العلاقات الاقتصادية بين الهند ودول الخليج: الواقع والتحديات والفرص

يُبرز كتاب "العلاقات الاقتصادية بين الهند ودول الخليج" أهمية العلاقات الاقتصادية بين الطرفين باعتبارها أحد أهمِّ الجوانب في تطوير العلاقات بين الدول في القرن الحادي والعشرين نظرًا لتأثيرها المباشر في سياساتها وخططها الاستراتيجية.
c2381f08fd3d4db680010408ac7bac57_18.jpg
(الجزيرة)

باعتبار البعد الاقتصادي أحد أهمِّ الجوانب في تطوير العلاقات بين الدول في القرن الحادي والعشرين نظرًا لتأثيره المباشر في سياستها وخططها الاستراتيجية، يُبرز كتاب "العلاقات الاقتصادية بين الهند ودول الخليج: الواقع والتحديات والفرص"، الصادر عن مركز الجزيرة للدراسات، سعيَ الهند منذ العقد الأخير من القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين لإبراز ذاتها قوةً فاعلةً ومُؤَثِّرةً في المسرح الإقليمي والدولي، وتعتمد في سياسة الإبراز تلك على رافعة تحسين علاقاتها معدول العالم التي أصبح لها دور مهمٌّ ومُؤَثِّر على الصعيد الدولي من أجل تحقيق مصالحها باعتبارها قوة إقليمية كبرى. وكانت المنطقة العربية، والشرق الأوسط عمومًا، من المناطق التي عملت الهند على تحسين علاقاتها معها، بحكم موقعها الجغرافي ودورها في حركة عدم الانحياز طيلة فترة الحرب الباردة، ولاسيما في الجانب الاقتصادي.

ويرى مؤلِّف الكتاب، د.مهند عبد الواحد النداوي، أن العلاقات الهندية مع دول الخليج أصبحت من الملفات الحيوية ذات الأهمية المتنامية في الوقت الحاضر، في ظل الدور المتزايد الذي يضطلع به الطرفان على الساحتين الإقليمية والدولية؛ فالهند تُعدُّ من القوى العالمية الناشئة التي يُنتظر أن يكون لها تأثير في الساحة الدولية في المستقبل المنظور، بينما تظل منطقة الخليج العربي ذات أهمية جيوسياسية واقتصادية كبيرة للقوى الدولية، نظرًا للممرات المائية المهمة في المنطقة، وأيضًا باعتبارها مخزونًا للطاقة، فضلًا عن المكانة الاقتصادية التي باتت تحتلها في المنطقة العربية والشرق الأوسط.

وقد عمدت الهند ودول الخليج إلى تطوير علاقاتهما سعيًا لـمَأْسَسَة تعاونهما عبر امتداد المحيط الهندي؛ حيث شهدت هذه العلاقة تناميًا سريعًا من حيث مجالاتها خلال العقد الماضي، وكان للبُعد الاقتصادي دور كبير في الإسهام في تطور تلك العلاقات ووصولها إلى مراحل متقدمة، ولاسيما في مجال التجارة والاستثمار وموارد الطاقة (النفط والغاز).

ويقوم الكتاب على فرضية أساسية تتمثَّل في إدراك الهند ودول الخليج أهمية زيادة التعاون بينهما، لاسيما في المجال الاقتصادي، مما يتيح للطرفين تحقيق مصالحهما، ومن ثم التأثير إيجابيًّا على اقتصاداتهما. وفي ضوء هذه الفرضية، يسعى الكتاب إلى الإجابة عن الأسئلة الآتية:

  1. ما أبرز المراحل التي مرت بها العلاقات الهندية-الخليجية؟

  2. ما أبرز إسهامات الجالية الهندية في تطور العلاقات الاقتصادية الهندية-الخليجية؟

  3. ما الدور الذي أسهمت به منتديات التعاون الهندية-الخليجية في تطوير تلك العلاقات؟

  4. ما أبرز وقائع العلاقات الاقتصادية الهندية-الخليجية؟

  5. ما مستقبل العلاقات الاقتصادية الهندية-الخليجية في ضوء الإمكانيات والفرص المتاحة للجانبين؟

ولإثبات هذه الفرضية، استعان الباحث بمداخل منهجية متنوعة للإجابة عن الأسئلة المطروحة؛ حيث تقتضي ضرورة البحث العلمي أثناء معالجة أية ظاهرة أو إشكالية، لاسيما في مجال الدراسات الإنسانية، تحديد الأداة المنهجية لتكون وسيلة للوصول إلى نتائج منطقية. ولما كانت هذه الدراسات، ومنها الدراسات السياسية، تنطوي على التنوع الواسع في مناهج البحث العلمي وأدوات التحليل، فقد حرص الباحث على عدم التقيد بمنهج محدد، إعمالًا لمبدأ التكامل المنهجي الذي غالبًا ما يوصف بالشمول من حيث قدرته على احتضان كل ما له صلة بمتطلبات البحث العلمي المتكامل.وتبعًا لذلك، سعت الدراسة لإثبات فرضيتها من خلال استخدام عدد من المناهج العلمية؛ إذ استعان الباحث بالمنهج التاريخي الوصفي في تناول جذور العلاقة بين الهند ودول الخليج، لاسيما منذ منتصف القرن العشرين، وكذلك المنهج الكمِّي (المقارن) لتحليل المعطيات والبيانات الاقتصادية والنظر في تطورها خلال السنوات الماضية، ومن ثم تحليل تلك العلاقة بالاعتماد على المنهج التحليلي النظمي لمعرفة مستقبل التفاعل والتعاون بين الطرفين، لاسيما في المجال الاقتصادي.

وفي ضوء الفرضية التي يحاول الباحث البرهنة عليها، تم تقسيم الكتاب إلى خمسة فصول:

يبحث الفصل الأول العلاقات الهندية-الخليجية منذ القِدَم، ويركِّز على أسباب تعزيزها في العقد الأخير من القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين. ويتبيَّن من خلال تتبع مراحل تطور العلاقات الهندية-الخليجية أن جذورها قديمة وتميزت بأهمية كبيرة؛ إذ كانت الهند مركزًا لفرز وتسويق اللؤلؤ من دول الخليج؛ حيث نسجت علاقات تجارية واسعة كما يدلُّ طريق الحرير الذي كان يربط بينهما، ويبدو تأثير ذلك واضحًا على الاقتصاد الخليجي؛ إذ كانت الروبية الهندية متداوَلة في العديد من دول الخليج. وقد توثَّقت تلك العلاقة وتنوَّعت واتسع نطاقها منذ بدايات القرن الحادي والعشرين، ولاسيما في المجال الاقتصادي، بعدما اتجهت الهند إلى تحرير اقتصادها، وتشجيع التجارة الخارجية مع دول العالم، ومن ضمنها دول الخليج. ومن جهة أخرى، فإن الأهمية الجيوسياسية والاقتصادية لدول الخليج جعلتها تحتل مكانة اقتصادية متقدمة في المنطقة العربية والشرق الأوسط عمومًا.

وتناول الفصل الثاني الجاليةَ الهندية في العالم، ودول الخليج بشكل خاص، وتوقف عند الجالية الهندية في المنطقة وبحث دورها في تطور العلاقات بين الطرفين، ومساهمتها في تعزيز الجانب الاقتصادي. ولاحظ أن تدفُّق العمالة الهندية إلى دول الخليج بدأ منذ العام 1935، لكن ارتفاع أسعار النفط في السبعينات من القرن العشرين، عزَّز هذا التدفُّق بصورة كبيرة، لاسيما من العمالة غير الماهرة وشبه الماهرة، ومنذ ثمانينات القرن العشرين، بدأت العمالة الماهرة تتَّجه صوب دول الخليج التي شهدت تحسنًا في وضعها الاقتصادي، وفي مقدمتها الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، مما أدى إلى اهتمام الحكومة الهندية بدول الخليج، وتنشيط علاقاتها مع تلك الدول؛ إذ تنظر الهند إلى المهاجرين الهنود باعتبارهم مصدر قوة لاقتصادها، حتى أصبحت الهند أكبر مستقبل لتحويلات المهاجرين منذ العام 2011؛ إذ بلغت هذه التحويلات أكثر من 64 مليار دولار.

وفي الفصل الثالث، أبرز الباحث دور منتديات التعاون الهندية في تعزيز التعاون الاقتصادي الخليجي-الهندي؛ حيث اتَّبع الطرفان استراتيجية "مؤتمرات القمم"، وتأسيس منتديات التعاون، سواء على المستوى الإقليمي، أو العلاقات البَيْنِيَّة، مما أسهم في اطِّلاع الجانبين على مجالات التعاون التي يمكن استثمارها في تطوير العلاقات الاقتصادية بينهما في المستقبل المنظور من خلال إعطاء الأولوية القصوى للتجارة والاستثمار والطاقة والمشاريع المشتركة، دون إهمال المجالات الأخرى.

وتناول الفصل الرابع واقعَ العلاقات الاقتصادية الهندية-الخليجية بعد أن أصبحت دول الخليج تحتلُّ مكانة مهمَّة في التجارة العالمية منذ بدايات القرن الحادي والعشرين؛ مما أدى إلى اهتمام الطرفين بتطوير علاقاتهما في المجالات التجارية والاستثمارية والمشاريع المشتركة، فضلًا عن التعاون في مجال الطاقة والطيران. ولاحظ الباحث أن التعاون في مجال الطاقة، وخاصة النفط، لا يزال العامل الأهمَّ في العلاقات الاقتصادية بين الجانبين، في ظل النمو الاقتصادي السريع الذي تعيشه الهند، وهو ما يزيد من ارتفاع الطلب على النفط.

وفي الفصل الخامس، ركَّز الباحث على مستقبل العلاقات الاقتصادية الهندية-الخليجية، من خلال إبراز الفرص والتحديات التي يمكن أن تُسهم في تعزيز أو الحد من العلاقات الاقتصادية بينهما في المستقبل المنظور. وقد توصلت الدراسة إلى خلاصات واستنتاجات تؤكد استمرار العلاقات الاقتصادية الهندية-الخليجية رغم الكوابح التي تعرقلها، وقد أثَّرت هذه العلاقات إيجابيًّا في المجالات الأخرى، السياسية والدبلوماسية والثقافية، لإدراك الطرفين أهمية تعزيز التعاون بينهما.

 

معلومات عن الكتاب

العنوان: العلاقات الاقتصادية بين الهند ودول الخليج: الواقع والتحديات والفرص

تأليف: مهند عبد الواحد النداوي

الناشر: مركز الجزيرة للدراسات-الدار العربية للعلوم ناشرون

التاريخ: 2017