إعداد/ د. دان بليش ومارتن بوتشر
ترجمة/ خالد حاجي
مدخل عام
تتناول ورقة الباحثين د. دان بليش ومارتن بوتشر موضوع احتمال دخول الولايات المتحدة الأميركية في حرب ضد إيران. ويناقش الباحثان هذا الاحتمال من زوايا نظر متعددة، مقسمين الورقة إلى الفصول التالية:
- إستراتيجيات الأمن القومي الأميركي وإيران.
- استعدادات الولايات المتحدة الأميركية لتدمير دولة إيران باعتبارها قوة إقليمية.
- القيادة الإستراتيجية والضربة الشاملة.
- مسرح العمليات.
- إضعاف النظام الإيراني كخطوة نحو تحويل إيران إلى دولة فدرالية.
- القيادة الإستراتيجية: الضربة الشاملة باستعمال السلاح النووي.
- ما احتمالات الهجوم بالنظر إلى السياق السياسي في الولايات المتحدة؟
- الجيش الإسرائيلي والبعد السياسي.
- السياسة الإيرانية في لندن: هل سيساهم براون في الهجوم؟
- كيف سترد إيران على الهجوم؟
- تأثير هذه الحرب المحتملة على دول الخليج وبقية المتحاربين
تعتبر الورقة محاولة للانخراط في جملة النقاشات الساخنة التي تشهدها الساحة الدولية بخصوص العلاقة المتوترة بين إيران والمنتظم الدولي، وتحاول أن تجيب عن السؤال المتعلق بإمكانية قيام الولايات المتحدة الأميركية بتوجيه ضربة عسكرية إلى إيران، إما منفردة أو بمعية إسرائيل، وإما بمباركة بعض الحلفاء مثل بريطانيا. "
قد تفكر أميركا في التخلي عن ضرب إيران في حال إقدام النظام الإيراني على خطوة إستراتيجية يغير بمقتضاها سياساته، سواء ما تعلق منها بالملف النووي أو ضرورة العمل على فتح نظامه السياسي
"
تؤكد الورقة على وجود خطط عسكرية جاهزة للانقضاض على إيران بضربة استباقية خاطفة قد تحول هذا البلد إلى ركام في أدنى من سويعات معدودة بعد إعطاء الرئيس الأميركي إشارة البدء في الهجوم. وضرب إيران أمر لا يحتاج إلى مبرر إستراتيجي، ذلك أن هذا البلد جمع ما بين أمرين لا يمكن أن يجتمعا في قوة إقليمية دون أن يمثلا تهديدا للسلم العالمي ولمصالح أميركا: التشدد الراديكالي والسعي لاكتساب التكنولوجيا، على حد قول الرئيس الأميركي. وفضلا عن إعلان القيادة المتشددة في طهران عن نيتها في اكتساب أسلحة الدمار الشامل، فهي لا تخفي نيتها في "محو إسرائيل من الخارطة"، كما أنها، من وجهة نظر أميركية، دولة تساند الإرهاب، وتسعى لخنق الشرق الأوسط، وتعيق مسلسل الديمقراطية في العراق كما تحول دون شعبها وتطلعاته المشروعة نحو الحرية.
بناء على ما تقدم ذكره من أسباب كافية لتبرير الغزو الأميركي على إيران، فإنه يتعذر التراجع عن مخطط الضربة الاستباقية. وقد تفكر الولايات المتحدة الأميركية في التخلي عن ضرب إيران في حال إقدام النظام الإيراني على خطوة إستراتيجية هائلة يغير بمقتضاها سياساته، سواء ما تعلق منها بالملف النووي، أو ضرورة العمل على فتح نظامه السياسي وتمتيع شعوبه بالحرية اللازمة. أما في حال إصرار النظام الإيراني على البقاء كما هو، فإن المصلحة الإستراتيجية الأميركية تقتضي الضربة العسكرية الاستباقية، ولا أقل من ذلك. إن الولايات المتحدة الأميركية لن تقبل بتطوير إيران السلاح النووي، كما أنها لن تقبل المماطلة والانتظار طويلا، ذلك وعيا من إستراتيجييها بأن مرور الزمن لن يزيد إيران إلا قوة: فإذا كان هذا البلد يهدد مستقبل إسرائيل من لبنان وسوريا، وانطلاقا من يده الممدودة إلى حزب الله وحماس، فكيف لو أنه تحول إلى قوة نووية! لذلك فالتفاوض مع النظام الإيراني على الطريقة التي تقترحها دول المجموعة الأوروبية أمر مرفوض من وجهة نظر إستراتيجية أميركية. وأمام ضعف احتمال تخلي إيران الطوعي عن المشروع النووي، على الطريقة الليبية، فإن ضرب إيران يبدو أمرا وشيكا.
تشير الورقة إلى دلائل تثبت أن الحرب على إيران قد بدأت فعلا منذ مدة، كما يتجلى ذلك من خلال المناوشات التي تقع داخل إيران على الهامش الحدودي، بدعم من بريطانيا وأميركا. والراجح أن أميركا لن تقف عند حد تجريد إيران من قدرتها النووية، بل إن مصلحتها الإستراتيجية تقتضي أكثر من ذلك، تقتضي تغيير النظام وتقسيم البلد إلى ولايات وهدم المؤسسات القائمة فيه، وذلك حتى لا تظل إيران حجرة عثرة في وجه التحرك الأميركي في المنطقة.
وعن احتمال وقوف الداخل الأميركي في وجه المبادرة العسكرية ضد إيران، تقول الورقة إن عدد المعارضين لهذه الحرب المحتملة قليل مقارنة مع كثرة الأصوات الداعية لإعلاء المصلحة الإسترتيجية العليا لأميركا. وأما بخصوص الخوف من انعكاسات الحرب المحتملة على الاقتصاد الأميركي، فإن اليمين المحافظ يرى في الحرب فرصة لإنعاش صناعة الأسلحة، الأمر الذي قد يعوض عن أنواع الخسارة الاقتصادية الأخرى. في خلاصة الأمر، ترجح الورقة كفة الضربة العسكرية الأميركية ضد إيران. حتى من صفوف الديمقراطيين، فلن تجد من يقف في وجه ضرب إيران، حيث أعلن كل من باراك أوباما وهيلاري كلينتون أنهما يباركان هجوما من هذا النوع.
أما عن احتمال انضمام بريطانيا إلى أميركا في حال هجومها على إيران، فالأمر يظل مفتوحا على عدة احتمالات. إن رئيس الوزراء البريطاني براون وإن أعطى إشارات تدل على أنه لن يكون كسابقه سريع الاستجابة لمطالب أميركا، فإنه يظل محكوما بجملة من الثوابت الإستراتيجية التي على رأسها "استحالة القبول بإيران النووية". حتى ولو أبدت بريطانيا في شخص رئيس وزرائها ممانعة، فإنها لن تجد مندوحة من الانضمام في نهاية المطاف إلى أميركا."
نوع الخسارة التي يمكن أن تحدثها ردة الفعل العسكرية الإيرانية ذو طبيعة اقتصادية وقد تعمل إيران عبر جملة الخلايا النائمة على إحداث القلاقل والاضطرابات في مجموع دول الخليج
"
ولا يخفى ما تقوم به بريطانيا من دور واضح في الاختراقات المتتالية للتراب الإيراني عبر المعارضين الراغبين في التخلص من النظام الحالي. قد يكون الرأي العام في بريطانيا أميل إلى معارضة الحرب على إيران، رغبة منه في عدم السماح لتكرار تجربة العراق. لذلك فإن بريطانيا تسعى إلى استعمال جميع وسائل الضغط المتاحة لإيجاد تسوية نهائية لهذا الملف عبر الطرق الدبلوماسية، وهي تستحث شركاءها في الاتحاد الأوروبي لممارسة الضغط على حكومة إيران بهذا الخصوص. وعلى العموم، تقول الورقة بأنه يظل من المجهول حتى الآن مدى اطلاع الرسميين والجيش في بريطانيا على الخطط الأميركية بخصوص توجيه ضربة إلى إيران.
في مقابل المخططات الأميركية لضرب إيران، تشير الورقة إلى جملة من ردود الأفعال التي قد تصدر عن الطرف الإيراني: لعل من أبرزها هو احتمال أن توجه إيران ضربة استباقية إلى أميركا، وخوضها حربا غير متكافئة ضدها. كما تقف الورقة عند الاحتمال الوارد أن تعمل إيران على تأجيج العراق وتحريض الشيعة هناك ضد الاحتلال الأميركي، ثم الدفع بحزب الله من أجل مهاجمة إسرائيل، وأخيرا توجيه أسلحتها البيولوجية والكيميائية ضد كل من إسرائيل وحلفاء أميركا من دول الخليج. وتقول الورقة إن الأسلحة الإيرانية، وإن كانت غير قادرة على حسم أمر المعركة ضد أميركا، فإنها قد تحدث جملة خسائر اقتصادية هامة في منطقة الخليج. فهذه المنطقة هي على مرمى حجر من إيران، وقد يحرك النظام الإيراني مجموعة خلاياه النائمة في المنطقة لإحداث أكبر الخسائر بمنشآت البترول فيها، الأمر الذي قد ينعكس سلبا على الاقتصاد الأميركي والأوروبي.
كما أنه من المحتمل أن تلجأ إيران إلى تدمير البنية التحتية من مطارات وطرقات ومحطات إنتاج الطاقة، الأمر الذي قد يدفع باتجاه تغيير الخارطة الاقتصادية في المنطقة. إن نوع الخسارة التي يمكن أن تحدثها ردة الفعل العسكرية الإيرانية هو من طبيعة اقتصادية بالدرجة الأولى. وقد تعمل إيران عبر جملة الخلايا النائمة على إحداث القلاقل والاضطرابات في مجموع دول الخليج. من الراجح أن إيران سوف تعمل على إعاقة الملاحة البحرية عبر مضيق هرمز، ولو أن قدرة أميركا على الدفاع عن هذا المضيق تظل كبيرة.
من الناحية السياسية، تتوفر إيران على بعض الأوراق التي من الممكن أن تساهم في إضعاف الموقف الأميركي وعزل أميركا. من الممكن أن تراهن على الموقفين الصيني والروسي في حال إقدام الولايات المتحدة على خطوة أحادية ضدها، وكذلك على تردد الموقف الأوروبي وصعوبة مباركته لحرب تخاض خارج الشرعية الدولية. لقد أعربت دول عدم الانحياز عن تأييدها لحق إيران في امتلاك التكنولوجية النووية، وهذه المواقف مجتمعة قد تطلق يد الإيرانيين بقدر ما تقيد يد أميركا.
تخلص الورقة إلى ما مفاده أن الولايات المتحدة قد خططت لهدم المشروع الإيراني النووي، وتقويض النظام والجيش ومؤسسات الدولة وبنيتها الاقتصادية، وذلك في فترة لا تتجاوز بضعة أيام بعد إعطاء الرئيس الأميركي بوش إشارة الانطلاقة.
وبما أن الورقة لا تتعرض لحقيقة المساعي الإيرانية من وراء رغبتها في تطوير التكنولوجية النووية، فإنها تحذر مما يمكن أن تؤول إليه أوضاع البشرية عموما، ومنطقة الخليج خصوصا، بعد حرب مثل هذه. فالورقة تحذر من خطر قرع طبول حرب قد يسهل إشعال نارها، بينما يصعب إخمادها، كما تحذر من عواقبها الوخيمة على الشرق الأوسط خصوصا، هذه المنطقة المشتعلة نارها أصلا.
_______________
نشر هذا التقرير في سبتمبر/أيلول 2007.
مركز الجزيرة للدراسات