الاستثمارات الخليجية ليست فقط مهمة بل هي جوهرية أيضًا لضمان ديمومة الاقتصاد السوري وتحقيق أهدافه التنموية من قبيل تسجيل نسبة نمو مريحة وإيجاد فرص عمل واعدة للعمالة الوطنية في هذه الدولة، فضلاً عن استقطاب التقنية المتطورة وتشييد مناطق عمرانية عصرية في مختلف أطراف البلاد. ولن يكون من الخطأ وصف العقوبات الاقتصادية الخليجية في إطار العقوبات العربية والأميركية والأوروبية بمثابة انتفاضة اقتصادية ضد النظام السوري تضاف للانتفاضة الشعبية المستمرة منذ مارس/آذار 2011.
بيد أنه يمكن الزعم بأن مصيرًا مجهولاً ينتظر الاستثمارات الخليجية في سورية؛ حيث يُتوقَّع حدوث نوع من التباين لمستقبل تلك الاستثمارات بالنظر لموقف الدول الخليجية الست من الثورة السورية. ويُلاحَظ في هذا الصدد تولي كلٍّ من السعودية وقطر زمام المبادرة بالتأثير على المجتمع الدولي لاتخاذ مواقف حاسمة تجاه النظام الحاكم في سورية، وعليه فإن مصير استثمارات هذين البلدين الخليجيَّيْن يعتمد بشكل جزئي على مسألة بقاء أو سقوط النظام في دمشق.
يتطرق هذا التقرير بشيء من التفصيل للأهمية النسبية للاستثمارات الخليجية في الاقتصاد السوري فضلاً عن مناقشة تبعات الثورة على هذه الاستثمارات. كما يناقش جانبًا من الضرر الذي أصاب كلاًّ من الاقتصاد السوري واقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي على خلفية تراجع مؤشرات الأداء من جهة وعدم مواصلة العمل بشكل طبيعي بهذه الاستثمارات من جهة أخرى.
استثمارات متنوعة وضخمة
تُقدَّر الاستثمارات الخليجية بمليارات الدولارات وتتوزع على مختلف القطاعات الاقتصادية حيث لا تقتصر على السياحة والعقارات بل تمتد إلى الصناعة والطاقة والتقنية والخدمات المالية. وهنا لابد من تسجيل تميز الاستثمارات الخليجية لأنها فتحت آفاقًا جديدة للاقتصاد السوري عبر تنفيذ مشاريع في العاصمة وريف دمشق ويعفور وجبل الشيخ واللاذقية وحلب وغيرها من المدن السورية. إنصافًا، فإنّ أثر الاستثمارات الخليجية كبير في الاقتصاد السوري الأمر الذي أفسح المجال أمام دول مجلس التعاون لاستخدام الورقة الاقتصادية للضغط على النظام السوري للتخلي عن استخدم العنف في التعامل مع الثوار.
تتربع الإمارات على عرش الاقتصادات الخليجية المستثمِرة في سورية؛ حيث فاقت القيمة المالية لالتزاماتها حاجز الــ 20 مليار دولار قبل اندلاع الثورة والتي أدت إلى تبني قرار خليجي في إطار عربي بوقف التعامل التجاري مع دمشق. وتعد "مدينة بنيان" في جبل الشيخ بريف دمشق أكبر الاستثمارات الإماراتية كلفة ، ويضم هذا المشروع فنادق ومجمعات سكنية بخطة استثمارية تصل لـ 15 مليار دولار على مدى 12 عاما من تاريخ البدء في 2006(1).
ومن جملة الاستثمارات الإماراتية الأخرى، إطلاق شركة "إعمار العقارية" ومقرها دبي مشروع "البوابة الثامنة"، وهو عبارة عن بناء فندق سياحي ومحال تجارية وأبراج مكاتب وأبراج شقق سكنية وفيلات بكلفة 3.4 مليارات دولار. كما لدى الشركة نفسها مشروع "تلال دمشق" والذي يؤسس لمدينة دمشق الرقمية لتقنية المعلومات، ويضم مجموعة من الفيلات والشقق السكنية، فضلاً عن مكاتب ومراكز تجارية بقيمة نصف مليار دولار(2).
إضافة إلى ذلك، فإن لدى رجل الأعمال الإماراتي ماجد الفطيم استثمارات في مجالات السياحة الفندقية والبنية التحتية والخدمات المالية من قبيل مشروع "خمس شامات" قرب يعفور؛ حيث يضم مركز تسوق عصريًّا فضلاً عن فنادق وشقق ومكاتب بكلفة مليار دولار(3). وقد بدأ العمل بتشييد المشروع في عام 2010 بغية الانتهاء من أول مراحله في عام 2014، لكن مستقبلاً غير واضح ينتظره على خلفية توجه الدول العربية بشكل عام والخليجية بشكل خاص إلى وقف التعامل التجاري مع سورية في هذه المرحلة.
كما تتصدر قطر الاستثمارات الخليجية في القطاع المالي بدليل امتلاك بنك قطر الوطني نسبة تزيد عن 50 في المائة من "بنك قطر الوطني-سورية" والذي يعمل برأسمال قدره 300 مليون دولار. كما يمتلك بنك قطر الدولي الإسلامي 30 في المائة من "بنك سورية الدولي الإسلامي". أيضًا، يُعَد المستثمرون القطريون في طليعة حملة أسهم "بنك الشام الإسلامي"؛ الأمر الذي يفسر وصف البعض لقطر بأنها الخاسر الأكبر اقتصاديًا من تراجع أداء الاقتصاد السوري(4).
كما لا تقل الاستثمارات الكويتية أهميةً في ضخامتها وتنوعها؛ فهناك مشروع "مجموعة الخرافي" لإنتاج وتسويق الأسمنت بكلفة قدرها 100 مليون دولار. وتمتلك المجموعة نفسها فندق "بلودان الكبير" في دمشق فضلاً عن "شيراتون حلب"؛ ما يعني قيام مؤسسة واحدة بضخ أموال ضخمة في الاقتصاد السوري(5).
فيما يخص الاستثمارات السعودية، تقف مجموعة المملكة القابضة التي تعود ملكيتها للأمير الوليد بن طلال وراء تشييد فندق "فور سيزونز" الذي يُعد أهم الفنادق الراقية في العاصمة السورية ومقصدًا لعدد غير قليل من رجال الأعمال. وقد تم افتتاح الفندق في عام 2006 باستثمارات قدرها 100 مليون دولار(6).
في المجموع، ساهمت الاستثمارات الخليجية في تعويض سورية عن قدرتها المحدودة على استقطاب استثمارات أجنبية مباشرة كما تجلَّى ذلك في تقرير الاستثمار العالمي للعام 2011 الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "الأونكتاد"؛ فحسب التقرير، بلغت قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة لسورية تحديدًا 1304 مليون دولار في عام 2010؛ ما يشكِّل تراجعًا عن 1434 مليون دولار في عام 2009 فضلاً عن 1467 مليون دولار في عام 2008(7).
ولن يكون من الخطأ الزعم بأن الاقتصاد السوري نجح نسبيًّا في التعايش مع الأزمة العالمية للعام 2008 لأسباب عديدة منها القدرة على استقطاب استثمارات خليجية هامة. لكن الأمر اختلف هذه المرة بسبب لجوء الدول الخليجية للخيار الاقتصادي لمعاقبة النظام السوري بسبب تبنيه خيار العنف في التعامل مع مطالب الثوار السوريين.
تداعيات الثورة على الاستثمارات في سورية
نجحت سورية في تعزيز قدرتها على استقطاب استثمارات خليجية عبر تدشين مجالس مشتركة لرجال الأعمال وتوقيع اتفاقيات منفردة مع بعض الدول كتلك التي وُقِّعت مع كلٍّ من الإمارات والكويت. وكانت النتائج استقطاب استثمارات خليجية في مختلف المجالات وبأرقام لم يعتدْ عليها الاقتصاد السوري. في المقابل، جاءت طريقة تعاطي الدول الخليجية مع الثورة السورية كوقع الصاعقة على واقع وآفاق الاقتصاد السوري.
نّ ما أصاب الاستثمارات الخليجية في سورية من خروج لبعضها وتوقف البعض الآخر عن العمل ما هو إلاَّ ترجمة طبيعية لتوجهات وقرارات الجامعة العربية؛ ما أدّى لضياع جهود بُذِلت لسنين في طرفة عين.
لقد ارتبطت عملية الإصلاحات الاقتصادية في سورية والتي بدأها النظام منذ تولي الرئيس الحالي بشار الأسد، بشكل جزئي، باستقطاب استثمارات من دول مجلس التعاون الخليجي والتي تمتلك فوائض مالية ضخمة تُقدَّر بمليارات الدولارات، وشملت صور تشجيع الاستثمارات تقديم إعفاءات للمستثمرين من الرسوم والضرائب على الواردات المتعلقة بالمشاريع السياحية، فضلاً عن فرص تملك تلك المشاريع بالكامل(8). بيد أن التوجه الخليجي الجديد وجَّه ضربة موجِعة لرغبات المسؤولين السوريين في تحويل بلادهم إلى واحة استثمارات بالمنطقة.
خسارة الجانب الخليجي
فيما يخص الجانب الخليجي، تُضاف تداعيات الأزمة في سورية إلى سلسلة المشكلات الأخرى التي تتعايش معها الاقتصادات الخليجية في الوقت الحاضر من قبيل آثار أزمة اليورو ومديونية اليونان، فضلاً عن كل ما له علاقة بمعضلة الملف النووي الإيراني، بما في ذلك فرضية غلق مضيق هرمز والذي يُعد شريان الحياة بالنسبة لتجارة النفط. لكن ما يميز الخسارة في التعامل مع الملف السوري هو مضي دول مجلس التعاون الخليجي في خيار تنفيذ عقوبات اقتصادية لمضاعفة الضغط السياسي على النظام السوري بهدف حمله على وقف العنف ضدّ أبناء شعبه.
يُعَد الموقف الخليجي حيال الاستثمارات في سورية بمثابة مثال كلاسيكي لتوظيف الإمكانات الاقتصادية لتحقيق مكاسب سياسية، لكنه في الوقت نفسه سابقة في التعامل مع الملفات الدولية. إنّ دولاً أخرى مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تقوم بتوظيف الورقة الاقتصادية عبر فرض عقوبات لتحقيق مكاسب سياسية ويتجلّى ذلك في كيفية التعامل مع الملف النووي الإيراني.
لا شك، سيترك التوجه الرسمي الخليجي الجديد أثره على العلاقة بين القطاعين العام والخاص بالنظر لأن ملكية نسبة كبيرة من الاستثمارات الخليجية في سورية تعود لمستثمرين من القطاع الخاص مثل مجموعة الفطيم في الإمارات والخرافي في الكويت. وربما تشهد الأروقة ذات العلاقة في الدول الخليجية، مثل المجالس المنتخبة سواء البرلمانات أو الغرف التجارية، مناقشات ساخنة حول موضوع الشراكة بين القطاعين العام والخاص على خلفية طريقة التعامل مع الشأن الاقتصادي المرتبط بالملف السوري في حال تعاظم الخسائر.
وليس من الخطأ اعتبار الاستثمارات الخليجية في سورية -فيما يخص المشاريع غير المنتهية- بمثابة أموال مجمدة، ما يُعد خسارة من وجهة النظر الاقتصادية البحتة عبر حرمان الاستفادة من البدائل. أيضًا هناك خطر تعرض الاستثمارات للضرر المباشر على خلفية الأحداث التي تشهدها مختلف المدن السورية وخصوصًا حمص وربما مدن أخرى في حال استمرار امتداد شرارة الثورة للمدن الأخرى. وعليه لا يمكن إنكار تعرض الاقتصادات الخليجية لضرر مادي بسبب الأزمة السورية.
البعض الآخر من الاستثمارات الخليجية -والتي ما زالت قيد التشغيل في مجالات الفندقة والصناعة- تعرّض لنوع من تراجع العائد الاستثماري بسبب الظروف الاستثنائية التي يعيشها الاقتصاد السوري؛ فهناك تواتر للتقارير التي تؤكد انخفاضًا في أعداد الزوار والسياح لسورية منذ اندلاع الثورة فيها وهي مسألة مفهومة في ظل تصاعد أعداد الضحايا من المدنيين.
وربما يُفسّر هذا جانبًا من توجه شركات الطيران الخليجية لوقف أو تقليص الرحلات الجوية من سورية وإليها. وكانت شركات الطيران السعودية السبَّاقة في هذا المجال منذ فبراير/شباط 2012 تحت ذريعة انخفاض أعداد المسافرين وبالتالي الحد من قدرة تحقيق مكاسب تجارية(9). حيث كانت الخطوط الجوية السعودية تُسيِّر 10 رحلات أسبوعيًّا إلى سورية من مختلف المدن السعودية في الفترة التي سبقت الأزمة.
كما أنّ هناك مسألة العزلة المفروضة على القطاع المالي السوري عبر عقوبات أميركية وأوروبية تمنع التعامل مع المصرف المركزي السوري فضلاً عن وضع قيود على التحويلات من وإلى سورية. إن هذه القيود تضر بمصالح العديد من الأطراف بمن فيهم العمالة السورية العاملة في دول مجلس التعاون الخليجي.
وليس من المستبعد تعرض الاستثمارات الخليجية في مجال الخدمات المالية للمزيد من الضغوط في أعقاب قرار البنك السعودي-الفرنسي بيع حصته البالغة 27 في المائة في بنك "بيمو"، والذي يُصنَّف كأكبر بنك خاص في سورية(10). وجاءت هذه التطورات المتلاحقة بالنسبة لقطاع الخدمات المالية في سورية في الوقت الذي كانت بعض البنوك مثل "بنك الشام الإسلامي" تخطط لفتح المزيد من الفروع من جهة وزيادة رأس المال من جهة أخرى.
يُضاف إلى كل ذلك، تراجع قيمة العملة وبالتالي العائد الفعلي للاستثمارات، وعليه لا مناص للاستثمارات الخليجية من التكيف مع تداعيات هبوط قيمة العملة السورية؛ حيث كان الدولار الأميركي يعادل 47 ليرة سورية مع اندلاع الثورة في مارس/آذار 2011، لكن قيمة الليرة انخفضت إلى 58 ليرة للدولار في بداية 2012؛ بل وصل سعر التداول في السوق السوداء قرابة الــ 100 ليرة سورية للدولار الواحد مع حلول شهر مارس/آذار 2012؛ الأمر الذي استدعى تدخل النظام المالي عبر عرض توفير كمية كافية من الدولارات طمعًا في تحقيق التهدئة(11). بالطبع لقد حدث كل هذا بعد سنوات من شبه استقرار لقيمة صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي.
لقد اتسعت دائرة الضرر للاقتصادات الخليجية على خلفية الأزمة السورية؛ حيث أرسلت الولايات المتحدة تحذيرًا للقطاع التجاري في دول الخليج بشكل عام وفي الإمارات العربية المتحدة بشكل خاص، وذلك بعد منع شركة إماراتية من تسلُّم أجهزة دقيقة في أعقاب الكشف عن تصديرها لبعض الأدوات الحساسة إلى سورية تتعلق بتقييد استخدامات الإنترنت(12). وربما أرادات أطراف في الولايات المتحدة إرسال رسالة لبعض رجال الأعمال في بعض دول الخليج وخصوصًا في إمارة دبي التي تشتهر بتجارة إعادة التصدير عبر نشر خبر سلبي من هذا النوع.
بالتأكيد، يصعب التكهن بموقف النظام السوري من هذه الاستثمارات في حال بقائه في السلطة؛ حيث الخيارات مفتوحة على كل الاحتمالات؛ إذ من الممكن منح معاملة خاصة لمستثمري القطاع الخاص من الدول الخليجية الأقل تشددًا ضد النظام الحاكم في سورية، مثل الإمارات والكويت. لكن مصلحة سورية تكمن باحترام تعهداتها تجاه الاستثمارات الخليجية في حال عدم سقوط النظام للتأكيد على عدم خلط السياسة بالاقتصاد.
في المقابل، سوف تكون هناك خيارات أخرى في حال سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، بحيث قد تتخذ السلطات السورية الجديدة مواقف متشددة من المستثمرين السوريين الشركاء في المشاريع الخليجية بحجة المساهمة في إطالة أمد النظام.
خسائر الاقتصاد السوري
مما لا شك فيه أنَّ الطرف السوري هو الخاسر الأكبر جرّاء خروج بعض الاستثمارات الخليجية ووقف تنفيذ البعض الآخر منها بالنظر لتباين حجم اقتصاد الطرفين. كما أنَّه ليس من اليسير على الاقتصاد السوري تعويض الخسائر عبر استقطاب استثمارات من دول أخرى في ظل ظروف غير مواتية من قبيل العقوبات المفروضة من أطراف رئيسية في المنظومة العالمية مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
من جملة الخسائر النوعية للاقتصاد السوري، فقدان مؤشر بورصة دمشق 49 في المائة من قيمته السوقية في عام 2011 لأسباب تشمل تدني آفاق الاقتصاد السوري وبالتالي مستقبل الشركات المدرجة في البورصة(13). وليس من الخطأ ربط جانب من الانهيار الكبير الذي أصاب سوق المال السوري بالمقاطعة الاقتصادية المفروضة من الدول الخليجية بشكل خاص.
وكان الاقتصاد السوري الأكثر خسارة بين دول "الربيع العربي" حتى قبل تفاقم الوضع مع بداية عام 2012؛ فحسب دراسة أعدتها شركة "جيوبوليسيتي" لاستشارات المخاطر السياسية لصالح صندوق النقد الدولي، بلغ نصيب سورية أكثر من 27 مليار دولار من أصل قرابة 56 مليار دولار كلفة الربيع العربي حتى شهر سبتمبر/أيلول 2011(14). تتوزع التكاليف ما بين انخفاض لقيمة الناتج المحلي الإجمالي من جهة وتآكل المالية العامة من جهة أخرى.
ولابدَّ من الإشارة هنا إلى أنَّ دول مجلس التعاون الخليجي ترتبط بشكل جزئي بالحديث عن التعويض عن توريد النفط السوري بالنظر للعقوبات التي تفرضها دول الاتحاد الأوروبي. والإشارة هنا إلى تمتع السعودية بقدرة تعويض الأسواق العالمية عن النفط السوري تمامًا كما حدث مع حالة الاضطراب التي أصابت الأسواق بسبب عدم استقرار الإنتاج النفطي الليبي خلال فترة الثورة الليبية.
وقد بلغ الضرر قطاع النفط في ظل توجه بعض الدول الغربية إلى مقاطعة شراء النفط السوري؛ حيث يشكِّل الإنتاج النفطي حجر الزاوية بالنسبة لإيرادات الخزانة العامة السورية على الرغم من تراجع متوسط الإنتاج من 591 ألف برميل يوميًّا في 2001 إلى 385 ألف برميل في 2010(15).
لا تقتصر أهمية الاقتصادات الخليجية بالنسبة للاقتصاد السوري على الاستثمارات بل تمتد للتجارة البينية؛ حيث تشير الإحصائيات المنشورة إلى الأهمية النسبية الكبيرة للعلاقات التجارية مع السعودية وبالتالي كلفة خسارتها؛ فالسعودية تستقطب 5 في المائة من الصادرات السورية، كما أنها في طليعة الدول المزودة عبر تأمينها نحو 11 في المائة من الواردات السورية(16).
ختامًا، إذا كانت الثورة التي اندلعت في سورية عام 2011 قد شكَّلت ضربة سياسية موجعة للنظام السوري؛ فإن العقوبات الاقتصادية الخليجية كانت بمثابة الضربة القاضية؛ فما حدث هو عبارة عن ذهاب عمل السنين بعد أن عكف النظام على تدشين إصلاحات اقتصادية بقصد الحصول على استثمارات أجنبية بشكل عام وخليجية بشكل خاص.
وجاء توجه دول مجلس التعاون الخليجي بوقف التعامل التجاري، وبالتالي عدم المضي قدمًا في تنفيذ مشاريع استثمارية والتخلّي عن بعضها الآخر وفقًا للظروف الموضوعية كوقع الصاعقة على الاقتصاد السوري المتعطش للدعم الاقتصادي الخليجي. وربما قُدّر لصنّاع القرار في مجلس التعاون الخليجي استخدام الورقة الموجعة "الاقتصادية" بقصد الضغط على النظام الحاكم في دمشق؛ فإن تسارع خطى العقوبات الخليجية أفقد النظام السوري توازنه وجعله يركز على الأولويات أي التشبث بالحكم أولاً وأخيرًا بأية كلفة ممكنة.
ختاماً، فإنَّ العقوبات الاقتصادية ضد النظام السوري ما هي إلاَّ دليل مادي على تكامل السياسة والاقتصاد في عصر العولمة حيث انتشار التقنية، لأن القضايا في أية دولة ليست بالضرورة شأنًا محليًا نظرًا لترابط الأوضاع الدولية بعضها ببعض.
_____________________________
جاسم حسين-اقتصادي بحريني
مصادر البحث
1) دي برس، "قائمة أكبر الاستثمارات الخليجية في سورية"، 21 ديسمبر/كانون الأول 2011، الموقع الإلكتروني:
http://www.dp-news.com/pages/detail.aspx?articleid=106623
2) "الشركات الإماراتية تحتل صدارة الاستثمارات الخليجية في سورية" 9 يونيو/حزيران 2010، الموقع الإلكتروني:
3) "نمو كبير في الاستثمارات الخليجية في سورية"، 1 أغسطس/ آب 2009، الموقع الإلكتروني:
http://www.aqarcity.com/t442948.html
4) "تقرير خليجي:الاستثمار في سورية مخاطرة.. وقطر الخاسر الأكبر" 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، الموقع الإلكتروني:
http://shamnews.com/default.php?page=article&id=25279
6) "تقرير خاص: رصد لأهم الاستثمارات الخليجية في قطاعي العقار والسياحة في سورية" 21 ديسمبر/كانون الأول 2011، الموقع الإلكتروني:
http://www.argaam.com/Portal/Content/ArticleDetail.aspx?articleid=244595
7) مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) "تقرير الاستثمار العالمي 2011" 26 يوليو/تموز 2011، الموقع الإلكتروني:
http://www.unctad.org/sections/dite_dir/docs/wir11_fs_sy_en.pdf
8) "الشركات الخليجية تتنافس في الاستثمار بسورية" 15 أغسطس/آب 2006، الموقع الإلكتروني:
http://www.alwasatnews.com/1439/news/read/634129/1.html
9) "الخطوط الجوية السعودية توقف رحلاتها إلى سورية" 21 فبراير/شباط 2012، الموقع الإلكتروني:
http://www.alarabiya.net/articles/2012/02/21/196134.html
10) "سورية تواجه المزيد من الضائقة المالية بعد انسحاب البنك السعودي-الفرنسي" 2 ديسمبر/كانون الأول 2011، الموقع الإلكتروني:
http://www.aawsat.com/details.asp?section=6&article=652468&issueno=12057
11) “Syria to start managed float of currency next week, says central bank governor,”
20 يناير/كانون الثاني 2012، الموقع الإلكتروني:
http://www.bi-me.com/main.php?id=56249&t=1&c=26&cg=2&mset=1031
12) “US bans UAE company for supplying internet filter to Syria,”
16 ديسمبر/كانون الأول 2011، الموقع الإلكتروني:
http://www.bi-me.com/main.php?id=55774&t=1&c=26&cg=2&mset=1031
13) "مؤشر دمشق يفقد 49 بالمائة من قيمته السوقية في 2011" العنوان الإلكتروني:
http://stocksexperts.net/showthread.php?t=61367
14) "كلفة الربيع العربي 50 مليار دولار" 14 أكتوبر/تشرين الأول 2011، الموقع الإلكتروني:
http://www.bbc.co.uk/arabic/business/2011/10/111013_spring_costs.shtml
15) "BP Statistical Review of World Energy June 2011,"
الموقع الإلكتروني: إضغط هنا.
16) وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، "سورية"، 13 فبراير/شباط 2012، الموقع الإلكتروني:
https://www.cia.gov/library/publications/the-world-factbook/geos/sy.html