(الجزيرة) |
ملخص وباستخدام منهج المسح وأداة تحليل المضمون الكيفي لعينة عمدية من صحف: الثورة، واليمن اليوم، والمصدر، كعينة ممثِّلة لمجتمع الوسائل الإعلامية اليمنية المكتوبة، والصادرة خلال الفترة الانتقالية المحدَّدة كفترة زمنية للدراسة، والاعتماد على نظرية الأطر الإخبارية -كإطار نظري- تمَّ التوصُّل إلى عدد من النتائج، أجابت في محتواها عن التساؤلات المطروحة ضمن هذه الدراسة؛ إذ تبيَّن أن أطر الصراع هي الأكثر استخدامًا كتعبير عن واقع الصراع السياسي؛ الذي اتسمت به الفترة الانتقالية إلى جانب أطر المسؤولية، على الرغم من مبدأ التوافق الذي أقرَّته المبادرة الخليجية المنظمة لهذه الفترة، والموقَّعة من قِبَل الأطراف السياسية اليمنية؛ أما أطر الاهتمامات الإنسانية فقد حلَّت ثانيًا من حيث استخدامها، وإن ارتبطت بقضيتي الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة فقط دون قضيتي هيكلة الجيش واستقالة الرئيس والحكومة؛ وذلك في وقت لم تُستخدم أطر النتائج الاقتصادية؛ إلا في حالات نادرة بشكل لا ينسجم وحاجة الدولة والمجتمع للتحذير من نتائج الصراع السياسي على الاقتصاد اليمني المتردِّي بطبيعته. وتفاوتت بنسب مختلفة اتجاهات التغطية الخبرية للصحافة اليمنية حول قضايا الصراع السياسي ما بين مؤيد ومحايد ومعارض، وكان لنمط ملكيتها المرتبط بتوجُّه محتواها المعبِّر عن كل طرف (معارض أو سلطة)، دورٌ في طبيعة اتجاه التغطية، كما اختلف مستوى التزام الصحف اليمنية بالقواعد المهنية الحاكمة للممارسة الإعلامية ما بين مقياس وآخر ضمن مقاييس القواعد المهنية، وما بين وسيلة وأخرى، وكان لاختلاف عدد سنوات الخبرة في الممارسة الإعلامية للوسيلة وطبيعة توجُّهها، ومحاولة انتهاج مبدأ المحايد حينًا والمعارض حينًا آخر، أثرٌ في ذلك الاختلاف. وخلصت الدراسة إلى أن استخدام وسائل الإعلام اليمنية لأطر واتجاهات محدَّدة في تغطيتها لقضايا الصراع السياسي، قد يكون بغرض توجيه الرأي العام، خاصة القواعد الحزبية، لتبنِّي اتجاهات محدَّدة نحو تلك القضايا، تتوافق والممارسات الحزبية التي تُعبِّر عنها تلك الوسائل؛ خاصة أن التغطية الإعلامية في الوسائل المكتوبة غالبًا ما تلي الحدث بيوم أو أكثر، وتكون فيه القوى السياسية والحزبية قد اتخذت في معظم الحالات مواقفها نحو تلك القضايا. |
مقدمة
مع نهاية العقد الأول من القرن الحالي شهد الإعلام اليمني تغيُّرًا في واقعه عما كان عليه منذ إعلان الوحدة اليمنية عام 1990؛ فلم يَعُدْ قائمًا على احتكار الدولة للإعلام المرئي والمسموع والصحف الثلاث اليومية الوحيدة التي تشرف عليها وزارة الإعلام؛ حيث أُسِّست قنوات تليفزيونية فضائية خاصة؛ مثل: السعيدة، واليمن اليوم، وسهيل، والمسيرة، وآزال.. وغيرها من القنوات التليفزيونية إلى جانب الفضائية اليمنية الحكومية، وأُنشئت -أيضًا- محطات إذاعية خاصة؛ مثل: إذاعة يمن تايمز، وإذاعة يمن FM(1) في ظل وجود إذاعة البرنامج العام والإذاعات الإقليمية الحكومية.
أما الصحافة المكتوبة فلم تَعُدْ تقتصر على الصحف الأسبوعية التي تُصدرها بعض الأحزاب، والجرائد المستقلة المملوكة لأفراد أو جماعات؛ بل صدرت صحف يومية وأسبوعية وصل عددها حتى الفترة الانتقالية إلى 89 ما بين حكومية وحزبية وأهلية؛ مثل الصحف اليومية: الأولى، واليمن اليوم، والمصدر، وأخبار اليوم، وغيرها من الصحف والمجلات التي صدرت مؤخرًا بجانب جريدة الثورة اليومية الرسمية التابعة للدولة؛ التي صدر عددها الأول في 28 من سبتمبر/أيلول 1962(2).
ومع هذا التنوع والاختلاف في التوجُّه للوسائل الإعلامية ما بين الموالية والمعارضة، اختلفت تلك الوسائل -وفقًا للملاحظة- في تسميتها وتأطيرها للأحداث السياسية التي شهدها اليمن منذ فبراير/شباط 2011؛ حيث وُصفت تلك الأحداث حسب وسائل إعلام المعارضة (أحزاب اللقاء المشترك) بـ"الثورة الشعبية السلمية"، وعُرفت وفقًا لوسائل إعلام الحزب الحاكم آنذاك (المؤتمر الشعبي العام) بـ"الأزمة السياسية".
وتخلَّل تلك الأحداث ما سُمِّي بـ"جمعة الكرامة" في 18 من مارس/آذار 2011، وهو التوصيف الذي اختلفت حوله وسائل الإعلام اليمنية الموالية والمعارضة، وعلى تحديد المتسبب في تلك الوقائع. أعقبها بداية الحشد للموالين في ميدان "السبعين" تأييدًا لـ"الشرعية الدستورية"؛ بحسب ما كان يُذكر في الوسائل الإعلامية الموالية، ردًّا على الحشد المعارض في شارع "الستين"؛ الذي روَّجت له الوسائل الإعلامية المعارضة بأنه مطالب بما سُمِّي حينها بـ"الشرعية الثورية".
ومع استمرار الحشد والحشد المضادِّ، وعدم قدرة الأطراف الفاعلة على حسم الموقف، تم التوقيع على المبادرة الخليجية، فتوافقت حينها كل الوسائل الإعلامية الرسمية والحزبية والأهلية -خلال الانتخابات الرئاسية التي تمَّت بالاقتراع المباشر- على اختيار عبد ربه منصور هادي رئيسًا انتقاليًّا لمدة عامين؛ بدءًا من 21 فبراير/شباط 2012. وبتسلم هادي السلطة وتشكيل الحكومة الانتقالية برئاسة محمد سالم باسندوة، عادت الوسائل الإعلامية اليمنية الموالية والمعارضة للاختلاف، وتقاذف الاتهامات حول أحداث التخريب والانفلات الأمني والاغتيالات للقادة السياسيين والعسكريين؛ التي شهدتها الفترة الانتقالية؛ فهل كانت كذلك في تغطيتها للأحداث والقضايا الأخرى المتمثَّلة في هيكلة الجيش ومؤتمر الحوار الوطني ومخرجاته، وتشكيل لجنة الأقاليم الستة لليمن الاتحادي؛ وذلك إلى جانب توقيع اتفاق السلم والشراكة بعد دخول الحوثيين صنعاء، واستقالة الرئيس هادي وحكومة خالد بحاح، بعد الأحداث المعروفة إعلاميًّا بأحداث دار الرئاسة، تلك القضايا التي شكلت مجالاً خصبًا للاختلاف أحيانًا كثيرة والتوافق حينًا بين الأحزاب والقوى السياسية اليمنية.
1. الإجراءات المنهجية للدراسة
أ- مشكلة الدراسة
في ظل هذا الاختلاف الواسع والتوافق النادر -بحسب الملاحظة الأولية- لمضامين الوسائل الإعلامية اليمنية الموالية والمعارضة، يتبادر إلى الذهن تساؤل حول ما إذا كانت تلك الوسائل -بتغطيتها للأحداث السياسية اليمنية- ناقلة لواقع الاختلاف في الممارسة الحزبية للقوى السياسية اليمنية، التي تُعَبِّر عنها تلك الوسائل، أم أن تأطيرها وتغطيتها للأحداث يدفعان القوى السياسية والموالين لكل منها، نحو الاختلاف بشأن تلك الوقائع؛ وذلك في وقت تتنوَّع فيه الوسائل الإعلامية اليمنية ما بين المرئية والمسموعة والمقروءة والإلكترونية، وتختلف في مضامينها وتوجُّهاتها وفقًا لنمط ملكيتها، وتمارس العمل الإعلامي داخل اليمن؛ وذلك في ظل قانون يقتصر على تنظيم العمل الصحفي المطبوع، ممثَّل في القانون رقم (25) الصادر سنة 1990(3)، وقانون آخر لم يصدر للإعلام المرئي والمسموع والإلكتروني والمطبوع بسبب الصراع بين الكتل البرلمانية الممثِّلة للأحزاب السياسية حول بنوده خلال مناقشته في مجلس النواب اليمني؛ وبذلك تكون الوسائل الإعلامية اليمنية على اختلاف أنواعها ونمط ملكيتها وتوجُّه مضامينها، قد خاضت وما زالت تخوض غمار الممارسة الإعلامية، دون الانتظار لإقرار قانون يُنَظِّم تلك الممارسة.
وبناءً عليه يفترض الباحث في هذه الدراسة أن يعكس هذا الاختلاف -في التوجُّه والملكية والتعدُّد في النوعية للوسائل الإعلامية اليمنية، التي واكب إنشاؤها بداية الفترة الانتقالية المتنوعة في قضايا الصراع السياسي التي شهدتها- اختلافًا في أطر التغطية الإخبارية ومحدداتها لتلك القضايا بين الوسائل الإعلامية اليمنية باختلاف توجهاتها، موالية كانت للسلطة أو معارضة، لاسيما إذا علمنا أن الإعلام اليمني الحزبي والأهلي -وإن اقتصر على الصحافة الورقية، وانحسر تأثيره على النخبة فقط خلال الفترة السابقة للفترة الانتقالية- قد أوجد حالة من التنوع في طرق المعالجة للقضايا السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية حينذاك، كما أشارت إلى ذلك دراسات إعلامية يمنية سابقة(4).
لذا، يمكن استخلاص قضية هذه الدراسة وتحديدها في محاولة الإجابة عما إذا كان للاختلاف في أنماط ملكية الوسائل الإعلامية اليمنية باختلاف مموليها، وفي توجهاتها باختلاف الممارسة السياسية للأحزاب والقوى السياسية الموالية لها، دورٌ في اختلاف أطر تغطيتها الإخبارية ومحدداتها للأحداث والصراعات السياسية التي شهدها اليمن خلال الفترة الانتقالية الأخيرة.
ب- تساؤلات الدراسة
يسعى الباحث في هذه الدراسة للإجابة عن التساؤل الرئيس الآتي:
هل تختلف الأطر الإعلامية للتغطية الإخبارية للصراع السياسي في وسائل الإعلام اليمنية؟
وتقتضي الإجابة عن هذا التساؤل مقاربة مجموعة من العناصر:
-
ما نوع قضايا الصراع السياسي التي وردت في وسائل الإعلام اليمنية الموالية والمعارضة؟
-
ما مصادر الأخبار التي تمَّ الاعتماد عليها في استقاء قضايا الصراع السياسي؟
-
ما اتجاه المضمون في التغطية الإخبارية لقضايا الصراع السياسي في وسائل الإعلام الموالية والمعارضة؟
-
ما الأطر الإعلامية المستخدمة في التغطية الإخبارية لقضايا الصراع السياسي؟
-
ما طبيعة القواعد المهنية الحاكمة للممارسة الإعلامية في تغطية وسائل الإعلام اليمنية الموالية والمعارضة لقضايا الصراع السياسي؟
ج- أهمية الدراسة
بالرجوع إلى الدراسات الإعلامية اليمنية السابقة، قياسًا بالفترة الزمنية التي تناولتها هذه الدراسة، والمتمثلة في الفترة الانتقالية التي ازدادت خلالها حدة الصراع السياسي، يمكن إدراك أهميتها في كونها من الدراسات النادرة، إن لم تكن الوحيدة التي تصدَّت في مضمونها ونتائجها لتحديد أطر التغطية الإخبارية لقضايا الصراع السياسي في الوسائل الإعلامية اليمنية الموالية والمعارضة خلال تلك الفترة، ودراسة اتجاهات تلك التغطية والقواعد المهنية الحاكمة لها.
ويُبرز ذلك جانبًا من التحديات التي تمت مواجهتها في رصد تلك التغطية، خاصة فيما يتعلق باستطلاع رأي القائمين بالاتصال؛ إذ لا توجد محددات للسياسة الإعلامية للوسيلة التي يشرفون عليها، وإصباغ الخدمة الخبرية المقدمة بطابع العمومية في التغطية والتناول؛ مما يجعل حدود الدراسة تقتصر على التحليل للمادة الخبرية في الوسائل الإعلامية فقط.
د- أهداف الدراسة
تسعى الدراسة إلى تحقيق الهدف الرئيس الآتي:
تحديد الأطر الإعلامية للتغطية الإخبارية للصراع السياسي في وسائل الإعلام اليمنية.
ولتحقيق هذا الهدف تحاول الدراسة:
-
التعرف على أبرز قضايا الصراع السياسي التي وردت في وسائل الإعلام اليمنية خلال الفترة الانتقالية.
-
رصد المصادر الإخبارية التي تم الاعتماد عليها في استقاء قضايا الصراع السياسي.
-
قياس اتجاه المضمون في التغطية الإخبارية لقضايا الصراع السياسي.
-
تحديد الأطر الإعلامية المستخدمة في التغطية الإخبارية لقضايا الصراع السياسي في وسائل الإعلام اليمنية.
-
معرفة القواعد المهنية الحاكمة للممارسة الإعلامية في تغطية وسائل الإعلام اليمنية لقضايا الصراع السياسي.
ه- مجتمع وعينة الدراسة
يشمل مجتمع هذه الدراسة الوسائل الإعلامية اليمنية (الصحافة التليفزيونية والمكتوبة الرسمية والمعارضة)؛ لكن ضعف نظام الأرشفة، وصعوبة الرجوع إلى المادة الإعلامية الخبرية في الصحافة التليفزيونية في القنوات الفضائية اليمنية الرسمية والمعارضة، إلى جانب تشابه عناوين ومضامين المواد الخبرية في الصحافة التليفزيونية اليمنية الموالية لكل تيار مع المضمون الخبري للصحافة المكتوبة التابعة للتيار نفسه، وفقًا للملاحظة والاستطلاع الأولي الذي قام به الباحث، أدى إلى الاكتفاء بتحليل التغطية الخبرية في الصحافة المكتوبة الرسمية والمعارضة.
ومن أجل ذلك تم تحديد عينة تمثِّل مجتمع الصحف الورقية المكتوبة الصادرة في اليمن؛ وهي:
-
صحيفة "الثورة" اليومية الرسمية، كعينة ممثِّلة لمجتمع الصحف الرسمية الموالية للسلطة الحاكمة.
-
صحيفة "اليمن اليوم" اليومية، كعينة ممثِّلة لمجتمع الصحف المعارضة والـمُعبِّرة عن تيار المؤتمر الشعبي العام وحلفائه.
-
صحيفة "المصدر" اليومية، كعينة ممثِّلة لمجتمع الصحف المعارضة والـمُعَبِّرة عن تيار التجمع اليمني للإصلاح، أحد أحزاب اللقاء المشترك وشركائه.
وتم اختيار الصحف الثلاث السابقة للأسباب الآتية:
-
إمكانية رصد توجه كل طرف سياسي عبر كل جريدة موالية له، بحسب ما ذُكر سابقًا.
-
آلية الصدور اليومي للصحف الثلاث مقارنة ببقية الصحف اليمنية الأخرى، وهو ما يتيح اختيار العينة بشكل متساوٍ من حيث العدد، وفي توقيت مشترك من حيث تاريخ الصدور.
-
الإمكانات المالية التي تمتلكها الصحف الثلاث مقارنة ببقية الصحف اليمنية الأخرى، قياسًا بقدرتها على الصدور اليومي؛ مما يشير إلى قدرتها على رصد ومتابعة أبرز أحداث الصراع السياسي.
وعن الإطار الزمني للدراسة فقد حُدِّد بالفترة الانتقالية من 2012 حتى يناير/كانون الثاني 2015.
ونتيجة لتنوُّع قضايا الصراع السياسي التي شهدها اليمن خلال الفترة الانتقالية، فقد تم تحديد قضية هيكلة الجيش اليمني الذي تم في 19 من ديسمبر/كانون الأول 2012(5)، وقضية مؤتمر الحوار الوطني ومخرجاته الذي بدأ أولى جلساته في 18 من مارس/آذار 2013(6)، وقضية اتفاق السلم والشراكة الموقع من قِبَل الأطراف السياسية اليمنية في 21 من سبتمبر/أيلول 2014(7)، وقضية استقالة الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومة خالد بحاح في 22 من يناير/كانون الثاني 2015، ممثلة لأبرز الأحداث المهمَّة المعبِّرة عن أشكال الصراع السياسي خلال تلك الفترة.
ولتحليل مضمون التغطية الخبرية للقضايا الأربع في الصحف الثلاث المختارة والمشار إليها سابقًا، تم اختيار عينة الدراسة بطريقة عمدية، تمثلت في خمسة** أعداد من كل صحيفة، صدرت خلال الأيام الخمسة التي تلت تاريخ الأحداث الأربعة موضوع الصراع السياسي.
جدول رقم (1) يوضح توزيع العينة الممثلة لكل صحيفة
و- الإطار النظري للدراسة
اعتمدت الدراسة نظرية الأطر الإخبارية (Framing Theory of News) التي يمكن عبر فرضياتها قياس مضامين التغطية الإخبارية للقضايا المختلفة في الوسائل الإعلامية خلال فترة زمنية معينة(8)؛ حيث تفترض هذه النظرية أن الأحداث لا تنطوي في حدِّ ذاتها على مغزى معين، وإنما تكتسب مغزاها من خلال وضعها في إطار يحددها ويضفي عليها قدرًا من الاتساق بالتركيز على بعض جوانب الموضوع وإغفال جوانب أخرى؛ لذلك فالإطار الإعلامي هو الفكرة المحورية التي تنتظم حولها الأحداث الخاصة بقضية معينة(9).
وعلى الرغم من اختلاف الصحفيين في طرق صياغتهم للأخبار، فإن أطرًا محددة تسيطر على تلك الصياغات المختلفة؛ وتتمثل في:
-
الإطار المحدد بقضية: حيث يتم التركيز على قضية أو حدث تبدو جوانبه واضحة عند الجمهور؛ لأنه حدث مرتبط بوقائع ملموسة عندئذٍ يركز الإطار على المدخل الشخصي أو تقديم عناصر الحدث وتداعياته.
-
إطار الاستراتيجية: يرى الأحداث في سياقها الاستراتيجي المؤثِّر على أمن الدولة القومي، ويتلاءم هذا الإطار مع الأحداث السياسية والعسكرية.
-
إطار الاهتمامات الإنسانية: يرى الأحداث في سياق تأثيراتها الإنسانية والعاطفية العامة وتصاغ الرسائل في قوالب وقصص درامية ذات نزعة عاطفية مؤثرة.
-
إطار النتائج الاقتصادية: يضع هذا الإطار الوقائع في سياق النتائج الاقتصادية التي نتجت عن الأحداث، ويُشير إلى التأثير المتوقَّع أو القائم على الأفراد والدول والمؤسسات، لجعل الرسالة الإعلامية أكثر فاعلية على الناس وأكثر ارتباطًا بمصالحهم.
-
إطار المسؤولية: يضع القائم بالاتصال الرسالة للإجابة عن السؤال: "من المسؤول عن الحدث؟" وتحديده في شخص أو مؤسسة أو قانون أو سلوك أو حكومة محددة.
-
إطار الصراع: بتقديم الأحداث في إطار صراع حادٍّ، تتجاهل فيه الرسائل الإعلامية عناصر مهمَّة، من أجل إبراز سياق ذلك الصراع والفساد وعدم الثقة في المسؤولين, وترى الأشخاص قبل أن ترى الأحداث، وترصد المصالح قبل أن ترصد الأهداف، وتقيس الرسالة غالبًا بمقياس الخاسر والرابح، والمنتصر والمهزوم.
-
إطار المبادئ الأخلاقية: عن طريق عرض الوقائع في السياق الأخلاقي للمجتمع, تتم من خلاله مخاطبة المعتقدات والمبادئ الراسخة عند المتلقي, والاستشهاد بالاقتباسات والأدلة الدينية التي تدعم سوقه للوقائع أو بالمصادر والجماعات المرجعية التي تؤكد هذا الإطار(10).
غير أن عوامل معينة تتحكم في تحديد تلك الأطر، يمكن تلخيصها في النقاط التالية(11):
-
طبيعة الأحداث التي تتم تغطيتها.
-
الممارسة الإعلامية وأنماطها المختلفة.
-
نوعية المصادر الإخبارية.
-
المعتقدات الأيديولوجية والثقافية للقائم بالاتصال في الوسيلة الإعلامية.
ز- منهج الدراسة
تندرج هذه الدراسة ضمن البحوث الوصفية التي تسعى إلى البحث في ظاهرة مجتمعية غير ملموسة(12)، وتهتم بوصفها والتعرف على عناصرها ومكوناتها عن طريق جمع وتحليل المعلومات والبيانات وتفسيرها بالاعتماد على منهج المسح مقارنةً بالمناهج الأخرى المستخدمة في البحوث الوصفية، كونه الأكثر استخدامًا في جمع البيانات بأسلوب علمي(13)؛ وإمكانية تطبيقه للتعرف على طبيعة التغطية الخبرية لقضايا الصراع السياسي في الصحافة الورقية المكتوبة الممثلة في عينة الدراسة.
ح- أداة جمع البيانات
تم استخدام أداة تحليل المضمون بشقه الكيفي الذي يسعى إلى النظر للمضمون باعتباره انعكاسًا لظاهرات أعمق، بهدف التوصل إلى ملاحظات عامة عن خصائص المضمون(14)؛ وذلك عبر تحديد وصياغة وحدات ومقاييس وفئات الأداة لتحديد أطر التغطية الإخبارية لقضايا الصراع السياسي في عينة ممثِّلة للوسائل الإعلام اليمنية؛ وذلك من خلال:
-
وحدة التحليل: المادة الخبرية في الصحافة الورقية المكتوبة الموالية والمعارضة.
-
وحدة القياس: موضوع الخبر ذو الصلة بقضايا الصراع السياسي.
-
فئات التحليل: تم تحديدها من خلال الفئات التالية:
1. فئة نوع قضية الصراع
وقُسِّمت وفقًا لأبرزها إلى: قضية هيكلة الجيش، قضية مؤتمر الحوار الوطني ومخرجاته، قضية توقيع اتفاق السلم والشراكة، وقضية استقالة الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومة خالد بحاح.
2. فئة مصدر الخبر
وقُسِّمت إلى: مراسل خاص بالوسيلة، وكالة محلية رسمية، وكالة محلية غير رسمية، قناة تليفزيونية محلية، قناة تليفزيونية ناطقة بالعربية، صحف عربية، مواقع إنترنت، وشهود عيان.
3. فئة اتجاه الخبر: وقُسِّمت إلى: مؤيد، معارض، محايد.
4. فئة الأطر المستخدمة:
وقُسِّمت إلى: محدد بقضية، أخلاقية، استراتيجية، الصراع، المسؤولية، الاهتمامات الإنسانية، النتائج الاقتصادية.
5. فئة القواعد المهنية الحاكمة للممارسة الإعلامية:
وقُسِّمت إلى:
-
متوازن: وتم قياسه من خلال نص الخبر المتضمن وجهات النظر المختلفة حول موضوع الخبر.
-
غير متوازن: وتم قياسه من خلال نص الخبر المتضمن وجهة نظر واحدة ومحددة دون أخرى حول موضوع الخبر.
-
موضوعي: وتم قياسه من خلال نص الخبر الذي تم صياغته في سياقه العلمي الطبيعي المتضمن موضوع الحدث ومصدره وزمانه ومكانه، والمجرد من رأي كاتبه تجاه الحدث موضوع الخبر.
-
غير موضوعي: وتم قياسه من خلال نص الخبر المتضمن موضوع الحدث ومصدره وزمانه ومكانه، مضافًا في صياغته رأي كاتبه تجاه الحدث موضوع الخبر.
-
حيادي: وتم قياسه من خلال العناصر الشكلية المستخدمة في إخراج الخبر لغرض فني، وليس لغرض التحيز للملكية والتوجه الفكري؛ مثل: شكل إطار الخبر وحجم خط العناوين وإبراز بعضها دون أخرى، واختيار الصورة المصاحبة المرتبطة بسياق موضوع الخبر.
-
متحيز: وتم قياسه من خلال العناصر الشكلية المستخدمة في إخراج الخبر لغرض التحيز للملكية والتوجه الفكري، مثل: تأطير خبر دون آخر وتكبير حجم خط عناوين معينة وإبرازها دون أخرى، واختيار صور إيحائية مصاحبة للخبر، تتسق تفاصيلها مع التوجه الفكري للجريدة وإنْ لم ترتبط بموضوع الخبر، وذلك إلى جانب الصياغة المتحيزة لعنوان الخبر ونصه.
2. نتائج الدراسة التحليلية
أ- موضوعات التغطية الإخبارية
نتيجة لتعدد موضوعات الصراع السياسي الذي شهدته الفترة الانتقالية الممتدة من بداية العام 2012 حتى بداية العام 2015، فقد اقتصرت الدراسة على تحليل موضوعات هيكلة الجيش اليمني، ومؤتمر الحوار الوطني، واتفاق السلم والشراكة، واستقالة الرئيس والحكومة، كموضوعات تم التركيز على تغطيتها الخبرية بطريقة عمدية؛ باعتبارها أبرز قضايا الصراع السياسي التي شهدتها تلك الفترة.
شكل رقم (1) يبين توزيع نسبة موضوعات التغطية الإخبارية
وبالمقارنة بين نسب التغطية للموضوعات الأربعة في الصحف الثلاث (الثورة، اليمن اليوم، المصدر)، يتضح من نتائج الشكل رقم (1) والجدول رقم (2) ارتفاع نسبة تغطية موضوع مؤتمر الحوار الوطني بنسبة 42%؛ مما قد يعطي دلالة لأهمية مؤتمر الحوار الوطني لدى القوى السياسية التي تعبر عنها الصحيفتان (اليمن اليوم والمصدر) من حيث الرغبة في تمثيل أكبر في المؤتمر للمشاركة في تحديد مسار الدولة الجديد؛ وذلك من خلال النقاش واتخاذ القرار في القضايا التي ناقشها المؤتمر حينها، وهي بناء الدولة والحكم الرشيد وبناء الجيش والأمن واستقلالية الهيئات والحقوق والحريات والعدالة الانتقالية والتنمية الشاملة، إلى جانب الإسهام كذلك في حل القضية الجنوبية وقضية صعدة، بما لا يؤثر على دور أي من تلك القوى في حال التوصل إلى حل تلك القضايا.
في حين قد ترجع دلالة ارتفاع نسبة تغطية مؤتمر الحوار في صحيفة الثورة إلى رغبة السلطة في التأكيد على نجاح عقد المؤتمر، وصوابية ما اتخذ من قرارات حيال ذلك، حسب وجهة نظر القائم بالاتصال في الصحيفة، التي تعبر عنها مضامين أخبار المؤتمر من حيث اختيار نسبة الممثِّلين فيه من القوى السياسية، ونوعية القضايا التي طرحت "سابقًا" للتحاور حولها، وإظهار التأييد في التغطية الخبرية لعقد المؤتمر من قبل الجهات الرسمية والقوى الفاعلة المحلية والعربية والدولية وقت انعقاد المؤتمر.
وفي المقابل كانت نسبة تغطية موضوع استقالة الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومة خالد بحاح منخفضة إلى 10% من إجمالي حجم التغطية في الصحف الثلاث؛ مما قد يعطي مؤشرًا على وجود استعداد سابق لدى القوى السياسية اليمنية لإعادة ترتيب شكل السلطة لفترة انتقالية جديدة وبنسب تمثيل مختلفة، وفقًا للمتغيرات الجديدة بعد توقيع اتفاق السلم والشراكة؛ خاصة إذا ما علمنا أن القوى السياسية قد اجتمعت في الأيام التالية لاستقالة الرئيس والحكومة مع المبعوث الأممي جمال بن عمر، لمناقشة إعادة ترتيب السلطة الانتقالية لتشكيل مجلس رئاسي وحكومة جديدة.
جدول رقم (2) يوضح توزيع موضوعات التغطية الإخبارية
ب- مصادر التغطية الإخبارية
من خلال الملاحظة الأولية التي اعتمد عليها الباحث قبل إجراء الدراسة التحليلية لرصد مصادر التغطية الإخبارية للوسائل الإعلامية اليمنية، بهدف تحديد مفردات هذه الفئة، تبيَّن أن معظم هذه الوسائل لجأ إلى المصادر الخاصة؛ مثل: مراسل خاص، الوكالات غير الرسمية، وذلك إلى جانب القنوات والصحف العربية ومواقع الإنترنت حتى في القضايا ذات الطابع المحلي.
شكل رقم (2) يوضح توزيع نسبة مصادر التغطية الإخبارية
إذًا، تُظهر نتائجُ هذه الدراسة -حول مصادر التغطية المستخدمة، التي يوضحها الشكل رقم (3)- ارتفاع نسبة الاعتماد على المراسل الخاص إلى 48%، وبفارق 5% عن نسبة الاعتماد على وكالة محلية رسمية، وانخفاض نسبة الاعتماد على وكالة محلية غير رسمية إلى 0.6% من إجمالي المصادر التي اعتمدت عليها الصحف الثلاث في تغطيتها للقضايا الأربع التي تناولتها الدراسة.
جدول رقم (3) يبين توزيع مصادر التغطية الإخبارية لقضايا الصراع السياسي
* الخبر يشمل في بعض الحالات أكثر من مصدر. |
ومن خلال النتائج التفصيلية للجدول رقم (3) تبين كذلك، ارتفاع نسبة اعتماد صحيفتي اليمن اليوم والمصدر على مراسل خاص بنسب 91.7% و67.9% على التوالي، كمصدر لتغطيتهما الإخبارية للقضايا الأربع على الرغم من عدم حاجة تلك القضايا إلى مراسل خاص؛ إذ لم تنعقد مؤتمرات صحفية من قبل الجهات المعنية بتلك القضايا، عدا مؤتمر الحوار الوطني خلال فترة انعقاده.
وهذه النتيجة قد تشير إلى رغبة القائمين بالاتصال في تلك الصحف للتحكم في محتوى النص الخبري حول القضايا موضوع التغطية لهذه الدراسة في بعض الحالات، إلى جانب إمكانية استعراض الرأي المعبر عن توجه الجريدة ضمن المحتوى الخبري في حالات أخرى بما يتعارض والمستوى الاحترافي في التغطية الخبرية لأي وسيلة إعلامية، التي تتنوع فيها مصادر التغطية انسجامًا مع اهتمامات المتلقي لمعرفة الخبر من أكثر من مصدر.
في المقابل اتضح ارتفاع نسبة اعتماد صحيفة الثورة الرسمية على وكالة محلية رسمية في تغطية القضايا الأربع، التي يغلب على معظمها الطابع الرسمي، خاصة أن الصحيفة كغيرها من الصحف الرسمية العربية اعتادت الاعتماد على الوكالة الرسمية في تغطيتها للقضايا المحلية ذات الصلة بالقرارات والإجراءات الصادرة من الرئاسة، في وقت انخفضت فيه نسبة اعتمادها على مراسل خاص، على الرغم من كونها أكبر جريدة رسمية في اليمن من حيث الإمكانات المالية، مما قد يكون لموضوعات التغطية التي تناولتها الدراسة دور في تحديد مصادر التغطية الخبرية التي اعتمدت عليها صحيفة الثورة.
في حين لم تعتمد صحيفة اليمن اليوم على وكالة محلية غير رسمية كمصدر للتغطية، على الرغم من وجود وكالة خبر المحلية غير الرسمية والتابعة لتوجه الجريدة نفسه. ولم تعتمد أيضًا اليمن اليوم نهائيًّا والمصدر -إلا بنسبة منخفضة- على وكالة رسمية محلية؛ باعتبار أن الصحيفتين تمثلان الجانب المعارض للسلطة الرسمية، في وقت كانت الوكالة الرسمية سبأ خاضعة لوزارة الإعلام التابعة حينها لحصة الإصلاح في التشكيل الوزاري خلال الفترة الانتقالية.
أما عن المصادر الحديثة الناتجة عن التطور التكنولوجي كالمواقع الإلكترونية والصفحات الرسمية في مواقع التواصل الاجتماعي، فإن عدم اعتماد الصحف الثلاث والوسائل الإعلامية اليمنية عليها كمصادر إخبارية حديثة للتغطية، يُرجعه الباحث إلى عدم اعتماد كثير من الجهات الرسمية والوزارات والهيئات السيادية وغير السيادية في اليمن على تلك المصادر الحديثة، كنوافذ إعلامية معبرة عن رؤيتها الرسمية، يمكن لممارسي العمل الصحفي الاعتماد عليها كمصادر للتغطية الإخبارية.
ج- اتجاهات التغطية الإخبارية
يؤكد الباحثون أن أفضل استخدامات تحليل المضمون وأكثرها فائدة هي التي تركز على ملاحظة ودراسة الاتجاهات التي ينطوي عليها المضمون الإعلامي والتغيرات التي تطرأ عليها. وتساعد دراسة اتجاهات المضمون الإعلامي في توفير منظور تاريخي قيِّم يمكن في ضوئه فهم المضمون الحالي لوسائل الإعلام فهمًا متكاملاً(15).
شكل رقم (3) يوضح اتجاهات التغطية الإخبارية لقضايا الصراع السياسي
ومن أجل ذلك، تم قياس اتجاهات التغطية الإخبارية لقضايا الصراع السياسي في الصحف الثلاث وفقًا لمقياس الاتجاه الثلاثي (مؤيد، معارض، محايد) لرصد اتجاه القائم بالاتصال في عينة الدراسة حول القضايا الأربع موضوع التغطية، وأظهرت النتائج بحسب الشكل رقم (3) ارتفاع نسبة التأييد بشأن القضايا الأربع التي تم تحليلها إلى أكثر من النصف وبنسبة 57%؛ وذلك في حين تقاربت نسبة الاعتراض والحياد كاتجاهات لتلك التغطية.
جدول رقم (4) يوضح اتجاهات التغطية الإخبارية لقضايا الصراع السياسي
وبقراءة تفصيلية لاتجاهات التغطية الإخبارية لنفس القضايا، يُشير الجدول رقم (4) إلى ارتفاع نسبة التأييد للقضايا الأربع في صحيفة الثورة، ويتسق ذلك مع الاتجاه الرسمي الذي تمثله الصحيفة؛ باعتبار أن القضايا تمت بقرار صادر من السلطة الحاكمة أو برعايتها خلال الفترة الانتقالية، عدا موضوع استقالة الرئيس والحكومة التي كانت نسبة تغطيتها في الثورة ضئيلة كما سبق الإشارة إلى ذلك.
وعلى الرغم من عدم تمثيل صحيفة المصدر لتوجه السلطة فإن نسبة تأييدها لبعض القضايا التي تم تحليلها ارتفعت إلى 51%، خاصة فيما عُرف حينها بهيكلة الجيش اليمني بناءً على مؤشرات التحليل، وذلك في وقت انخفضت فيه نسبة الاتجاه المحايد في تغطية صحيفة المصدر إلى أدنى نسبة مقارنة بصحيفتي اليمن اليوم والثورة (الرسمية) على الرغم من كون صحيفة المصدر خاصة في ملكيتها مقارنة بالثورة المملوكة للدولة.
أما اليمن اليوم -ذات الطابع الخاص أيضًا- فقد تساوت فيها تقريبًا نسبة الاتجاه المعارض مع نسبة الاتجاه المحايد، مما قد يشير إلى محاولة الصحيفة انتهاج مبدأ المحايد حينًا والمعارض حينًا آخر كاتجاه للتغطية الخبرية ليتماشى ذلك المبدأ مع ما سبق ونشرته الصحيفة من أخبار وآراء لكتاب تتعارض موضوعاتها في أحيان كثيرة مع توجهات الحزب الذي يمثلها، كما يعلن ذلك القائمون بالاتصال عليها، وبحسب ملاحظة الباحث أثناء التحليل.
وإن كانت معظم التغطية الخبرية المعارضة في صحيفتي اليمن اليوم والمصدر، اللتين تمثلان توجهين مختلفين للمعارضة، قد تركزت حول نسبة تمثيل القوى المعبرة عنها في مؤتمر الحوار الوطني، بشكل قد يشير إلى عدم الرضا عن نسب تمثيل القوى السياسية في المؤتمر الوطني، وطبيعة الشخصيات التي صدر قرار رئاسي باختيارها أعضاء فيه، خاصة أن عددًا من الشخصيات المحسوبة على تجمع سياسي يمني وعلى قوى سياسية متعددة، والتي قد صدر قرار بعضويتها، أبدت اعتراضها وعدم مشاركتها في الأيام الأولى من المؤتمر، إلى جانب ما تم من استبدال وإحلال شخصيات صدر قرار باختيارها، بأخرى لم يصدر بها قرار سابق في ذلك الوقت، كما جاء في مضامين التغطية الخبرية للقضية حينها.
د- الأطر الخبرية للتغطية
وفقًا لنظرية الأطر الخبرية المستخدمة كإطار نظري لهذه الدراسة اشتملت التغطية الإخبارية لقضايا الصراع السياسي على أطر الصراع والاهتمامات الإنسانية والمسؤولية والأطر الاستراتيجية والنتائج الاقتصادية والأخلاقية، وتبين أن جميع الأخبار التي تم تحليلها استخدمت الإطار المحدد بقضيةٍ، مقارنة بالقضايا التي تستخدم الإطار العام، كون تلك القضايا قد تم تحديدها سابقًا من قبل الباحث، كأبرز القضايا الممثلة للصراع السياسي التي شهدها اليمن خلال الفترة الانتقالية.
جدول رقم (5) يبين توزيع أطر التغطية الإخبارية
* الخبر الواحد يشمل أكثر من إطار في بعض الحالات. |
وفي إطار التغطية الخبرية لتلك القضايا المحددة بقضية، تم استخدام أكثر من إطار وبنسب مختلفة، كما توضح نتائج الجدول رقم (5) حيث:
-
استُخدمت أطر الصراع بنسبة أعلى من الأطر الأخرى، كتعبير عن حالة الصراع التي اتسمت بها الفترة الانتقالية منذ تشكيل الحكومة مناصفة بين المكونات السياسية المتصارعة (قبل تشكيلها): المؤتمر وحلفاؤه والمشترك وشركاؤه. فكانت نسبة استخدام تلك الأطر عالية في كل من صحيفة المصدر 51.6% وصحيفة اليمن اليوم 45.8%، المعبِّرتان عن التجمع اليمني للإصلاح وحزب المؤتمر الشعبي العام على التوالي. وفي صحيفة الثورة حلَّت أُطر الصراع المستخدمة في تغطيتها الإخبارية المرتبة الثانية بنسبة 27.4%، وهي نسبة غير منخفضة قياسًا بطابعها الرسمي الممثل للسلطة التوافقية الحاكمة للدولة، وتركزت محاور الصراع في الجدل حول حصة التمثيل في مؤتمر الحوار الوطني، ومدى التزام القيادات العسكرية بالقرار الذي أصدره عبد ربه منصور هادي لهيكلة الجيش اليمني، إلى جانب أسباب استقالة الرئيس والحكومة، والترتيبات المتوقعة بعد الاستقالة.
-
في المقابل كانت نسبة استخدام أطر النتائج الاقتصادية ضئيلة جدًّا في صحيفتي الثورة واليمن اليوم، ومنعدمة في صحيفة المصدر، ولم يتم ربط القضايا التي عالجتها التغطية بالنتائج الاقتصادية المترتبة عن الصراع السياسي، في وقت يعاني فيه الاقتصاد اليمني حالة من الانكماش والتردي الذي سببته حالات الصراع السياسي بين الأطراف الحزبية اليمنية.
-
أما أطر الاهتمامات الإنسانية فقد ارتفعت نسبتها في صحيفة الثورة مقارنة بصحيفتي اليمن اليوم والمصدر، اللتين كان استخدامهما لتلك الأطر متوسط النسبة، وارتبطت في كثير من الحالات بقضية مؤتمر الحوار الوطني وما يناقشه من قضايا واتفاق السلم والشراكة وما يتضمنه من بنود في اليمن اليوم والمصدر، وبمعظم القضايا التي تم تحليل تغطيتها الإخبارية في الثورة.
-
تساوت الصحف الثلاث في استخدام أطر المسؤولية من حيث تكرارات التغطية، بغض النظر عن اختلاف النسبة المحسوبة من إجمالي التكرارات في كل جريدة، بشكل قد يشير إلى رغبة القائمين بالاتصال في الصحف الثلاث إلى تقاذف المسؤولية عن قضايا الصراع السياسي بين الأطراف الممثلين لكل جريدة.
-
أما عن الأطر الاستراتيجية فقد تم استخدامها في الصحف الثلاث بنسبة 13.1%، وتركزت بشكل أكبر في صحيفة الثورة، من خلال عرض المكاسب السياسية والاجتماعية والأمنية التي يمكن أن تتحقق في حال نجاح مؤتمر الحوار الوطني وتنفيذ بنود اتفاق السلم والشراكة، إلى جانب استخدام شعارات بلاغية ووصفية كأطر استراتيجية في تغطية اليمن اليوم والمصدر لقضية هيكلة الجيش.
-
في حين شكلت نسبة استخدام الأطر الأخلاقية نسبة ضئيلة جدًّا لا تعطي دلالة للهدف من استخدامها، ويعزو الباحث استخدامها بنسب قليلة مقارنة بالأطر الأخرى إلى إدراك القائم بالاتصال بعدم وجود ارتباط بين قضايا الصراع السياسي الأربع التي تم تغطيتها في هذه الدراسة، والأطر الأخلاقية المرتبطة بالبعد الديني والأعراف السائدة في المجتمع اليمني.
شكل رقم (4) يبين الأطر الخبرية للتغطية
ه- القواعد المهنية الحاكمة للتغطية الإخبارية
يشير مصطلح أخلاقيات المهنة (قيم الممارسة الإعلامية) إلى القواعد الواضحة للسلوك المهني في مؤسسات الوسائل الاتصالية، وكذلك الاتجاهات الفعالة والدعاوى المتصلة بكل ما هو ملائم في أسلوب العمل والإنجاز؛ ومن الأمثلة على قيم الممارسة، الفكرة النموذجية التي تتمثل في الالتزام بالموضوعية في إعداد الأنباء والدعاوى المتصلة بأكثر الصور التكنولوجية ملاءمة لتحقيق مهام اتصالية ذات نوعية خاصة(16).
جدول رقم (6) يبين توزيع القواعد المهنية الحاكمة للتغطية الإخبارية
أما عن القواعد المهنية الحاكمة للتغطية الإخبارية لقضايا الصراع السياسي موضوع الدراسة التحليلية، فقد تم تحديد فئاتها في: متوازنة وغير متوازنة، وموضوعية وغير موضوعية، وحيادية ومتحيزة، بحسب التحديد والتعريف الإجرائي للفئات، الوارد ضمن الإجراءات المنهجية لهذه الدراسة.
وتشير نتائج الجدول رقم (6) إلى أن:
-
صحيفة الثورة تقيدت بالطابع المهني والاحترافي في التغطية الخبرية للقضايا الأربع؛ حيث ارتفعت فيها نسبة التغطية المتوازنة 79.2% والموضوعية 97.4% مقارنة بالتغطية غير المتوازنة وغير الموضوعية على التوالي للجريدة نفسها، كونها صادرة عن أقدم مؤسسة صحفية يمنية، أكثر من كونها تمثل الجانب الرسمي؛ الأمر الذي يؤكده ارتفاع نسبة التغطية المتحيزة 62.3% للسلطة التي تمثلها في تغطيتها للقضايا الأربع الصادرة بقرارات أو رعاية السلطة الحاكمة خلال فترة الدراسة.
-
في حين غلب على صحيفتي اليمن اليوم والمصدر طابع التغطية غير المتوازنة من خلال عرض وجهة نظر واحدة؛ وذلك بنسبة متساوية بلغت 54%، مقارنة بالتغطية المتوازنة في كلا الجريدتين، التي تتطلب عرض وجهات نظر مختلفة للتغطية الخبرية.
-
وإن كانت الصحيفتان قد انخفضت فيهما التغطية الخبرية غير الموضوعية بنسبة 20% في اليمن اليوم، و39.6% في المصدر، مقارنة بنسبة التغطية الموضوعية في الصحيفتين، والتي تتطلب ضرورة عدم خلط الرأي مع الخبر، وفقًا للقواعد المهنية الحاكمة للتغطية الإعلامية.
-
تقاربت كذلك في صحيفتي اليمن اليوم والمصدر نسبة التغطية الحيادية بـ57.1% و43.4% على التوالي، مقارنة بنسبة التغطية المتحيزة التي أخذت أشكالاً متنوعة: منها اختيار صور معينة مصاحبة للخبر، وإبراز عناوين دون أخرى، وبصيغ عناوين ونصوص خبرية متحيزة.
استنتاجات
بناءً على النتائج التفصيلية للدراسة حول التغطية الإخبارية للصراع السياسي خلال الفترة الانتقالية في الصحف الثلاث (الثورة، اليمن اليوم، المصدر)، وتحقيقًا لأهداف الدراسة يمكن استخلاص ما يلي:
-
اختلفت الأطر الإعلامية المستخدمة في التغطية الإخبارية لقضايا الصراع السياسي التي تناولتها الدراسة، ما بين أطر الصراع والاهتمامات الإنسانية والمسؤولية والاستراتيجية والنتائج الاقتصادية والأخلاقية، فكانت أطر الصراع هي الأكثر استخدامًا كتعبير عن واقع الصراع السياسي الذي اتسمت به الفترة الانتقالية إلى جانب أطر المسؤولية التي تمحورت بين الأطراف الثلاثة، على الرغم من مبدأ التوافق الذي أقرته المبادرة الخليجية المنظمة لهذه الفترة، والموقعة من قبل الأطراف السياسية اليمنية.
أما أطر الاهتمامات الإنسانية فقد حلت ثانيًا من حيث استخدامها، وإن ارتبطت بقضيتي الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة فقط دون قضيتي هيكلة الجيش واستقالة الرئيس والحكومة، في وقت لم تُستخدم أطر النتائج الاقتصادية إلا في حالات نادرة بشكل لا ينسجم وحاجة الدولة والمجتمع للتحذير من نتائج الصراع السياسي على الاقتصاد اليمني المتردي بطبيعته. أما عن الأطر الاستراتيجية فقد تركز استخدامها من خلال عرض المكاسب السياسية والاجتماعية والأمنية التي يمكن أن تتحقق في حال نجاح مؤتمر الحوار الوطني وتنفيذ بنود اتفاق السلم والشراكة. -
تنوعت قضايا الصراع السياسي التي شهدها اليمن خلال الفترة الانتقالية ما بين سياسية وأمنية ناتجة عن صراع سياسي، وتم التركيز في هذه الدراسة على أبرزها في كل عام من الأعوام الأربعة، ممثلة في قضية هيكلة الجيش وقضية مؤتمر الحوار الوطني وقضية اتفاق السلم والشراكة وقضية استقالة الرئيس والحكومة.
-
على الرغم من تنوع مصادر التغطية الخبرية في الممارسات الإعلامية، فإن التغطية الخبرية في الصحافة اليمنية المكتوبة اقتصرت على مصادر محدَّدة كمراسل خاص بالوسيلة ووكالة محلية رسمية هي وكالة سبأ للأنباء الرسمية، تمشيًا مع الطابع المحلي والرسمي للقضايا التي تم تناولها بالتحليل.
-
تفاوتت بنسب مختلفة اتجاهات التغطية الخبرية للصحافة اليمنية حول قضايا الصراع السياسي ما بين مؤيد ومحايد ومعارض، وكان لنمط ملكيتها المرتبط بتوجه محتواها المعبر عن كل طرف (معارض أو سلطة)، دور في طبيعة اتجاه التغطية ما بين مقياس الاتجاهات الثلاثي.
-
اختلف مستوى التزام الصحف اليمنية في تغطيتها الإخبارية لقضايا الصراع السياسي بالقواعد المهنية الحاكمة للممارسة الإعلامية، ما بين مقياس وآخر ضمن مقاييس القواعد المهنية، وما بين وسيلة وأخرى، وكان لاختلاف عدد سنوات الخبرة في الممارسة الإعلامية للوسيلة وطبيعة توجهها، ومحاولة انتهاج مبدأ المحايد حينًا والمعارض حينًا آخر، أثرٌ في ذلك الاختلاف.
-
وعن تأثير وسائل الإعلام اليمنية في الأزمة السياسية، يتضح من نتائج هذه الدراسة أن الوسائل الإعلامية المكتوبة بالتحديد، ومن خلال استخدامها في تغطيتها لقضايا الصراع السياسي، لأطر واتجاهات محددة، قد يكون بغرض توجيه الرأي العام وخاصة القواعد الحزبية، لتبني اتجاهات محددة نحو تلك القضايا، تتوافق والممارسات الحزبية التي تعبر عنها تلك الوسائل، خاصة أن التغطية الإعلامية في الوسائل المكتوبة غالبًا ما تلي الحدث بيوم أو أكثر، وتكون فيه القوى السياسية والحزبية قد اتخذت في معظم الحالات مواقفها نحو تلك القضايا.
______________________________________________________
د. عمر عبرين: نائب عميد كلية الإعلام للشؤون الأكاديمية والدراسات العليا – جامعة صنعاء.
المصادر والمراجع
- جريدة الثورة.
- جريدة اليمن اليوم.
- جريدة المصدر.
(1) الأغبري، سامية عبد المجيد، مقدمة في الإعلام اليمني (دار الكتاب الجامعي، صنعاء، 2014) ص 153-161.
(2) المرجع السابق، ص 88-93.
(3) الجمهورية اليمنية، وزارة الشؤون القانونية، القانون رقم (25) لسنة 1990 بشأن الصحافة والمطبوعات.
(4) من تلك الدراسات:
- الأغبري، سامية عبد المجيد، قضايا المرأة في الصحافة اليمنية: دراسة تحليلية مقارنة للمضمون والقائم بالاتصال خلال الفترة من 1985-1995 (رسالة دكتوراه غير منشورة) جامعة القاهرة، 1998.
- البرمكي، زيد علي مصلح، معالجة القضايا القومية في الصحافة اليمنية: دراسة مقارنة بين الصحف الحكومية وصحف المعارضة في فترة التسعينات، (رسالة ماجستير غير منشورة) القاهرة، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، معهد البحوث والدراسات العربية، قسم الدراسات الإعلامية، 2003.
- الخيشني، صباح عبده هادي، معالجة قضايا المجتمع في التحقيقات الصحفية، (رسالة ماجستير منشورة)، (دار النشر للجامعات، صنعاء) ط1، 2010.
(5) هادي يعيد هيكلة الجيش، شبكة سكاي نيوز عربية، (تاريخ الدخول: 7 من يناير/كانون الثاني 2015):
http://www.skynewsarabia.com/web/article/60758/%D9%87%D8%A7%D8%AF%D9%8A-%D9%8A%D8%B9%D9%8A%D8%AF-%D9%87%D9%8A%D9%83%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%8A%D8%B4-%D9%88%D9%8A%D8%B7%D9%8A%D8%AD-%D8%A8%D9%86%D8%AC%D9%84-%D8%B5%D8%A7%D9%84%D8%AD
(6) موعد انعقاد مؤتمر الحوار الوطني، الموقع الرسمي لمؤتمر الحوار الوطني، (تاريخ الدخول: 7 من يناير/كانون الثاني 2015):
http://www.ndc.ye/ar-page.aspx?show=63
(7) سبأ تنشر نص اتفاق السلم والشراكة الوطنية، سبأ نت، (تاريخ الدخول: 7 من يناير/كانون الثاني 2015):
http://www.sabanews.net/ar/news369099.htm
** تم الاكتفاء بتحليل خمسة أعداد فقط من كل جريدة، تاريخ صدورها يلي تاريخ القضية موضوع الصراع، نظرًا إلى تلاشي التغطية الخبرية للقضية مع العدد السادس؛ ولأن وحدة التحليل تقتصر على المادة الخبرية فقط.
*** تم تسمية القضايا الأربع الواردة في الدراسة، وفقًا للتسمية الرسمية للدولة، عملاً بالقاعدة العلمية التي تقتضي ضرورة تجرد الباحث وعدم تحيزه في إعداد الدراسات العلمية.
(8) Olga Baysha Omega and Kirk Hallahan Colorado, Media Framing of the Mkrainian Political Crisis 2000-2001, (Journalism Studies, vol.5, No.2, 2004), pp. 233-246
(9( مكاوي، حسن عماد، السيد، ليلى حسين، الاتصال ونظرياته المعاصرة (الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، 2002) ص 348 – 350.
(10) نظرية التأطير الإعلامي، نظريات الإعلام والاتصال، (تاريخ الدخول: 3 من يناير/كانون الثاني 2015):
http://constantine3.blogspot.com/2014/01/frame-analysis-theory.html
(11) مكاوي، السيد، الاتصال ونظرياته المعاصرة، ص 348 – 350.
(12) De Vaus, David A, Research Design in Social Research, (Sage Publication, Ltd, London, 2001), p. 1.
(13) Mc Burney, Donald H, Research Methods, (Wadsworth, USA, 5th Ed, 2001) p. 237.
(14) حسين، سمير محمد، بحوث الإعلام (عالم الكتب، القاهرة، 2006) ص 239.
(15) المرجع السابق، ص 244.
(16) جابر، سامية محمد، الاتصال الجماهيري والمجتمع الحديث (دار المعرفة الجماهيرية، الإسكندرية، 1984) ص 275.