مصر.. إلى أين؟

تحاول هذه الورقة أن تجيب على التساؤل: مصر إلى أين؟ مطلة على الوضع السياسي المصري وما يطبعه من احتقان قد يطال العالم العربي
20 نوفمبر 2008









إعداد: أ.د. حسن نافعة



أزمة القيادة السياسية
أزمة إدارة المرحلة الانتقالية
سيناريوهات المستقبل









حسن نافعة
يتابع العالم العربي ما يجري في مصر باهتمام كبير تحوَّل في الآونة الأخيرة إلى قلق حقيقي لسببين، الأول: يعود إلى إدراك متزايد بأن أوضاع العالم العربي ككل تزداد ترديا يوما بعد يوم، وبأن وقف هذا التردي مرهون بحدوث تغيير جوهري في توجهات السياسة المصرية الراهنة، والثاني: يعود إلى إدراك متزايد بأن احتمالات التغيير السلمي المنشود في مصر تتضاءل يوما بعد يوم وعلى نحو ينذر بوقوع كارثة كبرى يخشى أن تطال الجميع. عمّق من هذا القلق في وعي النخب العربية مشهدان بثتهما الفضائيات منذ أسابيع، وعلى نحو متزامن تقريبا، الأول: مشهد تزاحم المواطنين إلى حد الاقتتال للحصول على رغيف الخبز في طوابير طويلة تبدو بلا نهاية. والثاني: مشهد طوابير طويلة تقف أمام لجان الترشيح للانتخابات المحلية تبيَّن فيما بعد أنها تتكون من موظفين تم حشدهم للحيلولة دون تمكين المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين من تقديم أوراق ترشحهم. وبينما جسد المشهد الأول تفاقم واستحكام الأزمة الاقتصادية، وخاصة أزمة المعيشة التي تعاني منها الأغلبية الساحقة في مصر، فقد جسد المشهد الثاني تفاقم واستحكام الأزمة السياسية بسبب انسداد أفق احتمالات التحول الديمقراطي في البلاد.


ولأن أحدا لا يملك في الوقت الراهن إجابة واضحة ودقيقة على سؤال: "مصر إلى أين؟"، فمن الطبيعي أن تتعدد الاجتهادات حسب زوايا الرؤية. وفي جميع الأحوال فإن الإجابة على هذا السؤال تتطلب أولا فهم الأسباب التي أدت إلى وصول الأوضاع في مصر إلى ما هي عليه الآن. وفي تقديري أن ما نراه الآن هو نتاج عوامل أهمها تباين أنماط القيادة السياسية التي تعاقبت على حكم مصر منذ عام 1952، وثانيها: طريقة إدارة عملية الانتقال من نظام الحزب الواحد إلى نظام يمكن وصفه بالتعددية الحزبية المقيدة.



أولا: أزمة القيادة السياسية





"
كان لكل من عبد الناصر والسادات رؤية سياسية واضحة افتقدها مبارك، فقد استندت رؤيتاهما إلى قواعد أيديولوجية محددة إحداهما يسارية والأخرى يمينية، أما مبارك فيدير الدولة بمنطق التسيير اليومي والبيروقراطي ويركز على كل ما من شأنه أن يشكل تحديا لسلطته

"
تعاقب على حكم مصر منذ منتصف القرن الماضي، إذا استثنينا محمد نجيب، ثلاثة زعماء ينتمي كل منهم إلى نمط مختلف تماما من أنماط القيادة، وهي: النمط الثوري ومثّله جمال عبد الناصر، والنمط المغامر ومثَّله أنور السادات، والنمط البيروقراطي ومثله حسني مبارك. ورغم التباين الهائل في السمات الشخصية والتوجهات العقائدية لهذه الأنماط الثلاثة وما ترتب على ذلك من تباين هائل في سياساتهم الداخلية والخارجية، فإن النظام السياسي الذي استحدثته ثورة 1952 بقي كما هو دون أي تغيير يذكر، سواء من حيث الشكل أو آليات العمل، وهو ما قد يفسر وجود سمات مشتركة بين هذه القيادات يمكن إجمالها في ثلاثة أبعاد:

البعد الأول: انتفاء الرغبة في التخلي طواعية عن السلطة. فالرئيس عبد الناصر ترك السلطة بالموت الطبيعي، والرئيس السادات تركها بالاغتيال، أما الرئيس مبارك فما زال يمارسها وسبق له أن أفصح صراحة عن نيته الاستمرار في السلطة طالما بقي في جسده عرق ينبض!.


البعد الثاني: تركة ثقيلة تورثها قيادة سابقة لقيادة لاحقة لم يشارك الشعب في اختيارها. فالرئيس عبد الناصر رحل وسيناء لا تزال محتلة وجرح هزيمة 67 لا يزال مفتوحا لم يندمل بعد، والرئيس السادات رحل في ظل حالة من الاحتقان الداخلي والقطيعة مع العالم العربي لم تشهد مصر لهما مثيلا من قبل. ورغم صعوبة التكهن بما ستكون عليه أحوال مصر بعد انتقال السلطة إلى خليفة الرئيس مبارك، فإن المؤشرات المتاحة لا تبشر بأي خير.


البعد الثالث: آمال كبيرة في التغيير تنطلق مع بداية ولاية كل رئيس جديد، ثم تضعف تدريجيا إلى أن تتلاشى تماما مع تحول الرئيس إلى ما يشبه حاكماً مطلقاً لتبدأ حالة من السخط العام عادة ما تصل ذروتها في نهاية كل حقبة. فخلال فترة زمنية لم تتجاوز خمس أو ست سنوات كان عبد الناصر قد أنجز إصلاحا زراعيا واسع النطاق وأنهى الاحتلال البريطاني وأمم قناة السويس وشرع في بناء السد العالي وأقام وحدة اندماجية مع سوريا، ثم ما لبثت النكسات أن توالت بعد ذلك تباعا، بدءا بانفصال سوريا، ومرورا باندلاع حرب عربية/عربية على أرض اليمن، وانتهاء بهزيمة 67. ثم جاء السادات فحقق إنجازا عسكريا مهما بعد ثلاث سنوات فقط من توليه السلطة وشرع في عملية انفتاح سياسي واقتصادي بدت واعدة، لكنه رحل مخلفا وراءه تركة ثقيلة بدأت بتنامي ظاهرة العنف والتطرف الديني وانتهت بمغامرة القدس وانتكاسة عملية الإصلاح السياسي. واستطاع الرئيس مبارك في بداية عهده تخفيف حدة الاحتقان السياسي واحتواء ظاهرة العنف والتطرف الديني وأعاد الجامعة العربية إلى مقرها بالقاهرة، قبل أن تبدأ حالة غير مسبوقة من الاحتقان السياسي والاقتصادي والاجتماعي تهدد بانفجار شامل.


غير أن هذا التشابه الظاهري في أداء النظام السياسي المصري يجب ألا يخفي عمق الاختلافات في الرؤى والسياسات المتبعة في كل مرحلة. فقد كان لكل من عبد الناصر والسادات، بحكم تكوينهما الشخصي وتاريخهما النضالي، رؤية سياسية واضحة افتقدها الرئيس مبارك تماما. صحيح أن رؤية السادات تناقضت كليا تقريبا مع رؤية عبد الناصر، لكن كلتا الرؤيتين استندتا إلى قواعد سياسية واجتماعية وبالتالي أيديولوجية محددة حيث عبرت إحداهما إجمالا عن اليسار والأخرى عن اليمين المصري بشكل واضح. أما الرئيس مبارك فقد اختلف عن سلفيه -إضافة إلى افتقاده لأي رؤية سياسية- في أمرين آخرين على جانب كبير من الأهمية، أولهما: إدارة الدولة بمنطق التسيير الذاتي اليومي والبيروقراطي وتركيز اهتمامه فقط على كل ما من شأنه أن يشكل تحديا لسلطته أو لإرادته كحاكم، تاركا كل الأمور الأخرى لتحل بالقضاء والقدر، وثانيهما: رفض تعيين نائب له، مع السماح في الوقت نفسه لنجله جمال بلعب دور سياسي راح يتنامى بسرعة إلى أن استقر في الضمير العام، خطأ أم صوابا، وجود عملية مخططة لتوريث السلطة. وكان لهذا الأسلوب في إدارة الدولة أثره الخطير في حالة الاحتقان التي تشهدها مصر الآن.



ثانيا: أزمة إدارة المرحلة الانتقالية





"
ظهر بشكل مفاجئ صعود سريع لنجم جمال مبارك على مسرح الحياة السياسية مع شائعات متزايدة عن محاولات تجري وراء ستار للبحث عن سيناريو يضمن له خلافة والده في السلطة

"
حظيت ثورة يوليو/تموز بإجماع شعبي نادر جسدته رغبة واضحة في التخلص من نظام ملكي/إقطاعي كان قد بدأ يتداعى، وفي إقامة نظام جمهوري حديث تطلع الجميع أن يصبح أكثر قدرة وكفاءة. ثم راحت تتبلور تدريجيا، من خلال المعارك الداخلية والخارجية التي خاضتها النخبة الحاكمة الجديدة أو فرضت عليها سياسات داخلية وخارجية تمثلت أهم ركائزها فيما يلي:

1- عملية تنموية للنهوض الشامل بالمجتمع وتحديثه من خلال سياسات اقتصادية واجتماعية موجهة لصالح الطبقات المتوسطة والكادحة وتقوم على تدخل الدولة وسيطرتها على معظم وسائل الإنتاج.


2- سياسة خارجية غير منحازة لأي من المعسكرين الدوليين المتصارعين تتحرك في إطار دوائر عمل عربية وإسلامية وعالم ثالثية.


3- نظرية أمن قومي تنطلق من اعتبار إسرائيل مصدر التهديد الرئيس لمصر وللأمة العربية.


غير أن خلو النظام السياسي من آليات للرقابة على أداء السلطة التنفيذية وغياب الشفافية والمحاسبية أفضى إلى كوارث ونكسات كان أخطرها هزيمة 1967. وهكذا راحت مطالب "الديمقراطية والإصلاح السياسي" تتصدر جدول أولويات العمل الوطني منذ ذلك التاريخ.


ومن هنا الترحيب الكبير بالخطوات الرمزية المحدودة لتخفيف قبضة "الدولة البوليسية" التي بدأ الرئيس السادات في اتخاذها عقب الرحيل المفاجئ للرئيس عبد الناصر. غير أن الرئيس السادات تصور أن حرب 73 تمنحه شرعية جديدة وتفويضا بالانقلاب على مجمل السياسات الداخلية والخارجية التي كانت ثورة يوليو/تموز قد رسختها في عهد عبد الناصر. ولأن السياسات الجديدة التي انتهجها الرئيس السادات جرت بدورها في غياب آليات ديمقراطية فقد انتهت إلى مأزق داخلي راح يستحكم بعد زيارة القدس عام 1977 ثم التوقيع على معاهدة سلام منفردة مع إسرائيل عام 1979 لينتهي بأحداث سبتمبر/أيلول ثم بالمشهد الدموي لحادث المنصة في أكتوبر/تشرين الأول 1981.


كان الشعب المصري قد اعتاد على نظام سياسي تنتقل فيه السلطة تلقائيا من رئيس إلى نائب يختاره بنفسه، لكنه ما إن بدأ يفيق من مشاكله العاجلة حتى راحت الأنظار تتطلع لمن عساه أن يشغل موقع نائب الرئيس في عهد الجمهورية الثالثة!. وعندما طال الانتظار وراح الناس يتساءلون عن السبب الحقيقي في عدم تعيين نائب أو أكثر لرئيس بدا في سنوات حكمه الأولى زاهدا في السلطة والثروة معا ومذكرا الجميع بـ"الكفن الذي ليس له جيوب"، تولد إحساس بقلق حقيقي على مصير البلاد راح يتحول بمرور الوقت إلى ثورة غضب واحتجاج تحت تأثير عوامل متعددة، أهمها:



1- ظهور مفاجئ وصعود سريع لنجم جمال مبارك على مسرح الحياة السياسية في مصر تواكب مع شائعات متزايدة عن محاولات تجري وراء ستار للبحث عن سيناريو يضمن له خلافة والده في السلطة.


2- ترهل واضح في أداء النظام على كافة المستويات بسبب عجز قيادات بدت تشيخ في مواقعها، وزيف وعود بدت فاقدة لمصداقيتها، وخداع عبارات بدت مملة من فرط ترديدها.


3- إحساس متزايد بعدم الأمن، سواء على الصعيد الداخلي، بسبب تفاقم الفجوة الطبقية والطائفية، أو على الصعيد الخارجي، بسبب تآكل قدرة مصر على التأثير في محيطها الإقليمي والدولي.


4- بلادة محيرة وعدم حساسية إلا تجاه كل ما من شأنه التأثير على أمن النظام أو مشروع نقل السلطة.


وفي هذا السياق بدأت مصر تدخل مرحلة اضطراب سياسي واجتماعي تبدو مختلفة نوعيا عما سبقها، مما فتح الباب أمام احتمالات تبدو جميعها محفوفة بالمخاطر، ساعد عليها:



1- تفاقم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية وتدهور مستوى أداء الخدمات المختلفة في البلاد بمعدلات متسارعة، خاصة التعليمية والصحية منها، وانتقال الحال من سيئ إلى أسوأ على الدوام دون أن تبدو في الأفق أي مؤشرات على احتمال وقف التدهور العام خلال فترة زمنية معقولة.


2- تدني مستويات المعيشة بالنسبة للأغلبية الساحقة من المواطنين، رغم كل ما يقال عن تحقيق الاقتصاد الوطني لمعدلات نمو مرتفعة، وهبوط شرائح متزايدة من الطبقة المتوسطة إلى مستويات أدنى ودخولها دائرة الفقر بعد أن بدأت تعجز عن سد احتياجات أبنائها من السلع الأساسية بسبب الغلاء الفاحش في أسعار السلع والخدمات.


3- عجز الحكومة عن إدارة أزمات بدأت تتفجر في كل المواقع، وظهور بوادر تشير إلى احتمال انفلات الأمور في أي لحظة، خصوصا بعد انفجار أزمة الخبز الأخيرة التي أدت إلى وقوف المواطنين في طوابير طويلة وحدوث احتكاكات واشتباكات سقط فيها قتلى وجرحى، وهو أمر يحدث في مصر لأول مرة.


4- تكاثر حركات الاحتجاج الاجتماعي وتصاعد مطالبها على نحو ينذر بزيادة الأمور سوءا وتعقيدا بالنسبة للدولة وبالنسبة للمجتمع على السواء. فبينما بدأت تظهر على المؤسسات الرسمية بمختلف مستوياتها علامات ارتباك وتشنج عكستها زيادة حدة الممارسات الأمنية والقمعية ولجوء متزايد وغير مبرر لأساليب التضييق والحصار بعد اتساع نطاق عدوى الإضرابات والمظاهرات؛ يرى بعض المراقبين والمحللين السياسيين أن الحركات الاحتجاجية الراهنة لم تعد تشكل خطرا وأن النظام بدأ يعتاد عليها ويتعايش معها وما زال في جعبته الكثير من الوسائل التي تمكنه من الاستمرار بنجاح في لعبة تفتيت المعارضة أو احتوائها وبالتالي ليس واقعا تحت ضغط يجبره على القيام بالإصلاحات السياسية المنشودة. غير أننا لا نتفق مع وجهة النظر هذه ونعتقد أن الحركة الاحتجاجية التي انطلقت في مصر منذ نحو ثلاث سنوات خلقت، رغم ضعفها وتفتتها الظاهرين، حالة من الزخم والتراكم الكمي لن يمر وقت طويل قبل أن يتحول إلى تراكم نوعي. وبوسعنا أن نتوصل بسهولة إلى هذه النتيجة إذا ما تأملنا بدقة مسيرة هذه الحركة الاحتجاجية التي مرت في تقديري بثلاث مراحل متميزة:





    • المرحلة الأولى: قادتها عناصر من خارج الأحزاب الرسمية القائمة أو متمردة عليها وركزت على مطالب الإصلاح السياسي واستفادت من ظرف دولي بدا ضاغطا لنشر الديمقراطية. ولا جدال في أن حركة "كفاية" لعبت دورا تاريخيا هاما في هذه المرحلة لكنها لم تظل وحيدة على الساحة لفترة طويلة حيث سرعان ما بدأت تلحق بها أو تظهر إلى جانبها جماعات أخرى، خاصة في أوساط أساتذة الجامعة والقضاة والصحفيين والمحاميين، اتفقت معها في الأهداف واختلفت في الوسائل.




    • المرحلة الثانية: شهدت تحولا من المطالب السياسية والمجتمعية العامة إلى المطالب الاقتصادية والاجتماعية لفئات أو مهن بعينها. ساعد على إحداث هذا التحول شلل الأحزاب السياسية الرسمية، وانكشاف حقيقة الموقف الأميركي والأوروبي من المسألة الديمقراطية وتراجع الضغوط الغربية على الأنظمة العربية، خاصة عقب فوز حماس بأغلبية المجلس التشريعي وإحساس الأجهزة الأمنية بأنها باتت طليقة الحركة لقمع المعارضة وإلحاق أكبر قدر من الأذى بها.




    • المرحلة الثالثة: التي راحت تتبلور منذ فترة قصيرة نسبيا تشهد حاليا بداية التحول من المطالب الفئوية والمهنية الخاصة إلى مطالب اقتصادية واجتماعية عامة يشترك فيها الجميع، وتركز على رفع الأجور وتحسين مستوى الأداء والخدمات، خاصة الصحية والتعليمية منها، ومكافحة الغلاء والفساد وغير ذلك.

صحيح أن الحركة الاحتجاجية لا تزال تبدو، حتى في شكلها الراهن، أقرب ما تكون إلى جزر معزولة ومحاصرة منها إلى تيار عام يجمعه برنامج متفق عليه وإطار مؤسسي يوحد حركته ويحدد بوصلته ويسير أموره. ومع ذلك يمكن القول إن طبيعة المرحلة الحالية تفرض على هذه الحركة ألا تظل كذلك لفترة طويلة. وهناك في الواقع عملية غير منظمة وتكاد تكون لا إرادية تدفع نحو مد الجسور بين الجزر المعزولة وتحويلها إلى فروع لأنهار لن تتأخر كثيرا قبل أن نراها تصب في مجرى واحد. وهناك عوامل عديدة تدفع نحو الإسراع صوب هذه الوجهة، منها: الارتفاع الجنوني في أسعار السلع الغذائية، وانخراط شرائح متزايدة من الطبقة المتوسطة ومن الأغلبية الصامتة في الحركة الاحتجاجية، ووضع إقليمي ودولي مضطرب ومرشح لزيادة حدة احتقان الأزمة الداخلية.



ثالثاً: سيناريوهات المستقبل


هذه الصورة العامة تدفع في اتجاه تغيير قد يتم من خلال أحد سيناريوهات ثلاثة:



السيناريو الأول: انخراط الأحزاب الرسمية والتيارات والجماعات الفكرية والسياسية المختلفة، ومن بينها جماعة الإخوان المسلمين، في جبهة موحدة تقوم بتشكيل غطاء سياسي للحركة الاحتجاجية الشعبية على نحو يسهم في مد الجسور بين مطالب القوى والفئات الاجتماعية المختلفة وبناء إطار تنظيمي قادر على الجمع بين جناحيها السياسي والاقتصادي/الاجتماعي لإحداث التغيير السياسي المنشود. وتتوافر عوامل مرشحة للمساعدة على إنضاج هذا السيناريو أهمها خشية الأحزاب السياسية من عزلة عن الشارع قد تعرضها للذبول والموت.


السيناريو الثاني: استمرار وضع الأحزاب والقوى السياسية الرسمية على ما هو عليه وعزوفها عن الانخراط في الحركة الاحتجاجية، إما بسبب الضغوط الواقعة عليها من جانب الأجهزة الأمنية أو بسبب أزمة الثقة التي لا تزال مستحكمة بين فصائلها، وبالتالي ترك الحركة الاحتجاجية المتبلورة حول مطالب اقتصادية واجتماعية تتحرك وفق منطقها وقدراتها الخاصة، وهو ما قد يعرقل مسيرتها نحو الوحدة لكنه لن يحول دونها.


السيناريو الثالث: انفلات الوضع الأمني بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية وغياب غطاء سياسي وقيادة تنظيمية للحركة، وبالتالي تطور الأمور إلى حالة من الفوضى قد يستغلها الجيش للنزول إلى الشارع والسيطرة على السلطة واستلام زمام الأمور في البلاد.


_______________
كاتب وجامعي مصري
أعدت هذه الورقة بتاريخ 4 مايو/أيار 2008
جميع الحقوق محفوظة لمركز الجزيرة للدراسات © 2008

نبذة عن الكاتب