استثمارات قطر الخارجية: بدائل عن الطاقة ونفوذ دولي

ساهمت الاستثمارات القطرية في تعزيز الحضور القطري اللافت في الساحة الإقليمية والدولية، وذلك من خلال انتهاج سياسة مبنية على ثلاثة محاور: توسع اقتصادي قوامه الاستثمارات الخارجية، احتضان (شبكة الجزيرة)، فضلا عن اتباع سياسة خارجية مؤثرة حيث أصبحت الدوحة مقرا لمؤتمرات الوساطة والمصالحة.
1_1068726_1_34.jpg

 

جاسم حسين

ليس من المبالغة الزعم بأن استثمارات قطر والتي تتوزع على مختلف القارات، وتشمل العديد من القطاعات تساهم في تعافي الاقتصاد العالمي؛ فقد ساهمت الاستثمارات القطرية في تعزيز الأوضاع المالية لبنك باركليز البريطاني، وذلك عبر شراء حصة إستراتيجية في المصرف في خضم تداعيات الأزمة المالية العالمية في العام 2008. كما أقدمت قطر على الدخول في شراكة مع اليونان وإبداء الرغبة في استثمار مليارات الدولارات في هذه الدولة التي تعرضت لأزمة مديونية خانقة في 2009 هددت مستقبل عملة اليورو.

وقد ساهمت هذه الاستثمارات في تعزيز الحضور القطري اللافت والمؤثر على الساحة الإقليمية والدولية بل حتى على مستوى عواصم القرار في العالم، من خلال انتهاج سياسة مبنية على ثلاثة محاور: توسع اقتصادي (وقوامه الاستثمارات الخارجية كنتيجة طبيعية لتطوير القطاع النفطي بشقيه: النفط والغاز)، بجانب احتضان الإعلام (شبكة الجزيرة)، فضلا عن اتباع سياسة خارجية مؤثرة بدليل احتضان الدوحة لمؤتمرات الوساطة والمصالحة.

هيئة قطر للاستثمار: ولادة حديثة نسبيا
استثمارات متنوعة: توزيع للمخاطر
كأس العالم: فرصة جديدة للأعمال
الإستراتيجيات: بدائل الطاقة
الاستثمارات طريق مزدوج
ورقة الاستثمارات في لعبة النفوذ

هيئة قطر للاستثمار: ولادة حديثة نسبيا 

ليس من المبالغة الزعم بأن استثمارات قطر والتي تتوزع على مختلف القارات، وتشمل العديد من القطاعات تساهم في تعافي الاقتصاد العالمي.
حققت قطر صيتا دوليا فيما يخص استثماراتها على الرغم من حداثة تاريخ دخولها مجال الاستثمار العالمي؛ إذ نجحت بفرض نفسها على خارطة الاستثمارات الدولية في فترة قياسية؛ حيث يعود تاريخ تأسيس هيئة قطر للاستثمار كصندوق سيادي للدولة للعام 2005.

ومهمة الهيئة العمل على تعزيز قدرات الاقتصاد القطري عبر اقتناء أصول واعدة أينما وُجدت لتنويع مصادر إيرادات الدولة. ومن شأن تعزيز الاستثمارات القطرية على الصعيد الدولي، وبالتالي تحقيق عوائد مالية الحد من مساهمة القطاع النفطي في ميزانية الدولة، ما يُعد هدفا إستراتيجيا. الجدير بالذكر هنا أن القطاع النفطي (النفط والغاز) يلعب في الوقت الحاضر دورا محوريا في الاقتصاد الوطني؛ حيث يعد المصدر الأول لإيرادات الخزانة العامة والمقدرة بنحو 44.5 مليار دولار (1) (موقع قطر إز بومينج، 31 مارس/آذار 2011). كما يحظى القطاع النفطي بنصيب الأسد من الصادرات فضلا عن كونه المساهم الأبرز للناتج المحلي الإجمالي.

تتمتع هيئة قطر للاستثمار بإمكانات مالية ضخمة لمساعدتها في تحقيق الأهداف المنشودة؛ إذ تزيد قيمة الأموال التي تحت سيطرتها عن 60 مليار دولار (2) (مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إبريل/نيسان 2010). بيد أن بعض المصادر لا تستبعد أن تتراوح قيمة الصندوق السيادي القطري ما بين 85 و 100 مليار دولار (3) (صحيفة الفايننشال تايمز 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2010).

تنفذ هيئة قطر للاستثمار مشاريعها الاستثمارية عبر المؤسسات التابعة لها، وفي مقدمتها قطر القابضة والتي تعد الذراع الاستثمارية الرئيسية للهيئة. كما تقوم شركة الديار القطرية المملوكة بالكامل للهيئة بالاستثمار في مجال العقارات. وبدورها تقوم شركة حصاد التابعة للهيئة بالاستثمار في القطاع الزراعي. إضافة إلى ذلك، تمتلك الهيئة نِسبًا مؤثرة في ملكية العديد من المؤسسات القطرية النشطة في المجالات المختلفة، مثل: كيوتل والتي تقود قطاع الاتصالات في قطر، فضلا عن شركة بروة العقارية. إضافة إلى كل ذلك، تقوم هيئة قطر للاستثمار بإدارة أصول جهات حكومية أخرى وخصوصا مؤسسة قطر وهي منظمة خيرية.

استثمارات متنوعة: توزيع للمخاطر 

حقيقة القول: ليس من اليسير تتبع الاستثمارات القطرية في كل بقاع العالم بسبب الاستدامة في شراء أسهم في شركات عاملة في مجالات مختلفة بما في ذلك الخدمات والصناعة والبناء. جديد الأمر عبارة عن تعزيز الارتباط مع المؤسسات العاملة في المجالات الرياضية، وذلك على خلفية حصول قطر على حق استضافة فعاليات كأس العالم 2022.

وتتميز الاستثمارات القطرية بالتنوع من حيث الدول المنتشرة فيها والمجالات، الأمر الذي يتناسب مع مبدأ توزيع المخاطر. وقد شكَّل العام 2010 منعطفا بالنسبة للاستثمارات القطرية من حيث التنوع وخصوصا في بريطانيا، وهو العام الذي ربما بلغت فيه استثمارات قطر في جميع أنحاء العالم قرابة 30 مليار دولار (4)  بالذات (بلومبرغ، 22 مارس/آذار 2010). ومن جملة الأمور المثيرة، استحواذ شركة قطر القابضة على ملكية متاجر (هارودز) الشهيرة في العاصمة البريطانية والتي يرتادها 15 مليون فرد سنويا بمبلغ قدره 2.2 مليار دولار (5) (صحيفة الفايننشال تايمز، 8 مايو/أيار 2010). وفي بريطانيا أيضا، تُعتبر قطر المستثمر الأبرز في شركة (سالزبري) الشركة العاملة في مجال البيع بالتجزئة عبر امتلاكها لنحو ربع أسهم الشركة (6) (موقع شركة سالزبري بتاريخ 18 مايو/أيار 2011).

إضافة إلى ذلك، تُعد قطر أكبر مستثمر في شركة (سونغ بيرد إيستس) (7) (موقع بي بي سي عربي، 9 مايو/أيار 2010) والتي  بدورها تمتلك المنطقة التجارية في (كاناري وولف) في العاصمة البريطانية. كما تمتلك قطر عبر شركة الديار القطرية بعض المباني المشهورة في لندن من قبيل مبنى السفارة الأميركية (8) (مجلة أريبيان بزنس، 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2009) في غروسنور سكوير الواقعة في منطقة الميفير. وقد قررت الجهات الرسمية الأميركية توظيف العوائد من بيع العقار لتشييد مبنى آخر لاحتضان السفارة الأميركية في العاصمة البريطانية على أن يتم الانتقال للمبنى الجديد في العام 2016. إضافة إلى ذلك، تمتلك شركة بروة العقارية والمملوكة بنسبة 45 % (9) لشركة الديار القطرية مبنى (بارك هاوس) الشهير في شارع أكسفورد (إم إس إن بي سي عربية، 22 يونيو/حزيران 2010).

وفي مجال القطاع الصناعي، تعتبر قطر ثالث أكبر مستثمر في شركة (فوكس ويجن) عبر سيطرتها على 17% (10) (موقع أمينفو، 20 ديسمبر/كانون الأول 2009) (11) من أسهم الشركة الألمانية والتي تضم مجموعة من الماركات العالمية من السيارات.

وفي قطاع الخدمات المالية، تسيطر قطر على أكثر من 15 % من بورصة لندن (موقع فايننس نيوز، 23 إبريل/نيسان 2009)  فضلا عن نحو 6 % من أسهم بنك (باركليز) البريطاني (12) (صحيفة التلغراف، 28 يونيو/حزيران 2008). وقد حصلت قطر على فرصة شراء حصة إستراتيجية في باركليز في أعقاب كشف المصرف عن حاجته لمستثمرين يرغبون في تنفيذ استثمارات طويلة في خضم تكيف المصرف البريطاني مع تداعيات الأزمة المالية العالمية. كما تعد قطر أكبر مستثمر في بنك كريديت سويس عبر امتلاكها لأكثر من 10 % (13) من أسهم المجموعة المصرفية السويسرية (موقع مكتوب، 24 إبريل/نيسان 2009).

وفي القطاع السياحي والضيافة، قامت قطر بشراء منتجع سياحي بسويسرا في منطقة ترتفع 900 متر بقيمة 300 مليون فرنك سويسري (14) أي 289 مليون دولار على أمل إعادة تجديده بحلة جديدة مطلع العام 2014 (موقع محيط، 8 مايو/أيار 2010). كما اشترت قطر حصة مؤثرة في سلسلة فنادق (فيرمونت) الدولية من مجموعة المملكة التي يديرها الأمير السعودي الوليد بن طلال. كما أقدمت شركة قطر القابضة على شراء فندق (فور سيزون الجيزة) والذي يعد أكبر فنادق العاصمة المصرية القاهرة فضلا عن الملحق التجاري (فيرست مول) بقيمة قدرها 250 مليون دولار. (موقع زاوية (15)، 12 يونيو/حزيران 2010)، كما تملكت شركة الديار القطرية فندق (لي رويال مونسو) في فرنسا (16) (موقع هوسبيتالتي نت، 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2010)؛ حيث تم إخضاع العقار والذي يعد أسطورة في مجال الفنون لتعديلات هيكلية قبل إعادة فتح أبوابه في أكتوبر 2010.

حققت قطر صيتا دوليا فيما يخص استثماراتها على الرغم من حداثة تاريخ دخولها مجال الاستثمار العالمي؛ إذ نجحت بفرض نفسها على خارطة الاستثمارات الدولية في فترة قياسية.
وفي مجال الاستثمار الزراعي، قامت شركة قطر القابضة في العام 2010 بالمساهمة بمبلغ قدره 2.8 مليار دولار في الاكتتاب العام في بنك الاستثمار الزراعي الصيني (17) (صحيفة العرب القطرية نقلا عن رويترز، 22 يونيو/حزيران 2010) وبالتالي تعزيز التواجد القطري في قطاع حيوي. كما يوجد لدى شركة حصاد المملوكة بالكامل لهيئة قطر للاستثمار استثمار قائم في أستراليا بقيمة 412 مليون دولار (18) (موقع معلومات مباشر، 22 مارس/آذار 2011). ويستهدف المشروع قطاع الزراعة والتربية الحيوانية، ويسعى خلال المرحلة الأولى إلى إنتاج 150 ألف رأس غنم سنويًا، إلى جانب 50 ألف طن من القمح لتصديرها إلى السوق القطرية.

وتمتد الاستثمارات القطرية لتشمل القطاع الترفيهي والسينمائي؛ حيث أقدمت شركة (فيلم يارد) القابضة المملوكة لعدد من المستثمرين بينهم قطر القابضة في نهاية 2010 على شراء شركة (ميرامكس) من مجموعة والت ديزني بقيمة 663 مليون دولار (19) (موقع هليوم، 30 يونيو/حزيران 2010). وعلى هذا الأساس، حصلت شركة فيلم يارد على حقوق 700 فيلم (20) بما فيها أفلام حائزة على جوائز الأوسكار (صحيفة الشرق القطرية، 5 ديسمبر/كانون الأول 2010).

وفيما يخص التعامل مع الدول، كشفت قطر في العام 2010 عن رغبتها باستثمار نحو 5 مليارات دولار (21) في مجالات الطاقة والسياحة في اليونان (صحيفة غالف نيوز نقلا عن الأسوشيتد برس، 24 سبتمبر/أيلول 2010)، الأمر الذي من شأنه مساعدة هذه الدولة العضو في منطقة اليورو في التكيف مع الآثار السلبية لمعضلة المديونية التي تعاني منها. وبالنسبة للدول الآسيوية، تم في العام 2010 إنشاء لجنة مشتركة بين هيئة قطر للاستثمار والصندوق الماليزي للتنمية لدارسة تنفيذ مشروعات مشتركة بين الجانبين؛ حيث توجد رغبة لدى الجانب القطري لاستثمار نحو 5 مليارات دولار في قطاعات الطاقة والعقار والسلع في ماليزيا (22) (موقع بلومبرغ، 14 مايو/أيار 2010).

كأس العالم: فرصة جديدة للأعمال 

من جهة أخرى، يشكل قرار الفيفا بمنح قطر حق استضافة مباريات كأس العالم 2022 فرصا استثمارية جديدة ربما لم تكن في الحسبان حتى الأمس القريب. وجاءت الاستجابة القطرية سريعة نسبيا؛ حيث أقدمت قطر القابضة في نهاية 2010 على أخذ 9.1% من أسهم شركة (هوختيف) الألمانية العاملة في مجال البناء في صفقة بلغت قيمتها 400 مليون يورو أو 526 مليون دولار (23) (مجلة أريبيان بزنس، 7 ديسمبر/كانون الأول 2010)، ويُتوقَّع أن تساهم الشركة الألمانية في الاستفادة من المشاريع المزمع إقامتها في إطار استعداد قطر لاستضافة كأس العالم 2022. ويشكِّل هذا التطور بحد ذاته تعزيزا للتواجد القطري في ألمانيا بالنظر لاستثمار قطر في شركة (فوكس ويجن) للسيارات.

إضافة إلى ذلك، أفسح حصول قطر على شرف استضافة المونديال فرصة لتوطيد علاقاتها مع كبريات الأندية الرياضية العالمية؛ حيث عرضت مؤسسة قطر والتي تعد بمثابة الجناح الخيري للدولة القطرية رعاية قميص فريق برشلونة الأسباني لكرة القدم لمدة خمسة أعوام لقاء مبلغ مادي يتم تقديمه للفريق الكاتالوني، وقد تم الاتفاق بين الجانبين على وضع شارة مؤسسة قطر على قمصان الفريق بدأ من موسم 2011-2012 (24)، (موقع كافلير سبورت،20 مايو/أيار 2011). كما تناقلت وسائل الإعلام البريطانية تقارير تشير لفرضية قيام شركة قطر القابضة بتقديم عرض لشراء نادي مانشستر يونايتد الإنجليزي بقيمة تبلغ 2.3 مليار دولار (25). (الديلي ميل، 24 فبراير/شباط 2011)، ومن شأن هذه الخطوات النوعية تعزيز الأجواء الرياضية في قطر في إطار الاستعدادات لاستضافة كأس العالم.

وأكثر من ذلك يُتوقع أن تدخل هيئة قطر للاستثمار عبر المؤسسات التابعة في شراكة فاعلة مع الدولتين اللتين تسبقان قطر في استضافة كأس العالم أي البرازيل في 2014 وروسيا في 2018. وقد بدأت قطر فعليا في تعزيز الشراكة الاستثمارية مع هاتين الدولتين في العام 2010 عبر شراء حصة من بنك برازيلي (26)، من جهة والاستثمار في مناجم روسيا (27) من جهة أخرى. وقبل إعلان الفيفا عن الدولة التي سوف تستضيف فعاليات كأس العالم 2022 استحوذت قطر على 5 % من أسهم (بنكو استندارد) بقيمة 2.7 مليار دولار (28) (موقع إنفست إن برازيل، 19 أكتوبر/تشرين الأول 2010)؛ وذلك في أعقاب جولة لأمير قطر في دول منطقة أميركا الجنوبية شملت البرازيل.

وفي الإطار نفسه، قررت هيئة قطر للاستثمار ضخ مبلغ قدره 500 مليون دولار في مشروع يستهدف التنقيب عن الذهب والنحاس في روسيا (29) (منتديات روسيا اليوم، 18 أكتوبر/تشرين الأول 2010).

الإستراتيجيات: بدائل الطاقة 

تتميز بعض إستراتيجيات هيئة قطر للاستثمار والمؤسسات التابعة، وعلى الخصوص قطر القابضة، بسرعة الانقضاض على الفرص الاستثمارية الواعدة مستفيدة بذلك من الإمكانات المالية المتوافرة؛ فقامت بانتهاز الفرص التي تجلت في أعقاب الأزمة المالية العالمية وما تلا ذلك من تدن في قيمة الأصول. ويوجد شبه إجماع بين المراقبين على أن القرارات الاستثمارية لقطر تتمتع بالشجاعة وسرعة التنفيذ.

تنتهج السلطات القطرية نهجها جديرا بالتقدير؛ حيث يتم توظيف الفوائض المالية ومصدرها الرئيسي القطاع النفطي، وخصوصا صناعة الغاز، لتحقيق هدف إستراتيجي يتمثل في تنويع مصادر إيرادات الخزانة العامة بعيدا عن القطاع النفطي. وتتربع قطر على عرش مصدري الغاز الطبيعي المسال، وهي المسألة التي تعززت في نهاية 2010 بعد بلوغ الطاقة الإنتاجية للغاز الطبيعي المسا

نبذة عن الكاتب