مستقبل حركة الشباب بعد مقتل مؤسسها وقائدها

أسّس أحمد عبدي الشهير بكنيته أبو الزبير، حركة شبابية جهادية صومالية استطاعت أن تحكم نصف مساحة البلاد، وأرغم إثيوبيا على إرسال خمسة آلاف مقاتل للصومال، واضطرت كينيا لأول مرة في تاريخها أن تدخل حربًا خارج حدودها، وأعلن الاتحاد الإفريقي أن حركة الشباب خطر على إفريقيا بأكملها.
20149992848815580_20.jpg
مقاتلون من "الشباب" (الجزيرة نت-أرشيف)
ملخص
أوصل أبو الزبير حركة الشباب المجاهدين في الصومال إلى القمة العسكرية والتنظيمية، لكنَّ طريقة تعامله مع إخوانه نتجت عنها انشقاقات داخل الحركة إضافة إلى السقوط الأخلاقي في العمليات والاغتيالات، مع قلة الموارد المادية واللوجيستية، والأغرب من كل ذلك، أنه لم يجعل الحركة تنظيمًا مؤسسيًا بل كوّن ورسّخ حركة كلها باتت في يده، مما يعني  أنها كانت دولة رجل واحد، مما يمهد لأن تموت الحركة معه، ويتزامن مقتله مع موت بطيء للحركة؛ فقد أصدرت القيادة العامة للحركة بيانًا هنأت فيه أميرها بالشهادة، وأعلنت اختيارها لزعيم جديد وهو أبو عبيدة أحمد عمر، وجددت بيعتها للقاعدة، ولأن القائد الجديد غير معروف خارج الحركة، فسيكون مستقبل الحركة مرهونًا بطبيعة قيادته، وتمكّنه من الحفاظ على ما تبقى من الحركة، مع رفع كفاءتها القتالية والتعبوية، لكن، قد يسبّب تعيين شخص غير مشهور إلى انشقاقات أخرى وخلافات لأسباب ليس أقلها التجاهل للقيادات التاريخية ومؤسسي الحركة لتبوُّء قيادة السفينة إلى بر الأمان، واختيار قائد خارج الأطر القيادية، بل رجل تأكد انضمامه إلى الحركة بعد سيطرتها على مدينة كسمايو، أي بعد تأسيس الحركة بأعوام.

من هو زعيم الحركة؟

الاسم الحركي هو: الشيخ أبو الزبير مختار عبد الرحمن، بينما الاسم الحقيقي: أحمد عبدي أو آدم "غدني" من مواليد ثمانية وستين من القرن الماضي، وهو مولود في مدينة هرجيسا حاضرة أرض الصومال، وخريج كليتي الاقتصاد، والدراسات الإسلامية، بالجامعة الإسلامية في إسلام آباد بباكستان عام خمسة وتسعين. وأثناء الدراسة كان يتردد على السفر إلى أفغانستان للتدريب القتالي هناك، وتلقّى الفكر الجهادي، وارتبط مع قيادات ميدانية لتنظيمات التيار الجهادي في باكستان وأفغانستان، لكنه لم ينضم إليهم عضويًا، ولم يكوّن لنفسه علاقات مباشرة مع قيادات مشهورة على عكس صديقه، إبراهيم الأفغاني، أحد مؤسسي حركة الشباب، الذي كانت له علاقة شخصية مع عبد الله عزام، وأسامة بن لادن، وأيمن الظواهري، (قُتل إبراهيم بأوامر مباشرة من أبو الزبير العام الماضي).

أسهم أبو الزبير بشكل كبير في طرد زعماء الحرب من مقديشو بداية 2006، وشارك في تكوين المحاكم الاسلامية كأمين عام للمكتب التنفيذي، ممثلاً لحصة التيار الشبابي الجهادي، وانفصل عن عباءة المحاكم 2007 بعد تشكيل تحالف إعادة تحرير الصومال برئاسة شيخ شريف شيخ أحمد في أسمرة، وأبو الزبير له اليد الطولى في مقاومة القوات الإثيوبية في جنوب الصومال، إلى أن اضطرت  تلك القوات للانسحاب عبر مفاوضات جيبوتي مع تحالف إعادة التحرير جناح شيخ شريف الذي أصبح لاحقًا رئيسًا انتقاليًا للبلاد.

زعيم الحركة، كان يجيد الإنجليزية، والعربية، والأردو، إلى جانب لغته الأم الصومالية والتي أصبح شاعرًا بارعًا بها، وحمل أربع شهادات علمية (ماجستير في الاقتصاد، وأخرى في الدراسات الإسلامية، ومثلهما في المرحلة الجامعية) عُرف عنه، أنه إنسان خلوق، ومتأدب للغاية، واشتُهر بالشجاعة والفصاحة، وهادئ ومتواضع للغاية، وعُرف من بين أصدقائه بالذكاء الخارق، مثقف وقارئ مطلع، وهو العقل والفيلسوف لحركة الشباب إلى جانب تأسيسه وقيادته لها منذ ثماني سنوات.  

في عز حركة الشباب

تحت قيادة "أبو الزبير" استطاعت الحركة السيطرة على تسع محافظات من أصل ثماني عشرة محافظة على مستوى الجمهورية، وتحولت الحركة من تنظيم محلي يقاتل ضد زعماء الحرب إلى حركة إقليمة ودولية تهدد الأمن العالمي خاصة أميركا وبريطانيا.

ورغم أن المجتمع الصومالي مجتمع قبلي، إلا أن حركته تمكنت من تكوين جيش مقاتل تجمعه العقيدة ومبايعة أميرها أبو الزبير، مع أن زعيم الجماعة لا ينتمي إلى العشائر القاطنة في الجنوب، إلى جانب قوة أمنية موزعة في المناطق وتتولى حماية الأمير، والعمليات التفجيرية، وكذلك الاغتيالات والأعمال الاستخباراتية، وكان يختار أفضل الشباب معرفة، وذكاء من المناطق التي تحت سيطرته، وكانت تتمتع بقدرات فائقة لتنفيذ مخططاتها، واستخدام الأساليب التكنولوجية، مع السرية التامة، وفي غضون سنوات قليلة، نقل فكره وخططه إلى الدول المجاورة، خاصة كينيا، وتنزانيا، وجزر القمر، واستقطب متطوعين من أغلب دول العالم من أوروبا إلى أميركا، ناهيك عن إفريقيا وآسيا، ولم يشهد التاريخ الصومالي الحديث حركة معقدة ومنظمة لهذه الدرجة مثل حركة الشباب، ولعل أقربها نهجًا هي حركة الدراويش بقيادة السيد محمد عبد الله حسن في بدايات القرن العشرين.

في مناطق حكم حركة الشباب استشعر المواطنون الأمن والأمان، وأقاموا محاكم قضائية تفصل بين الدعاوى، ولم تُسجَّل أية خروقات أمنية أو حتى عمليات سطو في أماكن نفوذها، وابتكرت الحركة أساليب قتالية جديدة بعضها تأكد لاحقًا أنه يُدرّس في إحدى الكليات الحربية في إثيوبيا، مثل طريقة جديدة لقطع المؤن والمعدات عن جيش العدو، (أثناء انسحاب القوات الإثيوبية من مقديشو اضطرت للسير على الأقدام من العاصمة إلى الحدود الإثيوبية-الصومالية لمسافة تصل ثمانمائة كيلو متر)، وتمكن مقاتلو الحركة من زرع خلايا في ولاية بونتلاند، والتمركز في الجبال المرتفعة هناك، ولا تزال هذه القوات منتشرة هناك حتى اللحظة، وتفصل في بعض الأحيان مدينة بوصاصوا (ذات الميناء التجاري في شرق الصومال) عن المدن الأخرى في بونتلاند.

العد التنازلي للحركة

لكن الحركة وبعد انسحابها من العاصمة، وتقهقرها العسكري من المدن الرئيسية في الجنوب جرّاء الهجوم الكاسح للقوات الصومالية والإفريقية، وسيطرة القوات الكينية على مدينة كسمايو (المدينة الساحلية ذات الميناء التجاري في الجنوب) وفقدانها حكمها لأغلب المناطق في الجنوب، ولم يتبق نفوذها إلا في منطقة واحدة، وهي: جوبا السفلى، من أصل تسع مناطق كانت تسيطر عليها، وعدد من مدن أخرى محاصرة من المداخل والمخارج، وكذلك جيوب متنقلة في القرى والبوادي، ونتج عن ذلك خسارتها المادية من الأموال المستقاة من الزكوات، والضرائب (كانوا يسمونها: رسوم للخدمات الإدارية)، والتجارة من الفحم المصدر إلى الخارج، (وقد وقّع الرئيس أوباما قبل عام قانونًا يمنع التجارة في الفحم الصومالي، من أجل تجفيف المنابع الاقتصادية عن حركة الشباب)، وقلة العمليات الهجومية للحركة على مناطق النفوذ للحكومة الصومالية والقوات الإفريقية بسبب غياب الدعم المادي، وقلّص دورهم تنفيذ تفجيرات نوعية، واغتيالات مخططة تستهدف نواب البرلمان وزعماء المجتمع، كما توقفت التنقلات العسكرية بسبب قلة الموارد اللوجيستية للمقاتلين.

وكان الإعلام الصومالي ينقل الأخبار تلو التقارير عن سقوط مدينة، أو قرية من الجنوب بيد القوات الحكومية والإفريقية، على عكس ما كان يتناول في الأعوام السابقة التوسع العسكري للحركة وتمددها في كل أرجاء الجنوب إلى أن وصلت قواتها إلى شمال شرق البلاد (بونتلاند).

الانشقاقات وشق الصفوف

كان الشيخ مختار عبد الرحمن أبو الزبير انتُخب أميرًا للحركة لمدة ستة شهور فقط، من أجل تأسيس وتكوين حركة جهادية، وبعد هذه المدة تم التوافق على عقد مؤتمر عام لإجراء انتخاب أو توافق على أمير يقود الحركة لفترة محددة وفق اللوائح والنظم المتبعة، ووضع هياكل وأفرع لجسم الحركة، لكن الأمير ماطل في الموعد المنتظر لأسباب كانت مقبولة في السنتين الأوليين، وهي: وجود الاحتلال الإثيوبي، والحروب المتسارعة التي كانت الحركة تخوضها، وانتخاب خصمهم رئيسًا للصومال وهو الشيخ شريف شيخ أحمد، وغيرها من الأسباب المنطقية التي أقنعت القيادات الأخرى بتأجيل المؤتمر العام. لكن، وبعد أن توسعت رقعة سيطرة الحركة، وتمكنت من التحكم في نصف الصومال جغرافيًا، أراد بعض قيادات الحركة إعادة ترتيب الحركة من جديد، وإصلاح البنية القيادية، وعقد مؤتمر عام يشاركه مجلس الشورى والمجلس التنفيذي لانتخاب أمير للحركة، وأن الظروف مواتية لوضع أسس متينة تبني مستقبلاً واعدًا للمشروع الجهادي في القرن الإفريقي، وكتابة قوانين تحدد صلاحيات الأمير وتوزع السلطات بين مجلس الشورى والتنفيذي والولايات وكذلك الأمير، لكن أمير الحركة رفض الفكرة، وفسرها بمؤامرة قد تمهد لمنازعته على الإمارة، وأصدر حينها قرارات تصعيدية تجاه من يحمل فكرة عقد المؤتمر العام، وأقال نائبه والمتحدث المشهور للحركة الشيخ مختار روبو "أبو منصور" وعيّن بديلاً عنه الشيخ على طيري.

وبعد سجال ونقاشات بين الأطراف المتنازعة على مستوى القيادة العليا، تم التفاهم على لجنة تفصل بين الطرفين، وتستمع لشكاوى الجميع، وأُعلن عن لجنة سُميت بلجنة التحكيم، واتفق الطرفان على أن تكون قرارات هذه اللجنة ملزمة ونهائية، وترأّس اللجنة مهاجر من جزر القمر هو أبو الزبير القمري، وعندما كان من المتوقع تنفيذ مقررات لجنة التحكيم، أصدر الأمير قرارات مصيرية، منها: حل مجلس شورى الحركة، وتعيين محاكم قضائية تابعة بشكل مباشر له، وتوسيع صلاحيات الأمير، وإقالة رؤساء المكتب التنفيذي مع تعيين قيادات شابة جديدة خارج القيادة المشهورة من الحركة، ومن هنا انقسمت الجماعة إلى تيارين متباينين في الرؤى، وبدأ إصدار بيانات يدافع فيها كل طرف عن موقفه.

وطفح الى السطح الخلاف بين القيادات التاريخية للحركة والتي أدت إلى التصفية الجسدية لأبزرهم، مثل: الشيخ إبراهيم حاج جامع ميعاد (الملقب بإبراهيم الأفغاني، أحد مؤسسي الحركة، والمطلوب أميركيًا)، وأبو منصور الأميركي (عضو مجلس الشورى، والمطلوب أميركيًا) والشيخ عبد الحميد حاشي (الملقب بمعلم برهان، رئيس المكتب الدعوي وعضو المجلس التنفيذي للحركة). بالإضافة إلى تصفية متطوعين بارزين من دول عربية وإفريقية، أبرزهم: أبو أسامة البريطاني، وأبو الزبير من جزر القمر، (رئيس لجنة التحكيم).

ومطاردة الشيخ مختار روبو إلى أدغال جنوب البلاد (أبو منصور روبو، المتحدث والنائب السابق لأمير الحركة، والمطلوب أميركيًا) وثلاثة آخرين لا يزالون أيضًا مطلوبين أميركيًا، واختفى أثرهم، ولا يُعرف هل فروا إلى خارج البلاد، أم اختفوا في البوادي والقرى النائية؟ ولا ننسى أن الشيخ حسن طاهر أويس (رئيس الحزب الإسلامي السابق) هرب عبر قارب إلى البحر خوفًا على نفسه بعد تهديد مباشر باغتياله، وهو الآن في سجون مقديشو في أيدي الحكومة الصومالية.

وكان إبراهيم الأفغاني رفيق درب أمير الحركة أبو الزبير، لكنه، بعث رسالة إلى أيمن الظواهري قبل مقتله بشهر، وكان يشكو من قسوة أمير الحركة عليهم، ووضعه في موضع الشبهة، واتهمه بتصفية المجاهدين، وكان عنوان رسالته (إني أنا النذير العريان). ويعرف المراقبون أن سبب مقتله هو الرسالة العلنية التي كانت تنتقد أمير الحركة أبو الزبير، ووصف بيان لاحق من الحركة أن أي نقد من هذا النوع ما هو إلا خدمة للأعداء والمشاريع الصليبية، وأن المشروع الجهادي أكبر من الأسماء البارزة وأصحاب العمائم.

تدهور سمعة الحركة

في فترة محاربة زعماء الحركة، وانضمامهم إلى المحاكم، والدور البارز الذي لعبوه في مقاومة الجيش الإثيوبي توفّرَ لهم بيئة دينية مؤيدة، وحاضنة شعبية أكسبتهم تعاطفًا قبليًا، واستقطاب مقاتلين من أعمار مختلفة في جميع أرجاء البلاد، وكان المتحدث السابق للحركة أبو منصور روبو قد استطاع إقناع فئات متعددة من الشعب، بالإضافة إلى الخطاب الديني والسياسي لأمير الحركة، والذي كان خطابًا مفوهًا ومتوازنًا، لكن بعد بدء العد التنازلي لرقعة السيطرة للحركة وفقدان قوتها وتماسكها الداخلي، قامت الحركة بعمليات تفجيرية أفزعت الشارع الصومالي، وكان أسوأها، تفجير فندق شامو، والذي راح ضحيته أول دفعة بعد الحرب الأهلية متخرجة في كلية الطب مع أربعة وزراء من الحكومة، وهم وزراء القطاعات الخدمية ومعهم شخصيات عامة أخرى، وأيضًا التفجير الذي كلّف مقتل تسعين طالبًا فازوا بمنح دراسية تركية، وأكثر من مائة قتيل من مارة الشارع وموظفي الخدمات لوزرات التربية والتعليم والصحة، وكان الحادث الذي غير رأسًا على عقب تصور الشعب لهذه الحركة.

أما الوسط الديني، فمشايخ التيار الإسلامي بكل توجهاته كانت -ولا تزال- تنكر تصرفات هذه الحركة، وتصدر بيانات تندد بالأعمال التي تقوم بها الجماعة، وأبرزها هيئة علماء الصومال التي أصدرت فتاوى عديدة تشير إلى أن هذه الحركة لا تمثل الإسلام الصحيح، بل تسيء إليه من خلال العمليات التي وصفتها بالتخريبية، لكن القشة التي قصمت ظهر البعير كما يقال، كانت عندما نفّذ الجهاز الأمني التابع للحركة اغتيال اثنين من أكبر علماء المرجعية للتيار السلفي في الصومال، وهما: الدكتور أحمد حاج عبد الرحمن، الذي قُتل بعد أدائه صلاة الفجر في خارج المسجد، والشيخ عبد القادر نور فارح، الذي أُطلق على رأسه الرصاص وهو في الركعة الأخيرة من صلاة العصر في أحد مساجد مدينة جرووي في بونتلاند.

هذه التصرفات الأخيرة، حوّلت الحركة من تنظيم جهادي تختلف الآراء حوله ما بين مؤيد ومعارض، إلى حركة منبوذة دينيًا، وفقدت حاضنتها الشعبية، واشتبكت عسكريًا مع بعض القبائل، وهي القبائل التي كانت تؤويها وتؤازرها حتى وقت قريب، وجعلت قائدها أبو الزبير رجلاً سيئَ السمعة وتحمّل العبء الأكبر من الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها الحركة منذ تأسيسها إلى يوم إعلان مقتله، وهو، يوم فرح به على السواء قيادات التيار الإسلامي بمن فيهم مشايخ السلفية إلى جانب الحكومة ومن ورائها المجتمع الدولي، وعلى رأسه أميركا التي نفذت الغارة على موكب أمير حركة الشباب.

العلاقة مع القاعدة

لم يكن أسامة بن لادن مرتاح البال بانضمام حركة الشباب إلى تنظيم القاعدة، وربما لأسباب سياسية وجغرافية، ولحصوله أيضًا على تقارير متضاربة عن شخصية أمير الحركة، وثقته الكاملة في التيار المخالف لأبو الزبير في وسط الحركة، من أمثال: إبراهيم الأفغاني، وأمين سر القاعدة فضل محمد (مات في الصومال عام 2010 بطريقة غامضة)؛ وتبرهن على ذلك الرسائل المنشورة بعد مقتل بن لادن.

وبعد أن تولى زعامة القاعدة أيمن الظواهري حصلت الحركة على الاعتراف الرسمي من القاعدة، وأعلنت بيعتها للظواهري كما نشر الأخير شريطًا يقبل مبايعة الحركة له وانضمامها تحت راية القاعدة.

لكن العارفين لتاريخ الحركة يرون أن إعلان الانضمام إلى القاعدة كانت جزءًا من استراتيجية الأمير أبو الزبير لفك الارتباط مع خصومه بالداخل، وذلك بإخراج الحركة من تنظيم محلي يحق له ترتيب هياكله إلى جماعة دولية تأتمر بأوامر زعيم القاعدة، وبناء على ذلك لا يحق عزل أمير الحركة سوى للأمير العام  للتنظيم وهو الدكتور أيمن الظواهري، وقد جددت حركة الشباب بيعتها للقاعدة في بيانها الأخير بعد مقتل أميرها إثر غارة أميركية الأسبوع الماضي.

مستقبل الحركة

أسّس أحمد عبدي "غدني" أبو الزبير، حركة جهادية، شبابية، عسكرية، استطاعت بفضل إدارته أن تحكم لسنوات نصف مساحة البلاد، وبنى أقوى مؤسسة أمنية في التاريخ الحديث للصومال، وأقلق مضاجع الغرب، وزلزل عرش رؤساء القرن الإفريقي؛ حيث أرغم إثيوبيا على أن ترسل خمسة آلاف مقاتل إلى الصومال، واضطرت كينيا لأول مرة في تاريخها أن تدخل حربًا خارج حدودها، وأعلن الاتحاد الإفريقي أن حركة الشباب خطر على إفريقيا بأكملها، ويتواجد في الصومال الآن أكثر من عشرين ألفًا من قوات الأميصوم، واستقطب مقاتلين من كل أنحاء العالم، وتمددت الحركة إلى كينيا خاصة مدينة ممباسا، ومدنًا أخرى في تنزانيا، وجيوبًا في جزر القمر.

لكن الرجل الذي أوصل الحركة إلى هذه القمة العسكرية والتنظيمية، كان شاهدًا أيضا، وحركته تفقد نفوذها العسكري على المناطق الحيوية في الجنوب، وبطريقة تعامله مع إخوانه برزت إلى العلن الانشقاقات التي شقت الصفوف، إضافة إلى السقوط الأخلاقي في العمليات والاغتيالات، مع قلة الموارد المادية واللوجيستية، والأغرب من كل ذلك، أنه لم يجعل الحركة تنظيمًا مؤسسيًا بل كوّن ورسّخ حركة كلها باتت في يده، خاصة المجالات الأمنية، والإعلام، والعلاقات الخارجية، والموارد المالية، مما يعني  أنها كانت دولة رجل واحد، مما يمهد لأن تموت الحركة معه، ويتزامن مقتله مع موت بطيء للحركة؛ فقد أصدرت القيادة العامة للحركة بيانًا هنأت فيه أميرها بالشهادة، وأعلنت اختيارها لزعيم جديد وهو أبو عبيدة أحمد عمر، وجددت بيعتها للقاعدة، ولأن القائد الجديد غير معروف خارج الحركة، فسيكون مستقبل الحركة مرهونًا بطبيعة قيادته، وتمكّنه من الحفاظ على ما تبقى من الحركة، مع رفع كفاءتها القتالية والتعبوية، لكن، قد يسبّب تعيين شخص غير مشهور إلى انشقاقات أخرى وخلافات لأسباب ليس أقلها التجاهل للقيادات التاريخية ومؤسسي الحركة لتبوُّء قيادة السفينة إلى بر الأمان، واختيار قائد خارج الأطر القيادية، بل رجل تأكد انضمامه إلى الحركة بعد سيطرتها على مدينة كسمايو، أي بعد تأسيس الحركة بأعوام.
__________________________
* عثمان ع. محمود - كاتب متخصص في الشأن الصومالي.

نبذة عن الكاتب