يستغرب العديد من سكان منطقة الشرق الأوسط، وحتى العالم، من مجريات الأمور في العالم العربي منذ مطلع العام الجاري؛ فالثورات التي فاجأت الجميع بحجمها وسرعة انتقالها من بلد إلى آخر فأثارت دهشة وإعجاب غالبية الناس، لم تمنع توقع غالبية المتابعين والمراقبين إقدام الحكام على اللجوء إلى العنف في محاولة الدفاع عن كراسيهم، إلا أن ما صدم وهال الجميع هو حجم العنف الذي استخدمه بعض هؤلاء الحكام ضد شعوبهم، وخاصة في سوريا؛ ففي حين انصاعت قوى الأمن بشكل عام في الدول العربية لأوامر قادتها بفتح النار على المتظاهرين لترهيبهم وردعهم، رفض الجيش حماية النظام وتدخل لحماية الشعب، خاصة في تونس ومصر. لكن الأمر لم يكن كذلك في ليبيا وسوريا، والواضح أن الأمر في سوريا أخذ بعدا أكبر وأخطر؛ كما أن فترة استمراره فاجأت العديد من المراقبين، فحتى في ليبيا انضم العديد من عناصر الجيش الليبيين إلى الثوار؛ فلماذا إذن تصرفت (ولا تزال) القوات المسلحة السورية بهذا العنف ضد المدنيين؟ وما هي السيناريوهات المحتملة للأزمة السورية الحالية؟
تركيبة الجيش: هاجس الانقلابات
يُعتبر الجيش العربي السوري أحد أكبر جيوش المنطقة؛ إذ يبلغ تعداده 325000 شخص في الخدمة الفعلية بينهم الاحتياط بالإضافة إلى 314000 شخص احتياط خارج الخدمة يمكن استدعاؤهم أوقات الطوارئ (مع العلم أن الاحتياط المذكور في الجملة الأولى هو للعناصر المجندة وفي الخدمة الفعلية الحالية بينما الاحتياط في الجملة التالية هو للاحتياط المسرح من الخدمة ومدني حاليا والذي يمكن استدعاؤه وقت الطوارئ). ولطالما واجهت سوريا صعوبات في تحديث تسليح قواتها المسلحة نتيجة ضغوط غربية وعدم توافر الإمكانات المادية، الأمر الذي أبقى ميزان القوى دائما لصالح إسرائيل التي تحتل مرتفعات الجولان السورية منذ عام 1967. وقد كانت آخر حرب للقوات السورية مع إسرائيل في العام 1982 في البقاع اللبناني حيث مُنيت الأولى بخسائر جسيمة، خاصة في الطائرات. ومنذ حينه اقتصرت معارك الجيش السوري مع ميليشيات في لبنان خلال الحرب الأهلية حيث تواجدت قوات سورية على الأراضي اللبنانية ضمن ما كان يُعرف بقوات الردع العربية منذ عام 1976 حتى 2005، كما لعبت هذه القوات دورا رئيسيا في قمع حركة تمرد شعبي في شمال البلاد خاصة في مدينتي حلب عام 1980 وحماه عام 1982. ومنذ منتصف مارس/آذار 2011 تخوض القوات السورية معارك بشتى أنواع الأسلحة في معظم المدن السورية في محاولة لقمع حركة تمرد شعبي تطالب بإسقاط نظام حزب البعث الذي سيطر على الحكم منذ الانقلاب العسكري الذي قاده الرئيس الراحل حافظ الأسد عام 1970 وانتقل بعد وفاته عام 2000 إلى ابنه الرئيس بشار الأسد.
وأول ما يلفت نظر المراقبين هو تركيبة القوات المسلحة التي تعتمد المركزية في التنظيم وبغلبة الطائفية على تشكيلتها القيادية وباحتوائها على عدد من الميليشيات أو القوى غير النظامية التابعة لحزب البعث الحاكم والتي يبلغ عددها مائة ألف عنصر أي ثلث القوات المسلحة الموجودة في الخدمة. وتُعرف هذه الميليشيات عادة باسم الجيش الشعبي أو الفرسان أو شبيبة البعث، إلا أن المتظاهرين في سوريا يطلقون عليهم اليوم اسم "الشبِّيحة"، وهم يقودون عمليات القمع بمساندة الجيش. وتُقدر نسبة العلويين في صفوف الجيش النظامي المحترف (ضباطا وجنودا) بحوالي 70% (مصدر المعلومة هو مجلة جينس وستراتفور غلوبال انتلجنس) في حين يشكل السنة الغالبية العظمى من قوات الاحتياط في الجيش بالإضافة إلى سلاحي الجو والبحرية.
وتجدر الإشارة إلى أن العلويين يشكِّلون حوالي 12-15% من عدد سكان سوريا البالغ 22 مليون نسمة، في حين يشكل المسلمون السنة حوالي 80%.
تشكِّل قوات البر الكتلة الأكبر والأهم في تركيبة وهيكلية القوات المسلحة؛ إذ إنها تشكل 80% من مجمل عدد الجنود والضباط كما أن قائدها هو نفسه رئيس الأركان، الذي غالبا ما يكون من الطائفة العلوية. وتتألف القوات المسلحة السورية من أربعة قطاعات: قوات البر، سلاح الجو، قوات الدفاع الجوي، والبحرية. ويملك وزير الدفاع صلاحيات واسعة أيضا تحد من تفرد رئيس الأركان بالتصرف الأحادي، في حين أن الرئيس الأسد هو القائد الأعلى للقوات المسلحة. كما أن في سوريا ما يقارب الخمسة عشر من أجهزة الأمن والاستخبارات، أهمها مديرية المخابرات العامة والمخابرات العسكرية ومخابرات سلاح الجو والأمن العسكري والأمن السياسي. ويملك قادة أجهزة الأمن والمخابرات -ينتمي غالبيتهم للطائفة العلوية- نفوذا وصلاحيات واسعة غالبا ما تفوق ضباط وقيادات الجيش، ويتبعون جميعا لسلطة الرئيس الأسد مباشرة.
يُقسَّم الجيش العربي السوري إلى ثلاث قيادات جيوش، أهمها وأكثرها تسليحا هما الجيشان الأول والثاني المتواجدان في العاصمة دمشق ومحيطها وعلى طول الحدود مع لبنان والأردن وجبهة الجولان. وتوزع القوات البرية على سبع فرق مدرعة، وثلاث فرق ميكانيكية، وفرقة مظليين، وعشرة أفواج قوات خاصة، وفرقة حرس جمهوري، وأربعة ألوية مشاة مستقلة، وفوج مدرعات واحد، ولواءين مضادين للدروع مستقليْن، ولواءي مدفعية مستقليْن، ولواء حرس حدود، وبضعة ألوية للدفاع الجوي والبحري. يتوزع الاحتياط الذي يُستدعى عند حالات الطوارئ على فرقة مدرعات واحدة، وأربعة ألوية مدرعات، وفوجي مدرعات، وواحد وثلاثين فوج مشاة وثلاثة أفواج مدفعية. وأكثر الفرق العسكرية تجهيزا وأحدثها تسليحا والمتمركزة عادة في دمشق وريفها هما الفرقتان الثالثة (مدرعات) والرابعة (ميكانيكية)، وفرقة الحرس الجمهوري، والفرقة 14 للمظليين، وعشرة أفواج قوات خاصة. هذا ويبلغ عدد أفراد سلاح البحرية خمسة آلاف، وسلاح الجو 40000 عنصر، والدفاع الجوي 60000 عنصر.
تُظهر تركيبة القوات المسلحة السورية أن هدفها الأساسي هو منع انقلابات أو حركات تمرد شعبي من الإطاحة بالحكم عبر نظام مركزي يحد من قدرة قائد عسكري واحد أو حتى اثنين من التحرك بفاعلية ضد الدولة. كما أن تسليم أهم المراكز الحساسة والقيادية للطائفة العلوية، وجعل غالبية الجيش النظامي منها يمنع الشريحة الكبرى من سكان الدولة، أي السنة، من التمرد ويُبقي قدرا كبيرا من الولاء داخل الجيش للقيادة العلوية للبلاد؛ حيث إن هناك خوفا طبيعيا داخل الطائفة العلوية في سوريا من أن أي انقلاب يطيح بالحكم العلوي الحالي قد يخرجها كليًّا من الحكم ويحوِّل أفرادها إلى مواطنين من الدرجة الثانية. وعليه فإن النظام يستغل التركيبة الطائفية للبلد لحماية موقعه، بمساعدة حلقة من القيادات الأمنية والعسكرية. كما تُظهر تركيبة قوات الاحتياط ذات الغالبية السنية والمؤلَّفة من أفواج وكتائب وبضعة ألوية، أنها موزعة بتشكيلات محدودة العدد مما يحد من قدرتها على تنظيم انقلاب إثر عودتها من حرب ما. وتضيف كثرة الأجهزة الأمنية مناعة مضاعفة للنظام إذ تقوم هذه الأجهزة بالتجسس على بعضها وعلى القوات المسلحة والمسؤولين والسياسيين من أجل رصد أي حركات عصيان وتمرد وقمعها في مراحلها الأولى.
يؤثر دستور البلاد والعقيدة العسكرية تأثيرا كبيرا على تصرفات الجيش السوري خلال الأحداث الراهنة؛ فالدستور ينص على أن حزب البعث هو الحزب الحاكم للدولة، وعليه لا فرق بين حماية الوطن وحماية الحزب الحاكم؛ إذ أن كليهما -حسب الدستور السوري- واحد؛ لذلك، فإن أي تهديد أو عدو للنظام ورئيسه، هو بنظر القيادة العسكرية والقوات المسلحة، تهديد وعدو للوطن. كما أن العقيدة العسكرية للجيش السوري شرقية ومتأثرة جدا بجيوش الأنظمة الاشتراكية، وخاصة الاتحاد السوفيتي السابق؛ حيث تُنفَّذ أوامر القيادة كاملة وبحذافيرها دون أية مناقشة من الجنود والضباط. وتعتبر أية ممانعة أو تردد في تنفيذ الأوامر بمثابة خيانة تعطي القائد الميداني حق تنفيذ إعدامات ميدانية فورية دون الحاجة إلى إذن قضائي أو سياسي. ولقد كشفت تصريحات العديد من الجنود والضباط المنشقين عن صفوف الجيش السوري خلال الأشهر الماضية عن حدوث إعدامات ميدانية بحق كل من رفض تنفيذ أوامر رؤسائه بفتح النار على المتظاهرين أو حاول الفرار من الخدمة. ويختلف هذا الأمر عن العقيدة العسكرية في الغرب والمتبعة في بعض دول المنطقة مثل مصر وتونس؛ إذ يميز الجيش بين المسلحين والمدنيين ويرفض فتح النار على المواطنين العزل مهما كان الأمر، ويملك الضابط الميداني والجنود حق رفض أوامر القيادة إذا ما وجدوا أنها تهدد المدنيين، كما لا يجيز إعدامات ميدانية دون إذن أو حكم المحكمة العسكرية.
أظهرت تركيبة القوات المسلحة السورية -والتي وضعها الرئيس الأسد الأب وأبقى عليها الابن- نجاحا في حماية النظام لأكثر من أربعين عاما. ولقد حمت هذه التركيبة الرئيس الراحل من محاولة انقلاب قادها شقيقه رفعت الأسد عام 1984، الذي كان يقود حينها سرايا الدفاع، وتم التصدي له من قبل الفرقة الثالثة بقيادة قريب الرئيس الأسد الأب اللواء شفيق فياض (علوي) ووحدات الحرس الجمهوري. ولقد أُعيد تنظيم سرايا الدفاع لاحقا لتصبح الفرقة الميكانيكية الرابعة تحت قيادة ماهر الأسد شقيق الرئيس الحالي.
ولا شك بأن الرئيس الراحل أدخل تحسينات لتمتين تركيبة القيادة العسكرية بعد محاولة الانقلاب الفاشلة لجعلها أكثر تماسكا وقوة ضد حركات التمرد. وحسب التقارير الواردة من سوريا اليوم فإن الفرقة الرابعة وأفواج القوات الخاصة وكتائب من فرقة المظليين تنفذ بالتعاون مع "الشبيحة" معظم العمليات العسكرية في المدن الكبيرة مثل حمص وحماه ودير الزور. كما تلعب وحدات الحرس الجمهوري والفرقة الثالثة دورا أساسيا في التعامل مع المتظاهرين في منطقتي دمشق وريفها. وشهدت الفرق الأخرى من الجيش والتي ضمت مجندين حالات انشقاق عديدة لكن صغيرة، خاصة في درعا ودير الزور وجسر الشغور وحمص؛ مما دفع بالقيادة على ما يبدو لسحبها واستبدالها بوحدات من فرق أكثر ولاء ومن لون طائفي واحد (علوي).
أظهر أداء القوات السورية خلال الأشهر الماضية أنها لا تملك أي تدريب على التعامل مع متظاهرين مدنيين؛ فلقد لجأت إلى استخدام الرصاص الحي منذ اليوم الأول للمظاهرات، ولم تتدرج كغيرها من أجهزة الأمن في الدول الأخرى من استخدام العصي والرصاص المطاطي لتنتهي بالرصاص الحي؛ فالتكتيك الأساسي هو ترهيب وإخافة المتظاهرين عبر إطلاق الرصاص الحي والاعتقال لإجبارهم على العودة لمنازلهم وعدم الخروج مجددا. إلا أن فشل هذا التكتيك دفع بالسلطات لاستخدام أسلحة متوسطة وثقيلة لزرع الخوف الكبير في نفوس المتظاهرين، مترافقا مع وعود سياسية وخطوات حكومية باتجاه ما يسمى ببرنامج إصلاح سياسي للدولة. وبالرغم من أن هذه السياسة لم تنفع حتى الآن، فإن النظام لا يزال يحاول تنفيذها في مدن مختلفة وكأنه يأمل بأن ينهك المتظاهرين والمعارضة ويجبرهم على الخضوع لإرادته. لكن يبدو أن حاجز الخوف لدى المواطنين قد انكسر إلى حد أن مدافع الدبابات لم تعد قادرة على قمع ثورتهم.
السيناريوهات: السيئ والأسوأ
لقد انتهج النظام سياسة إعلامية قائمة على نكران وجود عصيان شعبي سلمي لحكمه، والتأكيد على أن المواجهات هي مع عصابات مسلحة وإرهابية تقتل المواطنين وتهدد البلد، وهنا تكمن الثغرة الكبيرة أو نقطة الضعف الأساسية في إستراتيجية القيادة السورية؛ فالإعلام اليوم يختلف عن حقبة الثمانينات عندما كان النظام يملك سيطرة تامة على مسار المعلومات الداخلة والخارجة من سوريا؛ ففي عام 1982 لم يعرف أحد خارج سوريا أي شيء عن اقتحام مدينة حماه ومقتل الآلاف من المعارضين. كما أن داخل سوريا لم يعلم السكان حينها بمجزرة حماه حتى بعد أسابيع من انتهاء حركة التمرد. أما اليوم فإن المظاهرات والمواجهات تُنقل عبر أجهزة الهاتف النقال والإنترنت على هواء القنوات الفضائية مباشرة وخلال لحظة حصولها؛ مما أدى إلى انتفاضة الشعب السوري في ما يقارب 80% من أراضي الدولة.
كما أن رد الفعل الدولي أخذ يتصاعد مع الوقت مما يزيد من حجم الضغوط السياسية والاقتصادية على النظام؛ الأمر الذي يهدده.
وفي ضوء تركيبة القوات المسلحة، وتطور ردود الفعل داخل سوريا وخارجها نتيجة الاستخدام المفرط للقوة من جانب النظام فإن الخبراء يتوقعون عددا من السيناريوهات للأزمة السورية الحالية:
- إقدام مجموعة من كبار القادة العسكريين من الطائفة العلوية على تنفيذ انقلاب عسكري يهدف لإخراج عائلة الأسد من الحكم من أجل ضمان دور للعلويين في النظام الذي سيأتي من بعده بالمشاركة مع الأكثرية السنية؛ فإن بعض الشخصيات العلوية المعارضة تخشى أن تؤدي مواجهات اليوم إلى سقوط النظام وطرد العلويين من مراكز الحكم والانتقام من الطائفة مستقبلا. ولقد أثار موضوع إقالة وزير الدفاع العماد أول علي حبيب (علوي) في 8 أغسطس/آب تساؤلات حول إمكانية وجود تململ داخل صفوف القيادة العسكرية العلوية من قرارات الرئيس الأسد وأقربائه داخل السلطة.
- توسع دائرة الانشقاقات العسكرية وازدياد حجمها مع الوقت لتصل إلى مستوى ولادة جيش من المعارضة العسكرية تحت ما يُعرف بجيش سوريا الحر، الأمر الذي سيؤدي إلى سيناريو شبيه بالأزمة الليبية الراهنة، أي حرب أهلية. لكن القوات المنشقة تحتاج إلى منطقة آمنة لتجميع وتنظيم صفوفها لمواجهة القوات النظامية، وهذا الأمر غير متوفر حاليا. قد يؤمن إقدام تركيا على إنشاء منطقة حدودية عازلة توفير منطقة آمنة للفرق المنشقة. وسيؤدي هذا الأمر حتما إلى تدخل عسكري خارجي سيحسم الأمر لصالح المعارضة إلا أنه سيكون مكلفا جدا.
- تنامي وتوحد الضغوط الدولية عبر عقوبات اقتصادية وسياسية صارمة يصدرها مجلس الأمن تؤدي إلى انهيار النظام ماليا واقتصاديا، وتوسُّع دائرة الاحتجاجات ضده لتشمل مدنا أساسية مثل حلب التي بقيت مساهمتها بالثورة حتى اليوم محدودة جدا نتيجة الطفرة الاقتصادية التي تنعم بها مقارنة بالمدن السورية الأخرى. إلا أن فرض عقوبات اقتصادية صارمة على سوريا سيؤثر كثيرا على كبار تجار حلب ودمشق مما سيؤدي إلى انتقال الثورة إليهما بشكل كبير؛ الأمر الذي سيجعل مهمة الجيش في السيطرة على الأرض شبه مستحيلة.
- إقدام النظام على فتح الجبهة مع إسرائيل إما بشكل مباشر أو عبر حزب الله حليفه في لبنان. وستساعد حرب مع إسرائيل النظام على شراء الوقت وإخماد الثورة وتوحيد الشعب خلفه لمواجهة عدو أساسي مشترك. إلا أن هذا الخيار قد يفجر حربا إقليمية غير متكافئة الموازين بين أميركا وإسرائيل والغرب وحلفائهم العرب من جهة وتحالف سوريا-إيران-حزب الله من جهة أخرى، لا تبدو نتائجها لصالح دمشق؛ مما يعني أن النظام سيخرج ضعيفا ومنهكا منها وعاجزا من مواجهة ثورة داخلية يعتقد العديد من الخبراء بأنها ستتجدد حتما. ولن ينقذ النظام إلا الانتصار الحاسم في حرب ضد إسرائيل وتحرير الجولان، وهو أمر شبه مستحيل ضمن موازين القوى الحالية.
- إقدام الرئيس الأسد على خطوات إصلاحية كبيرة تُحدث "صدمة" كما تطالب تركيا وبعض الدول الأخرى. هذه الخطوات تتمثل بإقالة القيادات العسكرية والأمنية، ووقف عمليات قمع المدنيين، وإطلاق المعتقلين، وتعويض المتضررين، والمباشرة فورا بتطبيق تعديل الدستور والدعوة إلى انتخابات عامة حرة تؤدي إلى مرحلة انتقالية جديدة تعيد الثقة بين أبناء البلد الواحد وتعيد للقوات المسلحة هيبتها وكرامتها التي تضررت كثيرا نتيجة إقحامها في عملية قمع عنيفة ضد المدنيين. إلا أن فرصة الرئيس باستخدام هذا الخيار باتت ضيقة جدا نتيجة أعمال العنف والقتل اليومية.
مع استمرار تعنت النظام يبقى السيناريوهان الأكثر ترجيحا هما: تصفية قادة النظام من الداخل أو السيناريو الليبي.
إن الواقع الداخلي المستجد والأوضاع الإقليمية والدولية باتت تحول دون إمكانية استمرار النظام في سوريا، وعليه فإن السؤال اليوم لم يعد إن كان النظام سيسقط بل متى؟ وكيف؟ صحيح أن تركيبة القوات المسلحة السورية تعطي مناعة للنظام ضد حركات التمرد، إلا أن هذه المناعة صالحة لفترة من الوقت، وتتأثر اليوم بفعل التطورات الإقليمية والثورة في المعلومات والإعلام التي اجتاحت المنطقة. كما أن الشعب السوري أظهر حتى الآن امتلاكه لسلاح لا يمكن لأية قوة بشرية قمعه وهو الإرادة. ومن المرجح أن تنتقل إرادة التغيير والصمود إلى الشعب السوري بطوائفه وإثنياته كافة من أجل تجنيب البلد الانقسام وويلات الحرب الأهلية، ولتعيد جمعه في دولة مدنية ديمقراطية قوية تعمل على تطوير شعبها وجيشها وتحرير الجولان. وأول مهام أية حكومة انتقالية في سوريا يجب أن تكون إعادة تنظيم وتأهيل القوات المسلحة وتعديل عقيدتها العسكرية لتكون من أجل حماية الدولة والشعب، لا النظام.
___________________
الرئيس التنفيذي لمؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري (إنيغما)
المصادر:
1. “The Military Balance 2010,” International Institute for Strategic Studies, Routledge (London, 2010)
2. “Jane’s Sentinel Security Assessment: Eastern Mediterranean,” Jane’s Defense Group, (London, 2002)
3. “The Military of Syria,” on Wikipedia, click here
4. “The Syrian Army,” on Global Security, click here
5. Michael Eisenstadt and Jeffrey White, “Syria’s Army is Key to Country’s Future,” Policy Watch no. 1829, The Washington Institute for Near East Policy, click here
6. Yara Bayoumy, “Military Defections Expose Cracks in Syrian Army,” Reuters, (Beirut, 29/6/2011), click here
7. Reva Bhalla, “Making Sense of the Syrian Crisis,” Stratfor Global Intelligence, (May 5, 2011), click here