الحرب الإسرائيلية على غزة والغاز الطبيعي

الحرب على غزة على صلة بنوايا إسرائيلية تهدف للسيطرة على آبار الغاز في سواحل غزة، هذا ما يؤكده ميشيل شوسودوفسكي ويربطه باستراتيجية بعيدة المدى بهذا الشأن.







الغزو الإسرائيلي وحقول الغاز البحرية في غزة

ميشيل شوسودوفسكي
ترجمة محمود طه


إن الغزو العسكري الإسرائيلي لقطاع غزة ذو صلة مباشرة بالاحتياطات الإستراتيجية من الغاز التي اكتشفت عام 2000 في سواحل غزة وبكميات كبيرة، فحرب إسرائيل ما هي إلا للسيطرة على هذه الحقول.


وتفصيل ذلك أن الشركة المتحدة للمقاولات (CCC) وتعود ملكيتها لعائلتي الصباغ وخوري اللبنانيتين ومقرها في أثينا- قامت بالشراكة مع شركة مجموعة الغاز الانجليزية (BG) في نوفمبر/ تشرين الثاني 1999 بتوقيع اتفاق مع السلطة الفلسطينية يعطي الشركة حق الامتياز للتنقيب عن النفط والغاز في بحر غزة وشواطئها لمدة 25 عاما.


وطبقا للاتفاقية تبلغ حصة الشركة الإنكليزية من الأسهم ما نسبته 60%، فيما تحصل الشركة المتحدة (CCC) على 30%، أما السلطة الفلسطينية فتقتصر حصة صناديق الاستثمار التابعة لها من هذه الاتفاقية على 10%(1).


والجدير بالذكر أن الاتفاق ينص أيضا على تطوير الحقول وإنشاء خطوط الأنابيب(2).


وبفضل هذا الترخيص أصبحت الشركة الانكليزية تعمل في كامل منطقة الشاطئ البحري لغزة، المجاورة للعديد من مرافق الغاز البحري الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، مع التنويه أن حوالي 60% من احتياطي الغاز الموجود على امتداد الساحل ما بين غزة وإسرائيل هو ملك للفلسطينيين.


وحفرت الشركة الإنكليزية (BG Group) عام 2000 بئرين لاستخراج الغاز من تلك المنطقة، قدر احتياطهما بحوالي 1.4 تريليون قدم مكعب، وبقيمه 4 مليارات دولار تقريبا بحسب ما صرحت به الشركة نفسها، وقد يكون حجم الاحتياط أكبر من ذلك بكثير.


من هو المالك لحقول الغاز؟
مسألة السيادة على حقول الغاز في قطاع غزة تعد من الأمور المثيرة للجدل، وإن كانت من وجهة النظر القانونية هي ملك للفلسطينيين.


حيث أن إسرائيل ووفقا لسياسة "الأمر الواقع" فقد وضعت يدها على تلكم الحقول مستفيدة من الأحداث التي تلت موت الرئيس ياسر عرفات وانتخاب حركة حماس وانقسام السلطة، في حين قامت الشركة الإنكليزية من جانبها بتجاهل حكومة حماس المنتخبة فيما يختص بحقوق التنقيب والتنمية لحقول الغاز، حيث يممت وجهها تجاه إسرائيل مكتفية بالتعامل معها.


وفيما يتعلق بالنزاع حول ملكية هذه الحقول، كانت مرحلة انتخاب رئيس الوزراء أرئيل شارون عام 2001 نقطة تحول رئيسية في هذا الشأن، حيث أن سيادة السلطة الفلسطينية على تلك الحقول كانت موضع تجاذب أمام المحكمة الإسرائيلية العليا، وأكد حينها شارون بما لا يدع مجالا للشك أن إسرائيل لن تشتر غاز غزة من الفلسطينيين، في تلميح إلى أن تلك الحقول وما تحويه ملك خالص لإسرائيل.


وبالفعل اعترض شارون في عام 2003 على صيغة اتفاق مبدئي من شأنه أن يسمح للشركة الانجليزية للغاز بتزويد إسرائيل بالغاز الطبيعي من الآبار البحرية في غزة(3).


وفي العام 2006 أدى فوز حماس بالانتخابات (التشريعية في 25 يناير/كانون الثاني) إلى انحسار دور السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس، وأصبحت تقتصر فقط على الضفة الغربية (في 14 يونيو/حزيران)، وفي العام نفسه كانت الشركة البريطانية للغاز على وشك توقيع اتفاق لضخ الغاز لمصر(4)، ووفقا للتقارير، فقد تدخل رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، بالإنابة عن إسرائيل، ليحول دون توقيعه.


وفي العام التالي من مايو/أيار 2007، وافق مجلس الوزراء الإسرائيلي على اقتراح قدمه رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود أولمرت، يقضي بشراء الغاز من السلطة الفلسطينية بعقد تصل قيمته إلى 4 مليار دولار، بجدوى ربحية قد تصل إلى 2 مليار دولار، يذهب منها مليار واحد فقط للجانب الفلسطيني.


على كل حال، ولأن إسرائيل لا نية لها أساسا في تقاسم عائدات الغاز مع الفلسطينيين، فقد أوعزت الحكومة الإسرائيلية لفريقها المفاوض بأن يتوصل إلى اتفاق مع الشركة الإنكليزية مباشرة، وأن يتجاهل كلا من حكومة حماس والسلطة الفلسطينية.


الدفع بتبادل السلع
"تريد سلطات الدفاع الإسرائيلي أن يتم الدفع للفلسطينيين مقابل الغاز بجب أن يتم على شكل سلع وخدمات، بدلا من أن تدفع نقودا تذهب لحكومة حماس المسيطرة على القطاع"


هذه هي السياسة الإسرائيلية المعلنة في هذا الصدد.


وكان الهدف الأساسي من وراء تلك السياسة هو إبطال العقد الذي تم إبرامه بين السلطة الفلسطينية إبان حكم الرئيس عرفات و الشركة الإنكليزية عام 1999.


مع العلم أن الاتفاقية المقترحة عام 2007 مع الشركة الإنكليزية، كان من المفترض بموجبها، أن يتم مد خط أنابيب تحت البحر لنقل الغاز المستخرج من شواطئ غزة إلى ميناء عسقلان الإسرائيلي، وبذلك يصبح نقل الغاز خاضعا لإسرائيل كما هو الحال في بيعه لها.


ولكن الصفقة تعثرت، والمفاوضات علقت، فقد عارض مئير داغان، رئيس الموساد، آنذاك، الصفقة لأسباب أمنية كما ادعى، لأن العائدات من جراء هذا الاتفاق قد تذهب لتمويل الإرهاب بحسب زعمه.


وصرح كذلك جلعاد أردان عضو الكنيست، بأن ما انتوته إدارة أولمرت من شراء الغاز الفلسطيني، سوف يخدم حكومة حماس (1 مارس 2006 ). كما تساءل موشيه يعالون، من أن شراء الغاز المستخرج من المياه الساحلية في غزة قد يهدد الأمن القومي الإسرائيلي(5).


على كل، فقد كانت إسرائيل بصدد استبعاد أي إمكانية تسمح بوصول العائدات المالية للفلسطينيين، الأمر الذي أدى إلى انسحاب الشركة الإنكليزية من المفاوضات مع إسرائيل، ثم أغلقت مكتبها هناك في يناير/كانون الثاني 2008 (نقلا عن موقع الشركة).


مخطط الغزو
أعدت خطة اجتياح قطاع غزة في يونيو/حزيران 2008 -والتي عرفت فيما بعد، بعملية "الرصاص المصبوب"- ووفقا لما ذكرته مصادر عسكرية مطلعة في مؤسسة الدفاع، حيث قالت "إن وزير الدفاع إيهود باراك، كان قد اصدر تعليماته للقوات الإسرائيلية للإعداد لهذه العملية منذ أكثر من ستة أشهر (شهر يونيو/حزيران أو قبل ذلك) على الرغم من أن إسرائيل كانت قد بدأت التفاوض مع حماس للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. ويقول باراك رافيد، مراسلة صحيفة هآرتس الإسرائيلية إن الضربة الجوية على غزة في عملية (الرصاص المصبوب) جاءت بعد أشهر من التخطيط(6).


كما قامت السلطات الإسرائيلية، في نفس ذلك الشهر (يونيو/حزيران)، بإبلاغ الشركة البريطانية برغبة إسرائيل في استئناف المحادثات فيما يتعلق بمسألة شراء غاز غزة الطبيعي، بعد أن توافق على ذلك كل من المسؤولين الإسرائيليين، مدير عام وزارة المالية، ياروم آرياف، ومدير عام وزارة البنية التحتية الوطنية، حيزي كوجلار.


أما الشركة الانكليزية، فمن جهتها لم تلب ما طلبته منها إسرائيل، إلا أنها ذكرت أن مسؤولين تنفيذيين لها قد يصلون إلى إسرائيل في غضون بضعة أسابيع لإجراء محادثات مع المسؤولين الإسرائيليين(7).


ومن الواضح أن قرار تسريع المفاوضات مع شركة الغاز الانجليزية، قد تزامن مع التخطيط لاجتياح قطاع غزة، كما ويبدو أن إسرائيل كانت حريصة على التوصل إلى اتفاق مع الشركة الانكليزية قبل الغزو، الذي كان بالفعل في مرحلة متقدمة من التخطيط.


أضف إلى ذلك، أن حكومة أولمرت، كانت قد بادرت إلى التفاوض مع الشركة الإنكليزية مع علمها التام بأن الغزو العسكري لغزة، قد وضع قيد التنفيذ، كما أنها كانت –وفي جميع الأحوال- قد أعدت الترتيبات السياسية والإقليمية لمرحلة ما بعد الحرب على غزة.


في حقيقة الأمر، إن المفاوضات بين شركة الغاز الإنكليزية والمسؤولين الإسرائيليين كانت قد بدأت في أكتوبر/تشرين الأول 2008، أي قبل نحو شهرين إلى ثلاثة أشهر قبل عمليات القصف الجوى على غزة، والتي انطلقت في 27 ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه.


وكانت وزارتا المال والبنى التحتية الإسرائيليتان، قد أصدرتا تعليماتهما في نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام، لمؤسسة الكهرباء الإسرائيلية بالدخول في مفاوضات مع شركة الغاز الانكليزية من أجل شراء الغاز الطبيعي الفلسطيني والاستفادة من الامتياز الممنوح للشركة البريطانية في غزة.


وقد قام مؤخرا كل من آرياف وكوجلار، بإبلاغ عاموس لاسكار الرئيس التنفيذي لشركة الكهرباء الإسرائيلية بقرار الحكومة والقاضي بالمضي قدما في المفاوضات مع شركة الغاز الإنكليزية وفقا للإطار المقترح الذي تمت الموافقة عليه في وقت سابق من ذاك العام.


ووافق مجلس إدارة شركة الكهرباء الإسرائيلية برئاسة فريدمان موتي، على المبادئ الواردة في الإطار المقترح، كما أقر استئناف المحادثات مع الشركة الإنجليزية بمجرد الموافقة على الإعفاء من المناقصة(8).


غزة والجغرافيا السياسية للطاقة
وهكذا فإن الاحتلال الإسرائيلي العسكري لغزة قد أعد العدة لنقل السيادة على حقول الغاز إلى إسرائيل، وبانتهاك صارخ للقانون الدولي.


وماذا يمكن أن نتوقع في أعقاب الغزو؟


وما هي نوايا إسرائيل فيما يتعلق باحتياطيات الغاز الطبيعي الفلسطيني؟


وهل هناك ترتيبات إقليمية جديدة للقطاع تعهد بموجبها إسرائيل إلى قوات دولية لحفظ السلام منفردة أو بالاشتراك معها؟


أم أن الإستراتيجية الإسرائيلية ستكتفي بالتحصن والعسكرة على طول الخط الساحلي لغزة؟


أم أنها ستعلن السيادة الإسرائيلية على المناطق البحرية لغزة، وتصادر بذلك جميع حقول الغاز الفلسطينية؟


وإذا ما حدث هذا الأخير، فمن المحتم أن حقول الغاز في غزة ستتداخل وتندمج في المنشآت البحرية الإسرائيلية المجاورة لها.


كما أنها جميعا ترتبط بممر نقل الطاقة الإسرائيلي، الممتد:


- من ميناء إيلات، محطة خط أنابيب النفط في البحر الأحمر.


- إلى محطة أنابيب ميناء عسقلان، وشمالا إلى حيفا.


لتتصل في نهاية المطاف بالمسار المقترح لإنشاء خط أنابيب ممتد من إسرائيل إلى ميناء شيحان (جيهان) التركي.


وشيحان بدوره هو المنفذ إلى باكو الآذرية، حيث يمتد خط أنابيب نفط بحر قزوين، خط باكو– تبليسي- شيحان.


فالمخطط، إذا، وبالمحصلة النهائبة ،هو ربط خط شيحان، الآنف الذكر، بخط إيلات-عسقلان المعروف بخط أنابيب إسرائيل(9).
_______________
* نقلا عن مركز البحث العالمي، 8 يناير 2009.


المصادر
1- صحيفة Haaretz الإسرائيلية 21 كتوبر/تشرين الأول 2007.
2- Middle East Economic Digest البريطانية، 5 يناير/كانون الثاني 2001.
3- The Independent البريطانية، 19 أغسطس/آب 2003.

4- Times البريطانية، 23 مايو/أيار 2007.
5- مركز أورشليم للشئون العامة، أكتوبر/تشرين أول 2007.

6- Haaretz الإسرائيلية، 27 ديسمبر/كانون الأول 2008.
7- Globes On Line، المتخصصة في ميدان الأعمال الإسرائيلية، 23 يونيو/حزيران، 2008.
8- Globes On Line، المتخصصة في ميدان الأعمال الإسرائيلية، 13 نوفمبر/تشرين الثاني، 2008.  
9- Global Research، أنظر مايكل شوسودوفيسكي، الحرب على لبنان و الحرب من أجل النفط، 23 يوليو 2006. 


الهوامش


1- Consolidated Contractors International Company/CCC
2- Britch Gas Group/BG