(الجزيرة) |
ملخص وقد انعكست هذه الخصائص بوضوح في قلَّة الموارد المائية المتجدِّدة، وفي محدودية الأراضي الصالحة للزراعة في دول مجلس التعاون الخليجي، وأدَّى الاعتماد المستمر على محطات التحلية إلى إرهاق الميزانية العامة لهذه الدول، وإلى حدوث مضاعفات سلبية على النظم البيئية فيهـا. عليه، تعرض هذه الورقة البحثية للوضع الحالي للأمن المائي في دول الخليج، وتبيِّن حالة الموارد المائية في هذه الدول، وسياسات الأمن المائي الوطنية التي تنتهجها، والمخاطر المستقبلية المحدقة بها، ومستقبل الأمن المائي في دول مجلس التعاون خلال المستقبل المنظور. وفي ضوء ذلك، يوصي الباحث دول الخليج سرعة التوصُّل إلى فهم أفضل للتهديدات المحدقة بإمدادات المياه؛ لما سيكون لها من عواقب خطيرة تهدِّد الاستقرار السياسي والاجتماعي، ومن ثَمَّ لابد من تحديد درجات جاهزية تعلن بها المؤسسات الحكومية المعنية في الخليج بإنذار مبكر، وفي الوقت ذاته تدعو الورقة إلى اتخاذ التدابير الوقائية والإجراءات المخففة التي يمكن أن تضمن الأمن المائي للجميع، تطرح ختامًا عدة سيناريوهات لمواجهة هذه المخاطر. |
مقدمة
تواجه دول الخليج العربية مأزقًا حقيقيًّا في تأمين مواردها المائية؛ التي بدأت تشحُّ وتنضب تدريجيًّا لعوامل طبيعية عديدة؛ منها: الجفاف، وانخفاض معدلات سقوط الأمطار، وتتشابه الظروف الطبيعية والمناخية في هذه الدول إلى حدٍّ كبير، فباستثناء بعض المناطق في المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان، فإن تلك الدول تقع في منطقة شديدة الجفاف، تتسم بندرة الموارد المائية الطبيعية، وقلة هطول الأمطار وندرتها. وقد انعكست هذه الخصائص بوضوح في قلَّة الموارد المائية المتجدِّدة، وفي محدودية الأراضي الصالحة للزراعة، وعوامل بشرية منها: ارتفاع معدلات النمو السكاني والتحضُّر، والمشاريع الصناعية والزراعية الضخمة؛ الأمر الذي دفع هذه الدول إلى البحث عن موارد مائية أخرى بديلة لتحقيق أمنها المائي، كان من أهمها اعتمادها على محطات تحلية مياه البحر، حيث تنتج جميعها ما يناهز (70%) من الإنتاج العالمي لتحلية المياه، واستخدام مياه الصرف الصحي والصناعي والزراعي المعالجة، وقد أدَّى هذا الاعتماد المستمر على محطات التحلية إلى إرهاق الميزانية العامة لهذه الدول، وإلى حدوث مضاعفات سلبية على النظم البيئية فيهـا.
مفهوم الأمن المائي
عرَّف المنتدى العالمي الثاني للمياه عام 2000، والذي عُقد في هولندا تحت شعار: "الأمن المائي في القرن الحادي والعشرين"- أن "الأمن المائي من مستوى المنزل إلى المستوى العالمي، يعني أن يكون لكل شخص إمكانية الحصول على ما يكفي من المياه الآمنة بتكلفة يستطيع تحمُّلها ليعيش حياة نظيفة وصحية ومنتجة، مع ضمان التأكيد على أن البيئة الطبيعية محمية ومعززة"(1).
وقد قدمت منظمة الشراكة العالمية للمياه (GWP) تعريفًا للأمن المائي، يمكن صياغته على النحو التالي: "إن عالمًا يتمتَّع بالأمن المائي هو العالم الذي يجمع بين كلٍّ من الاهتمام بالقيمة الجوهرية للمياه ومجموعة كاملة من استخداماته اللازمة لبقاء الإنسان ورفاهيته، كما أن مثل هذا العالم يُسَخِّر قوَّة الماء الإنتاجية ويقلِّل من قوَّته التدميرية، إنه عالم ينعم فيه كل شخص بما يكفي من المياه الآمنة، وبأسعار معقولة ليعيش حياة نظيفة وصحية ومنتجة، وهو عالم تتم فيه حماية المجتمعات من الفيضانات، والجفاف، والانهيارات الأرضية، وانجراف التربة، والأمراض التي تنقلها المياه"(2).
وتتضمَّن رؤية بعض الخبراء أن مفهوم الأمن المائي يلزم أن يكون وفق مؤشِّرات مدى ندرة المياه من الناحية الكمية (physical water scarcity) بمفهوم الميزان المائي (Water Balance)؛ الذي يُقصد به عملية الموازنة بين إجمالي حجم الموارد المائية التقليدية وغير التقليدية (المعروض من المياه) في فترة زمنية معينة، وبين إجمالي حجم الاحتياجات المائية اللازمة لسدِّ مختلف الاحتياجات (الطلب على المياه) خلال الفترة الزمنية نفسها؛ بعبارة أخرى: "تعيين كميات المياه الداخلة والخارجة لأي نظام مائي"(3).
ويأتي الميزان المائي في ثلاث حالات؛ هي:
-
حالة التوازن المائي (Water Balance): حينما يتواءم الطلب على المياه مع حجم المعروض منها.
-
حالة الوفرة المائية (Water Surplus): حينما يكون حجم الموارد المائية أكبر من حجم الاحتياجات.
-
حالة العجز المائي (Water Deficit): حينما يكون حجم الموارد أقل من الحجم المطلوب للوفاء بالاحتياجات اللازمة.
مفهوم محدودية الموارد المائية
يتجه مفهوم محدودية الموارد المائية حسب المعيار الكمي إلى وصف إحدى حالتين؛ الحالة الأولى: هي حالة الفقر المائي؛ حينما يقل نصيب الفرد السنوي من المياه عن 1000 م3؛ حيث تقسم الدول في هذه الحالة إلى أربع فئات(4):
-
دول الوفرة المائية: ويحصل فيها كل فرد سنويًّا على كمية من المياه تزيد على 2000م3.
-
دول الإجهاد المائي: ويحصل فيها كل فرد سنويًّا ما بين 1000-1700م3.
-
دول الندرة المائية: ويحصل فيها كل فرد سنويًّا على أقل من 1000م3.
-
دول الندرة المائية المطلقة: ويحصل فيها كل فرد سنويًّا على أقل من 500م3.
أما الحالة الأخرى فهي حالة العجز المائي؛ وهي الحالة التي يُوافق حجم الاحتياجات المائية فيها الموارد المائية المتجدِّدة والمتاحة؛ ومن ثَمَّ يحدث اختلال بين الموارد المائية المتجدِّدة والمتاحة وبين الطلب المتزايد عليها، الذي يتمثَّل في ظهور عجز في الميزان المائي، ويُطلق على هذا العجز أحيانًا مسمى "الفجوة المائية"(5).
حالة الموارد المائية في دول الخليج العربية
يمكن تقسيم الموارد المائية في دول الخليج العربية إلى ثلاثة موارد رئيسة:
-
المورد الأول: المياه الجوفية؛ بما في ذلك مياه الآبار السطحية؛ التي تعتمد عادة على الأمطار الموسمية في تغذيتها، وكذلك الآبار العميقة؛ التي تستخرج مياهها من التكوينات الجيولوجية القديمة.
-
المورد الثاني: تحلية مياه البحر وتنقيتها بالطرق الحديثة المتبعة في محطات التحلية.
-
المورد الثالث: هو موردٌ مستحدث نوعًا في دول الخليج، وينحصر استخدامه فقط في الزراعة، وهو معالجة مياه الصرف الصحي وتنقيتها لتكون صالحة لهذا الغرض(6).
فإذا ما ربطنا بين هذه المصادر وكفاءة إنتاجها المائي، وبين مدى حاجة دول الخليج العربية للمياه مع ما جاء في تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2009، الصادر عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة من أن ندرة المياه كانت ولا تزال تمثل أحد تحديات الأمن الإنساني في البلدان العربية بشكل عامٍّ، ودول الخليج العربية بشكل خاصٍّ، وتصنيفه لها ضمن التهديدات البيئية الأكثر خطورة(7) من جانب، وطبَّقنا المؤشر عليها من جانب آخر؛ فهو يعطي دلالة على أن أي دولة يقلُّ متوسط نصيب الفرد فيها من المياه سنويًّا عن 1000م3 تُعَدُّ دولة تعاني من ندرة مائية؛ فإن ثلاثة عشر بلدًا عربيًّا تقع ضمن فئة البلدان ذات الندرة المائية(8). إن إمدادات المياه العذبة المتجدِّدة هي الآن دون 500م3 للفرد في السنة في كل دول الخليج العربية؛ فالكويت على سبيل المثال تعتمد اعتمادًا كاملاً تقريبًا على الموارد المائية غير التقليدية؛ مثل تحلية المياه(9).
ونتيجة لذلك فإن هذا ما توقَّعته "المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم" و"المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأرضي القاحلة" من ظهور عجز مائي شديد في دول الخليج العربية بحلول عام 2030، وأن كافَّة دول الخليج العربية ستكون ضمن حزام الندرة المائية؛ ولتحديد الوضع المائي الراهن في دول الخليج العربية نعرض أهم الموارد المائية والاحتياجات الأساسية، وكيفية إدارة الموارد المائية المتاحة على النحو التالي:
أولا: أهم الموارد المائية
المصادر المائية في دول الخليج العربية متعددة؛ من أهمها:
أ- الموارد المائية السطحية، وأهمها:
-
الأمطار: يتراوح معدل الهطول المطري ما بين 1-100ملم سنويًّا، وتُشَكِّل الأمطار المصدر الرئيس للتغذية الطبيعية للعديد من الأحواض المائية الجوفية بالمنطقة، ويتضح أن نحو 85% من مساحة هذه الأحواض شديدة الجفاف، وأن مياهها غير صالحة للزراعة.
-
الأودية الموسمية: تنتشر في أنحاء دول المجلس شبكات من الأودية موسمية الجريان المتباينة في كثافتها تبعًا لطبوغرافية الأرض، ونوع التربة، والأحوال البيئية السائدة، وكمية هطول المطر السنوي. وتجري مياه هذه الأودية عادة لفتراتٍ محدودة سنويًّا، تتراوح من بضع ساعات إلى عدَّة أيام أو أشهر، وفي بعض المناطق شديدة الجفاف تفيض مرَّة كلَّ عدَّة سنوات.
ب- الموارد المائية الجوفية:
تختلف نوعية المياه الجوفية من حوض مائي إلى آخر، فمعظم موارد المياه الجوفية توجد في المنطقة الوسطى من المملكة العربية السعودية، ويعود تكوينها إلى عصور ضاربة في القدم، وما زالت المعلومات غير مكتملة حول حالة هذه الموارد؛ مما يُحَتِّم وضع برامج لتنمية تلك الأحواض، وتغذيتها ورفدها من الأمطار بطرق مختلفة؛ حتى يُمكن الاعتماد على هذه المياه عند الحاجة بناء على احتمالات هطول الأمطار؛ ويستدعي ذلك إجراء التسجيلات الدقيقة لها ومتابعتها وتقويمها، ومن أهم خزانات المياه الجوفية الموجودة في المنطقة: أحواض المنطقة الشرقية، وحوض الحماد، والرياض، والربع الخالي، وجميعها تقع في المملكة العربية السعودية.
وتُشير البيانات -التي تم جمعها وتصنيفها من طرف منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة- إلى أن المياه الجوفية تُعَدُّ المصدر الرئيس للمياه العذبة في البحرين، والكويت، وقطر، والمملكة العربية السعودية؛ حيث تعتمد الدول الثلاث الأولى اعتمادًا كليًّا تقريبًا على المياه الجوفية كمصدر وحيد للمياه العذبة؛ بينما نجد أن المياه السطحية هي السائدة في سلطنة عمان، ودولة الإمارات العربية المتحدة.
ت- الموارد المائية غير التقليدية:
في إطار البحث عن موارد مائية جديدة؛ تُعَدُّ دول الخليج العربية من أكبر مناطق العالم إنتاجًا للمياه غير التقليدية؛ إما بواسطة تحلية مياه البحر، أو بواسطة تنقية مياه الصرف الصحي وإعادة استخدام مياه الإنتاج الزراعي، وعلى الرغم من أن تنمية هذه الموارد المائية غير التقليدية، تُكَلِّف أموالاً باهظة بمقارنتها بالموارد المائية التقليدية؛ فإنه سيكون لها شأن يُعتمد عليه في المستقبل؛ بسبب تزايد الطلب على المياه على مرِّ الزمن؛ نظرًا إلى شحِّ الموارد الأخرى للمياه(10).
ث- الموارد المائية المتجددة:
إنَّ عمليات السحب من المياه الجوفية تتجاوز كثيرًا كميات المياه المتجدِّدة المتاحة؛ فالمملكة العربية السعودية -على سبيل المثال- تستخدم 14.430 مليون متر مكعب/السنة، وهو ما يعادل تقريبًا ثلاثة أمثال ونصف من مواردها المائية الجوفية المتجدِّدة، والوضع نفسه في الدول الأخرى؛ حيث تبلغ نسبة السحب نحو (3: 1) في حين أن عمليات السحب في دولة الإمارات العربية المتحدة تفوق هذه النسبة(11).
ولتلبية الطلب المتنامي لهذا القطاع بالكمية والمواصفات النوعية المطلوبين لجأت دول الخليج العربية إلى تعاطي تقنيات التحلية، وتزايد الاعتماد عليها بمضي الوقت مع تدهور نوعية المياه الجوفية، وتستخدم معظم المياه المنتجة من محطات التحلية إما بشكل مباشر، وإما بخلطها مع المياه الجوفية، ولقد ازدادت طاقة التحلية في دول الخليج العربية بشكل متسارع من نحو مليار متر مكعب في عام 1980 إلى أكثر من 9.5 مليار متر مكعب في عام 2010، ومن المتوقَّع أن ترتفع هذه الطاقة بحلول عام 2016 إلى نحو 19 مليار متر مكعب(12).
وهكذا نجد أن تحلية مياه المسطحات المائية تؤدي دورًا بارزًا في زيادة موارد المياه العذبة لتلبية الطلب على المياه في مختلف القطاعات؛ وتمثِّل دول الخليج العربية نحو 60% من الطاقة الإنتاجية لتحلية المياه في العالم(13).
ثانيا: تزايد الطلب المائي
سجَّل الطلب على المياه في دول الخليج العربية خلال السنوات العشر الأخيرة زيادة وصلت إلى ما يناهز 140%، وكانت الكويت إحدى الدول التي تجاوزت نسبة الطلب على المياه للاستخدامات البلدية، وليس من المتوقَّع أن يطرأ تغيير كبير في هذا التوزيع لمخصصات المياه في المستقبل في معظم بلدان المنطقة؛ وعلى كل حال فإنه من المتوقَّع أن تنخفض حصة القطاع الزراعي لإجمالي لدول الخليج العربية من متوسط قدره 63% عام 1995 إلى 48% عام 2025 (14).
وخلال العقود الأربعة الماضية تضاعف عدد السكان أكثر من خمس مرَّات؛ وذلك من نحو 8 ملايين نسمة في عام 1970 إلى نحو 43.5 مليون نسمة في عام 2010؛ حيث يبلغ معدل النمو السكاني الحالي في دول الخليج العربية نحو 3% (15)، الذي يُعَدُّ من أعلى المعدلات في العالم.
وبدءًا من الثمانينات من القرن الماضي رافق التنمية والنمو السكاني المتسارعين زيادة متواترة في الطلب على المياه؛ حيث ارتفع الطلب من نحو 6 مليارات متر مكعب في عام 1980 (16)، إلى أكثر من 32 مليار متر مكعب في عام 2005.
وفي ظلِّ النمو السكاني وزيادة الطلب على الغذاء صاغت معظم دول الخليج العربية سياسات زراعية طموحة؛ تهدف إلى تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية والاكتفاء الذاتي من الغذاء، وأصبح القطاعُ الزراعي المُسْتَهْلِكَ الأكبر للمياه، وذلك بنسبة تصل إلى أكثر من 85% من إجمالي المياه المستخدمة في هذه الدول(17).
ومن العرض السابق يتضح أن هناك ثلاثة أسباب رئيسة متداخلة ومترابطة تؤدي إلى زيادة الطلب على المياه: أولها زيادة السكان في دول الخليج العربية، والثاني زيادة الطلب نتيجة احتياجات التنمية، والثالث الإفراط الزائد في أنماط الاستهلاك المحلي للماء في هذه الدول.
ثالثًا: سياسات الأمن المائي الوطنية لدول الخليج العربية (إدارة الموارد المائية)
يُقصد بسياسات الأمن المائي الوطنية تلك السياسات المائية التي يتمُّ تبنِّيها على المستوى الوطني لكل دولة على حدة من دول الخليج العربية، ويمكن تعريف السياسة المائية إجرائيًّا بأنها: الإطار الذي تتم عبره إدارة الموارد المائية المتاحة، واستنباط مجموعة من القواعد والإجراءات المنظمة لذلك على المستويين الداخلي والخارجي.
وفي إطار العمل بنظام الإدارة المتكاملة للموارد المائية Integrated Water Resources Management (IWRM)؛ حيث تكاد تُجْمِع كافَّة التقارير المتخصصة بقضايا المياه العالمية على أن هناك ثلاثة أنواع من مشكلات المياه التي يتعيَّن مواجهتها:
-
الأول: ذاتي الأسباب؛ ويرجع سببه إلى الهدر الشديد للموارد.
-
الثاني: يتكون من المشكلات التي يمكن توصيفها؛ ولكن لا توجد حاليًّا حلول اقتصادية لها.
-
الثالث: المشكلات التي تُعَدُّ نتاج الطلب المرتفع على المياه، التي تخضع للدراسة والتحليل من خلال الاستراتيجيات الحكومية في السياسة والاستثمار(18).
كما قدمت دراسة حديثة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية Organization of Economic Cooperation Development (OECD) حول حوكمة المياه، والتأكيد على أن العقبات الرئيسة لتحسين إدارة المياه هي تعدُّد المؤسسات المسؤولة عن الموارد المائية، وسوء الحوكمة المتعدِّدة المستويات(19)، ويعتبر تحسين حوكمة المياه في المستويات الحكومية كافَّة شرطًا أساسيًّا للتنمية المستدامة للمياه، ومهمًّا لتحقيق الأمن المائي.
ويمكن تصنيف سياسات الأمن المائي الوطنية -المتبعة حاليًّا في دول الخليج العربية أو الممكن اتباعها مستقبلاً- إلى نوعين من السياسات؛ هما: العرض، والطلب. ولقد اجتهد الباحثون في تحديد أدوات سياسة إدارة الطلب على المياه وآلياته؛ وتشمل: استخدام التقنيات الحديثة في الري، وخصخصة المياه وتسعيرها، وتقليص الدعم على استهلاك المياه في المناطق الحصرية، واتباع نظام الحصص المائية. وعلى مستوى العرض فهناك مراجعة لإعادة توزيع الموارد المائية على القطاعات الأخرى، وتنمية الوعي المائي لدى العامة، وتأتي هذه السياسات في إطار ما يُسَمَّى "الفكر المائي الجديد للبنك الدولي في إدارة المياه"، وهو الفكر الذي يعتمد على إدارة جانب الطلب كبديل للفكر السائد الخاص بإدارة العرض(20)؛ وهي:
-
استخدام تقنيات الري الحديثة(21).
-
استعمال المياه المالحة في الري.
-
تطوير سلالات زراعية أقل استهلاكًا للمياه.
-
تعديل التركيب المحصولي(22).
-
إعادة توزيع المياه بين القطاعات الأخرى.
-
ترشيد استعمال المياه والاهتمام بالتوعية المائية.
رابعًا: أهم التحديات والقضايا المائية التي تواجه دول الخليج العربية
يقع العالم العربي في منطقة جافَّة عمومًا، والظروف تزداد سوءًا بالنسبة إلى الناس الذين يعيشون فيه؛ فقد كانت الموارد المائية المتجدِّدة المتوافرة في العالم العربي في عام 1950 أكثر من 4 آلاف متر مكعب للفرد سنويًّا؛ ولكن هذا الرقم انخفض إلى 1.312 مترًا مكعبًا في عام 1995، ثم إلى 1.233 مترًا مكعبًا في عام 1998، ومن المتوقَّع أن يصل إلى 547 مترًا مكعبًا للفرد سنويًّا بحلول عام 2025(23).
في هذا السياق من الجدير بالملاحظة أنه منذ أوائل التسعينات من القرن العشرين يتزايد استهلاك المياه في كل أنحاء العالم بمعدلات أعلى من ضعف معدل النمو السكاني، ووجدت دراسة مابلكروفت أن 14 دولة من أصل 18 دولة مصنفة في فئة "خطر في الحد الأقصى" تقع في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ وهي مرتبة على النحو التالي: 1. موريتانيا، 2. دولة الكويت، 3. الأردن، 4. مصر، 5. إسرائيل، 7. العراق، 8. عُمان، 9. الإمارات العربية المتحدة، 10. سوريا، 11. السعودية، 14. ليبيا، 16. جيبوتي، 17. تونس، 18. الجزائر، وإضافة إلى هذه الدول وُجد أن إيران ودولة قطر تقعان في مجموعة "خطر مرتفع"؛ ولذلك فإن جميع دول الخليج العربية تشهد مخاطر مائية بمستويات حادَّة أو مرتفعة، باستثناء البحرين(24)، ومن ثَمَّ ففكرة الاعتماد على دول الإقليم هي فكرة غير عملية؛ لأن أغلب دول الإقليم تعاني من ندرة المياه كما تُؤكد غالبية التقارير الدولية المعنية.
ونظرًا إلى أن المصادر المائية لغالبية دول الخليج العربية تقع في أحواض مشتركة؛ فإنها تواجه العديد من القضايا والتحديات في إدارة قطاع المياه من أهمها:
-
انخفاض مؤشر حصة الفرد من المياه العذبة في هذه الدول(25)؛ حيث وصل إلى أقل من 500 م3/السنة (خط الفقر المائي الحاد).
-
ارتفاع معدلات الطلب على المياه بالقطاع البلدي بنسب تفوق قدرة هذه الدول على تطوير مواردها المائية المتمثلة في التحلية وإعادة الاستخدام، التي تستنزف ميزانياتها(26).
-
انخفاض منسوب خزانات المياه الجوفية، والتدهور المستمر في نوعيتها؛ نتيجة الاستخدام المكثف لهذه المياه بشكل عشوائي، وهو ما أسهم في استنزافها، وانخفاض مستوياتها.
-
الفجوة المائية بين متطلبات القطاع الزراعي وبين الموارد المائية المتاحة؛ حيث يُعَدُّ القطاع الزراعي المستهلك الأكبر للمياه؛ الذي يستحوذ على أكثر من 85% من إجمالي استخداماتها(27).
-
زيادة حجم الإنفاق المالي لدعم المياه؛ حيث أدى "الدعم العام غير الموجَّه" إلى تفاقم الطلب على المياه، وفرض عبء مالي كبير على كاهل الموازنات الوطنية، وما نتج عنه من انخفاض نسب استرجاع التكاليف(28).
-
تأثُّر الموارد المائية سلبًا -كما تُشير التقارير الدولية- نتيجة للتغيرات المناخية في منطقة العالم العربي بشكل عام، ومنطقة الجزيرة العربية بشكل خاص، وهو ما سينعكس سلبًا على الموارد المائية الطبيعية لدول الخليج العربية؛ ومن أهم هذه التقارير: التقرير التقويمي الأخير للجنة الحكومية الدولية لتغير المناخ The Intergovernmental Panel on Climate Change (IPCC)، التابعة لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية United Nations Environment Programme (UNEP)(29).
خامسًا: مستقبل الأمن المائي في دول الخليج العربية
دلَّت دراسات حديثة على أن الطلب العالمي على المياه في عام 2030 سيكون أعلى بنسبة 40% مما هو عليه حاليًّا، وسوف يُسهم النمو السكاني غالبًا في زيادة الطلب على المياه؛ فقد تجاوز عدد سكان العالم سبعة مليارات نسمة، وإذا استمرَّ معدل النمو السكاني الحالي على ما هو عليه الآن فقد يُعاني نحو 60% من سكان العالم ندرة في المياه بحلول عام 2025(30)، وسوف يزداد هذا الوضع سوءًا مع تزايد عدد السكان، وهبوط منسوب المياه في أشد البلدان تعرُّضًا لندرة المياه إلى أقل من 100م3 للفرد في اليوم (كما هو موضح في الجدول التالي حالة ندرة المياه المتوقَّعة عام 2035 في بعض دول الجزيرة العربية، وهذا أقل جدًّا من مستوى ندرة المياه الشديدة البالغ 500 م3 في اليوم، الذي حدَّده معهد التعليم في مجال المياه التابع لمنظمة اليونسكو، الذي يَعُدُّ توافر المياه محدِّدًا أساسيًّا للحياة:
الجدول (1)
توافر المياه في المناطق الأشد ندرة في المياه في العالم عام 2035(31)
الدولـة | عدد السكان عام 2010م (بالآلاف) |
عدد السكان المتوقع عام 2035م (بالآلاف) |
توافر المياه للشخص عام 2035م (م3 /شخص/سنة) |
الإمارات العربية المتحدة | 7.512 | 11.042 | 13.6 |
دولـة قطـر | 1.759 | 2.451 | 21.6 |
المملكة العربية السعودية | 27.448 | 40.444 | 59.3 |
مملكة البحرين | 1.262 | 1.711 | 67.8 |
الجمهورية اليمنية | 24.053 | 46.196 | 88.8 |
دولـة الكويت | 2.737 | 4.328 | 4.6 |
وتأتي أربع من دول الخليج العربية الست -ومنها قطر- بين أكثر عشر دول في العالم تعرُّضًا لندرة المياه، وتأتي الكويت (10 أمتار مكعبة للفرد في العام) على رأس ترتيب الدول التي تُعاني من ندرة المياه في العالم، والإمارات العربية المتحدة (58 مترًا مكعبًا للفرد في العام) في المركز الثالث، وقطر (94 مترًا مكعبًا للفرد في العام) في المركز الخامس، والسعودية (118 مترًا مكعبًا للفرد في العام) في المركز الثامن؛ أما دولتي الخليج الباقيتين البحرين وعُمان؛ إذ جاء فيه أن هاتين الدولتين تستهلكان نسبة 2.8 و1.5 -على التوالي- أكثر مما لديهما من موارد مائية(32).
سادسًا: استراتيجيات مواجهة مهددات الأمن المائي وإدارتها في دول الخليج العربية
تم طُرح العديد من الأفكار الاستراتيجية لمواجهة التحديات السابق ذكرها؛ نوجزها فيما يلي:
-
استيراد المياه عبر الأنابيب: على سبيل المثال مشروع "أنابيب السلام"، وقد تجدَّد طرح المشروع عقب انطلاق مؤتمر مدريد لمفاوضات السلام في الشرق الأوسط عام 1991؛ حيث كان على أجندة المفاوضات المتعددة الأطراف، إلا أن عوامل عدة -اقتصادية وسياسية- حالت من دون أن يصبح المشروع واقعًا ملموسًا.
-
استمطار السحب: وذلك باستخدام التقنيات الحديثة لاستمطار السحب.
-
نقل جبال الجليد العائمة؛ حيث تُعَدُّ هذه التقنية متقدمة؛ إلا أنها لم تُطَبَّق حتى الآن؛ وهي من حيث التطبيق العملي مكلفة للغاية؛ ناهيك أن استيراد المياه يتأثَّر بالأوضاع والعلاقات الدولية.
ويمكن وضع مجموعة من السيناريوهات تنطلق من الواقع العملي وتحدِّده وتُؤَيِّده استراتيجيات التنمية؛ خاصة أنها تأتي في إطار مشروعات الإنماء؛ التي يتبنى بعضها البنك الدولي؛ ومن أهم هذه السيناريوهات:
-
السيناريو الأول: الاستثمار الزراعي في بلاد الوفرة المائية في إطار برامج البنك الدولي للإنماء (في دول مثل: السودان، والفلبين، وإثيوبيا، وأوغندا، وتركيا)، وتنفذه بعض دول الخليج حاليًّا.
-
السيناريو الثاني: سرعة إنجاز الاستراتيجية الشاملة لتنمية الموارد المائية لدول الخليج العربية.
-
السيناريو الثالث: التعجيل بمشروع الربط المائي بين دول الخليج العربية أسوة بمشروع الربط الكهربائي.
-
السيناريو الرابع: وضع خطط استراتيجية للبحث العلمي في مجالات تكنولوجيا تحلية المياه.
-
السيناريو الخامس: إقامة مشروعات زراعية عربية/تركية تقام على أراضٍ عربية، وتُروى بمياهٍ تركية يتقاسم الطرفان ريعها في إطار قانوني.
خاتمـة
تُعَدُّ المياه العذبة ثروة نادرة، وأصبح توافرها أكثر صعوبة بسبب الضغط السكاني، وسوء الإدارة، والتغير المناخي، وتُعَدُّ مياه البحر المحلاة موردًا شديد الأهمية بالنسبة إلى توفير احتياجات سكان دول الخليج العربية، والاقتصادات الحديثة التي أصبحت تعتمد على التحلية، وفي حال حدوث انقطاع إمدادات المياه لفترات طويلة؛ فإن ذلك سيترك عواقب خطيرة تهدِّد الاستقرار السياسي والاجتماعي في الدول المتأثرة؛ ولذلك ينبغي التوصُّل إلى فهم أفضل للتهديدات المحدقة بإمدادات المياه، وتحديد درجات جاهزية تعلن بها المؤسسات الحكومية المعنية بإنذار مبكر، وفي الوقت ذاته يدرس التدابير الوقائية والإجراءات المخففة التي يمكن أن تضمن الأمن المائي للجميع؛ وذلك إلى جانب سرعة إنجاز الخطط التنفيذية لسيناريوهات المواجهة المقترحة التي وردت في هذا التقرير.
_________________________________
د. طه بن عثمان الفراء - أستاذ في جامعة نايف للعلوم الأمنية بالرياض
المصـادر والمراجـع
(1) Global Water Partnership (GWP), Towards Water Security: A Framework for Action (Stockholm, Sweden: Global Water Partnership, 2000).
(2) Global Water Partnership, “Increasing Water Security: A Development Imperative,” Perspectives Paper, 2012, (www.gwp.org; www..gwptoolbox.org).
(3) الأشرم، محمود، اقتصاديات المياه في الوطن العربي والعالم (بيروت مركز دراسات الوحدة العربية، 2001) ص30.
(4) Peter H. Gleick, The World’s Water 2002 – 2003: The Biennial Report of Freshwater Resources (Washington, DC: Island Press, 2002), p. 7.
(5) مخيمر، سامر، وخالد حجازي، أزمة المياه في المنطقة العربية: الحقائق والبدائل الممكنة، سلسلة عالم المعرفة، العدد209 (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، مايو/أيار 1996م) ص43.
(6) أبو زيد، محمود، المياه صدر للتوتر في القرن 21 (القاهرة: مركز الأهرام للترجمة والنشر، 1998م) ص14.
(7) برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (تحديات الأمن الإنساني في البلدان العربية، تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2009م) ص31.
(8) M. Falkenmark, Willful Neglect of Water: Pollution – A Major Barrier to Overcome (Stockholm: Stockholm International Water Institute Waterfront, 1998).
(9) برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (تحديات الأمن الإنساني في البلدان العربية، تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2009م) ص31.
(10) انظر: https://www.gulfpolicies.com/index.php.
(11) Ibid.
(12) Muhammad Aslam Malik, G.N. Tiwari, A. Kumar, M.S. Sodha, Solar Distillation (Oxford, UK: Pergamon Press, 1985).
(13) J.B. Alterman and M. Dziuban, Clear Gold: Water as a Strategic Resource in the Middle East (Washington, DC: Center for Strategic and International Studies, 2010).
(14) J.S. Wallace, “Increasing Agricultural Water Efficiency to Meet Future Food Production,” Agriculture, Ecosystems and Environment, Vol. 82 (2000), pp. 105-119.
(15) David Grey and Claudia W. Sadoff, “Sink or Swim? Water Security for Growth and Development,” Water Policy, vol. 9, no. 6, 2007, pp. 545-571.
(16) Reza Fathollahzadeh Aghdam, & others, “Why Invest in Eastern Province?” Asharqia Chamber of Commerce, 2008.
(17) Brian Fagan, “Fresh water supplies are going to run our, so what can we do to make the taps keep running?” The Independent, June 30, 2011.
(18) Inter Press Service New Agency (IPS), “UAE-GCC SUMMIT: Abu Dhabi Water Declaration calls for Adoption of Modern Farming Technologies,” Emirates New Agency (WAM), December 8, 2010 (http://ipsonitizie.it/war_en/news.php?idnews=7963).
(19) Organization for Economic Co-operation and Development (OECD), Water Governance in OECD Countries: A Multi-Level Approach (Paris, France: OECD Publishing, 2001).
(20) The Royal Academy of Engineering, “Global Water Security: An Engineering Perspective,” April 2010, available at: (www.raeng.org.uk/gws).
(21) Mark W. Rosegrant, Irrigation Investment and Management in Asia: Trends, Priorities and Policy Directions (Washington, DC: World Bank, 1991), pp. 8-13.
(22) الحفناوي، غادة، (التنمية الزراعية والمياه مع إشارة خاصة لمصر: مسح مرجعي)، كراسات التنمية العدد 10 القاهرة: مركز دراسات وبحوث الدول النامية، 2002م، ص47، 48.
(23) Arab Water Council, “Arab Countries Regional Report,” 5th World Water Foru7m, February 24, 2009.
(24) UN Water, “Statistics: Graphs and Maps: Water Use,” 2011 (http:www.unwater.org/ statistics_use.html).
(25) M. Falkenmark, “The massive water scarcity now threatening Africa – Why isn’t it being addressed,” (Ambio, 18 [1989], 112-118.
(26) برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تقرير التنمية البشرية2011م (نيويورك: منشورات الأمم المتحدة، 2011م).
(27) Al-Zubair, “Integrated Groundwater Management in the GCC Countries, A Review, "Paper presented at the 8th Gulf Water Conference, Water Sciences and Technology Association, Bahrain, March 2008
www.waleedzubari.com/publications/conferences-papers
(28) A.L. Heathwaite, “Multiple Stressors on Water Availability at Global to Catchment Scales: Understanding Human Impact on Nutient Cycles to Protect Water Quality and Water Availability in the Long Term,” Freshwater Biology no. 55 (supplement 1), 2010, pp. 241-257.
http://www.fao.org/docrep/016/i2809e/i2012e.pdf
(29) انظر: https://www.ipcc.ch/organization/organization.shtml
http://blogs.worldbank.org/water/2012
(30) M. Qadir, B.R. Sharma, A Bruggeman, R. Choukr-Allah, and F. Karajeh, “Non-conventional Water Resources and Opportunities for Water Augmentation to Achieve Food Security in Water Scarce Countries,” Agricultural Water Management no. 87, 2007, pp. 2-22.
(31) المصـدر: FAO, 2012, Op, Cit, and World Bank, 2012, op, cit
انظر: http://blogs.worldbank.org/water/2012 & http://www.fao.org/docrep/016/i2809e/i2012e.pdf
(32) انظر: http://www.beatona.net/CMS/index.php
عودة للصفحة الرئيسية للملف |