكَّلت -وتشكل- معاقل لتنظيم القاعدة هي من أكثر الدول فسادًا على مستوى العالم؛ فمن بين إجمالي (180) دولة شملها المؤشر، جاءت الصومال في المرتبة (180)، والعراق في المرتبة (178)، وأفغانستان في المرتبة (176)، واليمن في المرتبة (141)، وباكستان في المرتبة (134)(20).





أدت السياسات الاقتصادية والاجتماعية غير الملائمة التي انتهجتها دول عربية عديدة إلى تعميق حدة التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية؛  الأمر الذي شكّل مصدرًا للتوتر الاجتماعي والعنف السياسي مما أوجد البيئة المناسبة لبروز التيارات الراديكالية وعلى رأسها القاعدة 
وهناك العديد من العوامل التي تؤدي إلى استشراء الفساد وتوحشه، منها(21): أن انتشار الفساد على مستوى القمة (الفساد الكبير) يساعد على انتشاره في المستويات الأدنى، وكذلك ضعف آليات ومؤسسات المراقبة والمساءلة والمحاسبة، وتدني مستويات الدخول مع الارتفاع المستمر في تكلفة المعيشة، وشيوع البيروقراطية والروتين في ظل ترهل الأجهزة والمؤسسات الإدارية؛ مما يؤدي إلى تعقد إجراءات إنجاز المعاملات، والتداخل غير الصحي وغير الصحيح بين السلطة والثروة، لا سيما في ظل تمدد ما يُعرف بالرأسمالية الطفيلية، التي ينخرط عناصرها في أنشطة متنوعة غير منتجة اقتصاديًا واجتماعيًا، بل يقع بعضها في دائرة الجريمة الاقتصادية.

4- تفاقم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية: أزمة التنمية الاقتصادية، وغياب العدالة الاجتماعية: تؤكد التقارير العربية والدولية المتخصصة على أن دولاً عربية وإسلامية عديدة تعاني من تفاقم حدة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، مثل: الفقر، والتضخم، والبطالة، والأمية، وتدني نوعية التعليم، فضلاً عن مشكلات الإسكان والصحة والمرافق والمواصلات والبيئة وغير ذلك(22). وهذا الوضع هو محصلة لعوامل عديدة منها: الفساد وسوء الإدارة؛ مما ترتب عليه إهدار الموارد والطاقات، وتعثر عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في عديد من الدول بسبب التخبط وعدم وضوح الرؤية وتبني سياسات غير ملائمة، فضلاً عن عدم العدالة في توزيع أعباء التنمية وعوائدها، إلى جانب كثرة الصراعات الداخلية، وشيوع حالة من عدم الاستقرار السياسي.


كما أدت السياسات الاقتصادية والاجتماعية غير الملائمة التي انتهجتها دول عديدة إلى تعميق حدة التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية؛ بحيث أصبح الفقراء يزدادون فقرًا والأغنياء يزدادون غنى، الأمر الذي شكّل مصدرًا للتوتر الاجتماعي والعنف السياسي.


5- التبعية للغرب وبخاصة للولايات المتحدة الأميركية: تعاني دول عربية وإسلامية عديدة من معضلة التبعية للغرب وبخاصة للولايات المتحدة الأميركية. وتتخذ هذه التبعية مظاهر وتجليات عديدة: اقتصادية ومالية وسياسية وأمنية وثقافية. وبغَضِّ النظر عن العوامل التي قادت إلى هذا الوضع، ورغم كل المواقف السلبية التي اتخذتها -وتتخذها- الولايات المتحدة الأميركية ضد المصالح والقضايا العربية والإسلامية وفى مقدمتها القضية الفلسطينية، إلا أن النظم الحاكمة في كثير من الدول العربية والإسلامية حريصة على كسب ودها، بل تهرول نحو بناء علاقات وثيقة وخاصة معها تجسد حالة التبعية؛ وذلك لاقتناعها بأن ذلك هو الضمانة الرئيسة لاستمرارها في السلطة، أي أن هذه النظم ترى أن شرعيتها مصدرها الخارج وليس الداخل. وبالتالي فهي تغض الطرف عن المعايير المزدوجة التي تتعامل بها الولايات المتحدة الأميركية مع القضايا العربية والإسلامية، ولا تنتفض للتدخلات الأميركية في الشؤون الداخلية لدولها طالما أن هذه التدخلات لا تؤثر على استمرارها في السلطة(24).


ولا شك في أن تبعية النظم الحاكمة للغرب وبخاصة للولايات المتحدة الأميركية، يضع هذه النظم في تناقض مع شعوبها، التي ترى في أميركا عدوًا يقف ضدها في قضاياها المصيرية. وهو الأمر الذي يؤثر بالسلب على شرعية النظم الحاكمة.


وقد استغل تنظيم القاعدة حالة الكراهية السائدة لدى شعوب المنطقة تجاه الولايات المتحدة الأميركية في نشر أفكاره ومعتقداته؛ حيث راح يصف النظم التي تربطها علاقات وثيقة وخاصة بالولايات المتحدة الأميركية بأنها نظم عميلة، تنفذ مخططات أميركية، كما اتخذ من الوجود العسكري الأميركي في السعودية في أعقاب كارثة الاحتلال العراقي لدولة الكويت مدخلاً لشن حملة واسعة ضد النظام السعودي متهمًا إياه بالتفريط في بلاد الحرمين لصالح الأميركيين، الذين صورهم على أنهم محتلون للمملكة، وبالتالي يتعين تحريرها منهم.


وعندما تناثرت أنباء عن احتمال تدخل عسكري أميركي مباشر في اليمن لمحاربة تنظيم القاعدة هناك على إثر المحاولة الفاشلة لتفجير طائرة ركاب أميركية كانت متجهة إلى مدينة ديترويت بالولايات المتحدة الأميركية في ديسمبر/كانون الأول 2009، والتي قام بها شاب نيجيري يُدعى عمر فاروق عبد المطلب، ذكرت التحقيقات أنه ينتمي إلى القاعدة وتلقى تدريبات في اليمن، عندما تناثرت هذه الأنباء راح بعض كبار المسؤولين اليمنيين يحذرون من مغبة هذه الأمر وعواقبه، مؤكدين على أن التدخل الأميركي العسكري المباشر في اليمن سوف يجعل الشعب اليمني كله يتكتل ضده، وطالبوا الولايات المتحدة الأميركية بتقديم الدعم العسكري والتقني للقوات اليمنية بحيث تتولى هي أمر القاعدة في اليمن. وهذا مثال آخر يؤكد حجم الفجوة بين مواقف النظم الحاكمة والشعوب تجاه الولايات المتحدة الأميركية. 


وأكثر من هذا، فإن الولايات المتحدة الأميركية دأبت على إحراج النظم الموالية لها في المنطقة، دون التحسب لاحتمالات ردود أفعالها؛ لأنها على قناعة بأنه لن تكون هناك ردود أفعال جدية. وكل ذلك وفر لتنظيم لقاعدة مسوغات ومبررات للهجوم على النظم الحاكمة. كما أن تحديه للولايات المتحدة الأميركية جعله موضع إعجاب لدى قطاعات من المواطنين في العالم العربي والإسلامي؛ وذلك ليس حبًا فيه بالضرورة، ولكن كراهية للولايات المتحدة الأميركية وسياساتها في المنطقة.


6- تعدد صور وأشكال انتهاك حقوق الإنسان: تؤكد التقارير الوطنية والإقليمية والدولية المعنية بحقوق الإنسان على تدهور أوضاع حقوق الإنسان في عديد من الدول العربية والإسلامية؛ حيث تتعدد أشكال انتهاكات حقوق الإنسان سواء الحقوق السياسية والمدنية أو الاقتصادية والاجتماعية(24). وثمة عدة عوامل تساعد على ذلك منها: شيوع الاستبداد السياسي، واستشراء الفساد، وضعف الضمانات الدستورية والقانونية لحماية حقوق الإنسان، وتصاعد الصراعات الداخلية وعدم الاستقرار السياسي، وضعف استقلال السلطة القضائية، وسوء السياسات التنموية والتوزيعية، وضعف دور منظمات المجتمع المدني المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، وضعف ثقافة حقوق الإنسان لدى قطاعات واسعة من المواطنين.


ولا شك في أن تعدد صور وأشكال انتهاك حقوق الإنسان في كثير من الدول العربية والإسلامية إنما يؤكد على غياب مبدأ المواطنة كأساس للعلاقة بين الحاكم والمحكوم، فضلاً عن غياب أو ضعف سيادة القانون وبخاصة في ظل كثرة القوانين المقيدة للحقوق والحريات المعمول بها في عديد من الدول العربية والإسلامية من ناحية، وضعف الفاعلية في تطبيق القانون من ناحية أخرى. 


7- أزمة الشرعية السياسية: إن أزمة الشرعية السياسية التي تعاني منها النظم الحاكمة في عديد من الدول العربية والإسلامية هي محصلة لكافة الأزمات سالفة الذكر؛ فهناك نظم عديدة تآكلت مصادر شرعيتها التقليدية المتمثلة في الدين والتقاليد، لا سيما وأن التنظيمات الإسلامية الراديكالية راحت تعارض هذه النظم مستندة إلى منطلقات وتأويلات دينية مضادة. كما أن الدستورية القانونية لم تستقر كمصدر للشرعية في الوطن العربي وشطر كبير من العالم الإسلامي، وذلك بسبب غياب التقاليد والممارسات الديمقراطية الحقيقية التي تؤسس للشرعية الدستورية مثل: التداول السلمي للسلطة من خلال انتخابات دورية نزيهة، وسيادة القانون، ورسوخ دولة المؤسسات. وأكثر من هذا فإن هذه النظم أخفقت في أن تجعل من الإنجاز سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي مصدرًا لشرعيتها (شرعية الإنجاز)؛ حيث فشلت بدرجات متفاوتة في مواجهة المشكلات والتحديات التي تواجه مجتمعاتها رغم استمرار بعضها في السلطة منذ عقود، بل إن سياساتها القاصرة والفاشلة أدت إلى تفاقم المشكلات الداخلية في كثير من الحالات، كما أنها أخفقت في ترسيخ السيادة الوطنية وصيانة الاستقلال الوطني، الأمر الذي يتجلى في تبعيتها للغرب من ناحية، وكثرة التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية لدولها من ناحية أخرى.


وفى ظل انعدام أو ضعف الشرعية السياسية للنظم الحاكمة، فإن القمع وليس القبول الطوعي من قِبل غالبية المواطنين بالنظام الحاكم يصبح هو الوسيلة الرئيسية لضمان الاستمرار في السلطة، ومن هنا تُولي هذا النظم اهتمامًا كبيرًا لأجهزة الأمن والاستخبارات، ليس بهدف توفير الأمن للمجتمع وحمايته من الجريمة، ولكن بهدف تحقيق الأمن السياسي (أمن النظام الحاكم) في المقام الأول. وقد ترتب على هذا الوضع تصاعد أعمال العنف السياسي والاحتجاج الجماعي في عديد من الدول العربية والإسلامية، بل وقعت بعض الدول فريسة لدورة جهنمية من العنف والعنف المضاد، الأمر الذي شكَّل -ويشكل- تهديدًا لوجود الدولة ذاتها ككيان سياسي موحد في بعض الحالات.


ثالثًا: استمرار العربدة الإسرائيلية في المنطقة، وعجز النظام الرسمي العربي عن وضع حد لها


لا شك في أن السياسات الإسرائيلية في المنطقة مثَّلَت -وتمثل- أحد العوامل الرئيسة التي أسهمت في استمرارية تنظيم القاعدة وتحقيق الانتشار الجغرافي له؛ فعلى الرغم من عدم استهداف إسرائيل على مستوى إستراتيجيته الحركية، بمعنى توجيه ضربات لأهداف إسرائيلية مباشرة، إلا أن القضية الفلسطينية ظلت على الدوام حاضرة في الخطاب السياسي والإعلامي للتنظيم؛ حيث دأب على التنديد بالممارسات الإسرائيلية، مع التأكيد على هدف تحرير فلسطين، وهو الأمر الذي خلق جاذبية لفكر القاعدة لدى قطاعات من المواطنين في عديد من الدول العربية والإسلامية، وبخاصة في ظل عجز النظم الحاكمة عن التعامل بفاعلية مع الصراع العربي-الإسرائيلي سواء سلمًا أو حربًا.


وعلى الرغم من الانتصار العسكري الكبير الذي تحقق في حرب أكتوبر 1973، إلا التطورات التالية للحرب أفسحت المجال لاستمرار العربدة الإسرائيلية في المنطقة، والتي تجلت في مظاهر عديدة، منها: الاستمرار في سياسات العدوان والاغتيالات والاستيطان والتهويد والحصار والاعتداء على المقدسات وتجريف الأراضي وهدم المنازل، علاوة على المراوغة بشأن التسوية السلمية والتجاهل الكامل للمطالب العربية والدولية بشأن تحقيق السلام، رغم التأكيدات المستمرة من قبل الدول العربية على الالتزام بالسلام كخيار إستراتيجي، فضلاً عن استهانة إسرائيل بقرارات الشرعية الدولية، وحرصها على أن تظل القوة النووية الوحيدة في المنطقة(25).


وفي الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل سياساتها سالفة الذكر؛ فإن النظام الرسمي العربي بات عاجزًا عن وضع حد لهذه السياسات، واكتفى بإصدار بيانات الشجب والإدانة والاستنكار، مع دعوة المجتمع الدولي للقيام بمسؤولياته بشأن التصدي للسياسات والمخططات الإسرائيلية!! وهذا الوضع لايمكن فهمه إلا في إطار غياب أو ضعف الإرادة السياسية العربية وبخاصة في ظل كثرة الخلافات والانقسامات فيما بين بعض العواصم العربية.


وخلال القمة العربية الأخيرة التي عُقدت في ليبيا في مارس/آذار 2010 أكد بعض الحكام العرب في كلماتهم أمام القمة على الحالة المتردية التي وصل إليها النظام العربي الرسمي، الأمر الذي بدا وكأنه نوع من إبراء الذمة، أو ممارسة الأمانة في نقد الذات. وفى هذا السياق، دعا السيد عمرو موسى أمين عام الجامعة العربية القادة العرب إلى "دراسة مختلف الاحتمالات وعلى رأسها الاحتمال القائم بفشل عملية السلام كلية"(26).


وقد ترتب على استمرار عجز النظام الرسمي العربي عن التصدي للغطرسة الإسرائيلية شيوع حالة من اليأس والإحباط لدى قطاعات عريضة من المواطنين العرب؛ حيث بدا النظام العربي في نظرهم فاقدًا للفاعلية والمصداقية. وفى هذا السياق راح تنظيم القاعدة يدق على هدف تحرير فلسطين، وجعَلَه مكونًا رئيسيًا في خطابه السياسي والإعلامي، كما راح يرفع شعار الجهاد ضد اليهود والصليبيين وعملائهم. وكل ذلك أسهم في تعزيز استمراريته وانتشاره جغرافيًا. ورغم أن شعارات القاعدة وعملياته لم تحقق أية نتائج إيجابية للقضية الفلسطينية على الأرض، إلا أن بن لادن بدا بطلاً في نظر البعض؛ حيث رفع راية التحدي في وجه الولايات المتحدة الأميركية وحليفتها إسرائيل وسط حالة الهوان والانكسار التي يعاني منها النظام الرسمي العربي ومنظمة المؤتمر الإسلامي(27).


وهذا الواقع ليس خافيًا على المسؤولين الأميركيين، فقد أكد الجنرال ديفيد بترايوس -قائد القيادة الأميركية الوسطى أمام إحدى لجان الاستماع في مجلس الشيوخ في 16 مارس/آذار 2010- على أن الغضب العربي بسبب القضية الفلسطينية يحد من قوة وعمق الشراكات الأميركية مع حكومات المنطقة وشعوبها، ويضعف شرعية الأنظمة المعتدلة في العالم العربي، وأن تنظيم القاعدة وغيره من الجماعات المسلحة تسعى إلى استغلال الغضب العربي بشأن هذه المسألة(28). 


رابعًا: خطايا وتناقضات السياسة الأميركية تجاه العالم العربي والإسلامي


من المؤكد أن خطايا وتناقضات السياسة الأميركية تجاه العالم العربي والإسلامي، والتي تراكمت على مدى عقود قد شكلت عاملاً مهمًا في صعود التنظيمات الإسلامية الراديكالية، وفى مقدمتها تنظيم القاعدة الذي نظر إلى الولايات المتحدة الأميركية باعتبارها العدو الرئيسي للمسلمين؛ ولذلك أعلن الحرب عليها صراحة منذ منتصف تسعينيات القرن العشرين. ويمكن تلخيص أهم خطايا السياسة الأميركية وتناقضاتها تجاه العالم العربي والإسلامي فيما يلي: 


1- الدعم المطلق لإسرائيل مع تجاهل الحقوق والمصالح العربية المشروعة: إن الدعم الأميركي المطلق لإسرائيل هو أمر معروف ولا يحتاج إلى تفصيل؛ حيث يأخذ هذا الدعم الأميركي أشكالاً عديدة، منها: الدعم المالي والعسكري، مع الالتزام المطلق بأمن إسرائيل وضمان استمرار تفوقها على الدول العربية مجتمعة، فضلاً عن الدعم السياسي المتمثل في تقديم المسوغات والمبررات السياسية للسياسات والممارسات الإسرائيلية القائمة على التوسع والعدوان؛ مما شجعها على الاستخفاف بقرارات الشرعية الدولية. كما تتجنب واشنطن ممارسة أية ضغوط حقيقية على إسرائيل بشأن عملية السلام في الشرق الأوسط، علاوة على تقديم المساندة الكاملة لإسرائيل في الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية. وبالمقابل فهي دأبت على تجاهل الحقوق العربية المشروعة، مع ممارسة الضغوط على الدول العربية من أجل القبول بالتصورات الإسرائيلية للتسوية، وتطبيع العلاقات مع إسرائيل دون ربط ذلك بتحقيق السلام الشامل.


2- المشاركة في ترسيخ الاستبداد والفساد في العالم العربي والإسلامي: لقد دأبت الولايات المتحدة الأميركية منذ عقود على دعم ومساندة النظم الحاكمة والفاسدة في العالم العربي والإسلامي طالما أنها تدور في فلكها وتتوافق مع مصالحها وتوجهاتها، وذلك بغض النظر عن مدى التزامها بالديمقراطية واحترام حقوق الإنسان على الصعيد الداخلي. أي أنها ظلت تضحي بالمبادئ الديمقراطية وقضية حقوق الإنسان لحساب مصالحها المتمثلة في: ضمان أمن إسرائيل، والتصدي للخطر الشيوعي (قبل انهيار الاتحاد السوفيتي)، وضمان تدفق النفط لها ولحلفائها، وصفقات الأسلحة لدول المنطقة، والحصول على قواعد وتسهيلات عسكرية.





دعم الولايات المتحدة للنظم الاستبدادية في العالم العربي أوجد بيئة خصبة لنشاط التيارات المعادية لأميركا وعلى رأسها تنظيم القاعدة وساعد على ذيوعها وتصديق خطابها
في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر سعت واشنطن من أجل تعزيز الإصلاح السياسي في المنطقة من خلال آليات ومسالك مختلفة، وذلك على خلفية الاقتناع بأن الاستبداد يغذي التطرف والإرهاب، إلا أنها سرعان ما تراجعت عن هذا النهج بعد أن ثبت أن إجراء انتخابات نزيهة قد يؤدي إلى وصول الإسلاميين إلى السلطة أو تعزيز مشاركتهم فيها في عديد من الدول العربية؛ مما يتعارض مع المصالح الأميركية. كما باتت واشنطن على قناعة بأن التعامل مع نظم تسلطية أو شبه تسلطية مضمونة الولاء أفضل من المراهنة على تحول ديمقراطي قد يكون على حساب مصالحها؛ لذا تراجعت قضية الديمقراطية في سُلَّم أولويات السياسة الأميركية تجاه المنطقة خلال الفترة الثانية للإدارة الأميركية السابقة (إدارة بوش الابن)، وحتى الآن (أبريل/نيسان 2010) (الأدق أن نقول: مايو/أيار 2010) ليس هناك ما يدل على أن إدارة أوباما تضع هذا الملف ضمن أولويات سياستها تجاه المنطقة(29). 

3- ممارسة سياسات القوة والهيمنة ضد الدول العربية والإسلامية: للولايات المتحدة الأميركية سجل حافل في ممارسة سياسات القوة والهيمنة على الساحة العربية والإسلامية. وعلى سبيل المثال لا الحصر؛ فقد شنت في عام 2001 حربًا ضد أفغانستان انتهت بالإطاحة بنظام طالبان. وفى عام 2003 شنت بالتعاون مع بريطانيا ودول أخرى حربًا ضد العراق بذرائع ومبررات كاذبة، انتهت بالإطاحة بنظام صدام حسين واحتلال العراق. وبسبب خطايا السياسة الأميركية، وقع العراق وأفغانستان في حالة من الفوضى وعدم الاستقرار، وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية(30).


كما أن الحرب ضد الإرهاب التي أطلقتها الولايات المتحدة الأميركية في أعقاب هجمات سبتمبر استهدفت بالأساس دولاً ومنظمات وجمعيات في العالم العربي والإسلامي. كما دأبت واشنطن على شن هجمات عسكرية من خلال طائرات بدون طيار على أهداف في دول عربية وإسلامية مثل اليمن وباكستان بدعوى مكافحة الإرهاب. وكثيرًا ما راح مدنيون أبرياء ضحية لهذه العمليات. الأمر الذي "أسهم في تأجيج المشاعر المعادية لأميركا، وأدى إلى انضمام المزيد من الأفراد إلى صفوف القاعدة"(31). 


4- التدخل السافر في الشؤون الداخلية للدول العربية والإسلامية: إن التدخلات السافرة من قبل الولايات المتحدة الأميركية في الشؤون الداخلية لكثير من الدول العربية والإسلامية باتت تشكل أحد ملامح السياسة الأميركية تجاه العالم العربي والإسلامي. وقد تصاعدت هذه التدخلات في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر؛ حيث راحت واشنطن تتدخل بأشكال مختلفة ودرجات متفاوتة في ملفات وقضايا داخلية في هذه الدول، مثل: حقوق الإنسان، والأقليات، والمرأة، وإصلاح مناهج التعليم وبخاصة التعليم الديني، والعمل الخيري..الخ. وقد جاءت هذه التدخلات في سياق تزايد الوجود العسكري الأميركي المباشر في المنطقة وبخاصة في أعقاب كارثة الاحتلال العراقي لدولة الكويت في عام 1990؛ حيث أصبح لواشنطن مئات الآلاف من الجنود في كل من العراق وأفغانستان ودول أخرى، فضلاً عن القواعد والتسهيلات العسكرية ومخازن الأسلحة. وكل ذلك لا يمكن فهمه بمعزل عن حالة تبعية النظم الحاكمة في عديد من الدول العربية والإسلامية للولايات المتحدة الأميركية.  





أدت السياسات الأميركية إلى تعميق حالة الكراهية للولايات المتحدة لدى شعوب المنطقة، وهى حالة أسهمت في تغذية تنظيم القاعدة؛ حيث إن رفع راية التحدي في وجه الولايات المتحدة الأميركية، واستهداف مصالحها جعلاه محل إعجاب في نظر الكثيرين
وقد أدت السياسات الأميركية سالفة الذكر إلى تعميق حالة الكراهية للولايات المتحدة الأميركية لدى شعوب المنطقة(32)، وهى حالة أسهمت في تغذية تنظيم القاعدة وغيره من التنظيمات الإسلامية الراديكالية؛ حيث إن رفع راية التحدي في وجه الولايات المتحدة الأميركية، واستهداف مصالحها من قبل تنظيم القاعدة جعلاه محل إعجاب في نظر الكثيرين، الأمر الذي أسهم في نشر أفكاره، وتشعب فروعه وخلاياه والجماعات المرتبطة به والمتعاطفة معه على نحو ما سبق ذكره(33). وقد عبر عن هذا الوضع أحد الباحثين المتخصصين في مجال الإسلام السياسي بقوله: "تحصد الولايات المتحدة الأميركية اليوم، على رأس الغرب الإمبريالي -حيث التحقت بأوربا الاستعمارية وروسيا، ثم تجاوزتهما- الثمار المرة للسياسات غير المسؤولة البتة التي تقودها منذ عدة عقود في العالم الثالث عمومًا، والعالم الإسلامي خصوصًا؛ ففي هذه البلدان آلاف الضحايا الأبرياء لهذه السياسات، بقدر ضحايا برجي مركز التجارة العالمي، إضافة إلى الإبقاء -منذ عقود- على دكتاتوريات قاضية على الحريات، قد غذّت لدى السكان شعورًا باليأس، مناسبًا لأكثر أشكال الثورة تطرفًا"(24).

ورغم أن الرئيس بارك أوباما طرح نهجًا إيجابيًا في التعامل مع العالم الإسلامي؛ حيث أكد في غير مناسبة على ضرورة أن تقوم العلاقة بين الجانبين على أساس المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، إلا أن هذا التوجه ظل متوقفًا عند مستوى الخطاب السياسي ولم يُترجَم إلى أفعال وممارسات على الأرض، بل بالعكس فإن مواقف إدارة أوباما خلال عامها الأول تجاه إسرائيل بشأن ملف الاستيطان خلقت حالة واسعة من خيبة الأمل في العالم العربي والإسلامي؛ حيث تراجعت إدارة أوباما عن مواقفها المعلنة بشأن ضرورة الوقف الكامل للاستيطان كشرط لاستئناف مفوضات السلام، وتبنت وجهة نظر الحكومة اليمنية المتطرفة في إسرائيل (حكومة نتنياهو)، بل إنها بلعت إهاناتها المتكررة لها(35).


خامسًا: فشل إستراتيجية الحرب ضد الإرهاب


إن فشل إستراتيجية الحرب ضد الإرهاب التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر، تُعتبر أحد العوامل الرئيسية التي أسهمت في استمرارية تنظيم القاعدة وانتشاره. فإذا كانت الولايات المتحدة الأميركية قد جعلت القضاء على طالبان والقاعدة على رأس أهداف إستراتيجية مكافحة الإرهاب؛ فإنها لم تحقق هذا الهدف، بل الذي حدث هو العكس؛ حيث لا تزال الولايات المتحدة الأميركية بكل ما لديها من إمكانيات عسكرية واستخباراتية غير قادرة على قتل بن لادن والظواهري أو القبض عليهما، وأصبحت إطلالتهما عبر وسائل الإعلام من آنٍ لآخر أكبر دليل على فشل إستراتيجية الحرب ضد الإرهاب، كما أن تنظيم القاعدة تمدد وتحول إلى شبكة عابرة لحدود الدول على نحو ما سبق ذكره.





ثمة عوامل أدت إلى فشل إستراتيجية الحرب ضد الإرهاب منها: أن هذه الحرب انطلقت استنادًا إلى منطق أميركي قسري يقوم على معادلة من ليس معنا فهو ضدنا، فضلاً عن عدم وجود اتفاق دولي حول تعريف الإرهاب، والتمييز بينه وبين المقاومة المشروعة للاحتلال
أما حركة طالبان أفغانستان فقد أعادت بناء صفوفها من جديد، ولم تفلح قوات الناتو والقوات الأميركية الموجودة في أفغانستان في القضاء عليها، بل أصبحت الحركة تشكل تحديًا كبيرًا لحكومة حامد كرزاى، وكذلك لواشنطن وحلفائها، لدرجة أن الرئيس كرزاى نفسه طرح خيار التفاوض مع طالبان بدلاً من المواجهة العسكرية، لا سيما وأن كثيرًا من الخبراء المتخصصين يؤكدون صعوبة القضاء على طالبان عسكريًا. كما أن طالبان باكستان باتت هي الأخرى تشكل تحديًا كبيرًا للحكومة الباكستانية وللولايات المتحدة الأميركية على حد سواء، لا سيما أن باكستان دولة نووية(36).

وثمة عدة عوامل أدت إلى فشل إستراتيجية الحرب ضد الإرهاب منها: أن هذه الحرب انطلقت استنادًا إلى منطق أميركي قسري يقوم على معادلة من ليس معنا فهو ضدنا، فضلاً عن عدم وجود اتفاق دولي حول تعريف الإرهاب، والتمييز بينه وبين المقاومة المشروعة للاحتلال. كما أن إستراتيجية الحرب ضد الإرهاب قامت بالأساس على اختزال مكافحة الإرهاب في الجوانب الأمنية والاستخباراتية والمالية، بينما تعتبر ظواهر التطرف والعنف الإرهاب أكثر تعقيدًا من هذا بكثير؛ حيث إن لها أسبابها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية، فضلاً عن الأسباب المتعلقة بسياسات كل من إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية والغرب تجاه العالم العربي والإسلامي، وكذلك باختلالات النظام الدولي، وغياب العدالة على صعيد العلاقات الدولية. وبالطبع لا يمكن التقليل من أهمية البعد الأمني في التصدي للإرهاب ومخاطره، إلا أنه لا يكفي بمفرده لمعالجة ظاهرة معقدة ومتعددة الأسباب والمصادر بالمعنى سالف الذكر(37).


كما أن الانتهاكات التي ارتكبتها الولايات المتحدة الأميركية سواء في السجون العراقية أو في معتقل جوانتانامو أو في قتل المدنيين خلال الهجمات التي تنفذها طائرات أميركية بدون طيار، وصمتها المطلق عن إرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل في حق الفلسطينيين، كل ذلك وغيره أثَّر بالسلب على مصداقية توجهاتها بشأن مكافحة الإرهاب؛ حيث كرَّست صورة سلبية لها باعتبارها "ديمقراطية بوجهين" على حد تعبير "غلين غرينفالد"(38).


سادسًا: الحملات المضادة للإسلام في الغرب، ومشكلات الأقليات المسلمة في الدول الغربية


إن الحملات المضادة للإسلام في الغرب، وكذلك المشكلات والتحديات التي تعاني منها بدرجات متفاوتة وأشكال مختلفة الجاليات المسلمة في عديد من الدول الغربية، أسهمت في خلق ظروف مواتية لانتشار فكر القاعدة ليس على صعيد العالم الإسلامي فحسب، وإنما في عديد من الدول الغربية كذلك. وفى هذا السياق، يمكن الإشارة إلى تمدد ظاهرة ما يُعرف بـ" الخوف من الإسلام"  أو "الإسلاموفوبيا"  في الغرب، وبخاصة في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي السابق، حيث طُرح الإسلام كعدو بديل بعد زوال خطر الشيوعية.


كما أن نظرية "صدام الحضارات" التي طرحها "صامويل هنتنجتون"، والتي أكدت على حتمية الصدام والمواجهة بين الغرب والعالم الإسلامي، وبخاصة في ظل تمدد الإسلام في الدول الغربية، قد أسهمت في تعميق الهواجس بين الطرفين(39). وقد ترافق مع كل هذا حملات تشويه طالت الدين الإسلامي ذاته والرسول محمدًا صلَّى الله عليه وسلَّم، الأمر الذي أسهم في خلق ردود أفعال سلبية على الجانب الآخر؛ حيث اتسعت دائرة الإحساس بأن الإسلام في خطر، وأنه يواجه تحديات كبرى، وأن الهوية الإسلامية باتت مهددة بشكل جدي. وكل هذه العوامل والتطورات صبت في مصلحة تنظيم القاعدة الذي رفع شعار الدفاع عن الإسلام، ومواجهة  كل من يتربص به من اليهود والصليبيين وعملائهم.


كما أن المشكلات والأزمات التي تعاني منها الجاليات المسلمة في الغرب، ساعدت هي الأخرى على انتشار فكر القاعدة؛ فهذه الجاليات تعاني في عديد من الدول وبدرجات متفاوتة وأشكال مختلفة من مشكلات معقدة، مثل: الاندماج والتمييز وأزمة الهوية، وهو أمر تعكسه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لهذه الجاليات في دول مثل فرنسا وغيرها. وبغضّ النظر عن أسباب هذه المشكلات وسياسات الدول المعنية في التعامل معها، إلا أن وجودها أفسح المجال أمام تنظيم القاعدة لكي يحاول استقطاب عناصر منها في صفوفه. ورغم عدم وجود دراسات موثقة بشأن حجم وجود القاعدة بين هذه الجاليات، إلا أن كثيرين حذروا من احتمالات وجود خلايا نائمة للقاعدة في عديد من الدول الغربية(40).


خاتمة


هناك ثلاث مجموعات من العوامل أسهمت في استمرارية تنظيم القاعدة وانتشاره جغرافيًا. أولاها: عوامل تتعلق بأيديولوجية التنظيم، وبنيته الشبكية، وإستراتيجياته الحركية، وبخاصة في أعقاب الإطاحة بنظام طالبان في أفغانستان عام 2001، حيث استطاع التنظيم التكيف مع المستجدات وتحول إلى شبكة عابرة لحدود الدول. وقد استفاد كثيرًا من ثورة المعلومات والاتصالات في تأكيد حضوره على الصعيد العالمي.





مبدأ الجهاد العالمي الذي تبناه تنظيم القاعدة، وبنيته الشبكية، وإستراتيجياته الحركية بما في ذلك الاستفادة المكثفة من ثورة المعلومات والاتصالات، هي عوامل رئيسية تفسر استمرارية التنظيم وانتشاره جغرافيًا مقارنة بعديد من التنظيمات الأخرى
وثانيها: عوامل تتصل بالأزمات البنيوية التي يعانى منها العالم العربي والإسلامي، ومنها على سبيل المثال: أزمة بناء الدولة الوطنية الحديثة، وأزمة الديمقراطية والحريات، وأزمة الهوية، فضلاً عن أزمات ومشكلات الفقر والأمية واستشراء الفساد وغياب العدالة الاجتماعية، والتبعية البنيوية للخارج مع إخفاق النظم الحاكمة في عديد من الدول العربية والإسلامية في صيانة الاستقلال الوطني.

وثالثها: عوامل إقليمية ودولية في مقدمتها السياسات الإسرائيلية في المنطقة، والسياسات الغربية وبخاصة الأميركية تجاه العالم العربي والإسلامي، فضلاً عن تصاعد الحملات المضادة للإسلام في الغرب، وتراكم المشكلات التي تعاني منها الأقليات المسلمة في عديد من الدول الغربية.


وفى ضوء ما سبق، يمكن القول: إنه حتى وإن تمكنت الولايات المتحدة الأميركية من اعتقال أو قتل بن لادن والظواهري؛ فالأرجح أن هذا لن يكون نهاية لتنظيم القاعدة، لا سيما وأن التنظيم تحول إلى أيديولوجية وشبكة عابرة لحدود الدول على نحو ما سبق ذكره. وطالما استمرت الأزمات والمشكلات التي أسهمت في بروز تنظيم القاعدة، وتصاعد دوره كما هي دون حلول ومعالجات جذرية؛ فإن ذلك سوف يعزز من قدرة التنظيم على الاستمرار، بل ربما يؤدى إلى ظهور تنظيمات أخرى على شاكلته، وقيادات أخرى على شاكلة بن لادن والظواهري.


وإذا كانت الأزمات البنيوية في العالم العربي والإسلامي، وسياسات إسرائيل والولايات المتحدة والغرب عمومًا تجاه العرب والمسلمين قد أوجدت بيئة ملائمة لبروز تنظيمات إسلامية راديكالية في عديد من الدول العربية والإسلامية؛ فإن مبدأ الجهاد العالمي الذي تبناه تنظيم القاعدة، وبنيته الشبكية، وإستراتيجياته الحركية بما في ذلك الاستفادة المكثفة من ثورة المعلومات والاتصالات، هي عوامل رئيسية تفسر استمرارية  التنظيم وانتشاره جغرافيًا مقارنة بعديد من التنظيمات الأخرى التي حصرت أهدافها في مواجهة النظم الحاكمة في بلدانها، وانتهى بها الأمر إما إلى الاندثار أمام شدة الضربات الأمنية التي تلقتها، أو القيام بمراجعات والتخلي عن نهج العنف كما حدث بالنسبة لتنظيم الجهاد والجماعة الإسلامية في مصر. (*)


______________
حسنين توفيق إبراهيم، أستاذ العلوم السياسية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، وفي كلية الآداب والعلوم بجامعة زايد بالإمارات العربية المتحدة. حاصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة؛ وحاصل على جائزة الدولة التشجيعية في مجال الدراسات السياسية والاقتصادية والقانونية في مصر عام 2006/2007. متخصص في الشؤون الخليجية والعربية، وبخاصة قضايا التحول الديمقراطي والمجتمع المدني والإسلام السياسي. له العديد من الكتب والدراسات المنشورة، منها: ظاهرة العنف السياسي في النظم العربية (1992)؛ النظام السياسي والإخوان المسلمون في مصر (2000)؛ الإسلام والسياسة في الوطن العربي خلال القرن العشرين (2002)؛ النظم السياسية العربية (2005)؛ الإصلاح السياسي في دول مجلس التعاون الخليجي (2005)؛ تطور دراسة المجتمع المدني في دول مجلس التعاون الخليجي (2007).


المصادر والهوامش


(*) للاطلاع على وجهة نظر أخرى بشأن مستقبل تنظيم القاعدة، انظر: "القاعدة خطر مضخَّم لا مستقبل له"، بشير نافع، في الملف نفسه.


1-   ظهر خلال السنوات الأخيرة العديد من الدراسات التي تؤكد على مدى انتشار تنظيم القاعدة، انظر على سبيل المثال:


Jean-pierre  Filiu,” Al-Qaeda in the Islamic Magherb: Algerian Challenge or Global Threat,” Carnegie Papers , Middle East Program, Number 104, October 2009 ;Sarah Phillips, ”Yemen: ON the Brink … What Comes Next in Yemen?: Al-Qaeda , The Tribes, and State – Building ,” Carnegie Papers , Middle East Program, Number 107, March 2010; Anthony N. Celso,” Al-Qaeda in the Maghreb: The Newest Front in the War of Terror,” Mediterranean Quarterly , Volume 19, Number 1,Winter 2008; Bruce Hoffman,” The Global Terrorist Threat: Is AL-Qaeda on the Run or on the March,” Middle East Policy, Vol.XIV, No.2( Summer 2007); Bruce Riedel and Bilal Y. Saab,” Al Qaeda’s Third Front: Saudi Arabia,” The Washington Quarterly ,Vol.31,No.2,Spring 2008,pp. 33-46; Ed Blanche,” Pakistan: A Major Steeping Stone in Al Qaeda’s Global Strategy,” The Middle East ,April 2008; William Rosenau,” Al Qaeda Recruitment trends in Kenya and Tanzania,” Studies in Conflict & Terrorism , Volume 28, Issue 5, 2005,pp.1-10; Bulent Aras & Sule Toktas,” Al-Qaeda, War on Terror ,and Turkey,” Third World Quarterly,Vol.28, No.5, 2007, pp.1033-1050; Rohan Gunaratna ,” The Post – Madrid Face of Al Qaeda,” The Washington Quarterly, Vol. 27, No.3, Summer 2004, pp.91-100; Guido Steinberg & Isabelle Werenfles ,” Between the Near and the Far Enemy: Al- Qaeda in the Islamic Maghreb,” Mediterranean Politics , Vol.12, No.3, November 2007 , pp.407-413; David Martin Jones , Michael L.R. Smith, Mark Weeding ,” Looking for Patterns:  Al Qaeda in Southeast Asia- The Genealogy of a Terror Network,” Studies in Conflict & Terrorism , Volume 26,Issue 6 , 2003,pp.443- 457.


2- لمزيد من التفاصيل، انظر:


Maj. Troy S. Thoams and Maj William D. Casebeer ,” Violent Non- State Actors: Countering Dynamic Systems,” Strategic Insights ,Volume III, Isuee3, March 2004.


3-  لمزيد من التفاصيل حول الطبيعة الشبكية لتنظيم القاعدة، انظر:


Calvert  Jones,” Al-Qaeda’s Innovative Improvisers: Learning in a Diffuse Transnational Network,” Cambridge Review of International Affairs, Volume 19, Number 4, December 2006,pp.555-569; Christina Hellmich,” Al-Qaeda – Terrorists, Hypocrites, Fundamentalists ?: The View from Within,” Third World Quarterly ,Vol.26,NO.1, p.39; Paul J.Smith ,” Transnational Terrorism and the al Qaeda Model: Confronting New Realities,” Parameters,  Vol. XXXII ,No.2 , Summer 2002,pp.33-46.


4-  لمزيد من التفاصيل، انظر:


مركز الجزيرة للدراسات: "القاعدة في مناطق ساخنة"، تقارير، 18 يناير/كانون الثاني 2010.


5- لمزيد من التفاصيل حول بعض التحليلات والرؤى والتقييمات المتعلقة بأيديولوجية تنظيم القاعدة، انظر على سبيل المثال:


Benjamin Orbach,” Usama Bin Ladin and Al-Qa’ida: Origins and Doctrines,” Middle East Review of International Affairs , Volume 5, No. 4 ( December 2001 ) ; Christina Hellmich,” Creating the Ideology of Al-Qaeda: From Hypocrites to Salafi-Jihadists,” Studies in Conflict & Terrorism , Volume 31, Issue 2, 2008, pp.111-124; Christian Hellmich and Amanda J.Redig,” The Question is When: The Ideology of Al-Qaeda and the Reality of Bioterrorism,” Studies in Conflict & Terrorism, Volume 30,  Issue 5, 2007. pp. 375-396; Christopher Henzel,” The Origins of al Qaeda’s Ideology: Implications for US Strategy ,” Parameters, Vol. XXXV, No.1, Spring 2005; Quintan Wiktorowicz and John Kaltner,” Killing in the Name of Islam: Al-Qaeda’s Justification for September 11,” Middle East Policy,Vol.X, No.2, Summer 2003,pp.76-92.


6- لمزيد من التفاصيل، انظر:


Michael Freeman,” Democracy , Al-Qaeda, and the Causes of Terrorism: A Strategic Analysis of U.S. Policy,” Studies in Conflict & Terrorism, Volume 31 , Issue 1, 2008, p. 42.


7- فرانسوا بورجا، الإسلام السياسي في زمن القاعدة، ترجمة سحر سعيد (دمشق: قدمُس للنشر والتوزيع، 2006)، ص. 63-64.


Christina Hellmich, Op.Cit., pp.115-120.


8- لمزيد من التفاصيل، انظر:


George Michael,” Adam Gadahn and Al-Qaeda’s Internet Strategy,” Middle East Policy,Vol.XVI,No.3, Fall 2009, 142.


9- لمزيد من التفاصيل حول الماكينة الإعلامية لتنظيم القاعدة، انظر:


Philip Seib, J.D., The Al-Qaeda Media Machine,” Military Review , May/June 2008,pp.74-80.


10- لمزيد من التفاصيل، انظر:


George Michael , Ibid., pp. 142-143.


11- لمزيد من التفاصيل، انظر:


Philip Seib, J.D., Ibid., p.47; Timothy L. Thomas,” Al Qaeda and the Internet: The Danger of Cyberplanning ,” Parameters, Vol. XXXIII, No.1,Spring 2003,pp.112-123.


12 - لمزيد من التفاصيل، انظر:


Benjamin Orbach, Op. Cit., pp.9-10; Benjamin Orbach ,” Usama Bin Ladin and Al-Qaeda: Origins and Doctrines,” MERIA: Middle east Review of International Affairs ,Volume 5,No. 4 ( December 2001 ) ; Bruce Hoffman ,” The Changing Face of Al Qaeda and the Global War on Terrorism,” Studies in Conflict & Terrorism, Volume 27 , Issue 6, 2004,pp.549-560.


13- لمزيد من التفاصيل، انظر:


Mark Basile ,” Going to the Source: Why Al Qaeda’s Financial Network is likely to Withstand the Current War on Terrorist Financing,” Studies in Conflict & Terrorism, Volume 27 , Issue 3, 2004, pp. 169-185; Zachary Abuza,” Funding Terrorism in Southeast Asia: The Financial Network of Al Qaeda and  Jemaah  Islamiya,” Contemporary Southeast Asia, Volume 25, Number 2(August 2003),pp.169-199.


14- لمزيد من التفاصيل، انظر:


Ofer Zwikael,” Al Qaeda’s Operations: Project Management Analysis,” ,” Studies in Conflict & Terrorism, Volume 30, Issue 3 ,2007, pp.267-280 ; Gaetano Joe Ilardi,” Al Qaeda’s Operational Intelligence- A key Prerequisite to Action,” Studies in Conflict & Terrorism, Volume 31 , Issue 12, ,2008, pp.1072- 1102.


15-  لقد فسَّر (Michael Freeman) صعود القاعدة بأربعة عوامل رئيسة، أولها: عسكري، يتمثل في الاحتلال الأميركي لبلد الحرمين الشريفين (خلال تسعينيات القرن العشرين) وبلدان عربية وإسلامية حسب رؤية القاعدة. وثانيها: ثقافي، يتمثل في زيادة مصادر التهديد التي تستهدف الإسلام والهوية الإسلامية. وثالثها: اقتصادي، يتمثل في فشل التنمية الاقتصادية. ورابعها: سياسي، يتمثل في التسلط وغياب الديمقراطية. لمزيد من التفاصيل، انظر:


Michael Freeman, Op.Cit., pp.45-53.


16 - لقد تجنب الباحث عمدًا استخدام مفهوم "الدولة الفاشلة" في توصيف الدول المذكورة نظرًا لما يرتبط به من تعقيدات نظرية وإجرائية. لمزيد من التفاصيل حول مفاهيم الدولة الفاشلة، والدولة الضعيفة، والدولة المنهارة، انظر على سبيل المثال:


Robert I. Rothberg ,” Failed States , Collapsed States , Weak States: Causes and Indicators ,” in: Robert I. Rothberg ,(ed.) , State Failure and State Weakness in a Time of Terror (Washington, D.C., Brookings Institution Press , 2003).,Chapter one.


17- لمزيد من التفاصيل حول الأوضاع في كل من اليمن والصومال وأفغانستان وباكستان، ومخاطر الدول الضعيفة والفاشلة على الأمن العالمي، انظر على سبيل المثال:


عبد الإله حيدر شائع، "تنظيم القاعدة في اليمن: من المحلي إلى الإقليمي والعالمي"، تقارير، مركز الجزيرة للدراسات، 21 يناير/كانون الثاني 2010.


Ray Takeyh and Nikolas Gvosdev,” Do Terrorist Networks Need a Home,” The Washington Quarterly ,Volume 25 , No.3 , Summer 2002, pp.97-108; Stewart Patrick,” Weak States and Global Threats: Facts or Fiction,” The Washington Quarterly, Vol.29, No.1(Spring 2006 ) ,PP. 27- 53; Rohan Gunaratna and Anders Nielsen,” Al-Qaeda in the Tribal Areas of Pakistan and Beyond,” Studies in Conflict & Terrorism, Volume 31 , Issue 9 , 2008, pp. 775- 807; Andrew Philips,” How Al-Qaeda Lost Iraq,” Australian Journal of International Affairs,Vol.63,No.1, March 2009, pp.64-84; J. Stephen Morrison, ”Somalia’s and Sudan’s Race to the Fore in Africa,” The Washington Quarterly,Vol.25,No.2,Spring 2002,pp.191-205; Christopher Boucek,” Yeman: Avoiding Downward Spiral,” Carnegie Papers ,Middle East Program, Carnegie Endowment for International Peace, Number 102 , September 2009; Jarret Brachman,” Al-Qaeda’s Changing Outlook in Pakistan,” CTC Sentinel, Vol.1, Issue 12, November 2008; C.Christine Fair,” Militant Recruitment in Pakistan: Implications for Al Qaeda and Other Organizations,” Studies in Conflict & Terrorism, Volume 27 , Issue 6 ,  2004, pp.489-504.


18- لمزيد من التفاصيل حول واقع التطور الديمقراطي والإصلاح السياسي في الوطن العربي، انظر:


Marina Ottaway and Julia Choucair ,(eds.), Beyond the Façade: Political Reform in the Arab world ( Washington ,DC: Carnegie Endowment for International Peace ,2008 ) ; Bary Rubin,” How the Arab Regimes Defeated the Liberalization Challenge ,” Middle East Review of International Affairs,VOl.11,No.3,September 2007, pp.89-105;Steven Heydemann,” Upgrading Authoritarianism in the Arab World,” Analysis paper, The Saban Center for Middle East policy , number 13, October 2007;


19 - لمزيد من التفاصيل حول أسباب رسوخ ظاهرة الاستبداد السياسي، وتعثر عملية التحول الديمقراطي في الوطن العربي، انظر:


على خليفة الكواري (محرر)، الاستبداد في نظم الحكم العربية المعاصرة (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، 2005).


Larry Diamond ,” Why Are There No Arab Democracies,” Journal of Democracy , Volume 21,Number 1, January 2010, pp.93-104; Burhan Ghalioun,” The Persistence of Ara Authoritarianism,” Journal  of Democracy, Volume 15, Number 4, October 2004,pp.126-132.


20- لمزيد من التفاصيل، انظر:


Transparency International , Global Corruption Report 2009: Corruption and the Private Sector , 2009 , pp.395-402.


21- لمزيد من التفاصيل، انظر:


مجموعة من المؤلفين، الفساد والحكم الصالح في البلاد العربية (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط2، 2006).


22- انظر على سبيل المثال:


United Nations Development  programme , Arab Human Development Report 2009: Challenges to Human Security in the Arab Countries , 2009


23- حول تحليل لنماذج من تبعية دول المنطقة للولايات المتحدة الأميركية وتداعيات ذلك، انظر:


على خليفة الكوارى،" مخاطر السياسة الأميركية وتحديات مواجهتها"، وجهات نظر، الجزيرة نت، 23 مارس/آذار 2010. 


24- حول صور وأشكال انتهاك حقوق الإنسان في الوطن العربي، انظر على سبيل المثال:


المنظمة العربية لحقوق الإنسان، حقوق الإنسان في الوطن العربي: تقرير المنظمة العربية لحقوق الإنسان عن حالة حقوق الإنسان في الوطن العربي – التقرير السنوي 2008-2009 (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، 2009).


25- لمزيد من التفاصيل حول سياسات الغطرسة الإسرائيلية، انظر:


جان بول شانيولو، "منطق القوة المفتقر إلى الفكر الإستراتيجي: إسرائيل المنطلقة إلى حروب لاتنتهى"، لوموند ديبلوماتيك – النشرة العربية، العدد الثامن والثلاثون، أبريل/نيسان 2010.


26- لمزيد من التفاصيل، انظر:


جريدة الحياة اللندنية (27 مارس/آذار2010 )


27- لمزيد من التفاصيل، انظر:


Bruce Riedel,” The return of the Knights: al-Qaeda and the Fruits of Middle East Disorder,” Survival,Vol.49. No.3, Autumn 2007, pp. 115-117.


28- لمزيد من التفاصيل حول رؤية الجنرال بترايوس، انظر:


www.Alquds.com/node/243057


29- لمزيد من التفاصيل حول موقع قضية الديمقراطية ضمن أولويات السياسة الأميركية في المنطقة، انظر:


مارينا أوتاوى، "ترقية الديمقراطية في الشرق الأوسط ليست طريقًا باتجاه واحد"، تحليل سياسي، مؤسسة كارنيغى للسلام الدولي، العدد 82، نوفمبر/تشرين الثاني 2009. 


Marina Ottaway , “ Democracy Promotion in the Middle East: Restoring  Credibility,” Policy Brief, Carnegie Endowment for International Peace, Number 60, May 2008 ; Marina Ottaway et als., The New Middle East (Washington ,DC: Carnegie Endowment for International Peace,2008), pp.37-38; Thomas Carothers and Marina Ottaway, Uncharted Journey: Promoting Democracy in the Middle East (Washington ,DC: Carnegie Endowment for International Peace,2005).


30- انظر على سبيل المثال:


نير روزن، "هذه الحرب العبثية التي دمرت العراق"، لوموند ديبلوماتيك – النشرة العربية، مارس/آذار 2010.


31- باتريك سيل، "حرب أوباما مع القاعدة على أربع جبهات"، الحياة اللندنية، 8 يناير/كانون الثاني 2010.


32- لمزيد من التفاصيل حول مصادر ومظاهر الكراهية في العلاقات العربية – الأميركية، انظر:


مجموعة من الباحثين، صناعة الكراهية في العلاقات العربية – الأميركية (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط3، 2007).


33- غراهام فولر، "بن لادن يوسع دائرة أعدائه"، الجزيرة.نت، 3 أكتوبر/تشرين الأول 2004. 


34- فرانسوا بورغا، مرجع سبق ذكره، ص. 14-15.


35- لمزيد من التفاصيل، انظر:


فواز جرجس، "أوباما والعالم العربي والإسلامي"، الجزيرة. نت، 17نوفمبر/تشرين الثاني 2008. قسم التحليلات، "أوباما وقضايا المسلمين...حصاد عام"، إسلام أون لاين. نت، 29، 30 ديسمبر/كانون الأول 2009 ؛ آلان غريش، "أميركا تتذمر وفرنسا تخضع: إسرائيل تدوس حلفاءها"، لوموند ديبلوماتيك – النشرة العربية، أبريل/نيسان 2010. 


36- انظر على سبيل المثال:


باتريك بورتر، "أفغانستان على خطى فيتنام"، لوموند ديبلوماتيك – النشرة العربية، نوفمبر/تشرين الأول 2009.


Gilles Dorronsoro, The Taliban’s Winning Strategy in Afghanistan (Washington ,DC: Carnegie Endowment for International Peace,2009).


37- لمزيد من التفاصيل حول بعض النقاط المذكورة، انظر على سبيل المثال:


د. محمد جابر الأنصاري، "مكافحة الإرهاب تبدأ بإنصاف المسلمين"، الخليج الإماراتية، 8 أبريل/نيسان 2010.


Jason Burke,” Think Again: Al Qaeda,” Foreign Policy , May / June 2004 , pp.18-26; Patrick Porter,” Long Wars and Long Telegrams: Containing Al-Qaeda,” International Affairs, Vol.85, No.2(2009), pp.285-305.


38- انظر: غلين غرينفالد "ديمقراطية بوجهين"، الخليج الإماراتية – الأسبوع السياسي، 11 مارس/آذار 2010.


39- لمزيد من التفاصيل، انظر:


Samuel P. Huntington, The Clash of Civilizations and the Remaking of the World Order ( Simon and Schuster , 1998); Mohamed M. Mostafa and Mohaned T. Al- Hamdi,” Political Islam , Clash of Civilizations , U.S. Dominance and Arab Support of Attacks on America: A Test of hierarchical Model ,” Studies in Conflict & Terrorism, Volume 3o , Issue 8 , 2007,pp.723-736.


40-انظر على سبيل المثال:


Juan Jose Escobar Stemmann,” Middle East Salafism’s Influence and the Radicalization of Muslim Communities in Europe,” The Middle East Review of International Affairs, Volume 10, No.3, September 2006; Bruce Hoffman,” The Global Terrorist Threat: Is Al-Qaeda on the Run or on the March,” Middle East Policy, Vol.XIV, No.2, Summer 2007,pp48-49.


عودة للصفحة الرئيسية للملف