الوضع الفلسطيني.. الأزمة والمصالحة ومستقبل الحركة الوطنية

من الصعب تصور إعادة بناء اللحمة الوطنية الفلسطينية بدون إعادة نظر في النهج السياسي لقيادة سلطة الحكم الذاتي، ولحركة فتح، ولحركة حماس على السواء.
1_863619_1_34.jpg
 
 
بشير موسى نافع
بين التاسع والرابع عشر من يونيو/حزيران 2007، حسمت مجموعات من الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، والقوة التنفيذية الموالية للحركة، الصراع الدائر منذ شهور في قطاع غزة بالقوة العسكرية.
وكانت المناطق الفلسطينية الواقعة في نطاق الحكم الذاتي شهدت توتراً متزايداً منذ فوز حماس في الانتخابات التشريعية في مطلع 2006، ومن ثم تأهلها لتشكيل الحكومة الفلسطينية.
وصل هذا التوتر ذروته في الاشتباكات التي شهدها قطاع غزة خلال الأسابيع السابقة على عقد اتفاق مكة.
جانب من هذا التوتر يعود إلى الحصار السياسي والاقتصادي الذي فرضته الدولة العبرية والقوى الغربية عامة على المناطق الفلسطينية بعد فوز حماس وتشكيلها الحكومة، ولكن الجانب الذي لا يقل أهمية عن ذلك يعود إلى سعي قوى وشخصيات داخل حركة فتح والطبقة الفلسطينية الحاكمة منذ أوسلو، وسعي قيادات ومؤسسات أمنية داخل سلطة الحكم الذاتي إلى تقويض دور حماس في الحكم وإخراجها نهائياً من جسم السلطة.
أثار حسم الصراع في قطاع غزة لصالح حماس ردود فعل سياسية سلبية، فلسطينياً وعربياً ودولياً، كما أثار جدلاً فكرياً حاداً في الساحتين الفلسطينية والعربية.
 
فقد شابت عملية الحسم تجاوزات بالغة من الطرفين، سواء من القوات الموالية لحماس أو تلك التابعة للأجهزة الأمنية، كما مثلت لحظة مؤلمة أخرى من الاشتباك الفلسطيني الفلسطيني، وأضافت انقساماً فلسطينياً وطنياً إلى الانقسامات العربية الداخلية المتفاقمة في العراق ولبنان ولكن دلالات الحسم السياسية هي الأهم بالتأكيد، سواء فيما يتعلق بالموقع الذي تحتله القضية الفلسطينية عربياً وإقليمياً ودولياً، أو بعملية التحول المرتبكة التي تشهدها المجتمعات العربية والإسلامية ودور القوى الإسلامية السياسية ومستقبلها في هذه العملية.
 
لقد قادت حركة التحرر الوطني الفلسطيني (فتح) النضال الوطني الفلسطيني منذ سنة 1969، وبالرغم من التعددية السياسية والأيديولوجية التي تتسم بها الساحة الفلسطينية، كانت فتح هي من يحدد الاتجاه العام للحركة الوطنية طوال ربع القرن الماضي، ولكن دور فتح أخذ في التراجع منذ الانتفاضة الفلسطينية الأولى.
 
وفعلا قدم فوز حماس في الانتخابات التشريعية الأخيرة في الضفة والقطاع مؤشراً ملموساً على التراجع الفتحاوي وعلى صعود التيار الإسلامي السياسي.
 
وهناك مؤشرات عديدة أخرى تشير إلى أن حجم ودرجة التحول بين فلسطينيي الشتات لا تقل عنهما في الضفة والقطاع.
اتجهت الأزمة السياسية التي ولدتها عملية الحسم في قطاع غزة نحو التعقيد، سواء لرغبة دوائر معينة داخل السلطة الفلسطينية في إبقاء الأوضاع على ما هي عليه، أو للضغوط التي تمارسها الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية على رام الله، أو لأن المفاوضات الجارية منذ نهاية 2007 حول تسوية نهائية ما للصراع على فلسطين تتطلب استبعاد حماس عن مواقع القرار للسلطة الفلسطينية، وأصبحت هذه الأزمة، بذلك، مفتوحة على احتمالات عدة.
 
ولكن من الخطأ التعامل مع الأزمة الفلسطينية باعتبارها مجرد حلقة جديدة في سلسلة التداعيات التي عاشتها الساحة الفلسطينية منذ انتصار حماس في الانتخابات التشريعية.
 
هذه أزمة ذات جذور عميقة في التاريخ السياسي الفلسطيني، ومن غير الممكن التوصل إلى قراءة صحيحة للحظة الفلسطينية الراهنة، وللتحول الذي يشهده المجتمع الفلسطيني واتجاهاته، بدون قراءة السياق التاريخي لبروز حركة فتح والاتجاه الإسلامي الفلسطيني، وبدون استطلاع دقيق لشروط التحولات السياسية في السياق الفلسطيني.
 
وبالنظر إلى أن صيف 2008 شهد بدايات حوار وطني لمعالجة الأزمة وعواقبها، فإن من الصعب تصور إعادة بناء اللحمة الوطنية الفلسطينية بدون إعادة نظر في النهج السياسي لقيادة سلطة الحكم الذاتي، لحركة فتح، ولحركة حماس على السواء.

 

نبذة عن الكاتب