صعود أوباما ومستقبل السياسة الخارجية الأميركية

البحث في مواقف المرشح الديمقراطي للرئاسة الأميركية باراك أوباما تجاه الشرق الأوسط مهم لأسباب عديدة، فالانتخابات الرئاسية المقبلة في نوفمبر/تشرين الثاني 2008 تشغل الرأي العام العربي والعالمي لأنها تأتي بعد ثماني سنوات عجاف تراجعت فيها القيم والمعايير الدولية أمام سياسات إدارة الرئيس جورج دبليو بوش.
2011723113943983580_2.jpg
(الجزيرة)

البحث في مواقف المرشح الديمقراطي للرئاسة الأميركية باراك أوباما تجاه الشرق الأوسط مهم لأسباب عديدة، فالانتخابات الرئاسية المقبلة في نوفمبر/تشرين الثاني 2008 تشغل الرأي العام العربي والعالمي لأنها تأتي بعد ثماني سنوات عجاف تراجعت فيها القيم والمعايير الدولية أمام سياسات إدارة الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش الذي فضل الأحادية على العمل الجماعي، وضرب بالقوانين الدولية عرض الحائط كما حدث في غوانتانامو والسجون السرية وحرب العراق.

كما أن العالم العربي كان من أكثر المتضررين من سياسات إدارة بوش، والتي غزت العراق تحت تأثير المحافظين الجدد وصقور واشنطن الذين أحاطوا بالإدارة، ونادوا بكل غرور وتطرف بإعادة بناء الشرق الأوسط على شاكلة ترضيهم ومتطرفي اليمين الإسرائيلي، ورأوا في حرب العراق فرصة لبداية مشروع "إعادة بناء الشرق الأوسط" والذي يقوم على "تغيير أنظمة" المنطقة بالقوة إذا تطلب الأمر.

ولسوء النية والتخطيط فشل المشروع السابق عند نقطة انطلاقه وجبهته الأولى أو"المركزية" وهي العراق، والتي احتلتها أميركا دون حق أو مبرر قانوني، حيث أثبتت حرب العراق الفاشلة أن الإدارة الأميركية دخلت العراق بلا رؤية أو تخطيط أو إدراك لعواقب سياساتها، ناهيك عن عدم قانونية الحرب منذ البداية.

وأن قطب العالم الأوحد الثائر تحت قيادة بوش والجمهوريين والمحافظين الجدد يتخبط داخليا وتدفعه الأيديولوجية العمياء عن القيام بأبسط المهام كتنظيم بيته الداخلي واختيار مسؤولين أكفاء يقومون على مشاريعه المتهورة التي تغامر بمقادير شعوب المنطقة.

وقد شهد عام 2008 وهو عام بوش الأخير في السلطة تحولات ضخمة في الشرق الأوسط كمفاوضات السلام الإسرائيلية السورية غير المباشرة تحت رعاية تركية، ومفاوضات إسرائيل غير المباشرة مع حركة حماس تحت رعاية مصرية، واتفاق الدوحة الذي وضع حدا للأزمة السياسة اللبنانية، وهي تحولات ضخمة دفعت الكثيرين للتساؤل عن مغزاها وكيف بدت أميركا عاجزة عن ملاحقة ما يجري بالشرق الأوسط من تغيرات بعدما باتت غارقة في مأزق العراق.

ولكن ذلك لا يعني أن الأوضاع في الشرق الأوسط تحسنت، فالأوضاع في العراق مازالت بعيدة عن الاستقرار، والعلاقات العربية الإسرائيلية يصعب التنبؤ بمستقبلها، هذا إضافة إلى تراجع المد الديمقراطي بالعالم العربي منذ أواخر عام 2005.

وفي ظل هذه الظروف ينظر كثير من المتابعين العرب للانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة باهتمام نظرا لتبعاتها الكبيرة على الأوضاع بالشرق الأوسط في وقت توغلت فيه أميركا سياسيا وعسكريا في أمور العالم العربي الداخلية بشكل مفرط.

فالعالم العربي يريد أن يعرف هوية الإدارة الأميركية المقبلة وسياساتها المتوقعة، وإذا ما كانت سترغب في اقتفاء آثار بوش، أو أنها تعلمت الدرس وأدركت أهمية التغيير والبحث عن سياسة أميركية أكثر عقلانية وإدراكا لعواقب الأمر.

وفي هذا السياق ظهر باراك أوباما -المرشح الديمقراطي للرئاسة الأميركية- الذي لم يكن معروفا على الساحة الأميركية الداخلية حتى أواخر عام 2004 حين ألقى خطابا هاما في المؤتمر العام للحزب الديمقراطي (يوليو/تموز 2004)، وهو خطاب كشف عن قدرات إلقائية مهولة يتمتع بها أوباما الذي كان -في ذلك الوقت- مجرد مرشح ديمقراطي يتنافس على أحد مقاعد مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية ألينوي.

وقد خرجت الصحف الأميركية في اليوم التالي لخطاب أوباما تتحدث عن ميلاد نجم سياسي أميركي جديد يتمتع بقدرات خطابية هائلة وفكر جديد وقدرة نادرة على التواصل مع الجماهير والتعبير عن آمالهم وطموحاتهم.

ولم يكن العالم العربي أقل اهتماما بأوباما الذي ينحدر من أصول أفريقية وجذور مسلمة وقضى جزءا من طفولته في العالم الإسلامي ودرس لعامين في مدرسة مسلمة بإندونيسيا ودافع عن حريات العرب الأميركيين المدنية في الخطاب الذي قدمه للحياة السياسة الأميركية (يوليو/تموز 2004)، كما عارض حرب العراق قبل بدايتها.

وخلال الانتخابات الرئاسية التمهيدية حاز أوباما على اهتمام كثير من المتابعين العرب لأنه تحدث عن الانسحاب من العراق وعن الحوار مع إيران وسوريا وعن أهمية تغليب الدبلوماسية على الحرب وبناء الجسور مع العالم الإسلامي.

كما بدا أوباما للعديد من المتابعين داخل أميركا وخارجها أقل صقورية على ساحة السياسة الخارجية من منافسته الديمقراطية الرئيسية هيلاري كلينتون، والتي تبنت سياسة خارجية صقورية متشددة رأى البعض أنها لا تختلف كثيرا عن مواقف المحافظين الجدد.

وبالطبع بدا أوباما أكثر دبلوماسية ومهادنة من المرشحين الجمهوريين الذين كانوا عازمين على الدفاع عن سياسات بوش بالمنطقة وعلى رأسها حرب العراق.

وهكذا فاز أوباما بإعجاب الكثيرين داخل أميركا وخارجها، حتى أن البعض رأى أن أوباما بات محل إعجاب العالم أجمع فيما عدا دولتين: هما الصين لأسباب تنافسية واقتصادية، وإسرائيل والتي شكك الكثير من مناصريها في أوباما وسياساته ومواقفه المهادنة تجاه إيران وسوريا والفلسطينيين والعرب بصفة عامة.

خاصة أن أوباما ذكر في أحد تصريحاته أن "لا أحد يعاني أكثر من الفلسطينيين". كما أنه ارتبط قبل دخول مجلس الشيوخ الأميركي بأساتذة فلسطينيين أميركيين معروفين بمواقفهم المدافعة عن حقوق الشعب الفلسطيني وعلى رأسهم البروفيسور الأميركي الراحل إدوارد سعيد.

وهي جميعها عوامل ضاعفت الآمال العربية المعقودة على أوباما خاصة وأنها وترت علاقته مع مناصري إسرائيل والذين انقسموا تجاه أوباما.

ولكن القصة لم تستمر على نفس المنوال فمع تقدم الانتخابات الرئاسية وتزايد الانتقادات الإسرائيلية والجمهورية واليمينية لأوباما ولمواقفه الدبلوماسية، تحول أوباما تدريجيا نحو اليمين، وبدأت تصريحاته تتلون بصبغة أخرى، حتى ألقى في أوائل يونيو/حزيران 2006 خطابا أمام مؤتمر لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية المعروفة اختصارا باسم "إيباك" وهي أكبر منظمات لوبي إسرائيل وأكثرها شهرة ونفوذا سياسيا، حيث بدا وكأن أوباما أخر يتحدث فيه، إذ أظهر أوباما التزامه المطلق بأمن إسرائيل، وتجنب الحديث عن أي ضغط قد يمارسه عليها، كما أعلن دعمه للقدس "غير المقسمة" كعاصمة لإسرائيل، وهي تصريحات أشعرت بعض المسلمين والعرب بأن آمالهم المعقودة على أوباما ذهبت أدراج الرياح.

التطورات السابقة تثير تساؤلات عديدة عن حقيقة أوباما وسياسته، فهل يرتقي حقا لحجم الآمال المعقودة عليه، أم إنه كغيره من الساسة الأميركيين لا بد وأن يخضع لضغوط ومحاذير السياسة الأميركية من أحزاب وصراعات وتحزب ولوبيات وجماعات مصالح تحول بضغوطها وخطوطها الحمراء كثير من السياسيين الأميركيين لأنصاف سياسيين يرددون ما تريده تلك الجماعات.

وللتعامل مع المفارقة السابقة الهامة، وهي موضوع هذه الدراسة، رأينا أن نقسم بحثنا التالي لثلاثة أجزاء أساسية، كما يلي:

فصل أول يتناول الأوضاع الداخلية داخل الحزب الديمقراطي، والذي يمثل الوعاء الأول لمواقف أوباما أو أي إدارة ديمقراطية، إذ لو فاز أوباما بالرئاسة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل فسوف يفوز بها كمرشح عن الحزب الديمقراطي الأميركي يعبر عن أجندته ويحتمي بنخبته وقواعده الجماهيرية، ويختار من بين قياداته أعضاء إدارته والمشكلين لسياساته والقائمين على تطبيقها.

كما أن الحزب الديمقراطي -كأي حزب- به صراعات داخلية وجماعات متناحرة وأخرى تتسابق على شد قيادات الحزب لمعسكرها، وهي جميعها قيود سوف تنضاف للضغوط المفروضة على أوباما في حالة فوزه بالرئاسة.

الجزء الثاني من الدراسة سوف يتعرض لأوباما نفسه كإنسان وسياسي ومرشح ديمقراطي، وكيف تمكن من الفوز بترشيح الديمقراطيين له في الانتخابات الرئاسية الحالية وطبيعة أجندته الداخلية والملامح العامة لفلسفته السياسية والجماعات المحيطة به، وهل هو بالفعل سياسي مختلف كما يحلو للبعض النظر إليه؟ أما أنه سياسي عادي أحاط نفسه ببريق خطابي وهالة إعلامية أخفت حقيقته؟

ولهذا نتناول في الفصل الثالث والأخير من هذه الدراسة مواقف أوباما التفصيلة تجاه أهم قضايا الشرق الأوسط، وهي عملية السلام، والعراق، وإيران، وقضية الديمقراطية وموقف أوباما من الدول العربية الكبرى كمصر والسعودية وسوريا والسودان التي يمنحها أوباما جزءا كبيرا من اهتمامه بسبب قضية دارفور.

كما نتناول صورة الإسلام في خطاب أوباما وموقفه من موجة التخويف من الإسلام والمسلمين التي تجتاح أميركا منذ أحداث 11-9 خاصة أن أوباما نفسه وقع ضحية هذه الموجة بشكل أو بآخر بعدما روج خصومه شائعات تقول بأنه مسلم يخفي إسلامه في مؤامرة كبرى يدبرها أعداء أميركا من المسلمين لتدمير الولايات المتحدة من الداخل.
واختتمت الدراسة بتصور عام لسياسة أوباما الخارجية بصفة عامة وببعض السيناريوهات المحتملة لمواقفه تجاه الشرق الأوسط.

ويمكن قراءة الكتاب أو تحميله من خلال (الرابط التالي)

نبذة عن الكاتب