تتسارع خطى تطبيق نظرية السوق في دول مجلس التعاون الخليجي، وذلك عبر الدفع بإعادة هندسة الدعم المقدَّم لبعض السلع والخدمات واستحداث رسوم للخدمات الحكومية، وإمكانية فرض ضريبة القيمة المضافة. إنَّ ما يحدث على أرض الواقع أكثر من مجرد تكيف مع ظاهرة هبوط أسعار النفط منذ منتصف العام 2014، بل يتعدى ذلك إلى الدفع بتغيير أنماط المعيشة والسلوك الاستهلاكي للمواطنين والمقيمين في دول الخليج العربية.
وتشير الإجراءات المستمرة إلى صياغة عقد جديد غير معلن بين السلطات والشعوب في منطقة الخليج العربي؛ فقد ولَّى زمن الخدمات المجانية والمدعومة، والتي كانت تُقدَّم بأسعار رمزية، بل يصعب تصور عودة المسارات التقليدية للدولة فيما يخص الخدمات في حال ارتفاع أسعار النفط مجددًا، فاقتصاد السوق بات هو الخيار المفضل لدى المسؤولين الخليجيين وخصوصًا القادة الشباب.
يتناسب بعض السياسات الاقتصادية الجديدة مثل الحدِّ من الدعم، وكذلك المقترحات التي تقدمها المؤسسات الدولية ذات الصلة مثل صندوق النقد الدولي والتي كانت تؤكد، ومنذ فترة، على أهمية إجراء إصلاحات اقتصادية شاملة تشمل فرض ضرائب. وبالتالي، سوف تضمن الجهات الرسمية ضمان توافر سبل العيش الكريم لذوي الدخل المحدود أو الأكثر حاجة، بل ربما يتم تعزيز الخدمات المقدمة لبعض الفئات ولكن ليس للجميع.
كما يترك موضوع التكيف مع هبوط أسعار النفط بصماته على علاقات المنظومة الخليجية على الصعيدين الإقليمي والدولي، ومثال ذلك التعاون بين المملكة العربية السعودية وروسيا نحو السعي لمعالجة القضايا النفطية عبر الحدِّ من الإنتاج النفطي بغية التأثير على الأسعار على الرغم من وجود خلافات سياسية بين الطرفين حول ملفات إقليمية.
مقدمة
تُشكِّل المبادرات الاقتصادية الجارية فرصة لبعض القادة الشباب في دول الخليج العربية، وجُلُّهم أولياء للعهود، لتطبيق مبادئ يؤمنون بها، ولعلهم اقتنعوا بها خلال فترة تلقي العلوم والدراسة في الغرب، وتحديدًا ترك تحديد الأسعار لقوانين العرض والطلب (السوق) أينما كان ذلك ممكنًا. وربما كانت هناك رغبة لدى قادة المستقبل لتنفيذ مبادئ اقتصاد السوق منذ فترة، لكنهم ارتأوا عدم الإصرار عليها وتأجيلها لحين ظهور الفرصة المناسبة. ويبدو أن الأرضية أصبحت مهيأة لإجراء إصلاحات اقتصادية طال انتظارها، وذلك في خضمِّ هبوط أسعار النفط ما أثَّر سلبًا على دخل الخزانة وانعكس على القدرة على الصرف.
كما يأتي تعزيز نظرية السوق تماشيًا مع مقترحات المؤسسات الدولية المتخصصة كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمؤسسات الاستشارية بخصوص غربلة برامج الدعم وتقييد العون والمساعدة للمحتاجين وليس للعامة من المواطنين والمقيمين والوافدين. فقد اشتهر صندوق النقد الدولي بتقديم توصيات لبعض دول مجلس التعاونن والتي كانت تعاني أصلًا من تحديات صعبة في المالية العامة قبل هبوط أسعار النفط، بمراجعة بعض السياسات والبرامج الاقتصادية مثل العلاوات والدعم.
يبقى بعض الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي أسرع من غيره في تدعيم اقتصاد السوق نظرًا لتباين الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في الدول الست. في الكويت مثلًا، يتطلب إقرار إصلاحات اقتصادية حصول توافق بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وهذا ليس بالأمر السهل في القضايا المعيشية وتلك التي تخص رفاهية المواطن، الأمر الذي يُفسِّر تأخُّر تنفيذ إصلاحات اقتصادية.
في المقابل، بدأت البحرين تخطو خطواتٍ سريعة نسبيًّا في تطبيق مبادئ اقتصاد السوق بالنظر لظروفها الاقتصادية، لاسيما ضخامة عجز موازنتها والمديونية العامة الأمر الذي يتطلب معالجة سريعة؛ فقد أعدَّت البحرين موازنة السنة المالية 2016 بعجز متوقَّع قدره 4.1 مليارات دولار، أي 42 بالمئة من النفقات، وهي نسبة كبيرة وغير قابلة للاستدامة(1). يضاف إلى ذلك حجم المديونية العامة المقدَّر بنحو 19 مليار دولار مشكِّلا 56 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، حيث تعتبر هذه النسبة الأسوأ بين دول مجلس التعاون الخليجي.
كما يشار إلى أن مشروع الاتحاد النقدي الخليجي يقيِّد الدَّيْن العام في الدول الأعضاء في المجلس في المشروع عند حدِّ 60 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، ويشير جميع المؤشرات إلى إمكانية تجاوز البحرين لهذه النسبة في أي وقت(2).
تداعيات هبوط أسعار النفط
تُعتبر ظاهرة الهبوط، التي توصف بـ"التاريخية" لأسعار النفط، من جملة الأسباب الداعمة لتعزيز دور اقتصاد السوق في المنظومة الخليجية لمواجهة التحديات المالية الناشئة عنها، مثل العجز المالي، وبالتالي الحاجة للتمويل والسحب من الاحتياطي العام؛ فقد هبطت أسعار النفط بنحو 75 بالمئة من قرابة 100 دولار للبرميل في يونيو/حزيران 2014 إلى ما دون 30 دولارًا للبرميل بداية العام 2016.
فيما يخص المملكة العربية السعودية، وهي صاحبة أكبر اقتصاد وأضخم موازنة على المستوى العربي، فقد تم اعتماد موازنة السنة المالية 2016 بنفقات وإيرادات قدرها 224 مليار دولار و137 مليار دولار على التوالي وافتراض عجز قدره 87 مليار دولار؛ حيث يُعد الدخل المقدَّر لعام 2016 الأقل في السعودية منذ عام 2009، ومَرَدُّ ذلك هبوط أسعار النفط. ولذلك، فقد تضمنت الموازنة خطوات غير اعتيادية كرفع تعرفة الكهرباء والماء وكذلك أسعار المشتقات النفطية بهدف تعزيز الإيرادات غير النفطية(3).
كما أن نتائج السنة المالية الماضية، 2015، ليست بأحسن حال بسبب تطورات السوق النفطية، إذ تم افتراض مصروفات قدرها 230 مليار دولار مقابل إيرادات بنحو 191 مليار دولار وتقدير عجز بنحو 39 مليار دولار. لكن تغيرت الأرقام الفعلية إلى نفقات وإيرادات في حدود 260 مليار دولار و162 مليار دولار على التوالي ما يعني تسجيل عجز تاريخي مقداره 98 مليار دولار(4).
بالعودة للوراء، فقد تم تسجيل فائض تاريخي في السعودية حجمه 103 مليارات دولار في عام 2012 منخفضًا إلى 53 مليار دولار في 2013 لكن متحولًا إلى عجز مقداره 14 مليار دولار في 2014، وهو الأول من نوعه منذ سنوات(5).
البحرين نموذجًا
لا بأس بتسليط الضوء على البحرين وهي الأصغر بين دول مجلس التعاون الخليجي من حيث عدد السكان والمساحة وحجم الاقتصاد، وذلك بالنظر لتدشينها برنامجًا متنوعًا للإصلاحات الاقتصادية مستفيدة، من بقاء أسعار النفط منخفضة من جهة، وبدء دول أخرى أعضاء في مجلس التعاون الخليجي اتخاذ إجراءات إصلاح اقتصادية من جهةٍ أخرى. فمع بداية العام 2016، قررت السلطات البحرينية إعادة هندسة الدعم المقدم لـ : 1) اللحوم والدجاج والطحين. 2) المشتقات النفطية. 3) الكهرباء والماء. كما تم اعتماد سياسة جديدة تتعلق بإجراء قراءة جديدة لبعض العلاوات والمنح كتلك التي تُقدم للمسجلين في قوائم الانتظار من أجل الحصول على خدمات إسكانية، فضلًا عن علاوة الأسر محدودة الدخل والتي تم إقرارها في زمن ارتفاع أسعار النفط والتضخم.
يضاف ذلك تشدد الجهات الرسمية في تحصيل الالتزامات المالية المتأخرة للمستفيدين من الخدمات الحكومية وربط الحصول على خدمات بلدية جديدة بسداد الفواتير المتأخرة؛ فقد تم توجيه تحذير للمتأخرين في سداد الفواتير بضرورة دفع المتأخرات تحاشيًا لقطع خدمة الكهرباء، وربما يفرض هذا التحدي نفسه خلال فصل الصيف حيث الحاجة الماسَّة لأجهزة تكييف الهواء.
في بعض التفاصيل، قررت السلطات المخوَّلة في البحرين رفع الدعم عن اللحوم الحمراء والدجاج مع تعويض المواطنين المستحقين بمبالغ مالية على الأقل مع بدء التنفيذ. وبالنسبة للمشتقات النفطية، فقد تم إقرار زيادة بنسبة 60 بالمئة لسعر النوعية الممتازة من البترول، أي ما يعادل 42 سنتًا أميركيًّا لِلِّلتر الواحد. هذه الزيادة هي الأولى من نوعها منذ فترة طويلة مع احتفاظ السلطة بحق رفع الأسعار مجددًا مستقبلًا؛ وهو أمر متوقع(6).
أمَّا فيما يخص إعادة تسعير وحدات الكهرباء، فقد جاء في الإعلان أن السعر المدعوم سوف يبقى فعَّالا للمواطن الذي يمتلك منزلًا واحدًا باسمه مع ارتفاع الأسعار للمؤسسات الصناعية والتجارية والوافدين. اللافت هو إقرار السلطات البحرينية زيادة كبيرة في أسعار تعرفة الكهرباء بالنسبة للوافدين على مدى أربع سنوات بدءًا من شهر مارس/آذار 2016 من خلال رفع كُلفة استهلاك لحد 3000 وحدة (كيلو واط) من 9 دنانير (24 دولارًا) في فبراير/شباط 2016 إلى 18 دينارًا في شهر مارس/آذار، ومن ثَمَّ 39 دينارًا في 2017 و63 دينارًا في 2018، وصولًا إلى 87 دينارًا (230 دولارًا) في 2019 مع ارتفاع أكثر لأسعار الاستهلاك(7).
حقيقة القول: تُعتبر الإمارات العربية المتحدة سبَّاقة بين دول مجلس التعاون الخليجي في إعادة هندسة أسعار المشتقات النفطية، حيث لجأت في عام 2015 لخيار تشكيل لجنة فنية منوط بها مسؤولية عمل مراجعة دورية لتحديد أسعار المشتقات النفطية في السوق المحلية، وقد بدأت اللجنة عملها بتخفيض الأسعار في السوق المحلية نظرًا لتراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية. وقد انعكس قرار الإمارات بتعديل أسعار المشتقات النفطية على غالبية السكان والقوى العاملة(8).
ضريبة القيمة المضافة
في تطور مثير وغير مسبوق، تجلَّى وجود توافق بين دول مجلس التعاون الخليجي على فرض ضريبة القيمة المضافة خلال العام 2018 وقبل العام 2019. فقد صرَّح الوزير المسؤول عن الشؤون المالية في سلطنة عُمان، درويش بن إسماعيل البلوشي، بأن دول مجلس التعاون الخليجي سوف تطبِّق ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5 بالمئة بدءًا من العام 2018(9).
ضريبة القيمة المضافة مدرجة في السعر المقدَّم عند الشراء وربما لا يلتفت إليها المستهلك كثيرًا ،كما هي الحال مع عمليات الشراء في الدول الأوروبية فضلًا عن ضرائب المغادرة في المطارات والمرصودة ضمن تذاكر السفر. ويكمن الغرض من تأخير التنفيذ في إفساح المجال للتكيف، لكن التطور ليس بالأمر الهيِّن على المستهلكين والشركات على حدٍّ سواء لأن الأمر يتطلب "تغييرًا" في الثقافة. كما سيكون لزامًا على المؤسسات الاستعداد لتطبيق الضريبة وتحويل الأموال للجهات الرسمية.
مما لا شك فيه، يشكِّل موضوع الضرائب تحديًا لبقاء واستقطاب الاستثمارات والزوار، فقد جاء في استفتاء للقطاع التجاري في الإمارات العربية المتحدة أن بعض رواد الأعمال قرروا الانتقال للمناطق الحرة في دبي بسبب عدم فرض ضرائب كما في الاقتصادات الأوروبية. مما لا شك فيه، فقد بات شأن فرض ضريبة القيمة في مجلس التعاون مسألة وقت لا أكثر(10).
لدى إمارة دبي تميز في المجال التجاري على مستوى المنطقة، لكن لا ينطبق هذا بالضرورة على جميع دول مجلس التعاون الخليجي؛ ما يعني إمكانية خسارة مزايا تنافسية.
لكن يبدو أن الإمارات العربية المتحدة ليست متشجعة، بل معارِضة لجانب من دعوة صندوق النقد الدولي بفرض ضريبة القيمة المضافة من جهة وضريبة الدخل من جهة أخرى لتحاشي حدوث "التجنُّب الضريبي". وكانت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستين لاغارد، قد شدَّدت على هامش إحدى الفعاليات التي عُقدت في دولة الإمارات، في شهر فبراير/شباط 2016، على أهمية دراسة فرض ضريبة على الدَّخْل في المنظومة الخليجية لغرض تقوية إطارات المالية العامة وإعادة هندسة الأنظمة الضريبية بغية تعزيز مصادر الدَّخْل غير النفطي. وجاء الرد أو الرفض عبر وزير الدولة الإماراتي للشؤون المالية، عبيد حميد الطاير، بعدم وجود أي اقتراح بالنسبة لضريبة الدخل على الأفراد وبعدم النظر لهذا الأمر حاليًا حفاظًا على خصوصية الوضع المحلي والمزايا التنافسية للاقتصاد الإماراتي(11).
في الغالب، فإنَّ دولة الإمارات هي السبَّاقة في مجلس التعاون الخليجي في تبني سياسات اقتصادية "صعبة" مثل رفع الدعم عن المشتقات النفطية مستفيدة من رغبة الآخرين في التعامل مع اقتصادها الديناميكي. تكفي الإشارة إلى حيوية قطاع الطيران في الإمارات حيث فرضت شركات طيران: الإمارات والاتحاد والعربية نفسها على خارطة الطيران العالمي؛ فيُعد مطار دبي في طليعة المطارات العالمية من حيث استقبال عدد المسافرين. بمعنى آخر، تبقى الإمارات، صاحبة الاقتصاد النوعي في منظومة مجلس التعاون الخليجي، ضد فكرة الضريبة على الدخل؛ ما يوحي بأن الأمر سوف يكون أصعب على الاقتصادات الأخرى في المنظومة الخليجية في حال قررت أخذ زمام المبادرة في هذا المجال.
مواقف وكالات الائتمان
ليس من المستبعد تبني بعض دول مجلس التعاون الخليجي خطوات جديدة تتعلق بالإصلاح الاقتصادي بالنظر لمواقف مؤسسات الائتمان؛ ففي شهر فبراير/شباط 2016، لجأت مؤسسة ستاندرد آند بور إلى تخفيض المستوى الائتماني لثلاث دول أعضاء في مجلس التعاون الخليجي بواقع درجتين، هذه الدول هي السعودية من (A+) إلى (A-)، والبحرين من (BBB) إلى (BB)، وسلطنة عُمان من (BBB+) إلى (BBB-)(12).
ويمكن أن نعزو المؤشرات أعلاه إلى فرضية تبني أفكار جديدة حول الإصلاحات الاقتصادية، وذلك لإظهار المزيد من الجدية في معالجة التحديات بغية التأثير على مرئيات مؤسسات الائتمان بالنظر لأهمية مواقفها وتقاريرها على توجهات المستثمرين. وقد يفسِّر ذلك قرار الجهات الرسمية في البحرين بسحب وإعادة طرح سندات بقيمة 750 مليون دولار لتقديم نسب أعلى للفوائد والذي تزامن صدوره مع تخفيض المستوى الائتماني الصادر من مؤسسة ستاندرد آند بور. وكانت المعلومات الأولية قد أظهرت أن حجم الطلب على الإصدار كان أكثر من المطلوب نظرًا للسجل الإيجابي للبحرين في مجال إصدار السندات.
مؤسسة ائتمانية أخرى، هي وكالة موديز العاملة في مجال منح الدرجات الائتمانية والتي تتميز بين منافسيها بالتشدد في منح الدرجات، أصدرت تقريرًا في الفترة نفسها يزعم أن موجة الإصلاحات الاقتصادية لا ترتقي إلى مستوى الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة لمعالجة التحديات العالقة مثل العجز في الموازنات العامة. بيد أن الوكالة تعتقد أن الخطوات التي تم اتخاذها في منظومة دول مجلس التعاون الخليبجي منذ العام 2015، مثل إعادة هندسة مشاريع الدعم المقدَّم للوقود، تعكس وجود إرادة سياسية للحدِّ من الآثار السلبية لانخفاض أسعار النفط على المالية العامة للدولة(13).
ويُترجَم هذا إلى أن الإجراءات التي تم تنفيذها حتى الآن ليست كفيلة بتحقيق التحول المطلوب للمالية العامة؛ الأمر الذي يتطلب تبنِّي المزيد من التدابير، وهو ليس بالأمر السهل نظرًا لوجود معارضة شعبية.
كما يشير تقرير آخر صادر من وكالة موديز إلى انخفاض الاحتياطي العام للملكة العربية السعودية من 746 مليار دولار في أغسطس/آب 2014 مع بدء هبوط أسعار النفط، إلى 620 مليار دولار في نهاية العام 2015. ويمكن أن تشمل أسباب التراجع الحاجة لتغطية العجز المالي وتمويل الحرب في اليمن. كما يتوقع نفس التقرير أن يشكِّل عجز الموازنة العامة للسعودية ما بين 12 و15 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في عامي 2016 و2017؛ الأمر الذي يتناقض مع تجارب المملكة العربية السعودية في تسجيل فوائض مالية(14).
الاقتصاد السياسي
كشفت الشهور الأولى لعام 2016 عن جانب من التداعيات السياسية لمسألة هبوط أسعار النفط وبقائها في مستوياتٍ متدنية؛ ففي تطور نوعي، في شهر فبراير/شباط 2016، عُقد اجتماع لوزراء النفط والطاقة في أربع دول، هي: السعودية وروسيا وفنزويلا فضلًا عن البلد المضيف: قطر، حيث أكَّد البيان الختامي على أهمية الاحتفاظ بالإنتاج النفطي عند مستوى شهر يناير/كانون الثاني من السنة نفسها. وربما يتطلب الأمر المزيد من الإجراءات مثل ضمان حصول تخفيض للإنتاج النفطي للتأثير على الأسعار.
يعتبر الاتفاق الذي تحقَّق في دولة قطر تطورًا استثنائيًّا لشموله دولًا أعضاء من أوبك وأخرى من خارج المنظمة وتحديدًا روسيا. وهذا يعني أن موسكو والرياض وضعتا الخلافات السياسية حول بعض الملفات مثل الملف السوري جانبًا لتحقيق اتفاق اقتصادي يخدم الطرفين.
المعروف أن السعودية هي أكبر دولة مصدِّرة للنفط الخام، كما تسيطر السعودية وروسيا والولايات المتحدة الأميركية على 12.9 بالمئة و12.7 بالمئة و12.3 بالمئة على التوالي من الإنتاج العالمي. وتعتبر كندا وإيران والإمارات العربية المتحدة من الدول المهمة في مجال الإنتاج النفطي. وفيما يتعلق بالاحتياطي النفطي، تستحوذ فنزويلا على 17.7 بالمئة من الاحتياطيات العالمية النفطية؛ ما يفسِّر اهتمام كراكاس بأسعار المنتجات النفطية. بدورها، تسيطر السعودية على 15.5 بالمئة من الاحتياطيات النفطية المكشوف عنها(15).
النظرة للأمام
لم تترشح أفكار لمقارنة الإصلاحات الاقتصادية بخطوات مماثلة في الشأن السياسي؛ فالمقولة التقليدية التي أسهمت في حرب الاستقلال الأميركي من بريطانيا: "لا ضرائب بدون تمثيل"No taxation without representation، لا تنطبق بالضرورة على الوضع الخليجي؛ حيث يعود الأمر لعدم وجود رغبة لدى السلطات من جهة وغياب الضغوط المجتمعية من جهة أخرى في ظل الاهتمام العالمي بالأهمية الاستراتيجية وبالتالي الاستقرار في المنطقة.
في المقابل، من الممكن حصول تطورات إيجابية في مجالات أخرى غير المشاركة السياسية الفعَّالة، مثل تطبيق أفكار ومبادئ الحكم الرشيد والحوكمة والمزيد من الشفافية في المالية العامة وهي أمور مفيدة في كل الأحوال.
بالنظر للأمام، ربما يصبح مفهوم الدولة الرِّيعية في طريقه للانتهاء بشكل تدريجي في بعض دول مجلس التعاون الخليجي؛ ففكرة أن ترعى الفرد من المهد إلى اللحد في طريقها للاندثار بشكل عام لكن ليس بنفس الطريقة والسرعة في دول الخليج العربي الست نظرًا لتباين الظروف الاقتصادية لكل دولة عضو في المنظومة الخليجية.