ملخص ملف "القاعدة.. قراءة جديدة"

حاول هذا الملف أن يتعمق في فهم تنظيم القاعدة الذي أصبح حضوره واقعا ملموسا في العديد من بلدان العالم، وبالأخص في الرقعة العربية الإسلامية.








محمد عبد العاطي


حاول هذا الملف أن يتعمق في فهم تنظيم القاعدة الذي أصبح حضوره واقعا ملموسا في العديد من بلدان العالم، وبالأخص في الرقعة العربية الإسلامية. ويمكن تلخيص أبرز ما تناولته دراسات هذا الملف في النقاط التالية(1):


عوامل التغذية والبقاء


درست ورقة الباحث حسنين توفيق إبراهيم "القاعدة.. عوامل التغذية" أبرز العوامل التي تساعد تنظيم القاعدة ليس فقط على البقاء والاستمرار بل على الذيوع والانتشار، رغم الضربات العسكرية والأمنية التي توجه له، وخلصت الدراسة إلى أن هناك أربع مجموعات من العوامل:


أولاها: عوامل إقليمية ودولية، في مقدمتها السياسات الإسرائيلية في المنطقة، والسياسات الغربية وبخاصة الأميركية تجاه العالمين العربي والإسلامي، فضلاً عن تصاعد الحملات المضادة للإسلام في الغرب، وتراكم المشكلات التي تعاني منها الأقليات المسلمة في عديد من الدول الغربية. 


وثانيها: عوامل تتعلق بأيديولوجية التنظيم، وبنيته الشبكية، وإستراتيجياته الحركية، وبخاصة في أعقاب الإطاحة بنظام طالبان في أفغانستان عام 2001، حيث استطاع التنظيم التكيف مع المستجدات، والتحول إلى شبكة عابرة لحدود الدول. وقد استفاد كثيرًا من ثورة المعلومات والاتصالات في تأكيد حضوره على الصعيد العالمي.


وثالثها: عوامل تتصل بالأزمات البنيوية التي يعاني منها العالم العربي والإسلامي، ومنها على سبيل المثال: أزمة بناء الدولة الوطنية الحديثة، وأزمة الديمقراطية والحريات، وأزمة الهوية، فضلاً عن أزمات ومشكلات الفقر، والأمية، واستشراء الفساد، وغياب العدالة الاجتماعية، والتبعية للخارج، مع إخفاق النظم الحاكمة في العديد من الدول العربية والإسلامية في صيانة الاستقلال الوطني.


وبعد استعراض هذه المجموعات من العوامل خلصت الورقة إلى أن تنظيم القاعدة سيبقى حيا ونشطا على المديين القريب والمتوسط طالما بقيت هذه الأسباب المبررة لوجوده والمشجعة على استمراره. أما على المدى البعيد فإن الورقة خلصت إلى وجهة نظر مغايرة لذلك تماما مفادها أن هذا التنظيم لا مستقبل له، لأن منهجه العنفي ليس موضع قبول أو إجماع داخل الساحة الإسلامية، ومن ثم سيفقد مع الوقت الحاضنة الشعبية اللازمة لبقائه.


محددات التواجد والانتشار


وطالما أن هذا "المدى البعيد" الذي سبقت الإشارة إليه لم يأت بعد، فقد اجتهد الملف في الكشف عن العوامل التي يأخذها قادة تنظيم القاعدة في الحسبان في الوقت الراهن وهم يقررون البلد الذي يعطونه الأولوية في التواجد والانتشار، وقد خلصت الدراسة التي أعدها في هذا الشأن الباحث محمد ضريف "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب" إلى أن هذا التنظيم محكوم في اختياره لتلك الأماكن بجملة من المحددات يمكن اختزالها في ثلاثة عوامل أساسية:



  1. عامل أيديولوجي: يتمثل في انتشار أيديولوجيا السلفية الجهادية.
  2. عامل مؤسساتي: يرتبط بهشاشة الدولة وأجهزتها وضعف قدرتها على مراقبة مجالها.
  3. عامل تنظيمي: يكمن في وجود جماعات مسلحة تدفعها ظروف معينة إلى مبايعة تنظيم القاعدة.

غير أن هذه المعطيات المحددة لاختيار مكان العمل والانتشار، لا تفيد حتما تناميا في قوة تنظيم القاعدة, بل قد تنطوي على مكامن ضعف قاتلة. وهذا ما توصلت إليه "دراستي حالة" خصهما الملف بشيء من التحليل المعمق، الأولى تناولت –كما سبق الإشارة- "القاعدة في بلاد المغرب"، والثانية درست "القاعدة في بلاد الرافدين" للباحث رافد فاضل علي. وخلصت الدراستان بعد استقراء هاتين التجربتين إلى أنه بمجرد أن تستعيد "الدولة" المبادرة ولو بشكل نسبي ينعكس ذلك سلبا على فروع تنظيم القاعدة. كما خلصت كذلك إلى أن اعتماد القاعدة على جماعات اضطرتها الظروف لمبايعة هذا التنظيم لا يفيد كثيرا، لأن هذه الجماعات جاءته وهي تحتضر.


الوسائل والآليات: الإعلام نموذجا


وفي معرض بحثه وتتبعه للوسائل والآليات التي يعتمد عليها تنظيم القاعدة في إيصال رسالته واستقطاب كوادره أبرز الملف دور الإعلام كأحد "الأسلحة" المهمة التي يستخدمها هذا التنظيم. وقد استعرضت دراسة الباحث حسن أبو هنيه "تنظيم القاعدة والجهاد الإلكتروني" وسائل الإعلام التابعة له وتحليل مضمون بعضها لا سيما الإليكترونية منها وخلصت هذه الدراسة إلى أن شبكة الإنترنت وفرت إمكانات كبيرة لنمو التنظيم وانتشاره، ومن ثم "عولمة الجهاد".


وخلصت كذلك إلى أن عالم الإنترنت أحدث تحولات عميقة في بناء تنظيم القاعدة و"جاذبيته" الأيديولوجية والخطابية وقدرته على إيجاد نماذج مبتكرة قادرة على التجدد والتخفي وابتداع طرق وممارسات هجومية دقيقة وقوية.


وأرجعت الدراسة أحد أسباب ذلك التحول إلى ما يمثله الإنترنت من "سلاح جديد" بالنسبة للأجهزة الأمنية التي اعتادت في السنوات الماضية أن تواجه أعداءها والمطلوبين لديها ممن يستخدمون وسائل وأسلحة تقليدية، أما في "حالة القاعدة" فإن وجه الصعوبة بالنسبة للأجهزة الأمنية يتمثل في أنها تتعامل مع عدو غير محدد وواضح، ومن ذلك أن الكثير من أتباعه، وخصوصا في قطاعات الشباب الغاضب، قد لا يكونون بالضرورة منتظمين في هيكل تنظيمي محدد ولهم وجود جغرافي يمكن الوصول إليه وإنما هم أفراد يمكن تسميتهم بـ "الخلايا النائمة" يتواصلون فيما بينهم عبر العالم الافتراضي.


وأوضحت الدراسة مدى خطورة هذا السلاح بيد القاعدة من خلال إلقاء الضوء على ثلاثة نماذج لعب عالم الإنترنت هذا العام (2010) دورا رئيسا في تجنيدهم وإرشادهم لتنفيذ بعض العمليات الخطيرة؛ ومن هؤلاء الرائد في الجيش الأميركي نضال حسن الذي نفذ عملية ضد زملائه في إحدى القواعد العسكرية على الأراضي الأميركية، وعمر الفاروق الذي كاد ينجح في تفجير إحدى الطائرات المدنية الأميركية، وهمام البلوي الذي خدع أجهزة الاستخبارات الأردنية والأميركية وقام بعملية داخل إحدى القواعد العسكرية الأمريكية في أفغانستان قتلت 7 من عملاء وكالة الاستخبارات الأميركية فضلا عن ضابط استخبارات أردني رفيع المستوى. وكان القاسم المشترك بين هذه العمليات الخطيرة –كما قرأتها الدراسة- أنها كشفت عن عمليات خداع كبيرة يقودها جهاديو العالم الافتراضي، حملت الأجهزة الاستخبارية على إعادة النظر في موضوع تجنيد العملاء وكشفت عن التحولات العميقة في طبيعة المعركة وبنية الجهاد القاعدي الافتراضي.


حجم الخطورة


بعد استعراض عوامل التغذية وأسباب البقاء، ومحددات الذيوع والانتشار وإلقاء الضوء على الوسائل والآليات، انتقل الملف لـ "قياس مدى خطورة تنظيم القاعدة" بعيدا عن "التهويل أو التهوين"، فخصص ورقة للحديث عن هذا الأمر أعدها الباحث محمد أبو رمان حملت عنوان "تنظيم القاعدة.. خطر مضخم" انطلقت من حقائق موضوعية وليس تأسيسا على قراءات ذات أجندات أو خلفيات أيديولوجية مسبقة.


وفي هذا الصدد خلصت الدراسة إلى أنه، وعلى الرغم من الإقرار بخطورة تنظيم القاعدة إلا أن نسبة هذه الخطورة على أمن الدول وسلامة المجتمعات مقارنة مع غيرها من المهددات فيها شيء من التهويل. وللتأكد من مدى صلابة هذه النتيجة الملف فقد أجرى الباحث على سبيل المثال عددا من المقارنات، كان أبرزها في الولايات المتّحدة الأميركية، وتبين له بعد إجراء مقارنة بسيطة بين خطر القاعدة والأسلحة المتداولة بين الناس والجرائم الاجتماعية التي تعصف ببنية المجتمع أن الكفة تميل لتلك المشكلات أمنياً واجتماعياً وسياسياً، سواء من جهة عدد الضحايا أومن جهة درجة الخطورة والنتائج المترتبة عن هذه الجرائم. وفي العالم العربي، بدت المقارنة أوسع وأوضح، فخطورة القاعدة أمنياً لا تقدّر بحوادث السير وانتشار المخدّرات وانهيار الطبقة الوسطى والأزمات الاجتماعية المختلفة، بل إن ضحايا حوادث السير وحدها، كما أشارت الدراسة، أضعاف ضحايا القاعدة.


الأسس الفكرية


وفي محاولة لفهم الأسس الفكرية والخلفيات المعرفية التي يعتنقها تنظيم القاعدة، ووفق ما جاء في ورقة الباحث الدكتور أكرم حجازي فإن تنظيم القاعدة هو أحد تجليات التيار السلفي الجهادي، القائم على طلب التغيير بقوة السلاح، والذي "يرفع شعار "الدم الدم والهدم الهدم" لكل الأبنية القائمة بوصفها نماذج غير شرعية وفق اعتقاده، فضلا عن أنها لا تصلح أدوات عمل لا للتوحد ولا للتفاهم ولا المشاركة سواء بين القوى الإسلامية ذاتها أو بين هذه والقوى العلمانية".(2)


وتشير الورقة إلى أن أتباع هذا التنظيم يؤمنون بأن الصراع مع "طواغيت العرب والعجم" وفقا للمنظور السلفي الجهادي لا ينفع معه إلا "التقويض والهدم على المستوى المحلي، ونقل المعركة على المستوى الخارجي من الهامش إلى المركز بخلفية ما أسماه هذا التيار اليوم نغزوهم ولا يغزوننا".(3) ويؤكد الباحث أن أنصار هذا التنظيم ينظرون إلى أنفسهم على أنهم حملة لواء "التوحيد" وأن سبيلهم في جعل هذا التوحيد خالصا ونقيا من كل شائبة هو تمسكهم بمعيار "الولاء والبراء"، وأن هذا المعيار يحتم عليهم المفاصلة بينهم وبين العقائد والمذاهب والأيديولجيات الوضعية، وعدم القبول بما يمكن أن يسمى تكاملا في العمل أو في الآليات أو حتى التقاطع في المصالح مع غيرهم من الدول أو الأحزاب والجماعات ولا مشاركتها في الأهداف.(4) وعلى هذه الأرضية وانطلاقا منها، "فليس غريبا أن يبدو التيار في واد وكافة البنى السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية الراهنة في واد آخر، ابتداء من "الأعداء العقديين" مرورا بالدول والجماعات والأحزاب والمنظمات وانتهاء بالنظم والشرائع والرؤى والفلسفات.(5) 


وتأكيدا لأهمية المنهج الوصفي في الفهم الدقيق لتنظيم القاعدة قدم الملف عرضا موضوعيا لاثنين من أبرز كتب هذا التنظيم التي تُدرَّس في بعض الحلقات التربوية لأتباعه، وهما كتابي "الجهاد والاجتهاد: تأملات في المنهج" لعمر بن محمود المعروف بـ "أبو قتادة الفلسطيني"، وقداستعرضه الباحث عامر الحافي، وكتاب "إدارة التوحش: أخطر مرحلة تمر بها الأمة" لأبو بكر ناجي، وقام باستعراضه الباحث جمال الشلبي.


ووفق ما جاء في هذين الكتابين كما استعرضهما الباحثان المذكوران، فيمكن القول بأن قادة هذا التنظيم وكوادره يؤمنون بعدم جواز إصباغ الشرعية على "واقع الاستضعاف الذي تعيشه الأمة"، وأنه من الواجب التمرد عليه والسعي إلى تقويضه عبر آليات جهادية قتالية.


وقد أضحى تنظيم القاعدة يتبنى إستراتيجية ما أسماه بـ "قتال العدو البعيد" المتمثل في المقام الأول بالولايات المتحدة وبعض حلفائها، عوضا عن "قتالة العدو القريب" المراد به الأنظمة العربية والإسلامية وهي تلك الإستراتيجية التي كان يتبعها من قبل، واصطدمت بصعوبات كبيرة وحالة قمع واسعة من طرف بعض أنظمة المنطقة.


والدول العربية والإسلامية في نظر القاعدة "بلاد ردة"، أما الدول الغربية فهي "بلاد كفر". والأنظمة السياسية الحاكمة في البلدان العربية والإسلامية هي أنظمة "كافرة ومرتدة" يجب قتالها للقضاء عليها ومن ثم تأسيس "دولة إسلامية" وهي مرحلة تسبق إقامة "الخلافة الإسلامية".  


ومن نافلة القول أن القاعدة لا تؤمن بمصطلحات الديمقراطية والتعددية الحزبية وما إلى ذلك. فالديمقراطية في اعتقادها "كفر" لأنها تمنح البشر صلاحية "التشريع" التي هي لله حصرا. والأحزاب يتحتم عليها للحصول على ترخيص بالعمل السياسي الاعتراف بدساتير الدول التي تعمل فيها وهي دساتير في نظر القاعدة "كفرية". 


التطبيقات العملية


ولكي تطبق القاعدة "الإستراتيجية الجهادية" الساعية إلى "هدم" كل ما هو قائم فإنها تعتقد (وفق عرض كتاب إدارة التوحش سابق الذكر) أن ذلك يلزمه بناء جيل من "الشباب الجهادي"، كما يلزمه كذلك الاشتغال على مرحلتين مترابطتين؛ الأولى يطلق عليها مرحلة "شوكة النكاية والإنهاك"، بينما أطلقت على الثانية مسمى مرحلة "إدارة التوحش" (إدارة الفوضى).


والهدف الذي يريد تنظيم القاعدة تحقيقه في المرحلة الأولى (الحالية) المسماة مرحلة الشوكة والنكاية، هو إنهاك العدو والنكاية به عبر عمليات متصاعدة حتى ولو كانت صغيرة، لكن تراكمها في نظر القاعدة من شأنه أن يحقق لها أربعة أهداف:



  1. إنهاك العدو والأنظمة "العميلة" له واستنزاف قدراته.
  2. جذب شباب جدد لساحة العمل "الجهادي".
  3. إخراج المناطق المختارة في الدول "الهشة القابلة للانهيار" من سيطرة الأنظمة الحاكمة والعمل على "إدارة التوحش" (حالة الفوضى) التي ستحدث فيها.
  4. الارتقاء بقدرات أفراد مجموعات النكاية ليكونوا مهيئين نفسياً وعملياً لمرحلة "إدارة التوحش" التي تعتقد القاعدة أن الأمة مقبلة عليها.

وفي سبيل ذلك توصي القاعدة أتباعها بعدة وصايا منها:



  • إتقان الإدارة.
  • اعتماد القواعد العسكرية المجربة.
  • العمل دون كلل على تصاعد العمليات العسكرية.
  • الضرب بأقصى قوة في أضعف نقاط العدو.
  • اعتماد الشدة واتباع سياسة تقنع العدو بأنه لن يفلت من أي فعل يقوم به دون "دفع الثمن".
  • فهم بواعث الفكر والسلوك السياسي سواء للأعداء أو المجاورين (المقصود بالمجاورين الحركات الإسلامية الأخرى).
  • فهم السياسة الإعلامية للعدو والرد عليها.

وتعترف القاعدة بأن هذه الإستراتيجية وتلك الخطط يعترضها العديد من التحديات والمشكلات، من أبرزها:



  1. مشكلة تناقص العناصر "المؤمنة".
  2. نقص الكوادر الإدارية.
  3. مشكلة الولاء القديم لعناصر الإدارة (عناصر كانوا منتمين تنظيميا في السابق لجماعات إسلامية أخرى).
  4. مشكلة الاختراق الأمني والجواسيس.
  5. مشكلة التفلت أو الانقلاب (الانشقاق) من بعض الأفراد أو المجموعات.
  6. مشكلة التحمس الزائد عن الحد وملحقاتها لدى بعض المجاهدين.

وكان لافتا أثناء القراءة المعمقة لتنظيم القاعدة ما أحدثه هذا الفصيل الإسلامي من تحولات في الخطاب السلفي، فألقى الملف ضوءا مكثفا على هذه الزاوية لتقدير مدى خطورتها وتداعياتها المستقبلية.


وخلصت دراسة الباحث مروان شحادة "التحولات التي أحدثها تنظيم القاعدة في الخطاب السلفي" إلى أن هذا التنظيم قام بالفعل بإحداث تحول أو تغيير في الخطاب السلفي، وظهر ذلك جلياً حينما انتقل قادته ومنظروه بمستوى الخطاب من مسار الحركة الإصلاحية التي اعتمدت الوسائل السلمية في التغيير، إلى تبني الوسائل العنيفة التي تستند إلى مفهوم الجهاد.


غير أن من الجدير ذكره في هذا الصدد أن القاعدة قد تجد من الرأي العام العربي والإسلامي بعض التعاطف في حربها ضد الولايات المتحدة (العدو البعيد) كما في العراق وأفغانستان، لكن شرائح واسعة من هذا الرأي العام نفسه تقف موقف المعارض من تنظيم القاعدة في حربها للحكومات والأنظمة (العدو القريب) وتعتبر ذلك خروجا على المجتمع.


المراجعات


لم تكن الضربات العسكرية والأمنية وحدها الأكثر إيلاما فيما تعرضت له القاعدة، بل يمكن القول بأن "المراجعات الفكرية" وما بات يعرف بـ "النصائح والمؤاخذات" التي أعلنها بعض أبرز منظري التيار السلفي الجهادي كالشيخ سيد إمام شريف المشهور حركيا بالدكتور فضل والشيخ أبو محمد المقدسي مثلت هزات عنيفة للأسس الفكرية لتنظيم القاعدة واستنفرت قيادات هذا القاعدة التي انبرت للرد عليها حفاظا على تماسك التنظيم واستمراريته.


وقد توسعت الدراسة التي أعدها الباحث هاني نسيره "المراجعات وأثرها على البنية الفكرية والتنظيمية للقاعدة" في إلقاء الضوء على "الإستراتيجية" التي اتبعتها القاعدة للتعامل مع هذه الهزات الفكرية (المراجعات)، وخلصت إلى أن هذا التنظيم اعتمد في بنائه لهذه الإستراتيجية على المبادئ والنقاط التالية:



  • حصر الموقف من الجهاد بـ "شيوخ الجهاد في الميدان" وليس سواهم.
  • ربط المراجعات النقدية والانتقادات الموجهة إلى القاعدة بـ "الأهداف الأميركية" ضمن سياق الحرب على "الإرهاب".
  • إبراز جيل جديد من المنظرين من الجيل الثاني ونشر كتاباتهم.
  • تجاهل انتقادات الدكتور فضل أو الجماعة الإسلامية في مصر مما يوحي بعدم أهميتها.
  • الحضور الإعلامي المتكرر والمستمر لأيمن الظواهري كمنظر للتنظيم وكذلك لبعض الوجوه الجديدة في أفغانستان أو اليمن أو غيرهما، مما يتيح الشحن العاطفي والفكري المستمر للأنصار.

وانتهت دراسة "تأثير" هذه المراجعات على البناء الفكري لتنظيم القاعدة إلى نتيجة مفادها أن هذه المراجعات لن تكون سببا في تقويض بنيان هذا التنظيم، لأن كثيرا منها اصطبغ بالطابع "السجالي الاعتذاري التصحيحي" ولم ينطلق من قاعدة نقض البنيان الكلي للتيار السلفي الجهادي الذي يتغذى من الضغوط الخارجية والمشكلات الداخلية كما سبقت الإشارة إلى ذلك.


المستقبل


في الختام حاول الملف استشراف مستقبل تنظيم القاعدة، وخلصت الدراسة التي أعدها الباحث بشير موسى نافع "القاعدة.. تنظيم لا مستقبل له" إلى أن هذا التنظيم سيظل قائما على المديين القريب والمتوسط، وستتحكم في وتيرة عملياته وخطورتها كيفية تعامل القوى الكبرى وحلفائها من أنظمة البلدان العربية والإسلامية التي ينشط فيها التنظيم، مع الأسباب والمبررات التي كانت سببا ليس فقط في بروز هذا التنظيم على وجه التحديد ولكن هو وغيره من الجماعات العنفية الأخرى. وبعبارة أخرى يمكن القول بأنه إذا ما استمرت القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة في تأييدها لإسرائيل دون اعتبار للحقوق العربية المشروعة، وإذا ما بقي العالم العربي والإسلامي يعاني الاستبداد والفساد وغياب الديمقراطية والتضييق على الحريات العامة والفشل في المشاريع التنموية، فإن القاعدة ستبقى حاضرة، وربما ستزداد خطورة على المدى المتوسط على الأقل. أما على المدى البعيد، وعلى افتراض زوال أسباب ومبررات وجود مثل هذا التنظيم السابق ذكرها، فإن الدراسة خلصت إلى أن تنظيم القاعدة، شأنه في ذلك شأن جل التنظيمات العنفية، سيتراجع، بحكم أن الحاضنة الشعبية أو المزاج الشعبي العام لا يميل إلى التعايش مع هذه الظاهرة، كما أنه يمكن القول إجمالا بأنه لا يمكن تأسيس حياة مدنية مستقرة أو انتظار حالة حضارية مبدعة ونشطة في ظل مثل هذا المسار الفكري والنهج السلوكي القائم على العنف والمواجهات الصاخبة التي لا تنتهي.


________________


مركز الجزيرة للدراسات، محرر الملف.


1- اعتمد محرر الملف في إعداد هذا الملخص على الأوراق المنشورة في الملف فضلا عن ورقة تأطيرية كان قد أعدها خصيصا لمركز الجزيرة للدراسات في مارس 2010 الباحث الدكتور أكرم حجازي بعنوان "ملاحظات منهجية في قراءة السلفية الجهادية".


2- أكرم حجازي، ملاحظات منهجية في قراءة "السلفية الجهادية"، دراسة مقدمة إلى مركز الجزيرة للدراسات، مارس 2010، ص 6.


3- المرجع السابق، ص 6.


4- المرجع السابق، ص 6.


5- المرجع السابق، ص 8.


عودة للصفحة الرئيسية للملف