أمن الطاقة الإسرائيلي والجيوبوليتيك الإقليمية

خططت إسرائيل منذ الستينيات للاستيلاء على حقول نفط عربية كي لا تتعرض للشلل في أي معركة طويلة الأجل حال انقطاع الإمدادات، علاوة على ذلك، اعتمدت سياسة الاختراق الجيوبوليتيكي الإقليمي لتخطي الدائرة المحيطة ونسج علاقات مع دول إسلامية نفطية خارجها.
f2c432cb84964ed088e6b5dc924510a4_18.jpg
(الجزيرة)

مركز الجزيرة للدراسات

يحتل عنصر أمن الطاقة الإسرائيلي مكانة مهمة للغاية في الإستراتيجية الأمنية لدولة إسرائيل على الدوام. وعلى الرغم من هذه الأهمية، فإنه يندر وجود دراسات أو تقارير إسرائيلية تعكس هذا الجانب من الإستراتيجية الأمنية لتل أبيب، ولعل ذلك يعود في جزء منه إلى كون هذا العنصر يشكّل نقطة ضعف في الميزان الشامل للقوّة الإسرائيلية بشكل عام، وهو الأمر الذي دفع إسرائيل إلى الاستنجاد بالولايات المتّحدة سابقا حيث عقد الطرفان مذكرة اتفاق في العام 1979 ويتم تجديدها بهدوء كل خمس سنوات، تقوم أمريكا بموجبها بالتعهد بتزويد إسرائيل بالنفط في الحالات الطارئة وهي ممددة حتى العام 2014.

اعتمدت إسرائيل سياسة الاختراق الجيوبوليتيكي الإقليمي في محاولة منها لتخطي الدائرة المحيطة ونسج علاقات مع دول إسلامية نفطية قادرة على تأمين حاجاتها النفطية وبالتالي صيانة وتحصين سياسة أمن الطاقة لديها.

لكن الأمن الإسرائيلي بشكل عام وأمن الطاقة بشكل خاص لا يقف عند حدود الاعتماد على الآخرين مهما بلغوا من قوّة، فقد عرف عن إسرائيل تخطيطها للاستيلاء على حقول نفط عربية منذ الستينيات للتغلّب على نقطة ضعفها المتمثلة في نقص الإمدادات مقارنة بالقوة العسكرية الضاربة التي تمتلكها والتي من الممكن أن تتعرض إلى الشلل في أي معركة طويلة الأجل حال انقطاع الإمدادات. ومن بين أشهر الخطط الإسرائيلية في هذا المجال الخطّة التي تمّ تسريبها في بداية العام 2002، وتعرف باسم "عملية شيخينا" لاحتلال الآبار النفطية العراقية وإعادة إحياء خط الموصل-حيفا.

علاوة على ذلك، اعتمدت إسرائيل سياسة الاختراق الجيوبوليتيكي الإقليمي في محاولة منها لتخطي الدائرة المحيطة ونسج علاقات مع دول إسلامية نفطية قادرة على تأمين حاجاتها النفطية وبالتالي صيانة وتحصين سياسة أمن الطاقة لديها. فعدا عن خطط تل أبيب لإحياء خط الموصل-حيفا، هناك خطط وضعت الآن موضع التنفيذ أهمها مشروع القرن الاستراتيجي الذي تشكّل تركيا لبّه الأساسي ويسمى (Med Stream Project) بتكلفة تزيد على 12 مليار دولار ويربط البحور الأربعة (قزوين والأسود والمتوسط والأحمر) ويساعد على ربط منطقة آسيا الوسطى بالشرق الأوسط ضمن رؤية تركيّة لدور محوري في مشروع طاقة أكبر يمتد من الصين شرقا إلى أوروبا غربا ومن تركيا شمالا إلى الهند جنوبا والتي انضمت إلى المشروع في نهاية عام 2008، ويتضمن من ضمن ما يتضمن أنابيب لنقل النفط والغاز والماء والكهرباء وأيضا الألياف الضوئية من تركيا إلى إسرائيل، وعقدت اجتماعات عديدة بين مسؤولي البلدين لمتابعته في أواخر عام 2008 وأيضا في النصف الأول من العام 2009.

ومن هذا المنطلق يحاول هذا التقرير رصد العناصر المستجدة في سياسة أمن الطاقة الإسرائيلية لا سيما دور الغاز في هذا الحيّز، إضافة إلى التحركات التي تقوم بها تل أبيب لضمان وتأمين العديد من موارد الطاقة ولاسيما النفط من خلال المحيط الجيوبوليتكي البعيد نسبيا، وذلك عبر تقديم قراءة لتقريرين:

التقرير الأول
بعنوان "الغاز الطبيعي ومستقبل الطاقة في إسرائيل"، وهو تقرير صادر عن "راند" بتاريخ 22 ديسمبر/ كانون أول 2009 وستقتصر القراءة له على ما يخدم المقاربة الأساسية. وتكمن أهمية التقرير في ناحيتين:

  • الأولى تتعلق بسياق الأحداث. فالتقرير يركّز على الغاز كعنصر أساسي في سياسة أمن الطاقة الإسرائيلية في المستقبل. ومن المعلوم أنّ توجه إسرائيل نحو الغاز كان قد خطا خطوات إستراتيجية تتضمن اكتشافات جديدة ومحاولة استيلائها أيضا على ثروة الغاز الفلسطينية الموجودة قبالة ساحل غزّة مرات عديدة لا سيما وأنّ شارون كان قد رفض شراء هذا الغاز من الفلسطينيين بحجة أنّ المياه الإقليمية قبالة غزة تابعة لإسرائيل. وعلى الرغم من أنّ الحكومات الإسرائيلية اللاحقة اضطرت بطريقة أو أخرى إلى شراء هذا الغاز إلاّ أنّ محاولات الاستيلاء عليه وعلى غيره من حقول الغاز الإقليمية لم تتوقف. إذ يرى لبنان أنّ جزءا من حقل "ماتان" البحري الضخم الذي اكتشفته إسرائيل مؤخرا قد يكون واقعا ضمن المياه الإقليمية اللبنانية، وبالتالي فاستخدام إسرائيل لهذه الاحتياطيات يعني سرقة حصة لبنان أيضا.
  • الثانية تتعلق بمضمون التقرير الذي يعدّ أول دراسة لـ"راند" مخصصة لموضوع إسرائيلي منذ 61 عاما. إذ من المعروف أنّ راند مؤسسة توجّه دراساتها إلى صانع القرار الأمريكي ويستفيد منها القطاعين العام والخاص. صحيح أنّه قد سبق لها وأن تناولت مواضيع تتصل بشكل أو بآخر بإسرائيل، لكنها لم تقم بتخصيص أي دراسة لموضوع إسرائيلي صرف كما فعلت في هذه الدراسة، ولعل الهدف من هذه الخطوة يكمن كما ترى العديد من الأوساط البحثية في رغبة "راند" بإنشاء برنامج بحثي خاص بإسرائيل والسياسات العامة الإسرائيلية بهدف خدمة صانع القرار الإسرائيلي ويتم تمويله مناصفة بين الحكومة والمتبرعين.

التقرير الثاني
يحمل عنوان "كازاخستان: شريك إسرائيل في أوراسيا"، وهو صادر عن "مركز القدس للشؤون العامة" الإسرائيلي عدد (سبتمبر/أيلول-أكتوبر/تشرين أول) ويحمل الرقم 573، وستتناول القراءة فقط ما يفسّر الطرح المتعلق بالبعد الجيوبوليتكي الإقليمي لأمن الطاقة الإسرائيلي. وتكمن أهمية التقرير في أنه:

  • تعتبر كازاخستان واحدة من دول آسيا الوسطى التي تشكل ساحة ملائمة لطموحات إسرائيل في اختراق الدائرة الإسلامية وتأمين حاجاتها الحيوية من الموارد الأولية والطاقة من هذه البلدان.

    يعطي فكرة واضحة عن مدى الأهمية التي توليها إسرائيل للمحيط الإقليمي ليس القريب فقط وإنما البعيد أيضا، وذلك ضمن الرؤية الإستراتيجية التي تصب في خانة حماية مصالح وأمن إسرائيل. وفي هذا الإطار تعتبر كازاخستان نموذجا جيدا يعكس المساعي الإسرائيلية لوضع خططها موضع التنفيذ.

  • يبيّن لنا الأدوات والوسائل التي تستخدمها إسرائيل في اختراق الدول الإسلامية خاصة مع تركيزها على وجود مصالح متبادلة ومشتركة تفتح لها آفاق جديدة وتؤمن لها خيارات بديلة وسياسات أكثر عملانية. وفي حالة أمن الطاقة الإسرائيلي، تعتبر كازاخستان واحدة من دول آسيا الوسطى التي تشكل ساحة ملائمة لطموحات إسرائيل في اختراق الدائرة الإسلامية وتأمين حاجاتها الحيوية من الموارد الأولية والطاقة من هذه البلدان.

وفيما يلي محاور القراءة للتقريرين الموزعة على قسمين:

القسم الأول: الغاز الطبيعي ومستقبل الطاقة في إسرائيل

المصادر المتاحة لتزويد إسرائيل بالغاز
المصادر الخارجية الأخرى المحتملة
بدائل استخدام الغاز الطبيعي
تعزيز أمن الطاقة في إسرائيل

مع اكتشاف إسرائيل للمزيد من احتياطيات الغاز، ازداد الاعتماد على هذا المصدر كخيار لتوليد الطاقة الكهربائية في البلاد. ومع ذلك، وعلى الرغم من أنّ الغاز كان قد ساهم في إنتاج 20% من الطاقة الكهربائية في إسرائيل العام 2007، إلاّ أنّ الاعتماد الأساسي للبلاد في هذا المجال يقع على الفحم الذي ينتج ما يزيد عن الـ60% من مجموع الطاقة الكهربائية في إسرائيل.

وفي الوقت الذي تعاني فيه الدولة من نسبة النمو العالية في الطلب على الطاقة الكهربائية مقابل محدودية زيادة الإنتاج في هذا المجال، تعاني إسرائيل من مشكلة خاصة أنها غير متّصلة بأي شبكة لتزويد الكهرباء في المنطقة، وهي بمثابة جزيرة معزولة من هذه الناحية عليها أن تعتمد على نفسها فقط.

ولأن إسرائيل تفتقر إلى احتياطيات الطاقة الأحفورية، وغير قادرة على استغلال النفط العربي لأسباب سياسية، فقد اعتمدت خلال الثلاث عقود الماضية بشكل كبير على الفحم لتوليد الكهرباء، لكن للفحم مشاكله التي أصبح بالمقدور حلّها مع الاكتشافات الكبيرة لاحتياطات الغاز الطبيعي وهو العنصر الجديد في أمن الطاقة الإسرائيلي، والذي قد ترتفع نسبة استخدامه إلى 40% بحلول العام 2020، مقابل انخفاض نسبة استخدام الفحم إلى 50% و10% للطاقة المتجددة.

المصادر المتاحة لتزويد إسرائيل بالغاز 

تمتلك إسرائيل عدد من المصادر المحتملة للتزود بالغاز الطبيعي، وكل منها يوفر فرصا معينة ويفرض تحديات أيضا في نفس الوقت، وتتضمن هذه المصادر الاحتياطات المحليّة البحرية، إضافة إلى الواردات عبر الأنابيب من الخارج (حاليا من مصر ولكن من المحتمل أن تتضمن أيضا دول من آسيا الوسطى ودول أخرى في الشرق الأوسط).

أولا: الاحتياطات المحليّة البحرية

  1. حقول (Yam Tethys): مقارنة بالإمكانات النفطية والفحمية التي تمتلكها، فإن لدى إسرائيل مخزون محلي تجاري مهم من الغاز الطبيعي. ففي العام 1999، تم اكتشاف كميات تجارية من الغاز الطبيعي في المياه قبالة الساحل الإسرائيلي، وقد أطلق على مشروع اكتشاف وتطوير هذه  الاحتياطات اسم (Yam Tethys)، وبات هذا المشروع الآن مصدر الإنتاج المحلي الكليّ الوحيد في إسرائيل، وهو يضم احتياطات تقدر بحوالي 32 مليار م3، ما يعني أنّ المتبقي من هذه الاحتياطيات حال بقاء معدلات الاستهلاك السنوية بحدود 5 مليار م3 وهو المعدّل المسجّل لنهاية العام 2008، يكفي إسرائيل لمدة 4 سنوات قادمة.
  2. تستطيع إسرائيل أن تتفاوض مع الموردين الأجانب بخلاف مصر لشراء وشحن الغاز الطبيعي عبر خط أنابيب لضمان عدم انقطاعه.

    الاحتياطات المحلية الجديدة في المياه العميقة: في ديسمبر/ كانون الثاني من العام 2009، تم اكتشاف احتياطات جديدة في امتياز "تامار" ضمن حقل "ماتان" الواقع في حقول في المياه الإقليمية الشمالية لإسرائيل بموازاة ميناء حيفا تقريبا، وهي أبعد عن الساحل الإسرائيلي من حقول (Yam Tethys) بحوالي 80 كلم وعلى عمق أكبر مع تقديرات أولية بان الاحتياطات الممكن استخراجها تتراوح بين 80 إلى 90 مليار م3 أي ثلاث أضعاف الكميات الموجودة في الحقول السابقة تقريبا. إضافة إلى ما توفره الكميات الأقل حجما المكتشفة حديثا في امتياز "داليت".

ثانيا: غاز غزة
اكتُشف الغاز على سواحل قطاع غزّة في نفس الفترة التي تم فيها اكتشاف أكبر مخزون للغاز الطبيعي في حقول (Yam Tethys) تقريبا. وتقدّر الاحتياطيات المكتشفة أمام ساحل قطاع غزة بحوالي 35 مليار م3 ، أي أكبر بقليل من حجم حقول (Yam Tethys)، علما أنّ حكومة يهودا باراك السابقة تركت الحقل تحت تصرف السلطة الوطنية الفلسطينية، على أن تكون إسرائيل من الزبائن المحتملين لشراء الغاز من هذا الحقل، علما أنّه لم يتم تطوير العمل فيه حتى يومنا هذا لأسباب عديدة من بينها عدم الاستقرار السياسي في غزة.

ثالثا: غاز شرق المتوسط
في بداية الثمانينيات، قامت الحكومة المصرية بمساعدة البنك الدولي بتطوير احتياطيات الغاز المصرية وذلك للاستهلاك المحلي والتصدير في نفس الوقت. وكانت إسرائيل بطبيعة الحال السوق الأكثر جاذبية وقربا لتسويق هذه المادة السلعة الصعبة النقل. ففي العام 2000، أُسست شركة غاز ونفط شرق المتوسط (EMG) كشركة مصرية بمشاركة إسرائيلية، وقامت هذه الشركة بإنشاء خط أنابيب من العريش في سيناء إلى ميناء عسقلان "أشكلون الإسرائيلي" وهو قادر على نقل 7 مليار م3 في السنة، وهي الكميّة القصوى التي صرّحت الشركة ومصر بأنها قادرة على تزويد إسرائيل بها حتى الآن.

في يوليو/تموز من العام 2005، قامت شركة الكهرباء الإسرائيلية (IEC) بالتوقيع على عقد مع (EMG) للحصول على 1.7 مليار م3 من الغاز الطبيعي لمدة 15 عاما مع إمكانية تمديدها لمدة 5 أعوام أخرى. وفي مايو/أيار من العام 2008، بدأ الغاز الطبيعي لشركة (EMG) المصرية يتدفق إلى محطات توليد الطاقة الإسرائيلية، وهو ما اعتبر مرحلة مهمة على طريق استبدال الفحم لتوليد الطاقة في إسرائيل بالغاز.

المصادر الخارجية الأخرى المحتملة 

تستطيع إسرائيل أن تتفاوض مع الموردين الأجانب بخلاف مصر لشراء وشحن الغاز الطبيعي عبر خط أنابيب لضمان عدم انقطاعه، لكنّ استيراد الغاز الطبيعي من خلال خطوط جديدة سيستلزم بناء خط أنابيب والتفاوض على اتفاقيات نقل مع الدول المتداخلة وتوقيع عقود توريد طويلة الأجل، وهناك العديد من الخيارات في هذا المجال أهمها:

أولا: الغاز الطبيعي من روسيا ووسط آسيا
لا شك أنّ شراء الغاز من واحدة أو أكثر من دول الاتحاد السوفيتي السابق سيكون خيارا متاحا (أذربيجان، كازاخستان، روسيا، تركمانستان وأوزبكستان). أما خطوط نقل هذا الغاز فستتم عبر خطوط موجودة أو أوجدت حديثا كالخط التركي لميناء جيهان في شرقي المتوسط، ومنه سيتم ضخ الغاز إلى إسرائيل عبر خط جديد يلتف على سوريا ولبنان نظرا للعلاقات السياسية المضطربة بين إسرائيل وجيرانها في الشمال، ويكون على الأرجح عبر الماء مع منفذ على حيفا.

ثانيا: الغاز الطبيعي من الخليج
قد تتمكن إسرائيل من شراء الغاز من قطر والعراق بخطوط أنابيب تمتد عبر الأردن في حالة العراق وعبر السعودية في الحالة الأخرى، خاصة أنّ كل من قطر التي تحتل المرتبة الثالثة عالميا في الاحتياطات المؤكّدة من هذه السلعة، والعراق تمتلكان مخزونا ضخما من الغاز الطبيعي. وعلى الرغم من أنّ إنشاء خطوط نقل وتوزيع من هاتين الدولتين سيكون أقل كلفة وأكثر فاعلية بالنسبة لإسرائيل من إنشاء خطوط نقل عبر البحر، إلا أنّ هذا الوضع يحتاج إلى تحقيق نقلات نوعية في الأوضاع السياسية. فقطر والعراق عضوان في جامعة الدول العربية وهما داعمان أيضا للفلسطينيين في نزاعهم مع إسرائيل، ومع ذلك، فقد كانت هناك اقتراحات غير رسمية سابقا بإمكانية استعداد قطر للنظر في إمكانية بيع الغاز الطبيعي لإسرائيل. لكن ولإنشاء خط أنابيب عبر السعودية، سيكون على إسرائيل التوصل إلى حل رسمي للمواضيع العالقة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.

بدائل استخدام الغاز الطبيعي 

أولا: الفحم

من الواجب على إسرائيل التفكير والتحضير للاستثمار في محطة للغاز المسال بسبب التكاليف العالية وأيضا المخاوف من القدرة على اختراق أمن الطاقة.

كما العديد من دول العالم، تعتبر إسرائيل الفحم المصدر الأقل كلفة والأكثر إغراء لتوليد الكهرباء. فالفحم من أرخص أنواع الوقود الأحفوري، وهو موجود بوفرة وسهل النقل والتخزين. ولأن احتياطات الفحم موجودة في كل مكان، فباستطاعة إسرائيل شراؤه من العديد من الدول، ولأن عدد المورّدين كبير أيضا، فمن غير المتوقع انقطاع أو تعثّر الإمدادات لفترات طويلة.

وقد شجعت هذه الخصائص المخططين في الحكومة الإسرائيلية على توظيف هذا المورد في محطات توليد الطاقة العاملة على الفحم الحجري، بحيث لا تقل هذه المحطات عن 50% من إجمالي محطات توليد الكهرباء في البلاد.

وعلى الرغم من أنّ الفحم رخيص نسبيا، فإنّ تكلفة بناء محطات توليد الطاقة العاملة عليه إضافة إلى التكاليف الاجتماعية الناجمة عن استخدامها، فان أفضلية السعر المنخفض هنا تصبح غير ذات جدوى، كما أنّ استخدام الكهرباء المنتجة عن طريق محطات توليد الطاقة العاملة بالفحم في القطاع التصنيعي الإسرائيلي، قد يضر بتنافسية هذا القطاع في الخارج نظرا لالتزام إسرائيل بتطبيق اتفاقية "كيوتو" مع إمكانية أن تتخلى الدول المستوردة لمنتجاتها عن هذه السلع إذا ما كانت مصنّعة باستخدام الكهرباء المنتجة باستخدام الفحم.

ثانيا: المازوت والديزل
ويعتبر كل من المازوت والديزل البديل الأساسي للفحم في حال الحمل القليل على الشبكة فيما يتعلّق بالأول، والحمل الكبير أو الذروة فيما يتعلّق بالثاني. لكن صناع القرار الإسرائيليين قاموا بالتخلي التدريجي عن المازوت والديزل في السنوات القليلة الماضية، ذلك أنّ الغاز أصبح متوفرا للاستعمال وهو عملي بشكل أكبر من المازوت، وأرخص بكثير من الديزل خاصة أن الأسعار العالية التي وصلت إليها سوق النفط العالمية في العام 2008 جعلت من الديزل خيارا غير محبّذ.

ثالثا: الطاقة الشمسية-الحرارية
تستخدم محطات توليد الطاقة الشمسية-الحرارية ضوء الشمس لتوليد البخار الذي يقوم بتحريك توربينات الطاقة. وتعتمد كميات الطاقة التي تنتجها هذه المحطات اعتمادا كبيرا على طول وقصر اليوم وزاوية الشمس وعلى غطاء السحاب، لكنّ بعض محطات توليد الطاقة الشمسية-الحرارية قادرة على تخزين الطاقة لمدة تصل إلى 6 ساعات.

ولأن أشعة الشمس متوفرة ولكن بشكل متقطع إضافة إلى أنّ الاستثمار في هكذا محطات مكلف إلى حد ما، فإن محطات توليد الطاقة الشمسية-الحرارية لا تزال غير تنافسية لإسرائيل من الناحية التجارية مقارنة بمصادر إنتاج الكهرباء الأخرى.

وتمتلك إسرائيل حاليا محطة صغيرة لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية-الحرارية في مدينة "إيلات" على البحر الأحمر بقدرة 100 كيلو وات. كما وقدّمت عطاءات لبناء محطات من نفس النوع بقدرة 250 ميغا وات في صحراء النقب بغرض تقييم التكنولوجيا المستعملة في هذه المحطات لإنتاج الكهرباء، وإذا ما أثبتت النتائج أنها ذات جدوى، فإن إسرائيل قد تطور قدرة المحطات إلى 4 آلاف ميغا وات بحلول العام 2030، مع طرح بعض الأرقام المتحفظة من 800 إلى 2500 ميغا وات.

وتزوّد صحراء النقب المشروع بمكان ممتاز وملائم جدا، وعلى عكس محطات ومنافذ الغاز الطبيعي المسال، فإنها ستكون آمنة نسبيا فيما يخص إمكانية التعرض لأي هجوم عسكري مباشر، لأنها ستكون منتشرة على مساحة شاسعة وموزعة على عدد من المواقع. ونقطة الضعف الوحيدة في هكذا مشروع ستتمثل بخطوط النقل والتوزيع التي سيكون عليها نقل الطاقة من الجنوب إلى الساحل والمناطق الشمالية من البلاد حيث الأغلبية السكانية.

وتتطلب محطات الطاقة الشمسية-الحرارية مساحات شاسعة من الأماكن، وباستثناء صحراء النقب لا توجد أماكن أخرى أكثر ملائمة، خاصة فيما يتعلق بتوفير متطلبات الحماية الطبيعية وتلك التي تعود لأغراض عسكرية.

تعزيز أمن الطاقة في إسرائيل 

يواجه صانع القرار الإسرائيلي -وفقا للتقرير- العديد من التحديات والقيود التي خلال عملية صنع القرار المستقبلي وعدم اليقين المرتبط بها بخصوص التخطيط للبنية التحتية للطاقة في البلاد وكذلك تحديد العناصر الضرورية لإنجاح الخطة فيما يتعلق باعتماد الغاز الطبيعي  لتعزيز القدرة على تحقيق مخرجات ناجحة تحت مختلف السيناريوهات المستقبلية المقترحة.

وتكمن أهمية النتائج التي تمّ التوصل إليها في تبيان السبل الأكثر تحقيق للفائدة للمخططين الاسرائيليين ومنها:

  • لدى إسرائيل ودول آسيا الوسطى الغنية بالموارد الطبيعية أولويات جيوبوليتيكية مشابهة فيما يتعلق بمواجهة الإرهاب والراديكالية الإسلامية والتكامل الاقتصادي.

    الحد من النمو في الطلب على الكهرباء يعتبر خط الدفاع الأول لأمن الطاقة الإسرائيلي، وليس هناك من عنصر مؤثر في مخرجات السيناريوهات المستقبلية بقدر انخفاض النمو في الطلب على الكهرباء.

  • قد تستثمر إسرائيل في الدورة المركبة للغاز الطبيعي في المقام الأول على اعتبار أنّ الإمدادات الكافية من شانها ضمان عمل المحطات التي تعتمد الغاز الطبيعي.
  • يجب على إسرائيل أن تستمر في استلام الكميات المتعاقد عليها من قبل الجهة الخارجية التي تقوم بتزويدها، والنظر أيضا بعقود جديدة إذا كانت بأسعار تنافسية لكي لا ترتهن لمزوّد واحد يؤثر على أمن الطاقة لديها.
  • من الواجب على إسرائيل التفكير والتحضير للاستثمار في محطة للغاز المسال بسبب التكاليف العالية وأيضا المخاوف من القدرة على اختراق أمن الطاقة.
  • تحتاج إسرائيل إلى أن تحافظ على خليط متنوع من الوقود لتوليد الطاقة الكهربائية وذلك لتقليل المخاطر المتعلقة بالإمدادات وأيضا تلك المتعلقة بالتكلفة، كما ويجب على إسرائيل الاستثمار في محطات توليد الطاقة العاملة على الطاقة الشمسية- الحرارية.
    • بسبب ارتفاع تكاليف الخيار المتاح المتعلق بتخزين الغاز الطبيعي، على إسرائيل حماية نفسها من الاضطرابات التي من الممكن أن تحصل في إمدادات الغاز إليها وذلك عبر تخزين كميات كافية من الديزل لتسهيل فترة المرور في أية اضطرابات نتيجة نقص في الإمدادات.
    • على إسرائيل أن تقوم أيضا ببناء شبكة أنابيب داخلية ذات ضغط عالي لتوزيع الغاز بموازاة الخط البحري الموجود.

القسم الثاني: كازاخستان: شريك إسرائيل في أوراسيا

أهمية كازاخستان بالنسبة لإسرائيل
عناصر النفاذ إلى كازاخستان
الأبعاد الجيوبوليتيكية للعلاقة مع كازاخستان

أهمية كازاخستان بالنسبة لإسرائيل 

في يونيو/حزيران 2009، قام الرئيس الإسرائيلي "شمعون بيريس" بزيارة إلى كازاخستان لم تكن الأولى من نوعها، إذ سبق له وأن زارها عدة مرات عندما كان وزيرا للخارجية ونائبا لرئيس الوزراء.

قد أثبتت هذه الزيارات أنها استثمار طويل الأجل في المكان المناسب من العالم. فكازاخستان دولة كبيرة المساحة وهي ذات أغلبية إسلامية وتوجهاتها علمانية كما أنها غنية بالمواد الأولية ولا سيما مصادر الطاقة شأنها شأن دول آسيا الوسطى كأذربيجان وأوزباكستان وتركمانستان.

وعلى الرغم من أنّ إسرائيل تعاني من مشاكل عديدة غالبا في علاقاتها مع الدول الإسلامية، إلاّ أنّ النموذج المتّبع في دول آسيا الوسطى يعطي انطباعا مريحا ويعتبر محل ترحيب من قبل الدولة اليهودية ويلقى دعمها. وقد تشكّل هذه الدول جسرا لإسرائيل إلى العالم الإسلامي.

فكازاخستان كدولة علمانية لديها علاقات مثالية ليست دينية ولا أيديولوجية مع كل من إيران وماليزيا وغيرهم من الدول الإسلامية، وقد يفيد ذلك إسرائيل بطريقة ما. فقد سبق للرئيس "نور سلطان نازرباييف" على سبيل المثال أن ناشد في مناسبة معيّنة الإيرانيين في مساع حميدة لتقديم معلومات عن المفقودين من الجنود الإسرائيليين، كما دعا إيران للتخلي عن الطموح النووي مثلما فعلت كازاخستان في العام 1994.

ومنذ العام 1992، تستضيف كازاخستان مؤتمر "التفاعل وإجراءات بناء الثقة في آسيا" (CICA)، وهو التجمّع الإقليمي الوحيد الذي يحضره الإيرانيون والإسرائيليون سويّا، وهو عنصر مهم توفره كازاخستان أيضا.

لكنّ الأهم من كل ذلك أنّ لدى إسرائيل ودول آسيا الوسطى الغنية بالموارد الطبيعية أولويات جيوبوليتيكية مشابهة فيما يتعلق بمواجهة الإرهاب والراديكالية الإسلامية والتكامل الاقتصادي. وعلى الرغم من أنّ الاستثمارات الكازاخستانية في إسرائيل قليلة جدا، إلاّ أنّ هناك 52 شركة إسرائيلية عاملة في كازاخستان اليوم. وتستطيع إسرائيل في هذا الإطار أن تقدّم لكازاخستان ولدول آسيا الوسطى التكنولوجيا العالية والمساعدات العسكرية والتكنولوجيا الزراعية المتقدّمة وأحدث العلوم الطبيّة إضافة إلى الفرص التعليمية، مقابل الاستفادة من الموارد الطبيعية والأولية لدى دول آسيا الوسطى وكازاخستان الغنية بها، فالمصالح المشتركة في العلاقات الدولية تشكل رابطا يعزز العلاقات الثنائية بقوّة.

عناصر النفاذ إلى كازاخستان 

اعتمدت كازاخستان منذ التسعينيات سياسة خارجية متعددة الاتجاهات لمراعاة المصالح المختلفة للقوى الكبرى (مع روسيا والصين والولايات المتحدة وأوروبا، ومن ثم دول أقل قوة كإيران وتركيا والهند وباكستان) والاستفادة منهم بشكل يضمن تأمين مصالح الدولة كأولوية بدلا من الدخول في محاور تضعف من قدرة البلاد على التحكم بمصالحها وتسمح لأحد اللاعبين بالهيمنة الكلية على آسيا الوسطى.

وقد استفادت إسرائيل من هذه السياسة وحاولت مد الجسور مع كازاخستان مستفيدة من عدد من العوامل التي سهّلت لها تحقيق مثل هذه الشراكة المهمة مع كازاخستان ومنها:

أولا: الاهتمام بتطوير الاقتصاد كأولوية

ويبلغ تعداد المجتمع اليهودي في كازاخستان أكثر من 10 آلاف نسمة ويتمتعون بحقوقهم في ظل السياسية الواضحة لحماية الحقوق الدينية بما يحقّق المزيد من الاستقرار في البلاد.

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي إثر هزيمته في أفغانستان عام 1989، نالت دول آسيا الوسطى استقلالها في العام 1992، وكان على الدول المستقلة حديثا أن تأخذ على عاتقها الدفاع عن نفسها وإعادة بناء اقتصادياتها وتامين الاستثمارات اللازمة لها وبناء خطوط الأنابيب التي تسمح لها بتصدير ثروتها من النفط والوصول إلى الأسواق العالمية.

وفي تلك المرحلة أيضا، قامت القيادة في كازاخستان باتخاذ قرارات رئيسية فيما يتعلق بالمؤسسات السياسية والاقتصادية في البلاد. وعندما كانت الدولة تمر في مرحلة انتقالية نحو الديمقراطية واقتصاد السوق ولسياسة الخارجية المنفتحة والمتعددة الأطراف، تبين أنّ الأولوية في إطار بناء الدولة تكمن في تحقيق أمن قومي قوي، واقتصاد سوق قوي أيضا في ظل استقرار سياسي. وقد اتّبع الرئيس "نازاربييف" توجها يقول "الاقتصاد أولا والسياسة ثانيا" في خطوة لنقل اقتصاد البلاد من التخطيط المركزي إلى اقتصاد السوق. وقد أظهرت استطلاعات الرأي في حينه "أنّ 4 إلى 5% فقط من السكان كانوا يرون ضرورة دعم العملية الديمقراطية كأولوية في حين أيدّ أكثر من 60% من الشعب تحقيق الحياة المستقرة والسلام والأمن الشخصي".

ثانيا: وجود أقليّة يهودية
يعتبر الشعب الكزخستاني متعدد الأعراق لكنّه في نفس الوقت يضمّ غالبية إسلامية سنيّة 47%، ومن ثمّ مسيحية أرثوذوكسية 44% والبروتستنتيّة 2%. ولتسهيل التواصل مع النخب الإثنية في البلاد، قام الرئيس الكازاخستاني في العام 1992 بتأسيس جمعية شعوب كازاخستان (APK) وهي رابطة فريدة من نوعها وتضم ممثلين عن مختلف الأعراق في البلاد (الأوكرانية واليهودية والشيشانية والتتارية والأوزبكية وغيرها)، كما وتضم مستشارين يساعدون الرئيس في رسم سياسته الخاصة بالتعامل مع أبناء العرقيات المختلفة واتخاذ قراراته في ها المجال، وتسعى تلك الجمعية جاهدة للترويج لأفكار الوحدة والحفاظ على علاقات الصداقة والوفاق الدولي والحفاظ على حقيق الأقليات أيضا.

ويبلغ تعداد المجتمع اليهودي في كازاخستان أكثر من 10 آلاف نسمة ويتمتعون بحقوقهم في ظل السياسية الواضحة لحماية الحقوق الدينية بما يحقّق المزيد من الاستقرار في البلاد، وبما يتناسب مع الدور الذي لعبته كازاخستان في عقد العديد من المؤتمرات الخاصة بالحوار بين أبناء الديانات المختلفة، حيث تحولت مقصداً لتعزيز ثقافة حرية الأديان والتسامح والاحترام.

ثالثا: محاربة الإرهاب
لإسرائيل ودول الاتحاد السوفيتي السابقة أولويات جيوبوليتيكية متشابهة فيما يتعلق -بما تسميه- محاربة الإرهاب والإسلام "الراديكالي". وقد شكّلت "الراديكالية الإسلامية" والإسلام السياسي هاجسا للسلطة في كازاخستان خاصة عند الاستقلال وفي المرحلة الانتقالية. وتميّزت هذه المجموعات بأنها كانت ناشطة في آسيا الوسطى حتى قبل انهيار الاتحاد السوفيتي، وقد ساعد انهيار الأخير على ازدياد قوتها مع تدفقهم عبر الحدود المتصلة للدول المستقلة.

وللتخفيف من تهديد "المتشددين"، قامت السلطات الكازاخستانية بممارسة رقابة صارمة على العناصر الإسلامية "المتشددة". وبين عامي 2004 و2005، قامت المحكمة العليا الكازاخستانية بوضع لائحة بـ11 مجموعة "متشددة" دولية تضم القاعدة وحزب التحرير وطالبان وجماعة المجاهدين في آسيا الوسطى كمجموعات إرهابية، ويتركز الجهد الحكومي في مكافحة الإرهاب سياسيا وأيديولوجيا وقانونيا.

رابعا: الاهتمام بتطوير التعليم والمعرفة
لإسرائيل اهتمام كبير في تدريب النخب الكازاخستانية وتوفير التعليم العالي المناسب لهم، خاصّة أنّ الحكومة الكازاخستانية تستثمر بشكل كبير في التعليم الذي بلغت المخصصات المرصودة له من العائدات النفطية الكبيرة في العام 2006 حوالي 2.5 مليار دولار، وذلك لتفعيل نظام التعليم في البلاد وتطوير تدريب موظفين بمستوى رفيع في الخارج لضمان الاحتراف والتخصص والاستفادة من الجودة الموجودة في التعليم في البلدان الأجنبية للمساعدة على تحيق اقتصاد السوق الحديث في البلاد.

كما تقوم الحكومة هناك عبر برنامج تدريبي أكاديمي عالمي بتوفير منح للتعلم في الجامعات الأجنبية المتميزة في بريطانيا وأمريكا وغيرها من الدول مع ضمان وتأمين عمل لأولئك الذين يتخرجون منها وذلك لمنع هجرة الأدمغة واستغلال قدراتهم في المكان المناسب.

الأبعاد الجيوبوليتيكية للعلاقة مع كازاخستان 

بما أنّ إسرائيل تعتمد بشكل كامل على النفط المستورد، فإن أولويات سياسة أمن الطاقة الإسرائيلية تنويع مصادر تزويدها بالطاقة.

لا تمنع العلاقة الوثيقة التي تربط إسرائيل وأمريكا بأن يكون لدى الأولى مصالحها الخاصة في آسيا الوسطى خاصة أنّها تتمتع بمجموعة من العناصر والمؤهلات الجذّابة والمؤاتية لمجموعة الدول المستقلة في آسيا الوسطى والتي تفيدها جدا في المجال التكنولوجي والأمني والزراعي والعلمي والتعليمي، خاصة أنّ دول آسيا الوسطى ومنهم كازاخستان، تبحث بشكل دام عن تنويع شراكاتها الجيوبوليتيكية في مختلف الاتجاهات والتوجهات.

وعلاوة على ذلك، تعتبر إسرائيل فريدة من ناحية التركيبة الاجتماعية التي تضم العديد من المهاجرين الذين لا يزالوا يحتفظون بروابط مع مجتمعاتهم اليهودية والنخب والتجار والمؤسسات التجارية في بلدانهم الأصلية، وهو الأمر الذي يشكّل رأس مال استراتيجي لإسرائيل من شانه أن يهدر ويضيع إذا لم يتم استثماره واستغلاله.

فعبر تطوير علاقاتها مع كازاخستان ودول أوراسيا بشكل عام، تستطيع إسرائيل أن تمدّ نفوذها ودورها في "اللعبة الكبرى" التي تشارك فيها العديد من الدول الكبرى في تلك المنطقة ومنها روسيا والصين والولايات المتّحدة وأوروبا. وبما أنّ إسرائيل تعتمد بشكل كامل على النفط المستورد، فإن أولويات سياسة أمن الطاقة الإسرائيلية تنويع مصادر تزويدها بالطاقة. صحيح أنّ إسرائيل تستورد من مصر القريبة، لكنها تستورد أيضا من كازاخستان وأذربيجان ومن روسيا، وسيكون باستطاعتها في المستقبل التزود بالطاقة عبر خطوط الأنابيب من بحر قزوين أو عبر ناقلات بشكل يسمح بتخطّي السيطرة الروسية على الطاقة.

وكخلاصة، فإن للشراكة مع كازاخستان طابع خاص جدا بالنسبة لإسرائيل وذلك لعدد من المعطيات التي تمثّلها الأولى خاصة فيما يتعلق بالموارد الطبيعية الضخمة ولاسيما موارد الطاقة والنفط بالإضافة إلى قربها من الأسواق الروسية والصينية ولأسواق آسيا الوسطى، إضافة إلى المجالات الواسعة للتعاون الثنائي الذي من المتوقع أن ينمو ويزداد متانة مع مرور السنوات والعقود المقبلة وفي مختلف المجالات لما فيه مصلحة إسرائيل والحفاظ على أمنها وتعزيز سياسة أمن الطاقة لديها.