أيديولوجيا الإعلام الإسرائيلي في تغطية الشأن الفلسطيني

تبرز الدراسة مرتكزات الخطاب الإعلامي الإسرائيلي في تغطية الشأن الفلسطيني، والصورة التي يشكلها عن الذات الفلسطينية، ومدى تحكم العامل الأمني في مخرجاته، لاسيما خلال الحروب والأزمات السياسية؛ حيث تمارس المؤسسة العسكرية والأمنية سطوتها على ما يبثه الإعلام الإسرائيلي؛ مستلهما الأيديولوجية الصهيونية.
dc96b668faf84680a849f41552f6a556_18.jpg
تمازج العقيدة العسكرية والصحفية في الإعلام الإسرائيلي (الأناضول)

مقدمة 

يبدو صعبًا إدراك أبعاد العمل الإعلامي الإسرائيلي دون فهم الأهداف القومية الإسرائيلية العامة، وما يتفرع عنها من أهداف خاصة، والتلازم الكامل القائم بين العمل الإعلامي الإسرائيلي وتلك الأهداف. وهنا يمكن رصد ملاحظات عامة على الإعلام الإسرائيلي الذي يغطي الأحداث الفلسطينية، منها:

  • خضوعه مباشرة لأجهزة الأمن الإسرائيلية، فهو لا يزال إعلامًا ذا مدلولات أمنية، مرتبطًا وموجَّهًا، ويحتل العامل الأمني مركز الأهمية القصوى في تعامل الحكومة مع وسائله.
  • ترسيخ آراء مختلفة ومشوشة في نفوس الجمهور العربي الفلسطيني الذي ظل مكشوفًا، وإلى حدٍّ كبير، للإعلام الإسرائيلي، ولم تكن هناك وسائل أخرى قادرة على التصدي، ومقاومة هذا التأثير.
  • تبذل الحكومة الإسرائيلية بمختلف وزاراتها جهودًا حثيثة على المستوى الإعلامي تحقيقًا لأهدافها السياسية، عبر سلسلة من الإدارات المتخصصة، لاسيما وزارة الخارجية التي تعتبر بكاملها جهازًا إعلاميًّا متكامل النشاطات، بل تُعَدُّ ركيزة الإعلام الإسرائيلي الخارجي، الموجه لدول وشعوب العالم الخارجي، الساعية للحصول على تأييد دولي عالمي فيما يتعلق بالسياسة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية.
  • تستقطب الدوائر الإعلامية الإسرائيلية كوادر إعلامية متنفذة من جميع بلدان العالم، خاصة أميركا وأوروبا، والتعاقد مع شركات كبرى تعمل في مجال الدعاية، والتأثير في الرأي العام.
  • تقوم الدوائر الرسمية الإسرائيلية بإرسال إعلاميين وصحفيين يهود للخارج، لتعميم تلك الثقافة المطلوبة، عبر مطويات ونشرات ووسائل دعائية تكلف الملايين، لنشرها وبثها عبر عواصم العالم.
  • تنظيم زيارات دورية لعدد من الصحفيين العرب، لمحاولة تغيير الصورة النمطية عن إسرائيل في الذهنية العربية، وكان آخرها في أوائل فبراير/شباط 2018. 

وقد نظر الإعلام الإسرائيلي للصراع مع الفلسطينيين والعرب منذ بداياته الأولى، من منظار الأمن، وكثيرًا ما يكتفي بما تمليه عليه الأجهزة الأمنية من معلومات، مستخدمة التضليل فيها؛ حيث انتهج الإعلام الإسرائيلي منذ بداية هذا الصراع، مبادئ أساسية في تغطيته لأحداثه، وهي:

  • اللمسة الإنسانية، من حيث ذكر أسماء الآباء والأطفال اليهود، مما يضفي الطابع الإنساني والشخصي على ما تسميه "الإرهاب" الفلسطيني الذي تواجهه إسرائيل كل يوم.
  • السؤال البلاغي، حتى المؤيدون للفلسطينيين يواجهون صعوبة في الإجابة عن الأسئلة الموجهة إليهم، حيث انتهج المتحدثون الإعلاميون الإسرائيليون طرح المزيد من الأسئلة البلاغية غير القابلة للإجابة كجزء من جهودهم الإعلامية.
  • الاعتراف بوجود فرق ثقافي بين الإسرائيليين والفلسطينيين لكي يجد الغربيون أنفسهم قريبين من الإسرائيليين، نظرًا لاشتراكهم في الثقافة نفسها، وكذلك التقاليد والقيم. 

ورأى المحرِّرون في وسائل الإعلام الإسرائيلية أن التعددية الفكرية والاختلافات الأيدلوجية بينهم، يجب ألا تشكِّل عائقًا أمام تجنيد وسائل الإعلام بشكل تام، لخدمة الهدف الاستراتيجي الأعلى، وهو تجسيد مشروع الوطن القومي اليهودي في فلسطين. ومن ثم فإن الملاحظة الاستكشافية لتغطية وسائل الإعلام الإسرائيلية للشأن الفلسطيني منذ نشأتها، تُبيِّن أن النظرة لطرف الصراع الآخر، وهو الشعب العربي الفلسطيني، لم تختلف بين التيارات الفكرية والعقائدية المتصارعة اختلافًا جديرًا بالانتباه والتسجيل(1). 

1- الإطار المنهجي للدراسة 

‌أ. مشكلة الدراسة 

تشير المراجعة النقدية لأداء الإعلام الإسرائيلي إلى أنه بات من الميادين المرتكزة على الترغيب والإثارة، وغسيل الدماغ، والتلاعب بالعواطف، ولم يعد مجرد أفكار أو مقولات، بل يقوم على مخطط دعائي يشمل الأهداف والأدوات والمراحل، والمنطق الفكري والأسانيد والحجج المتماسكة، بحيث يتوجه لأشخاص لتغيير استجاباتهم عبر الإقناع، ويقوم على فكرة اكتشاف الحادث الصغير، ثم تضخيمه، والتهويل من أمره، وخلق نوع من الجدل حوله. وتعتبر وسائل الإعلام الإسرائيلية حلقة مهمة في سلسلة حلقات ضبط العلاقة مع الفلسطينيين، ومهمتها إملاء المواقف المحددة في الموضوعات الأمنية. ورغم التطور الكبير الذي شهده الإعلام الإسرائيلي في النقاشات اليومية والشؤون السياسية، لاسيما تلك المرتبطة بالفلسطينيين، فلا يزال الجانب الأمني متحكمًا في انطلاقته، فارضًا نفسه بقوة عليه، بداعي المصلحة الأمنية، كما لا تزال بعض الموضوعات التي تهم الفلسطينيين تعتبر أسرارًا لا يمكن للصحافة الإسرائيلية التعاطي معها، حتى لو روجتها وسائل الإعلام الخارجية. 

وفي هذا السياق، تسعى الدراسة إلى تحديد أطر وأبعاد الصورة الذهنية التي يُشكِّلها الإعلام الإسرائيلي عن الذات الفلسطينية، وإبراز مدى تحكم العامل الأمني في تغطية الشأن الفلسطيني، لاسيما في أوقات الحروب والأزمات السياسية؛ حيث تمارس المؤسسة الأمنية الإسرائيلية صلاحياتها وسطوتها على ما تبثه وسائل الإعلام الإسرائيلية، وهو ما ستظهر آثاره في تحليل الخطاب الإعلامي الإسرائيلي. 

‌ب. تساؤلات الدراسة 

تطرح الدراسة جملة من التساؤلات عن أبعاد الصورة الذهنية التي يُشكِّلها الإعلام الإسرائيلي عن الإنسان الفلسطيني، والذات الفلسطينية، ووظائفها ودورها في سياق الصراع الرمزي (لغةً وخطابًا) والعسكري الذي تُسخِّر له إسرائيل جميع إمكاناتها ومواردها وعلاقاتها:

  • كيف استطاع الإعلام الإسرائيلي تكوين صورة نمطية عن الفلسطينيين في وسائله المختلفة المرئية والمسموعة والمكتوبة؟
  • ما مكونات الصورة التي يرسمها الإعلام الإسرائيلي للإنسان الفلسطيني وأبعادها المعرفية والنفسية والسلوكية؟
  • ما السرديات أو الأطروحات المؤسِّسة للخطاب الإعلامي الإسرائيلي بشأن الذات الفلسطينية؟
  • ما استراتيجيات القائم بالاتصال في بناء محتوى الرسالة الإعلامية وصوغ الصورة الذهنية/النمطية للفلسطينيين؟ وما دلالاتها؟
  • ما وظائف الخطاب الإعلامي الإسرائيلي في تشكيل تلك الصورة؟
  • كيف نشأت تلك العلاقة الجدلية بين وسائل الإعلام الإسرائيلية والمنظومتين السياسية والأمنية، بتعاطيها جميعًا مع الأحداث الفلسطينية، وكأنها جميعًا تنهل من معين واحد؟
  • من أين اكتسبت وسائل الإعلام الإسرائيلية تلك الأهمية التي تفوق بأضعاف نظيرتها الفلسطينية والعربية في تغطيتها للشأن الفلسطيني، وقدرتها على تكوين صورة سلبية عنهم، وترويجها لدى الأوساط السياسية الغربية والدولية؟ 

‌ج. أهداف الدراسة 

تهدف الدراسة من خلال تحليل خطاب وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى الخروج بصورة أكثر تعبيرًا عن حقيقة الأداء الإعلامي الإسرائيلي، وفي علاقته بالتَّمثُّلات والمدركات التي يشكِّلها تجاه الذات الفلسطينية، وتقديم عرض جلي لأنواع الخطاب الإعلامي الإسرائيلي ومضامينه، وصولًا إلى فهم وإدراك طبيعته، واستكشاف آلية أداء الإعلام في زمن الحروب الإسرائيلية. 

‌د. مجتمع البحث وعيِّنته 

لن تقتصر الدراسة على وسائل إعلام إسرائيلية بعينها، بل ستلجأ لإجراء مسح شبه كامل لمختلف هذه الوسائل المرئية والمسموعة والمكتوبة، باعتبار كلِّ واحدة منها تحظى بأهمية خاصة عن سواها، وإن كانت الصحف المقروءة لها ميزة تفوق نظيراتها؛ لأنها في متناول جميع الإسرائيليين، ولديها القدرة على تكوين صورة نمطية عن الفلسطينيين، لكن الدراسة في الوقت ذاته لن تهمل باقي الوسائل، حسب ما تقتضيه الحاجة. 

ويشمل مجتمع الدراسة مختلف وسائل الإعلام الإسرائيلية، المكتوبة والمقروءة والمسموعة والإلكترونية، دون تحديد إطار زمني بعينه، وقد حرصت الدراسة خلال تحليل بعض المفردات على العودة إلى عينات منتقاة من الشواهد التي تؤيد ما ذهبت إليه الدراسة في بعض فقراتها. أما مفردات أو وحدات مجتمع الدراسة فتضم إذاعة الجيش الإسرائيلي، والقناة التليفزيونية "كان"، والقناة الثانية، والقناة العاشرة، والصحف اليومية: يديعوت أحرونوت، ومعاريف، وهآرتس، وإسرائيل اليوم، والمواقع الإخبارية على شبكة الإنترنت. وتسلِّط الدراسة الضوء على أداء الإعلام الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين بين عامي 1987 و2017، وهي السنوات التي شهدت تطورات سياسية وأمنية كبيرة بين الجانبين، أهمها: انتفاضة الحجارة 1987، وانتفاضة الأقصى 2000، وانتفاضة القدس 2015، وبينها حروب غزة 2008، 2012، 2014، وصولًا إلى إضراب الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية في 2017. 

‌ه. منهجية الدراسة وأدواتها 

تعتمد الدراسة التحليل النقدي للخطاب الإعلامي مرجعيةً تحليلية لتفكيك الصورة الذهنية للذات الفلسطينية في الإعلام الإسرائيلي من خلال دراسة الطرق التي تستخدم بها الأشكال اللغوية في مختلف تعابير هذا الإعلام، والكشف عن المضمرات الأيديولوجية والثقافية في الخطاب. كما تستعين ببعض الأدوات الإجرائية الخاصة بتحليل الصورة الذهنية للذات الفلسطينية، سواء من خلال استحضار الشواهد المرفقة، أو استخدام أسلوب المقارنة في تغطية الإعلام الإسرائيلي للشأنين الفلسطيني والإسرائيلي في بعض المحطات، فضلًا عن استحضار الجوانب الشخصية لبعض الكُتَّاب والمراسلين وإظهار مدى ارتباطهم بالمؤسستين العسكرية والأمنية، واستخدام وسائلهم الإعلامية للتعبير عن الموقف الرسمي الإسرائيلي. ويمكن المباشرة في تحليل الأداء الإعلامي الإسرائيلي للشأن الفلسطيني من خلال استعراض أهم محاوره المشتركة، سواء ما تعلق منها بالتركيب المعجمي للخطاب الإعلامي الإسرائيلي، أو البناء الدلالي للذات الفلسطينية في الإعلام الإسرائيلي، وأبعاده الفكرية والعاطفية والسلوكية، وسواهما، حيث يتضح ذلك من خلال المحاور التالية. 

2- الخطاب الإعلامي الإسرائيلي وأطره السياسية والعقائدية 

أ‌. الحرب النفسية تجاه الفلسطينيين 

تعتبر الحرب النفسية إحدى مفردات الإعلام الإسرائيلي، الذي يشنُّ هجومًا مبرمجًا يستهدف التأثير على عقول الفلسطينيين ونفسياتهم، كي يصيبهم الوهن والإحباط والتفكك والاضطراب، ثم تحويل وجهتهم بصورة مخالفة لأهدافهم ومصالحهم، وهذه العملية تتميز بأنها مفاجئة سريعة هادئة تعتمد على الاستدراج البطيء والغفلة والسذاجة. ويمكن القول: إن الحرب النفسية التي يشنها الإعلام الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين تساعد في تحليل صورة الفلسطيني في الخطاب الإعلامي الإسرائيلي من خلال انتهاجه لأساليب ووسائل تستخدمها أجهزة أمنية إسرائيلية كنشر الإشاعات، والتعتيم الإعلامي، وتكرار الحديث عن بعض الظواهر لأسباب أمنية في ثوب إعلامي. 

وتتخذ هذه الحرب الإعلامية الإسرائيلية طرقًا ووسائل عديدة في تحقيق الأهداف بصورة مرحلية، عبر إثارة الإشاعات والبلاغات الكاذبة والدعايات في صفوف الجماهير الفلسطينية، بهدف غرس الخوف والرعب والتمزق في نفوسهم من جهة، وهز ثقتهم بقياداتهم من جهة أخرى. وأوكلت إسرائيل إلى التليفزيون والإذاعة الناطقين باللغة العربية مهمة شن حرب نفسية لا هوادة فيها على الفلسطينيين والعرب، والتأثير بشكل واضح ومقصود على روحهم المعنوية وحالتهم النفسية، سواء في المناطق المحتلة أم داخل الخط الأخضر، أم خارجهما. ومن ثم هدف الإعلام الإسرائيلي منذ مرحلة مبكرة من تأسيسه إلى تشويش وتشويه المعلومات، وهز الثقة بالنفس لدى الجماهير العربية عامة والفلسطينية خاصة(2). 

ولا ننسى أن هذه الإذاعة كانت السبَّاقة إلى التأثير السلبي على نفسية الفلسطينيين، ومن ذلك:

  • رفع الأعلام البيضاء للمقاتلين العرب خلال حرب 1967.
  • بيانات قِفْ وفَكِّرْ، وترويج شائعات مقتل قيادات فلسطينية في حرب لبنان 1982.
  • الترويج لمقولة: الجيش الذي لا يقهر. 

وهناك ملاحظات عامة على الإعلام الإسرائيلي في تعامله تجاه الفلسطينيين، ومنها:

  • الخضوع بشكل مباشر وغير مباشر لأجهزة الأمن الإسرائيلية؛ حيث يُدار بعضها من داخل ديوان رئيس الوزراء، لاسيما الإذاعة الناطقة باللغة العربية، التي تحمل مدلولات أمنية، فهي مرتبطة وموجهة للمحيط الشعبي الفلسطيني الهائل، ويحتل العامل الأمني مركز الصدارة والأهمية القصوى في تعامل الحكومة الإسرائيلية معها.
  • تقوم برامج الإذاعة والتليفزيون في إسرائيل بترسيخ آراء مختلفة ومشوشة في نفوس الجمهور الفلسطيني الذي ظل مكشوفًا لها، ولم تكن هناك وسائل عربية وفلسطينية قادرة على التصدي لها، ومقاومة تأثيرها.
  • يحظى الإعلام الإسرائيلي باهتمام عدد لا يستهان به من المستمعين الفلسطينيين لأسباب عديدة لعل أهمها تلك الفجوة وعدم الثقة بين المستمع الفلسطيني والإذاعات المحلية.
  • استُخدمت الإذاعة الإسرائيلية الناطقة بالعربية على سبيل المثال، من قبل المخابرات الإسرائيلية كمصدر للمعلومات السياسية والأمنية، وذهبت هذه الأجهزة بعيدًا في توظيفها، لتكون أدوات طيعة في عملها في مجال إسقاط الفلسطينيين والعرب، ودفعهم للعمل لصالحها من خلال بعض البرامج الاجتماعية والفنية. 

ب‌. توصيف الانتفاضات 

انطلق الإعلام الإسرائيلي من مواصفات محددة لخدمة أهدافه، وإن اختلفت تبعًا لمتغيرات الواقع الزمانية والمكانية، وهذه المنطلقات:

  1. الجماعات اليهودية في واقع الأمر أمة يهودية واحدة، لابد من جمع شمل أعضائها لتأسيس دولة يهودية في فلسطين.
  2. تحطيم معنويات الفلسطينيين والعرب، وتحطيم الشخصية العربية.
  3. التزام الصمت الكامل حيال الفلسطينيين لتغييبهم، ووصفهم بالصفات السلبية المطلقة.
  4. إسرائيل ليست دولة معتدية بل تحاول الحفاظ على بقائها وأمنها، وتختلف طبيعة الدفاع عن البقاء من فترة لأخرى.
  5. إبراز الحقوق التاريخية المطلقة للمستوطنين، والإغفال المتعمد لحقوق الفلسطينيين أصحاب الأرض.
  6. التهديد المستمر الذي يتعرض له اليهود من الفلسطينيين يوجب عليهم البقاء مستعدين.
  7. المستوطن اليهودي في إسرائيل قوي للغاية، وهو قادر على البقاء وسحق أعدائه وضربهم في عقر دارهم.
  8. إسرائيل واحة للديمقراطية الغربية في وسط عالم عربي متقلِّب.
  9. التذكير المستمر بالإبادة النازية لليهود لاستمرار ابتزاز العالم الغربي، وتبرير عملية اقتلاع الفلسطينيين من بلادهم(3). 

منذ أن اندلعت الانتفاضات الفلسطينية على اختلاف مراحلها التاريخية: انتفاضة الحجارة 1987، وانتفاضة الأقصى 2000، ثم انتفاضة القدس 2015، سعت إسرائيل لفرض تعتيم إعلامي عليها، والتقليل من أهمية المواجهات بين الفلسطينيين والجنود الإسرائيليين، ونشر أرقام مُضَلِّلة حول عدد الشهداء الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، أو في الأراضي المحتلة عام 1948. وحاول الإعلام الإسرائيلي إبعاد موضوع هذه الانتفاضات عن موقع الصدارة في الصفحات الأولى من صحافته، ونشراته الإخبارية، فتركزت الأخبار والعناوين الأولى في الغالب حول الخلافات الحزبية والانتخابات المبكرة لرئاسة الوزراء، والمفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية، والاهتمام ببعض الأخبار العالمية على حساب الأخبار والعناوين المتعلقة بهذه الانتفاضات الفلسطينية. 

وفي فترة لاحقة، تبدَّل المنهج الإعلامي الإسرائيلي وأسلوب التغطية باتجاه تصوير أحداث هذه الانتفاضات، وكأنها اشتباكات مسلحة بين مسلحين فلسطينيين والقوات الإسرائيلية، لتبرير القصف العشوائي الإسرائيلي العنيف ضد الأحياء السكنية الفلسطينية. وما لبثت أن أضحت هذه الانتفاضات مادة غنية للتشويه في الإعلام الإسرائيلي، فعمل على إعادة تشكيل الأحداث عبر طاقم صحفي إعلامي يدرك فن التلاعب بالعقول والمشاعر بهدف عزل الانتفاضات وحصرها في إطار أعمال عنف فلسطينية موجهة ضد الإسرائيليين(4). 

لقد تجاهلت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن هذه الانتفاضات بمختلف أسمائها بدأت كردود فعل على الاستفزازات والإهانات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، مما كان يؤدي لانطلاق مظاهرات احتجاجية في أنحاء مختلفة من الضفة والقطاع، بل وداخل الخط الأخضر، فيما اكتفت وسائل الإعلام الإسرائيلية بتصويرها كأعمال شغب واضطرابات واعتداءات فلسطينية على الجنود الإسرائيليين. 

ويمكن إجمال المنطلقات التي انطلق منها الإعلام الإسرائيلي في توصيفه لأحداث هذه الانتفاضات على النحو الآتي:

  1. الفلسطيني هو المعتدي، والإسرائيلي هو المعتدى عليه، وهذا نهج اتخذته وسائل الإعلام الإسرائيلية دون استثناء؛ فما يحدث في الأراضي الفلسطينية اعتداء من الشبان الفلسطينيين ضد جنود الجيش(5).
  2. الفلسطينيون بدأوا الحرب، والإسرائيليون يدافعون عن أنفسهم، ومن ثم تقدم وسائل الإعلام الإسرائيلية جميع الأعمال والممارسات التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي باعتبارها "رد فعل على العنف الفلسطيني"، وهو إطار/وتأطير يجافي الحقيقة والموضوعية، فكلمة "رد فعل" توفر ضمنيًّا سببًا للقيام بالهجوم، وتفسر الأمر بنفسها، ووسائل الإعلام التي تتبع نهج الحكومة الإسرائيلية بولاء شديد، لم تتساءل مثلًا: لماذا قام الجيش بقصف مناطق مدنية وبيوتًا سكنية؟ بل يلقون بالمسؤولية على الطرف الآخر.
  3. تبرئة ساحة الاحتلال وممارساته من اندلاع هذه الانتفاضات، فكثيرًا ما ادعى المراسلون الإسرائيليون أن خطبة الجمعة في المسجد الأقصى تضمنت عبارات تحريضية ساعدت على إلهاب مشاعر المصلين، وليس مشاهد الجنود المدججين بالأسلحة وهم يفتشون المصلين بصورة مذلة ومهينة.
  4. العمل على إبراز السلبيات والأخطاء التي اعترت بعض أحداث الانتفاضات، وتسليط الأضواء عليها، وإلهام السامع والمشاهد والقارئ باحتلالها مساحة تفوق واقعها العملي، ومنها إطلاق النار من بين المنازل الفلسطينية باتجاه المستوطنات الإسرائيلية، وبث بعض الأكاذيب واختلاق أخبار غير حقيقية تهدف لاختراق وحدة الفلسطينيين.
  5. اختيار قضية اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية، واتخاذها محورًا للدعاية والإشاعات عبر التهويل تارة، أو اختلاق إشاعة تستند لتلك القضية بشكل ما تارة أخرى، كالتركيز على مقتل عدد من العملاء للمخابرات الإسرائيلية على يد رجال المقاومة، وتصوير أن الفلسطينيين يستغلون أحداث الانتفاضات لتصفية حسابات شخصية وثأرية.
  6. التزام الإعلام الإسرائيلي أسلوب التكرار في نقل خبر فلسطيني معين، كأن يشار إلى أن ناطقًا أو جهة موثوقة أكدت النبأ بمناسبة ودون مناسبة حتى تغرس الفكرة في نفوس المتلقين لهذه الوسيلة الإعلامية، لاسيما الأخبار التي تأخذ طابع إثارة الفتن الداخلية.
  7. اعتمدت وسائل الإعلام الإسرائيلية التركيز على المناوشات التي تحدث في بعض الأحيان بين عناصر الفصائل الفلسطينية، وتضخيمها قدر الإمكان، وحبك الروايات الخيالية التي توهم المشاهد وكأن الفلسطينيين على أبواب حرب أهلية. 

‌ج. الرقابة العسكرية 

تعتبر الرقابة العسكرية حلقة مهمة في سلسلة حلقات تعامل الإعلام الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين، ومهمتها إملاء المواقف المحددة في الموضوعات الأمنية، ورغم التطور الكبير الذي شهدته وسائل الإعلام الإسرائيلية في مجال النقاشات اليومية والشؤون السياسية، إلا أن الجانب الأمني ما زال متحكمًا في انطلاقتها، فارضًا نفسه بقوة عليها، بداعي المصلحة الأمنية. وهناك بعض الموضوعات تعتبر أسرارًا لا يمكن للصحافة التعاطي معها، حتى لو روجتها وسائل الإعلام الخارجية، ومن هذه الأمثلة: العمليات الاستشهادية، وخطف الجنود ومقتلهم. وقد قرر الجيش الإسرائيلي تقليص التغطية الإعلامية لعملياته في المناطق الفلسطينية، بعد سماع انتقادات حكومية وجهتها إليها؛ لأن صور الجنود المحتلين ليست مرغوبة "لمن هم وراء البحار"، وبالتالي تم تغيير السياسة بحيث تتحول لتواجد مكثف للجنود مقابل تغطية إعلامية محدودة، والقول بأن الأمر يدور عن عملية محدودة، وليس احتلالًا واسعًا(6). 

ليس ذلك فحسب، بل إن وسائل الإعلام الإسرائيلية واجهت مطالبات عديدة بعدم بث بعض الأخبار والأحداث بحجة أنها مواد دعائية معادية، ومنها خطابات زعماء المنظمات الفلسطينية؛ لأن هدف هذه الخطابات بث الخوف واليأس وسط الجمهور الإسرائيلي. كما أن بث أشرطة الفيديو لمنفذي العمليات الفدائية في وسائل الإعلام الإسرائيلية لا يخدم الهدف الرسمي، بل يخدم التأويلات المقصودة لـ"العدو"، ومن ثم يجب على الإعلام الإسرائيلي ألا يتعاون معه في هذا المجال، ولم يعد الجمهور الإسرائيلي معنيًّا بأن يصل "الفلسطيني الانتحاري" في المساء إلى صالون بيته، بعد أن زاره ظهرًا في المجمع التجاري. وكانت حجة الحكومة الإسرائيلية في هذا المنع أن "تلك الزعامات الفلسطينية أعداء لنا"، ولا يمكن أن نقدم لهم منصة للخطابة. 

وكجزء أساسي في العملية الرقابية، استخدمت وسائل الإعلام الإسرائيلية عددًا من المصطلحات الانتقائية الدلالة والتعبير فيما يتعلق بالأحداث التي تخص علاقة إسرائيل مع الفلسطينيين؛ حيث لم يقتصر اختيارها على مصطلحات معينة لتستعمل مرة واحدة فقط، بل من الملاحظ أن كثرتها أصبحت ثابتة، وذات استعمالات متكررة في حالات مختلفة، وتجدر الإشارة إلى أن أسلوب الانتقائية في إيراد المصطلحات ليست قاعدته صحفية إعلامية فحسب، بل هي في عمقها سياسية وعقائدية(7). 

وتساوق الإعلام الإسرائيلي مع المؤسسة الأمنية التي أملت عليه عددًا من المصطلحات للتعامل مع الملف الفلسطيني، وأصبحت فيما بعد جزءًا من قاموس الإعلام الإسرائيلي اليومي، ويوضح الجدول الآتي رقم (1) التناقض الواضح في المصطلحات والمفاهيم بين الخطاب الإعلامي الإسرائيلي والفلسطيني، كاشفًا اختلاف المرجعيات والهويات.  

م

المصطلح الإسرائيلي

المصطلح الفلسطيني

1

يهودا والسامرة

الضفة الغربية المحتلة

2

المخربون والإرهابيون

الفدائيون الفلسطينيون

3

الفلسطينيون

الشعب الفلسطيني

4

العمليات الوقائية

عمليات التوغل واقتحام المدن الفلسطينية

5

السكان الإسرائيليون

المستوطنون

6

البلدات والأحياء

المستوطنات

7

الإدارة المدنية

سلطات الاحتلال

8

إغلاق مناطق

منع الدخول إلى إسرائيل

9

أعمال هندسية ذات طابع أمني

تجريف الأراضي الزراعية

10

خطوات أمنية

عمليات انتقام وعقاب

11

عمليات إحباط موضعية

تصفية فلسطينيين

وقد صاغ الإعلام الإسرائيلي مصطلحات كثيرة حتى لا يتساءل أحد: مَنِ المسؤول عن: دائرة العنف في الشرق الأوسط، وحلقة العنف، ومسؤولية الطرفين، والصدامات والمواجهات بينهما، وغيرها، مما تسرب بعضها إلى الإعلامين العربي والغربي، دون التدقيق في ماهيتها، ومضمونها، ودون فحص الأهداف الكامنة في حمولتها اللغوية وأبعادها السياسية؟  

‌د. تسويق الأكاذيب 

أن يتم تشويه الحقيقة، واختلاق كذبة لتصبح حقيقة في الإعلام الإسرائيلي، ليس غريبًا أو خارجًا عن نطاق الممارسات السياسية الإسرائيلية، بل يدخل في صلبها، وهذا أسلوب يؤكد أن القاتل لم يجد ملجأ يُسَوِّغ من خلاله ممارساته إلا بالافتراء على الضحية عبر اتهامها بأنها سبب الجريمة التي استحقها، ولعلنا نذكر المقولة الشهيرة لرئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة، غولدا مائير، حين قالت: "لن أسامح الفلسطينيين؛ لأنهم يجبرون جنودنا على قتلهم". 

ومن الأساليب التي انتهجتها وسائل الإعلام الإسرائيلية لتسويق الأكاذيب وترويجها:

  • استخدام صيغة المبني للمجهول، كما في كلمة (قُتِل) لإبقاء الفاعل مجهولًا، وتقليل مسؤولية الجيش، فأحداث العدوان التي يتم ارتكابها ضد الفلسطينيين، تُعرض كأحداث حصلت ببساطة، وهي معادلة تركز على النتيجة، وليس على الشخص المتضرر من الحدث.
  • اعتماد عدد من الروايات المختلفة، وربما المتناقضة، لحادث واحد، لوضع المتلقي بين عشرات علامات الاستفهام حول الروايات الأصح، إن كان فيها شيء من الصحة أصلًا.
  • التشكيك بمقتل بعض الفلسطينيين على أيدي الجنود الإسرائيليين والمستوطنين، من خلال تلفيق الأكاذيب حول ظروف استشهادهم، كما صرَّح الرئيس الإسرائيلي الأسبق، شمعون بيريز، بأن الإعلام الفلسطيني يبث صورًا لأشخاص أصيبوا في حوادث طرق، ويعرضهم وكأنهم أصيبوا بجراح خلال الاشتباكات مع قوات الأمن الإسرائيلية. 

ورغم أن هناك العديد من صور حوادث إطلاق النار على الفلسطينيين التي ظهرت كحالات إعدام محققة، هزت الكثير من سطوة الإعلام الإسرائيلي، فإنه خاض حربًا إعلامية لتبرير عنصريته، فعمل على تسويق الأكاذيب التي دارت حول اختلاق أكذوبة التوازن الخاطئ، بين المحتل والشعب الواقع تحت الاحتلال، بين القاتل والمقتول، بين ضدين لا يلتقيان إلا في إطار جدلية الصراع، ومقارعة بعضهما الآخر. 

ويمكن الاستدلال ببعض الأمثلة على هذه الأكاذيب:

  • درج الإعلام الإسرائيلي على التصريح بسماح السلطات العسكرية لآلاف العمال الفلسطينيين بدخول الخط الأخضر، كجزء من سياسة التسهيلات الإنسانية التي تتبعها، لكن الواقع كثيرًا ما يكذِّب هذه الأنباء.
  • إشاعة أن سيارات الإسعاف الفلسطينية تقل مسلحين فلسطينيين يستغلون مهمتها الإنسانية للوصول لأهدافهم بقتل الجنود الإسرائيليين، وأن الجنود قلَّما يردون على مصادر النيران الآتية من سيارات الإسعاف خشية إصابتها.
  • يُصَوَّر الأطفالُ الفلسطينيون الذين يشاركون في المظاهرات ويلقون الحجارة، في وسائل الإعلام الإسرائيلية، باعتبارهم كتائب بيد السلطة والمنظمات الفلسطينية، ويُدفعون لموتهم دفعًا لجني مكاسب سياسية. فقد قال المتحدث الأسبق باسم الحكومة الإسرائيلية، رعنان غيسين، في يوليو/تموز 2001: إنه ليس من المستبعد أن تستغل حماس الأطفال كتروس دفاعية حية؛ لأنها على الدوام تجندهم لساحة المعركة. 

‌ه. تبرير الاغتيالات 

بعد أن أعلنت الحكومة الإسرائيلية تبنيها الصريح لسياسة اغتيال النشطاء الفلسطينيين، بدأت وسائلها الإعلامية مهمة التسويغ الإعلامي لهذه السياسة عبر عدة مراحل(8):

  • انتقاء مصطلحات ذات وقع أخف على المرء من مصطلح الاغتيال، مثل: القتل المستهدف، والدفاع الإيجابي، والتصفية الموضعية، وضربات مختارة، وكان ذلك مثار نقاش كبير بين الحكومة الإسرائيلية وعدد من وسائل الإعلام العربية والغربية. ووصل الحال بوزارة الخارجية الإسرائيلية أن أوصت إذاعات وفضائيات وصحفًا عالمية بعدم استخدام كلمة "يغتال" لوصف قتل الإسرائيليين للفلسطينيين بحجة أن الفعل يستخدم لوصف عمليات اغتيال شخصيات سياسية مهمة، واستبدال عبارة "القتل المستهدف" بها. وطالما برر الإعلام الإسرائيلي سياسة الاغتيالات بأنها "رد فعل" إسرائيلي يندرج ضمن السياسة التي تقضي بإحباط وملاحقة مخططي العمليات "الإرهابية".
  • إيصال رسالة للرأي العام العالمي مفادها أن اجتياح المدن الفلسطينية واغتيال المطلوبين، يخلق المصاعب والمعضلات للشعب الفلسطيني، لكن الأكثر صعوبة بالنسبة للإسرائيليين أن "ننظر لأطفالنا وهم يعلمون أن بهذه المدن أناسًا يخططون لتنفيذ عمليات إرهابية، ولا نذهب هناك لمنعهم قبل أن يقتلوهم"، بمعنى آخر تبرير سياسة الاغتيالات والاقتحامات للمدن والقرى الفلسطينية، وارتكاب المجازر فيها.
  • بررت وسائل الإعلام الإسرائيلية سياسة الاغتيالات والتصفية باعتبارها شرعية وفق قاعدة "من يرد قتلك اقتله"؛ لأن القياديين الفلسطينيين الذين قُتلوا في عمليات الاغتيال مسؤولون عن مقتل عشرات الإسرائيليين، ويخططون لعمليات أخرى، لذا فليس هناك أكثر شرعية من قتلهم وتصفيتهم جسديًّا؛ لأنه عمل محق وحكيم، ويعتبر تنفيذًا لحكم الإعدام بحقهم، ويحبط عمليات إرهابية مستقبلية يخططون لها.
  • إيجاد مبررات ميدانية لحوادث الاغتيال، ومن ذلك، أن الجنود أطلقوا النار على سيارة أجرة فلسطينية بعد أن حاول أحد ركاب السيارة إشهار مسدسه.
  • وقع اشتباك مسلح مع مسلحين فلسطينيين أسفر عن مقتل أحدهم.

عمومًا، فإن أعمال القتل والاغتيال التي تمارسها قوات الاحتلال ضد الفلسطينيين، أطفالًا وشبابًا وشيوخًا ونساء، يُنظَر إليها في العُرف الإعلامي الإسرائيلي باعتبارها نتيجة وجود اشتباك مسلح في تلك المنطقة.

  • يُلْصِق الإعلامُ الإسرائيلي فور الإعلان عن اغتيال فلسطيني التهمَ الملفقة المعهودة، مثل: وضع عبوات ناسفة، المسؤولية عن قتل عشرات الإسرائيليين، والتنسيق بين المنظمات الفلسطينية، والإعداد لعملية مسلحة، مما يشير إلى أن قوائم التهم معدَّة سلفًا، وهذه الوسائل بانتظار الضحية القادمة ليس إلا، مما يجعل القارئ الإسرائيلي يعتقد أن اغتيال هذا الفلسطيني أو ذاك حماية لأرواح المئات من الإسرائيليين.
  • اتبع الإعلام الإسرائيلي أسلوب التهويل من قوة أجهزة الأمن بتنفيذ حوادث الاغتيال، فلجأ لأسلوب الحرب النفسية المبرمجة، في ضوء صراعه الفكري والعسكري مع الشعب الفلسطيني، عبر رسم السيناريوهات الأمنية حول اغتيال نشطاء المقاومة.
  • دأب المراسلون العسكريون الإسرائيليون على الحديث عن الاغتيالات، كأنها واحدة من "بطولات" الجيش الإسرائيلي، وقدرته على الوصول لكل فلسطيني مطلوب، وذلك ما حصل أثناء اغتيال الفدائي الفلسطيني، أحمد نصر جرار، بمدينة جنين أوائل فبراير/شباط 2018، الذي بقي متخفيًا عن أنظار الجيش والمخابرات عدة أسابيع، ولم تتمكن إسرائيل بكامل أجهزتها وقواتها العسكرية من إلقاء القبض عليه، حتى خاض معهم اشتباكًا عسكريًّا، أسفر عن استشهاده، وليس اعتقاله، كما كانت ترغب إسرائيل. 

‌و. تغييب الرواية الفلسطينية 

هدف الإعلام الإسرائيلي بالأساس إلى التقليل من شأن الفلسطينيين كشعب، وأبرز نموذج على ذلك استبدال كلمة الفلسطينيين بعبارة الشعب الفلسطيني، ولكل من العبارتين مدلول كبير، وإن متابعة وسائل الإعلام الإسرائيلية تثير أسئلة عديدة حول مهنية ومصداقية مراسلين ومحررين وصحف، ليس فقط بما يقولونه، بل أيضًا بما لا يقولونه. وفي تغطيتها للأحداث الفلسطينية، انتهجت وسائل الإعلام الإسرائيلية أسلوبًا لترويج الموقف الرسمي، وقد اتضح ذلك بصورة جلية في إضراب الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية خلال أبريل/نيسان 2017(9). 

وقامت رواية الأحداث في الإعلام الإسرائيلي على النحو التالي:

  1. عدم مشاركة متحدثين فلسطينيين في البرامج الحوارية، وإنما إسرائيليون يتحدثون مع بعضهم البعض، ويكيلون التهم للفلسطينيين دون أن يدافع عنهم أحد، وقد تلقَّى مديرو الأقسام في التليفزيون والإذاعة الإسرائيلية باللغة العربية، تعليمات من جهات أمنية طالبت بتشديد الرقابة على التقارير الصحفية، والتي تُجرى مع شخصيات فلسطينية وأعضاء كنيست عرب. وربما جاء ذلك تماشيًا مع التعليمات التي أصدرها رئيس الحكومة الأسبق، أرييل شارون، الذي انتقد أداء الإعلام الإسرائيلي؛ لأنه يفتح أبوابه لـ"أعداء إسرائيل"، وطالب بأن تكون سلطة البث خادمة لمصالح الدولة أولًا وقبل كل شيء؛ لأنها في معركة كبيرة ضد "الإرهاب الفلسطيني"، بأن تكون رديفًا للحكومة بهذه المعركة، وعدم منح العدو وقتًا من برامجها(10).
  2. حاولت وسائل الإعلام الإسرائيلية إبراز الرواية الفلسطينية بخلاف حقائقها، مثل صحيفة هآرتس، فلم تستخدم المصادر الفلسطينية بطريقة عادلة، فدائمًا كان كتَّابها يستخدمون كلمة (يدَّعي أو ادعاء) عند ذكر الفلسطينيين، فيقولون: ادعى مصدر فلسطيني، يدعي الفلسطينيون.
  3. التقارير الإخبارية تستقي معلوماتها من المصادر الحكومية الرسمية، مثل مكتب رئيس الحكومة، والوزراء، وأعضاء الكنيست، إضافة للمسؤولين العسكريين وجهاز الشرطة، مما يدفع الصحافيين والإعلاميين لقبول خطاب الأمن من أجل فهم الأحداث.
  4. لم تنقل وسائل الإعلام الإسرائيلية معاناة أبناء الشعب الفلسطيني في قراهم ومدنهم، رغم أن أكثر من مليوني إنسان ما زالوا محاصرين في غزة، وما يشمله ذلك من نقص في الإمدادات الغذائية والتموينية. 

أما فيما يتعلق بالتغطية الإسرائيلية لأحداث العمليات الفدائية، فجاءت على النحو التالي:

  1. استخدام أسلوب معروف وهو البعد الإنساني للعملية من أجل استقطاب الجمهور الإسرائيلي، خاصة أثناء تغطية أحداث القتلى الإسرائيليين في العمليات، والعمر والحالة الاجتماعية وعدد الأطفال، وصورة عربات الأطفال وهكذا.
  2. استخدام طريقة عرض صحفية متطورة تعتمد على التناقضات والتقلبات، كتصوير والدة الجندي باكية، وعلى نفس الصفحة سرد بأسماء حوادث القتل التي استهدفت الشبان الصغار.
  3. إبراز العناوين خلال أحداث العمليات الاستشهادية باللونين الأحمر والأسود، أي بلوني الدم والحداد، وتخصيص كامل الصفحات للحديث عن العملية. 

الجدول رقم (2) يبين مرتكزات الرواية الإسرائيلية للشأن الفلسطيني

مرتكزات الرواية الإسرائيلية للشأن الفلسطيني 

أسلوب التغطية

عدم مشاركة متحدثين فلسطينيين في البرامج الحوارية الإسرائيلية، بل إسرائيليون يتحدثون مع بعضهم، ويكيلون التهم للفلسطينيين.

عدم التوازن

وسائل الإعلام الإسرائيلية التي حاولت إبراز الرواية الفلسطينية لم تستخدم المصادر الفلسطينية بطريقة عادلة، بل لجأت لكلمة (يدعي أو ادعاء) عند ذكر الفلسطينيين.

الانحياز

تلقي معلومات الأحداث من المصادر الحكومية، والمسؤولين العسكريين والشرطة، يدفع الصحافيين والإعلاميين لقبول خطاب الأمن من أجل فهم الأوضاع.

التوجيه والتأطير

عدم نقل وسائل الإعلام الإسرائيلية معاناة أبناء الشعب الفلسطيني في قراهم ومدنهم...

تجاهل معاناة الإنسان الفلسطيني

لدى تغطية العمليات الفدائية، يستخدم الإعلام الإسرائيلي البعد الإنساني لاستقطاب الجمهور الإسرائيلي، بالحديث عن قتلى العمليات، والعمر والحالة الاجتماعية وعدد الأطفال.

أَنْسَنَة "ضحايا" العمليات الاستشهادية واستقطاب الجمهور الإسرائيلي

إبراز عناوين أحداث العمليات الاستشهادية باللونين الأحمر والأسود، لوني الدم والحداد، وتخصيص صفحات للحديث عن العملية.

دغدغة مشاعر الجمهور الإسرائيلي

‌ز. الفلسطينيون أرقام 

يسقط يوميًّا شهداء فلسطينيون ويصاب عشرات آخرون، ومعظمهم من الأطفال، وتكتفي وسائل الإعلام الإسرائيلية بنشر عدد القتلى والجرحى، وجميعهم -حسب الإعلام الإسرائيلي- سقطوا في مواجهات مع قوات الجيش عندما أطلقوا النار على جنود أو ألقوا حجارة، أي إنهم هم المعتدون والجنود يدافعون عن أنفسهم، لا تذكر الأسماء والأعمار، وأماكن سكناهم وظروف استشهادهم، ولم تُقدَّم أية وجهة نظر فلسطينية. وهذا الأمر له علاقة بانحياز التغطية لصالح الإسرائيليين، كما أن تغطية ما يسميه الإعلام الإسرائيلي "العنف" غير متوازنة، فنرى أن المعالجة الإخبارية لعمليات الفلسطينيين أعلى من عنف الإسرائيليين على عدة مستويات، وتتم إضافة تفاصيل مسهبة ذات علاقة بـ"الضحايا" الإسرائيليين، بينما لا تظهر تلك التفاصيل فيما يتعلق بنظرائهم الفلسطينيين. 

ورغم اتباع وسائل الإعلام الإسرائيلية لأسلوب المبني للمجهول في مقتل الفلسطينيين، فإنه في المرات المعدودة التي قدَّم الأخبار بصيغة المبني للمعلوم، كانت عند حدوث عمليات اغتيال، بهدف تعزيز القناعة بأن الجهود الأمنية الإسرائيلية تتعامل بفعالية مع التهديد الكامن الذي يمثِّله الفلسطينيون. 

وفي حين أن وسائل الإعلام الإسرائيلية تتجاهل بشكل دائم أسماء الشهداء الفلسطينيين وأعمارهم، وما يخصهم من معلومات شخصية، فإنها تذكر القتلى المشتبهين بالتعاون مع سلطات الاحتلال، شارحة مسيرة التعذيب التي مروا بها لدى النشطاء الفلسطينيين، وتأخذ هذه الأنباء وقتًا أطول من فقرة الأوضاع الميدانية في الضفة والقطاع(11). 

كما تلجأ وسائل الإعلام الإسرائيلية، لاسيما المرئية منها، للتلاعب بالصورة التليفزيونية من خلال تقريب العدسة على الجمهور الإسرائيلي أثناء تشييع قتلاهم، مما يعطي تأثيرًا كبيرًا للمشهد، ويخلق حالة تضامنية معه، في حين تغيب صورة الضحايا الفلسطينيين تمامًا، ويبث التليفزيون الإسرائيلي أحيانًا صورًا لجنازات الشهداء الفلسطينيين عن بُعد، من خلال لقطات قصيرة لا توحي بمظاهر الحزن والألم التي تعتصر قلوب المشاركين فيها. كما تتجاهل القنوات التليفزيونية الإسرائيلية بث الصور المؤثرة عن عمليات انتشال الأطفال من تحت الأنقاض التي تتناولها شبكات التلفزة العربية والأجنبية لدى تنفيذ أي قصف أو هجوم إسرائيلي على مبنى فلسطيني، وفي اليوم التالي تبث القنوات الإسرائيلية صورًا لجنازة الشهداء، وتركز على مسلحين يتقدمون الجنازة(12). 

‌ح. لوم الضحية 

يمارس الإعلام الإسرائيلي سياسة غريبة قامت على لوم الضحايا الفلسطينيين، ليس لأن آلة القتل الإسرائيلية حصدتهم جماعات وفرادى، بل لأن أجسادهم تصدت للرصاص الإسرائيلي، وبدا أن الإعلام الإسرائيلي لا يبالي بقتل الضحية الفلسطيني، بل بتعب الجلاد الإسرائيلي في قتلها، فالإعلام لا ينظر للجثة الهامدة، وإنما يفكر كم أتعبه قتل هذه الضحية! وقد تبنَّى هذه السياسة رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، الذي أكد أن الجيش الإسرائيلي يحرص على توجيه أعماله بقصد الدفاع عن النفس ضد المسلحين، ومن يرسلهم، وإذا قتل أطفالًا أو أبرياء آخرين، فهذا نتيجة لهذه الأعمال، أو نتيجة خطأ محض، فقط! 

ووردت تعليقات إسرائيلية مختلفة تبرر قتل الفلسطينيين، تشير لعدم وجود ما يُعرف بالحرب النظيفة، فلا يجب على إسرائيل أن تتأسف على الإصابة غير المقصودة بالمدنيين الفلسطينيين في إطار حربها ضد الإرهاب؛ لأنها حرب شاملة، كما أن المدنيين الذين يقدمون المأوى والدعم للمسلحين، لا يستحقون أن يطلق عليهم مصطلح الأبرياء، ولا ينبغي ذرف الدموع والتأسي على الإصابة غير المقصودة ضدهم. بل إن ما حدث في جنين إبَّان تنفيذ عملية السور الواقي في الضفة الغربية عام 2002، وخلال الحروب الإسرائيلية الثلاثة على غزة في أعوام 2008 و2012 و2014، كان مدار بحث ونقاش أكاديميين لدى المؤسسات الإعلامية الإسرائيلية، وخلاصة ذلك أن ما حدث من دمار ومعاناة للفلسطينيين، لا نستطيع تجاهله، ولكن يجب أن نعلم أن ذلك نتيجة ذنب المسلحين الذين حولوا السكان المدنيين إلى دروع بشرية. 

وفي حين تنتهج وسائل الإعلام الإسرائيلية أسلوبًا شبه موحد في تناول الأحداث ووصفها بمدينة الخليل بين الفلسطينيين والمستوطنين، باعتمادها رواية عن تراشق عشرات من الفلسطينيين والمستوطنين بالحجارة، مما أسفر عن إصابة عدد من الفلسطينيين، ولسبب لا يُعرَف، فإن الحقيقة أن غالبية المواجهات تنجم عن اعتداء يشنه المستوطنون على منازل الفلسطينيين ومحلاتهم التجارية، كما تنظر وسائل الإعلام الإسرائيلية لهذه الممارسات بأن المستوطنين اليهود يواصلون احتجاجاتهم في الخليل. 

ومع قرب احتفالات بيت لحم بأعياد الميلاد نهاية كل عام، دأب الإعلام الإسرائيلي على بث تقارير منها، عارضًا لصور المحلات التجارية الخالية من الزبائن، وإلقاء اللوم في تدهور الوضع السياحي على الفلسطينيين. وفي الوقت الذي تورد التقارير أن الجيش الإسرائيلي سمح لجميع المسيحيين والسياح بدخول المدينة دون أي قيود أو تصاريح رسمية، فندت بعض الفضائيات هذه المزاعم بسبب وجود الحواجز العسكرية على مداخل المدينة. 

ودأب التليفزيون الإسرائيلي على إجراء لقاءات مع بعض المسؤولين الفلسطينيين بالضفة الغربية بعد مقتل عدد من الإسرائيليين، فيطلب منهم المذيعون الإسرائيليون الانتظار لمشاهدة مقابلات مع ذوي القتلى الإسرائيليين، على نسق مواجهة الضحية لجلادها، ثم يسألونهم: ماذا تقولون لهذه العائلات؟ وبهذا يتحول الضحية الفلسطيني مسؤولًا عن مأساة هذه العائلة الإسرائيلية الثكلى. وهكذا يلجأ الإعلام الإسرائيلي لأسلوب لوم الضحية في حالات الاستخدام المفرط للقوة الذي تقوم به قوات الاحتلال ضد الجماعة المحرومة، الفلسطينيين، وتلازم نشر التقارير حول العنف الرسمي الذي تنفذه إسرائيل ضد هؤلاء مع معلومات تحاول تبرير تلك الأعمال، كالمعلومات المفصلة حول العنف ضد قوات الأمن، واتهام الأبرياء بأنهم كانوا يبيتون نية الهجوم(13). 

‌ط. الصحفيون والعقيدة العسكرية 

تشير الوقائع إلى أن تحولًا طرأ على الإعلام الإسرائيلي بعد سلسلة الحروب الإسرائيلية على غزة، فقبلها كان الإعلام يحقق ويفحص الأمور ميدانيًّا، لكن اليوم أصبح كل صحافي إسرائيلي يشعر بالوطنية، ولا يفرق بين ذلك وبين مهنته الصحفية، فينقل الحدث من وجهة نظره، ولا يجتهد من أجل البحث عن الحقيقة، وبالتالي تحول كل عربي فلسطيني إلى مشبوه، أو سيقوم بعملية فدائية. وأدت تلك الحروب إلى تعميق الأزمة في إسرائيل، بما يقدمه إعلامها من تحذيرات عن عمليات هجومية، هذه التحذيرات تتغلغل في نفوس الإسرائيليين، وتؤثر على مجرى حياتهم، وفي تصريحات الساسة الإسرائيليين التي تصف كل إسرائيلي بأنه مستهدف، ويجب الحفاظ على حياته؛ لأنهم يصفون الوضع بـ"حالة حرب". 

وأضحى المراسلون يتنافسون فيما بينهم لإظهار عدائهم للشعب الفلسطيني، ويتجاهلون في تقاريرهم الحديث عن القصف الإسرائيلي، وقد لعب بعضهم دورًا تحريضيًّا، وبدا انعطافهم واضحًا نحو اليمين، وخلقوا إعلامًا متعطشًا للدم لا مثيل له من قبل، بل استخدمت القنوات والصحف الإسرائيلية عبارة "قواتنا" للإشارة إلى جنود الاحتلال في الأراضي الفلسطينية، مثلًا: "أطلق فلسطينيون النار اليوم على موقع للجيش، لم يصب أحد من قواتنا بأذى. قواتنا أطلقت النار على متظاهرين فلسطينيين"(14). 

وجد الإعلاميون الإسرائيليون فرصتهم السانحة في شن تلك الحروب، فغداة اندلاع الحروب جاءت معظم التعليقات الصحفية من هذا القبيل: "لقد صدقنا، هذا ما قلناه لكم، وما حذرناكم منه، العرب لا يفهمون إلا لغة القوة". ووجد المراسلون الإسرائيليون أنفسهم شركاء في الأيديولوجيا الصهيونية، وليسوا مهنيين، ولذلك ابتعدوا عن صيغ معينة في نقد المؤسسات أو الأعمال العسكرية الإسرائيلية، وأَرْخَوا لأنفسهم العنان على شاشات التلفزة الإسرائيلية ليصبح الواحد منهم المصدر الأول للمعلومات، فيكفي أن يكشف عن اسم فلسطيني ليغدو أهم وأخطر شخص مطلوب للسلطات الإسرائيلية، كما أن الكشف عن وجود جسم ما يجعله التنظيم الأهم. 

ليس ذلك فحسب، بل جاهر الصحفيون الإسرائيليون بعدائهم للشعب الفلسطيني لدرجة تحريض الجيش عليهم، وبات من الواضح أن هذا المحلل أو ذاك المراسل تجاوز دوره الصحفي والإعلامي، عندما يطلب من الجيش القيام بهجمات، وأصبح من الصعب التمييز بين دوره كصحفي أو ناطق باسم الجيش الإسرائيلي(15). 

3. نتائج الدراسة 

تكشف الدراسة خصوصية الخطاب الإعلامي الإسرائيلي المتماهي مع الأيديولوجيا الصهيونية في اجتثاث الوجود الفلسطيني ونفي كينونته وإحلال الآخر/الإسرائيلي في أرضه من خلال الإمعان في طمس هوية الفلسطيني والقتل الرمزي لكينونته، وهو ما يجعل هذا الإعلام يحيد عن الأسس والمعايير المتعارف عليها في التقاليد الصحفية والإعلامية، وقد تجلَّى ذلك واضحًا في المحاور السابقة، وهنا نبرز أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة بشأن مضمون التغطية وأسلوبها في تشكيل صورة الذات الفلسطينية وأبعادها الفكرية والنفسية والسلوكية. 

‌أ. مضمون التغطية وأبعاد الذات الفلسطينية 

  • الفلسطيني هو المعتدي، والإسرائيلي معتدى عليه، فما يحدث في الأراضي الفلسطينية اعتداء من الفلسطينيين ضد الجنود الإسرائيليين، والفلسطينيون بدأوا الحروب، والإسرائيليون يدافعون عن أنفسهم، وتقدم وسائل الإعلام الإسرائيلية ممارسات الجيش الإسرائيلي كرد فعل على العنف الفلسطيني.
  • العداء وتسويق الأكاذيب ضد الفلسطينيين، مثل التشكيك في مقتل بعض الفلسطينيين على أيدي الجنود الإسرائيليين والمستوطنين، من خلال تلفيق الأكاذيب حول ظروف استشهادهم، يهدف لضرب الرُّوح المعنوية في صفوفهم، وتمرير سياسات إسرائيلية بحقهم، وتشترك معظم وسائل الإعلام الإسرائيلية بهذه الأساليب الدعائية، المروِّجة لسياسات حكومية عدائية.
  • نفي كينونة الفلسطيني من خلال تغييب الرواية الفلسطينية، والاقتصار على رواية الناطق العسكري أو المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية، رغم أن الحدث يخص الفلسطينيين أولًا وأخيًرا، لكن تهميش واستثناء الرواية الفلسطينية للتطورات الميدانية يعد سياسة إعلامية تنبع من سياسة عامة مفادها عدم الاعتراف أساسًا بالشعب الفلسطيني الذي له حق ورواية ومطالب.  

‌ب. أسلوب التغطية الإخبارية 

  • رغم الإمكانيات الهائلة المتاحة لوسائل الإعلام الإسرائيلية، فإنها ظلت أحادية الجانب، بل لجأت خلال تغطيتها للحروب التي شنتها إسرائيل ضد الفلسطينيين إلى التهويل تارة، والتستر تارة أخرى، وبدلًا من إيجاد رأي إسرائيلي عام من خلال عرض تعددي لوجهات النظر، فقد أخذت على عاتقها تعبئة الرأي العام الإسرائيلي من خلال الحرب النفسية والتحريض.
  • كان المراسلون العسكريون والمحللون للشؤون العربية والناطقون بلسان الجيش والحكومة، هم نجوم وسائل الإعلام الإسرائيلية، الذين أتقنوا عرض وجهة النظر الرسمية الإسرائيلية لما يحدث مع الفلسطينيين، وفي بعض الأحيان لا تستطيع أن تميز إن كان المراسل ناطقًا بلسان الحكومة الإسرائيلية، أو الناطق بلسان الحكومة الإسرائيلية هو المراسل(16).
  • لم يكن هناك توازن بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، في المقابلات ونقل المواقف، وبرز ذلك ليس فقط في قلة عدد الفلسطينيين الذين يتم استطلاع آرائهم في التقارير الصحفية والإعلامية، بل في التوجه العدائي والاستفزازي والاستعلائي للصحفيين الإسرائيليين.
  • تبني مواقف الحكومة الإسرائيلية، وعدم الميل لانتقادها، خلافًا لما تبدو عليه تغطية سياساتها ومتابعتها للقضايا الداخلية: الاقتصادية والسياسية والتعليمية، وانتقادها وتحليلها لكل صغيرة وكبيرة في هذه المجالات.
  • تلعب وسائل الإعلام الإسرائيلية دورًا تعبويًّا؛ إذ تميل إلى التصرف امتدادًا للمؤسسة السياسية الرسمية، ومن ثم الاصطفاف بجانب المؤسسة العسكرية والأمنية، فالجندي الإسرائيلي هو معتَدى عليه دائمًا، والقصف الإسرائيلي وإطلاق النار على الفلسطينيين دفاع عن النفس، ورد على اعتداءات فلسطينية.
  • تميل وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى استخدام مصطلحات وتعابير انتقائية، وباتت جزءًا من عملية تقديم إسرائيل والإسرائيليين باعتبارهم ضحايا إلى العالم، أما الفلسطيني فهو المجرم والمذنب والمسؤول عن كل ما يجري في العالم، كما أن استخدام هذه المصطلحات فيه ميل نحو إظهار التعالي والتفوق الإسرائيليين في ميادين متنوعة، خاصة التكنولوجية والعسكرية والأمنية.
  • استخدم الإعلام الإسرائيلي للأوصاف والعبارات التي تستخدمها المصادر العسكرية، وبعضها يتعمد إيصال معلومات خاطئة لتلبية احتياجات معينة للجيش الإسرائيلي، وعندما تلتقي المؤسستان، العسكرية والإعلامية، ضد هدف محدد، فلا يحدث خلاف بينهما.
  • تتجاهل وسائل الإعلام الإسرائيلية معظم الفعاليات الاحتجاجية ضد الاحتلال، والمسيرات السلمية داخل فلسطين المحتلة عام 48، التي تندد بالاحتلال وتدعم الحق الفلسطيني.
  • أضحت الحروب مادة غنية لتشويه الحقوق الفلسطينية في الإعلام الإسرائيلي؛ إذ تقدم الحرب باعتبارها ردًّا إسرائيليًّا طبيعيًّا ومنطقيًّا على "العنف" الفلسطيني.
  • جرت العادة قبيل اندلاع أي حرب تشنها إسرائيل على غزة أن تنشئ الحكومة الإسرائيلية إدارة خاصة للتأثير على وسائل الإعلام المختلفة، يرأسها مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى، يعاونه ممثلون من وزارتي الخارجية والدفاع، ومكتب رئيس الوزراء، إضافة للأجهزة الأمنية التابعة للجيش والشرطة(17).
  • ما إن تبدأ الحرب حتى يبادر فيض من الدبلوماسيين ومجموعات الضغط والمدونات الإلكترونية ومختلف العناصر المؤيدة لإسرائيل بإغراق وسائل الإعلام المختلفة بسلسلة من "الرسائل" التي تتم صياغتها بدقة مسبقًا؛ لأن هدف الجميع هو تبرير الموقف الإسرائيلي والدفاع عنه.

________________________________________________

د. عدنان أبو عامر، رئيس قسم العلوم السياسية والإعلام في جامعة الأمة بقطاع غزة- فلسطين.

مراجع

1. يضم الإعلام الإسرائيلي عددًا من القنوات الإذاعية والتليفزيونية، تبث برامج تحريضية ضد العرب والفلسطينيين باللغة العبرية، متضمنة نشرات إخبارية وتعليقات سياسية واقتصادية، وبرامج تعليمية وترفيهية ومعلومات، فضلًا عن أفلام ومسلسلات ومسرحيات. ومن أهم هذه الوسائل: إذاعة الجيش الإسرائيلي غاليه تساهال، والتليفزيون التربوي الإسرائيلي، الذي تم إغلاقه، واستبدال القناة التليفزيونية "كان" به، والقناة الثانية، والقناة العاشرة، وتليفزيون الكوابل الذي يبث أخبارًا وأفلامًا وبرامج موسيقية ورياضية متنوعة، بجانب العشرات من الإذاعات المحلية. فيما تتكون الصحافة في إسرائيل من العديد من الصحف، أربع يومية، وهي: يديعوت أحرونوت، ومعاريف، وهآرتس، وإسرائيل اليوم. والعشرات من المواقع الإخبارية عبر شبكة الإنترنت، وأهمها: ديوان رئيس الحكومة، ووزارة الخارجية، والجيش الإسرائيلي، والمواقع الإخبارية التي تحدِّث خدماتها الإعلامية والتحليلية على مدار الساعة.

2. كبها، مصطفى، "وسائل الإعلام العبرية ودورها في الانتفاضة"، قضايا إسرائيلية، العدد 4، أكتوبر/تشرين الأول 2001، ص 120.

3. "الإعلام الإسرائيلي: بنية، أدوات، أساليب عمل"، وكالة الأنباء الفلسطينية وفا، 2011، (تاريخ الدخول: 10 يوليو/تموز2017):

 http://info.wafa.ps/atemplate.aspx?id=878

4. النعامي، صالح، "الإعلام الإسرائيلي وخطاب العنصرية"، العربي الجديد، 22 أكتوبر/تشرين الأول 2015، (تاريخ الدخول: 8 يوليو/تموز 2017):

goo.gl/nD6rmh

5. أبو عرقوب، عمر، "تغطية الإعلام الإسرائيلي للحرب على غزة 2014"، 22 أغسطس/آب 2015، (تاريخ الدخول: 5 يوليوز/تموز 2017):

goo.gl/yctBxt

6. الحرباوي، نزار، "الرقابة العسكرية على الإعلام الإسرائيلي"، دنيا الوطن، 9/ سبتمبر/أيلول 2014، (تاريخ الدخول: 30 يونيو/حزيران 2017):

https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2014/09/09/341251.html

7. منصور، جوني، "الاصطلاحية الانتقائية في الصحف العبرية"، قضايا إسرائيلية، العدد 9، يناير/كانون الثاني 2003، ص 88.

8. النيرب، باسل، "الإعلام الإسرائيلي.. مكر ودهاء وتضليل وذكاء"، فلسطين اليوم، 4 يونيو/حزيران 2010، (تاريخ الدخول: 7 يوليو/تموز 20127):

 https://paltoday.ps/ar/post/78911

9. النيرب، باسل، "الإعلام الإسرائيلي: نماذج واقعية لتغطية الأزمات السياسية، موقع الحملة العالمية لمقاومة العدوان، 27 ديسمبر/كانون الأول 2010، (تاريخ الدخول: 21 أغسطس/آب 2017):

http://ar.qawim.net/index.php?option=com_content&task=view&id=7681

10. وديع عواودة، عوفاديا، "تساهل مع اليهود وعنصرية مع الفلسطينيين"، الجزيرة نت، 7 أكتوبر/تشرين الأول 2013، (تاريخ الدخول: 15 يوليو/تموز 2017): 

goo.gl/qBc6ad

11. عيد، باسم، "التراشق بالكلمات: تغطية وسائل الإعلام الفلسطينية والإسرائيلية للانتفاضة"، مجلة الرقيب، القدس، 2001، ص 28.

12. طاهر، معاذ، "كيف تابع الإعلام الإسرائيلي عملية اغتيال مازن فقهاء؟" وكالة شهاب، 25 مارس/آذار 2017، (تاريخ الدخول: يوليو/تموز 2017):

goo.gl/aQydHJ

13. "الإعلام الإسرائيلي يتبنى الرواية الرسمية ويتجاهل إضراب الأسرى"، الجزيرة نت، 12 مايو/أيار 2017، (تاريخ الدخول 12 يوليو/تموز 2017):

goo.gl/PyDvi6

14. "كيف تحاصر دولة الاحتلال الإعلام الفلسطيني؟"، مجموعة الخدمات البحثية، بدون تاريخ، (تاريخ الدخول: 16 يوليو/تموز 2017): 

http://www.rsgleb.org/article.php?id=757&cid=22&catidval=0

15. "انتفاضة الأقصى: الحرب الإعلامية"، الهيئة العامة للاستعلامات، غزة، 2001، ص 7.

16. صوان، أحمد، "الإعلام الصهيوني والانتفاضة"، مجلة الدراسات الإعلامية، المركز العربي للدراسات الإعلامية، القاهرة، العدد 106، يناير/كانون الأول 2002، ص 45.

17. ريناوي، خليل، "التغطية الإعلامية الإسرائيلية لانتفاضة الأقصى"، قضايا إسرائيلية، العدد 6، ربيع 2002، ص 68.