هجوم الأهواز: تداعيات الداخل واحتمالات الرد

شيَّعت إيران، جثامين قتلى الهجوم المسلح، الذي وقع في 22 سبتمبر/أيلول 2018، في مدينة الأهواز جنوب غربي البلاد، خلال عرض عسكري أقامته القوات المسلحة
30 سبتمبر 2018
0734ca992f0544d3910c0eecc02fc450_18.jpg
تشييع ضحايا الهجوم الذي استهدف استعراضًا عسكريًّا في ذكرى الحرب العراقية-الإيرانية وسقط فيه 25 قتيلًا وعشرات الجرحى (رويترز)

شيَّعت إيران، جثامين قتلى الهجوم المسلح،الذي وقع في 22 سبتمبر/أيلول 2018، في مدينة الأهواز جنوب غربي البلاد، خلال عرض عسكري أقامته القوات المسلحة، بمناسبة ذكرى الحرب الإيرانية-العراقية، وأودى وفق إحصاءات رسمية بحياة 25 شخصًا، وأصيب 69 آخرون، علمًا بأنها ليست المرة الأولى التي تشهد فيه منطقة خوزستان عمليات وتفجيرات من جماعات انفصالية ومعارضة.

المنفذون

اتهم قادةٌ في الحرس "المنظمة الأحوازية" بتنفيذ الهجوم، وقالت تقارير إيرانية: إن منظمة تُسَمِّي نفسها "المنظمة السياسية الشعبية العربية"، تُطالب بانفصال خوزستان عن إيران، وتدعو لسيادة وحكومة منفصلة فيها عقب انتصار الثورة الإسلامية عام 1979، كما تطالب بأن يكون التعليم باللغة العربية وتعيين مسؤوليها من العرب. ودعمت الحركةُ العراقَ في حربه مع إيران، وتصنِّفها إيران حركة إرهابية وتتهمها بارتكاب العديد من العمليات عقب الثورة وخلال الحرب، ويقيم عدد كبير من منتسبيها في دول أوروبية، ولاحقًا أطلقت على نفسها "المنظمة السياسية الشعبية الأحوازية". أما الحركة الانفصالية التي تبنت الهجوم، وهي "جبهة النضال العربي لتحرير الأحواز"، فمعروف أن في صفوفها من اعتنقوا المذهب السُّنِّي، وترتبط بعلاقات جيدة مع السعودية، وأعلنت دعمَها لعاصفة الحزم، وتواظب على التهنئة بالمناسبات الرسمية السعودية. وقد سبق أن قامت السعودية بإثارة القضية التي تتبناها المنظمة في الأمم المتحدة.

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تشهد فيها الأهواز ذات الأغلبية العربية عمليات تستهدف المصالح الإيرانية، ويمكن الإشارة إلى أبرز العمليات السابقة بالتالي:

  1. 1. في فبراير/شباط 2017: في مدينة "الخلفية"، اغتيل رئيس جهاز الاستخبارات "حسين شريفي" ومرافقون له.

  2. 2. في يناير/كانون الثاني 2017: جرى تفجير خطوط أنابيب النفط جنوبي إيران، وأعلن رئيس الحركة في ذلك الوقت، أحمد مولى، والذي جرى اغتياله لاحقًا، أن الحركة قد فجَّرت خطوط إمداد النفط ردًّا على الدور الإيراني في سوريا والعراق واليمن.

  3. 3. في ديسمبر/كانون الأول 2015: جرى تفجير خط أنابيب نفط آخر في جنوب إيران.

  4. 4. في أكتوبر/تشرين الأول 2013: جرى استهداف المنشآت النفطية الواقعة في مدينة "الخلفية" جنوب شرقي الأهواز وتم ربط العملية بمفاوضات جنيف بشأن سوريا.

وأعلنت وزارة الاستخبارات الإيرانية اعتقال 22 شخصًا على صلة بالهجوم، وقال بيان لها إنها "عثرت على مقر خبَّأ فيه المتورطون أسلحة ومتفجرات ووسائل اتصال". وبصورة غير رسمية، نشرت مواقع إيرانية أسماءً قالت إنها للمسلحين الأربعة الذين نفذوا هجوم الأهواز، وينتمون لـ"المنظمة الأحوازية" الانفصالية والمعارِضة للنظام. وقالت قناة لموقع رجاء نيوز الأصولي: إن أحمد ومحمود منصوري، وهما أخوان من منطقة مندلي في الأهواز، وجواد سواري، وعادل بدوي، من منطقة "قلقشت" في الأهواز كذلك، هم مَنْ نفَّذوا الهجوم.

ورغم تبنِّي الحركة الأحوازية للهجوم فإنه لا يمكن إسقاط تبنِّي تنظيم الدولة، وتشير معطيات كثيرة تتعلق بشكل الهجوم وأسلوب تنفيذه إلى أن الجهة المنفِّذة قد تكون خلية تابعة لتنظيم الدولة، خاصة وأن قيادات من التنظيم قد انتقلت إلى إيران وأفغانستان وباكستان عقب هزيمة التنظيم في العراق، ويُلاحَظ من الفيديو الذي نشرته وكالة أعماق، وجود شخصين تحدثا العربية بلهجة أهوازية، وثالث تحدث اللغة الفارسية بلهجة يمكن وصفها بـ"لورية بختيارية" (مجموعة عِرقية قبلية تعيش في خوزستان وينتمون للمذهب الشيعي)، دعوا إلى ضرورة "تلبية نداء الجهاد". ويوفر التبني غير الصريح لتنظيم الدولة، لإيران فرصة الدفاع عن سياساتها في الإقليم وحجتها بأنها تقاتل تنظيم الدولة الذي ما زال يشكِّل خطرًا، ويوم الأربعاء، 26 سبتمبر/أيلول 2018، هدَّد متحدث باسم التنظيم، في تسجيل صوتي لا يظهر تاريخه، إيرانَ، متوعدًا بأن "هجوم الأهواز لن يكون الأخير". ويلاحظ أن الهجوم جاء قبل أيام قليلة من قمة أمنية تعقد في طهران لمسؤولين أمنيين في غرب آسيا، لبحث تهديد تنظيم الدولة المستقبلي وسبل مواجهته.

هيبة الحرس وتوظيف الورقة

في قراءة أولى، شكَّل الهجوم ضربة مباشرة لهيبة الحرس الثوري؛ إذ إن 12 من أفراده قُتلوا في الهجوم الذي فتح فيه مسلحون النار على منصة العرض الذي كان يحضره مسؤولون سياسيون وعسكريون، ومع أن ذلك صحيح في المجمل إلا أن الهجوم يوفر للحرس ذريعة جيدة لتحويل ورقة هجوم الأهواز لصالح استراتيجية في الداخل والخارج، خاصة مع التعاطف والدعم الشعبي الكبير من مختلف قطاعات الشعب الإيراني، في صورة مشابهة لما حدث عقب هجوم تنظيم الدولة على مجلس الشورى وضريح آية الله الخميني في 2017. وجاء وقوع الهجوم في ذكرى الحرب الإيرانية-العراقية، وهي ذكرى عميقة في الوجدان الإيراني، ليعطي أرضية أكبر للتعاطف. وكما أن مؤسسة الحرس ستكون معنية بالرد لتأكيد هيبتها، سيكون الهجوم مبرِّرًا لتعظيم حضور وعمليات الحرس في الخارج، وهو ما يصب في إطار مقولات سابقة لقادة الحرس: "نقاتل في العراق وسوريا حتى لا نجد الإرهابيين والتكفيريين على أعتاب طهران". ولعل الهاجس الأمني وضرورة حفظ الأمن القومي سيوفر غطاء لتعزيز سيطرة النخبة المعارضة لروحاني.

تداعيات الداخل والرد الإيراني

- يوفر الهجوم ذريعة مباشرة لتعزيز القبضة الأمنية في الداخل، كما أنه يفتح الباب على اعتقالات ومحاكمات لنشطاء عرب في مدينة الأهواز، وقد بدأت هذه الاعتقالات فعليًّا، وقد أضر الهجوم بالحراك السلمي في مدينة الأهواز والذي يطالب بحقوق متساوية للعرب ووقف التمييز.

- ستشهد مناطق الأقليات في كردستان وسيستان وبلوشستان تضييقًا وتشديدًا أمنيًّا، خاصة وأنها مناطق سبق وجرى فيها عمليات مواجهة بين معارضين وقوات من الحرس، كما أن سيستان وبلوشستان قد شهدت في الماضي قيام مجموعات من المعارضة المسلحة بعضها كان مدعومًا من السعودية والإمارات وأبرزها حركة "جند الله" التي نفذت عمليات مسلحة ضد الحرس الثوري، وألقي القبض على زعيمها، عبد الملك ريغي، وأُعدم في 2010، وقالت إيران إنه تلقى تدريبًا في قاعدة عسكرية أميركية في أفغانستان وأقام لفترة في الإمارات بجواز سفر باكستاني مزور.

- سيقوم الحرس بهندسة عملية الرد، وجاء التهديد واضحًا في بيانه الرسمي حيث توعَّد فيه بـ"توفير ظروف وأرضيات لمعاقبة المجرمين سواء في المنطقة أو خارجها، وبتوجيه رد انتقامي مهلك لا يمكن نسيانه". ومن الممكن أن يأتي الرد من خلال:

  • الحلفاء والأنصار: وهذا يعني تصعيد عمليات أنصار الله في اليمن، وأيضًا تقديم الدعم لحركة طالبان (شهدت العلاقات بين طالبان وإيران تحسنًا كبيرًا في العامين الماضيين)، لاستهداف القوات الأميركية في أفغانستان.

  • الاغتيالات: وقد تشمل مسؤولين خليجيين من الدول التي اتهمتها إيران بدعم هذا الهجوم، وقد وجَّه مرشد الثورة الإسلامية، علي خامنئي، اتهامًا مباشرًا للسعودية والإمارات وقال إنها موَّلت المسلحين الخمسة الذين نفَّذوا الهجوم وتوعَّد بـ"قرصة أذن للتأديب".

  • عمليات داخل العمق السعودي.

- يعطي تبنِّي "حركة النضال العربي لتحرير الأحواز" للهجوم، لإيران ذريعة استهداف قياداتها في أوروبا، وقد سبق واغتالت في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، رئيس الحركة، أحمد مولى، أمام منزله في لاهاي في هولندا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*د. فاطمة الصمادي- باحث أول بمركز الجزيرة للدراسات.

نبذة عن الكاتب