جون ماكين والشرق والأوسط والولاية الثالثة للمحافظين الجدد

عاد الجمهوريون لماكين في الانتخابات الحالية فيما يشبه الاعتراف بالخطأ في وقت الضرورة والسعي للإصلاح قبل غرق السفينة.








علاء بيومي


تحليل مواقف مرشحي الحزبين الجمهوري أو الديمقراطي للانتخابات الرئاسية الأميركية ليس مجرد دراسة للسيرة الذاتية للمرشح ومواقفه وسياساته المتوقعة فحسب، فمثل هذا التحليل يعد -في جانبه الأهم- محاولة للوقوف على حالة الحزب على أعتاب الانتخابات الرئاسية والأسباب التي دفعته لاختيار مرشح بعينه وتبعات ذلك على مستقبل الحزب وتوجهاته بشكل عام.


بمعني أخر تمثل دراسة مواقف جون ماكين (John McCain) مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة الأميركية (2008) –وهي هدف بحثنا الحالي– محاولة لدراسة أفضل الخيارات السياسية المتاحة للحزب الجمهوري على أعتاب انتخابات رئاسية وفدرالية محورية يتوقع لها الكثيرون أن تكون علامة فاصلة في التاريخ الأميركي وفي صياغة السياسة الخارجية الأميركية وتوازنات القوى الداخلية بين اليمين المسيطر على البيت الأبيض منذ عام 2001 واليسار الأميركي المتحفز للعودة للحكم، خاصة بعد الخسائر التي مني بها الجمهوريون في انتخابات عام 2006 الجزئية وأخطائهم العديدة على الساحتين الداخلية والخارجية.


ولا يخفى على أحد أهمية الانتخابات الرئاسية المقبلة في تحديد وجهة السياسة الأميركية، فالولايات المتحدة تواجه ركودا اقتصاديا واسعا واحتقانا سياسيا داخليا تبلور في فشل إدارة الرئيس جورج دبليو بوش (George W. Bush) في تبني العديد من الإصلاحات الخاصة ببرامج كبرى كالرعاية الصحية والهجرة والضمان الاجتماعي ناهيك عن إصلاح أوضاع الاقتصاد الأميركي ووقف نزيف الوظائف وتراجع الدولار وأزمة الرهن العقاري وهجرة الاستثمارات الأميركية إلى الخارج.


كما تعاني أميركا على ساحة السياسة الخارجية تبعات خطيرة كتراجع مصداقيتها وتدهور صورتها وفشل سياساتها في العراق وغياب التقدم المنتظر في أفغانستان، ناهيك عن فشل عدد من مبادرات الرئيس بوش الرئيسية كخارطة الطريق ومساعيه لنشر الديمقراطية بالشرق الأوسط وبناء ما يطلق عليه "الشرق الأوسط الجديد".


في ظل هذه الظروف لم يجد الجمهوريون أفضل من السيناتور جون ماكين لتمثيلهم في الانتخابات الرئاسية المقبلة، والمعروف أن الجمهوريين فضلوا جورج دبليو بوش على ماكين في انتخابات عام 2000 الرئاسية، وذلك على الرغم من تميز أجندة ماكين السياسية وتفوقه في الخطابة وفي الخبرة السياسية على بوش، ومع ذلك فضل الجمهوريون بوش الذي يعتبر قليل الخبرة وضعيف المعرفة بقضايا السياسة الخارجية بسبب رضا قواعد الحزب المتدينة عنه وقياداته التقليدية، حيث رأت تلك القيادات أن بوش ينتمي إليها ويعبر عنها، هذا إضافة إلى أن بوش تمكن من تنظيم حملة انتخابية باهظة التكاليف وشديدة التنظيم -يقودها كارل روف(Karl Rove) مستشار بوش ومهندس حملاته الانتخابية– لحصد دعم الجمهوريين له عبر الولايات المتحدة.


في المقابل سعى ماكين بموارد محدودة وأفكار جريئة وحملة نشطة لإقناع الجمهوريين بنفسه وأجندته وحملته، ولكنه فشل أمام أموال بوش وشراسة كارل روف ورفض قادة البروتستانت التبشيريين (US Evangelicals) له وتخلي قيادات الحزب الجمهوري عنه.


ومع ذلك عاد الجمهوريون لماكين في الانتخابات الحالية فيما يشبه الاعتراف بالخطأ في وقت الضرورة والسعي للإصلاح قبل غرق السفينة ومحاولة الفرصة الأخيرة.


وفي ظل هذا السياق رأينا ألا نتسرع في الحكم على ماكين أو الجمهوريين أو على سياستهم الخارجية المقبلة، وأن نسعى بهدوء عبر صفحات هذا البحث لرصد ما يمثله ماكين للجمهوريين وما يسعى ماكين نفسه لتحقيقه، على أن نضع نصب أعيننا هدفا محوريا، وهو رصد تبعات ما يدور في أروقة الجمهوريين والدوائر المحيطة بماكين على سياسته المتوقعة تجاه الشرق الأوسط في حالة فوزه بالرئاسة في الانتخابات المقبلة، وهو احتمال قائم خاصة في ظل حالة الانقسام التي عانى منها الديمقراطيون خلال الانتخابات التمهيدية، حيث انقسم الديمقراطيون على أنفسهم انقساما واضحا بين تأييد هيلاري كلينتون (Hillary Clinton) أو باراك أوباما(Barack Obama) بشكل لفت أنظار العالم.


ففي الوقت الذي توقع فيه العالم أن يحتفل الديمقراطيون بأفضليتهم على الجمهوريين في الانتخابات المقبلة وأن يستعدوا ليلحقوا بهم هزيمة موجعة، انقسم الديمقراطيون على أنفسهم بين فئات محافظة موالية لهيلاري كلينتون تخشى التغيير ككبار السن وقليلي التعليم وأخرى تقدمية -كالشباب والمتعلمين والأقليات- تريد الدفع بباراك أوباما وأجندة جريئة للتغيير.


وقد أعطت الانقسامات السابقة ماكين فرصة ليست بقليلة لالتقاط أنفاسه وحشد قواه استعدادا للانتخابات الرئاسية في حين أهدر الديمقراطيون شهورا ثمينة -من سباق الرئاسة- في خلافاتهم الداخلية.


وقد رأينا أن نقسم الدراسة الحالية إلى ثلاثة أجزاء يتناول أولها السيرة الذاتية لجون ماكين من حيث خلفيته الأسرية وطباعه الشخصية ومسيرته السياسية ومواقفه الداخلية والخارجية بصفة عامة والأسباب التي قادت لصعوده ومكنته من الفوز بترشيح الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية الحالية.


ويرصد الجزء الثاني مواقف ماكين تجاه عدد من أهم القضايا العربية والشرق أوسطية كموقفه تجاه العراق وفلسطين وعملية السلام وإيران ومصر والسعودية وسوريا وقضيتي نشر الديمقراطية وصورة الإسلام، وذلك من خلال منهج يقوم على الرصد الشامل والعودة لجذور مواقف ماكين زمنيا بقدر الإمكان، والتريث في إصدار الأحكام التي نتركها للجزء الثالث والأخير من الدراسة، والذي يتناول الدوائر السياسية المحيطة بماكين والعوامل التي صاغت أفكاره وقادته إلى مواقفه الحالية وحولته من رجل كان يعد رمزا لجيل فيتنام في السبعينيات والثمانينيات إلى واحد من أهم المعبرين عن تيار المحافظين الجدد وأفكارهم وسياساتهم منذ منتصف التسعينيات وحتى وقتنا هذا.


إن قصة جون ماكين هي جزء هام ومعبر عن قصة الحزب الجمهوري الحاكم واليمين الأميركي وما دار ويدور داخلهما من تحولات كبرى خلال العقود الثلاثة الأخيرة وفي المستقبل المنظور.


لقراءة النص بصيغة PDF اضغط هنا