تحاول إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تبنِّي نهج إقليمي في حل المشكلة الأفغانية، ومن هذا المنطلق فإنها تتعاون مع الهند وباكستان وإيران رغم ما بينها وبين هذه الدول -وبخاصة إيران- من خلافات.
التطور التاريخي للعلاقات الهندية الإيرانية
الثورة الإيرانية والغزو السوفيتي لأفغانستان
بعد الحرب الباردة
بعد أحداث سبتمبر
السيناريوهات المستقبلية
ومن الإشارات الرسمية الأميركية الداعية والكاشفة في الوقت ذاته عن هذا التعاون تلك المقابلة التي أجرتها محطة بي بي سي في 18 فبراير 2010 في العاصمة الأفغانية كابول مع ريتشارد هولبروك، مبعوث الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى أفغانستان وباكستان؛ حيث أقرَّ هولبروك في تلك المقابلة صراحةً أن تحسن الوضع في أفغانستان رهين بالدور الباكستاني معتبرا أن "لباكستان نفوذا في هذه المنطقة كما أن لها حقوقا أمنية مشروعة"(1).
ولعل ما ذهب إليه هولبروك ينطبق بالمثل على عدد من الدول في الإقليم وفي مقدمتها إيران؛ فعلى الرغم من أن العلاقة بين إيران والولايات المتحدة تتسم بالتوتر إلا أن طهران يمكن أن تصبح جزءا من حل المعضلة الأفغانية(2). وقبل هذه المقابلة بأيام كان روبرت جيتس وزير الدفاع الأميركي قد صرَّح خلال زيارته للهند بأن "ما تقدمه الهند من دعم ومساندة كبرى في أفغانستان جدير بالإشادة والتميز" (3).
وعلى الرغم أيضا من الصراع الدائر بين الهند وباكستان، واستمرار التوتر بين إيران والولايات المتحدة؛ فإن مثل هذه التصريحات تعكس من زاويةٍ حقيقةَ الضغط الداخلي والخارجي الذي تواجهه الولايات المتحدة للتعجيل بخروجها من أفغانستان. ومن زاوية أخرى فإن هذه التصريحات تعكس الفكرة التي انبثقت من مؤتمر لندن الذي عقد في 28 يناير/كانون الثاني 2010 والذي تم التأكيد فيه على ضرورة تبنِّي نهج إقليمي في حل النزاعات بين دول الجوار.
إضافة إلى الروابط التاريخية والعرقية والدينية والاجتماعية والاقتصادية، تشترك أفغانستان مع باكستان وإيران في حدود مشتركة. وبناء على هذا فمن غير المنطقي التفكير في أية أدوار فاعلة في أفغانستان دون الأخذ في الاعتبار إسهام هذه الدول في التسوية المستقبلية لأفغانستان |
وإضافة إلى الروابط التاريخية والعرقية والدينية والاجتماعية والاقتصادية، تشترك أفغانستان مع باكستان في حدود يبلغ طولها 2430 كم، ومع إيران بحدود يبلغ امتدادها 936 كم. وبناء على هذا فمن غير المنطقي التفكير في أية أدوار فاعلة في أفغانستان دون الأخذ في الاعتبار إسهام هذه الدول في التسوية المستقبلية لأفغانستان.
ورغم أن الهند ليس لها تماس مباشر أو حدود مشتركة مع أفغانستان، إلا أنها تعتبر أفغانستان إحدى دول الجوار خاصة في ظل سياسة "الحدود الممتدة" التي تأخذها الهند بعين الاعتبار والتي تضم الدوائر المحيطة بها كمضيق هرمز والخليج العربي غربا ومضيق مالاقا وبحر الصين الجنوبي شرقا، وآسيا الوسطى شمالا والقارة القطبية الجنوبية جنوبا.(4)
وكامتداد لهذه السياسة يُعتقد أن للهند دورا طبيعيا في صياغة ترتيبات الأمن الإقليمي بحثا عن حماية منطقية لمصالحها. وفضلا عن المطالب الهندية بهذا الدور في أفغانستان؛ فإن الولايات المتحدة -آخذة في الاعتبار علاقتها المتوترة مع إيران، وتزايد انتقاد الرأي العام لسياستها في باكستان- تشعر أنه من الضروري السماح للهند، حليفها الاستراتيجي في المنطقة، بأن تضطلع بالدور الأكبر في أفغانستان.
وعلى هذا النحو يبدو أن الفترة المقبلة -مع نوايا الولايات المتحدة وحلف الناتو في الانسحاب من أفغانستان- ستشهد سعيا هنديا وإيرانيا وباكستانيا للعب دور أكبر في أفغانستان من أجل استبدال النظام القديم، كما ستشهد الأيام المقبلة سعي المجتمع الدولي لصياغة أدوار محورية لتلك الدول الثلاثة في أفغانستان.
ولعل ما أعربت عنه الهند فجأة في 4 فبراير/ شباط 2010 (5) من استعدادها استئناف الحوار مع باكستان، رغم الآلام التي عانت منها بعد هجمات مومباي، يعبر عن إدراكها أن لباكستان دورا لا يمكن تجاهله في أفغانستان. ويحيط بهذه الخطوة عدة تساؤلات في مقدمتها مدى إمكانية نجاح الحوار الهندي الباكستاني في ظل تباعد مواقف الطرفين في عديد من القضايا الأمنية.
ورغم أن الاتفاق والتعاون الأمني بين إيران وباكستان أمر لا مفر منه إلا أن علاقة الطرفين تتسم بالتوتر، ومما يُسهِم في ذلك ما يثار عن تورط بعض مجموعات وافدة من الجانب الباكستاني تنتهج العنف في إقليم بالوشستان الإيراني فضلا عن اقتراب هذه المجموعات من أفغانستان.
وعلى خلاف العلاقة بين الهند وإيران؛ فإن العلاقة بين إيران وباكستان -رغم بعض التوتر- نمت بشكل واضح خلال السنوات الأخيرة، وجمعت بينهما وجهات نظر متناسقة بخصوص الأمن الإقليمي، لاسيما في أفغانستان.
وبناء على هذه الخلفية، تحاول الورقة التي بين أيدينا تقديم تحليل للحراك الأمني الإقليمي في ضوء العلاقات الهندية الإيرانية من زاوية تغير الوضع في أفغانستان وتأثيره على كل من باكستان وأفغانستان.
التطور التاريخي للعلاقات الهندية الإيرانية
رغم أن الهند وإيران لا تجمعهما حدود مشتركة، إلا أنهما يقعان في نفس الإقليم ويمتلكان تراث اثنتين من أقدم الحضارات الإنسانية، كما أن علاقاتهما ظلت محورية وذات طبيعة جوهرية في معظم الأحوال؛ فمنذ عصور قديمة تعود إلى زمن طريق الحرير احتفظت الدولتان بعلاقات تجارية وثيقة. وحين كانت اللغة الفارسية هي اللغة الرسمية للهند خلال دولة الموغال الإسلامية كان تأثر المعارف الحياتية الهندية بالحضارة الفارسية -وبصفة خاصة في المجالات الاجتماعية والثقافية- بالغ الوضوح. ونظرا لكون نسبة معتبرة من مسلمي شبه القارة الهندية من الشيعة؛ فإن هذه التأثيرات قد امتدت إلى الأبعاد الدينية.
ولكن مع الحكم البريطاني للهند ونهاية دولة الموغال تعرض التراث الإيراني في الهند للتراجع وخاصة على المستويين: الاجتماعي والثقافي، خاصة حين تم إحلال اللغة الإنجليزية محل الفارسية لتصبح اللغة الرسمية للبلاد.
ولم تشهد العلاقات الإيرانية الهندية تطورا ملحوظا في السنوات التي تلت استقلال الهند عن بريطانيا، ولعل السبب الرئيسي في ذلك يعود إلى وجود الدولتين في معسكرين مختلفين خلال حقبة الحرب الباردة؛ مما دفع كلتيهما لاتخاذ مواقف متضادة في القضايا الدولية.
فرغم أن الحكم البريطاني للهند قد انتهى عام 1947، إلا أن تأسيس علاقات دبلوماسية بين الهند وإيران لم يبدأ سوى في عام 1950 (6).
رغم أن الهند ليس لها حدود مشتركة مع أفغانستان، إلا أنها تعتبر أفغانستان إحدى دول الجوار خاصة في ظل سياسة "الحدود الممتدة" التي تأخذها الهند بعين الاعتبار والتي تضم الدوائر المحيطة بها كمضيق هرمز والخليج العربي غربا ومضيق مالاقا وبحر الصين الجنوبي شرقا، وآسيا الوسطى شمالا والقارة القطبية الجنوبية جنوبا |
في المقابل كانت إيران أول من اعترف باستقلال باكستان وعقدت معها علاقات دبلوماسية في 1948. ووقعت إيران وباكستان معاهدة صداقة حين قام شاه إيران بزيارة باكستان في 1949.
كما اصطفت إيران خلال الحرب الباردة -وحين كانت إيران تحت حكم رضا شاه بهلوي- مع الولايات المتحدة درءا لخطر تسلل الشيوعية إلى أراضيها، كما انضمت إلى "حلف بغداد" الذي انضمت إليه باكستان أيضا ولكن بمبرر مختلف؛ ذلك أن إسلام أباد رأت في الحلف فرصة لدعم عسكري أمام هجوم محتمل من الهند، كما كان العراق وتركيا والمملكة المتحدة أعضاء في ذلك الحلف.
بينما على الجانب الآخر عارضت الهند سياسة الأحلاف، واعتبر رئيس وزرائها آنذاك جواهر لال نهرو حلف بغداد نهجا خطيرا يهدد العلاقات الدولية؛ فعمل على تأسيس سياسة مغايرة عُرفت باسم حركة عدم الانحياز.
وخلال فترة الحرب الباردة احتفظت إيران وباكستان بعلاقات طيبة نظرا لأن كل منهما كان واقعا في دائرة نفوذ الولايات المتحدة. وفي حقيقة الأمر كانت إيران الشاه أكبر لاعب يرعى المصالح الأمريكية في المنطقة، وبالتالي أصبحت باكستان -الواقعة في نفس المعسكر- حليفا مقرَّبا لإيران.
كما وقفت إيران إلى جانب باكستان خلال الحرب الهندية الباكستانية، وقدمت لها دعما ماديا ودبلوماسيا(7). في الوقت الذي كانت الهند فيه، وهي اللاعب الرئيسي في حركة عدم الانحياز، تميل تجاه الاتحاد السوفيتي بل ودخلت معه في تحالفات دفاعية (8).
وأدى تطور الأوضاع خلال فترة الحرب الباردة إلى تقارب الهند وأفغانستان معا؛ وذلك لأن أفغانستان كانت واقعة أيضا ضمن مجال النفوذ السوفيتي، وكانت الدولتان (الهند وأفغانستان) تحتفظان بعلاقات محورية متقاربة.
وعلى أية حال فإنه في الوقت الذي كانت الهند قادرة فيه على ممارسة تأثير على كابول، كانت العلاقات الأفغانية الهندية إيجابية، ولم تقلق هذه العلاقات باكستان، حتى في أشد اللحظات الحرجة إبان الحروب الهندية الباكستانية في 1965 و 1971، ولم تواجه باكستان أي مصدر من مصادر التوتر والقلق من جبهتها الغربية. ورغم هذا لم يكن هناك نزاع مباشر بين إيران والهند خلال تلك السنوات، بل شهدت العلاقات بين الدولتين نموا مستقرا خلال ستينيات وسبعينيات القرن العشرين.
الثورة الإيرانية والغزو السوفيتي لأفغانستان
غيرت الثورة الإيرانية في عام 1979 من السيناريو القائم على حقيقة أن إيران كانت حليفا لواشنطن؛ فتحولت إلى أكبر متَحَدٍّ لمصالح الولايات المتحدة في الإقليم. وفي خلال الحراك الذي شهدته فترة الحرب الباردة، كان التحدي الذي مثلته إيران للولايات المتحدة فرصة رحبت بها الهند؛ فقد أثنت الهند على الثورة الإيرانية واعتبرتها دليلا على تأكيد الهوية القومية، وعلامة على رفض الانضواء في معية قوة عظمى خارجية (10)؛ ومن ثَمَّ بدا أن الفرصة أصبحت سانحة لتشكيل تحالف مواجه للولايات المتحدة في الإقليم. فبحسب معايير الحرب الباردة كان ذلك نجاحا للسوفيت الذين وجدوا أن العناصر المناوئة للولايات المتحدة في الإقليم في ازدياد، خاصة في ظل تحالفهم مع الهند، القوة الكبرى في تلك المنطقة. وبينما رفع قادة الثورة الإيرانية شعار "لسنا مع الشرق ولا مع الغرب" وقع على الجانب الآخر سيناريو مختلف في المنطقة خاصة في أفغانستان التي شهدت غزوا سوفيتيا.
كان الغزو السوفيتي لأفغانستان قد أدى إلى مواجهة بين القوى الإقليمية والدولية بطريقة بقيت آثارها حتى بعد مرور ثلاثة عقود من ذلك الحدث، ويبدو أنها ستستمر لوقت طويل آخر في المستقبل. فخلال الاحتلال السوفيتي (1979-1990) لجأ ملايين الأفغان إلى إيران وباكستان. وكما قدمت كلتا الدولتين دعما لشؤون اللاجئين قدمت في نفس الوقت دعما للقوات المقاوِمة لحكومة كابول المدعومة من قبل السوفيت؛ ومن هنا ففي المناطق التي كانت قريبة من الحدود الإيرانية(11) حظيت طهران بتأثير واسع ودعم شعبي.
وبحكم الروابط التاريخية والقبلية والاجتماعية والاقتصادية التي جمعت السكان عبر الحدود الأفغانية والباكستانية، إضافة إلى الرؤية القائلة بأنه من منظور الأمن الإقليمي الباكستاني فإن أفغانستان كانت تقدم العمق الاستراتيجي الأمني المطلوب، فإن موقف باكستان تجاه الأحداث في أفغانستان كان أمرا طبيعيا ومفهوما.
فقد كانت إسلام أباد متشوقة لرؤية حكومة صديقة ومتحالفة معها في كابول بعد إتمام الانسحاب السوفيتي، وهو ما كان يعني الحد من النفوذ الهندي وزيادة النفوذ الباكستاني في الإقليم. وكنتيجة لذلك كانت أفغانستان على وجه الخصوص مسرحا لشكل من أشكال الحرب بالوكالة، تلك الحرب التي اشترك فيها عديد من الفرق والطوائف الأفغانية المحلية، لكن في واقع الأمر كانت الحرب بالوكالة مشتعلة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. أما الأطراف الإقليمية مثل إيران والهند وباكستان فقد انشغل كل منها بتحقيق مصالحه الإستراتيجية.
أما على الجانب الهندي فقد كانت الهند مهتمة بمراقبة ما تقدمه باكستان من دعم للقوى التي كانت تقاوم الغزو السوفيتي، كما كانت الهند -بحكم تقاربها مع حكومة كابول المدعومة من السوفيت- قد وجدت الفرصة سانحة، واستغلتها كاملة (12)، لممارسة نفوذها على كابول والمناطق المجاورة.
تغيرت سيناريوهات الأحداث من جديد في عام 1990، وذلك مع انسحاب القوات السوفيتية من أفغانستان، وما تلا ذلك من تفكك الاتحاد السوفيتي؛ فقد شهدت أفغانستان انقسامات جديدة وانشقاقات بين مجموعات المقاومة، كما طفت على السطح فرص جديدة في الدول المستقلة عن الاتحاد السوفيتي السابق في آسيا الوسطى والتي زادت من مقدار وحجم التأثير والنفوذ الذي سعت الأطراف الإقليمية لممارسته في أفغانستان.
وبينما وقع افتراق في المصالح بين كل من باكستان وإيران حول الأوضاع في أفغانستان، سعت كل من الهند وإيران إلى تحقيق مصالح متشابهة في أفغانستان؛ فقد كانت الهند وإيران تتمتعان بعلاقات جيدة مع "تحالف الشمال" الأفغاني الذي جمع في معظمه الشيعة المناصرين لإيران، والقبائل غير البشتونية من الطاجيك والأوزبك والهزارا وغيرهم، فضلا عن جماعات مدعومة من السوفيت سابقا (13).
كان صعود طالبان -مدعومة من قِبل باكستان والمملكة العربية السعودية- سببا في تعميق الانقسام الإقليمي، خاصة لكل من إيران والهند، ولكن لأسباب متباينة؛ فإيران كانت قلقة بشأن الدعم "السني" العربي لطالبان في أفغانستان، بينما كانت الهند قلقة من تزايد نفوذ باكستان في أفغانستان، واعتبرت ازدياد ذلك النفوذ تطورا سلبيا للأوضاع على حساب مصالحها في الإقليم.
وفي ذات الوقت أدت مجموعة من العوامل إلى نمو متزايد في العلاقات الهندية الإيرانية خلال عقد التسعينيات. فقد أقامت روسيا والهند وإيران معا مجموعة من المشروعات (14) من أجل دعم علاقاتهم التجارية؛ وذلك من خلال مد شبكة من البِنى الأساسية تسهل عمليات انتقال السلع والبضائع إلى آسيا الوسطى وروسيا عبر إيران وأفغانستان.
وفي أعقاب ازدياد ضغوط الولايات المتحدة وجدت إيران في الهند فرصة للتحالف، كما تطلعت دلهي في نفس الوقت إلى طهران لتحسين صورتها السلبية في العالم الإسلامي نتيجة علاقاتها العسكرية بإسرائيل (15)، فضلا عما كانت إيران تمثله للهند من حليف مهم لمواجهة الانعزال الذي تعانيه الهند في الإقليم، إضافة إلى حاجة الهند للتعاون مع إيران لتلبية حاجتها المتزايدة من مصادر الطاقة من النفط والغاز (16).
ومن هنا كان التعاون بين الهند وإيران يأخذ شكلا من أشكال النمو المتسارع خلال تلك الفترة الحرجة من تطور الأوضاع في أفغانستان، وفيها قدمت كلتا الدولتين دعما كاملا لتحالف الشمال الأفغاني (17).
وقد تركت الأحداث التي مرت خلال عقد التسعينيات آثارها على تقارب الهند وإيران على المستوى الإستراتيجي في مقابل باكستان لدرجة أن إيران التي عُرف عنها دعمها "الخطابي" المتحمس للقضايا الإسلامية مثل البوسنة وفلسطين وغيرها، لم تظهر أية تعاطف أو حماسة أو دعم لحركة تحرير كشمير التي كانت تدعمها في الماضي (18)، بل واعتبرت إيران -مخالِفة بذلك خطها الذي انتهجته سابقا- أن كشمير جزء لا يتجزأ من الهند، وإن كان الرئيس الإيراني آنذاك هاشمي رفسنجاني حين قام بزيارة لباكستان في سبتمبر 1992 عبَّر عن دعمه لحق مسلمي كشمير في تقرير مصيرهم (19).
ورغم أن الحرب الباردة قد أعطت زخما للعلاقة بين إيران والهند، إلا أنه وبسبب ديناميات علاقات القوة في الإقليم، فإن فرص التعاون الهندي مع الولايات المتحدة (20) إضافة إلى تعاونها مع روسيا، قد بدأت في التزايد بشكل ملحوظ.
على الجانب الآخر، بدأت الهند توثق علاقاتها بإسرائيل(21) خاصة في المجالات العسكرية والشؤون الإستراتيجية. وقد تركت هذه التطورات أثرها على توتر العلاقة بين الهند وإيران على مستوى الرؤى المستقبلية للنظام السياسي العالمي، وبشكل أخص على علاقة كل من دلهي وطهران بالولايات المتحدة وإسرائيل؛ فكل من إيران والهند كانت تقف في ركن مباين للأخرى في هذا الصدد. لكن على أية حال فإنه في الوقت الذي بقيت فيه الهند حريصة على توازن علاقاتها مع كافة الأطراف، فإن هناك عاملا رئيسيا -إضافة إلى عوامل أخرى في مقدمتها تبادل المصالح بين طهران ودلهي- ساعد على نزع فتيل التوتر بين الهند وإيران، ألا وهو التقاء الهند وإيران مع توجه الولايات المتحدة نحو دعم تحالف الشمال الأفغاني بعد أن فشلت في التفاوض مع طالبان لتلبية مطالبها في أفغانستان.
وعلى هذا النحو فإن التعاون بين الهند وإيران قد مضى بشكل إيجابي؛ فعُقد حوار أمني حول القضايا الرئيسية ذات الاهتمام المشترك وذلك خلال زيارة وزير الدفاع الهندي إلى طهران في مارس 2001. وتم التعبير عن المصالح الهندية الإيرانية المشتركة فيما عُرف آنذاك باسم "إعلان طهران" الذي وُقِّع في أبريل 2001؛ وذلك خلال زيارة رئيس الوزراء الهندي إيتار بيهاري فاجبايي لطهران.
وانطلاقا من رؤية الدولتين للأحداث في أفغانستان -خاصة في مواجهة طالبان لتحالف الشمال- دعت الدولتان إلى حكومة تجمع شمل الأطياف الأفغانية، في تعبير عن القلق بشأن تنامي التطرف والإرهاب في أفغانستان. وقد جاء في إعلان طهران 2001 ما يعبر عن موقف الدولتين بوضوح، كهذا النص على سبيل المثال: "تتفق الدولتان على أنه من غير الممكن أن يحقق الخيار العسكري حلا للصراع الأهلي الدائر في أفغانستان، كما أن الجانبين يتفقان على ضرورة تأسيس حكومة وطنية تحقق تطلعات الشعب الأفغاني وهو المطلب الأساسي لضمان تحقيق السلام والاستقرار في أفغانستان. كما عبَّر الطرفان عن اهتمامهما العميق بانتشار ظاهرة الإرهاب والتجارة غير الشرعية للمخدرات التي تتدفق من المناطق التي يسيطر عليها المتطرفون (22)".
وبخصوص منهج الدولتين في التعامل مع الوضع الإقليمي نص الإعلان على أنْ: "يتابع الطرفان باهتمام أهمية وجود بيئة آمنة وسلمية تضمن تطورا في العلاقات التجارية، وتدعم نموا اقتصاديا في منطقة الخليج الفارسي والمحيط الهندي. كما يعتبر الطرفان أن الأمن والاستقرار في منطقة آسيا الوسطى بالغ الأهمية لإيران والهند (23)".
كما نتج عن إعلان طهران تطوير آلية مؤسسية نشطة لتحقيق الأهداف المشتركة بين الطرفين. ومن ثَمَّ عُقد عدد من اللقاءات والفعاليات سواء على المستوى الحكومي أو على مستوى القطاع الخاص، وفي مقدمتها اللقاءات التي جمعت "اللجنة المشتركة" و "الحوار الإستراتيجي" فضلا عن التفاعل بين المجالس الأمنية في البلدين، والمناقشات التي جرت بشأن القضايا الأمنية والطاقة والتعاون القائم على التكامل والإمكانات المتنوعة التي تشمل الموارد والاستثمار والتنقيب عن مصادر الطاقة وتبادل الخبرات الفنية.
في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة عام 2001 وما تبعها من تطورات تسارعت وتيرة نمو العلاقات الهندية الإيرانية؛ مما كان له تداعيات كبيرة على المستوى الإقليمي؛ فقد تمكنت الدولتان من الاستفادة من الوضع الذي ظهر في المنطقة بعد إسقاط حكومة طالبان وسيطرة تحالف الشمال على أفغانستان؛ حيث أصبحت الولايات المتحدة في حاجة لدعم من الدول الإقليمية؛ وبالتالي كانت واشنطن تعوِّل كثيرا على تلقي المساعدة من الهند، أما بالنسبة لإيران فكانت كل من واشنطن وطهران تشعر أنه من المناسب تجاوز الخلافات، على الأقل في الوقت الراهن المتعلق بالأزمة، وذلك من أجل تحقيق هدفهما المشترك المتمثل في الإطاحة بالمقاومة التي تتزعمها طالبان في أفغانستان.
وفي سياق العلاقات الثنائية بينهما؛ فإن زيارة الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي للهند وتوقيعه "إعلان نيودلهي" في عام 2003 كانت بالغة الأهمية؛ فالإعلان المكوَّن من 16 بندا والذي تم التوقيع عليه في 25 من يناير/كانون الثاني 2003 جاء تحت عنوان "رؤية لشراكة إستراتيجية من أجل إقليم مستقر وآمن، ومن أجل تعزيز التعاون الإقليمي والدولي".
وقد تضمن ذلك الإعلان مجالات تعاون مختلفة في مقدمتها المواصلات والطاقة والصناعة والعلوم والتقنية والزراعة، لكن أهم ما جاء فيه في هذا الصدد التأكيد على استكشاف فرص التعاون العسكرية خاصة التدريب وتبادل زيارات الفنيين والعسكريين. وفي مجال الإرهاب أكد الإعلان على "ضرورة إدانة الدول التي تقدم دعما أو تحريضا أو مساعدة مباشرة للإرهاب الدولي" (24). وفي مجال الطاقة النووية عبَّر الإعلان عن اهتمامه بالقيود المفروضة على تصدير مواد وتقنيات ومعدات الطاقة النووية إلى الدول النامية معربا عن حق هذه الدول في البحث العلمي، وفي إنتاج واستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية (25).
وقد ناقش الإعلان بعض القضايا المهمة لكل من الهند وإيران وأفغانستان وفي مقدمتها الاتفاق الثلاثي بين هذه الدول على تطوير الطريق الواصل بين ميناء شهبهار Chahbahar الإيراني والذي يربط ميلاك وزارانج وديلارم داخل أفغانستان (26)؛ ليصل المنطقة الحدودية الإيرانية الأفغانية بقندهار ومنها إلى كابول؛ وذلك من أجل تسهيل عبور التجارة الإقليمية وعبور السلع من إيران إلى آسيا الوسطى عبر أفغانستان، وسيسْهُل بذلك فتح نافذة لأفغانستان الحبيسة على الموانئ الإيرانية المفتوحة على الملاحة البحرية العالمية، وسيقلل ذلك من اعتماد أفغانستان المفرِط على باكستان في الوصول إلى المياه المفتوحة (27).
وباعتبار الهند وإيران أصحاب الحق في إنشاء المشروع والإشراف عليه فكان من الطبيعي أن تكون لهما أولوية الدفاع عن مصالحهما في أفغانستان. وإضافة إلى الإعلان المشترك في عام 2003 وقَّعت الدولتان أيضا "خريطة طريق للتعاون الإستراتيجي" (28). وقد احتوت مذكرة التفاهم بين الجانبين على خطة من خمس سنوات تهدف إلى وضع أسس لشراكة إستراتيجية. وقبل ذلك كانت الدولتان قد وقعتا في 19 يناير/كانون الثاني 2003 في طهران اتفاقية للتعاون الدفاعي (29).
وقد أثمرت اتفاقية الدفاع دعما هنديا لإيران في مجال إصلاح السفن الحربية خاصة في ميناء إيران الجديد في شهبهار، وأتاحت كذلك تمركز مهندسين هنود متخصصين في الملاحة الجوية في القواعد العسكرية الإيرانية؛ بغرض تقديم الدعم الفني وخدمات الصيانة والتحديث للمقاتلات الإيرانية من نوع ميج ـ 29، فضلا عن إرسال المهندسين العسكريين الهنود إلى إيران لإصلاح وصيانة دبابات تي ـ 72 (30)، كما أجرت الدولتان تدريبات بحرية مشتركة في مارس 2003.
وأشارت التقارير إلى أن إيران قد طلبت من الهند المساعدة في تطوير قواتها البحرية والجوية وبطاريات غواصاتها البحرية (31)، وبحسب الصحافة الإيرانية قدمت الهند أيضا تدريبا لمهندسي البحرية الإيرانية في كل من مومباي وفيكشاباتنام (32). كما سعت إلى إجراء تدريبات على الصواريخ المضادة للسفن التي اشترتها من الهند (33).
وبناء على ما سبق، فإنه في ظل الاهتمامات المشتركة في الإقليم من ناحية، وتلاقي المصالح في أعقاب تحديد كل طرف لأولوياته من ناحية أخرى، فإن إعلان نيودلهي 2003 ومذكرة التفاهم التي تم توقيعها في تلك السنة قد وضعا أسسا لتعاون طويل الأمد قائم على تعاون الطرفين في كافة المجالات. وبينما أخذت رحلة التعاون تمضي بشكل إيجابي بين البلدين لم تسلم مسارات هذه الرحلة من بعض العثرات أخذا في الاعتبار بعض عناصر التوتر الموروثة بين الطرفين، خاصة في ظل تباين موقف الهند وإيران بشأن العلاقة مع كل من الولايات المتحدة وإسرائيل والدول العربية، فضلا عن الحملة الأمريكية لتوقيع عقوبات اقتصادية على إيران.
لكن كانت هناك نقطة صدام بين الدولتين حينما صوتت الهند في سبتمبر/أيلول 2005 وفبراير 2006 في وكالة الطاقة النووية "ضد إيران"؛ فقد تضررت العلاقات بين البلدين خاصة وأن قرار وكالة الطاقة النووية في فبراير 2006 قد طلب من مجلس حكام الوكالة تحويل ملف إيران إلى مجلس الأمن في حال رفضها تعليق تخصيب اليورانيوم وفتح كافة منشآتها لتفتيش ومراقبة الوكالة.
وقد أثر التصويت الهندي ضد إيران على العلاقة بين دلهي وطهران بشكل سلبي؛ فبادرت إيران بإلغاء الاتفاق الخاص بإمداد الهند بالغاز المسال، ولكن استمرت الهند في موقفها المصوت في وكالة الطاقة النووية ضد إيران في عام 2009 (34). وعلى خلفية تنامي الشراكة الإستراتيجية بين الهند والولايات المتحدة، وسعي الهند لإقناع الولايات المتحدة بتوقيع صفقة ثنائية بشأن الطاقة النووية، شهد برنامج التعاون العسكري الهندي الإيراني فتورا. وفي نفس السياق انسحبت الهند من مشروع أنابيب الغاز الذي كان مخطَّطا له أن يمتد من إيران عبر باكستان إلى الهند.
وخلال تلك السنة حدث تطور مهم بزيارة الملك عبد الله بن عبد العزيز عاهل السعودية للهند وكان الملك عبد الله ضيف شرف في احتفالات الهند باليوم الوطني في 26 من يناير/كانون الثاني، وهي نفس المكانة الرفيعة التي كان قد تقلدها من قبله الرئيس الإيراني محمد خاتمي في عام 2003. وبعد 50 سنة من العلاقات المحدودة بين الرياض ونيودلهي كان هذا الحدث بمثابة تعبير عن توجه الطرفين لبناء علاقات بَيْنية. وبناء على الميراث الكبير من عدم الثقة المتبادلة والشكوك بين إيران والسعودية وجدت إيران في زيارة الملك عبد الله للهند إشارة سلبية ضدها، كما تعززت هذه النظرة بعد زيارة رئيس وزراء الهند مانموهان سينغ إلى الرياض في فبراير/شباط 2010.
وهناك أيضا اختلاف جوهري في موقف دلهي وطهران حول أفغانستان، وهو اختلاف يعوق كلاًّ منهما عن لعب دور أكثر وضوحا وتكاملا، وأساس الخلاف يرجع إلى اختلاف وجهتي النظر بشأن دور الولايات المتحدة في أفغانستان؛ فإيران تشعر بالقلق من وجود القوات الأميركية في أفغانستان، بينما تشعر الهند بالقلق إذا غادرت القوات الأميركية أفغانستان. وتُسبب الأوضاع المتوترة في الإقليم قلقا لكل من الهند وإيران نظرا لما أنفقاه معا، أو ما أنفقه كل طرف منهما من استثمارات ضخمة في أفغانستان.
أوضح التحليل السابق أن العلاقات الهندية الإيرانية كانت سببا رئيسيا للتغيرات الجيو سياسية التي حدثت في الإقليم عموما، وفي كلٍّ من باكستان وأفغانستان على وجه الخصوص، وقد كان لهذه التغيرات أثر مزدوج (إيجابيا وسلبيا) في ذات الوقت؛ فالعلاقة بين الطرفين اكتسبت أهمية كبيرة في أعقاب رياح التغيير التي هبَّت وتهب الآن على الإقليم.
العلاقات الهندية الإيرانية كانت سببا رئيسيا للتغيرات الجيو سياسية التي حدثت في الإقليم عموما، وفي كلٍّ من باكستان وأفغانستان على وجه الخصوص، وقد كان لهذه التغيرات أثر مزدوج (إيجابيا وسلبيا) |
فبقراءة المشهد الأفغاني لا سيما ما يتعلق بوضع القوات الأميركية وقوات حلف الناتو؛ فإنه يتبين أن هذه القوات تسعى إلى خروج مشرِّف من أفغانستان، لكن هذا الخروج لن يتحقق إلا بعد تحقيق هدفين رئيسيين:
الأول: تقديم "رمز" ولو شكلي على أن هذه القوات أنجزت شيئا ما في أفغانستان.
والثاني: تأسيس حكومة أفغانية قادرة على الحفاظ على المصالح الأميركية والغربية في الإقليم.
وفي هذا الإطار فإن خريطة الطريق المطروحة بشأن أفغانستان تقوم على تأسيس قوات جيدة التدريب في العاصمة كابول (35) خلال السنوات الثلاثة المقبلة، فضلا عن تحقيق انتقال تدريجي للسلطة وإقرار الأمن في البلاد (36). ولكي يتحقق الهدف الأول شنت الولايات المتحدة والناتو حملة واسعة على قوات المقاومة في أفغانستان (37) مع الإعلان عن خطة دعم حكومة الوفاق الوطني الأفغاني، وتوفير الفرصة لإعادة دمج أو استيعاب المجموعات الطالبانية المستعدة للتخلي عن القتال (38).
ويعد التعاون الباكستاني في هذا الصدد لا غنى عنه لإنجاز تلك الأهداف. كما أن دور إيران لا يمكن التقليل من أهميته بالمثل، وعلى الرغم من وجود صعوبات في علاقة الولايات المتحدة بإيران، إلا أن هناك إدراكا أميركيا بأن الأزمة الحالية في العلاقات يمكن أن تتحول إلى فرصة إيجابية تُستثمر في الوصول إلى حل لمشكلات الإقليم ككل، أخذا في الاعتبار المصالح المشتركة التي تجمع الولايات المتحدة والدول الغربية والهند في دبلوماسية إدارة الأزمة الأفغانية.
ورغم ما ذُكر من خلافات واضحة إلا أن الأمين العام السابق لحلف الناتو ياب دي هوب قد أكَّد في يناير/كانون الثاني 2009 على أهمية "إشراك إيران" في مواجهة عدم الاستقرار المتنامي في أفغانستان (39). ومن جانبها تدرك إيران أن بوسعها لعب دور أكبر في أفغانستان رغبة في استغلال هذا الدور لتخفيف الضغوط المفروضة عليها من قِبل القوى الأوربية، خاصة في أعقاب الأزمة المتعلقة ببرنامجها النووي.
وعلى هذا فإنه في حالة أية تطورات في هذين الهدفين؛ فإن العلاقة الارتباطية بينهما يمكن أن تزداد وذلك في سيناريو يبدو فيه للخروج من أفغانستان الأولوية الكبرى للولايات المتحدة. وعلى الجانب الآخر يعتقد بعض المراقبين ـ على نحو ما حدث بالفعل في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وفي ظل الإستراتيجية المعادية لطالبان وخلال الحملة على العراق ضد صدام حسين ـ أن الحوار بشأن أفغانستان يمكن أن يؤدي إلى تقارب وتفاهم في العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران (40).
أما بالنسبة لباكستان فقد عبرت في غير مرة وبوضوح عن استعداها للتعاون مع قوات التحالف والحكومة الأفغانية بهدف تحقيق الهدف الذي أشرنا إليه سابقا والساعي إلى تسهيل انسحاب مشرف للقوات الأجنبية.
أما الهند فتمضي قدما في تثبيت أقدامها في أفغانستان عن طريق المشروعات التنموية والمساعدات العسكرية والاتفاقيات الأمنية. فإضافة إلى انخراط الهند في المساعدات الفنية والعسكرية للحكومة الأفغانية -كما سبق إيضاح ذلك بشيء من التفصيل- تسهم الهند في بناء الطرق والمستشفيات والمؤسسات التعليمية ومحطات الكهرباء وغيرها من المشروعات العامة التي تقترب اليوم من 1.5 بليون دولار والتي تعتبر بالغة السخاء من الجانب الهندي، الأمر الذي يثير حفيظة باكستان التي تنظر إلى الهند وكأنها تعمل على إزاحتها من الملعب الأفغاني. في نفس الوقت الذي تتخذ الهند من أفغانستان التي مزقتها الحرب ساحة لمنافسة الصين (41).
ونظرا لهذه التخوفات الباكستانية فقد أعرب رئيس أركان الجيش الباكستاني الجنرال كاياي خلال اجتماع الناتو مع وزراء الدفاع في دول التحالف في أفغانستان (42) عن استعداد بلاده تقديم التدريب العسكري للجيش والشرطة في أفغانستان، معبِّرا بذلك عن قلق باكستان من الدور الهندي في تكوين وتدريب القوات الأمنية الأفغانية. وحين التقى مع الإعلاميين أكد كاياي على أن التعاون بين باكستان وقوات الجيش الأفغاني سيفيد كلا الطرفين، وسيدعم العلاقات والتعاون وسيمهد لنجاح العملية التي تقوم بها قوات الولايات المتحدة والناتو لمواجهة الإرهاب والتطرف في الإقليم.
كما أعرب شاه محمود قرشي، وزير الخارجية الباكستاني عن نفس الموقف السابق؛ وذلك خلال مشاركته في مؤتمر لندن حول أفغانستان أوائل 2010. وقد كانت هناك تقارير تشير إلى أن باكستان قدمت عرضا للتعاون مع الحكومة الأفغانية غير أن إسلام أباد لم تتلقَّ ردا من كابول -ويبدو التأخير مفهوما إذا ما علمنا أن رئيس أركان الجيش الأفغاني -الجنرال بِاسْم الله- ينحدر من شورا ونزار إحدى فصائل تحالف الشمال (43). وإضافة إلى تحفظ كابول على العرض الباكستاني، فإن موقف الولايات المتحدة من هذا العرض لم يتحدد بعد، خاصة وأنَّ من مصلحتها زيادة الدور الهندي في الطيف الأوسع للسياسات الإقليمية في جنوب آسيا وليس فقط في أفغانستان.
وتحاول الولايات المتحدة إقناع الهند باستعادة الحوار مع باكستان من أجل جمع الدولتين على نفس الأجندة الأمريكية في أفغانستان -على الأقل في الوقت الحاضر-.
وفي خضم العلاقات الهندية الباكستانية، والهندية الإيرانية فإن وجهة النظر الأمريكية ترى في حضور الهند بشكل رئيسي في أفغانستان توازنا ضروريا لضمان الحفاظ على مصالح الولايات المتحدة في المنطقة مستقبلا؛ ومن ثَمَّ فإن السيناريو المستقبلي ليس على قدر كامل من الوضوح.
وقد كان هناك قدر من التقدير في مؤتمر لندن للاقتراح الداعي إلى تقديم مبادرة 6+2 والتي تتضمن دول الجوار الست المحيطة بأفغانستان (إيران، أوزبكستان، تركمنستان، طاجيكستان، الصين، وباكستان) إضافة إلى الولايات المتحدة وروسيا (44). وتحتاج مجموعة الاتصال هذه إلى قناعة جادة بضرورة الوصول إلى حل دائم للمشكلة، خاصة وأن غياب التفاهم أو ضعف التواصل بين دول الجوار ربما يؤدي إلى كوارث ستفضي في النهاية إلى تكرار سيناريو الحرب الأهلية الذي شهده عقد التسعينيات.
وفي هذا الشأن من المفيد رؤية بعض الأحداث المهمة التي أعقبت مؤتمر لندن؛ حيث بدأ التواصل بين دول الجوار الأفغاني خاصة بين إيران وباكستان. وفي خلال المحادثات الثلاثية التي جمعت وزراء خارجية باكستان وإيران وأفغانستان في يناير 2010 تم الاتفاق على الحاجة لحل القضية العسكرية من خلال منظور إقليمي، في الوقت الذي تم التأكيد فيه على ضرورة أن يتقدم الأفغان بأنفسهم للوصول لحل لهذه المشكلة.
على نحو ما حدث بالفعل في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وفي ظل الإستراتيجية المعادية لطالبان وخلال الحملة على العراق ضد صدام حسين ـ أن الحوار بشأن أفغانستان يمكن أن يؤدي إلى تقارب وتفاهم في العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران |
وكانت القمة الثلاثية التي جمعت أفغانستان وباكستان وتركيا في إسطنبول، وما تلا ذلك من اجتماع لدول الجوار الست والمانحين الدوليين في نفس المناسبة، بمثابة دليل على الاعتراف بأهمية البعد الإقليمي، والحاجة لجهود إقليمية جماعية من أجل التحرك إلى الأمام. وفي حقيقة الأمر فقد عانت كل دول الإقليم من تداعيات الحرب الأهلية التي شهدتها أفغانستان خلال تسعينيات القرن العشرين، ولا يرغب طرف من هذه الدول في أن يتكرر ذلك السيناريو مرة أخرى.
وما تزال هناك مشكلة ترجمة مقترح 6+2؛ وذلك لأن الهند ليست عضوا فيه. كما أن غياب إيران عن مؤتمر لندن لم يُعط أملا في إمكانية تحقيق تقدم قريب في القضية الأفغانية على المستوى الدولي.
ومع ذلك فإن الوضع به من الفرص ما يسمح لباكستان وإيران والهند بصياغة سياسة قائمة على التعاون والتكامل بين كافة الأطراف الإقليمية دون أن يكون الهدف تحقيق مصالح القوى الخارجية الوافدة إلى الإقليم. ويمكن أن يمثل التنسيق بين الدول مصدرا للسلام والرخاء (45).
وعلى أية حال فإنه إذا ما استمر الصراع على تحقيق مصالح القوى الإقليمية والدولية دائرا، مع إهمال الأسباب الرئيسية التي أدت إلى اندلاع الاضطراب وعدم الاستقرار في أفغانستان؛ فإنه من المحتمل تفاقم الأزمة الأفغانية في صورة أزمات جديدة تلعب فيها القوى الكبرى أدوارها من وراء الستار دون أن تصل النزاعات بين الدول الإقليمية إلى حل، بل تتفاقم وتصبح أفغانستان مسرحها الرئيسي. ولعل تطوير فهم أعمق ورسم خريطة طريق متفق عليها من قِبل الدول الإقليمية هو الحل الأجدى لأي تسوية مستقبلية والمرفأ الوحيد للوصول إلى سلام دائم واستقرار راسخ في الإقليم.
_______________
مدير معهد الدراسات السياسية بإسلام أباد، باكستان.
هوامش الدراسة
(1) مدير معهد الدراسات السياسية في إسلام أباد. ترجم النص من الإنجليزية إلى العربية الدكتور عاطف معتمد عبد الحميد.
(2) BBC News, “Pakistan's push for new role in Afghanistan,” February 19, 2010, http://news.bbc.co.uk/2/hi/south_asia/8521823.stm (accessed February 23, 2010)
(3) Richard Holbrooke’s Interview in Kabul, transcribed from radio transmission of BBC Urdu service, February 19, 2010.
(4) Embassy of the Unites States in New Delhi, India, Press Release 2010, “Secretary of Defense Robert M. Gates Press Conference,” Embassy of the Unites States in New Delhi, India, January 20, 2010. http://newdelhi.usembassy.gov/pr012110.html (accessed February 15, 2010).
(5) David Scott, “India’s “Extended Neighborhood” Concept: Power Projection for a Rising Power,” India Review 8, no. 2 (April-June 2009), 108.
(6) Theindian News, “India proposes foreign secretary-level talks, Pakistan welcomes,” February 4, 2010,
http://www.thaindian.com/newsportal/south-asia/india-proposes-foreign-secretary-level-talks-pakistan-welcomes-introroundup_100314941.html#ixzz0gRoLQ5gp (accessed February 24, 2010).
(7) C. Christine Fair (a), “Indo-Iranian Relations: Prospects for Bilateral Cooperation post 9/11” Asia Program Special Report jointly published by Asia Program and the Middle East Program at the Woodrow Wilson International Center for Scholars, no. 120 (April 2004), 8.
(8) Safia. S. Mohammadally, “Pakistan-Iran Relations 1947-1979” in Mehrunnisa Ali, ed., Readings in Pakistan Foreign Policy 1971-1998, Karachi: Oxford University Press, 2003, 147. And Shahid M. Amin, Pakistan’s Foreign Policy a Reappraisal, Karachi: Oxford University Press, 2000, 138.
(9) James Heitzman and Robert L. Worden (editors), India: A Country Study. Washington: GPO for the Library of Congress, 1995, http://countrystudies.us/india/133.htm (accessed February 21, 2010).
(10) C. Christine Fair (a), op.cit., 9
(11) يبلغ عدد السكان الشيعة في أفغانستان نحو 6,2 مليون نسمة أي ما نسبته 19 % من إجمالي سكان البلاد.
(12) Jayshree Bajoria, “India-Afghanistan Relations,” Council on Foreign Relations, July 22, 2009. http://www.cfr.org/publication/17474
/indiaafghanistan_relations.html (accessed February 23, 2010).
(13) Kashif Mumtaz, “Changing Patterns of Iran-India Relations,” http://www.issi.org.pk/journal/2006_files/no_2/article/a1.htm (accessed February 4, 2010).
(14) C. Christine Fair (2), op.cit., 9.
(15) Harsh V. Pant, “India-Israel Partnership: Convergence and Constraints,” The Middle East Review of International Affaires 8, no. 4 (December 2004), http://meria.idc.ac.il/journal/2004/issue4/jv8no4a6.html (accessed February 21, 2010).
(16) وجدت الهند في إيران مصدرا مهما لتلبية حاجتها من الطاقة، كما وجدت طهران في الهند سوقا جيدة لبيع مصادرها من النفط والغاز، أخذا في الاعتبار أن إيران هي ثاني أكبر منتج للغاز في العالم ولديها مخزون مؤكد من الغاز مقداره 29,7 تريليون متر مكعب، كما أن بحوزتها مخزونا مؤكدا من النفط يزيد عن 136,15 بليون برميل. في المقابل فإن الهند هي خامس أكبر مستهلك للطاقة في العالم؛ ومن ثَمَّ فهي سوق كبير لصادرات الطاقة الإيرانية.
(17) Ahmed Rashid, Taliban: Islam, Oil and the New Great Game in Central Asia, New York: I.B. Tauris &Co Ltd, 2000, 44-45, See also, Kashif Mumtaz, op.cit.
(18) Dr. R. Muhammad Khan, “Pakistan-Iran relations in Perspective,” Pakistan Daily, February 21, 2010, http://www.daily.pk/pakistan-iran-relations-in-perspective-16500/ (accessed February 20, 2010).
(19) المرجع السابق، وانظر أيضا:
Subramanian Swamy, “An Iranian sister”, The Frontline, Volume 19 (7), Mar. 30 - Apr. 12, 2002. and C. Christine Fair (a), op. cit., 19.
(20) Dennis Kux, The United States and Pakistan 1947-2000 Disenchanted Allies, New York: Oxford University Press, 2001, 306. See also, The Fee Library, “Indo-US relations in post cold war era and concerns for Pakistan” http://www.thefreelibrary.com/Indo-US+relations+in+post+cold+war+era+and+concerns+for+
Pakistan.-a0216897309 (accessed February 23, 2010).
(21) Harsh V. Pant, op.cit.
(22) Government of India, Press Information Bureau, “Prime Minister Visit to Iran, Text of Tehran Declaration,” April 10, 2001,http://meaindia.nic.in/ (accessed on February 4, 2010).
(23) المرجع السابق.
(24) “The Republic of India and the Islamic Republic of Iran ‘The New Delhi Declaration’," January 25, 2003, Islamabad Policy Research Institute, http://ipripak.org/journal/summer2003/doc4.shtml (accessed February 4, 2010).
(25) المرجع السابق.
(26) Sudha Ramachandran, “The Elephant in India and Iran's Room,” Asia Times Online, November 21, 2009.
http://www.atimes.com/atimes/South_Asia/KK21Df02.html (accessed February 4, 2010).
(27) Atul Aneja, “India and Iran: Looking Beyond Energy,” Tehran Times, http://www.tehrantimes.com/index_View.asp?code=167635 (accessed February 23, 2010), See also Seema Guha, “India’s Road to Afghanistan,” DNA Read The World, April 20, 2008 http://www.dnaindia.com/world/special_india-s-road-to-afghanistan_1160542 (accessed February 21, 2008).
(28) Kashif Mumtaz, op.cit.
(29) Rizwan Zeb, “The Emerging Indo-Iranian Strategic Alliance and Pakistan,” Central Asia Caucasus Institute, December 2, 2003, http://www.cacianalyst.org/?q=node/902(accessed February 4, 2010).
(30) نفس المرجع السابق، ولمزيد من التفاصيل انظر:
K. Alan Kronstadt and Kenneth Katzman, “India-Iran Relations and U.S. Interests,” CRS Report for Congress, August 2, 2006, 4-5, http://italy.usembassy.gov/pdf/other/RS22486.pdf (accessed February 24, 2010).
(31) Kashif Mumtaz, op.cit.
(32) C. Christine Fair (b), “India and Iran: New Delhi’s Balancing Act,” Washington Quarterly (Summer 2007), 12.
(33) المرجع السابق.
(34) Theindian News, “India Backs IAEA Vote against Iran, but Opposes Sanctions,” November 28, 2009, http://www.thaindian.com/newsportal/world-news/india-backs-iaea-vote-against-iran-but-opposes-sanctions-lead_100281134.html#ixzz0gQutftUS (accessed on 24, 2010).
(35) Relief Web, “London Conference Sets Roadmap for Afghanistan,” January 29, 2010, http://www.reliefweb.int/rw/rwb.nsf/db900SID/VVOS-826SG6?OpenDocument (accessed February 22, 2010).
(36) المرجع السابق.
(37) المرجع السابق.
(38) المرجع السابق.
(39) Kaveh L Afrasiabi, “Obama, Iran and Afghanistan,” Asia Times Online, January 29, 2009, http://www.atimes.com/atimes/Middle_East/KA29Ak01.html (accessed February 21, 2010).
(40) المرجع السابق.
(41) Rahimullah Yusufzai, “Behind Kayani's Training offer to Afghans,” The News, February 09, 2010.
(42) عُقد اللقاء في بروكسل بين 26 و 27 من يناير 2009.
(43) Rahimullah Yusufzai, op. cit.
(44) لم تكن هذه الفكرة جديدة. فالرئيس الأوزبكي إسلام كريموف قدم ذلك المقترح خلال قمة الناتو في بوخارست في أبريل 2008، وهو مقترح تضمن إدراج الناتو من بين القوى الإقليمية والعالمية المشار إليها التي يمكن أن يكون لها دور كلاعب ثالث من غير دور الجوار.
(45) كان من نتائج اللقاءات التي عُقدت في طهران بين وزيري الخارجية الإيراني والهندي توسيع تعاونهما لصالح الاستقرار في أفغانستان، ومواجهة الإرهاب العابر للحدود والمنطلق من باكستان وتداعياته على الأمن الإقليمي، وأقرت الدولتان أن لديهما رؤى متفقة بشأن الوضع المتوتر في أفغانستان، وأنهما يعارضان أي إشراك لطالبان في حكم أفغانستان. (The Indian News, February 4, 2010)