تعثُّر تشكيل الحكومة بالمغرب: هَنْدَسَة الحقل السياسي أم فَرْمَلَة التجربة؟

بعد مرور خمسة أشهر على إجراء الانتخابات التشريعية بالمغرب لم يستطع رئيس الحكومة المكلَّف، عبد الإله بنكيران، تشكيل الحكومة حتى اليوم، ونظرا لأهمية الأسئلة التي يطرحها استمرار حالة "الوضع القائم"، نعيد نشر ورقة بحثية بعنوان "تعثُّر تشكيل الحكومة بالمغرب: هندسة الحقل السياسي أم فرملة التجربة؟"
6def5fafa2e641318c0c344886a8daad_18.jpg
لقاء سابق بين بنكيران (يمين) ورئيس حزب التجمع عزيز أخنوش (الجزيرة)

بعد مرور خمسة أشهر على إجراء الانتخابات التشريعية بالمغرب، في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2016، وإعلان نتائجها التي مكَّنت حزب العدالة والتنمية من تصدُّر المشهد السياسي (125 مقعدًا)، لم يستطع رئيس الحكومة المكلَّف، عبد الإله بنكيران، تشكيل الحكومة حتى اليوم، وهو ما تُفِسِّره الصحافة المغربية بــ"البلوكاج" (الفَرْمَلَة أو العرقلة)، ما يثير أسئلة كثيرة بشأن أسباب هذا التعثُّر وخلفياته، والفاعلين الذين يتحكَّمون في دينامياته. ولأهمية التجربة السياسية التي يعيشها المغرب بعد ثورات الربيع العربي، والأسئلة التي يطرحها تعثُّر تشكيل الحكومة، نعيد نشر الورقة البحثية التي أعدَّها الباحث، كمال قصير، بتاريخ 30 يناير/كانون الثاني 2017، بعنوان "تعثُّر تشكيل الحكومة بالمغرب: هَنْدَسَة الحقل السياسي أم فَرْمَلَة التجربة؟".

حيث تُمثِّل المشاورات الجارية لتشكيل الحكومة في المغرب بالتعقيدات التي تواجهها مدخلًا لإعادة هَنْدَسَة المشهد السياسي وتوجيه مُخْرَجَات العملية الانتخابية، ولا يبدو التأخير الحاصل فيها ناتجًا عن تضارب خيارات الأطراف السياسية المعنية بها فحسب؛ ذلك أن عملية إعادة صياغة المشهد السياسي تتطلب مدى زمنيًّا كافيًا للتوصل إلى صيغة تعيد ترتيب تموضعات أطراف العملية. في البداية كانت المؤشرات الأولية بعد اتضاح نتائج انتخابات 7 أكتوبر/تشرين الأول 2016 تشير عقب استقبال الملك محمد السادس لعبد الإله بنكيران، يوم 10 أكتوبر/تشرين الأول، دون تأخر وتكليفه بتشكيل الحكومة، إلى أن المشاورات لن تتطلب وقتًا طويلًا لإفراز تركيبة تتوافق حولها الأطراف المعنية، لكن يبدو أن صناديق الاقتراع ليست مُحَدِّدًا وحيدًا في صياغة التوجهات المرحلية التي باتت تتطلب ديناميات أخرى تؤطِّرها التنازلات السياسية المؤلمة.

دلالات التعثر 

السياق العام الذي تجري فيه المشاورات الحكومية يعرف تحركًا دبلوماسيًّا واسعًا وموازيًا للملك محمد السادس في القارة الإفريقية تمهيدًا للعودة إلى الاتحاد الإفريقي، وهو وضع مثلما يستدعي تحرك أجهزة الدولة في عدد من دول إفريقيا فإنه أيضًا فرض غيابًا متكررًا لمكوِّن أساسي من مكونات المشاورات السياسية في الأشهر الماضية وهو زعيم حزب التجمع الوطني الأحرار، عزيز أخنوش، بسبب ارتباطه بأغلب الجولات الملكية خارج المغرب، وهو ما يتطلب أحيانًا عديدة انتظار انتهائه من التزاماته الرسمية رفقة الملك لإعادة استكمال المشاورات. 

الدستور المغربي سكت بذكاء عن تحديد المدة الزمنية التي ينبغي عدم تجاوزها لتشكيل الحكومة وترك الأمر مفتوحًا للمعرفة المسبقة باستحالة تحديد سقف زمني للمشاورات، واكتفى بالنص في الفصل 47 على أن رئيس الحكومة يكون من الحزب الفائز بالمرتبة الأولى في الانتخابات. ورغم مرور الكثير من الوقت منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2016 لم يتم اللجوء إلى أي مضامين دستورية لمعالجة هذا التعثر الحاصل والتعقيدات الناتجة عنه، فما زال البحث عن الحلول السياسية يغلب على البحث عن الحلول الدستورية حتى اللحظة، وما زالت القراءة السياسية هي الأساس لمقاربة تعثر المشاورات، علمًا بأن الدستور يحل مشكلة الفشل في تشكيل الحكومة، الذي لم يعلن حتى الساعة، بآلية إعادة الانتخابات. 

وفي سياق هذا المعطى الدستوري هنالك ديناميات أخرى ذات أهمية كبيرة تتفاعل داخل النسق السياسي المغربي، تساعد في تفسير التعثر الذي يقع في تشكيل الحكومة. حيث توجد مساحات موازية للفعل السياسي إلى جانب مسار المشاورات الجارية لإعادة صياغة تموضعات سياسية جديدة متأثرة في الإطار العام بنتائج انتخابات شهر أكتوبر/تشرين الأول التي أفرزت فوز حزب العدالة والتنمية بـ125 مقعدًا في البرلمان. ومن أهم هذه الديناميات تجاوُز معطى خسارة حزب الأصالة والمعاصرة في الانتخابات الماضية ومحاولة إعادة التوازن بين قوى المشهد الحزبي عبر أدوات إدارة مخرجات نتائج الانتخابات الأخيرة، ومن خلال إعادة صياغة أدوار جديدة لعناصر في المعادلة السياسية مثل الزعيم الجديد لحزب التجمع الوطني للأحرار الذي يقود المشاورات الحكومية رفقة عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة المعين من طرف الملك، وكذلك أدوار آخرين مثل زعيم حزب الاتحاد الاشتراكي إدريس لشكر؛ ذلك أن التعقيدات التي تواجهها عملية تشكيل حكومة يقودها الحزب الفائز تقع ضمن سياق يعرف غياب تقاليد سياسية راسخة في ظل سيطرة المنطق الذي يسعى لتغليب التفاهمات السياسية على حساب المخرجات الواضحة. 

إن التعثر في المشاورات الحالية لإخراج الحكومة يسهم في تقديم تفسيرات للحدود السياسية والمسافة التي بات مطلوبًا من حزب العدالة والتنمية عدم تجاوزها والتي يفرضها تمدده في المشهد السياسي. صحيح أنه على المستوى التاريخي سعى الحزب جاهدًا إلى التفاهم والتقارب مع الملكية، لكن يبدو أن رسالة التعثر الحالية تشير إلى أن العلاقة بين الحزب والملكية لها سقف وشكل محدود لا ينبغي الطمع في تجاوزه. ولذلك ستمثِّل سنوات الولاية الحكومية القادمة بالنسبة لعبد الإله بن كيران وحزبه فرصة ومجالًا للتفكير في طبيعة وأفق العلاقة مع الملكية بعد امتحان التعثر الذي عرفته المشاورات، والذي قد يكون مقدمة لامتحانات عديدة في السنوات القادمة داخل الحكومة. 

التمدد الانتخابي المتنامي الذي حققه حزب العدالة والتنمية قوبل في هذه الفترة بمنطق الحرص على التوازن السياسي في المملكة، سواء من ناحية الاعتبارات الداخلية أو من ناحية القراءات السياسية للوضع الإقليمي والدولي واشتراطاته بالنسبة للدولة، وبهذا الاعتبار فإن شرعية صناديق الاقتراع ليست هي المحدِّد الوحيد للتحكم في مخرجات العملية السياسية النهائية، وفي عمقها التركيبة الحكومية الممكنة التي تُرضي كل الأطراف سواء الدولة أو الفاعلين السياسيين. ويبدو أن السرعة التي يمضي بها حزب العدالة والتنمية وحجم وطبيعة المساحة التي بات يتواجد بها عقب المحطات الانتخابية للعامين 2015 و2016 قد فرضت نوعًا من الفرملة التي يتم تداولها إعلاميًّا عبر مصطلح "البلوكاج". 

والحقيقة أن منهجية الفرملة لا تتعلق فقط بطريقة تشكيل الحكومة، وإنما تندرج ضمن الإطار العام في التعامل مع هذا التمدد الذي يحققه حزب العدالة والتنمية، والذي بات مؤثرًا في مستقبل وطبيعة علاقة الإسلاميين بالقصر. ذلك أن أساس إدماج حزب العدالة والتنمية في المشهد السياسي قد بُني على اعتباره مشاركًا في حدود معينة لا تضر بالآخرين ولا تمنحه مستويات متقدمة من الهيمنة داخل المشهد. 

إن تعثر تشكيل الحكومة يشير إلى وجود تضارب في الرؤى والخيارات الحالية في طبيعة تصور المرحلة القادمة التي تحمل مزيدًا من انخراط المغرب في الفعل الخارجي في القارة الإفريقية بما يتطلبه ذلك من التزامات سياسية، وصياغة للتوجهات السياسية والاقتصادية الداخلية. وهو ما سيظهر بوضوح في التعقيدات التي ترتبط بمناقشة أو الاتفاق على توزيع الحقائب الوزارية خاصة ذات المضمون الاقتصادي والاجتماعي. 

ويظهر من خلال اشتراطات زعيم حزب الأحرار، عزيز أخنوش، توجه واضح ورغبة في إعادة صياغة المشهد السياسي لا تشكيل الحكومة فقط؛ فهذه "الشروط التفاوضية أقرب إلى تشكيل مشهد سياسي وليس تشكيل حكومة". ويبدو أن تعيين أخنوش رئيسًا للتجمع الوطني للأحرار قد شكَّل تعقيدًا بالغًا بالنسبة لعبد الإله بنكيران؛ خاصة أنه جاء بتصورات مناقضة لما كان يريده بنكيران، من ناحية استبعاد حزب الاستقلال من التحالف الحكومي؛ حيث أدى تموضعه إلى جانب حزب العدالة والتنمية إلى تحمل الاستقلاليين تكلفة عالية سياسيًّا، لكنه في نفس الوقت أفاد بنكيران كإحدى أهم أوراق التفاوض مع الآخرين في البداية، وذلك قبل أن يقدِّم في النهاية نوعًا من التنازل بقبوله التخلي عن حزب الاستقلال. وقد تمت إعادة صياغة تموضع حزب الأحرار لمنحه مزيدًا من القوة التمثيلية داخل المشاورات من خلال إرفاقه بحزب الاتحاد الدستوري وإعلان الحزبين عن تشكيل تحالف برلماني بينهما. 

إن الشروط التفاوضية لحزب الأحرار والأحزاب القريبة من رؤيته الحالية، مثل: الاتحاد الاشتراكي والاتحاد الدستوري والحركة الشعبية تفسَّر سياسيًّا بأنها بحث عن وضع سياسي يضمن أكبر المكاسب السياسية في هذه المرحلة، وهم في نفس الوقت يعتبرون منهجية بنكيران في إدارة المشاورات "غامضة، وأن هنالك تصفية حسابات سياسية حزبية ضيقة تحكم هذه المشاورات"(1). 

وفي حين يفسِّر حزب العدالة والتنمية تعثر المشاورات بأنها عملية ابتزاز يرفض الخضوع لها في مواجهة شركائه المحتملين في الحكومة والذين هم خصومه في المشاورات حاليًّا، إلا أن قيادته تدرك الطبيعة السياسية للعملية التشاورية التي ترمي إلى إعادة ضبط حدود ومسافات الأطراف داخل النسق السياسي. وقد وظَّف بنكيران ورقة الرأي العام، مع ما تمثِّله من خطورة على المشاورات، بإشراكه منذ البداية في تفاصيل مجريات تشكيل الحكومة. لكنه في الآونة الأخيرة بعد أن أخذ تفويض حزبه لإدارة المشاورات بات ينحو إلى التقليل من استخدام أداة الرأي العام والتزام الصمت وتوجيه حزبه إلى التقليل من التصريحات والمواقف السياسية التي باتت مكلفة، والتي يبدو أنها تسهم كثيرًا في التشويش على منهجيته في إدارة المشاورات. 

ديناميات تحرُّك الأحزاب في المشاورات 

تشير ديناميات تحرك أطراف العملية السياسية في المغرب إلى العنوان الأساسي في هذه المرحلة وهو إعادة صياغة تموضعات مكونات المشهد السياسي. إن حاجة حزب العدالة والتنمية لحزب التجمع الوطني للأحرار حاليًّا هي حاجته للدولة، ولاستمرار التفاهم على إدارة مرحلة ما بعد تحولات عام 2011 التي كلما ابتعدنا عنها زمنيًّا تتضاءل أهمية كونها نقطة مرجعية قوية في تحديد المسارات السياسية والدستورية، عقب التحولات الإقليمية والدولية المؤطِّرة للموقف من المسألة الديمقراطية في المنطقة العربية. 

لقد تم القبول وتمرير موقف حزب العدالة والتنمية الرافض للتفاهم مع حزب الأصالة والمعاصرة "شكلًا" لتجاوز عقدة الصدام التنظيمي والنفسي الذي حدث بين الجانبين منذ نشأته، أمَّا "وظيفيًّا" فلا خيار أمام حزب العدالة والتنمية سوى التفاهم مع حزب الأحرار الذي يدرك بنكيران أن حكومة لا تضم في تركيبتها الأحرار لا يمكنها أن تنجح أو تستمر لما يعكسه زعيمه، أخنوش، من تموضع سياسي ضمن دائرة السلطة وصناعة القرار السياسي والاقتصادي، رغم أن البنية التنظيمية غير القوية لحزب الأحرار وتمثيله النيابي -37 مقعدًا- لا تنسجم مع قوة الرجل، وما هو مطلوب منه في هذه المرحلة وفي السنوات القادمة، وهو يدرك هذه الحاجة السياسية لتواجده في الحكومة، بما منحه القدرة الكبيرة على المناورة. وتفنَّن في توظيف تموضعه من قاعدة قراءته لموازين القوى الحالية لمحاولة فرض شروط أخرى والتمكن من فرض عدد من تصوراته على بنكيران ودفعه للتخلي عن حزب الاستقلال، الذي لم يتخلَّ عنه بنكيران إلا عند اللحظة التي أدرك معها أنه ورقة قد احترقت ولم يعد ممكنًا استخدامها. ويبدو أن الموقع الذي يتواجد فيه حزب العدالة والتنمية ضمن هذا النسق مؤثِّر ويسمح كذلك بكثير من المناورة، وبنفس القدر الذي يفرض عليه وعلى خصومه الذين هم شركاؤه في آن واحد تعقيدات متبادلة. 

وبعد خروج حزب الاستقلال من حسابات تشكيل الحكومة عقب الضجة الكبيرة التي تسببت فيها تصريحات أمينة العام، حميد شباط، حول العلاقة بين المغرب وموريتانيا، لم يتبقَّ لحزب العدالة والتنمية سوى حليفه الأقرب، حزب التقدم والاشتراكية، الذي لا يمتلك تمثيلًا سياسيًّا ونيابيًّا قويًّا، لكنه في نفس الوقت يمتلك قدرة اقتراحية ومبادرات سياسية لإيجاد حلول لتجاوز التعثر الحاصل. 

اتضح بعد مرور أشهر من بدء المشاورات السياسية أن رهان حزب العدالة والتنمية على إمكانية إحياء حلم تشكيل حكومة تضم أحزاب الكتلة كما عُرفت تاريخيًّا مثل الاستقلال والاتحاد الاشتراكي أمر غير ممكن سياسيًّا وواقعيًّا بسبب التغيرات التي طرأت على هذه الأحزاب واختيارها لاصطفافات متباينة. بل تحولت أحزاب الكتلة السابقة إلى عقدة تشكيل الحكومة حاليًّا؛ حيث نشأ صراع حول دخول حزب الاستقلال للحكومة بما أسهم في تمديد زمن المشاورات، وإذا كان حزب العدالة والتنمية في البداية قد أظهر تمسكًا واضحًا بضم حزب الاستقلال، فإن الحزب تحول في النهاية إلى عبء على بنكيران الذي قاوم كثيرًا للاحتفاظ بورقة هذا الحزب في المشاورات واستفاد منها، لكنه لم يتمكن سوى من ضمان دعم الاستقلاليين ضمن الأغلبية البرلمانية بعد أن قرَّر حزبهم مساندة حزب العدالة والتنمية، لكن بالمقابل يبدو رهان حزب العدالة والتنمية على دعم الاستقلال مستقبلًا معلقًا على الوضعية السياسية والتنظيمية التي سوف يستقر عليها هذا الحزب بعد مؤتمره القادم الذي ربما يحمل مفاجآت تخلط الحسابات من جديد. إذ لا يبدو أن حزب الاستقلال سيبقى طويلًا على النسخة الأخيرة التي ظهر عليها في الأشهر الماضية والمواقف الصدامية التي أنتجها؛ فقد باتت تدق بابه رسائل "العودة إلى بيت الطاعة". 

ويُظهر السياق الحالي وسلوك حزب الاتحاد الاشتراكي ضمن عملية المشاورات أن أزمات سياسية وتنظيمية كبيرة مستقبلًا تنتظر هذا الحزب الذي يخوض معركة سياسية وجودية؛ حيث تحوَّل إلى عقدة أخرى حول الكيفية التي يفترض التعامل معه بها، خاصة مع إصراره على مواجهة رفض تواجده بالحكومة ومناوراته العديدة بتبديل تموضعاته بشكل مستمر، وهي المناورات التي لا يملك في الوقت الحالي غيرها بسبب وضعه التنظيمي وتآكل قوته الشعبية. وقد تمكَّن الحزب ضمن هذا الصراع الذي يخوضه وأسقط فيه كثيرًا من ريشه من تحصيل مكسب الفوز برئاسة مجلس النواب، مستفيدًا من وقوفه إلى جانب حزب الأحرار ومن سياق يعرف فصل مسار بناء هياكل المؤسسة التشريعية عن مسار تشكيل الحكومة بالإضافة إلى ضغوط الالتزامات في القارة الإفريقية بالنسبة للمغرب والتي فرضت تسوية لمشكل تأخر عمل البرلمان. وما زالت قيادته "مصرَّة على المشاركة في الحكومة"(2)؛ وذلك في تعويل من الحزب على إمكانية تقديم حزب العدالة والتنمية لتنازلات أخرى. وسواء تمكَّن بنكيران من إبعاد الاتحاد الاشتراكي أم فشل في ذلك فإن التركيبة الحكومية القادمة لا تشير إلى إمكانية حدوث انسجام بين مكوناتها، بقدر ما ستكون مجالًا لاستمرار إدارة الصراع السياسي من داخل الحكومة في المستقبل. 

وبعد خسارة حزب الأصالة والمعاصرة في الانتخابات واتخاذه قرار المكوث في المعارضة، يكتفي الحزب إزاء عملية المشاورات بإطلاق عدد من التصريحات في محطات مختلفة لا تحمل مضامين سياسية ذات أهمية كبيرة. وبات الحزب في مفترق طرق لتحديد مصيره مستقبلًا، خاصة أن الرهان السياسي الذي علَّق عليه قبل الانتخابات لم يؤدِّ النتيجة المطلوبة، وصار عبئًا سياسيًّا بكتلة برلمانية كبيرة أغلبها لم يُخلق للمكوث في المعارضة، وهو ما سيمثِّل تحديًا في كيفية إعادة توظيف الإمكانات التي راكمها في السابق وإعادة توزيع مقدراته سياسيًّا. وذلك في وقت ينتقل فيه تدريجيًّا الرهان والثقل السياسي إلى حزب التجمع الوطني للأحرار وزعيمه أخنوش الذي يبدو جليًّا أنه من داخل الديناميات المتفاعلة حاليًّا يستعد لما بعد السنوات الخمس القادمة التي لن يواجه فيها بالتأكيد خصمًا اسمه عبد الإله بنكيران. 

لقد باتت أغلب الأحزاب السياسية تفضِّل الدخول إلى الحكومة وتتجنَّب التواجد في المعارضة التي تعتبرها في هذه المرحلة مكلفة سياسيًّا وتنظيميًّا ويحرمها هذا التواجد من امتيازات السلطة والقرار. وهذا المعطى يشير إلى تغير واضح في الثقافة السياسية لكثير من الفاعلين الحزبيين في المغرب. 

الخيارات المتاحة للخروج من الأزمة 

لن يتوقف زعيم حزب الأحرار، أخنوش، بكل ما يمثله عن مطالبة حزب العدالة والتنمية بتقديم مزيد من التنازلات المتعلقة بمشاركة حزبي الاتحاد الاشتراكي والاتحاد الدستوري، وامتحان مدى استماتة رئيس الحكومة المعين، والذي وجَّه كثيرًا من رسائله السياسية من خلال المكوث في بيته والتقليل من التصريحات السياسية ورمي الكرة في مربع الطرف الآخر ليجد حلًّا بدوره. إن الحل الدستوري الذي يعالج الفشل في تشكيل الحكومة واضح وهو الدعوة إلى إعادة الانتخابات، لكن يبدو أن الاعتماد على الحلول السياسية أنجع حاليًّا من الاستناد إلى مقتضيات الدستور في هذه الحالة. 

إن دفع حزب العدالة والتنمية إلى إعلان فشله في تشكيل الحكومة بسبب حالة الانسداد أو ضعف الخيارات المتاحة أمامه أمر مستبعد وبالغ التعقيد، وغاية المطلوب هو أن يقدِّم بنكيران تنازلات تسمح بإعادة صياغة الأوضاع السياسية بمخرجات بعيدة عن نتائج انتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2016؛ ذلك أن النسق السياسي المغربي لا يتحمل تكلفة خروج حزب يسيطر على أغلب المدن وبامتدادات داخل الطبقات الوسطى والفقيرة والغنية، خارج الحسابات الحكومية في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة. 

ورغم تعقيدات المشاورات يبدي حزب العدالة والتنمية إصرارًا على النجاح في تشكيل الحكومة رغم التنازلات المكلفة أمام الرأي العام. وهو يدرك أنه فكرة إصلاحية لا تتبنى منهجًا صداميًّا، وبهذا الاعتبار لن يندفع إلى إعلان فشل تشكيل الحكومة لإدراكه للمآلات التي قد تترتب عن هذا السيناريو الذي يبدو أن الدولة لا تريده بسبب تكلفته المرتفعة على الجميع. ولهذا سوف يمنح بنكيران نفسه فرصة أخرى بعد الانتهاء من القمة الإفريقية القادمة لمحاولة إحداث اختراق في مسار المشاورات وتحريك المياه الراكدة حتى لو تطلَّب الأمر تقديم بعض التنازلات التي يسهل تفسيرها وإقناع الرأي العام بضرورتها.

____________________________

كمال القصير، خبير في الشأن السياسي المغربي

نبذة عن الكاتب

مراجع

1- مشاورات تشكيل الحكومة تدخل نفقًا جديدًا، موقع الجزيرة نت، بتاريخ: 7 يناير/كانون الثاني 2017:

http://www.aljazeera.net/news/arabic/2017/1/6/%D9%85%D8%B4%D8%A7%D9%88%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%AA%D8%B4%D9%83%D9%8A%D9%84-%D8%AD%D9%83%D9%88%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8-%D8%AA%D8%AF%D8%AE%D9%84-%D9%86%D9%81%D9%82%D8%A7-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A7

2- الاتحاد الاشتراكي يترأَّس مجلس النواب المغربي وعينه على الحكومة، موقع جريدة العرب اللندنية، بتاريخ: 27 يناير/كانون الثاني 2017: إضغط هنا.