(الجزيرة) |
ملخص إن الاهتمام الإقليمي والدولي بأزمة إفريقيا الوسطى وخصوصا اهتمام تشاد وفرنسا يعود إلى أن لكل منهما قوات عسكرية في البلاد، ولم ينقطع الحضور العسكري الفرنسي في البلاد منذ الاستقلال وإن اختلف حجمه من فترة لأخرى، أما حضور تشاد العسكري فيعود إلى أواخر التسعينات. ويختلف الهدفان: الفرنسي والتشادي بخصوص حضورهما العسكري في إفريقيا الوسطى؛ فالأمر بالنسبة لتشاد يعني الدفاع عن مصالح أمنية واقتصادية ذات أولوية، فهو لا يريد أن تتحول جمهورية إفريقيا الوسطى إلى قاعدة خلفية لمعارضته المسلحة كما أنه يحرص على استخدام مراعي إفريقيا الوسطى لانتجاع مواشي مواطنيه أثناء فصل الصيف. أما بالنسبة لفرنسا فالأمر يأتي أساسًا استجابة لضغط اللوبي الإنساني (أغلب المنظمات الدولية غير الحكومية في إفريقيا الوسطى عام 2013 كانت منظمات فرنسية)، ومناشدات خفية لبعض الدول في المنطقة. لن يكون هناك حل سريع لأزمة إفريقيا الوسطى؛ فعمق جذور الأزمة يفسر استحالة تجاوزها في وقت وجيز؛ فقبل كل شيء يجب احتواء الأزمة الأمنية للتمكن بعد ذلك من إعادة إرساء هياكل الدولة وبناء اقتصاد قادر على توفير فرص للعمل. |
خلف الأزمة الأمنية يقبع الاقتصاد
لقد بدأت الأزمة التي تعصف حاليًا بإفريقيا الوسطى بوقت طويل قبل استيلاء تحالف سيليكا Seleka على السلطة في مارس/آذار 2013؛ فالأزمة الأمنية القائمة هي محصّلة تشابك أزمة سياسية عانى منها النظام الذي قاده لمدة عشر سنوات الجنرال فرانسوا بوزيزي François Bozizé وأزمة اجتماعية واقتصادية سابقة لذلك النظام. ويمكن القول: إن الهاوية التي تتردى فيها اليوم جمهورية إفريقيا الوسطى تعود لتضافر الانحطاط الاجتماعي والاقتصادي الذي يحيق بالبلد منذ نهاية الثمانينات، وفشل الديمقراطية في عقد التسعينات (من بين خمسة رؤساء تعاقبوا على قيادة البلاد منذ الاستقلال هناك ثلاثة عسكريين بينهم الأخير)، وسوء التسيير البنيوي طيلة العشرية الأولى من القرن الحادي والعشرين.
فبعد عهده الذهبي الذي يرتبط في الذاكرة الجمعية بحكم بوكاسا Bokassa، لم يفتأ الاقتصاد وسط الإفريقي في تدهور مطرد؛ فمنذ نهاية التسعينات إلى اليوم تناقص عدد الشركات العاملة في البلاد من 250 إلى 25، وعشية الأزمة عام 2012 لم يبق من المؤسسات المزدهرة سوى مؤسسة معدنية واحدة، وقد تعرضت هذه المؤسسة للنهب أثناء اجتياح Seleka وآل بها الأمر إلى وقف جميع نشاطاتها التي كنت منحصرة في التنقيب. ورغم أن قادة إفريقيا الوسطى ظلوا على الدوام يفتخرون بثروة البلاد المعدنية، فإن البلد ظل يفتقر إلى قطاع معدني حقيقي إذ لم يوجد قَطّ في إفريقيا الوسطى إنتاج صناعي في مجال المعادن؛ فالذهب والماس على سبيل المثال ظلّا يُستخرجان بطريقة تقليدية؛ ما جعل حجم إنتاجهما متواضعًا جدًا بالمقارنة مع المنتجين الآخرين في القارة الإفريقية، كما ظل أغلب النشاط فيهما خارجًا عن سيطرة الدولة.
أما الزراعات التجارية (القطن، البن، ...إلخ) فقد تدهورت ولم ترق بعد ذلك إلى مستوى الإنتاج القديم. ووحدها زراعة الحبوب والخضروات الأساسية قد مكّنت أكثرية سكان الأرياف من البقاء أما النشاطات الاستخراجية الأخرى كشركات استغلال الغابات فلم يعد عددها يتجاوز أصابع اليد الواحدة وباتت كلفة تمويلها تعوق قدرتها التنافسية في السوق الدولية. ومع انسحاب المستثمرين أصبحت الوظيفة العمومية (مع تواضعها إذ لا يزيد عدد موظفي الدولة على 18000) المشغل الأول في البلد. وقد أدى التقلص التدريجي للنشاط الإنتاجي وغياب الاستثمارات إلى سيادة الاقتصاد غير الرسمي، ونتج عن ذلك هبوط المؤشرات الاقتصادية إلى مستويات أدنى من المعدل في إفريقيا كما هي الحال بالنسبة للناتج القومي الخام بالنسبة للفرد (تدنى من 963 دولارًا عام 1980 إلى 722 دولارًا في 2010)، ومدة التمدرس ونسبة وفيات الأطفال. ووفق التصنيف الذي وضعه برنامج الأمم المتحدة للتنمية للدول حسب مؤشر التنمية البشرية لعام 2013 تحتل إفريقيا الوسطى المرتبة 180 من بين 187 دولة.
وكان يخفف من وطأة هذه الأزمة الاقتصادية العميقة الاعتماد الكبير على العون الأجنبي وخاصة المساعدات الأجنبية التي كانت تؤمّن دفع الرواتب؛ فرغم الانحطاط الاقتصادي، استطاع نظام فرانسوا بوزيزي François Bozizé بفضل مساعدات مالية متعددة المصادر (البنك الدولي، البنك الإفريقي للتنمية، الاتحاد الأوروبي، ...إلخ) أن يدفع بانتظام تقريبًا رواتب الموظفين التي تضمن الأمن الاقتصادي للعاصمة بانغي. ومن أسباب التراجع الكبير في اقتصاد إفريقيا الوسطى شيوع الرشوة وإهمال المسؤولين المتعاقبين على السلطة. ونتيجة سوء تسييرهما، فإن نظامي باتاسي Patassé (1993-2003) وبوزيزي Bozizé (2003-2013) قد نفّرا المستثمرين الأجانب وأضعفا مؤسسات الدولة. وقد أبقى هذان النظامان القطاع الاستخراجي في تخلف تام وشوّها كثيرًا سمعته؛ وذلك من خلال كثرة التغييرات التي أدخلاها على التشريع المعدني وحرصهما على الاستفادة من المؤسسات حتى قبل تحقيقها أي اكتشاف. وفضلاً عن ارتفاع كلفة التنقيب نتيجة عزلة البلاد وغياب البنى التحتية، عانى المستثمرون من الكثير من النزاعات فانتهى بهم الأمر إلى العزوف عن إفريقيا الوسطى.
الناتج الداخلي الخام بالنسبة للفرد |
انضافت إلى الأزمة الاقتصادية الصامتة أزمة سياسية حادة؛ فبعد فترة أولى من الهدوء عصفت الأزمة بنظام فرانسوا بوزيزي François Bozizé خلال ولايته الثانية التي لم تكن موفقة؛ فقد مكّنت انتخابات 2011 المزورة الجنرال من البقاء في السلطة لكنها أفرزت استياء عميقًا داخليًا وخارجيًا وهو ما أضعف النظام كثيرًا. فقد أدى تهميش المعارضة في اقتراع 2011 إلى تعزيز لُحمتها كما أن فرانسوا بوزيزي François Bozizé استغل الانتخابات لإسناد وظائف سياسية لأعضاء من محيطه القريب وتركيز السلطة في دائرة عِرقية عائلية ضيقة.
وقد أذكت هذه الاستراتيجية السياسية تخوفات من إجراء تغييرات دستورية تسمح بولاية ثالثة لبوزيزي Bozizé؛ ما أدى إلى توترات في معسكره الخاص ودفع في اتجاه توحد المجموعات المسلحة في الشمال الشرقي.
وقد أدى ضعف اقتصاد الدولة، أي ضعف الجباية، ووهن الجهاز الأمني في الوقت ذاته إلى تهيئة الظروف لنشوب الأزمة الأمنية التي عصفت بالبلاد في نهاية عام 2012. إن وصول سيليكا Seleka إلى أبواب بانغي واستيلاءها على المدينة في مارس/آذار 2013 قد مهّد له انحطاط تدريجي جلي للنظام الذي نجح في السابق في احتواء الجماعات المسلحة في الشمال الشرقي من خلال المزاوجة بين التفاوض وأعمال القوة التي كانت تقودها قوى صديقة (خاصة فرنسا عام 2007 وتشاد والسودان مع القوة الثلاثية في منطقة فاكاغا Vakaga). لكن هؤلاء الحلفاء بدأوا ينأون بأنفسهم عن الصراع قبل أن ينتهي بهم الأمر إلى التخلي عن النظام عام 2013.
نزاع ديني دون مطالب دينية
إن الاضطراب الجيوسياسي الداخلي لإفريقيا الوسطى هو سبب أعمال العنف الحالية؛ فمنذ الاستقلال ظلت دوائر القرار تحت هيمنة الأعراق المسيحية (غبايا Gbaya، ياكوما Yakoma، سارا Sara، ..إلخ). وجميع الرؤساء الذين تعاقبوا على حكم البلاد (داكو Dako، بوكاسا Bokassa، كولينغبا Kolingba، باتاسي Patassé وبوزيزي Bozizé) كانوا كلهم مسيحيين ولو أن اثنين منهم (بوكاسا Bokassa وباتاسي (Patassé قد اعتنقا الإسلام تزلفًا. ويشكّل السكان المسلمون تاريخيًا أقلية ظلت تهيمن على محافظات الشمال وخاصة فاغاكا Vagaka التي ظلت يُنظر إليها منذ الاستعمار بوصفها طرف البلاد القصي. وقد مثّل وصول سيليكا Seleka إلى السلطة صدمة كسرت قواعد لعبة سياسية كانت تتحكم فيها طبقة سياسية تمثل المجموعات العرقية في غرب البلاد ووسطها وتدور في فلك الحكم العسكري. وهكذا أخلّ تحالف المجموعات المسلحة في الشمال الشرقي بمعادلة السلطة في إفريقيا الوسطى من خلال سيطرة مواطنين وسط إفريقيين عانوا طويلاً من التهميش وأجانب مسلحين على العاصمة بانغي ومناطق أخرى كانوا مجهولين فيها كغرب البلاد(1). كما أن رد الفعل ضد سيليكا يندرج أيضًا في نطاق صراع الثقافات القائم بين سكان المناطق الساحلية وسكان الغابات. وقد بالغ الرئيس بوزيزي Bozizé في وصف هذا التغيير السياسي والديني المزدوج بالمؤامرة الإسلامية لكن هذه الدعاية كان تأثيرها على الناس سيظل محدودًا لولا التجاوزات التي ارتكبها مقاتلو سيليكا في منطقة الرئيس السابق العرقية وفي العاصمة بانغي.
إن تجاوزات سيليكا في بانغي وفي المحافظات الغربية ابتداء من شهر مايو/أيار 2013 قد أثارت ردود فعل عنيفة حيث تشكّلت مجموعات للدفاع الذاتي تسمى "أنتي بالاكا" Anti-balaka لم تلبث أن هاجمت المجموعات المسلمة في المدن الغربية ولم تعد تفرّق بين سيليكا وسائر المسلمين. وقد شجّع هذا الخلط بين سيليكا وجميع المسلمين خطاب الشيطنة الذي روّجه نظام بوزيزي ضد سيليكا والتقارب المريب بين بعض التجار المسلمين وسيليكا في بانغي؛ فاستيلاء سليكا على بانغي قد استُقبل بحفاوة من بعض تجار السوق الأساسي في المدينة الذي يوجد فيه الكثير من التشاديين، وقامت سريعًا روابط مصالح بين مقاتلي سيليكا وهؤلاء التجار إلى درجة أن السوق المذكور تحول، على مرأى ومسمع من الجميع، إلى أهم مكان لبيع المنتجات التي تنهبها سيليكا (خاصة السيارات والوقود).
ومع كل هذا، فإن حمى معاداة المسلمين التي يبدو أنها أصابت جزءًا من البلد لها جذور أعمق من سيليكا؛ فهناك أمر بالغ الدلالة وهو استهداف مجموعتين من السكان المسلمين بشكل أخص، وهما: التجار في المدن وملاك المواشي الفلان في البوادي. وهذا يعكس حقدًا دفينًا بين ملاك المواشي والمزارعين وحنقًا على هيمنة المسلمين على التجارة؛ فالمسلمون يلعبون دورًا أساسيًا في قطاع التجارة في بانغي والمحافظات الداخلية ويمثلون "أغنياء" في وسط يطبعه الفقر المدقع. ولهذا كان النهب الممنهج لحوانيت المسلمين في المدن التي سيطرت عليها "الأنتي بالاكا" نوعًا من العنف الانتهازي يتيح الاستيلاء على ممتلكات الغير والتخلص بسهولة من الدائنين.
وقد جذّر منطق العنف نزعة التطرف لدى الجانبين؛ فلمواجهة تهديد "الأنتي بالاكا" انضم ملاك المواشي الفلان إلى صفوف سيليكا وقاموا بأعمال انتقامية؛ وفي بانغي تنتهي المظاهرات غالبًا بتقتيل المسلمين وسط تنامي الشعور بالحقد على المسلمين والثأر ممن استولوا على العاصمة خلال عام 2013. وهناك اليوم حركة سكان جديدة تُلاحَظ في إفريقيا الوسطى؛ فالمسلمون الأجانب يغادرون البلاد فضلاً عن مواطنين مسلمين ينزحون إلى تشاد والكاميرون وآخرين يصحبون سيليكا في انسحابها نحو شرق البلاد؛ فسكان بانغي المسلمون قد تناقصوا بنسبة 90% وهم يعيشون محاصرين في بعض الأحياء. ويتردد صدى هذا العنف في كامل البلاد ما أدى إلى مغادرات وقائية (حتى من المدن التي لم تحتلها الأنتي بالاكا)؛ وهو ما جعل وكالات الغوث الإنساني تواجه معضلاً يتمثل في مساعدة مسلمي المناطق الغربية على النزوح أو على البقاء مع ضمان أمنهم وغذائهم. ولم يعد تقسيم البلاد على أساس ديني مستبعدًا في وقت يعاد فيه تشكيل خارطتها الدينية.
تحدي الحكومة الانتقالية الثالثة: إحياء الدولة في إفريقيا الوسطى
إن الرئيسة كاثرين سامبا بانزاCatherine Samba Panza التي عينها المجلس الوطني الانتقالي في أواخر شهر يناير/كانون الثاني 2014 تواجه تحديًا كبيرًا يتمثل باحتمال اختفاء جمهورية إفريقيا الوسطى كدولة، وقد تم وضع برنامج عملها على ضوء خارطة طريق المرحلة الانتقالية التي وُضِعَت في الثلث الثاني من عام 2013 وحددت جميع المهام التي يجب القيام بها لإنقاذ البلاد (إعادة الإعمار، العون المستعجل، تسيير قدامى المقاتلين، التحضير للانتخابات، ..إلخ). لكن خارطة الطريق هذه لم يُنفّذ بعدُ أيٌّ من بنودها، والأزمة الأمنية لا تزال بعيدة من الحل؛ فبعض مناطق البلاد لا يزال تحت سيطرة سيليكا وبعضها الآخر تحت سيطرة أنتي بالاكا التي تطعن في شرعية سلطة الحكومة الانتقالية وتهيمن على بعض الأحياء في بانغي (وأحد قادتها وهو باتريك نغايسونا Patrick Ngaissona يتحدى العدالة ويفلت من الاعتقال). وتعاني الحكومة الانتقالية من انعدام وسائل العمل وتفتقر إلى المال؛ فصناديق الخزينة العامة فارغة والوظيفة العمومية لم تدفع الرواتب منذ خمسة أشهر. وتستجدي الحكومة الانتقالية حاليًا عون جميع الممولين لتتمكن من صرف رواتب الموظفين وإعادة تشغيل الإدارة التي لا يمكن دونها إعادة إعمار البلاد ولا تنظيم الانتخابات المبرمجة في عام 2015. وإذا لم يتوفر عون استعجالي في ظرف وجيز فإن هذه الحكومة توشك أن تفقد فاعليتها وشعبيتها.
تدخلات عسكرية خارجية مختلفة الأهداف
تشترك تشاد وفرنسا في أن لكل منهما قوات عسكرية في إفريقيا الوسطى، ولم ينقطع الحضور العسكري الفرنسي في البلاد منذ الاستقلال وإن اختلف حجمه من فترة لأخرى، أما حضور تشاد العسكري فيعود إلى أواخر التسعينات. ولتشاد حضور ضمن عملية الاتحاد الإفريقي (البعثة الدولية لمساعدة إفريقيا الوسطى)، وحضور عسكري آخر خارج تلك القوات، ويوجد بعض قوات تشادية في شمال شرق إفريقيا الوسطى في محافظة فاغاكا Vagaka منذ سنوات بناء على اتفاق مع بانغي، كما يوجد بعضها دون غطاء شرعي بعد أن جاء لترحيل المواطنين التشاديين. أما فرنسا فقد نشرت قواتها لتأمين مطار بانغي أثناء انتصار سيليكا، ثم قررت بعد ذلك تنفيذ عملية لنزع السلاح بدأت في أوائل ديسمبر/ كانون الأول وتضم الآن ألفي جندي.
ويختلف الهدفان: الفرنسي والتشادي بخصوص حضورهما العسكري في إفريقيا الوسطى؛ فالأمر بالنسبة لتشاد يعني الدفاع عن مصالح أمنية واقتصادية ذات أولوية، فهو لا يريد أن تتحول جمهورية إفريقيا الوسطى إلى قاعدة خلفية لمعارضته المسلحة كما أنه يحرص على استخدام مراعي إفريقيا الوسطى لانتجاع مواشي مواطنيه أثناء فصل الصيف. ويرى البعض أن تشاد لن تقبل بقيام أنشطة لاستخراج النفط في شمال إفريقيا الوسطى مع أن وجود هذا النفط غير مؤكد أصلاً.
أما بالنسبة لفرنسا فالأمر لا يتعلق بمصالح أمنية واقتصادية خاصة. وللحضور العسكري الفرنسي في المنطقة نقطتا ارتكاز (ليبرفيل ونجامينا)، والمؤسسات الفرنسية القليلة التي لا تزال موجودة في البلاد لم يعد لها رقم أعمال ذو بال. كما أن عدد أفراد الجالية الفرنسية بات محدودًا جدًا، لكن التدخل الفرنسي يأتي أساسًا استجابة في الوقت ذاته لضغط اللوبي الإنساني (أغلب المنظمات الدولية غير الحكومية في إفريقيا الوسطى عام 2013 كانت منظمات فرنسية)، ومناشدات خفية لبعض الدول في المنطقة.
رغم العلاقات بينهما على بعض مسارح العمليات، فإن القوات الفرنسية والتشادية لا تعملان بانسجام في بانغي؛ فقد أُرسلت القوات الفرنسية أصلاً لنزع سلاح سيليكا لكنها لم تلبث أن لاحظت التقارب بين سيليكا والقوات التشادية؛ ما أدى إلى توترات بين الجنود الفرنسيين والتشاديين واحتكاك بين القوات التشادية والبوروندية ضمن البعثة الدولية لدعم إفريقيا الوسطى. وهكذا يمكن أن نشكّك في وجود تدخل دولي منسجم في إفريقيا الوسطى نظرًا للتنافر بين مختلف القوات الأجنبية.
نحو مخرج من الأزمة
كما أشار إلى ذلك الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره الأخير فلن يكون هناك حل سريع لأزمة إفريقيا الوسطى؛ فعمق جذور الأزمة يفسر استحالة تجاوزها في وقت وجيز؛ فقبل كل شيء يجب احتواء الأزمة الأمنية للتمكن بعد ذلك من إعادة إرساء هياكل الدولة وبناء اقتصاد قادر على توفير فرص للعمل. والرهان الأكبر الآن في إفريقيا الوسطى هو التمكين سريعًا لدورة اقتصادية تتيح لمعظم السكان كسب عيشهم بنزاهة. وهذا يقتضي العزوف عن التصورات الجاهزة لبناء السلام واللجوء إلى التفكير النقدي لفهم أسباب فشل المساعدات الإنمائية المقدمة للبلاد.
_____________________________________
تييري فيركولون - مدير مشروع إفريقيا الوسطى بـمجموعة الأزمات العالمية (International Crisis Group)
الهوامش
1- بالنسبة لبروز سيليكا والاستيلاء على السلطة، انظر: تقرير Crisis Group "أولويات الانتقال"، 11 يونيو /حزيران 2013.