الحياة الحزبية المصرية
عرفت مصر التجربة الحزبية منذ بواكير القرن العشرين، ففي عام 1907 أنشأ الزعيم مصطفى كامل الحزب الوطني الديمقراطي، وتبعه في العام نفسه أحمد لطفي السيد بتأسيسه حزب الأمة. وخلال العقود الأربعة التالية، خاصة بعد حصول مصر على استقلالها الاسمي عام 1922 وصدور دستور 1923، كثر عدد الأحزاب، وتنوعت اتجاهاتها السياسية وميولها الفكرية، فكان على الساحة بالإضافة إلى أكبر الأحزاب وأهمها (حزب الوفد) أحزاب أخرى كثيرة مثل: الحزب الشيوعي المصري، وحزب الأحرار الدستورين، فضلا عن أحزاب أخرى صغيرة مثل حزب النبلاء، والدستوري، والوطني الحر، والمصري. وقد اصطلح على تسمية هذه الفترة من تاريخ مصر بالفترة الليبرالية (1922 - 1952)، وعلى الرغم مما شابها من بعض السلبيات بسبب التجاذبات الشديدة بين القصر والاحتلال والحركة الوطنية، إلا أنه يحسب لتلك الفترة توفير أجواء من الحرية النسبية التي أنتجت أدبا وفكرا وفنا لا تزال تعيش البلاد على ثماره حتى اليوم.
انتهت الموجة الأولى من التعددية الحزبية في مصر بقيام ثورة 23 يوليو 1952. فقد ضاق الضباط الأحرار ذرعا بالأحزاب، واتهموها بالمسؤولية عن فساد الحياة السياسية المصرية، ورغبوا في توحيد الرأي العام خلف مبادئ الثورة، فأصدروا في 16 يناير/كانون الثاني 1953 قانون حل الأحزاب. ومنذ ذلك الوقت وحتى عام 1976 والبلاد تعيش في ظل الحزب الواحد المهيمن والمسيطر على الحياة النيابية وإن اتخذ أسماءً متعددة. ففي 23 يناير/كانون الثاني 1953 كان اسمه هيئة التحرير، وفي عام 1956 تغير اسمه إلى الاتحاد القومي، وفي عام 1962 صار يتسمى باسم الاتحاد الاشتراكي العربي. وعام 1975 صدر قرار المؤتمر القومي العام للاتحاد الاشتراكي بالسماح بإنشاء منابر "رأي" داخل الاتحاد، في إطار الالتزام بمواثيق الثورة الأساسية. ثم قرر الرئيس أنور السادات وبمبادرة شخصية منه في مارس/آذار 1976 السماح بتكوين ثلاثة منابر: اليمين ممثلا في تنظيم الأحرار الاشتراكيين، والوسط ممثلا في تنظيم مصر العربي الاشتراكي، واليسار ممثلا في تنظيم التجمع الوطني التقدمي الوحدوي. وفي أول اجتماع لمجلس الشعب في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1976 أعلن السادات تحويل هذه المنابر إلي أحزاب، ثم صدر بعد ذلك قانون الأحزاب السياسية في يونيو عام 1977.
ولم يكن معنى صدور هذا القانون الخاص بتنظيم تكوين الأحزاب أن النظام السياسي المصري قد تحول إلى التعددية الحزبية، وذلك لأن هذا القانون نفسه قد أعطى للاتحاد الاشتراكي (الذي لم يكن قد تم إلغاؤه) الحق في قبول أو رفض تشكيل الأحزاب الجديدة. وفي عام 1979، وبعد توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية أضيف إلى قانون الأحزاب شرط ينص على "ألا يكون من بين مؤسسي أي حزب أو قياداته من يدعو لمبادئ تتعارض مع معاهدة السلام". وبنهاية عهد السادات كان في مصر الأحزاب الخمس التالية:
-
حزب مصر العربي الاشتراكي (الحزب الوطني الديمقراطي فيما بعد)
-
حزب الأحرار الاشتراكيين
-
حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي
-
حزب الوفد الجديد
-
حزب العمل الاشتراكي
ويمكن إرجاع تعثر التجربة الحزبية إبان الفترة من 1977 حتى 1981 إلى مجموعة من الأسباب والعوامل من أبرزها: اندلاع أحداث 17 و 18 يناير/كانون الثاني عام 1977، وما شهدته من مظاهرات عارمة، هددت نظام حكم السادات، فكان رد فعله هو التضييق على الحريات العامة، ثم زيارة السادات إلي القدس وما تلاها من توقيع اتفاقية كامب ديفيد ثم التوقيع على معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية وما أدى إليه ذلك من تصعيد المواجهة بين النظام والمعارضة، فضلا عن إصداره مجموعة من القوانين التي خنقت الحياة الحزبية وضيقت آفاق المشاركة السياسية ومنها قانون العيب، وقانون حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي.
ومع تولي الرئيس حسني مبارك الحكم في 15 أكتوبر/تشرين الأول عام 1981، شهدت الحياة السياسية بوادر انفراج في المشهد السياسي، فأفرج النظام عن المعتقلين السياسيين الذين ألقي القبض عليهم في سبتمبر/أيلول من نفس العام، وسمح لبعض الصحف بإعادة الصدور، وخفف النظام قبضته نسبيا على بعض القيود التي كانت مفروضة علي النشاط الحزبي.
وقد أدت هذه الإجراءات إلى تزايد أعداد الأحزاب على مدى ثلاثين عاما هي فترة حكم مبارك من 5 أحزاب عام 1981 إلى 23 حزبا في فبراير/شباط 2011. لكن الملاحظ على هذه الكيانات الحزبية مجتمعة أنها ظلت بلا قاعدة شعبية، وليس لها وزن أو تأثير، مما انعكس سلبا على الحياة الحزبية والنيابية عموما. ولم يكن السبب في ضعف التجربة الحزبية المصرية طوال هذه الفترة يرجع فقط إلى أنظمة الحكم السلطوية وممارسات أجهزتها الأمنية القمعية، وإنما ترجع بعض الأسباب أيضا إلى هذه الأحزاب نفسها، وفقدانها القدرة على تطوير بناها وهياكلها الداخلية.
الأحزاب السياسية بعد ثورة 25 يناير 2011
نجحت ثورة 25 يناير 2011 في خلع الرئيس حسني مبارك، وحل البرلمان والحزب الوطني، ومجالس المحليات، وفتحت الطريق واسعا أمام تغيرات جذرية في بنية النظام السياسي المصري، فأصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يدير شؤون البلاد منذ 11 فبراير/شباط الماضي إعلانا دستوريا تم الاستفتاء عليه في مارس 2011 تم بموجبه رسم خريطة طريق للمرحلة الانتقالية؛ تبدأ بإجراء انتخابات برلمانية، ثم وضع دستور للبلاد يتبعه انتخاب رئيس للجمهورية. كما صدرت مجموعة من المراسيم بقوانين تنظم الحياة السياسية ومنها المرسوم بقانون رقم (12) لسنة 2011 الخاص بتكوين الأحزاب، والذي جعل إنشاء الحزب السياسي أسهل بكثير من ذي قبل، وهو ما انعكس زيادةً في أعداد الأحزاب بمقدار الضعف خلال الأشهر العشرة الماضية. (يوجد في مصر حتى 28 سبتمبر/أيلول 2011 وبحسب لجنة شؤون الأحزاب 47 حزبا مصرح لها بالعمل، غير عدد آخر كبير من الأحزاب تحت التأسيس).
والناظر إلى الخريطة الحزبية لمصر بعد ثورة يناير، يلحظ أنها شديدة التنوع وتشمل طيفا واسعا من مختلف التيارات والاتجاهات تبدأ من أقصى اليمين بالأحزاب التي يتبنى أفرادها منهج السلفية الجهادية وتنتهي عند أقصى اليسار بالأحزاب الشيوعية، وبين هذا الطرف وذاك ألوان واتجاهات أخرى كثيرة متنوعة من ليبرالية وقومية ويسارية.
ويرجع بعض أسباب هذا التنوع في المشهد الحزبي المصري إلى العديد من العوامل، لعل من أبرزها:
-
إنهاء سيطرة الحزب الواحد على الحياة السياسية المصرية بعد قرار المحكمة الإدارية العليا حل الحزب الوطني الديمقراطي في 16 أبريل/نيسان 2011، الأمر الذي جعل باب المشاركة السياسية مفتوحا على مصراعيه أمام بقية الأحزاب، القديمة منها والجديدة، حتى ما كان منها ذو مرجعية دينية، وهو ما كان محظورا وفقا لدستور 1971 وما أدخل عليه من تعديلات.
-
تفكك التيارات السياسية الكبيرة التي ظلت طوال عقود تعمل تحت لافتة سياسية واحدة أو لافتات قليلة كما كان الحال مثلا بالنسبة للكتلة الليبرالية التي اعتادت العمل من خلال حزب الوفد، وقد تفتت بعد الثورة إلى عشرات الأحزاب مثل غد الثورة، والمصريون الأحرار، والحزب الليبرالي...إلخ. وكذلك الحال بالنسبة لتيار الإسلام السياسي الذي كان يمثله إلى وقت قريب جماعة الإخوان المسلمين، وحزب الوسط (تحت التأسيس)، وحزب العمل قبل إيقافه، فإذا بهذا التيار يخرج للساحة السياسية عشرات الأحزاب مثل: الحرية والعدالة، والنور، والأصالة، والنهضة، والسلام والتنمية، والتيار المصري...إلخ.
-
تغير البيئة القانونية بعد الثورة، وسهولة تكوين الأحزاب، خاصة بعد أن أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة المرسوم بقانون رقم (12) لسنة 2011 الذي ألغى بموجبه قانون تنظيم الأحزاب رقم (40) لسنة 1977، وبموجبه بات من الممكن لخمسة آلاف شخص من عشر محافظات أن يتقدموا بطلب تأسيس حزب للجنة شؤون الأحزاب التي تغير تكوينها هي أيضا، وغلب عليها الطابع القضائي بعد أن كانت في الماضي مؤلفة من عناصر تابعة للحزب الوطني الديمقراطي (الحاكم سابقا). فصار تكوين الحزب في مصر بعد الثورة يتم بمجرد الإخطار، وأصبح بمقدور من ترفض اللجنة قبول أوراق تأسيسه التظلم لدى المحكمة الإدارية العليا التي لها الحق في قبول أو رفض قرار لجنة الأحزاب.
-
تغير النظام الانتخابي، وإقرار مبدأ الانتخابات وفقا لنظامي القوائم النسبية والفردي بنسبة 75% للأولى و 25% للثانية، وقد أدت هذه النسبة إلى سعي الأحزاب للائتلاف والتنسيق فيما بينها لتكوين تكتلات انتخابية بغرض الاستحواذ على أكبر نسبة من مقاعد البرلمان.
لهذه الأسباب مجتمعة كثرت أعداد الأحزاب في مصر حتى وصلت إلى 47 حزبا وفقا لدراسة عن الخريطة الحزبية أصدرتها لجنة شؤون الأحزاب في سبتمبر/أيلول 2011 كما سبق القول. واستنادا إلى هذه الدراسة فإن عدد الأحزاب التي نشأت بعد ثورة يناير 24 حزبا، فيما تأسست الأحزاب الأخرى قبلها، أي بعبارة ثانية يمكن القول إنه خلال أقل من عشرة أشهر كان عدد الأحزاب الجديدة التي نشأت في مصر مساو تقريبا لعدد ما أنشيء فيها منذ أن سمح الرئيس الراحل أنور السادات بتكوين الأحزاب عام 1976.
وعلى الرغم من صعوبة تصنيف كل هذا العدد من الأحزاب نظرا لحداثة عهدها، وتشابه برامجها وأهدافها ووسائل عملها، إلا أنه في العموم يمكن إدراج أغلب هذه الأحزاب ضمن أربعة تيارات فكرية.
1- أحزاب إسلامية
وتعد حاليا هي الأكثر عددا والأقوى تنظيما والأوفر حظا في حصد المقاعد البرلمانية. وتندرج هذه الأحزاب تحت مدرستين فكريتين كبيرتين هما المدرسة الوسطية والمدرسة السلفية (سلفية علمية أو حركية أو جهادية). ويمثل الأولى أحزاب مثل: الحرية والعدالة (الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين) وحزب الوسط الجديد، وبعض الأحزاب الصغيرة الأخرى مثل النهضة، والريادة، والتيار المصري.
أما المدرسة الثانية، فيمثلها أحزاب: النور المنبثق عن "الدعوة السلفية" وهو أهمها وأقواها، والأصالة، والفضيلة، والبناء والتنمية (الجماعة الإسلامية).
والعامل المشترك بين هذه الأحزاب جميعا هو المناداة بالمرجعية الإسلامية للدولة، والدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية. ويعتمدون في كسب أنصارهم – فضلا عن هذا الخطاب الذي يجد صدا لدى قطاع عريض من المسلمين المصريين- على نشاطهم الدعوي والخيري الذي دأبوا عليه طيلة عقود طويلة، وكذلك على استفادتهم من قدراتهم التنظيمية العالية مقارنة بغيرهم من الأحزاب المنتمية إلى تيارات فكرية أخرى.
2- أحزب ليبرالية
وتعتبر ثاني أكبر تيار فكري في ساحة التنافس الحزبي بعد الأحزاب الإسلامية. وينبني الطرح الأساسي لهذه الأحزاب على فكرة مدنية الدولة، وفصل السياسة عن الدين. ومن أشهر أحزاب التيار الليبرالي حزب الوفد برئاسة الدكتور السيد البدوي، والمصريون الأحرار بزعامة رجل الأعمال المهندس نجيب ساويرس، وحزب الجبهة الديمقراطية الذي يقوده الدكتور أسامة الغزالي حرب، فضلا عن حزب غد الثورة الذي أسسه أيمن نور.
وعلى الرغم من الاتساق الأيدلوجي لأحزاب التيار الليبرالي، وثراء بعضها كالوفد والمصريين الأحرار إلا أنه يمكن القول أن هذه الأحزاب لا تزال تدور في فلك الخطاب النخبوي الذي يصعب وصوله إلى العامة، فضلا عن صورتها الذهنية السلبية لدى الطبقات الشعبية والريفية والتي تأثرت بالدعاية المضادة التي روجها بعض خصوم هذا التيار لا سيما فيما يتعلق بموقفهم من الدين. فضلا عن تشتت الصوت الليبرالي هذه المرة بين أكثر من حزب، لاسيما بعد دخول (المصريون الأحرار) المعركة الانتخابية وعدم تنسيقه مع الوفد.
وتعتمد أحزاب التيار الليبرالي عموما على تصويت شرائح من المجتمع تخشى فوز الإسلاميين كما هو الحال - مثلا - بالنسبة لغالبية الأقباط الذين اعتادوا تاريخيا أن يصوتوا لأحزاب ليبرالية.
3- أحزاب يسارية
وتتوزع أحزاب اليسار المصري ما بين الخط الاشتراكي والقومي والناصري. ويتميز الطرح الأيدلوجي لهذا التيار بالتركيز على قضايا محاربة الفقر، والاهتمام بالعمال والفلاحين، وتعظيم دور الدولة في العملية الاقتصادية. وتتشابه أحزاب اليسار المصري مع الأحزاب الليبرالية في فكرة مدنية الدولة وفصل الدين عن السياسة.
ويأتي على رأس الأحزاب اليسارية حزب التجمع، وحزب التحالف الشعبي الاشتراكي، فيما يتقدم الأحزاب القومية الحزب العربي الديمقراطي الناصري، وحزب الكرامة. ويقف في أقصى طرف اليسار الحزب الشيوعي المصري الذي أعلن عن وجوده بعد الثورة عقب سنوات من العمل السري.
ويعاني التيار اليساري المصري عموما من الضعف التنظيمي وكثرة الصراعات والانشقاقات الداخلية وتقادم الطرح الفكري. ويعاني كذلك – كما التيار الليبرالي - من الصورة الذهنية السلبية لدى قطاعات من المصريين الذين تأثروا بالهجوم على هذا التيار وتصنيفه من قبل خصومه السياسيين على أن أيدولوجيته تتعارض في بعض جوانبها مع الدين.
4- أحزاب الوسط
وهي مجموعة من الأحزاب تخلط في برامجها ما بين الطرح اليساري والليبرالي وأحيانا الإسلامي، بل إن منها ما يقدم نفسه بعيدا عن أي أيدلوجية محددة. ومن أمثلة الأحزاب ذات الخط الفكري المختلط، حزب العدل، والحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي. أما الأحزاب التي ليس لها لون فكري محدد فقد أسس معظمها قيادات سابقة في الحزب الوطني الديمقراطي المنحل، مثل حزب المواطن المصري، وحزب مصر القومي، وأحزاب أخرى أصغر حجما مثل نهضة مصر والبداية، ومصر التنمية. وتعاني هذه الأحزاب جميعها من ضعف التمويل والتنظيم والدعاية، والافتقاد إلى البرامج الواضحة.
التكتلات والتحالفات الانتخابية
دخلت الأحزاب المصرية في تحالفات انتخابية، ليس على أساس التقارب الفكري والأيدلوجي -الذي سبق استعراضه- وإنما بناءً على نجاح كل مجموعة حزبية في الاتفاق على ترتيب أسماء مرشيحها في القوائم التي سيخوضون بها الانتخابات. ووفقا لهذا المعيار فإن الساحة المصرية شهدت تكوين ائتلافات وتكتلات كثيرة وكبيرة ثم عادت وشهدت قبل بدء المرحلة الأولى من الانتخابات يومي 28 – 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 انهيارات وانسحابات. فعلى سبيل المثال بدأ تكتل انتخابي كبير أطلق على نفسه اسم "التحالف الديمقراطي من أجل مصر" ظهوره بـ 34 حزبا سياسيا وائتلافا ثوريا، ثم انهار هذا التحالف، وخرجت أغلب هذه الأحزاب والائتلافات واستقر العدد المتبقي تحت هذا الاسم على 11 حزبا فقط.
وعموما فقد بدا مشهد التكتلات الحزبية عشية الانتخابات البرلمانية على النحو التالي:
1- التحالف الديمقراطي من أجل مصر
تأسس هذا التحالف بدعوة من حزبي الوفد والحرية والعدالة في يونيو 2011، كمظلة واسعة تضم الأحزاب الليبرالية واليسارية والإسلامية بلغ مجموعها 34 حزبا وائتلافا ثوريا، ويهدف – كما جاء في وثيقة تأليفه – إلى دعم التوافق الوطني عن طريق التنسيق السياسي والانتخابي بين أحزاب التحالف للوصول لبرلمان قوي خال من "فلول النظام السابق".
إلا أنه عندما أغلق باب الترشّح للانتخابات البرلمانية في 24 أكتوبر/تشرين الأول 2011، كان قد تقلص إلى ثلاثة أحزاب رئيسة هي: حزب الحرية والعدالة التابع للإخوان المسلمين ويمثله نحو 70% من المرشحين على قوائم التحالف، وغد الثورة (أيمن نور)، والكرامة (حمدين صباحي)، إضافةً إلى ثمانية أحزاب أخرى صغيرة غير مشهورة منها الأحرار، والحضارة، ومصر العربي الاشتراكي. وكان أبرز المنسحبين أحزاب الوفد والنور والعربي الناصري والبناء والتنمية.
ويرجع السبب الرئيس لانهيار هذا التحالف وانخفاض أعداد الأحزاب المنضوية تحت مظلته إلى عدم القدرة على الاتفاق على توزيع أسماء مرشحي كل فصيل في القوائم التي سيخوضون بها الانتخابات.
ويعتمد التحالف الديمقراطي في إستراتيجيته الانتخابية على مجموعة من العوامل:
-
قوة حزب الحرية والعدالة (الذراع السياسية للإخوان)، وتواجد الأفراد المنتمين لهذه الجماعة في كل محافظات مصر، وما عرف عن أفرادها من انضباط تنظيمي، وقدرة على الاندماج مع الشرائح الاجتماعية المختلفة، فضلا عن رصيدهم الكبيرة طوال العقود الماضية بفضل العمل الدعوي والخيري. وقد تجلى هذا التنظيم الدقيق في إدارتهم للحملة الانتخابية سواء على مستوى اللجان المركزية (سياسية، قانونية، إعلامية) أو على مستوى اللجان الفرعية وفرق العمل المصغرة التي تطلب أن يعمل بعضها في العلن، واستلزم الأمر للبعض الآخر أن يمارس عمله كفرق احتياطية تراقب المشهد من بعيد وتستعد للتدخل السريع ضد من يحاولون إحداث فوضى أثناء سير العملية الانتخابية.
-
المزج بين التواصل الشخصي واستخدام وسائل الاتصال الحديثة لا سيما الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وسرعة تحسين أداء القناة الفضائية التابعة للإخوان المسلمين (مصر 25) وتنويع برامجها وضيوفها لجذب نسبة كبيرة من المشاهدين، ليس فقط من أفراد الأحزاب المنضوية تحت لواء هذا التحالف -لا سيما الإسلاميين منهم- وإنما من اتجاهات سياسية وفكرية مختلفة.
-
الدقة في اختيار أسماء مرشحيه سواء في القوائم أو الفردي، والاعتماد في ذلك على معايير ترجح فوزهم مثل القبول الشعبي والحضور الجماهيري في الدوائر التي يخوضون التنافس الانتخابي فيها، فضلا عن مؤهلاتهم الشخصية وقدراتهم على أداء العمل البرلماني وما يتطلبه من ثقافة سياسية وقانونية.
-
استمرار التنسيق مع بعض الأحزاب القريبة من التوجه الفكري للحرية والعدالة في بعض الدوائر، كما هو الحال مثلا مع حزب النور في بعض دوائر الإسكندرية والقاهرة، وكما تم الاتفاق على ذلك أيضا في دوائر محافظات القناة (السويس، بورسعيد، الإسماعيلية).
2- الكتلة المصرية
هو تحالف انتخابي تشكل في 25 أغسطس/آب 2011 من مجموعة من الأحزاب الليبرالية واليسارية بهدف حشد طاقات هذه القوى للحفاظ على ما تسميه بمدنية الدولة، والوقوف في وجه الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية في الانتخابات البرلمانية.
بدأت الكتلة المصرية تشكلها بـ 16 حزبا من أبرزها: المصريون الأحرار (ليبرالي علماني) برئاسة رجل الأعمال نجيب ساويرس، والديمقراطي الاجتماعي (يسار الوسط) الذي أسسه الطبيبان المشهوران محمد أبو الغار ومحمد غنيم، والتجمع (يساري) برئاسة الدكتور رفعت السعيد، الجبهة الديمقراطية (ليبرالي) بقيادة الدكتور أسامة الغزالي حرب، فضلا عن أحزاب أخرى مثل التحرير الصوفي، وحزب الوعي (ليبرالي)، والحزب الشيوعي المصري، والحزب الاشتراكي المصري (ماركسي).
ولم يستمر هذا التكتل طويلا إذ سرعان ما دب الخلاف بين أعضائه بسبب عدم القدرة على التوصل إلى اتفاق حول ترتيب القوائم التي سيخوضون بها غمار الانتخابات، خاصة بعدما ازدادت رغبة كل حزب في وضع أسماء مرشحيه على رؤوس القوائم لضمان الفوز بأكبر نسبة من مقاعد البرلمان، فانسحبت هذه الأحزاب تباعا ولم يبق في الكتلة المصرية سوى ثلاثة منها فقط هي: المصريون الأحرار وله نحو 45%, والحزب الديمقراطي الاجتماعي وله نحو40%, وحزب التجمع بنسبة 15% تقريبا من جملة مرشحي الكتلة.
بنت الكتلة المصرية إستراتيجيتها الانتخابية على عدة عوامل، أهما:
-
الاستفادة من الصوت القبطي الذي بات بمقدور هذه الكتلة - لا سيما حزب المصريين الأحرار - استقطابه بعدما تحالف الوفد مع حزب الحرية والعدالة في بداية تكوين التحالف الديمقراطي (قبل أن يقرر بعد ذلك الانسحاب وخوض الانتخابات منفردا)، واستمالة أصوات الخائفين عموما من وصول الإسلاميين إلى السلطة.
-
القدرة التمويلية العالية للحملات الانتخابية (وفرها الملياردير نجيب ساويرس) والتي ظهرت جلية في الإعلانات الكثيرة مدفوعة الأجر التي تذاع في فترات الذروة عبر محطات الإذاعة والتلفزة المختلفة، وكذلك الإعلانات الكبيرة على صفحات المجلات والجرائد، فضلا عن اللافتات والملصقات التي عمت 64 دائرة انتخابية في المحافظات المختلفة، وتعظيم الاستفادة من قناة (ontv) الفضائية التي تحظى بنسبة معقولة من المشاهدة (مملوكة لساويرس).
-
تأييد بعض رجال الدين المسيحي وحثهم أتباعهم للتصويت لصالح مرشحي الكتلة كما رصدت ذلك بعض التقارير الميدانية.
-
عدم التصادم مع الشريعة الإسلامية حتى لا تستعدي غالبية المصريين، والتأكيد في حملات الدعاية الانتخابية على أن الكتلة مع بقاء المادة الثانية من الدستور التي تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع. وفي الوقت نفسه طمأنة المسيحيين والتأكيد على أنها مع حق غير المسلمين في الاحتكام إلى شرائعهم.
3- التحالف السلفي
هو تكتل انتخابي تكون منتصف 2011، ويتميز بالاتساق الفكري والأيدلوجي إلى حد كبير، إذ يغلب على أعضائه تبني المنهج السلفي بمدارسه المختلفة (السلفية العلمية، والحركية، والجهادية). يتألف من أحزاب: النور (المنبثق عن الدعوة السلفية) والأصالة، والفضيلة، والإصلاح.
وقد تألف هذا التحالف الانتخابي بعد خروج حزب النور من التحالف الديمقراطي من أجل مصر، اعتراضا على ترتيب مرشحيه على رؤوس القوائم الانتخابية.
يخوض السلفيون الانتخابات البرلمانية بمجموعة من البرامج المتشابهة، والفكرة الجوهرية الجامعة بين هذه البرامج هي أن الانتخابات البرلمانية والمحلية "وسيلة من وسائل التميكن للدعوة ونشرها بين فئات المجتمع"، ويعتبرون تطبيق الشريعة الإسلامية أحد أهم أولوياتهم.
ويستند التحالف السلفي في إستراتيجيته الانتخابية على مقومات أساسية، منها:
-
تحويل أعداد السلفيين المنتشرين في محافظات: الإسكندرية، ومرسى مطروح، والبحيرة، والدقهلية، وكفر الشيخ، ودمياط، والسويس، والإسماعيلية، وبورسعيد، إلى أصوات انتخابية. والاستفادة في ذلك من تنوع المدارس السلفية (سلفيو الجمعيات الشرعية المنتشرة في معظم مدن الجمهورية)، وجماعة التبليغ والدعوة، وجماعة أنصار السنة المحمدية.
-
الاستفادة من شعبية الشيوخ السلفيين لدى قطاعات وفئات مختلفة من الشعب المصري، خاصة في الأرياف، كالشيخ محمد حسان، ومحمد يعقوب، ومحمد عبد المقصود، وعبد المنعم الشحات..إلخ. واستثمار جهد هؤلاء الشيوخ في الدعاية الانتخابية لمرشحي التيار السلفي، خاصة في القنوات الفضائية ذات التوجهات السلفية مثل الناس والرحمة، وهي قنوات باتت تحظى بمستويات مشاهدة عالية نسبيا في السنوات الأخيرة. وإبراز شخصيات كمتحدثين إعلاميين باسم التحالف تتحدث لغةً تؤكد على المعاني المشتركة لتهدئة المخاوف.
-
التواصل المباشر مع الناخبين في القرى والمدن، والاستفادة من معرفة المؤسسات السلفية الخيرية الشرائح الفقيرة منهم، حيث دأبت هذه المؤسسات على تقديم خدمات تعليمية وصحية وعلاجية لهم، كما أن لها خبرة طويلة بتقديم مساعدات مالية وعينية للأسر الفقيرة والمعدمة وبخاصة للأرامل والأيتام وأصحاب الاحتياجات الخاصة.
-
الحرص على عدم القطع مع حزب الحرية والعدالة مهما كانت حدة التنافس بينهما، والاستمرار في فتح قنوات اتصال للتنسيق بين التحالفين خاصة في بعض الدوائر ذات الحضور السلفي أو الإخواني القوي حتى لا يتشتت "الصوت الإسلامي".
ويعاني التحالف السلفي من معوقات كثيرة، أبرزها قلة خبرته السياسية نظرا لحداثة عهده بالعمل السياسي وصعوبة العملية الانتخابية وتعقيداتها. كما يعاني من حملات التشويه والتخويف المستمرة التي يشنها عليه خصومه، خاصة الليبراليين واليساريين عبر وسائل الإعلام التي يمتلكون بعضها أو التي لهم حضور ملحوظ في بعضها الآخر، فضلا عن إمكانية تشتت الصوت السلفي، وذهاب العديد من الأصوات السلفية إلى أحزاب إسلامية أخرى وبخاصة حزب الحرية والعدالة، لما لأنصاره من خبرة سياسية أعمق.
4- تحالف الثورة مستمرة
تشكل هذا التحالف الانتخابي في أكتوبر/تشرين2011 من مجموعة من الأحزاب والحركات السياسية مختلفة الاتجاهات الفكرية، ليحافظ -كما يقول- على مكتسبات الثورة وتحقيق أهدافها. واتفق أعضاؤه على عدة معايير أثناء تأسيسهم لهذا التحالف، أهمها ألا يترشح على قوائمهم أياً من فلول النظام السابق، وألا يدخل في حالة نزاع وخلاف بين بعض القوى والأحزاب السياسية.
تكون هذا التحالف في البداية من مجموعة من القوى التي انشــق أغلبها عن الكتلة المصرية مثل: ائتلاف شباب الثورة، وحزب التحالف الشعبي الاشتراكي بزعامة عبد الغفار شكر, وحزب المساواة والتنمية، وحركة شباب من أجل العدالة والحرية, والحزب الاشتراكي المصري تحت التأسيس، وحزب التحالف المصري، وحزب مصر الحرية تحت التأسيس, والتيار المصري (أسسه بعض الشباب المنتمين سابقا لجماعة الإخوان المسلمين). ويلاحظ أن أغلب المرشحين (أكثر من الثلثين) على قوائم هذا التحالف من الشباب دون الأربعين.
ولم يستطع هذا التحالف أيضا الحفاظ على كل من انضم إليه بسبب الخلاف على ترتيب أسماء المرشحين على رؤوس القوائم وعدد مرشحي كل حزب، فانسحب منه عدد من الأحزاب إلى أن استقر على: ائتلاف شباب الثورة (سمح لأعضائه بالمشاركة في كتلة "الثورة مستمرة" كمستقلين)، وأحزاب: التيار المصري، والتحالف الشعبي الاشتراكي، والاشتراكي المصري، التحالف المصري، ومصر الحرية، والمساواة والتنمية.
اعتمد تحالف الثورة مستمرة في إستراتيجيته الانتخابية على:
-
توجيه خطاب توافقي يقوم على السعي لتحقيق مطالب تحظى بإجماع وطني، وتمثل أولوية للمواطن، من قبيل استعادة الأمن، وتوفير فرص عمل، ووضع نظام عادل للأجور، وتحسين الخدمات التعليمية والصحية.
-
إبراز العنصر الشبابي خاصة من أؤلئك الذين اشتركوا في الثورة وكان لهم دور بارز فيها. والاستفادة من بعض الرموز الفنية والإعلامية المشتركة في هذا التحالف والتي لها قبول شعبي.
-
التواصل مع الناخبين مع التركيز على الوصول إليهم عبر الصفحات التي تحظى بنسب زيارة عالية في مواقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك وتويتر).
-
البروز كفصيل ثالث يقف في منطقة وسط بين الاستقطاب الليبرالي والإسلامي الحاصل في الساحة السياسية المصرية.
لكن هذا التحالف يعاني من الضعف التنظيمي، وقلة الموارد المالية اللازمة لتمويل الحملات الانتخابية، وعدم وجود الخبرة الكافية لإدارة تنافس انتخابي قوي، فضلا عن التردد واستنزاف الطاقة والتأخر في الحسم واتخاذ القرار فيما يتعلق بالتظاهر والاعتصام أو المشاركة في الانتخابات.
5- أحزاب خارج التكتلات الانتخابية
وتخوض الانتخابات مجموعة أخرى من الأحزب فضلت العمل منفردة والابتعاد عن أي من الكتل والتحالفات الانتخابية السابقة، ومن أبرزها حزبان:
حزب الوفد: وهو حزب ليبرالي قديم، كان متوقعا قبل بداية الانتخابات أن يحوز على نسبة عالية من المقاعد، خاصة بعد أن تحالف مع حزب الحرية والعدالة، لكنه عاد وفضل الانفصال عن الإخوان وحزبهم وقرر خوض غمار الانتخابات منفردا.
وتعاني إستراتيجيته الانتخابية من:
-
ذهاب نسبة كبيرة من الأصوات القبطية التي اعتادت تاريخيا التصويت له إلى منافسه حزب المصريين الأحرار الذي يقود الكتلة المصرية.
-
فقدانه نسبة معتبرة من مؤيديه نتيجة ترشيحه بعض رموز الحزب الوطني الديمقراطي المنحل على رأس بعض قوائمه.
-
عدم قدرته على المنافسة -رغم ثراء بعض أعضائه- في الإنفاق على حملات الدعاية الانتخابية مقارنة بحجم ما ينفقه رجل الأعمال نجيب ساويرس.
-
عدم قدرة حملته الانتخابية على جذب أنصار جدد، واكتفائها بالتركيز على تاريخ الوفد ومنجزاته التي حققها في النصف الأول من القرن الماضي، لا سيما في الفترات التي كان فيها على رأس الحكومة منفردا أو متحالفا مع أحزاب أخرى.
حزب الوسط: وهو حزب وسطي إسلامي معتدل، أقرب إلى الأحزاب الديمقراطية المحافظة، يرأسه المهندس أبو العلا ماضي، وهو سياسي له حضور، ويحظى باحترام بين مختلف التيارات الفكرية والسياسية. يخوض الحزب الانتخابات منافسا في كل دوائر الجمهورية الـ 46، وله قرابة 322 مرشحا.
ويعتمد حزب الوسط في إستراتيجيته الانتخابية على:
-
وضوح البرنامج الانتخابي، خاصة فيما يتعلق بموقفه من بعض القضايا الشائكة مثل علاقة الدين بالدولة، والموقف من الأقباط، وتولي المرأة مناصب سيادية، والتفريق بين السياسي والدعوي.
-
حسن اختيار الأسماء في قوائمه الانتخابية وعلى المقاعد الفردية التي ينافس عليها، واعتماد معيار الكفاءة والنزاهة والخبرة السياسية فضلا عن الشعبية والجماهيرية.
-
سمعته الطيبة بوصفه حزبا ناضل في عهد النظام السابق لأكثر من 15 عاما حتى يحصل على رخصة العمل القانوني، ورفض طلبه ثلاث مرات، حتى نالها بحكم قضائي عقب ثورة يناير 2011.
-
اعتماده على نسبة كبيرة من الشباب ومن جيل الوسط في حملته الانتخابية، وتأييد رموز تحظى باحترام للخط الفكري العام الذي يتبناه هذا الحزب.
غير أن الإستراتيجية الانتخابية لحزب الوسط تعاني من جملة أمور، من أهمها ضعف التنظيم، وقلة أعداد المقار الحزبية، وضآلة التمويل، والافتقاد إلى الأذرع الإعلامية (قنوات فضائية وصحف سيارة) كتلك التي للأحزاب الأخرى.
وعموما فإن الانتخابات البرلمانية المصرية 2011 - 2012 تمثل فرصة أمام التكتلات والائتلافات والتحالفات الانتخابية لتختبر كل منها قوتها على مستوى التعبئة والحشد والتنظيم، وكذلك على مستوى اللغة والخطاب السياسي، كما أنها تعد ميدانا لاكتساب الخبرات اللازمة لما سيأتي من استحقاقات قادمة وبالأخص عند اختيار اللجنة التي ستضع الدستور، وحينما تبدأ عملية انتخاب رئيس الجمهورية القادم.
____________________________
محمد عبد العاطي-مشرف وحدة الدراسات الدولية بمركز الجزيرة للدراسات