الأردن: من يحمي الفساد؟

صار الفساد في الأردن مؤسسة متجذرة تسهم في صياغة السياسة على الصعيد الداخلي والخارجي، بل يمكن القول: إنّ مؤسسة الفساد من أقوى الأطراف المؤثرة في المعادلة السياسية، لأنّ الفساد أصبح تحت (الرّعاية)، كما تقول المعارضة الشعبية الجديدة الناشئة.
1_1069238_1_34.jpg

مسيرة ضد الفساد بالعاصمة الأردنية (الجزيرة-أرشيف)

رحيّل غرايبة

صار الفساد في الأردن مؤسسة متجذرة تسهم في صياغة السياسة على الصعيد الداخلي والخارجي، بل يمكن القول دون مبالغة: إنّ مؤسسة الفساد من أقوى الأطراف المؤثرة في المعادلة السياسية، لأنّ الفساد أصبح تحت (الرّعاية)، كما تقول المعارضة الشعبية الجديدة الناشئة. وهذه عينة من قضايا الفساد الخطيرة التي تؤرق الرأي العام:

قضية الكازينو
قضية شاهين
استقالة وزير الإعلام طاهر العدوان
مكاسب التيار الإصلاحي

قضية الكازينو 

يمكن القول دون مبالغة: إنّ مؤسسة الفساد من أقوى الأطراف المؤثرة في المعادلة السياسية في الأردن، لأنّ الفساد أصبح تحت (الرّعاية)، كما تقول المعارضة الشعبية الجديدة الناشئة.
طرق هذا المصطلح الغريب أسماع الأردنيين لأول مرة في 7 يناير/كانون الثاني2007، عندما وجّه وزير السياحة آنذاك (أسامة الدباس) كتابًا إلى رئيس الوزراء يقترح فيه فتح المجال أمام المستثمرين لإيجاد (صالات كازينو)، والتي تندرج ضمن المهن السياحية. وفي 4 مايو/أيار2007م تقدمت شركة أسترالية (Casino Austria International) بعرض موجّه إلى وزير السياحة تطلب فيه إقامة كازينو مع ذكر نسب مالية تُعطَى للحكومة من الأرباح. وبعد شهر واحد، في 14 يونيو/حزيران2007م قُدِّم عرض آخر من شركة (Empire). وفي اليوم نفسه تقدمت شركة (Oasis) بعرض مماثل موجّه إلى وزير السياحة لإقامة كازينو، مع ذكر أرقام ونسب مالية للحكومة يختلف عن عرض (Empire)، ومن خلال التحقيق تبين أنّ هاتين الشركتين تعودان لجهةٍ واحدة. ولم يكد يمضي شهران حتى وجّه وزير السياحة كتابًا إلى رئيس الوزراء في 5 أغسطس/آب2007م مرفِقًا الاتفاقية المنوي عقدها مع شركة (Oasis) لإقامة كازينو سياحي في منطقة البحر الميت، وذلك بعد أن تمّ دراسة العروض الثلاثة المقدمة، ويقرر الوزير عرض الاتفاقية على مجلس الوزراء.

وفي اليوم التالي (في 6 أغسطس/آب2007م) وجّهت شركة (Oasis) كتابا إلى وزير السياحة تم بموجبه تعديل النسب المالية المقترحة في الكتاب السابق المؤرخ في 14 يونيو/حزيران2007م بزيادة العائد للحكومة، وزيادة المدة الزمنية للاستثمار إلى (50) سنة. ثم وجهت في 9 أغسطس/آب2007م استشارة قانونية لوزير السياحة من الأستاذ (ربيع حمزة) باعتبار الكازينو من النشاطات السياحية، يشير فيها على الوزير بأنّ المجلس الوطني للسياحة يمكنه إضافة الكازينو على النشاطات السياحية، وأن يُصدر نظامًا للتعامل مع هذا النشاط. وفي 28 أغسطس/آب2007م اتخذ المجلس الوطني قرارًا بضم الكازينو إلى قائمة المهن السياحية المعتمدة، مع التوصية لمجلس الوزراء باعتماد الاتفاقية المعروضة. وقرر مجلس الوزراء في 28أغسطس/آب2007م الموافقة على الاتفاقية علمًا بأنّ التاريخ الحقيقي لهذا القرار (28 أغسطس/آب2008م). وبالفعل في 12/9/2007م تم توقيع الاتفاقية من قبل وزير السياحة مع شركة ( Oasis) بخصوص إصدار رخصة إقامة كازينو في البحر الميت وفي أماكن أخرى. وفي 22 نوفمبر/تشرين الثاني2007م قرر مجلس الوزراء تأجيل العمل بقرار مجلس الوزراء السابق.

وقد تبين من خلال التحقيقات وجود مفاوضات سريّة بين وزير السياحة والشركة المعنية، وأنه تم رفع نسبة الحكومة من 25% إلى 40%، من الربح مقابل شروط جزائية مجحفة بالحق العام لا يعلم بها سوى وزير العدل، ومن هذه الشروط:

  • تُكتب الاتفاقية باللغة الانجليزية، وعند الخلاف فإنّ الاختصاص يعود إلى القانون البريطاني، وتحكمها القوانين الأساسية في إنجلترا (ويلز).
  • يُحظَر على الحكومة إصدار رخصة إقامة كازينو لأية شركة غير ( Oasis)، ولا لأي شخص آخر، ويحق للشركة رفض أي ترخيص من وزارة السياحة لإقامة كازينوهات إضافية.
  • تنص الاتفاقية على أنّه من حق الشركة أن تتملك الأراضي الضرورية التي تراها مناسبة، من وجهة نظرها، ولا تملك الحكومة حق الرفض.
  • كما أنّ عدم إجابة الحكومة على طلب الشركة خلال (30) يومًا يُعتبر موافقة على الطلب.
  • يحق للشركة التعاقد الفرعي من طرف واحد مع أي طرف آخر.
  • لا يحق للحكومة تعديل أي من أحكام هذه الاتفاقية من دون موافقة الشركة الخطية المسبقة.
  • لا يحق للحكومة إنهاء هذه الاتفاقية.
  • نصت الاتفاقية على أنّ الحكومة لا تملك حق تملك أو تأميم أو اتخاذ إجراءات ترمي إلى تأميم الكازينوهات أو المواقع التابعة لها.
  • نصت الاتفاقية أنّه في حال قيام الحكومة أو من يمثلها بانتهاك تعهداتها أو عدم الوفاء بها، تستحق تعويضًا عن كافة الأضرار وما تكبدته الشركة من نفقات التخطيط والتصميم والتطوير والإنشاء والتمويل، فضلاً عن الربح المتوقع خلال (50) سنة، وقد قُدّرت هذه النفقات والأرباح بـ (1400) مليون دولار.
  • الاتفاقية التكميلية التي وقعتها حكومة الذهبي في (1إبريل/نيسان2008م)، مع الشركة تُلزم الحكومة بإعطائها (50) دونما مطلة على البحر الميت.
  • اتفاقية التسوية بين حكومة سمير الرفاعي والشركة حاولت التوصل إلى إرضاء الشركة ببيعها (117) دونما في منطقة البحر الميت بسعر مخفض، بالإضافة إلى مبلغ نقدي من الخزينة.

إنّ الحديث الواسع عن الفساد، ووقوع الحكومة في هذه الأزمات، كل ذلك يصب في صالح تيار الإصلاح الذي يحاول تنظيم صفوفه، وتشكيل إطار وطني واسع.
أحال رئيس الوزراء معروف البخيت القضية إلى لجنة الفساد بمجلس النواب بغرض تبييض ملفه من هذه النقطة السوداء، وهو يعلم تمامًا بنص الدستور أنّ التهمة لن توجَّه إليه إلاّ بتحقق نصاب معين من التصويت المطلوب، وهو موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب، وليس ثلثي الحاضرين، ولا بالأغلبية المطلقة. ومن هنا عندما طُرحت القضية للتصويت، صوّت إلى جانب اتهامه (50) عضوًا، بينما صوّت إلى جانب براءته (53) عضوًا، وامتنع ثلاثة أعضاء، وتغيّب الباقون؛ ولذلك كانت النتيجة براءة البخيت. وللمفارقة فإنّ المجلس قد صوّت إلى جانب اتهام وزير السياحة بأغلبية (86) عضوًا، بمعنى أنّه تمّ التضحية بـ (أسامة الدباس) الذي ستتم محاكمته رسميًا.

وتفيد التقارير بأنّ مجلس النواب تعرض لضغوط كثيرة وشديدة، من أجل إنقاذ البخيت، وهذه الحادثة هي الثانية في تاريخ مجلس النواب الأردني؛ إذ تحوّل إلى مجلس قضاة لمحاكمة رئيس الوزراء الأسبق (زيد الرفاعي) عام 1989م وبتهمة الفساد أيضًا، وقد تمّت تبرئته بفارق صوت واحد قبل بلوغ نصاب الثلثين. لكن الشعب يعلم يقينًا بحقيقة الفساد، ويعلم يقينًا أنّ تبرئة مجلس النواب للرئيس، لن تبرئه من تحمّل المسؤولية الدستورية والأخلاقية، خاصة أنّه اعترف أنّ قرار إنشاء الكازينو قرار مجلس الوزراء، وأنّ القرار تمّ اتخاذه بمؤسسية صحيحة لا تشوبها شائبة، حسب قوله.

قضية شاهين 

قصة خالد شاهين، الذي يقطن لندن، معزوفة أخرى من لحن الفساد الذي لم تخل منه دواوين الأردنيين، وقد جاءت الأخبار لتقول: إنّه حصل على جواز سفر دبلوماسي دولي، بحيث أصبح تابعًا لإحدى مؤسسات هيئة الأمم المتحدة؛ وذلك لمزيد من تعقيد الأمور، وإضفاء الحصانة على هذا الرجل، ومن أجل استحالة طلب إعادة محاكمته، مع العلم أنّ اسمه ورد في تحقيق قضية (موارد) إحدى قصص الفساد الكبرى في الأردن كذلك.

وبعد أن وعد رئيس الحكومة الشعب الأردني بكشف الحقائق الكاملة عن قصة تهريب السجين (خالد شاهين)، حتى لو طالت شخصيات كبيرة، عاد مرةً أخرى وتراجع عن جميع وعوده، وأعلن أنّه تمّ إخراجه بطريقة قانونية رسمية صحيحة اعتمادًا على مجموعة تقارير طبية حسب الأصول. كل هذا أفقد الشعب الأردني الثقة بهذه الحكومة ورئيسها، واعتبرها حكومة غارقة في الفساد، ولا يمكن لها أن تكون قادرة على حمل ملف الإصلاح ومقاومة الفساد.

استقالة وزير الإعلام طاهر العدوان 

يُعد طاهر العدوان، والوزير المستقيل سابقًا حسين مجلّي، من الوزراء الذين لهم رصيد شعبي، ولهم تاريخ في المعارضة، مما جعلهما يُسبغان لمسة شعبية على مصداقية الحكومة، وقد استقال حسين مجلي مع وزير الصحة السابق ياسين الحسبان، على إثر تبعات قضية خروج (السجين شاهين)، والآن تأتي استقالة طاهر العدوان ضربة قوية وقاسية تمّ توجيهها لحكومة معروف البخيت المترنّحة، لتجعلها في مهب الريح.

استقالة طاهر العدوان جاءت اعتراضًا على عدد من مشاريع القوانين التي تمّ تقديمها من الحكومة إلى مجلس النواب، لمناقشتها في دورته الاستثنائية، منها: قانون المطبوعات، وهيئة مكافحة الفساد، وقانون العقوبات.

فقانون المطبوعات، كما يقول طاهر العدوان، يتناقض تمامًا مع الإستراتيجية التي أقرها مجلس الوزراء والتي عمادها تعديل التشريعات القانونية من أجل رفع سقف الحريات، ولكن جاءت مشاريع القوانين الحكومية الثلاثة معاكسة تمامًا لهذه الإستراتيجية.

ويبين طاهر العدوان أنّ المفاجأة كانت أنّ المشاريع المقدمة لمجلس النواب بصيغتها الحالية جاءت مخالفة لإرادة أغلبية مجلس الوزراء، وعلى نقيض القرار الذي تمّ التصويت عليه؛ ممّا يعني أنّ هناك قوة خفية قادرة على تغيير قرار مجلس الوزراء، وأنّ هناك ضغوطا خارجية أدّت إلى إدراج هذه الصيغ العرفية.

كما أفاد طاهر العدوان باستقالته التي نشرتها وسائل الإعلام الأردنية، أنّ التعديلات التي تمّ إدخالها تهدف إلى حماية المفسدين وليس العكس.

إنّ القضايا الجوهرية التي أثارتها استقالة العدوان، كانت في منتهى الإثارة والحساسية في وقت ترفع فيه الدولة كلها بكل مؤسساتها راية الإصلاح ومقاومة الفساد، ومحاسبة الفاسدين؛ ممّا يشكل ضربة موجعة لمسيرة الإصلاح الأردنية، ويضع مجموعة من علامات الاستفهام على حقيقة التوجه الرسمي نحو الإصلاح.

ولذلك من المنتظر أن تشهد الحكومة تعديلاً رسميًّا يعيد ترميم وجه الحكومة المتهتك، أو أن تقدم استقالتها، وتأتي حكومة جديدة تحمل وجهًا جميلاً للإصلاح، وتتمتع بمصداقية وثقة شعبية أكبر، حتى تستطيع عبور المرحلة الراهنة.

مكاسب التيار الإصلاحي 

تنتظر الساحة الأردنية الآن نجاح الجبهة الوطنية للإصلاح بزعامة أحمد عبيدات، وربما تكون هي القنطرة المؤقتة التي تصلح أن تشكّل المرحلة الانتقالية نحو الإصلاح والديمقراطية الحقيقية.
إنّ الحديث الواسع عن الفساد، ووقوع الحكومة في هذه الأزمات، كل ذلك يصب في صالح تيار الإصلاح الذي يحاول تنظيم صفوفه، وتشكيل إطار وطني واسع، يحاول أن يكون بديلاً وطرفًا قادرًا على محاورة النظام، وقادرًا على بناء جسر من الثقة يؤهله لبلورة طرح يحظى بالقبول الشعبي من جهة، ويرسل رسالة تطمين للجهات والأطراف الخارجية المؤثرة في المشهد الأردني من جهة أخرى.

وتنتظر الساحة الأردنية الآن نجاح الجبهة الوطنية للإصلاح بزعامة أحمد عبيدات، وربما تكون هي القنطرة المؤقتة التي تصلح أن تشكّل المرحلة الانتقالية نحو الإصلاح والديمقراطية الحقيقية.

إذا لم ينجح أحمد عبيدات في بلورة هذا التيار، فلابد من تشكيل تجمّع شعبي، يتخطى إطار الأحزاب التقليدية التي أصبحت عبئًا على الحالة السياسية، وجزءًا من تراث الأنظمة البائد الذي يستحق الثورة عليه والتخلص منه؛ من أجل الانتقال إلى مرحلة الإصلاح المطلوبة، وهذا يحتاج إلى ديناميكية جديدة فذّة تستطيع تشكيل إطار مقنع للحركات الشبابية الجديدة، والرغبات الشعبية الجارفة نحو التغيير، وتفاجئ الحالة السياسية التقليدية وتتخطاها بسلاسة ودهاء.
___________________
كاتب ومحلل سياسي أردني