رئيس أفغانستان الجديد: العقبات وفرص نجاح

تبحث هذه الورقة العقبات والصعوبات التي تنتظر الرئيس الأفغاني الجديد، خاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية والسياسة الداخلية على الصعيدين الأمني والاقتصادي، فضلا عن عقبات تطال رشادة الحكم، وتعقيدات التعامل مع حكومة الوحدة الوطنية (الحكومة الائتلافية).
2014101574015376734_20.jpg
(الجزيرة)

ملخص
يتولى الرئيس الأفغاني الجديد أشرف غني، مهامه في ظروف استثنائية من الناحية الاقتصادية والأمنية والسياسية. وبسبب هذه الظروف الاستثنائية تبدو مهمة غني عسيرة بصلاحيات منقوصة، بعد أن اضطر بسبب الأزمة الانتخابية إلى تقاسم السلطة مع الرئيس التنفيذي (المنصب الذي استحدث كحل للنزاع الذي حدث بسبب التزوير في الانتخابات). تبحث هذه الورقة العقبات والصعوبات التي تنتظر الرئيس الأفغاني الجديد، خاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية والسياسة الداخلية على الصعيدين الأمني والاقتصادي، فضلا عن عقبات تطال رشادة الحكم، وتعقيدات التعامل مع حكومة الوحدة الوطنية (الحكومة الائتلافية)، وتتلخص هذه العقبات في:

  • استمرار الحرب
  • الجمع بين المتناقضات على صعيد السياسة الخارجية
  • تشكيل الحكومة الائتلافية
  • عدم إمكانية الحسم في ظل الحكومة الائتلافية
  • التدخل الأمريكي
  • الوضع الاقتصادي الهش

ولا تسقط الورقة بحث عدد من الفرص للنجاح يمكن للرئيس غني استغلالها وأهمها:

  • سيدعمه المجتمع الدولي
  • الجدية في محاربة الفساد
  • خبرته ومعايشته للمشاكل
  • ثقة الطبقة المثقفة فيه كشخصية اقتصادية
  • علاقاته الجيدة بالمعارضة المسلحة

وإذا تمكن من التغلب على العقبات والمشاكل، واستغل الفرص استغلالا جيدا فسيكون قادراً على إعادة بعض الاستقرار إلى أفغانستان، وإحراز نجاحات أمنية وشيئا من الازدهار من الناحية الاقتصادية.

أدى الرئيس الأفغاني الجديد الدكتور محمد أشرف غني أحمد زاي اليمين الدستورية يوم 29/9/2014م في حكومة سميت بحكومة الوحدة الوطنية، وهي الحكومة التي توصلت إليها الأطراف الأفغانية المشاركة في الانتخابات الرئاسية الأفغانية التي أجريت جولتها الثانية يوم 14 حزيران/ يونيو بعد محادثات مضنية، ولم يحسم أمرها إلا برعاية أمريكية مباشرة وبعد نقلها إلى مقر سفارتها في كابل.

 وعد الرئيس الأفغاني الجديد الشعب الأفغاني أثناء حملته الانتخابية بإصلاح الأمور وترتيب البيت الأفغاني، وبعد أدائه اليمين الدستورية يتساءل المهتمون بالشأن الأفغاني عن مدى إمكانية نجاحه،  وعن إمكانية وفائه بوعوده، وعن العقبات التي تواجهه، وتثار تساؤلات عن الفرص التي يمكن أن يستغلها لتحقيق الأهداف التي أعلن عنها، وهذا ما سنناقشه في هذه الورقة.

العقبات والمشاكل

يواجه أشرف غني العديد من العقبات التي يمكن أن تعرقل مسيرته، أو تؤدي إلى الفشل الجزئي أو الكلي في تحقيق أهدافه؛ وذلك لأن الدول التي عانت من الحروب والنزاعات المسلحة تحتاج إلى الثبات والاستقرار، والقضاء على المراكز الصغيرة للقوة، وذلك يتطلب وجود حكومة مركزية قوية لتتمكن من تذويب تلك المراكز الصغيرة للقوة التي تنشأ في البلد نتيجة تلك النزاعات المسلحة والحروب لتنصهر جميعها في بوتقة واحدة، وتتجه الحكومة بها نحو تنمية المجتمع وتطوير البلد. لايبدو الوضع في أفغانستان من هذه الناحية مواتياً لبناء مؤسسات قوية للدولة وتشكيل حكومة مقتدرة لأسباب متنوعة، يأتي في مقدمتها وجود البؤر المختلفة للنفوذ ومراكز للقوة. ويأتي بعض هذه العقبات كجذر المشكلة، ويأتي البعض الآخر كنتائج للنوع الأول. وهنا يمكن الإشارة إلى مشكلات بعينها:

أولا: استمرار الحرب
يواجه الرئيس الجديد عقبة استمرار الحرب في أفغانستان، وإذا استمر القتال لن تجدي أية جهود في مجال تنمية المجتمع وتطوير البلد نفعا؛ فالحرب تأتي على الأخضر واليابس لتدمره، ومما يؤشر إلى امكانيات استمرار الحرب توقيع الرئيس الجديد على الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة الأميركية وحلف دول شمال الأطلسي (NATO)، وكان رد حركة طالبان أكبر فصائل المعارضة المسلحة بتوقيعها عنيفا، حيث اعتبرت الموقعين على الاتفاقية موظفين لدى الإدارة الأميركية، كما أكدت على استمرار القتال في حالة وجود القواعد الأجنبية على الأراضي الأفغانية، وأكدت على أن الشعب يؤيده في هذا الهدف.

وجاء في ثنايا البيان الذي أصدرته حركة طالبان بهذه المناسبة مايلي:"نحن إذ نرفض هذه الوثيقة الأميركية نيابة عن شعبنا ..، نعتبرها فاقدة الاعتبار، ولانعتبر أحدا من الشعب الأفغاني ملزما بها، نقول لأميركا وعبيدها: إننا سنستمر في جهادنا المقدس ومعركة التحرير التي بدأناها إلى أن ننقذ الوطن من براثن الوحش الأميركي، وإلى أن نعيد إليه نظاما إسلاميا محكما"(1).

وكان أشرف غني قد وقع هذه الاتفاقية على خلاف ما أوهم الشعب أثناء حملته الانتخابية حيث صرح أكثر من مرة أنه مستعد لكل أنواع التنازل لأجل المصالحة الوطنية، وإن أدى ذلك إلى استقالته المبكرة، وقد تشكل على أساس ذلك الرأي العام بأن فوز الدكتور أشرف غني بمنصب الرئاسة سيؤدي إلى المصالحة مع حركة طالبان، لكنه اختار طريق المواجهة واستمرار الحرب مع حركة طالبان. مع أن إعادة الاستقرار إلى أفغانستان واستباب الأمن من أهم مطالب الشعب الأفغاني. ويضع ذلك  غني أمام سؤال حول الكيفية التي سيخرج بها من هذا المأزق الذي أوقع نفسه فيه بتوقيع الاتفاقية الأمنية مع أمريكا والناتو.

ثانيا: الجمع بين المتناقضات على صعيد السياسة الخارجية
إن من أهم التحديات التي سيواجهها الرئيس الجديد، هو الجمع بين المتناقضات على صعيد السياسة الخارجية؛ كان عدم توقيع الاتفاقية الأمنية مع أميركا وحلف دول شمال الأطلسي سيؤدي إلى توقف الدعم الأميركي والأوروبي، وتوقف الدعم المذكور كان سيؤدي ،من وجهة نظر الحكومة، إلى التأخر في التنمية الاقتصادية بل وتلاشي مؤسسات الدولة. لكن توقيع الاتفاقية الأمنية سيؤلب عليه القوى الإقليمية والدول المجاورة، والأحلاف الإقليمية مثل مؤتمر شنغهاي وغيرها. ولا تقبل القوى الإقليمية مثل روسيا، والصين والدول المجاورة مثل إيران وباكستان بحال من الأحوال التواجد العسكري والاستخباراتي الأميركي والأوروبي بجوارها وخاصة إذا كان ذلك التواجد استخباراتيا (كما يتوقع) ويسمح لأمريكا وحلف شمال الأطلسي بالتدخل في المنطقة، وهذه الدول والقوى الإقليمية لها مصالحها وتأثيراتها في أفغانستان. ويتلخص التحدي في قدرة غني على التوفيق بين المصالح والمفاسد التي تترتب على توقيع الاتفاقية الأمنية في نفس الوقت. إلى جانب ذلك يبدو أن المملكة العربية السعودية تستعد لأداء دور ما في المرحلة القادمة في أفغانستان كما يظهر من تصريحات سفيرها في كابل(2)، وهو ماسيثير حفيظة إيران، يضاف إلى ذلك الصراع بين الهند وباكستان داخل الأراضي الأفغانية، وتدخل الدول المجاورة في الشؤون الأفغانية، وكلها مشاكل أخرى على صعيد السياسة الخارجية سيواجهها الرئيس الأفغاني الجديد.

ثالثا: تشكيل الحكومة الائتلافية
من أهم العقبات التي يواجهها الرئيس الأفغاني الجديد، تشكيل الحكومة الائتلافية التي اتفقت عليها الأطراف السياسية، و إلى جانب توزيع الصلاحيات والمسؤوليات بين رئيس الدولة (الذي يعتبر المنصب المحوري في النظام السياسي الأفغاني) وبين الرئيس التنفذي (المنصب الذي استحدث لحل الأزمة) اتفق طرفا اتفاقية حكومة الوحدة الوطنية على توزيع الحقائب الوزارية والمناصب السيادية في الدولة بينهما بالتساوي. وتنص الاتفاقية المذكورة تنص في بند (ج) على:" تعيين الشخصيات القيادية في الحكومة: على أساس أصل المشاركة الوطنية، والتمثيل العادل، والانتخاب على أساس الجدارة، والصدق والتعهد بتنفيذ البرامج الإصلاحية لحكومة الوحدة الوطنية، يتعهد الطرفان على ما يلي: التساوي بين رئيس الدولة والرئيس التنفيذي في اختيار قيادات الدوائر الاقتصادية والأمنية والدوائر المستقلة، ونتيجة لهذا التساوي، وعلى أساس بنود (ب: (14) و(11) من هذه الاتفاقية يكون حضور الطرفين في مجلس الأمن القومي بالتساوي على مستوى القيادة والأعضاء)(3).

وبناء على تقسيم المناصب والوزارات بين طرفي الاتفاقية ونظرا للتجارب الماضية ونظرا لحرص الطرفين على المناصب يبدو أن الرئيس الجديد وبالأحرى الإدارة الجديدة ستواجه عقبة تشكيل الحكومة الجديدة واختيار الوزراء، و لن تتمكن من تشكيلها بسهولة في فترة وجيزة، وخاصة إذا كان التوزيع سيطال محافظي المحافظات أيضا، وسيكون هذا هو الاختبار الأول لهذه الحكومة، إلى جانب، أن كل طرف من طرفي اتفاقية حكومة الوحدة الوطنية (الحكومة الائتلافية) متشكل من عدة قوى، وسيكون توزيع المناصب والوزارات بين تلك الأطراف مشكلة أخرى تواجهها الإدارة الجديدة.كما أن طبيعة الحكومة الائتلافية تتطلب توزيع المناصب والوزارات بين أعضاء الائتلاف، ومن هنا سيواجه الرئيس الجديد عقبة كأداء في الالتزام بوعده في اختيار القيادات والوزراء على أساس الجدارة والأهلية، وإذا فشل الرئيس في تشكيل الحكومة على أساس الأهلية والجدارة سيكون الفشل حليفه في باقي البرامج والمشاريع المستقبلية.

رابعا: عدم إمكانية الحسم في ظل الحكومة الائتلافية
إن نجاح كل مسؤول يكمن في وجود فريق منسجم للعمل معه، ولايستثنى من ذلك الرئيس الأفغاني الجديد أيضا، لكن هذا الانسجام سيفقده الرئيس الجديد في ظل حكومة الوحدة الوطنية (الحكومة الائتلافية)؛ لأن الوزراء والشخصيات القيادية في مثل هذه الحكومة هم ممثلين للجهات التي رشحتهم لهذه المناصب، وبالتالي سيعتبرون أنفسهم مسؤولين أمام تلك الجهات، ومن هنا لن تتمكن الحكومة ولا رئيس الدولة أن تحاسبهم بسهولة، ولن يتمكن من تنفيذ برامجه وخططه عن طريقهم خاصة إذا كانوا غير متحمسين لها وغير مقتنعين بها.

إن كثيرا من المسائل تحتاج إلى قرارات حاسمة في مواقف حرجة من قبل رئيس الدولة، وفي مثل هذه الحكومات الائتلافية يصعب اتخاذ القرارات الحاسمة، وكلما احتاج الرئيس لاتخاذ القرارات الحاسمة سيكون بحاجة إلى موافقة الجهات المشاركة في الحكومة، فإن كانت تلك القرارات في صالحها ستوافق عليه وإلا سترفضها، وبهذا سيواجه الرئيس في كل الخطوات المصيرية مشاكل وعقبات.

ويخشى أن تسهل الحكومة الائتلافية تدخل الدول الأجنبية في الشؤون الداخلية لأفغانستان، وأن تكون الظروف في ظل الحكومة الائتلافية مهيأة لممارسة الضغوط الأجنبية على الرئيس الأفغاني الجديد، ومن الممكن أن يُستخدم طرف من الأطراف المشاركة كوسيلة للضغط عليه في حالة رفضه المطالب الأجنبية.

خامسا: التدخل الأمريكي
سيواجه الرئيس الجديد التدخل الأميركي في كل صغيرة وكبيرة، مع توجيه الإهانة له كشخص وكممثل للشعب الأفغاني كما واجهه الرئيس السابق حامد كرزاي، وذلك لأن الرئيس الجديد وإدارته بحاجة في كل شؤونه للمساعدات الأميركية، وهذه المساعدات يتبعها التدخل. وهو ماتحدث عنه حامد كرزاي في لقاء نسوي ، بقوله:"لقد سمعتن مرات كثيرة أنني تحدثت عن تحرر هذا الوطن عن الاحتياج للأجانب، ولن تدركن حقيقة هذا الأمر ما لم تتول إحداكن منصب رئاسة الدولة...كان كل لحظة من تعاملنا مع هؤلاء (الأمريكان) عبارة عن تهديد وإهانة توجه إلينا، كانوا يهددونني، ويقولون: إن لم تفعل كذا سنقطع المساعدات، وإن لم تفعل كذا سنقطع الرواتب، وإن لم تفعل كذا سينشب القتال بينكم، وإن لم تفعلوا كذا فأنتم لستم شعبا، وإنما تواجدنا وحدكم، ولولم نتواجد نحن في أفغانستان لتناحرتم ولدمر بعضكم بعضا"(4).

ولاشك أن المصالح الأمريكية تتعارض في كثير من الأمور مع مصالح أفغانستان فالرئيس الجديد إما أن يتنازل عن مصالح أفغانستان دائما أو يهدد بقطع الدعم الأميركي والمساعدات الأميركية، والتعامل مع هذه الحالة عقبة أمامه ستعيقه عن اتخاذ قرارات مناسبة تقتضيها مصالح الشعب الأفغاني.

سادسا: الفساد المالي والإداري
ومن أهم العراقيل الموجودة أمام الرئيس الجديد الرشاوي والفساد المالي والإداري الموجود في كل دوائر الدولة حتى الدوائر التي أنشئت لمحاربة الفساد والجريمة مثل القضاء والنيابة العامة غارقة في الفساد. ووفقا لتقرير دولي، فقد بلغ مقدار الرشاوي التي دفعها الأفغان 3.9 ميليارد دولار خلال عام 2012م، وأن 60% من الشعب الأفغاني دفعوا الرشاوي للاستفادة من الخدمات العامة، وأن 30% من الأفغان دفعوا الرشاوي للاستفادة من الخدمات التي يقدمها القطاع الخاص، وقد خمّنت الرشاوي المدفوعة للقطاع الخاص بـ (600) مليون دولار، وارتفعت نسبة الفساد من عام 2009م إلى عام 2012م إلى 40%،(5) وهناك أرقام صادمة للفساد المالي والإداري أعلنت عنها مؤسسات تعمل في هذا المجال، هذا غير الفساد الذي يرتكب من قبل الدول والجهات التي تقدم المساعدات لأفغانستان، ونتيجة للفساد المذكور تعود أغلب تلك المساعدات إلى الجهات المانحة بدل أن تصرف على تنمية المجتمع الأفغاني، ولأجل كل ما سبق كان ترتيب أفغانستان في الفساد 175 من بين 177 دولة وفق التقرير الذي نشرته مؤسسة الشفافية المالية العالمية في ديسمبر عام 2012م(6) ، والقضاء على هذا الفساد عقبة أخرى يواجهها الرئيس الجديد.

سابعا: الوضع الاقتصادي الهش
إن الوضع الاقتصادي في أفغانستان هش وضعيف من حيث البنية التحتية والإنتاج وإن كان هناك مظاهر خداعة بسبب ما كان يضخّ من مليارات الدولارات في شرايين الاقتصاد الأفغاني من المساعدات الأجنبية في السنوات الماضية، ويمكن رصد ذلك من خلال معيارين فقط من المعايير التي تقاس بها اقتصاد بلد ما لندرك مدى هشاشة الاقتصاد الأفغاني، ومن أهم المعايير التي تقاس بها الاقتصاد هو الميزان التجاري أو التوازن بين الاستيراد والتصدير، و تصدير أفغانستان لايقارن باستيرادها أصلا، فحسب إدارة الإحصاء المركزي الرسمي في كابول كان مقدار استيراد أفغانستان عام 1392هـ ش الموافق 2013م يبلغ (8724) مليون دولار، بينما كان التصدير يبلغ في نفس السنة (863) مليون دولار فكان الفارق بين الاستيراد والتصدير ما يقرب من (8000) مليون دولار.(7) وأما المعيار الثاني فهو الموازنة العامة للدولة، فالاقتصاد الذي لايستطيع توفير المصاريف التشغيلية للحكومة لايعتبر اقتصادا مستقرا، وتقول وزارة المالية الأفغانية بأن العوائد الداخلية للدولة ستغطي 30% من مجموع مصاريف الموازنة، وستغطي المساعدات الأجنبية ما تبقى من المصاريف وتشكل 70% من مصاريف الموازنة العامة، في ظل هذه الظروف الاقتصادية يتولى الرئيس الجديد مهمته، في بلد لايستطيع أن يحافظ على موظفيه وأن يوفر لهم رواتبهم.

ثامنا: شخصية الرئيس
من العقبات التي سيواجهها الرئيس الأفغاني الجديد شخصيته وطبيعته الحادة، ومن يعرف غني يعرفه بحدة زائدة في الطبع، كما أنه يعرف بطبيعة تكنوقراطية وإدارية بدل الطبيعة القيادية، وينقل من عملوا معه أنه سريع الغضب، ولايحسب العواقب في ردود أفعاله،كما أن معارضيع يتهمونه بقلة الإنجاز.

فرص النجاح

في مقابل هذه العقبات هناك العديد من فرص للنجاح، إن استغلها غني يمكن أن يحقق بعض الأهداف التي وضعها لنفسه، أو أعلن عنها أثناء حملته الانتخابية، ويمكن تلخيص هذه الفرص في النقاط التالية:

أولا: إنه لايبدأ من الصفر
عندما تولى حامد كرزاي منصب رئاسة الدولة قبل ثلاث عشرة سنة بدأ من الصفر، فبدأ بإنشاء مؤسسات الدولة واستحدث الكثير من الأنظمة على مستوى الدولة، فوجدت مؤسسة القضاء والنيابة العامة، والجيش والشرطة، واشتغلت وزارة الصحة والتعليم والتعليم العالي...والآن حينما يتولى الرئيس الجديد يجد مؤسسات الدولة قد أسست إلا أنه سيحتاج إلى جهد لإصلاحها، وهذه فرصة كبيرة له.

ثانيا: سيدعمه المجتمع الدولي
يعوّل الرئيس الجديد كثيرا على دعم المجتمع الدولي له، ومن هنا كانت خطواته الأولى  لاستمالة الغرب إليه وخطب وده، و على خلاف التقاليد الأفغانية تذكر زوجته وأثنى عليها في خطابه الأول بعد أداء اليمين الدستورية مباشرة، كما أنه لنفس الغرض وقع الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة الأميركية والناتو في اليوم التالي لبداية عمله كرئيس الدولة، وكان الإعلام العالمي قد بدأ بتمهيد الأمور له منذ فترة، فقد أدرجته مجلة (Foreign Policy)(8) في قائمة مائة مفكر على مستوى العالم لعام 2010م، كما وضعته مجلة (Prospect) الشهيرة في المرتبة الثانية من بين مائة شخصية علمية على مستوى العالم لعام 2013م(9) ، كما أنه يتمتع بسمعة جيدة في الغرب عموما؛ لأنه اشتغل في المؤسسات العالمية لفترة طويلة، فقد عمل مدرسا في عدة جامعة أوروبية وأميركية، كما أنه عمل لمدة عشر سنوات في البنك الدولي في قسم السياسات والاستراتيجيات(10). كل ما سبق يؤكد على أنه سيجد الدعم الذي يراهن عليه من المجمتع الدولي، وهذه من الفرص التي إن استغلها الرئيس الجديد استغلالا جيدا يمكن أن يحقق عن طريقه بعد الأهداف التي يريد الوصول إليها.

ثالثا: الجدية في محاربة الفساد
كانت مشكلة حامد كرزاي أنه جمع كل من يتوقع منه إثارة المشاكل من أطراف البلد، وأعطي لكل واحد منهم منصبا رفيعا في الدولة؛ فعين بعضهم محافظين للمحافظات والبعض الآخر عينهم وزراء أو مستشارين لرئيس الدولة، وكان يهدف من ذلك أن يقوي الحكومة المركزية، وأن يقضي على مراكز القوى الصغيرة وعلى البؤر المختلفة، وأغلب هؤلاء أو ذووهم غرقوا في الفساد المالي والإداري، ولم يجرؤ حامد كرزاي على محاسبتهم خوفا من إثارة المشاكل، كما أن أسرة الرئيس السابق واخوانه وأسر وأقارب نوابه متورطون في الفساد والاستيلاء على أراضي الدولة واختلاس الأموال واستغلال مراكزهم في ذلك، ولم يتمكن أحد من الوقوف أمامهم.ومن هنا فقدت الإرادة السياسية لمحاربة الفساد هيبتها، ولم يتمكن حامد كرزاي من تنفيذ العهود والمواثيق التي قطعها على نفسه في العديد من المؤتمرات العالمية، وبذلك تجذر الفساد في إدارة الحكومة، لكن الوضع قد يختلف مع الرئيس الجديد حيث إنه شخص حاد الطبع جاد فيما يريد فعله لايراعي تلك المصالح التي كان حامد كرزاي يراعيها، ومن هنا أعلن أكثر من مرة أنه لن يقبل دولا داخل دولة أو حكومات موازية للحكومة المركزية، كما أعلن أنه ليس له أخ أو قريب يحق له استغلال منصبي، وكل من يحاول ذلك فعاقبوه بمقتضى القانون، وهذا الأمر يميزه عن حامد كرزاي أو نوابه، وهذه فرصة أخرى يمكن استغلالها لمحاربة الفساد الإداري والمالي الذي هو أصل الأمراض وأمها. 

رابعا: خبرته ومعايشته للمشاكل
يتمتع الرئيس الجديد بخبرة جيدة للواقع الأفغاني المعيش، ويدرك المشاكل التي تواجهها أفغانستان في كثير من المجالات؛ فإنه بعد عودته إلى أفغانستان بعد 2001م عمل مستشارا للرئيس الأفغاني، ثم وزيرا للمالية، ثم رئيسا لجامعة كابول، ثم في عام 2010م مسؤولا عن مشروع نقل المسؤوليات الأمنية من القوات الأجنبية الموجودة في أفغانستان إلى القوات الأفغانية، كما أنه شارك في تقديم بعض الاستشارات التخصصية للحكومة أثناء تواجده في أفغانستان بعد 2001م، وبذلك اكتسب خبرة واسعة في عدة مجالات اشتغل فيها، وهو في ذلك على خلاف الرئيس السابق حامد كرزاي فإنه تولى الأمر قبل أن يخوض تجارب عملية كبيرة، ولذلك صرح حامد كرزاي في أكثر من مناسبة أنه لوكان يمتلك الخبرة التي يمتلكها بعد ثلاث عشرة سنة من بقائه في منصب رئاسة الدولة في بداية توليه الرئاسة لاختلفت كثير من قراراته عما كانت عليه، ومن هنا تعتبر هذه الخبرة فرصة يمكن أن تساعد على نجاح الرئيس الجديد.

خامسا: ثقة الطبقة المثقفة فيه كشخصية اقتصادية
يمتلك الرئيس الأفغاني الجديد فرصة كبيرة تتمثل في ثقة الطبقة المثقفة وخاصة الشباب فيه كشخصية اقتصادية بالدرجة الأولى، وترى بأنه يستطيع أن يخرج أفغانستان من الورطة الاقتصادية ، وإن استغل هذه الثقة وخاصة ثقة الشباب فسيحرز العديد من النجاحات في هذا المجال، وإذا حلت المشكلة الاقتصادية لأفغانستان ستكسب استقلالها السياسي والأمني.

سادسا:علاقاته الجيدة بالمعارضة المسلحة
 من الفرص التي يتمتع بها الرئيس الجديد، علاقاته الجيدة بالمعارضة المسلحة وخاصة حركة طالبان، واستفادت حملته الانتخابية من هذه النقطة كثيرا. وليس لغني تاريخ حامد كرزاي في مجال المصالحة حيث إن حركة طالبان كانت قد فقدت الثقة فيه وفي كل الخطوات التي كان يخطوها باسم المصالحة الوطنية، فهو يبدأ بداية جديدة. و مع أن هذه العلاقة قد تضررت بتوقيعه الاتفاقية الأمنية إلا أنه إن استطاع أن يستفيد من علاقاته السابقة ومن وضعه الحالي يمكن أن يحرز النجاح في مجال المصالحة وإنهاء القتال الدائر في أفغانستان.

خلاصة

يواجه الرئيس الأفغاني الجديد عقبات حقيقية، لكنه أيضا يمتلك فرص نجاح لايستهان ،وإن تغلب على العقبات واستغل الفرص الموجودة قد يتمكن من إيصال أفغانستان إلى حالة من الاستقرار السياسي والاقتصادي، وهذا ما يطمح إليه الشعب الأفغاني، لكن إن فشل أشرف غني في تذليل العقبات خاصة السياسية والأمنية والاقتصادية فسيكون الفشل حليفه وهو ما سيدخل أفغانستان في مزيد من الصراع والانقسام، وسيكون له تبعاته سلبية على مستقبل أفغانستان والمنطقة.
_______________________________________________
مصباح الله عبد الباقي: باحث وأستاذ جامعي في جامعة سلام ـ كابل

الهوامش والمصادر
1- البيان الرسمي لحركة طالبان بمناسبة توقيع الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة الأميركية، بعنوان "دكابل امريكايي ادارى لخوا د امريكا سره د ت?ون د لاسليک په ا?ه د اسلامي امارت اعلاميه" بيان الإمارة الإسلامية بمناسبة توقيع نظام كابل الأميركي الاتفاقية مع أميركا، المنشور على الموقع الرسمي لحركة طالبان يوم الثلاثاء 30/9/2014م، (تمت مراجعة الموقع يوم 4/10/2014م):
 http://shahamat.info/index.php/paighamoona/57375-%D8%AF-%DA%A9%D8%A7%D8%A8%D9%84-%D8%A7%D9%85%D8%B1%DB%8C%DA%A9%D8%A7%D9%8A%D9%8A-%D8%A7%D8%AF%D8%A7%D8%B1%DB%90-%D9%84%D8%AE%D9%88%D8%A7-%D9%84%D9%87-%D8%A7%D9%85%D8%B1%DB%8C%DA%A9%D8%A7-%D8%B3%D8%B1%D9%87-%D8%AF-%D8%AA%DA%93%D9%88%D9%86-%D8%AF-%D9%84%D8%A7%D8%B3%D9%84%DB%8C%DA%A9-%D9%BE%D9%87-%D8%A7%DA%93%D9%87-%D8%AF-%D8%A7%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A-%D8%A7%D9%85%D8%A7%D8%B1%D8%AA-%D8%A7%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D9%87
2- "عربستان سعودي براي همكاري با پروسه صلح اماده است" المملکة العربية السعودية مستعدة للتعاون في مشروع المصالحة، تصريحات السفير السعودي في حديث مع الإذاعة الحرة 8/7/1393 الموافق 30/9/2014م: http://da.azadiradio.org/content/article/26613404.html
3 - متن كامل توافقنامه حكومت وحدت ملي افغانستان (نص اتفاقية حكومة الوحدة الوطنية في أفغانستان) المنشور يوم 30/6/1393هـ ش الموافق 21/9/2014م وروجع يوم 5/10/2014م:
 http://www.tasnimnews.com/Home/Single/505656
4 - متن كامل سخنراني حامد كرزى رئيس جمهوري اسلامي افغانستان در نشستي باشماري از زنان کشور (نص خطاب الرئيس الأفغاني حامد كرزاي في لقاء مع مجموعة من نساء الوطن"،الموقع الرسمي لرئيس الدولة ، 15/6/1393هـ ش الموافق 6/9/2014م ، تمت المراجعة في 5/10/2014م: http://president.gov.af/fa/documents
5 - تقرير بعنوان "اعلان امار فساد اداري از سوى (UNODC)" إعلان أرقام الفساد الإداري من قبل مؤسسة (UNODC) التابعة للأمم المتحدة بالتعاون مع الإدارة العليا لمراقبة تطبيق استراتيجية محاربة الفساد الإداري التابعة للحكومة الأفغانية، و نشر في 12 فبراير عام 2013م، تمت مراجعته يوم 6/10/2014م:
  http://anti-corruption.gov.af/fa/announcement/17316
6- تقرير "فساد اداري مهم ترين دشواري فراروي دولت آتي" (الفساد الإداري من أهم العقبات أمام الحكومة المقبلة) والتقرير مأخوذ من (www.voiceofrussia.com) المنشور يوم 16 فروردين 1393ه ش، الموافق 5/3/ 2014م وتمت مراجعته يوم 6/10/2014م: إضغط هنا
7- ملف (PDF)  حول إحصائيات التجارة الخارجية الصادر لعام 1392ه ش الموافق 2013م الصادر من إدارة الإحصاء المركزي الأفغانية، المنشور على الموقع الرسمي للإدارة المذكورة: إضغط هنا.
8 - تقرير خاص بعنوان (The FP Top 100 Global Thinkers)  أعلى مائة مفكر عالمي لمجلة فورن بوليسي، المنشور على الرابط التالي: http://www.foreignpolicy.com/articles/2010/11/29/the_fp_top_100_global_thinkers  الذي نشر يوم 29/نوفمبر عام 2010م، وتمت مراجعته يوم 7/10/2013م.
9 - راجع التقرير الذي نشرته مجلة (Prospect) عن المفكرين العالميين لعام 2013م، بعنوان"World Thinkers 2013" المنشور يوم 24/ ابريل عام 2013م، وتمت مراجعته يوم 7/10/2014م:
 http://www.prospectmagazine.co.uk/features/world-thinkers-2013
10 - زندگي نامه محترم داکتر اشرف غني احمدزي، (سيرة الدكتور أشرف غني أحمدزاي) ،2/2/2014م وتمت مراجعته يوم 7/10/2014م http://kankorafghanistan.com/%D8%B2%D9%86%D8%AF%D9%87-%DA%AF%DB%8C-%D9%86%D8%A7%D9%85%D9%87-%D9%85%D8%AD%D8%AA%D8%B1%D9%85-%D8%AF%D8%A7%DA%A9%D8%AA%D8%B1-%D8%AF%D8%A7%DA%A9%D8%AA%D8%B1-%D8%A7%D8%B4%D8%B1%D9%81-%D8%BA%D9%86%DB%8C/

نبذة عن الكاتب