شهدت إسرائيل في الآونة الأخيرة حركة احتجاج جماهيرية غير مسبوقة في تاريخها، تطالب بإحداث تغيير جذري في سلم الأولويات الذي يوجه سياسات حكومة نتنياهو تجاه الجمهور الإسرائيلي، والمسارعة في حل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يرزح تحت أعبائها الإسرائيليون، لاسيما ارتفاع الأسعار وزيادة عبء الضرائب، مقابل تدني قيمة الأجور. وقد استوحت هذه الحركة شعاراتها من وحي ثورات التحول الديمقراطي التي تجتاح العالم العربي؛ حيث رفعت شعار: "الشعب يريد تحقيق عدالة اجتماعية".
وعلى الرغم من أن هذه الاحتجاجات -التي بات يُطلَق عليها "ثورة الخيام"– قد بدت –لأول وهلة- كاحتجاجات مطلبية ذات خلفية اقتصادية اجتماعية، إلا أن تحليل الجدل الداخلي المحتدم حولها يدلل بشكل لا يقبل التأويل على أن هناك احتمالا أن تؤثر على الواقع السياسي الإسرائيلي الداخلي، وعلى الصراع مع العرب، وتحديدا مع الفلسطينيين، وذلك في حال توفرت الظروف الداخلية والإقليمية التي تسمح لهذه الاحتجاجات باستنفاد طاقتها.
وسنعرض هنا لجذور "ثورة الخيام" ودلالاتها، وتقييم فرص نجاحها وتداعياتها على الصعيد الداخلي وعلى صعيد الصراع مع الفلسطينيين.
اليأس من اقتصاديات السوق
لقد كان بنيامين نتنياهو السياسي الذي اشتُهِر بحماسه الشديد لاقتصاديات السوق والخصخصة؛ فكوزير للمالية في حكومة شارون عام 2003، قاد نتنياهو قطار الخصخصة، مستندًا إلى مقولة أصبحت منطلقًا تأسيسيًا لفهم أيديولوجيته الاقتصادية الاجتماعية؛ حيث قال: "إن الرجل النحيف ( يقصد القطاع الخاص ) يحمل على ظهره الرجل السمين (القطاع العام)؛ لذا يتوجب على الرجل السمين المرور بنظام حمية لخفض وزنه عبر الخصخصة"(1). وعندما عاد للحكم كرئيس للوزراء عام 2009 حرص نتنياهو على نقل الإشراف على الكثير من الخدمات التي يقدمها القطاع العام الحكومي، مثل: الصحة والتعليم والرفاه الاجتماعي إلى إدارة القطاع الخاص، وهو ما أدى إلى فصل الكثير من العمال من جهة، وإلى تقليص حاد في الأجور، وفي ذات الوقت تم تقليص الضرائب التي تُفرض على شركات القطاع الخاص؛ فقد قامت أيديولوجية نتنياهو الاقتصادية على افتراض مفاده أن تقديم التسهيلات للمستثمرين سيفضي إلى المزيد من فرص العمل، وسيدرّ المزيد من عوائد الضرائب على خزانة الدولة، وسيفضي إلى تعاظم التنافس بين المرافق الاقتصادية المختلفة.
لكن نتنياهو في المقابل تجاهل حقيقة أن الاعتبارات التي تحرك رؤوس الأموال لا تتطابق في كثير من الأحيان مع مصالح الجمهور؛ حيث إن رؤوس الأموال معنية بتحقيق أكبر قدر من الأرباح، وهذا سيدفعها إلى تقليص عدد الموظفين والعمال الذين كان يعملون في مؤسسات القطاع العام قبل تحويلها لسيطرة القطاع الخاص، علاوة على أن أرباب مؤسسات القطاع الخاص قد لجأوا إلى خفض قيمة الأجر الشهري لتحقيق ذات الهدف. وبخلاف ما كان ينظر له نتنياهو، فقد أسفرت عمليات الخصخصة عن احتكار المرافق الاقتصادية المهمة في الكيان الصهيوني من قبل عدد من الشركات الكبرى، التي سيطرت على بعضها عائلات ثرية، وهكذا لم تفض عملية الخصخصة إلى التنافس، بل إلى تحكم مجموعة محدودة من رؤوس الأموال في المرافق الاقتصادية؛ مما أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير، لاسيما أسعار الشقق السكنية والمواد الغذائية والوقود.
ومما لا شك فيه أن قطاع العقارات كان الأكثر تضررًا من سياسات نتنياهو الاقتصادية؛ حيث إن أهم الأسباب وراء ذلك كان الارتفاع الشديد في أسعار الأراضي؛ فعلى الرغم من أن معدل دخل الفرد السنوي في إسرائيل يبلغ 19 ألف دولار، إلا أن معظم الشباب الإسرائيلي العامل والحاصل على مؤهلات علمية مرموقة لم يعد قادرًا على شراء شقة سكنية؛ حيث بلغ متوسط سعر الشقة السكنية 300 ألف دولار (2). ومع أن حكومة نتنياهو واصلت إغداق التسهيلات على المستثمرين، وفي الوقت الذي ارتفعت فيه الأسعار بشكل كبير، فإن الحكومة قلصت دعمها للسلع، وبالتالي قلصت من قدرة الجمهور الإسرائيلي على مواجهة ارتفاع الأسعار، حيث إن حكومة نتنياهو قلصت الموازنة التي اعتمدتها الحكومات السابقة لمساعدة الأزواج الشباب على شراء شقق سكنية إلى حوالي ربع قيمتها. وهذا ما جعل الصحافي الإسرائيلي نداف إيال يقول: إن العامل في إسرائيل يحتاج عمليًا إلى 129 راتب في الشهر حتى يتمكن من شراء شقة سكنية.
تمرد الطبقة الوسطى
إن الدلالة الأبرز لحركة الاحتجاجات الواسعة التي تجتاح إسرائيل حاليًا تتمثل في رفض الطبقة الوسطى تحديدًا، مواصلة اللامبالاة تجاه السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تنتهجها حكومة نتنياهو؛ حيث إن الأغلبية الساحقة من المشاركين في هذه الاحتجاجات يُصنَّفون ضمن المنتمين لهذه الطبقة. وقد رفعت النخب التي نظمت هذه الاحتجاجات جملة من المطالب لحكومة نتنياهو، واعتبرت أن وقف هذه الاحتجاجات منوط بالاستجابة لها. وتتمثل المطالب في التالي:(3)
1. إعادة النظر في جدول الأولويات الوطنية بشكل كامل، وإعادة بلورته على أسس جديدة.
2. إلغاء تدريجي للضرائب غير المباشرة، واستثمار الفائض من جباية الضرائب في توفير الخدمات للجمهور.
3. توفير سكن في ظروف معقولة، ومسؤولية الدولة عن توفير شقق سكنية في جميع أرجاء إسرائيل.
4. رفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 50%.
5. تشديد الرقابة على تطبيق القوانين المتعلقة بظروف العمل.
6. تطبيق سن قانون التعليم المجاني من سن ثلاثة شهور، وتقليص عدد الطلاب في الصف الواحد ليبلغ 21.4 طالب في الصف الواحد.
كما طالب قادة الاحتجاجات بمراجعة شاملة للسياسات الاقتصادية والاجتماعية، لاسيما الخصصة والإصلاحات الهيكلية التي تمت خلال العقدين الماضيين؛ حيث إنهم يرون أن الخصخصة والإصلاحات الهيكلية لم تخدم الجمهور الإسرائيلي، بل خدمت بالأساس مجموعة محدودة من رؤوس الأموال فقط.
وقد حاولت النخب التي أشرفت على تنظيم الاحتجاجات إيصال رسالة للنخب السياسية الحاكمة مفادها أن عدم الاستجابة لهذه المطالب قد يدفع المحتجين للشروع في عصيان مدني تدريجي. وهناك من قادة الاحتجاجات من حذّر القيادة الإسرائيلية بأنه في حال لم يتم الاستجابة لهذه المطالب، فإنه ستتم دعوة أبناء الطبقة الوسطى لمغادرة إسرائيل. وقد عبّر عن ذلك بشكل واضح وصريح، الممثل والمخرج المسرحي الشاب يوني جيبع، أحد قادة الحركة الاحتجاجية، عندما قال: إن الشباب الإسرائيلي بات يفكر بجدية بالهجرة إلى مكان: "يمكِّن الراتب الشهري فيه من استئجار شقة سكنية وشراء الغذاء بثمن معقول، ويمكن فيه التمتع بمواصلات عامة ذات ظروف جيدة"(4).
الاحتجاجات وأزمة اليمين الإسرائيلي
إن أحد أهم تداعيات الحركة الاحتجاجية غير المسبوقة التي تجتاح إسرائيل تتمثل في أنها دفعت بالمشروع الاستيطاني الذي أقامته إسرائيل فوق الأراضي العربية التي احتُلّت عام 1967 إلى قلب الجدل الجماهيري الإسرائيلي؛ حيث إن قادة الاحتجاجات ومناصريهم من النخب قد شددوا على حقيقة أن حكومة نتنياهو اليمينية تتخلى عن أبناء الطبقة الوسطى ولا تسارع لمد يد العون لهم لكي يتمكنوا من الحصول على سكن ملائم، وفي الوقت الذي تتوسع هذه الحكومة في فرض الضرائب المباشرة وغير المباشرة عليهم، فإنها -وبدوافع أيديولوجية صرفة- تغدق الموازنات الضخمة على المستوطنات التي أقيمت في الضفة الغربية والقدس والجولان المحتل. واستنادًا إلى ذلك، فإنهم يرون أنه لا يمكن التسليم بهذا الواقع ويطالبون بإعادة صياغة جدول الأولويات "الوطني" على أسس جديدة؛ بحيث تعتمد الحكومة قائمة أفضليات مختلفة تمامًا. لقد عاد الكثيرون إلى لغة الأرقام ليذكِّروا بحقيقة أن سلم الأوليات "الوطني" يستند إلى معايير غير منطقية، بفعل حماس اليمين الحاكم للمشروع الاستيطاني، مما جعله مستعدًا لغض الطرف عن معاناة القطاعات الجماهيرية التي تعاني بسبب الكلفة الباهظة للمشروع الاستيطاني؛ فقد بلغت الكلفة المدنية والعسكرية الإجمالية للاحتفاظ بالمستوطنات 1.5 مليار دولار سنويًا؛ مما جعل الكثيرين يتساءلون: لماذا ترهق الدولة الجمهور الإسرائيلي بعبء الضرائب لتمويل البناء في المستوطنات.
وهناك من يشير إلى حقيقة أن وجود المستوطنات يطيل أمد الصراع مع العرب؛ مما يعني زيادة نفقات الأمن على حساب الموازنات التي كان يتوجب أن تخصص للخدمات المدنية، مثل التعليم والصحة والرفاه الاجتماعي؛ فمنذ اندلاع انتفاضة الأقصى أواخر سبتمبر/أيلول عام 2000، بلغت قيمة المبالغ التي أضيفت إلى موازنة الأمن فقط لتأمين المستوطنات 13.5 مليار دولار(5)؛ وهذا ما دفع عالم الاجتماع الإسرائيلي شلومو سبيريتسكي، أحد منظِّري حركة الاحتجاج، للقول: إن إهدار الدولة الموازنات الضخمة على بناء المستوطنات في الوقت الذي لا تتحرك لمساعدة المجموعات السكانية الأخرى جعلها تعاني عمليًا من "انفصام في الشخصية". ومن الواضح أن اليمين الإسرائيلي بشقيه المتدين والعلماني هو أكبر الخاسرين من حركة الاحتجاج، على اعتبار أنه التيار السياسي الأكثر التصاقًا بالمشروع الاستيطاني والأشد تحمسًا له، وهو بالتالي بات في حالة دفاع عن النفس، خشية أن تؤثر الاحتجاجات على نتائج الانتخابات التشريعية العامة المقبلة. إن الذي يدلل أكثر من أي شيئ آخر على أن الاحتجاجات تكشف أزمة اليمين، حقيقة أن الطرف الوحيد الذي تجرأ على إعلان تأييده غير المتحفظ لنتنياهو كان ما يعرف بــ"مجلس حاخامات الضفة الغربية"، وهو الإطار الذي يضم أكثر الحاخامات تطرفًا وعنصرية (6).
يدرك نتنياهو أن صعود اليمين بزعامته للحكم عام 1996 جاء تحديدًا بسبب انقلاب واضح في توجهات الطبقة الوسطى في إسرائيل. وقد دلَّلت دراسة أجراها "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية " على أن معظم المنتمين للطبقة الوسطى في ذلك الوقت تحولوا من تأييد حزب العمل إلى تأييد الليكود، من هنا فإن نتنياهو يعي خطورة التداعيات التي يمكن أن تسفر عن حركة الاحتجاجات التي تنظمها الطبقة الوسطى تحديدًا ضد سياسات حكومته؛ فالجهة التي قادته للحكم، هي التي تقدم ضده حاليًا لائحة اتهام طويلة(7).
لقد اتبع نتنياهو في دفاعه عن نفسه تكتيكين واضحين، فمن ناحية أبدى تفهمًا لمطالب المحتجين وشرع في الاستجابة لبعضها؛ فقد أخذ يوزع الهبات على منظمات مهنية لم تشارك بعد في الاحتجاجات لإقناعها بعدم الانضمام لحركة الاحتجاج، وأصدر تعليمات لتشكيل لجنة من الخبراء لإعادة النظر في سلم الأولويات "الوطني"، لكن في المقابل، هاجم النخب التي تنظم الاحتجاجات واتهمها بأنها "فوضوية يسارية، تحركها دوافع سياسية ضيقة، بهدف إسقاط حكومة منتخبة". وحاول منظرو اليمين -بشكل يائس- توظيف الاحتجاجات للترويج لأيديولوجيتهم؛ حيث زعموا أن مشكلة السكن يمكن حلها عبر البناء بشكل مكثف في المستوطنات المقامة في الضفة الغربية والقدس والجولان، على اعتبار أن أسعار الأراضي هناك رخيصة مقارنة بأسعار الأراضي وسط إسرائيل.
مستقبل الحركة الاحتجاجية
هناك العديد من العوامل التي تمثل مصدر قوة للحركة الاحتجاجية، وفي مقابلها هناك عوامل تمثل مصدر ضعف لها. ومن عوامل القوة: اتساعها وقدرتها على جذب المزيد من القطاعات السكانية لها، علاوة على حقيقة أن هناك إجماعا على صدقية المطالب التي ترفعها، لدرجة أن اليمين لم يجرؤ على انتقاد هذه المطالب، ولم يطعن فيها. في نفس الوقت، فإن سلوك نتنياهو خلال الاحتجاجات قدم مزيدًا من الدلائل على افتقاده المؤهلات القيادية؛ مما جعله عاجزًا عن إدارة الصراع في مواجهة الحركة الاحتجاجية، وأسرع بشكل يشي بالفزع والهلع إلى تقديم العروض المغرية لممثلي النقابات المهنية لزجرهم عن الانضمام للحركات الاحتجاجية. وفي مقابل عوامل القوة، هناك عوامل ضعف قد تحد من قدرة الحركة الاحتجاجية على الاحتفاظ بزخمها؛ فعلى الرغم من اتساع دائرة الاحتجاجات، إلا أنها اتسمت بطابعها الإثني؛ حيث ظلت المشاركة فيها محصورة بشكل أساسي في الإسرائيليين من ذوي الأصول الغربية الذين يمثلون الطبقة الوسطى؛ حيث تدلل المؤشرات على أن الإسرائيليين من أصول شرقية، الذين يمثلون بغالبيتهم الفئات الفقيرة والضعيفة في المجتمع الإسرائيلي قد غابوا عن هذه الاحتجاجات؛ فمن جهة يترددون في الخروج ضد اليمين، فالأغلبية الساحقة من الشرقيين تؤيد اليمين بشكل تقليدي. ومن جهة ثانية، فإنهم يبدون حساسية ضد أي احتجاج جماهيري يقوده الغربيون.
وعلى الرغم من حجم الانتقادات الهائل الذي يطول نتنياهو هذه الأيام، إلا أنه في المقابل هناك إجماع بين المراقبين على أنه لا يوجد منافس حقيقي له؛ حيث إن شعبية زعيمة المعارضة تسيبي ليفني في الحضيض، بالإضافة إلى أن الحكومات التي شاركت فيها ليفني تتحمل -في نظر المحتجين- جزءا كبيرا من المسؤولية عن تكريس سلم الأولويات المشوه الذي أفرز الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها الطبقة الوسطى.
المقاومة الفلسطينية ومستقبل الاحتجاجات
إن أكثر ما يحتاجه نتنياهو في ظل هذه الأوضاع هو أن يتمكن من أن يثبت للرأي العام الإسرائيلي أن الحركة الاحتجاجية المتعاظمة مبالغ فيها، وأن إسرائيل تواجه تهديدات إستراتيجية تستدعي وقف هذه الاحتجاجات والتفرغ لمواجهة العدو الخارجي. وعلى ما يبدو فإن بعض المجموعات المحسوبة على المقاومة الفلسطينية سارعت لمنح نتنياهو المسوغ لمهاجمة الحركة الاحتجاجية؛ ففي أوج المظاهرات التي اجتاحت المدن الإسرائيلية، قامت هذه المجموعات بعمليات إطلاق صواريخ على جنوب إسرائيل؛ مما جعل وسائل الإعلام الإسرائيلية تقلص تغطيتها لمناشط الحركة الاحتجاجية، وانقض قادة اليمين الإسرائيلي على وسائل الإعلام الإسرائيلية للحديث عن دلالات عمليات القصف في ظل الحركات الاحتجاجية، واعتبروا أن الهجمات الصاروخية تستدعي الإسراع في التوصل لاتفاق مع الحكومة لحل الأزمة، بما يسمح للحكومة بالتفرغ لمواجهة تهديدات الصواريخ. ولكن انحسر الاهتمام الإعلامي بالهجمات الصاروخية لأن حكومة غزة سارعت للتصدي لمطلقي الصواريخ، مما قلص من قدرة اليمين على توظيف هذه الهجمات.
على كلٍّ تدلل عمليات القصف التي قامت بها المجموعات الفلسطينية أثناء احتدام الاحتجاجات الجماهيرية على أزمة الوعي التي تعاني منها بعض حركات ومجموعات المقاومة الفلسطينية؛ حيث إن هذه الحركات تفتقد في كثير من الأحيان الحساسية لظروف الزمان والمكان، ولا تبدي اهتمامًا بربط عمليات المقاومة بالظروف الإقليمية والدولية السائدة؛ مما جعل عمليات المقاومة ترتد في كثير من الأحيان إلى نحر القضية الفلسطينية.
صحيح أن حركة الاحتجاج الجماهيري التي تجتاح إسرائيل حاليًا لم تثر التساؤلات حول المستوطنات ولم تعترض على سياسات اليمين الصهيوني لدواعٍ أخلاقية، بل لاعتبارات اقتصادية اجتماعية، لكن مع ذلك فإنها فاقمت أزمة الخطاب السياسي لليمين الإسرائيلي الذي يبدي حماسًا شديدًا للاحتفاظ بالمستوطنات والأراضي المحتلة، وباتت تهدد شرعية المشروع الاستيطاني في نظر قطاعات واسعة من الرأي العام الإسرائيلي. في نفس الوقت، فإن هذه الحركة قد تسهم في تآكل مكانة إسرائيل الدولية؛ حيث إنها أظهرت زيف ادعاء نتنياهو بأن مواقف حكومته من الاستيطان تمثل الإجماع الصهيوني. وعلاوة على ذلك فإن حركة الاحتجاجات تحرج القوى المتواطئة مع حكومة اليمين، لاسيما الإدارة الأميركية؛ حيث إنه سيكون من الصعب على الولايات المتحدة تفسير تصديها لأي محاولة لإدانة إسرائيل في الأمم المتحدة بسبب البناء في المستوطنات، في الوقت الذي تبين فيه بشكل قاطع أن قطاعات واسعة من المجتمع الإسرائيلي تعترض على مواصلة الاستثمار في البناء في المستوطنات، وإن كان لدواع اقتصادية واجتماعية وليس لدواع أخلاقية؛ لذا كان يتوجب على المقاومة الفلسطينية أن تكون أكثر حذرًا في اختيار الزمان والمكان والوسائل لدى تنفيذ عمليات المقاومة.
_________________
باحث في الشؤون الإسرائيلية
الهوامش
1- روت سيناي، صيف غير هادي، معاريف، 21-7-2011، http://www.nrg.co.il/online/1/ART2/262/207.html
2- نداف إيال، علامات السقوط، معاريف، 19-7- 2011 http://www.nrg.co.il/online/1/ART2/261/266.html?hp=1&cat=479&loc=7
3- صحيفة هاآرتس، 2-8-2011، http://www.haaretz.co.il/hasite/spages/1236834.html
4- يوني جيفع، لا أهدد بالهجرة ولا أتعهد بالبقاء، يديعوت أحرونوت، 30-7-2011، http://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-4101925,00.html
5- شلومو سبيريتسكي، سباق العقارب ومسيرة الجنون في المستوطنات، يديعوت أحرونوت، 29-7-2011، http://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-4101714,00.html
6- كوبي نحشوني، حاخامات لرئيس الوزراء: نحن معك، يديعوت أحرونوت، 3-8-2011، http://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-4104139,00.html
7- عكيفا إلدار، بل أيلول، هاآرتس، 2-8-2011، http://www.haaretz.co.il/hasite/spages/1236795.html