يبدو للوهلة الأولي أن الموقف الإيراني من أحداث غزة والذي أوقع شرخا في العالمين العربي والإسلامي وما تبعه من تحديات على أكثر من صعيد اقتصر علي نشاطات روتينية شهدتها العاصمة الإيرانية مثل المظاهرات المنددة بما تقوم به الآلة العسكرية الإسرائيلية من قتل والمتضامنة مع الشعب الفلسطيني وتحديدا حماس التي تواجه عملية تصفية ممنهجة من قبل الآلة العسكرية الإسرائيلية.
وقد يبدو أيضا أنها اقتصرت على إرسال معونات إلى غزة على الصعيد الإنساني إضافة إلى بعض النشاطات المكثفة من الجهاز الدبلوماسي الإيراني الذي طالب من الدول العربية التحرك فوراً لعقد قمة عربية طارئة واتخاذ قرارات فاعلة لا تقل عن وقف كل المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي على كافة المسارات.
واللافت هنا أن إيران كانت ولا تزال أقل نشاطاً فيما يتعلق بالجهد الدبلوماسي أو المشاركة مع الجهود القائمة مقارنة مع ما كان متوقعاً من إيران لأسباب موضوعية، أقلها التحالف الإستراتيجي مع القوى التي تعتبرها إيران حليفة في المعسكر الرافض للحلول الاستسلامية في الشرق الأوسط ومقارنة بما تقوم بها بعض القوى الإقليمية مثل تركيا من نشاط لافت ومؤثر.
والسؤال هنا هو هل هذا الأداء الإيراني الذي يفسر من قبل بعض الأوساط على أنه خجول للغاية هو الذي يتحكم بالرؤية الإستراتيجية الإيرانية؟ أم أنه يخضع لاعتبارات محلية وإقليمية تدخل ضمن الإستراتيجية الشاملة؟
هذا هو المدخل الرئيسي لرؤيتي للسياسة الإيرانية الحالي، وسأحاول من خلاله إعطاء صوره تلمس الواقع من جهة ورسم الآفاق المستقبلية والأهداف الأساسية التي حددتها القيادة الإيرانية لمجمل الصراع العربي الإسرائيلي وتطوراته المتلاحقة، مع ملاحظة أن كل ما يأتي هنا هو حصيلة لرؤيتي للسياسة الإيرانية وليس نقدي أو تقييمي لها وفاعليتها أو جدواها على المدى البعيد.
إستراتيجية نقل الصراع إلى المجال الحيوي الإسرائيلي
جاء الاجتياح الإسرائيلي الواسع للبنان في أوائل الثمانينات بهدف واضح ومعلن، هو تصفية القيادة الفلسطينية أو إبعادها عن المجال الحيوي الإسرائيلي، وقد التقطت حينها القيادة الإيرانية الخلل الإستراتيجي لمفهوم الأمن الاستراتيجي الإسرائيلي، وهو بكل بساطة التداعيات الخطيرة لأي نشاط "معاد" يدخل أو يقترب من "المجال الحيوي لأمن إسرائيل"، لأن إسرائيل تفتقر للعمق الإستراتيجي وتحيط بها مناطق معادية ومحاذية لها في أرض فلسطين التاريخية.
والملاحظ هنا أن هذا التطور جاء متزامنا مع الحرب التي كانت تخوضها إيران مع العراق ومع وقوف المنظومة الغربية والمنظومة العربية الرسمية إلي جانب العراق بكل قواها، لصد ما كان يسمى آنذاك الانتشار والنفوذ الإيراني المتمثل بالثورة الإسلامية، وما حمله هذا التطور من اصطفافات إقليمية ودولية تمثلت بحرمان إيران من الحصول على أسلحة تمكنها من مواجهة الاجتياح العراقي للأراضي الإيرانية.
وهذا دفع بإيران للاعتماد على قواها الذاتية للحصول على قدرات أبعد مما توقعه كثيرون لرفع مستوى الردع، وجاء هذا الرد الطبيعي الإيراني على العقوبات التي فرضتها المنظومة الغربية لتشكل الأساس في النقلة النوعية التي حصلت في الرؤية الإستراتيجية الإيرانية المحلية والإقليمية.
وأتاحت هذه النقلة النوعية لإيران أيضا فرص تبني إستراتيجية إقامة تحالفات مع القوى التي كانت تعتبرها إيران قوى صاعدة، بسبب تخلي النظام العربي عن إستراتيجية المواجهة مع إسرائيل بعد الصدمة التي أحدثها الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، وتبني إستراتيجية السلام مع إسرائيل من قبل منظمة التحرير والنظام العربي الرسمي.
فكان من إيران إنشاء منظمة حزب الله وإعادة تنظيم المنظمات الرافضة للحلول السلمية في الفصائل الفلسطينية ومساندة القوى الأخرى مثل حماس والجهاد الإسلامي، وأيضا إقامة تحالف إستراتيجي متين وصامد مع سوريا لتعزيز موقع القوى الرافضة من جهة، وإقامة توازن إستراتيجي مع إسرائيل الذي طالما كان يطمح إليه الرئيس الراحل حافظ الأسد بالاعتماد على الجيل الجديد من القوى والحروب، وذلك على الرغم من أن سوريا اختارت السلام كخيار إستراتيجي يرتكز على القرارات الشرعية الدولية خاصة القرارين 242 و338.
وبهذا حافظت سوريا على الخيارات البديلة لتعزيز موقعها التفاوضي والأداء الجيد للجيل الجديد للحروب الذي تمتعت به قوى المقاومة، وخاصة حزب الله الذي دحر العدوان الإسرائيلي سنة 2000 عن لبنان، والذي أعطى بدوره قوة إضافية للمخزون الإستراتيجي السوري.
وجاءت كل هذه المحاولات الإيرانية في إطار تبني إستراتيجية نقل الصراع إلي المجال الحيوي الإسرائيلي مستفيدة من الخلل الذي أشرت إليه في مفهوم الأمن الإستراتيجي لإسرائيل، ولا زالت إيران متمسكة بذلك إذ تعتقد أن الجيل الجديد من الحروب سيغير مفاهيم ومسارات عديدة، منها مفهوم التفوق الإستراتيجي الإسرائيلي في المنطقة، وتآكل الآلة العسكرية واستنزافها في مواجهات جديدة، ومن نوع جديد تعجز المؤسسة العسكرية الإسرائيلية عن فهمها والإعداد اللازم لتقويضها أو القضاء عليها.
وقد أدركت إسرائيل ثغرتها الإستراتيجية هذه، وفهمت الرسالة الإيرانية غير الغامضة وانتقلت إلي إقامة تحالفات إقليمية خارج مجالها الحيوي عبر توقيع عدة اتفاقيات للتعاون الإستراتيجي مع تركيا واليونان، ومن الواضح أن مثل هذه الاتفاقيات تحمل في طياتها دلالات إستراتيجية، وهذا ما ينطبق على اتفاق التعاون العسكري الإسرائيلي-التركي الذي يشتمل علي بند يتعلق "بالمشاورات ذات الطابع الدفاعي عبر إنشاء منتدى أمني للحوار الإستراتيجي بين البلدين".وهذا يوضح أن إسرائيل قامت بكسر الطوق المفروض عليها عبر هذه الاتفاقيات تمهيداً لمحاصرة ومن ثم ضرب ما تعتبره الخطر الاستراتيجي الذي تشكله إيران.
عقيدة استنزاف إسرائيل والتهديد الدائم
تعتقد إيران أنه من الضروري أن تبقى إسرائيل في خطر محدق ومستمر في مجالها الحيوي، عبر تعزيز موقع ودور القوى الرافضة للحلول السلمية مهما طال الزمن، وهذه عقيدة تتشاطرها المؤسستان الدينية والسياسية الحاكمة في إيران، مع الحفاظ على وجبات مرحلية من المواجهات لاستنزاف القوة العسكرية الإسرائيلية وإيقاعها في تهديد دائم من جهة، ورفع مستوى الجهوزية لمواكبة التطورات في صفوف الجيل الجديد من القوى الرافضة للاحتلال الإسرائيلي من جهة أخرى.
ولست واثقاً بأن هذه الإستراتيجية الإيرانية ستستمر إلى ما لا نهاية، لكنني أعتقد أن ما يقف وراء استمرار إيران في هذه الإستراتيجية عاملان:
العامل الأول: هو أن الإدارة الإيرانية تعتقد أن الجهود الدولية الحالية لإيجاد حل سلمي للنزاع العربي-الإسرائيلي لم تقم على العدالة الإنسانية أو حتى على قرارات الشرعية الدولية، وإنما تقوم بها الرباعية الدولية إرضاء لإسرائيل وليس تحقيقا لسلم عادل بين الإطراف المتنازعة، وتعتقد أيضا بأن إسرائيل ترفض كل الحلول السلمية معتمدة بذلك على المساندة غير المحدودة للإدارات الأمريكية المتتالية، وأن رهان الدول العربية على أمريكا هو رهان خاسر منذ البداية.
وتؤيد الوقائع هذا الانطباع الإيراني، والقيادة الإيرانية ليست بحاجة إلى تقديم قائمة طويلة للمحاولات الأمريكية لإحلال السلام بين العرب وإسرائيل خلال العقود الماضية، والتي فشلت كلها بسبب التعنت الإسرائيلي.
العامل الثاني: هو أن الإدارة الإيرانية تعتقد بأنه عندما تكون موازين القوى لصالح العدو فلا يحق لأي زعيم عربي أو إسلامي أن يفرط بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني إرضاء للمعتدي، وعليهم أي زعماء العرب والمسلمين أن يبحثوا عن حلول أخرى تمكن الشعب الفلسطيني من الصمود في وجه الأعداء، وإذا تعذر ذلك لأي سبب من الأسباب فليتركوا هذه المهمة أو هذه الرسالة للأجيال القادمة مع الحفاظ على وتيرة المقاومة المشروعة ضد الاحتلال الإسرائيلي من جهة وعدم إعطاء أي شرعية للكيان المحتل.
الحرب على غزة تمهد للحرب على إيران
تعتقد الجمهورية الإسلامية الإيرانية بأن ما تشهده المنطقة من حروب وتوترات في الآونة الأخيرة وتحديداً الحرب الإسرائيلية على لبنان في صيف 2006 والحرب القائمة على غزة، ما هي إلا مقدمة لتحييد المنطقة والقوى الرافضة لإسرائيل تمهيداً لمواجهة إيران، باعتبارها المركز الرئيسي لكل القوى المعارضة للمشروع الأمريكي في الشرق الأوسط.
وهناك بعض المؤشرات والتصريحات لبعض السياسيين الأمريكيين والإسرائيليين تؤيد وتعزز الانطباع الإيراني، منه ما صرحت به وبكل وضوح وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس في بيروت بعد ثلاثة أيام من العدوان الإسرائيلي على لبنان، بأن ما تشهده المنطقة ما هو إلا ولادة عسيرة لشرق أوسط جديد، ومن ذلك أيضا تصريح الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز لإحدى الصحف الايطالية في السابع من شهر يناير/ كانون الثاني الجاري، أكد فيه أن ما تقوم به إسرائيل ضد حماس في قطاع غزة حالياً، هو الحيلولة دون فتح عين أخرى لإيران إلي جانب إسرائيل.
لذلك فإن ما تقوم به إيران منذ ثمانينيات القرن المنصرم يدخل في إطار إستراتيجية الردع، تمهيداً لما تعتبره طهران إقامة توازن إستراتيجي ليس للدفاع عن المركز (إيران) فحسب، بل أيضا لإقامة توازن إقليمي يحول دون استفراد القوة الإسرائيلية النووية في الشرق الأوسط بفرض حلولها على شعوب المنطقة، والحيلولة دون ابتزازها للدول العربية التي لم تدخل المسارات السلمية بمحض إرادتها، بقدر ما كانت ولا تزال تخشى من انعدام التوازن القائم في القوة بين دولها مجتمعة مع القوة الإسرائيلية.
إن الأداء الجيد للجيل الجديد من الحروب الذي دشنه حزب الله في حرب 2006، والتقييمات التي حصلت بعد المعارك لهذه الحرب حتى من المؤسسة العسكرية في إسرائيل، أعاد إلى الأذهان بأن القوة الفتاكة ليست العامل الحاسم في المعارك المستقبلية، بل إن إرادة القتال والمضي أبعد مما هو منظور في صفوف المقاتلين، هو العامل الذي سيلعب الدور الحاسم في المواجهات المقبلة، خاصة بين قوة تشعر بأن ما تقوم به ليس أداءً لواجب عسكري فحسب، بل هو أيضا انتماء إلى الأرض والحق الذي يقاتل من أجله.
ولا أتردد في هذا المقام أن أقول إن ما قامت ولا تزال تقوم به إيران من حشد لكل طاقاتها اللوجستية والمالية -وخاصة بعد تجاربها في الحرب مع العراق- لإقامة جيوب مقاومة في كل من لبنان وفلسطين، اللذين يقعان ضمن المجال الحيوي لإسرائيل، وتمكينها بكل الوسائل لإنجاح تجربتها التي تجاوزت مرحلة الطفولة، سيجلب عليها (أي على إيران) العديد من التحديات الإستراتيجية على صعيد المواجهات الإقليمية الكبرى، وعليها أن تتدارك وتستعد لتلك المرحلة التي قد تكون قريبة، لان المسألة لم تعد تنحصر في السلوك الإيراني وضرورة تغييره، بل في الوجود وضرورة إزالته من وجهه النظر الأمريكية والإسرائيلية.
ولن أتردد في أن أتوقع بأن الأمريكيين والإسرائيليين سيتوجهون نحو تصعيد غير مسبوق مع إيران فور خلاصهم من أزمة غزة والذريعة جاهزة لذلك: الملف النووي الإيراني، حيث لا نقاش في أن الأمريكيين سيحاولون أن يستفيدوا بأقصى ما يمكن من النتائج المترتبة على الحرب التي تخوضها إسرائيل مع ما تسميهم المتحالفين مع إيران في فلسطين، لتوجيه اللوم إلي طهران تمهيداً لمعاقبتها في المستقبل.
معادلة تصعيد العنف
استخدمت إسرائيل منذ اليوم الأول لهجومها العسكري علي غزة مستوى مرتفعا وجنونيا من العنف واستمر حتى بعد صدور قرار مجلس الأمن القاضي بضرورة وقف إطلاق النار فورا، وهو ما أثار تساؤلا حول سبب هذا المستوى من العنف؟
وهناك أسطورة إيرانية تقول بأن اللصوص عندما يحصلون علي شيء ثمين يستخدمون أبشع أنواع العنف للحفاظ عليه، ربما هذا هو التشبيه التمثيلي لما تقوم به إسرائيل في الأراضي المحتلة وتحديداٌ غزة، لكن التفسير السيكولوجي للسلوك الإسرائيلي هو أن إسرائيل باستخدامها القوة المفرطة تريد خنق أي محاولة لنقل التجربة اللبنانية الناجحة -لحزب الله في القتال- إلى العمق الإسرائيلي والحيلولة دون اعتماد هذا النهج الجديد في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، فهي تريد تلقين كل من تساوره فكرة نقل التجربة درسا، ورفع سقف تكاليف هذا النقل على كل المستويات، إن كانت قيادية وهي التي تتكفل نقل التجربة وتجذيرها في المجتمع الفلسطيني، أو القاعدة الاجتماعية التي تحتضن التجربة وتؤمن المدخر الإستراتيجي الإنساني لها.
وهذا التوجه الإسرائيلي يأتي بناء على مبدأ عدم السماح لأية قوة معادية لنقل الصراع إلى المجال الحيوي الإسرائيلي الذي هو من أهم أولويات الأمن الإستراتيجي الإسرائيلي، وهذا ما يفسر القسوة المطلقة في السلوك العسكري للآلة العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة حيث نرى ارتفاعاً ملحوظاً في مستوى وعمق العنف، مقارنة بالذي شهدناه في حرب لبنان صيف 2006 ، فالمعادلة أنه كلما تقترب التجربة من المجال الحيوي الإسرائيلي، تتصاعد وتيرة العنف الإسرائيلية.
الإستراتيجية الإيرانية للسلام ونزيف غزة
الأهداف الإيرانية الإستراتيجية فيما يتعلق بالأراضي المحتلة والطريقة اللازم اتباعها من قبل القوى الصامدة والمقاومة واضحة تماماً، لكن هذا لا يكفي لإعفاء دولة بحجم إيران من إعطاء صورة عن إستراتيجيتها المتعلقة بالمسارات السلمية، إذا كان هناك إجماعا عربياٌ شاملاٌ على كل المستويات الرسمية والشعبية حول السلام الشامل مع إسرائيل.
وهنا بيت القصيد، إذ ترى إيران أنه من الممكن إحلال السلام في الشرق الأوسط إذا كانت إسرائيل أو القوى الحليفة لها وتحديداٌ الولايات المتحدة الأمريكية ترغب به، والرؤية الإيرانية لإستراتيجية السلام في الشرق الأوسط تقوم علي المبادئ التالية:
أ. إجراء استفتاء عام وشامل بين السكان الأصليين في فلسطين مسلمين ويهود ومسيحيين تحت إشراف الأمم المتحدة لتحديد معالم الدولة التي يرغبون بإنشائها في فلسطين.
ب. احترام هذه الدولة حقوق المواطنة لكل المواطنين الذين يقطنون هذه الدولة وإعطاء الحق لكل المنتمين للأديان الثلاثة للإشراف على الأماكن المقدسة.
ج. إزالة كل الآثار المترتبة حقوقياً وسياسياٌ وديموغرافياٌ على الاحتلال الإسرائيلي من نكبة عام 1948
حتى اليوم.
هذه الإستراتيجية الإيرانية للسلام وان كانت تختصر في مجملها علي ثلاثة بنود تعكس واقعين أساسيين هما:
الأول: أن المجتمع الدولي قد أجرى مثل هذا الاستفتاء في أفريقيا الجنوبية بعد انتهاء صلاحية نظام الفصل العنصري وفي أماكن أخرى ويجب إجراء مثل هذا الاستفتاء في فلسطين لإنهاء أزمة دامت لأكثر من ستة عقود.
الثاني: هو أن هذه الإستراتيجية الإيرانية تشبه وتتناسب وتتكامل من حيث النتائج مع الإستراتيجية الإيرانية القائمة على المقاومة حتى تحرير الأراضي المحتلة أو فرض واقع جديد يقترب في شكله ومضمونه من الحل السلمي النهائي.
هذه الإستراتيجية الإيرانية تبدو بعيدة المنال في ظل ما نشهده من موازين القوى على الصعيد الدولي ولكن التعنت الإسرائيلي في رفض كل القرارات الدولية ورفض المبادرة العربية للسلام تذكر القيادة الإيرانية بضرورة التزامها بإستراتيجيتها المعلنة والتي تدير السلوك الإيراني على المدى البعيد.
وهناك انطباع إيراني يتعزز يوما بعد يوم يؤكد اقتراب المجتمع العربي من الرؤية الإيرانية الإستراتيجية للنزاع في الشرق الأوسط كلما تعنتت إسرائيل في موقفها الراهن إزاء الحلول السلمية.
ولكن ماذا عن السياسة الإيرانية إزاء النزيف المستمر في غزة؟
السياسة الإيرانية ألراهنه إزاء غزة تشبه إلى حد بعيد السياسة التي رافقت السلوك الإيراني إزاء الحرب الإسرائيلية على لبنان صيف 2006 وتقوم على الأسس التالية:
ا. تعزيز المقاومة بكل ما يمكنها من الصمود وتوجيه الضربات الموجعة في صفوف العدو لإيقافه وكسر شوكته وإسقاط أسطورة آلته العسكرية.
ب. قبول وقف لإطلاق النار وإيقاف كل أشكال العدوان بشرط أن لا تكون لإسرائيل اليد العليا في أية إجراءات يتم تنفيذها على الأرض.
ج. عدم المساس بحق المقاومة على المضي في إستراتيجيتها لتحرير الأراضي المحتلة في أية تسوية تتم بموجبها عملية وقف إطلاق النار.
هذه السياسة الإيرانية تنفذ وسط استنفار هو الأشد منذ حرب إسرائيل على لبنان في كل المؤسسات المعنية في إيران، وأيضا تأتي هذه السياسة وسط ثقة عالية في القيادة الإيرانية من أن المقاومة الفلسطينية ستوقع أشد الخسائر في صفوف الجيش الإسرائيلي وستضمن بقائها عالية الرأس، وستبدلها إلى قوة لا يمكن الاستهانة بها في مستقبل الصراع.
_________________
كاتب ومحلل سياسي إيراني