الدور الخليجي في الثورة الليبية التي اندلعت في السابع عشر من فبراير/شباط وقفت وراءه جملة من الأهداف والدوافع التي حددت بشكل غير مباشر نوع وحجم هذا الدور، وحدود التوافق والاختلاف بينه وبين مواقف القوى الغربية من تلك الثورة، الأمر الذي سيؤثر بلا شك على الوزن النسبي لمكانة ودور المجلس ودوله على المستوى الدولي.
أتاحت الثورة الليبية مجالاً واسعًا للدبلوماسية الخليجية للقيام بدور لافت في القضايا الإقليمية، وهو ما يعكس نقلة نوعية كبيرة في أداء مجلس التعاون، سواء على المستوى الجماعي أو على المستوى الفردي، سياسيًا وعسكريًا وإنسانيًا. |
ورغم مساعي المملكة العربية السعودية خلال عامي 1998 و1999، لإنهاء الحصار الذي فرض على الشعب الليبي بسبب تفجير طائرة أمريكية فوق مدينة "لوكيربي" الاسكتلندية عام 1988، والتي توجت بالنجاح من خلال تعليق العقوبات ثم رفعها نهائيًا، إلا أن المملكة لم تسلم من هفوات وأخطاء "القذافي"(2)؛ ففي فبراير/شباط 2003 نشبت مشادة كلامية بين "القذافي" وولي العهد السعودي آنذاك الأمير "عبد الله بن عبد العزيز"، أثناء انعقاد القمة العربية بشرم الشيخ، نتيجة اتهام "المملكة بالتحالف مع الشيطان لصد الخطر العراقي"، وتبعت ذلك أزمات أخرى منها: دأب "القذافي" على اعتبار أن النهج السلفي للسعودية هو السبب في توفير المناخ لخروج الأصولية المتطرفة المتمثلة في تنظيم "القاعدة" الذي اتهمته واشنطن بتدبير أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001(3)، وكذلك اتهام ليبيا بالتورط في مؤامرة لاغتيال الأمير "عبد الله بن عبد العزيز" الملك الحالي، وقرار المملكة طرد السفير الليبي من البلاد في 22 كانون الأول/ ديسمبر 2004.
وأمام هذا الرصيد من الخلافات البينية، وفي ظل التعامل الدموي وغير الإنساني من قبل نظام "القذافي" مع الثوار في بلاده، يمكن القول إن من أهم دوافع وأهداف الدور الخليجي في الثورة الليبية:
- الدافع الإنساني، وهو الدافع الرئيسي المحرك لدول الخليج في اتجاه تأييد ودعم المطالب المشروعة للثورة الليبية؛ فالمجازر والأسلوب الدموي الذي واجه به نظام "القذافي" الاحتجاجات الشعبية وأسفر عن سقوط الآلاف من الضحايا بين قتلى وجرحى إضافة إلى تدمير البنى التحتية في المدن والقرى، وخاصة ما يتعلق بالماء والكهرباء والمستشفيات بهدف حرمان السكان من مقومات الحياة، دفع دول العالم ومن بينها دول الخليج إلى التعاطف والوقوف إلى جانب الشعب الليبي لتخليصه من هذا النظام. وهذا التعاطف لم يقف عند حدود المطالبة بمحاسبة "القذافي" على ما ارتكبه في حق شعبه، بل تأييد أية إجراءات دولية تستهدف رفع المعاناة عن الليبيين سواء لجهة تقديم المساعدات الإنسانية أو الطبية أو اتخاذ خطوات داخل مجلس الأمن الدولي لمنع "القذافي" من المضي قدمًا في جرائمه، وهو الدافع نفسه الذي كان وراء ما قامت به السعودية لرفع الحصار الذي كان مفروضًا على الشعب الليبي بسبب العملية الإرهابية على الطائرة الأمريكية، والذي استمر لأكثر من أحد عشر عامًا (1992-2003).
- دافع سياسي، وهو ينقسم بدوره إلى هدفين فرعيين، أولهما: رغبة دول مجلس التعاون الخليجي في تجنب تكرار النموذج العراقي في ليبيا، فانفراد الولايات المتحدة بالعراق بعد غزوه واحتلاله وغياب أي دور عربي أو خليجي في تلك الأزمة هو ما أوصل العراق إلى ما يعانيه الآن من أزمات سياسية واقتصادية أثرت على دول الخليج، وبالتالي هي لا تريد لليبيا أن تتعرض لنفس المصير العراقي فيما لو تدخلت الولايات المتحدة وحلفاؤها في هذا البلد، وبالتالي هي -أي دول الخليج- تريد أن تكون شريكًا أساسيًا في ترتيبات ما بعد "القذافي" بليبيا لضمان قيام نظام عربي ليبي يحقق طموح الشعب الليبي بعد التضحيات التي قدمها.
وثانيهما، رغبة دول الخليج سواء بصورة جماعية (في إطار مجلس التعاون الخليجي) أو بصورة فردية مثلما هي الحال بالنسبة لقطر في لعب دور أساسي مؤثر على المستوى الإقليمي، فهي تسعى لاستغلال قوتها ومكانتها الاقتصادية في المنطقة في الحصول على مكانة سياسية (وهو حق مشروع بالنسبة لها)، ويساعدها على ذلك ضعف الجامعة العربية، كما أن بعض الدول الفاعلة في المنطقة مثل مصر (بسبب ظروف الثورة التي شهدتها) تبدو غير مستعدة حاليًا للقيام بأي دور في المنطقة، مما خلق فراغًا في المنطقة تسعى دول الخليج إلى ملئه(4). - دافع اقتصادي؛ فليبيا تمتلك ثروة بترولية ضخمة؛ حيث يقدر احتياطها المؤكد من النفط 36 مليار برميل بينما الاحتياطي غير المؤكد يقدر بـ 100 مليار برميل، وبالتالي فهي مطمع كبير للقوى الكبرى ولشركات النفط الغربية، مثلما كان العراق بالضبط، وتخشى دول الخليج من خضوع النفط الليبي للسيطرة الغربية، ومن ثم استغلال احتياطيات ليبيا الضخمة في محاولة التأثير (من خلال التحكم في إنتاج النفط الليبي) على أسواق النفط الدولية. ومن هنا، من الممكن فهم تحرك قطر وعرضها على المجلس الانتقالي في ليبيا والجهات المسيطرة على شرق ليبيا الغنية بالنفط أن تتولى من خلال شركة قطر للبترول إنتاج وتسويق النفط الليبي في هذه المنطقة(5).
- دافع مرتبط بالعلاقات المتوترة بين دول مجلس التعاون الخليجي ونظام القذافي؛ فالثابت أن العلاقات بين الجانبين -كما تمت الإشارة- كانت ولا زالت علاقات صراع، وبالتالي فمن مصلحة دول مجلس التعاون الخليجي إقصاء "القذافي" عن الحكم في ليبيا، وقيام نظام ليبي جديد يتسم بالرشادة، ويحظى بالقبول والاحترام من جانب شعبه ومن جانب دول المنطقة جميعًا.
دول الخليج: دور متقدم على جبهات عديدة
دول الخليج والدول الغربية: التوافق والاختلاف
آفاق الدور الخليجي
دول الخليج: دور متقدم على جبهات عديدة
وإذا كانت هذه هي الدوافع والأهداف كان طبيعيًا أن يتحدد على أساسها حجم الدور الخليجي وطبيعته؛ فقد أتاحت الثورة الليبية مجالاً واسعًا للدبلوماسية الخليجية للقيام بدور لافت في القضايا الإقليمية، وهو ما يعكس نقلة نوعية كبيرة في أداء مجلس التعاون، سواء على المستوى الجماعي أو على المستوى الفردي، سياسيًا وعسكريًا وإنسانيًا. ولقد تعددت مؤشرات وملامح هذا الدور منذ الشرارة الأولى لاندلاع الثورة:
1- على المستوى السياسي
التعاطي الخليجي بإيجابية وفعالية مع الثورة الليبية، ينم عن بروز وتصاعد لافت في الدور الإقليمي لمنظومة دول مجلس التعاون الخليجي، مقارنة بمنظومة العمل العربي المشترك، التي أصابها الضعف والترهل. |
وبالتوازي مع ذلك، دعمت دول مجلس التعاون الثورة الليبية من خلال اعتراف قطر -كأول دولة عربية وخليجية- في 28 مارس/آذار2011 بالمجلس الوطني الانتقالي الليبي كممثل شرعي وحيد للشعب الليبي، وهو ما اعتبر خطوة في طريق إزاحة "القذافي"، دفعت دولاً خليجية أخرى إلى الاقتداء بها، من خلال اعتراف الكويت به، وتأكيد وزراء خارجية دول المجلس في11 مارس/آذار2011 عدم شرعية نظام "القذافي"، ودعوتهم إلى إجراء اتصالات مع المجلس الوطني الانتقالي ترجم عمليًا باستقبال الكويت رئيس المجلس الوطني الانتقالي الليبي "مصطفى عبد الجليل" مرتين؛ الأولى في 21 مارس/ آذار والثانية في 25 أبريل/ نيسان، وكذلك استقبلته العاصمة القطرية الدوحة في 17 فبراير/شباط2011، وهو ما تمخض عنه الاتفاق على قيام قطر بالمساعدة في تسليح الثوار الليبيين وإدارة شؤون المناطق المحررة من قبضة "القذافي".
كما أبدت الدول الخليجية حرصها على المشاركة في الاجتماعات الدولية الخاصة بمعالجة الأزمة الليبية، واستضافتها، وهو ما تجسد في: المشاركة الخليجية، ممثلة في قطر، بمؤتمر لندن في 29 مارس/آذار2011 ، الذي شارك فيه وزراء خارجية أكثر من 40 دولة، بهدف التباحث بشأن كيفية مساعدة وحماية الشعب الليبي في أزمته الراهنة، وقد خلص المؤتمر إلى التأكيد على:
- الالتزام بقرار مجلس الأمن الدولي باستخدام القوة لوقف التقدم الفتاك لقوات نظام القذافي.
- أهمية تقديم المساعدات الإنسانية العاجلة للمدن والمجتمعات التي تعاني في ليبيا.
- مساعدة الشعب الليبي على بناء مستقبله الجديد، وإعادة تعمير ما دمرته كتائب "القذافي"، وخاصة البنية التحتية.
- الاتفاق على تشكيل مجموعة اتصال دولية حول ليبيا تقود الجهود الدولية لتكون القوة السياسية الدافعة إلى جانب المهمة العسكرية لحماية المدنيين. وقد وافقت قطر على استضافة أول اجتماع لهذه المجموعة (8).
وتنفيذًا لهذا الاتفاق، استضافت الدوحة اجتماع المجموعة في 13 فبراير/شباط2011؛ حيث أكدت على لسان رئيس وزرائها أن البيان الصادر عن الاجتماع يفتح الباب أمام تقديم مبادرات للدفاع عن الثورة والثوار الليبيين (9).
2- على المستوى العسكري
لم يقتصر الدور الخليجي في مساندة ودعم الثورة الليبية على الدور السياسي فحسب، وإنما امتد أيضًا ليشمل الدور العسكري، ولاسيما من جانب سلاح الجو الخليجي، وهو ما تجلى في الخطوات التالية:
- مشاركة أربع مقاتلات قطرية من طراز (ميراج2000) في الدوريات المسلحة، انطلاقًا من جزيرة كريت بالبحر المتوسط في إطار التحالف الدولي ضد ليبيا.
- مساهمة دولة الإمارات العربية المتحدة بست طائرات من طراز "إف – 16"، وست طائرات من طراز "ميراج"، لتنفيذ منطقة حظر الطيران، فضلاً عن طائرات "آباتشي" و"شينوك" وطواقمها للبحث والإنقاذ.
- إرسال السعودية طائرة مراقبة من طراز "أواكس"، وأخرى للتزود بالوقود. على أن تكون قاعدتها بمدينة مرسى مطروح قرب الحدود الليبية(10).
3- على المستوى الإنساني
حظي الدور الإغاثي والإنساني بجانب ملحوظ من الاهتمام الخليجي، وهو ما تجلت مؤشراته وملامحه في: قيام قطر بتسيير قوافل من المساعدات الإنسانية إلى مدينة بنغازي الليبية، وكذلك قيامها بإمداد المدينة بكميات من المنتجات البترولية بقيمة 35 مليون دولار(11)، ومطالبة رئيس دولة الإمارات الشيخ "خليفة بن زايد آل نهيان" بتقديم مساعدات إنسانية عاجلة، وذلك لإغاثة المتضررين داخل الأراضي الليبية أو الهاربين من المعارك العسكرية على حدود بعض الدول المجاورة، وإعلان الكويت عن تقديم دعم للشعب الليبي مقداره 50 مليون دينار(12)، فضلاً عن إقلاع، طائرات النقل من طراز "سي" 130 من قاعدة "عبد الله المبارك" الكويتية، حاملة المواد الطبية والمساعدات الإنسانية لتقديمها كمساعدات عاجلة للمتضررين.
دول الخليج والدول الغربية: التوافق والاختلاف
وهكذا، ونتيجة للمعطيات السابقة، ومقارنة المواقف الخليجية بنظيرتها الغربية، يتضح أن دول مجلس التعاون الخليجي تلاقت في كثير من مواقفها من الثورة الليبية مع المواقف الغربية في حين اختلفت معها في جوانب أخرى، ومن صور التوافق في هذا الشأن:
إدانة المجازر والمطالبة بوقف العنف(13)، فهذا المطلب كان هو المطلب الرئيسي لدول الخليج والدول الغربية معًا؛ فالإمارات طالبت بالوقف الفوري لاستخدام العنف، وأدانت ما يتعرض له الشعب الليبي من قتل على يد النظام، كما دعت السعودية إلى الوقف الفوري للعنف حقنًا للدماء وحفاظًا على سلامة الشعب الليبي، مرحبة بأي قرار يصدر من مجلس الأمن لحماية الأرواح وتسهيل وصول المساعدات، في حين اعتبر "عبد الرحمن العطية" -أمين عام مجلس التعاون الخليجي السابق – قتل الليبيين جريمة ضد الإنسانية.ما أبدته دول مجلس التعاون الخليجي من مواقف وتوجهات سياسية كان لها تأثير كبير في توجيه مسار التطورات بالنسبة للتعامل الدولي مع الثورة الليبية، يشير إلى تزايد الوزن النسبي لمكانة ودور المجلس ودوله على المستوى الدولي.
وعلى الجانب الآخر، حث رئيس الوزراء البريطاني "ديفيد كاميرون" "القذافي" على التوقف عن قمع شعبه وتركه يحصل على الديمقراطية، كما طالب وزير الخارجية الألماني "جيدو فيستر فيله" بالوقف الفوري للعنف الوحشي الذي يستخدمه الرئيس الليبي ضد شعبه، في حين اعتبرت "كاترين آشتون" وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي الاستمرار في قمع المتظاهرين واستخدام القوة أمرًا غير مقبول.- المطالبة برحيل "القذافي" لفقدانه الشرعية(14)، وهذا المطلب يشكل أيضًا نقطة توافق بين الخليجيين والأوروبيين؛ فـ"عبد الرحمن العطية" أمين عام مجلس التعاون السابق أكد عدم شرعية نظام "القذافي"، كما أفتى علماء دين خليجيون بعدم شرعية حكمه؛ حيث وصفوه بالظالم، وطالبوا الليبيين بالخروج عليه. بينما على الجانب الآخر دعت فرنسا وبريطانيا أنصار "القذافي" إلى التخلي عنه، وطلبتا من الليبيين المعارضين الانضمام إلى عملية سياسية تمهد لرحيله، كما أكد البرلمان الأوروبي أن نظام "القذافي" فقد شرعيته.
- المطالبة بفرض منطقة حظر جوي على ليبيا(15)؛ حيث توافقت دول الخليج مع الدول الغربية في الدعوة والسعي إلى إقامة منطقة حظر جوي فوق ليبيا لحماية المدنيين الليبيين من نظام "القذافي" (وهو ما طالب به اجتماع وزراء خارجية دول الخليج بأبو ظبي يوم 7 مارس/آذار 2011)، حيث عملت فرنسا وبريطانيا وبتشجيع من دول الخليج على استصدار قرار من مجلس الأمن يسمح بإقامة منطقة الحظر الجوي فوق ليبيا، وبحيث يمنع الحكومة الليبية من استخدام الطائرات ضد المدنيين، وهو المسعى الذي كُلل باستصدار القرار رقم (1973).
- الاعتراف بالمجلس الانتقالي الليبي(16)، فقد توافقت دول خليجية وغربية (أوروبية تحديدًا) على التواصل مع المجلس الانتقالي والاعتراف به كممثل شرعي للشعب الليبي، ففي البداية طالبت السعودية بالتواصل مع كافة الأطراف في ليبيا بما فيها المجلس الانتقالي، وطالب نواب كويتيون بالاعتراف به كممثل شرعي للشعب الليبي، في حين كانت قطر أول دولة عربية تعترف به رسميًا تلتها الكويت، كما تمت الإشارة سابقًا. وعلى الجانب الآخر، كانت فرنسا أول دولة غربية تعترف بالمجلس الانتقالي تلتها إيطاليا، واعتبره الاتحاد الأوروبي محاورا شرعيا.
- المشاركة في العمليات العسكرية(17)؛ فقد شاركت بعض دول الخليج الدول الغربية (الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا) في تنفيذ الطلعات الجوية لمراقبة الأجواء الليبية.
(6) تقديم المساعدات الإنسانية(18)؛ حيث قامت دول الخليج، وتحديدًا قطر والإمارات والكويت بتقديم المساعدات الإنسانية للشعب الليبي (أغذية وأدوية)، وعلى الجانب الآخر قدمت المفوضية الأوروبية مساعدات لإيواء اللاجئين الليبيين على الحدود، كما وعدت الولايات المتحدة بتقديم مساعدات سياسية واقتصادية.
أما صور الاختلاف، فيمكن رصدها في التالي:
- تسليح الثوار(19)؛ ففي الوقت الذي أعلنت فيه بريطانيا أن التحالف الدولي لن يسلح الثوار، وليس من الوارد إرسال قوات برية إلى ليبيا، فإن قطر أعلنت قبولها فكرة تسليح الثوار، كما أقر اجتماع الاتصال بالدوحة في 13 فبراير/شباط فتح الباب أمام تقديم مساعدات تمكن الثوار من الدفاع عن النفس.
- سحب البعثات الدبلوماسية من ليبيا(20)، فقد قررت قطر إغلاق سفارتها في ليبيا بعد اتهامات القذافي لها بمحاولة فرض العزلة الدولية على بلاده ونظامه.
ومن دون شك، فإن التعاطي الخليجي بإيجابية وفعالية مع الثورة الليبية، ينم عن بروز وتصاعد لافت في الدور الإقليمي لمنظومة دول مجلس التعاون الخليجي، مقارنة بمنظومة العمل العربي المشترك، التي أصابها الضعف والترهل، وهو ما أتاح المجال لدول مجلس التعاون للقيام بدور فاعل على المستوى الإقليمي لمعالجة ما تشهده المنطقة من أزمات لا تقتصر تأثيراتها وتداعياتها على الدول العربية فحسب، وإنما تمتد أيضًا إلى دول المجلس. ولذا، كان من الطبيعي أن ينتقل المجلس عبر تحركاته الفاعلة والمدروسة من المرحلة التي وصفها البعض بـ "الشريك الفاعل" إلى مرحلة "الفاعل المؤثر"، وبمعنى آخر تحوّل المجلس في مواقفه وتحركاته على المستوى الخارجي من مستوى "رد الفعل" إلى مستوى "الفعل".
وهذا الصعود في الدور الإقليمي الخليجي لم يأت من فراغ، وإنما جاء انعكاسًا لتوظيف دول المجلس لما تمتلكه من مقومات سياسية واقتصادية تمكنها من التأثير بفاعلية في مجريات الأزمات والمشكلات التي قد تتعرض لها المنطقة العربية عمومًا، ومنطقة الخليج خصوصًا. ومن أبرز تلك المؤشرات:
التحركات العسكرية لدول المجلس، سواء في إطار المحيط الإقليمي الخليجي، كما تجسدها حالة تحرك قوات درع الجزيرة الخليجية لمساعدة البحرين على فرض الأمن فيها وحماية منشآتها الحيوية، أو في إطار المحيط العربي الأشمل، كما جسدتها حالة مشاركة القوات الجوية لبعض دول المجلس في عمليات فرض حظر الطيران على ليبيا.لم يقتصر الدور الخليجي في مساندة ودعم الثورة الليبية على الدور السياسي فحسب، وإنما امتد أيضًا ليشمل الدور العسكري، ولاسيما من جانب سلاح الجو الخليجي. - التحركات السياسية؛ حيث كان تحركها تجاه تسوية الحرب الأهلية الدائرة حاليًا في اليمن هو التحرك العربي الوحيد في هذا الشأن، وهو ما تجلى في مبادرة الوساطة التي طرحتها لإيجاد حل مقبول للأزمة.
- الموقف القوي الذي أبدته دول المجلس إزاء التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لبعض دول المجلس، وتحديدًا البحرين والكويت(21).
- التحركات الاقتصادية، وهو ما تمثل فيما يعرف بمشروع مارشال الخليج والذي يقضي بتخصيص 10 مليارات دولار لكل من البحرين وعمان لمدة عشر سنوات، كحل سريع لتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية والاجتماعية فيهما.
وتأسيسًا على ما سبق، فإن ما أبدته دول مجلس التعاون الخليجي من مواقف وتوجهات سياسية كان لها تأثير كبير في توجيه مسار التطورات بالنسبة للتعامل الدولي مع الثورة الليبية، يشير إلى تزايد الوزن النسبي لمكانة ودور المجلس ودوله على المستوى الدولي، بما يجعل من الصعب على المجتمع الدولي بقواه ومنظماته الفاعلة تجاهل هذا الدور لدى تعاطيه مع أية أزمة قد تشهدها المنطقة العربية عمومًا، ومنطقة الخليج خصوصًا، في المستقبل، وهو الأمر الذي من المتوقع أن تعمل دول المجلس على الحفاظ عليه وتفعيله خلال الفترة المقبلة، في ظل ما واجهته من زخم كبير من الأحداث والتدخلات الخارجية في شؤونها من جهة، وما قد تتعرض له مستقبلاً من أزمات طارئة من جهة أخرى.
__________________
رئيس مركز الخليج للدراسات الإستراتجية - لندن، سفير جامعة الدول العربية في لندن ودبلن سابقًا
المصادر
1 - د.غسان سلطان، الغزو العراقي للكويت، قراءة موجزة في جوانب من إشكالية الأزمة، مكتبة الإسكندرية، ط1، 1994، 87.
2 - د.خالد إبراهيم، كيف حولت الدبلوماسية السعودية المستعصي إلى ممكن في قضية لوكيربي؟، 13/11/2001، متاح على الرابط هنا.
3 - الخليج الإماراتية، 9/8/2003.
4 – لموند الفرنسية، 31/3/2011.
5 – بي بي سي، 28/3/2011.
6- الشرق الأوسط، 8/3/2011.
7- طارق الحميد، هل قايض الخليج ليبيا بالبحرين؟ الشرق الأوسط، 23/3/2011.
8 - ديفيد كاميرون، حمد بن جاسم آل ثاني، الهدف هو حماية الشعب الليبي، الشرق الأوسط، 30/3/2011.
9 - القدس العربي، 27/4/2011.
10 - دوافع التدخل العسكري الخليجي في ليبيا وتبعاته ، العرب القطرية، 25/4/2011.
11 - المصري اليوم، 16/3/2011.
12 - القبس الكويتية، 25/4/2011.
13 – القدس العربي، 26/2/2011 – الشرق الأوسط، 24/2/2011 و25/2/2011 – الحياة، 8/3/2011.
14 – إذاعة مونت كارلو، 25/2/2011
15– الشرق الأوسط،8/3/2011 – القدس العربي، 8/3/2011
16 – الحياة، 22/3/2011 – الشرق الأوسط،29/3/2011 – القدس العربي، 29/3/2011.
17 – آيرش تايمز، 22/3/2011 وفايننشيال تايمز، 23/3/2011
18 – الشرق الأوسط، 25/2/2011 - القدس العربي، 26/2/2011
19 - القدس العربي، 8/3/2011
20 - الشرق الأوسط، 24/2/2011
21- عبد الله كمال، الموجات الثورية العربية تسفر عن «صعود إقليمي» للدور الخليجي، روز اليوسف، 13/4/2011.