صدر عن مركز الجزيرة للدراسات، منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2018، كتاب جديد لمؤلفه الباحث الصومالي، الشافعي أبتدون، بعنوان "الفيدرالية في الصومال: أطماع التقسيم وتحديات الوحدة" يبحث أثر الفيدرالية على حاضر الصومال ومستقبله. وتأتي أهمية الكتاب من كونه يناقش موضوعًا يهم حاضر الصومال ومستقبله، وهو موضوع الفيدرالية الذي يتم تداوله خيارًا بديلًا عن الصومال الموحَّد.
يشتمل الكتاب على مدخل نظري وثلاثة فصول تبيِّن خلفيات تقسيم الصومال من خلال النظام الفيدرالي، وقد زاوج الباحث بين عدة مناهج في هذا الكتاب؛ منها: المنهج التاريخي لوضع ما حدث خلال العقود الأخيرة في سياقه، والمنهج الوصفي التحليلي لمقاربة أجندات القوى الإقليمية وأهدافها وخلفياتها، كما اعتمد منهج تحليل المضمون لدراسة السرديات التي تُؤَطِّر الكتابات والأدبيات التي تناولت هذا الموضوع.
ابتدأ المؤلف كتابه بمدخلٍ نظريٍّ استعرض فيه المفاهيمَ المرتبطةَ بتعريفات الفيدراليات والدولة المركزية والكونفيدرالية، وسلَّط الضوء على تجارب الفيدرالية في بعض الدول العربية التي تعيش أوضاعًا مشابهة للصومال كاليمن والعراق والسودان.
وتناول الباحث في الفصل الأول من الكتاب والذي عنونه بـ"النظام السياسي في الصومال: من سقوط الدولة إلى الفوضى الخلاقة"، الأوضاعَ السياسية التي شهدها الصومال في الفترة الممتدة بين 1943 و1960، وكان غرضه من هذا التناول -كما يقول- فهم التراكمات السياسية الراهنة، ورصد الحكومات المدنية التي لم تُعمَّر إلى أن أعقبها نظام عسكري امتد لعقدين من الزمن، فضلًا عن البحث في عوامل سقوط الدولة المركزية بالصومال مطلع التسعينات من القرن العشرين.
أما الفصل الثاني، الذي جاء تحت عنوان "مشروع الفيدرالية في الصومال: من إرث المستعمر إلى الجوار"، فتناول فيه المؤلف مشروع النظام الفيدرالي في الصومال من خلال استقصاء دور المستعمر الغربي في تمزيق البلاد، وأيضًا الأدوار الإقليمية (إثيوبيا وكينيا) في فرض هذا النظام من خلال مؤتمرات المصالحة بين الفصائل الصومالية، في محاولة للإجابة عن سؤال طرحه في هذا الفصل مفاده: هل الفيدرالية حلٌّ لمعضلة الصومال أم بداية التَّفكُّك؟
أما الفصل الثالث المعنون بـ"تجربة الفيدرالية في الصومال: الفرص والتحديات" فعالج فيه الكاتب إشكاليات الفيدرالية في الصومال، والتي تُقَوِّض -على حد وصفه- فرص تطبيق نظام فيدرالي، في ظل تحديات الفسيفساء القَبَلية المنقسمة بين النظام الفيدرالي وخيار الوحدة والمركزية.
وخلص المؤلف في خاتمة الكتاب إلى جملة من الحقائق؛ من أبرزها أن الصومال يحمل بذور القوة ويتمتع بإمكانات الوحدة من حيث تجانس العرق واللغة والدين، لكن عوامل الانقسام والانشطار إلى كيانات هشة وضعيفة كانت -ولا تزال- أقوى من بقائه دولة موحدة، بسبب سياسات إقليمية ودولية تسعى إلى تقسيمه إلى ولايات فيدرالية، لا تخضع لسلطة الحكومة الفيدرالية.
وذهب الكاتب إلى أن الصومال يشهد حاليًّا انقسامات إدارية أملتها الظروف السياسية في البلاد، إلى جانب محاصصة قبلية وسياسية تقف حجر عثرة أمام المضي قدمًا نحو إنجاز سياسي ملموس على أرض الواقع. وأعاد السبب في ذلك إلى نظام توزيع الثروات والحصص والحقائب الوزارية بالصيغة العشائرية الجارية والتي تجعل العمل السياسي بيد السلطة السياسية للقبيلة التي تستأثر بنفوذ الدولة ومكاسبها وأموالها، وتنال من مشروع إقامة دولة صومالية حديثة.
وعمَّا سيؤول إليه الصومال في المستقبل، توقع الكاتب استمرار الانقسام السياسي، وعزا ذلك إلى الأنظمة الإدارية التي وصفها بأنها تفتقد لرؤية سياسية موحدة؛ حيث تبحث كل إدارة إقليمية عن مصالحها السياسية والاقتصادية، وهو ما خلق صراعًا سياسيًّا ما زال قائمًا حتى اليوم بين الحكومة الفيدرالية والولايات التابعة لها.
كما خلص إلى أن استمرار أزمة الأمن في البلاد تفتح المجال لتدخلات خارجية: إقليمية أو دولية بحجة الحد من تأثير القلاقل الأمنية في القرن الإفريقي، وهو ما يثير شهية الدول الطامعة في ثروات الصومال.
وأكد أن عدم اكتمال الدستور الصومالي المؤقت، وعدم الشروع في تفعيل النظام القضائي في البلاد، إلى جانب غياب دور المحكمة الدستورية، سيؤدي إلى تفسخ العلاقات السياسية بين الأطراف الصومالية الفاعلة، وخاصة رؤساء الولايات الفيدرالية والحكومة الصومالية الفيدرالية.
وأشار إلى أن طبيعة النظام القبلي السائد في البلاد لا تخدم مصلحة الدولة الصومالية الحديثة، لأن العشائرية الراهنة -بحسب المؤلف- تتسم بالبحث عن أدوار سياسية مشبوهة، وهي سياسات قبلية تكرس الانقسام في النسق الاجتماعي، ولا تبني للصومال دولة مؤسساتية.
وألمح إلى أن ظهور الحركات المسلحة ذات التوجهات السلفية، كحركة الشباب الصومالية، أدى إلى نشوء قناعات لدى دول الجوار بأن الصومال بيئة موبوءة بالمخاطر الأمنية التي ستمتد تأثيراتها إلى هذه الدول ذاتها وكانت ذريعة لإبقاء جيوشها في الصومال من أجل استمرار سياسة إضعاف الدولة الصومالية كي يكتمل المشهد بتقسيمها وفق ما تتطلب مصالح الدول الإقليمية الطامعة في هذا البلد.
وعن استشراء الفساد السياسي والمحسوبية في المؤسسات الرسمية، انتهى الكاتب إلى أن هذه الحالة نالت من هيبة الدولة ومكانتها في الذهنية الصومالية، وأجهضت آمال وطموحات الشعب الصومالي في التعافي.
وشدَّد على أن تردي الوضع الاقتصادي في البلاد، واعتماد النظام السياسي على الدعم الدولي والمعونات العربية في صرف رواتب جنودها وموظفيها، من شأنه أن يهدد استقلالية القرار السياسي مما يؤثر على مستقبل الصومال السياسي.
واختتم بالقول بضرورة إعادة بناء الجيش الصومالي محذِّرًا في حال استمرار الوضع على ما هو عليه من بقاء التأزم الأمني والتدخلات الخارجية الإقليمية والدولية، وهو ما سيفضي في النهاية -كما يقول- إلى أن يتجه الصومال إلى دويلات هشة وضعيفة لا تقدر على مجابهة أعدائها والطامحين بثرواتها الاقتصادية.
معلومات الكتاب
العنوان: الفيدرالية في الصومال: أطماع التقسيم وتحديات الوحدة
تأليف: الشافعي أبتدون
الناشر: مركز الجزيرة للدراسات- الدار العربية للعلوم ناشرون
التاريخ: 2018
ويمكن قراءة الكتاب أو تحميله من خلال (الرابط التالي)