السياسة الخارجية الروسية والإسلام: إعادة تشكيل الهوية الوطنية

تبحث هذه الورقة أهمية الإسلام بوصفه مكوناً من مكونات الهوية الوطنية الروسية، وتأثير ذلك في السياسة الخارجية لروسيا وتدعو إلى ضرورة أن يسعى المسلمون هناك إلى كسر القيود التي تحيط بهم. وترى أن نجاح الإسلام بفرض نفسه كقوة سياسية ذات تأثير سيكون انتصارًا للمجتمع.
201429924495734_20.jpg
(الجزيرة)

ملخص
ترى هذه الورقة أن الإسلام لم يُرسخ في روسيا، عن قصد، كجزء مفاهيمي من الهوية الوطنية إلى أن تفكك الاتحاد السوفيتي قبل عقدين من الزمن. ولم تمنع العلمانية الصارخة للسوفييت أي دين من التطور، سواء داخل أو خارج إطار سياسي رسمي؛ لذا فإن دور العقائد التقليدية قد تقلّص وضعف إلى حد كبير على مدى عقود. وفي الآونة الأخيرة فقط، وجد الإسلام نفسه في روسيا غير مقيد بالقيود التي كبلته لعدة قرون.

وتشير الباحثة إلى العديد من المبادرات التي تُظهر بشكل واضح أن روسيا لديها كل الإمكانيات كي تصبح دولة تأخذ في الاعتبار الهوية الإسلامية في مجال سياستها الخارجية.

وتخلص الورقة إلى أن روسيا قامت خلال السنوات الماضية، بمحاولات شجاعة لتوسيع آفاقها السياسية وتعزيز علاقاتها مع العالم الإسلامي. ومع ذلك، فإن السياسة الروسية مفرطة في البيروقراطية، كما أن المجتمع المدني سلبي في العادة وتهيمن العلاقات من أعلى إلى أسفل على التعامل بين الحكومة والمجتمع. ومن المهم أساسًا للإسلام الروسي كسر القيود التي تحيط به وترسيخ نفسه في السياسة كعنصر مكون للهوية الروسية الوطنية. وإذا فرض الإسلام نفسه في روسيا كقوة سياسية ذات وزن فإن هذا لن يكون فقط انتصارًا للمجتمع، ولكنه سيمثل أيضا تحديًا واضحًا للعالم.

نادرًا ما ترتبط صورة روسيا في العالم بالهوية الإسلامية، وبينما تعد المسيحية الأرثوذكسية هي الطائفة السائدة، لا يعلم كثيرون أن روسيا هي موطن لما يصل إلى 14 مليون مسلم من مختلف الخلفيات العرقية. لم يُرسَّخ الإسلام في روسيا، عن قصد، كجزء مفاهيمي في الهوية الوطنية إلى أن تفكك الاتحاد السوفيتي قبل عقدين من الزمن. ولم تمنع العلمانية الصارخة للسوفييت أي دين من التطور، سواء داخل أو خارج الإطار السياسي الرسمي؛ لكن التضييق قاد إلى ضعف وتقلص دور العقائد التقليدية إلى حد كبير على مدى عقود. وفي الآونة الأخيرة فقط، وجد الإسلام نفسه في روسيا غير مقيد بالقيود التي كبلته لعدة قرون. وقد تحول تأييد الحكومة إلى تشجيع حقيقي، حيث أكد القادة الروس مرارًا وتكرارًا على أهمية الإسلام تاريخيًا وحاضراً، وصرّح بوتين:

"الإسلام، وبحق، ينال استحسانًا كبيرًا اليوم كجزء لا يتجزأ من الحياة الدينية والاجتماعية والثقافية في روسيا، وتستند تقاليده على القيم الخالدة من الخير والرحمة والعدالة".(1)

أسفرت سياسة العام 2000 جنبًا إلى جنب مع إعادة تشكيل صورة روسيا في العالم الإسلامي عن تحسن واضح في مواقف روسيا؛ فقد جددت روسيا نفسها، في الوعي الجماعي، لتظهر كبديل للوحشية المحارِبة التي قادها المحافظون الجدد، الذين وضعوا أنفسهم باستمرار ضد العالم الإسلامي. وإن كانت الثورة السورية قد أفسدت جزئيًا الصورة التي استعادتها موسكو، إلا أن التطورات الأخيرة وتدمير الأسلحة الكيميائية في سوريا وتنظيم مؤتمر جنيف2 للسلام أظهر أن مستوى الثقة في القيادة الروسية في العالم لا يزال مرتفعاً إلى حد ما.

ومع ذلك، فمن السابق لأوانه القول بأن الموقف من القضايا الإسلامية المحلية والخارجية في روسيا قد تبلور بشكل كامل، فما زالت الأمور في بداياتها. وفي الوقت نفسه تبحث روسيا اليوم عن الهوية الوطنية الجديدة، وتعتبر هذا البحث، القضية الأيديولوجية الأكثر الحاحاً في الوقت الراهن.

سمح ارتفاع أسعار النفط في العقدين الماضيين لروسيا باستعادة قوة الدولة بعد الأزمة السياسية والاقتصادية الطاحنة عقب انهيار الاتحاد السوفيتي. أما اليوم، فيجري النظر إلى القضية من زاوية أخرى، وعندما يتعلق الأمر بمسائل المشاركة السياسية ومسؤولية بناء الدولة، فإن المجتمع المدني الروسي غير مبال تمامًا. ويعتمد ما إذا كان بالإمكان أن يصبح المجتمع قوة متماسكة وواعية في قضايا الدولة إلى حد كبير على قدرة الجزء الليبرالي من النخب على تمكين عقول الناس كي يصبحوا أعضاء فاعلين في ماكينة صنع القرار الحكومي.

وبهذا الشكل لا يجوز أن يقلص دور الإسلام. ويتوجب على المسلمين الروس، نخبًا وجماعات، أن يكونوا أصحاب مصلحة حقيقية في السعي للحصول على حصة في الشأن الحكومي، والمشاركة على حد سواء مع القوى السياسية الأخرى، ويبدو أن كلاً من السياسة الخارجية والسياسة الداخلية في روسيا ستولي اهتماماً أكبر تجاه العالم الإسلامي، خاصة وأن روسيا العضو الدائم في مجلس الأمن الدولي يقيم فيها نسبة من المسلمين أعلى من أية دولة عضو أخرى في المجلس.

تشكيل الهوية في العصور الأولى

قامت علاقات المسلمين في الدول الأوراسية القديمة مع العالم منذ أن اعتنقت شعوب هذه الأراضي الشاسعة الإسلام في وقت مبكر من العصور الوسطى. وقد بحث أحمد بن فضلان، وهو رحّالة وكاتب خدم في بلاط الخليفة العباسي المقتدر، في القرن العاشر، حياة المسلمين في دولة فولغا بلغاريا (تُعرف الآن بروسيا الأوروبية) في منطقة الفولغا.

كان نهر الفولغا عبر عدة قرون شريان التجارة الذي يربط الأسواق الأوروبية والآسيوية. وتشارك الناس الذين يسكنون في هذه المنطقة في التجارة الدولية المزدهرة بين الشرق والغرب. وكانت التعاملات مع المجتمعات العربية والفارسية ذات منفعة متبادلة، وبالتالي كانت مستقرة ومنتظمة. ووفقًا لروايات شهود عيان وصفهم ابن فضلان في كتابه "الرسالة"، ضمّ وفد دعوي كبير أرسله الخليفة في بغداد عام 922 إلى "بلغار" التجار والحرفيين ورجال الدين والجنود. كما أن البعثة، التي عَبَرَت أيضا أراضي آسيا الوسطى وأوروبا الشرقية، تم إرسالها بناء على طلب من ملك "بلغار" لتعزيز التقاليد الإسلامية الوليدة في منطقة الفولغا-كاما.(2)

وحتى القرن السادس عشر تم تشكيل الدولة في قازان، وأستراخان، وسيبيريا والقرم، وكان ذلك، في الغالب، تحت التأثير الإسلامي، واستُخدم الرسم العربي واللغة العربية على نطاق واسع في العلوم والآداب ولأغراض روحية أخرى.(3) ومع مركزية موسكو وجوارها، واجه المسلمون تحديًا كبيرًا من أولئك الذين قلّلوا إلى حدّ كبير من الأهمية السياسية والاجتماعية والثقافية الأصلية للسكان المحليين.(4) وقد حظرت المستوطنات التي ظهرت، على السكان المحليين الاستقرار على طول ضفاف الأنهار الكبيرة والطرق التجارية. وبسبب هذا الحظر تحول المواطنون الذين كانوا يعملون في التجارة والصناعات التقليدية إلى الزراعة.(5)

أقنعت المحاولات غير المجدية لتنصير واستيعاب الأقليات القومية الحكامَ بتقديم بعض التنازلات، وقد بعث إصلاح العلاقات مع المسلمين وتوظيف العلاقات الدينية لخدمة الدبلوماسية،الأمل بتحقيق فوائد واضحة للإمبراطورية، وتم رفع الحظر على بناء المساجد في القرن الثامن عشر، بل تم تحفيز بنائها.(6) ولكن المبادرات الأكثر شجاعة وتأثيرًا كانت في مرسوم كاترين الثانية عام 1773 الذي نص على التسامح بين جميع الأديان، وتأسيس جمعية رجال الدين المسلمين في أورينبيرغ عام 1788. (7) وجاءت هذه الإجراءات بهدف تحفيز النخب الإسلامية على المشاركة في العملية الحكومية لخدمة مصالح الإمبراطورية.

وبقدر ما سمحت به الشؤون الإسلامية الداخلية من اعتراف بالسوفييت وتقريب العالم العربي-الفارسي، أيّد البلاشفة الإسلام في أشكال معينة، وكان هناك دور محوري للمسلمين السوفييت؛ فعلى سبيل المثال، في مطلع عشرينيّات القرن الماضي كانت الدولة السوفيتية الشابة وبريطانيا في منافسة دبلوماسية للهيمنة على جنوب غرب آسيا. وبفضل الدبلوماسي الروسي ذي الخلفية الإسلامية كريم حكيموف كان الاتحاد السوفيتي من بين أول من يعترف بعبد العزيز بن سعود ملكًا في عام 1926، وإن كانت العلاقات بين الاتحاد السوفيتي والحجاز قد أُنشئت قبل ذلك في عام 1924. كان السوفييت يعتقدون أن الاقتراب من آل سعود سيقربهم من العالم الإسلامي، ومن شأنه أن يحبط الطموحات البريطانية في منطقة الخليج.(8) في عام 1932 تم تنظيم زيارة لابن سعود، إلى الاتحاد السوفيتي. ولكن بعد أن أصبح حكيموف ضحية قمع ستالين، رفض ابن سعود قبول ممثل آخر، وانتهت العلاقات بين البلدين ليتم استئنافها فقط في تسعينيات القرن الماضي.

الحاضر ووجهات النظر

لمجموعة من الأسباب في الوقت الحاضر، لا يمكن وصف المسلمين الروس كمجموعة ضغط متماسكة، ولا كقوة تستطيع أن تقول كلمتها في الشؤون الخارجية للحكومة الروسية. وتجد روسيا نفسها على مفترق طرق تاريخي؛ فالأيديولوجية السوفيتية القديمة أصبحت بالية؛ وقد حان الوقت الآن للشعب والحكومة ليختاروا بشكل واع ما هو نوع المجتمع الذي يريدون العيش فيه، وماهو الأساس الذي يجب أن تقوم عليه الفلسفة الحكومية في روسيا.

أوجد التاريخ المأساوي من القرن العشرين مشكلة الهوية، أو من الأفضل القول: عدم وجود الهوية، كما نزعت الوحشية السوفيتية الصفة الرسمية للأمة من جذورها الثقافية، التي تُعتبر جزءًا لا يتجزأ من التاريخ المسيحي والإسلامي، وأدت إلى خسارة جزء من الكرامة الوطنية والشعور بالانتماء إلى المجتمع.(9)

يحاول الكرملين بشكل محموم تنفيذ فكرة التكامل الأوراسي، التي من شأنها أن تجمع المساحة الاقتصادية والثقافية لأوروبا الشرقية وروسيا وآسيا الوسطى. ومن أجل أن تكون الفكرة فعّالة ومنصفة للجميع، يجب أن تكون المبادئ قائمة بالفعل بموجب التكامل ومتميزة عن تلك التي تجمعت في فضاء الاتحاد السوفيتي. ومع ذلك، اتضح أن أفكار التعددية الثقافية تعيش أزمة في جميع أنحاء روسيا؛ فالنداءات القومية المتطرفة لـ"إنقاذ العاصمة البيضاء" من "الغرباء" تتردد في وسائل الإعلام. ولا تثير تلك الدعوات قلق العمال والضيوف من طاجيكستان أو قيرغيزستان فقط، بل أيضًا المواطنين في شمال القوقاز. وفي الوقت الذي يشجع فيه بوتين التكامل، يقترح إدخال نظام التأشيرات مع جمهوريات آسيا الوسطى. إن كيفية إحراز هاتين الفكرتين -التكامل والقومية الجديدة-تقدمًا هي أصعب لغز يواجه الجميع.

وعلى ما يبدو، ينطلق الخوف من الإسلام، والخوف من الآخر، من نفس العوامل التي نجدها في أوروبا الغربية، كما أن اتساع الفجوة في المجتمع حول قضايا الوحدة الوطنية/التفرقة والتفاعل مع الجيران المسلمين هي المعضلة الأكثر إثارة للقلق بالنسبة للهوية في روسيا، والتي تتطلب الحشد والتوافق من جميع القوى الليبرالية.

ومع ذلك، يجب ألا نقفز إلى استنتاج أن الحكومة الروسية لا تفعل شيئًا لإصلاح العلاقات مع المجتمعات المسلمة في العالم. بل على العكس تمامًا. وعلى الرغم من عدم الاتساق في النهج تجاه الهجرة والاندماج، يحمل الكرملين طموحات واضحة للتواصل مع العالم الإسلامي على أسس من الاحترام والمساواة، وتتمثل الخطوة الحاسمة في تشكيل العلاقات بانضمام روسيا لمنظمة التعاون الإسلامي بصفة مراقب في عام 2003. كان تخطيط بوتين لتقريب روسيا إلى منظمة المؤتمر الإسلامي خطوة ملفتة ليس فقط للدوائر القريبة منه، ولكن أيضًا للمسلمين الروس أنفسهم. وعبّر بوتين عن ذلك بقوله: لعدة قرون ارتبطت روسيا كبلد أوراسي مع العالم الإسلامي بعلاقات طبيعية تقليدية. في بلادنا يعيش الملايين من المسلمين، وهم يعتبرون روسيا وطنهم. أنا مقتنع بأن مشاركة روسيا لن توسع فقط الأطياف الحية للمجتمع، بل أيضًا ستزيد من إمكانيات العمل الجديد فيها، وسوف تجلب معها وزنًا وصوتًا لمجتمع المسلمين الروس. وهو المجتمع الذي لم يعد يفصل نفسه عن المجتمع الدولي من المسلمين، وهو مستعد للمشاركة بشكل مثمر في الحياة الدينية والثقافية والسياسية.(10)

وكثيرًا ما أشار القادة إلى أن روسيا تطورت تاريخيًا كدولة متعددة الثقافات والأديان، وقد أعطى انضمامها لمنظمة التعاون الإسلامي بصفة مراقب الموافقة والدعم للمنظمة الإسلامية للمضي قُدُمًا في العلاقات مع إخوانهم في الدين على مستوى الدولة. حاليًا، هناك عدد من الفعاليات الحكومية الدولية، التي تسعى إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية بين روسيا والعالم الإسلامي، مثل القمة الاقتصادية السنوية التي تُعقد بين روسيا ومنظمة المؤتمر الإسلامي منذ عام 2009. ويبدو أن تطوير نظام مالي بديل وتقوية العلاقات الاقتصادية بين روسيا والعالم الإسلامي -أساسًا الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا- يمكن أن تصبح محفزات لإنشاء نظام مالي إسلامي عالمي، منافس للاقتصاد التقليدي.

وهناك العديد من المبادرات الأخرى التي تُظهر بشكل واضح أن روسيا لديها كل الإمكانيات كي تصبح دولة تسترشد في سياستها الخارجية بالهوية الإسلامية أيضًا، ويشمل ذلك: المنتديات والمؤتمرات المعنية بمشاكل آنية في العالم الإسلامي، مثل: التطرف، والتشدد، والفهم الخاطئ للقيم الإسلامية في الوعي الجماعي. في عام 2012 استضافت موسكو المؤتمر الإسلامي الدولي "العقيدة الإسلامية ضد التطرف". وقد نُظّم المؤتمر من قبل المركز الدولي الكويتي "الوسطية"، والمركز الإسلامي الروسي والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. وبعد يومين من النقاش اعتمد المشاركون، إعلانًا حول الجهاد، وتطبيق الشريعة والخلافة. وكان من بين المشاركين الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ونائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ورجال الافتاء في عدة دول، ووزير الشؤون الدينية في تونس، ووكيل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويتي وغيرهم.

وعلى الرغم من الاختلافات في النهج نحو الثورة السورية، وافق العلماء من أصحاب التأثير على قبول الروس في ناديهم لتدعيم الشؤون العالمية البينية الإسلامية.(11)

على الصعيد الإقليمي، هناك عدد من المحافل الدولية التي تسعى لتقديم أرضية لمناقشة مجموعة واسعة من ممثلي المنظمات الإسلامية وغير الإسلامية، والمسؤولين الحكوميين من روسيا ورابطة الدول المستقلة وحتى في الخارج؛ فعلى سبيل المثال كان موضوع المنتدى الإسلامي الثامن الذي نُظّم في موسكو هو توحيد المسلمين في رابطة الدول المستقلة، ومستقبلهم المشترك وإنجازاتهم. ويعتقد قادة مسلمون أنهم قادرون على تسهيل التكامل بين الشعوب، بينما توفر الحكومات المنصة القانونية والبنية التحتية لمشاريع مثل الاتحاد الأوراسي. ويهدف تعزيز المجتمعات الإسلامية في رابطة الدول المستقلة لجسر الفجوة الأيديولوجية، التي تقسم المجتمعات بشأن مسائل الهوية الوطنية.

وهناك فعاليات حيوية ودينامية أخرى تبرز دور الإسلام في روسيا ومن بينها معرض موسكو السنوي "حلال"، الذي عُقد للمرة الرابعة في شهر يوليو/تموز 2013. وقد تم تنظيم منتدى التمويل الإسلامي والاستثمار ومنتدى الشباب المسلم خلال أيام المعرض.

من المؤثر جدًا رؤية كيف يعبّر المسلمون الروس عن أنفسهم في المجال الثقافي؛ ففي سبتمبر/أيلول 2013 استضافت موسكو منافسة تلاوة القرآن الدولية الرابعة عشرة. وتجمع هذه المنافسة حافظي القرآن من الشرق والقارات الأوروبية والآسيوية والأميركية. وهناك عدد من المنشدين المعروفين بفنهم في روسيا والخارج، مثل ابنة الرئيس الشيشاني رمضان قديروف، خوتمات، و لديها العديد من مقاطع الفيديو، بما في ذلك تلك التي تم تسجيلها مع منشدين معروفين مثل الشيخ الكويتي مشاري بن راشد العفاسي.

وهناك عدد غير قليل من الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي تظهر بأن روسيا دولة تصنّف هويتها الإسلامية تصنيفًا عاليًا.

الخلاصة

تاريخيًا، يعتبر التمييز بين النهج الغربي والروسي واضحًا من خلال الاستشراق، ويعود ذلك إلى أعمال العلماء المسلمين، الذين كانوا يربطون أفكارهم بمناقشات عامة حول الإسلام، خلافًا لنظرائهم الغربيين. ولم ينزع الباحثون الروس إلى التقليل من أهمية الإسلام أو خفض شأنه إلى حد وصفه بالثقافة البربرية حتى في ظل الإلحاد السوفيتي المحموم.

وتعد روسيا اليوم دولة علمانية ذات طبيعة شديدة المركزية فيما يتعلق بالشؤون السياسية المقفل عليها في الكرملين، والدين مفصول عن الحكومة، ودوره في السياسة الخارجية مقلّص. ومع ذلك هناك خطوط فصل غير واضحة بين الدين والسياسة في هذه الأيام. ويظهر ذلك بوضوح في السعي للهوية الوطنية؛ فعلى سبيل المثال، عندما يلتقي رئيس مجلس الإفتاء الروسي الشيخ رافيل غينتدين الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، أو رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس، فإنه لا يواجه أية اعتراضات من الكرملين لأنه لا يتم التطرق إلى القضايا السياسية. ولكن من المؤكد أن روسيا لديها قدرات على إعادة تشكيل هويتها الوطنية، لصالح شمول أكبر للمسلمين. أما بالنسبة للسياسية الخارجية، فإن التصرف تجاه العالم الإسلامي من منظور طويل الأجل له، بلا شك، تأثير على طرق إدارة الشؤون الدولية.

على مدى السنوات الماضية قامت روسيا بمحاولات شجاعة لتوسيع آفاقها السياسية ووضع نفسها على قدم المساواة مع العالم الإسلامي. ومع ذلك، فإن السياسة الروسية مفرطة في البيروقراطية. كما أن المجتمع المدني سلبي في العادة ويهيمن نموذج من أعلى إلى أسفل على العلاقات بين الحكومة والمجتمع. أما طرق مقاربة الشؤون الحكومية الداخلية، فهي رسمية جدًا، وتفتقر إلى الوفرة الحقيقية. لهذا السبب، من المهم أساسًا للإسلام الروسي كسر القفل وترسيخ نفسه في السياسة كعنصر مكون للهوية الوطنية الروسية. وإذا فرض الإسلام نفسه في روسيا كقوة سياسية ذات وزن فإن هذا لن يكون فقط انتصارًا للمجتمع، ولكن أيضًا سيشكل تحديًا واضحًا للعالم.
_________________________________________
كارينا فايزولينا - باحثة روسية متخصصة في العلاقات الدولية

الهوامش والمراجع
1-RIA Novosti (2012) Putin considers Islam indelible part of Russia’s religious life, 30 August, http://ria.ru/religion/20120830/733504906.html#ixzz2ftKGsxZN ;
2- N. F. Hermes (2012). The European Other in Medieval Arabic Literature and Culture: Ninth-Twelfth Century AD (Palgrave Macmillan), Pp. 80-83
3-A Yuzeev (2007) Philosophical thought of the Tatars (Tatar publishing house)
4-I.A. Nurimanov (2007) ‘Comparative analysis of the pilgrimage of Muslims and Christians in Russian Empire’, Contemporary problems and perspectives of Islamic studies, Orientalism and Turkology, 14 May
5-D. Garayev (2013) ‘Socila Islam – Tatar Islam in search of self-identification, Minaret Journal No. 1(34)
6-I.K.Zagidullin (2007) Islamic Institutions in Russian Empire: Mosques in European part and Siberia (Tatar publishing house), p. 102
7- A.V. Malashenko (2007) Islam for Russia (ROSSPEN), pp. 93-94.
8- J. Jacobson (1994) When the Soviet Union entered world politics (University of California Pr), pp. 80-82
9-S. Karaganov (2013) ‘The new frontiers’, Russia in Global Affairs, 19 August, http://www.globalaffairs.ru/pubcol/Novye-rubezhi-16095
10-V. Putin (2003) ‘Speech by Russian President at the Tenth Summit of Heads of State and Government of the Organization of the Islamic Conference, October 16
11-R. Muhametov (2012) ‘Russian Muslims and foreign politics’, Russia in Global Affairs, No. 3
12-R. Muhametov (2013) ‘Nasheeds become a new successful brand of Chechenya’, Kavkazskaya Politika, 25 April, http://kavpolit.com/a-tot-kto-s-pesnej-po-zhizni-shagaet/

نبذة عن الكاتب