تجربة الحكم الرشيد في قطر: روافع التنمية المستدامة والتمكين المجتمعي (1995-2013)

يسلط الكتاب الضوء لأول مرة على مسألة تجربة الحكم الرشيد في دولة قطر خلال فترة حكم الأمير الوالد، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، بالتركيز على دراسة روافع التنمية المستدامة والتمكين المجتمعي عبر التنمية البشرية التي تُمثِّل الثروة الحقيقية للأمم والشعوب.
6a3ef85013404e0facd6a668851e5cde_18.jpg
(الجزيرة)

أصدر مركز الجزيرة للدراسات كتابًا جديدًا بعنوان "تجربة الحكم الرشيد في قطر: روافع التنمية المستدامة والتمكين المجتمعي (1995- 2013)"، يحاول تسليط الضوء لأول مرة على مسألة تجربة الحكم الرشيد أو الحوكمة الرشيدة في دولة قطر خلال فترة حكم الأمير الوالد، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، بالتركيز على دراسة روافع التنمية المستدامة والتمكين المجتمعي عبر التنمية البشرية التي تُمثِّل الثروة الحقيقية للأمم والشعوب في سياق المشروع التنموي لقطر خلال هذه الفترة. وقد كانت هذه التجربة سبَّاقة إلى الإدراك المبكر لأن أية عملية إصلاح متوازنـة وواقعية تراعي الخصوصية والسياق المحليَّيْن، لا يمكن أن تستوفي شروط النجاح المتدرِّج إلا بتبنِّي مؤشرات التنمية الشاملة التي تلبِّي مطامح التمكين، أي: اكتساب مقوِّمات ومهارات الحكم الرشيد كالحكم الصالح والمجتمع الراشد والاقتصاد الراشد...إلخ، مع أن مقومات الحكم الرشيد وآلياته لا تتناقض مع شروط الديمقراطية. 

ويُمَثِّل الكتاب إسهامًا فكريًّا في دراسة تجربة الحكم الرشيد بدولة قطر لثُلَّة من الباحثين والأكاديميين المختصين في العلوم القانونية والسياسية، وكانت نقطة الانطلاق من خصائص التجربة القطرية وهي أن قطع مسافة كسب رهان التنمية الشاملة يبدأ من محطة الحكم الرشيد ولكنه لا يقف عندها؛ فالتأهيل المكتسب في عملية استيفاء شروط ترشيد الدولة والمجتمع والاقتصاد والبيئة -كما يبدو جليًّا في "رؤية قطر الوطنية 2030" و"استراتيجية التنمية الوطنية 2011-2016"- هو من الضرورات الاستباقية لاستكمال شروط الدَّمَقْرَطَة. فالأمر يتعلق بكسب وتوسيع القـدرات، وليس افتراض حضورها، وترقية الإمكانات والفرص المتاحة للحاكمين والمحكومين بطريقة عملية وواقعية فيها تدرُّج، كضمانة أساسية نحو "الاستدامة" لطرفي هذه المعادلة. 

ويضم الكتاب الذي حرَّرته مدير إدارة النشر والخدمات البحثية بمركز الجزيرة للدراسات، العنود أحمد آل ثاني، سبعة فصول، يحاول أولها استقراء الفترة التي تولَّى فيها الأمير الوالد، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، القيادة في قطر من خلال الوقوف على نموذجه في الحكم وخاصة استحداثه للحكم الرشيد، ودراسة العلاقة الارتباطية بين مسار ترشيد الحوكمة والمجتمع والقيادة. وفي هذا الفصل، يلاحظ الدكتور العربي صديقي أن الأمير الوالد، الشيخ حمد، استطاع تدشين هذا النمط من الإدارة السياسية من خلال المزاوجة بين المعاصرة وأصالة التراث القطري؛ فلم تطْغَ نزعة الحداثة والمعاصرة الغربية على المجتمع القطري الذي حافظ على طابعه العربي والإسلامي الأصيل وفي نفس الوقت واكب التغيرات في أساليب الإدارة والحكم على المستوى العالمي كما يتجلى هذا في الأطر التي اعتمدها في ترشيد الحكم. 

ويجيب الفصل الثاني على السؤالين المتعلقين بمحتوى نمط الحكم الرشيد الذي تبنَّته قطر في سياستها الداخلية من جهة، وبالآليات التي فعَّلتها من أجل ترجمة سياسة الحكم الرشيد إلى واقع ملموس وكذلك الخطوات العملية لبناء مؤسسات المجتمع الراشد من جهة أخرى. وهو ما يُشكِّل، في نظر الدكتور عمر البوبكري، مدخلًا لفهم مسار الحكم الرشيد الذي سار على نهجه الأمير الوالد، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، بهدف تحقيق انطلاقة تنموية شاملة في قطر خاصة منذ بداية الألفية الجديدة. وينظر هذا الفصل في اعتماد قطر منذ سنوات سياسات الحوكمة الرشيدة لتحقيق التنمية المستدامة والعادلة للجيل الحالي والأجيال المستقبلية. ويَبْرُز هذا من خلال النتائج المتميزة التي تحققت في مجال التنمية البشرية والمستدامة ودعم الشفافية ومحاربة الفساد خلال السنوات العشر الماضية. 

أما الفصل الثالث، فيُقدِّم قراءة تحليلية للدستور القطري الدائم لسنة 2004 من زاوية علاقته بمبادئ الحكم الرشيد، اعتمادًا على منطوق مواد الدستور وروحه. ولهذه الغاية، فإن الإشكالية التي يناقشها الدكتور حسن السيد: إلى أي حد يمكن اعتبار الدستور الدائم لدولة قطر منسجمًا مع مبادئ الحكم الرشيد؟ وللإجابة على هذا السؤال، يرصد تطور البنية الدستورية والتشريعية، مقارِنًا بين الدستور الدائم ووثيقتي النظام الأساسي المؤقت لعام 1970 والنظام الأساسي المؤقت المعدل في عام 1972، مبرزًا أن الدستور الدائم يشكِّل قفزة نوعية مهمة مقارنة مع النظام الأساسي المعدل سواء على مستوى طريقة إعداده وصياغته أو على مستوى إشراك الشعب في إقراره عن طريق الاستفتاء. 

ويتناول الفصل الرابع الانتخابات البلدية في قطر التي جرت بنجاح منذ تنظيمها بشكل دوري ابتداء من عام 1999. ويُبيِّن كيف أن هذه الانتخابات لم تكن خطوة في طريق ترسيخ الممارسة الديمقراطية بوصفها تقوم على المشاركة الفعلية للمواطنين فقط، بل شكَّلت كذلك خطوة مهمة في طريق إرساء قواعد الحكم الرشيد وتحديث المجتمع. كما أبرز الدكتور شاكر الحوكي سُبُل وآليات ترسيخ الحكم الرشيد من خلال الإجراءات الديمقراطية التي تعلقت بإقرار حق الانتخاب والترشح مع كل ما يتطلبه ذلك من توفير ضمانات النزاهة والشفافية ومن خلال إرساء مجموعة من الهيئات الرقابية كإدارة الانتخابات واللجنة الإشرافية واللجنة الوطنية لحقوق الإنسان وغيرها. 

وفي الفصل الخامس، يُبرز الدكتور ماجد الأنصاري مسار التحولات الاجتماعية والسياسية التي عرفها عهد الأمير الوالد، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، في سياق المشروع التنموي لقطر، راصدًا معالم النهضة التي تحققت في مختلف المجالات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية، خاصة الإنجازات التي شهدها حقل التعليم ومشاركة المرأة في التنمية المجتمعية وتطور المجتمع المدني. ويحاول من خلال هذه الحقول الثلاثة ملامسة تأثير السياسات العامة في فترة حكم الأمير الشيخ حمد ودورها في تحقيق التنمية البشرية والمستدامة التي تُؤَمِّن بناء نظام اجتماعي عادل يؤدي إلى رفع القدرات البشرية، ويسهم أيضًا في ترسيخ الحكم الرشيد وبناء المجتمع الراشد.

ويركز الفصل السادس على سياسات تمكين المرأة لصناعة التنمية المستدامة، وهنا تستقصي مدير إدارة النشر والخدمات البحثية بمركز الجزيرة للدراسات، العنود أحمد آل ثاني، دور الحكم الرشيد في تمكين المرأة القطرية اقتصاديًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا من خلال الدينامية السياسية التي أوجدها الأمير الوالد، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، مباشرة بعد تسلمه مقاليد الحكم في العام 1995. وترصد الوسائل والآليات التشريعية والقانونية والبنية المؤسساتية التي سعت الدولة إلى توفيرها لتمكين المرأة وتعزيز مكانتها المجتمعية ودعم حقوقها والنهوض بدورها في مختلف القطاعات. وتربط العنود ذلك أساسًا بالرؤية المستنيرة التي كان يحملها الأمير الوالد، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، بشأن دور المرأة في المجتمع، وحرصه على دعم وتشجيع الجهود التي بذلتها الشيخة موزا بنت ناصر المسند في إدارة الملفات ورعاية المؤسسات التي أشرفت عليها. 

ويرصد الفصل السابع السياسات والاختيارات الاقتصادية التي تبنتها الدولة خلال فترة حكم الأمير الوالد، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وانعكاساتها على مسارات التنمية، ويبحث العلاقة العضوية بين هذه السياسات والاختيارات الاقتصادية بالحكم الرشيد أو مبادرة الحوكمة الرشيدة في إدارة موارد الدولة وثروات البلاد ومقدراتها وتأمين العيش الكريم للأجيال الحالية والاستجابة لاحتياجاتها والاحتياجات المجتمعية للأجيال القادمة. ويدرس الدكتور سيف سعيد السويدي في هذا الفصل التشريعات والبنية المؤسسية للسياسات الاقتصادية، وموقع "رؤية قطر الوطنية 2030" في هذه السياسات ومجالات تطبيقها ومساراتها، والشراكات الاستراتيجية لدولة قطر مع المؤسسات الاقتصادية الكبرى لتحقيق تطلعات قيادتها ومجتمعها. 

ويهدف الكتاب إلى تحفيز الفضول العلمي نحو مزيد من الاهتمام بمسألة الحوكمة الرشيدة من خلال تسليط الضوء على خصوصية التجربة القطرية التي تُشكِّل نموذجًا رائدًا في الجمع بين التراث الحضاري لقطر ومقومات الحكم الرشيد وأسسه كما أقرتها منظمات وهيئات دولية (الأمم المتحدة والبنك الدولي). وقد أثبت هذا النموذج فاعليته عبر القواعد والآليات التي ارتكز عليها في ممارسة الحكم الرشيد، وظهرت نجاعته أيضًا في الطفرة التنموية التي حققتها قطر في جميع القطاعات والمجالات، وهو ما جعل التجربة ملهمة في عقلنة الحكم وترشيد الإدارة والمجتمع وثروات البلاد ومقدراتها، وتغري بالبحث والتوسع في دراستها لاستكشاف مصادر الإلهام وعناصر القوة في مساراتها ومسيرتها. 

معلومات عن الكتاب

العنوان: تجربة الحكم الرشيد في قطر: روافع التنمية المستدامة والتمكين المجتمعي (2013-1995)

تحرير: العنود أحمد آل ثاني 

تأليف: مجموعة من الباحثين

الناشر: مركز الجزيرة للدراسات- الدار العربية للعلوم ناشرون

التاريخ: 2018

ويمكن قراءة الكتاب أو تحميله من خلال (الرابط التالي)

نبذة عن الكاتب