تلتقي جميع الأطراف المسلحة، المحلية والإقليمية والدولية، على قتال تنظيم الدولة في الموصل؛ ومع اقتراب حسم المعركة، ستتحول انشغالاتهم نحو مواجهة تحديات ما بعد المعركة والتداعيات المُحتملة لها، حين تتصارع الأطراف المنتصرة على تحقيق الأهداف التي دفعتها للمشاركة في المعركة.
يتمثل التحدي الأكبر أمام الجميع في الموازنة بين تحرير المدينة وأهمية ذلك، ومرحلة ما بعد التحرير في ما يتعلق بإدارة المدينة، وشكل نظام الحكم فيها، وتوزيع السلطات والجهات المؤثِّرة القادرة على الحفاظ على أمن المدينة واستقرارها وضمان عدم سقوطها مرة أخرى بيد تنظيم الدولة، أو تنظيمات مشابهة قد تكون أحد إفرازات خسارة التنظيم مدينة الموصل، طالما استمرت السياسات الإقصائية والخلل في توزيع المناصب السيادية والثروات.
التوصل إلى توافق مع القوى السنِّيَّة في محافظة نينوى يقوِّي الحكومة المركزية ويرسخ سلطاتها الأمنية والعسكرية في المحافظة من خلال تعزيز السلطات المحلية في مدينة الموصل، وتسليمها كافة المهام الأمنية والعسكرية للمحافظة ككل.
مقدمة
كان من أبرز تداعيات أحداث الموصل 2014، تشكيل "تحالف واسع"، محلي وإقليمي دولي، يحظى بتأييد ودعم القوى السياسية السنِّية المشارِكة في العملية السياسية بالتنسيق مع مواقف دول عربية وإسلامية، تركيا والسعودية وقطر، تحاول الحدَّ من تداعيات ما بعد معركة الموصل على العرب السنَّة والتركمان للحفاظ على وحدة العراق ومنع أيِّ تغييرات في البنية الاجتماعية القائمة قبل أحداث الموصل؛ إضافةً إلى الحد من ممارسات الحشد الشعبي المعروف بسجله الطويل من الانتهاكات التي وثقتها منظمات دولية.
أثار تعدد الأطراف المشاركة في عملية استعادة الموصل واختلاف أهدافها، وتناقضها أحيانًا، المزيد من الجدل قُبيل انطلاقها وفي أثنائها، ومن المتوقع أنَّ واقعًا من الصراعات المحلية والإقليمية المتداخلة سيكون هو العنوان الأبرز للصفحة التالية بعد الصفحة العسكرية.
لذلك، ستظل المرحلة التي تعقب استعادة الموصل هي المرحلة الأكثر أهمية من مرحلة العمليات العسكرية، التي من الصعوبة بمكان، توقع حدوث صدام بين تلك الأطراف قبل انتهاء المعركة، لإدراكها خطورة ذلك على سير العملية العسكرية وإنجاز مهمتها بنجاح.
تحديات ما بعد الحسم العسكري
تلتقي جميع الأطراف المسلحة، المحلية والإقليمية والدولية، على قتال تنظيم الدولة في الموصل؛ ومع اقتراب حسم المعركة، ستتحول انشغالاتهم نحو مواجهة تحديات ما بعد المعركة والتداعيات المُحتملة لها، حين تتصارع الأطراف المنتصرة على تحقيق الأهداف التي دفعتها للمشاركة في المعركة.
يتمثَّل التحدي الأكبر أمام الجميع في الموازنة بين تحرير المدينة وأهمية ذلك، ومرحلة ما بعد التحرير في ما يتعلق بإدارة المدينة، وشكل نظام الحكم فيها، وتوزيع السلطات والجهات المؤثرة القادرة على الحفاظ على أمن المدينة واستقرارها وضمان عدم سقوطها مرة أخرى بيد تنظيم الدولة، أو تنظيمات مشابهة قد تكون أحد إفرازات خسارة التنظيم مدينة الموصل، طالما استمرت السياسات الإقصائية والخلل في توزيع المناصب السيادية والثروات.
أهم التحديات القادمة
أولًا: القضاء على تنظيم الدولة
واصل تنظيم الدولة خسارته للأرض باستمرار واضح في كلٍّ من سوريا والعراق؛ إذ خسر التنظيم مساحات واسعة من أراضي سيطرته تصل إلى "أكثر من 62% من مجموع المساحات التي كان يسيطر عليها في يونيو/حزيران 2014 في العراق"(1)؛ كما خسر أعدادًا كبيرة من مقاتليه وقياداته الذين يبلغُ "عددهم الإجمالي في سورية والعراق ما بين 12 إلى 15 ألف عنصر" (2)، وفقًا لتقديرات أميركية.
لكنَّ نهاية سيطرة تنظيم الدولة على المراكز الحضرية، وخسارته لأعداد كبيرة من مقاتليه، لا تعني نهاية تهديداته بل سيتخذ من مواقعَ بديلة لتواجد مقاتليه منطلقًا لهجمات تستهدف الحكومة المركزية والثكنات العسكرية ومراكز الشرطة والحشد الشعبي أو العشائري، وكذلك شن هجمات مباغتة بأعداد قليلة جدًّا من مقاتليه (الانغماسيين) على مدنٍ معينةٍ تقلُّ فيها إجراءات الحماية والدفاع للسيطرة عليها.
ستواجه قوات الحكومة العراقية والتحالف الدولي صعوبات كبيرة في تحويل المناطق الصحراوية إلى بيئة آمنة خالية من تواجد تنظيم الدولة أو القضاء على تهديداته للمدن والطرق الرئيسية؛ ولتحقيق ذلك ثمَّة حاجة إلى نشر عشرات آلاف الجنود في مواقعَ ثابتة على الحدود العراقية-السورية وعلى الطرق الرئيسية، وكذلك الطرق البرية في الصحراء، لكنَّ رجحان عجز الحكومة عن ذلك سيجعل هذه المواقع عرضة لهجمات تنظيم الدولة الذي يُجيد استغلال الهشاشة الأمنية في مهاجمة الأهداف المعادية له.
ثانيًا: منع الانتهاكات ضد سكان الموصل
لا يزال سكان الموصل يتعرضون لانتهاكات جسيمة في محيط المدينة أثناء نزوحهم هربًا من العمليات العسكرية على يد فصائل الحشد الشعبي "ذات الأغلبية الشيعية والمتورطة في ارتكاب انتهاكات، بدعم السلطات العراقية، التي قدَّمت لها الدعم المالي والأسلحة، واعترفت بها رسميًّا في فبراير/شباط 2016، كجزءٍ من القوات المسلحة العراقية"(3)؛ وسيؤدي هذا الدعم إلى استمرار السلوك الطائفي وتجذيره في عموم المؤسستين الأمنية والعسكرية بعد قراراتٍ اتخذها القائد العام للقوات المسلحة باعتبار الحشد الشعبي قوة رسمية في موازاة قوات مكافحة الإرهاب المرتبطة به.
مع زيادة نفوذ قوات الحشد الشعبي وهيمنتهم على الملف الأمني، والنهج الطائفي الذي يحكم سلوك مقاتليه وقياداته، وإفلات المسؤولين منهم عن ممارسة الانتهاكات ضد العرب السنَّة من العقاب، ستواجه الأطراف المعنية تحدي إرغام فصائل الحشد الشعبي على وقف انتهاكاته ضد السكان حيث تتهم "منظمات حقوقية، فضلًا عن أعضاء في البرلمان العراقي، الميليشيات وقوات الجيش بارتكاب جرائم وانتهاكات واسعة، تخللتها عمليات إعدام ميدانية وسرقة وحرق منازل، وتعذيب مواطنين لانتزاع اعترافات منهم"(4).
ثالثًا: حل الحشد الشعبي
يُشكِّل الحشد الشعبي قوة عسكرية تقترب من قدرات الجيش العراقي أو تتفوق عليها؛ حيث "يستخدم أسلحة من مخزونات الجيش العراقي، المقدَّمة من قبل الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا وروسيا وإيران، في ارتكاب جرائم حرب وهجمات انتقامية، وسوى ذلك من الاعتداءات"(5).
إنَّ عدم وجود قوة مؤسساتية قادرة على مواجهة الحشد الشعبي، وغياب الإرادة السياسية في الحكومة العراقية، سيؤدي إلى دور أكبر له في الملف الأمني وتعزيز أكبر للقوى السياسية المتحالفة معه أو المرتبطة بقياداته، بما يجعل منه قوة مهيمنة في الدولة العراقية قادرة على فرض سلطاتها في حالة قريبة الشبه من نفوذ حزب الله في لبنان، وبالتالي يمكن أنْ يكون الحشد الشعبي مستقبلًا هو الفرع العراقي للحرس الثوري الإيراني الذي تدين له قيادات الحشد الشعبي بالولاء المطلق "والإخلاص لتحقيق أهداف الثورة الإيرانية"(6).
رابعًا: مواجهة صراعات القوى المحلية
تتوزع محافظة نينوى على عرقيات وطوائف متعددة؛ وتضمُّ مدينة الموصل خليطًا من العرب السنَّة الذين يُشكِّلون نسبة 74% من سكانها، والأكراد والتركمان؛ أما قضاء تلعفر فيضم غالبية من التركمان الشيعة والتركمان السنَّة مع وجود للعرب السنَّة كغالبية في محيط المدينة والمناطق التابعة للقضاء؛ ويضمُّ قضاء سنجار أقلية عربية سُنيِّة مع غالبية من الأيزيديين الذين يتحدثون اللغة الكردية، كما هي حال سكان قضاء الشيخان وناحية زمار وإسكي كلك، أما مناطق الحمدانية وتلكيف وبعشيقة فهم مسيحيون سريان.
تحتفظ بعض القوى المحلية، مثل البيشمركة، بوجود فاعل في المحافظة، قبل أحداث الموصل 2014، وتتصارع قوى جديدة على تثبيت مواقع نفوذ لها في مرحلة ما بعد انتهاء العمليات العسكرية، وهي قوى لم يسبق أنْ تواجدت في المنطقة، مثل الحشد الشعبي وحزب العمال الكردستاني وهما قوتان حليفتان لإيران، وكذلك قوات حرس نينوى، وهي قوة حليفة لتركيا.
ومع بدء عملية استعادة الموصل، في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2016، تحدَّث رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، عن تفاهم مع إقليم كردستان، بأنه يجب على البيشمركة ألا تتحرك من أماكنها أثناء عملية استعادة الموصل أو أنْ تتوسع؛ لكنَّ قوات البيشمركة ردت على الحكومة المركزية بأنها "ستواصل تقدمها ولن تنسحب من المناطق التي حررتها أو التي ستحررها مستقبلًا"(7)؛ وتتمسك حكومة إقليم كردستان بضم الأراضي التي استعادتها من تنظيم الدولة، ومن بينها قضاء سنجار الذي "ترفض حكومة الإقليم تسليمه لأية جهة لربطه بإقليم كردستان والعمل مع الحكومة المركزية لجعله محافظة تابعة للإقليم"(8).
(الجزيرة) |
تواصل حكومة إقليم كردستان إصرارها على الاحتفاظ بالأراضي التي استعادتها من تنظيم الدولة، وهو ما ترفضه القيادات الشيعية والحشد الشعبي الذي "لن يتردد في شنِّ عملية عسكرية ضد قوات البيشمركة"(9) في حال رفضت الانسحاب من المناطق التي استعادتها من التنظيم بعد أن بات لدى الشيعة "جيش قوي وحشد شعبي" قادر على الرد على مَنْ يريدُ "البقاء بالمناطق التي تمَّ تحريرها مؤخرًا"؛ وهو الموقف الذي رفضته حكومة الإقليم التي "توعَّدت كلَّ من يُهددها"(10).
وفي حالات عدة، اشتبكت قوات تابعة للحشد الشعبي مع قوات البيشمركة الكردية في مدينة طوزخورماتو، في 24 أبريل/نيسان 2016، إضافة إلى اشتباكات سابقة، في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2015. وفي 26 يناير/كانون الثاني 2017، قصفت قوات تابعة للحشد الشعبي مواقع البيشمركة الكردية في محيط قضاء سنجار مما أدى إلى ردود فعل غاضبة من حكومة إقليم كردستان التي هددت بالرد في حال تكرر القصف.
خامسًا: مواجهة الصراعات الإقليمية المحتملة
منذ غزو العراق تصاعدت حدة التوترات الطائفية في عموم المنطقة، ومع عملية استعادة الموصل بدا الصراع أكثر وضوحًا في إعادة الفرز بين أطرافه والتحالفات التي تشكَّلت ضمنًا أو عمليًّا. وتتحمل الولايات المتحدة تبعات هذا الصراع أكثر من غيرها، وذلك لعدم اتخاذها ما يكفي من الخطوات، مع قدرتها على ذلك، لإعادة التوازنات إلى وضعها الطبيعي لأن الخلل فيها يشكِّل العامل الأهم في تصاعد حدة الصراعات، التي دفعت قوى إقليمية مثل تركيا وإيران للانخراط في الحرب، دفاعًا عن مصالحها الخاصة.
وتصف قيادات الحشد الشعبي الوجود التركي في العراق بأنَّه "قوة احتلال"، فيما تعتبره الحكومة المركزية تدخلًا أجنبيًّا في الشؤون الداخلية، كما ترفضه إيران لأنه "لن يكون مشروعًا ولا قانونيًّا"(11) طالما جرى دون علم حكومة العراق؛ لكنَّ الولايات المتحدة تتفهم المخاوف التركية من تداعيات معركة الموصل واحتمالات تثبيت مقاتلي حزب العمال الكردستاني مواقع جديدة لهم في سنجار، التي تبعد حوالي 100 كيلومتر إلى الجنوب الغربي من الحدود التركية، و50 كيلومترًا إلى الشرق من الحدود السورية التي تسيطر عليها وحدات الحماية الشعبية.
ترى تركيا ضرورة التدخل في معركة استعادة الموصل لأنها تجري قرب حدودها الجنوبية التي يبلغ طولها أكثر من 350 كيلومترًا مع العراق، ولصدِّ ما "قد يجري للعرب السنَّة والتركمان والأكراد في الموصل"، ولمنع "احتمالات اندلاع صراع مذهبي بذريعة قتال تنظيم الدولة"(12).
أما إيران، فتعمل على تعزيز وخلق تواجد لمراكز قوى حليفة لها، من خلال بناء قوة عسكرية من مجموعات شيعية مسلحة، ضمن إطار مؤسساتي يضمَّ ما لا يقل عن 72 فصيلًا مسلحًا يُشكِّلون هيئة الحشد الشعبي، من بينها أكثر من "41 فصيلًا يتبع مرجعية المرشد الأعلى، علي خامنئي، وهو ما يؤكد المصالح المتبادلة بين الحشد الشعبي وإيران التي تقدِّم الدعم مقابل تنفيذ سياساتها في المقام الأول"(13).
أما حليف تركيا، حرس نينوى، فإنه لا يتمتع بالقدر الكافي من التأثير في معادلة التوازنات العسكرية قياسًا بالقوى الحليفة لإيران التي نجحت في بناء قوة تقاتل بالنيابة عنها؛ مما وسَّع دائرة حلفائها في محافظة نينوى لتشمل، كل فصائل الحشد الشعبي المحلية المشكلة من أقليات المحافظة، إضافةً إلى حزب العمال الكردستاني المصنَّف على قائمة الإرهاب في تركيا والولايات المتحدة.
ويرتبط حزب العمال الكردستاني بعلاقات جيدة وتنسيق مشترك مع الحشد الشعبي والحكومة المركزية وحزبي التغيير والاتحاد الوطني الكردستاني، ومقرُّهما السليمانية، إضافةً إلى إيران التي "زارها وفدٌ من قيادات الحزب، في الأسبوع الثالث من مارس/آذار 2017، بعد جولة شملت السليمانية وبغداد التي التقى فيها مع قيادات في الحشد الشعبي وممثل عن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي"(14).
ويتبنى حزب العمال الكردستاني المواقف الإيرانية والعراقية الرسمية وقيادات الحشد الشعبي في معارضة "استقلال إقليم كردستان وضم قضاء سنجار إلى الإقليم"، وهو عامل مضاف إلى عوامل أخرى من الخلافات بين الحزب وإقليم كردستان واحتمالات دخوله كطرفٍ من أطراف الصراع إلى جانب الحشد الشعبي في أيِّ صراع مستقبلًا بين البيشمركة الكردية التابعة لرئيس الإقليم، مسعود بارزاني، والحشد الشعبي على الأراضي المُتنازع عليها، أو توظيفه إيرانيًّا بالتنسيق مع الحشد الشعبي في محيط تلعفر وسنجار ليشكِّلا معًا قوة قتالية واحدة لتعزيز النفوذ الإيراني ومواجهة التواجد التركي مستقبلًا.
سادسًا: تحدي إدارة محافظة نينوى ومدينة الموصل
تواجه محافظة نينوى تحدي تقسيمها إلى عدَّة محافظات وضمِّ بعضها إلى إقليم كردستان، وترفض الحكومة المركزية والقوى الشيعية النافذة إدارة المدينة إدارة لا مركزية تستجيب لرغبات سكان المحافظة؛ وسبق أنْ فشلت أكثر من محافظة سُنيَّة مستوفية لشروط تكوين إقليم خاص بها وفقًا للدستور، بسبب النفوذ الواسع للقوى الشيعية على المفوضية العليا المستقلة للانتخابات التي تملك سلطة إدارة الاستفتاءات والإشراف عليها في المحافظات التي تتقدم بطلب قانوني لتكوين إقليم خاص بها.
تكررت الدعوات السُّنِّية لإقامة إقليم يضمُّ محافظة أو أكثر من محافظة سُنيَّة بعد سقوط الموصل في يد تنظيم الدولة عام 2014؛ ويُعد مشروع الإقليم "حاجة ملحَّة، تؤمن بها الجهات السنيَّة المؤثِّرة التي ترى في الإقليم فرصة لإدارة العرب السنَّة لمناطقهم"(15)؛ كما أن قيادات محافظة نينوى تحاول تجنب الصراع مع إقليم كردستان على الأراضي المُتنازع عليها، وترى "ضرورة أنْ تتحول نينوى إلى إقليم ضمن نطاق الدستور، وهذا الأمر ممكن بعد حل قضايا المناطق المتنازع عليها"(16)، وتدعم حكومة إقليم كردستان "ضرورة استحداث إقليم سُنِّي مستقل، كأفضل حلٍّ لحكم البلاد" (17).
وفي المرحلة التي تعقب الانتهاء من معركة الموصل ستزداد الأعباء المالية على الحكومة الاتحادية لتلبية حاجات سكان المدينة، التي دمرت الحرب بناها التحتية ونسبةً كبيرةً من الممتلكات الخاصة بالسكان، إضافةً إلى حاجتها لإعادة تأهيل المؤسسات الخدمية. ورغم تلقي الحكومة دعمًا متعدد الأوجه من عددٍ من دول العالم، لكنَّ تراجع أسعار النفط وكلفة العمليات القتالية استنزفت الكثير من الموارد الذاتية للدولة، التي تعاني من مشاكل تفشي الفساد وسوء الإدارة.
الإقصاء والتوافق
مع اقتراب الحسم العسكري لمعركة الموصل، تبرز مخاوف العرب السُّنَّة من المرحلة التي ستليه؛ وفي محاولةٍ للحد من تداعياتها عقدت قيادات سُنيَّة مؤتمرًا لها لمناقشة مرحلة ما بعد المعركة، في أنقرة، أوائل فبراير/شباط 2017، برعاية إقليمية، تركية، واطِّلاع أميركي، ومشاركة عربية معنية بالشأن العراقي، السعودية والإمارات والأردن وقطر، لوضع ترتيبات تسبق الانتهاء من العمليات القتالية لمناقشة صيغ إصلاح مؤسسات النظام السياسي العراقي، ولن يغفلوا بالتأكيد مستقبل الموصل، وقد يقترحون لحكمها ما يُشبه الإدارة المحلية لمحافظة نينوى تتشكَّل من قوى متنوعة، تُمثِّل مكونات المحافظة كبديلٍ مقبولٍ يضمن عدم عودة الملف الأمني إلى الحكومة المركزية بشكل كامل، والتحرر بقدرٍ ما من دائرة النفوذ الواسع للحشد الشعبي وإيران على القرار العراقي في شقيه السياسي والأمني.
تواجه عملية إعادة بناء الموصل التعددَ العِرقي والطائفي لسكان محافظة نينوى الذي خلق "أزمة ثقة" بين مكوناتها، أو بين هذه والحكومة المركزية؛ وتعترف قيادات المحافظة بوجود "أزمة ثقة" تستدعي "أنْ تبادر الحكومة العراقية أو التحالف الدولي إلى بدء حوار شامل بين مكونات نينوى"؛ كما تؤكد قيادات المحافظة في أكثر مناسبة على ضرورة إنشاء إقليم خاص "له دستور خاص به وإدارة ذاتية"(18).
ستواجه عملية إعادة بناء الموصل مشكلة ردِّ الاعتبار لقيادات المجتمع السُنِّي وتمكينهم من ممارسة دورهم في الوسطين السياسي والاجتماعي، وإعادة بناء الثقة مع الحكومة المركزية بتمثيل سياسي أوسع في إطار الشراكة في قيادة الدولة وثرواتها، وفق الاستحقاق المكوناتي الذي يقرُّه تعداد سكاني بإشراف دولي، يُحدِّد الانتماءين: العِرقي والطائفي للعراقيين.
يمكن للتحالف الدولي بالتنسيق مع الحكومة العراقية اتخاذ خطوات تعزيز ثقة المجتمع السُّنِّي بالحكومة المركزية وتعميق ارتباطهم بالدولة العراقية، مثل حلِّ الحشد الشعبي، ونزع أسلحته وحصر السلاح بيد الدولة لإزالة كل ما يمكن أنْ يجعل المجتمع السني يخشى على مستقبله ووجوده ودوره مستقبلًا، إضافة إلى وضع حدٍّ لسياسة التغيير في التركيبة السكانية لمناطق العرب السنة وعودة الجميع إلى مناطقهم من النازحين جرَّاء العمليات العسكرية أو المهجرين قسرًا، وإلغاء الإجراءات المعقدة التي يفرضها الحشد الشعبي والجهات الأمنية لقبول عودتهم.
تؤكد تجارب إدارة المدينة في المرحلة التي سبقت أحداث 2014 على عدم قبول سكان الموصل بالعودة إلى نظام الحكم المركزي الذي يفرض تعيين أصحاب المناصب العليا والقيادات الأمنية دون تنسيق مع مجلس محافظة نينوى، أسوة بمجالس المحافظات الأخرى التي من سلطاتها الدستورية "الموافقة على تعيين أصحاب المناصب العليا في المحافظة بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس"(19)؛ لذلك ستظل أهمية بناء قوات أمنية محلية تمثِّل مكونات سكان المحافظة في مقدمة الضمانات الكفيلة بمنع سقوط المدينة ثانيةً بيد تنظيم الدولة أو تنظيمات أخرى يمكن أنْ تحلَّ كبديل عنها في مرحلة لاحقة طالما ظلت الأسباب التي تقف وراء ظهور مثل هذه التنظيمات قائمة.
التوصل إلى توافق مع القوى السنية يقوِّي الحكومة المركزية ويرسخ سلطاتها الأمنية والعسكرية في المحافظة من خلال تعزيز السلطات المحلية في مدينة الموصل، وتسليمها كافة المهام الأمنية والعسكرية للمحافظة ككل.
___________________________________
رائد الحامد - باحث في الشؤون العراقية
1- التحالف الدولي: عدد مقاتلي داعش في أدنى مستوياته، إرم نيوز، 2 مارس/آذار 2017:
http://www.eremnews.com/news/arab-world/744024
2 البنتاجون يكشف عدد مقاتلي داعش، جريدتك اليوم، 2 مارس/آذار 2017:
http://motamemservice.com/eg/Story/Details/31778975
3 العراقيون الفارون من مناطق سيطرة (تنظيم الدولة الإسلامية) يواجهون التعذيب والإخفاء والقتل في هجمات انتقامية، منظمة العفو الدولية، 18 أكتوبر/تشرين الأول 2016:
4 الجيش والميليشيات تشن حملة اعتقالات جديدة بساحل الموصل الشرقي، صحيفة العربي الجديد، 17 فبراير/ شباط 2017:
5 ضعوا حدًّا لعمليات نقل الأسلحة اللامسؤولة التي تؤجج جرائم الحرب من جانب الميليشيات، منظمة العفو الدولية، 5 يناير/كانون الثاني 2017:
6 أبو مهدي المهندس: أفخر بكوني جنديًّا لدى سليماني وأريد أن أُدفن في طهران، شفق نيوز، 4 أبريل/نيسان 2017:
7 حكومة إقليم كوردستان ترد على العبادي: البيشمركة ستواصل تقدمها ولن تنسحب من المناطق المحررة، شبكة رووداو الإعلامية، 17 أغسطس/آب 2016:
http://www.rudaw.net/arabic/kurdistan/170820163
8 مسعود بارزاني يعلن عزمه ضم سنجار التابع لنينوى إلى إقليم كردستان، قناة الغدير، 3 أغسطس/آب 2015:
http://alghadeer.tv/news/detail/29997/
9 قيادي في الحشد الشعبي يهدد بإخراج قوات البيشمركة من نينوى، شبكة رووداو الإعلامية، 28 يناير/كانون الثاني 2017:
http://www.rudaw.net/arabic/middleeast/iraq/2701201714
10إقليم كردستان يستنكر تصريحات قيادي شيعي، الجزيرة نت، 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2016:
11 خاص: زيارة ولايتي للعراق وعملية الموصل، مسؤول كبير يكشف، قناة العالم، 23 أكتوبر/تشرين الأول 2016:
http://www.alalam.ir/news/1876359#sthash.A6AjatmP.dpuf
12 أردوغان مصرٌّ على المشاركة في عملية تحرير الموصل، روسيا اليوم، 17 أكتوبر/تشرين الأول 2016:
13 الحشد الشعبي.. خلفيات التشكيل الدور والمستقبل، مركز صناعة الفكر للدراسات والأبحاث، 12 ديسمبر/كانون الأول 2016:
http://www.fikercenter.com/ar/p/political_analysis/view/584ec4a85ed42
14وفد رفيع من PKK يزور بغداد وطهران كان قد زار السليمانية أيضًا، وكالة باسنيوز، 18 مارس/آذار 2017:
http://www.basnews.com/index.php/ar/news/kurdistan/337381
15 النجيفي يدعو لتشكيل "إقليم السُّنَّة" ويؤكد أنه أصبح حاجة ملحَّة، السومرية نيوز، 3 يوليو/تموز 2014:
16 أسامة النجيفي: من الضروري إنشاء إقليم في نينوى ونرفض دخول الحشد الشعبي إلى الموصل، شبكة رووداو الإعلامية، 14 فبراير/شباط 2017:
http://www.rudaw.net/arabic/interview/140220172
17 بارزاني يدعو لاستحداث إقليم سُنِّي مستقل، الخليج الجديد، 18 يونيو/حزيران 2014:
http://thenewkhalij.org/node/538
18 أثيل النجيفي: يجب إنشاء إقليم في نينوى يكون له دستور خاص وإدارة ذاتية، شبكة رووداو الإعلامية، 26 أكتوبر/تشرين الأول 2016:
http://www.rudaw.net/arabic/kurdistan/261020164
19 قانون رقم (19) لسنة 2013، قاعدة التشريعات العراقية، (د.ت.):
http://www.iraqld.iq/LoadLawBook.aspx?page=1&SC=040920139437949