موريتانيا: صراع أجنحة السلطة على خلافة الرئيس وتناقضات المعارضة

يُقدِّم التقرير قراءة لنتائج الانتخابات التشريعية والجهوية والبلدية التي عرفتها موريتانيا مؤخرًا ويربطها بالسياق الموسوم بالتجاذبات الحادة بين أغلبية بدأت في التحضير مبكرًا، فيما يبدو، لرئاسيات 2019 وبين معارضة متعددة الأطراف وغير متجانسة الطرق ولا متفقة في الرؤى.
90468641c79b45a59dada7206e15b6fb_18.jpg
الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز (رويترز)

عرفت موريتانيا خلال الفترة بين شهر أغسطس/آب 2017 وسبتمبر/أيلول 2018، تنظيم أربعة اقتراعات ما بين استفتاء وانتخاب، وما بين اقتراع أحادي (الاستفتاء الدستوري، أغسطس/آب 2017) واقتراع ثلاثي (الانتخابات البرلمانية والبلدية والجهوية المتزامنة، سبتمبر/أيلول 2018).

وجاءت سلسلة الاقتراعات هذه في غضون تأزم سياسي كبير بين الرئيس محمد ولد عبد العزيز ونظامه من جهة، وبين غالبية أطراف المعارضة التقليدية وبعض داعميه السابقين من جهة أخرى، وقد ظل هذا التأزم يزداد حدة وتسارعًا كلما اقترب موعد انتهاء المأمورية الأخيرة للرئيس، يضاف إلى ذلك التنافس داخل الأغلبية الحاكمة نفسها حول خلافة الرئيس، وهذا التنافس يلاحَظ -أيضًا- أنه يزداد بروزًا وقوة كلما اقتربت اللحظة الفارقة.

هذا المعطى يجعل "العام الانتخابي" هذا ذروة التحضير المبكر للانتخابات الرئاسية المقررة في يوليو/تموز من العام 2019، التي تنتظرها أسئلة سياسية جوهرية من قبيل: هل ستحقق الانتقال السلمي للسلطة المقرر دستوريًّا؟ وكيف سيتم ذلك؟ ومن هو الطرف -شخصًا وجهة- الأوفر حظًّا في الاستفادة من هذه الفرصة؟

وبتساؤلات أكثر تفصيلًا: كيف سيدخل كل من الأطراف السياسية بأجنحته المختلفة إلى هذا الاستحقاق القادم؟ ما دور الرئيس الحالي في تحضير خليفته؟ وهل ستظل الأغلبية صفًّا واحدًا أم تنقسم؟ وكيف ستعوض المعارضة فراغ قادتها البارزين الممنوعين من الترشح بقوة الدستور: هل ستتفق على مرشح واحد؟ وما موقع المعارضة الجديدة وتحديدًا خلف رجل الأعمال المعارض، محمد ولد بوعماتو؟

مقتضيات دستورية ومسار سياسي

تأخذ الانتخابات الرئاسية المقبلة استثنائيتها، في المقام الأول، من مقتضيات دستورية جعلت منها محطة إجبارية لتحقيق التناوب السلمي على السلطة؛ فالدستور الموريتاني ينص على أن مأمورية الرئيس من خمس سنوات غير قابلة للتجديد إلا مرة واحدة، وذلك ما يحرم الرئيس الحالي، محمد ولد عبد العزيز، من المشاركة في الانتخابات المقبلة، كما ينص -من ناحية أخرى- على أن السن الأقصى للترشح للرئاسة هي 75 سنة، وهو ما يحرم مرشحيْ المعارضة التاريخيين، أحمد ولد داداه ومسعود ولد بلخير، من المشاركة فيها بسبب تجاوزهما هذه السن.

هذه المقتضيات الدستورية تفاعلت مع السياق السياسي الذي سلكته البلاد طيلة فترة الرئيس الحالي منذ 2008، والذي يمكن تلخيصه بثلاث حقائق: 

• استمرار القطيعة السياسية بين النظام والأطراف الأساسية في المعارضة، وتعثر كل محاولات الحوار بين الطرفين في مهدها لأسباب شكلية نظرًا لقوة انعدام الثقة بينهما. 

• بروز خلاف بين نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز وبين حليفه السابق رجل الأعمال، محمد ولد بوعماتو، المقرب من دوائر الحكم في موريتانيا تاريخيًّا، وهذا الخلاف مناقض للعلاقة المعهودة في موريتانيا بين الأنظمة ورجال الأعمال (1).

• قيام حوار وشبه تحالف بين النظام وحزب من أهم أحزاب المعارضة التقليدية وهو حزب رئيس البرلمان السابق والزعيم التاريخي لنضال الأرقاء السابقين، مسعود ولد بلخير.

وبسبب التفاعل بين هذا السياق السياسي وتلك المقتضيات الدستورية سيطر الاهتمام بما بعد انتهاء المأمورية الأخيرة للرئيس على المشهد السياسي في موريتانيا مباشرة بعد إعادة انتخابه في يوليو/تموز من سنة 2014، وذلك بسبب إحساس الأطراف السياسية بحجم التحول الذي سيقع عندما تطبق هذه المقتضيات، سواء في ناحية القوى الموجودة في السلطة حيث الحاجة إلى اتفاق مكوناتها المؤثرة على خليفة للرئيس، أو في ناحية القوى المعارضة حيث الحاجة إلى شخصية تسد فراغ الزعماء التقليديين القادرين على صنع تحد لمرشح القوى التي ظلت تمسك بزمام السلطة خلال الفترات السابقة.

ويظهر الحضور المبكر لتأثير هذه الاعتبارات في جملة من التطورات السياسية خلال السنوات التي أعقبت إعادة انتخاب الرئيس الحالي في يوليو/تموز 2014، مثل: 

• اشتداد الخلاف السياسي بين نظام محمد ولد عبد العزيز ورجل الأعمال المعارض، ولد بوعماتو: فمع أن هذا الخلاف يعود إلى بدايات المأمورية الأولى للرئيس، ومع أنه ظهر في فترات سابقة من بوابات غير سياسية إلا أن قوته وظهور الطابع السياسي له كانت عند ما رفض مجلس الشيوخ الموريتاني، في 17 مارس/آذار 2017، التعديلات الدستورية التي عرضها الرئيس على البرلمان؛ حيث اتهم النظام رجل الأعمال، ولد بوعماتو، بتقديم رشى مالية للشيوخ الذين صوتوا ضد تعديل الدستور، كما اتهم عضو مجلس الشيوخ، محمد ولد غدة، بأنه كان الوسيط بين زملائه وبين ولد بوعماتو المقيم في الخارج، وقد تطورت الأزمة بين الطرفين إلى درجة اعتقال السلطات لولد غدة لمدة عام وإصدارها مذكرة اعتقال دولية ضد بوعماتو، وكذلك فتح ملف قضائي ضد عدد من الشيوخ الرافضين لتعديل الدستور وبعض الإعلاميين والنقابيين الذين تتهمهم السلطة بالعلاقة بولد بوعماتو.

• ظهور قوى جديدة: مع إحساس الطيف السياسي المعارض بقوة الفراغ الذي سيخلفه غياب زعيمي المعارضة التاريخيين (أحمد ولد داداه، ومسعود ولد بلخير)، بدأت أطراف سياسية "تستفيد" من هذا ببروزها في الساحة، ويمكن إعطاء أمثلة على ذلك بالمكانة السياسية التي حظي بها زعيم مبادرة "إيرا" المدافعة عن حقوق الأرقاء السابقين، والتي جاء جزء منها، على الأقل، بسبب التقاعد السياسي المنتظر لولد بلخير الذي يعد الزعيم التاريخي لهذه الشريحة. كما يمكن الاستدلال بالتقدم المطرد لحزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) في احتلال المركز الأول في المعارضة الذي ظل سابقًا من نصيب حزب تكتل القوى الديمقراطية الذي يرأسه أحمد ولد داداه الممنوع -مثل ولد بلخير- من الترشح بقوة الدستور.

• بروز التنافس بين أركان النظام على خلافة الرئيس: منذ أن صرح الرئيس بشكل واضح في أكتوبر/تشرين الأول 2016 بأنه لن يسعى إلى مأمورية ثالثة، برز بشكل متصاعد تنافس صامت داخل أركان حكمه حول خلافته، وظهر الأمر أولًا على شكل محاور تدور حول بعض الشخصيات التي تحتل مناصب مدنية وعسكرية متقدمة في النظام، (رئاسة الوزراء، رئاسة الأركان، رئاسة الحزب الحاكم، الأمانة العامة للرئاسة...) قبل أن يتبلور أخيرًا في انحصار الحظوظ الأوفر بين رئيس الأركان الحالي، محمد ولد الغزواني، والعقيد السابق الصديق الشخصي للرئيس الحالي، الشيخ ولد بايه(2). كما تشير إليه بوضوح كافة التحليلات الإعلامية.

خوض مبكر للمنافسة الحاسمة

استحضر مختلف الأطراف أهمية الاستعداد المبكر للمشهد المتوقع غداة الانتخابات الرئاسية المصيرية سنة 2019 فدخلت في تنافس سابق لأوانه من أجل احتلال أكبر قدر من وسائل التأثير، ولم تكن انتخابات ديسمبر/كانون الأول واستفتاء أغسطس/آب 2017 إلا محطة من بين عدة محطات سياسية خاضتها الأطراف المختلفة تحضيرًا لهذه الانتخابات.

وهذه بعض الخطوات التحضيرية التي قامت بها مختلف الأطراف السياسية المعنية بسباق 2019 الرئاسي:

1- في معسكر النظام وأغلبيته:

• إقرار تعديلات دستورية وقانونية ذات طابع رمزي (تغيير العلم والنشيد وإنشاء مجالس جهوية) وهي وإن خلت من المعنى السياسي المباشر، فإنها سعت إلى إثبات بصمة الرئيس الحالي ودوره في إرساء ما يسميه أنصاره "تأسيس جمهورية ثالثة" وهو أمر يدخل في تهيئة الأجواء لبقائه في المشهد السياسي حتى لو غادر السلطة كما قال هو شخصيًّا. 

• خوض مواجهة حاسمة مع حلف ولد بوعماتو استهدفته شخصيًّا من خلال تجميد أمواله في موريتانيا وإصدار مذكرة اعتقال دولية ضده، كما استهدفت عددًا من الشخصيات البارزة في هذا الحلف على رأسها السيناتور، محمد ولد غدة، الذي سُجن لمدة عام. 

• اتخاذ الرئيس لعدد من الخطوات تترجم نيته التأثير فيما بعد مغادرته للحكم، أو حسب عبارته هو شخصيًّا: "البقاء في المشهد السياسي" كما جاء في مقابلة له مع مجلة "جون أفريك" في فبراير/شباط 2018 صرح فيها أيضًا بأنه سيدعم مرشحًا معينًا في انتخابات 2019(3). ومن هذه الخطوات: تشكيله لجنة لإصلاح الحزب الحاكم، ومنها تصريحه علنًا خلال الحملة الانتخابية الأخيرة بدعمه للحزب الحاكم على حساب بقية أحزاب الأغلبية الأخرى(4) التي يُحسب بعضها على أركان نظامه، الذين تطفح وسائل الإعلام الموريتانية بتخوف بعضهم من احتمال اختيار الرئيس لصديقه الشخصي، العقيد الشيخ ولد بايه، لخلافته، وهو أمر قد توحي به المكانة المتسارعة التي نالها ولد بايه بدعم من الرئيس بدءًا من اختياره رئيسًا لرابطة عمد موريتانيا وانتهاء بتحضيره حاليًّا لرئاسة البرلمان، ولكن لا يمكن الجزم بكون ولد بايه هو مرشح الرئيس ما دام الأمر لم يعلن، وما دامت أطراف مؤثرة في المجموعة الحاكمة يصدر منها ما يوحي برغبتها في أن يختار الرئيس رفيق دربه قائد الأركان الحالي، محمد ولد الغزواني، خليفة له بعد تقاعده المنتظر قريبًا. 

• دخول الأطراف المختلفة في الأغلبية لتنافس حاد في حملة انتساب الحزب الحاكم التي جرت في مارس/آذار وأبريل/نيسان 2018 تحضيرًا لمؤتمر عام أقرته لجنة كلفها الرئيس بإصلاحه، وقد أدى هذا التنافس المحموم إلى وصول المنتسبين لهذا الحزب لأكثر من مليون، (أي نحو ربع سكان البلد!) كما أدى إلى بروز خلافات قوية أدت إلى تأجيل المؤتمر عن موعده المحدد في 6 أغسطس/آب 2018 إلى أجل غير مسمى. 

• دخول أحزاب محسوبة على بعض أجنحة النظام في منافسة انتخابية قوية مع الحزب الحاكم (5) ومواصلتها لهذه المنافسة رغم دعوة الرئيس الصريحة -خلال مشاركته في الحملة الانتخابية لحزبه- كل من يسانده من المرشحين لسحب ترشحه ودعم مرشحي هذا الحزب (6).

2- في معسكر المعارضة

يمكن ذكر عدد من الخطوات التي قامت بها كيانات المعارضة المختلفة وشخصياتها الفاعلة التي يمكن لها التأثير في السباق المصيري لانتخابات 2019: 

o الوقوف بقوة ضد تمرير التعديلات الدستورية التي سعى لها الرئيس، وهو أمر تمثَّل في إسقاطها عبر مجلس الشيوخ من خلال شيوخ المعارضة وبعض شيوخ الأغلبية الذين عارضوا مشروع الرئيس –بدعم سياسي من طرف المعارضة- بعد غضبهم من اتهام الحكومة لمجلسهم بعدم الجدوى، كما تمثَّل في مقاطعة الاستفتاء وتنظيم مظاهرات ضده.

o التقارب بين أطراف المعارضة الأكثر راديكالية، الذي عكسه التحالف بين حلف رجل الأعمال المعارض، ولد بوعماتو، وبين حركة إيرا بقيادة الحقوقي المعارض، بيرام ولد الداه. 

o تشكيل المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة -الذي يضم الغالبية العظمى لأحزاب وشخصيات المعارضة- منذ أكثر من سنة للجنة لاختيار مرشح وبرنامج موحديْن لخوض انتخابات 2019. 

o التحالف المفاجئ بين "الجناح السياسي" لحركة إيرا المدافعة عن الأرقاء السابقين وبين حزب الصواب البعثي، واتفاقهما على بنود من بينها دعم الحزب لزعيم الحركة بيرام ولد الداه في رئاسيات 2019.

سيناريوهات لحظة "العد التنازلي"

نظرًا لأن انتخابات سبتمبر /أيلول 2018 كانت محطة فارقة في مضمار سباق 2019، فإن نتائجها السياسية والانتخابية تعد مؤشرات معِينة على استشراف اتجاه الأحداث السياسية في مستقبل البلد،

ولعل تذكيرًا سريعًا بأبرز هذه النتائج يكون خير مدخل إلى عرض السيناريوهات المحتملة لكل معسكر: 

  • حصول الحزب الحاكم، المحسوب على أحد أجنحة النظام، على الأغلبية المطلقة ولكن بالكاد (أقل من 51%). 

  • حصول مجموع الأحزاب الداعمة للرئيس على أغلبية الثلثين، وهي نتيجة تعني أكثر من دلالة خاصة إذا استصحبنا تصريح الرئيس الموارب أثناء الحملة بأن من يريد مأمورية ثالثة عليه أن يحصل على أغلبية مريحة.

  • حصول أحد المرشحين المحتملين لخلافة الرئيس (العقيد ولد بايه) على نتيجة انتخابية ضعيفة في المنافسة على منصب نائب في دائرته الانتخابية (أقل من 51% في الشوط الثاني). 

  • حصول أحزاب محسوبة على جناح الوزير الأول من النظام على نواب في الجمعية الوطنية رغم منافسة الحزب الحاكم له بدعم غير خاف من الرئيس. 

  • تراجع مكانة حزبي زعيمي المعارضة الممنوعين من الترشح بقوة الدستور (حصل كل من الحزبين على ثلاثة نواب فقط).

  • تصدر حزب تواصل الإسلامي للمعارضة، وهو حزب غير منافس على الرئاسة وغير راغب فيها فيما يبدو (7).

  • عدم تمكن الأطراف المتحالفة أو المدعومة من قبل رجل الأعمال، ولد بوعماتو، من الحصول على نتائج تذكر في البرلمان، وهو أمر يمكن تفسيره جزئيًّا ببعض العقبات التي وضعتها السلطة في وجه بعضهم (منع السيناتور ولد غدة من الترشح، وحبس زعيم إيرا، وتجميد حسابات ولد بوعماتو في البنوك الموريتانية قبيل الانتخابات).

وعلى ضوء هذه النتائج التي تعد بمثابة مؤشرات أولية، يمكن رسم سيناريوهات تفصيلية للاتجاه الذي سيسلكه كل طرف من هذه الأطراف في طريقه إلى المنافسة على رئاسيات 2019:

أ- سيناريوهات الأغلبية الحاكمة

بالنسبة للأغلبية الحاكمة وماذا ستفعل في سبيل البقاء في السلطة، فيمكن رسم التوقعات التالية:

  1. تعديل الدستور بما يسمح للرئيس بالترشح لمأمورية ثالثة: وهذا السيناريو مستبعد، نظرًا لتحصين الدستور للمواد المتعلقة بالمأمورية الثالثة، ونظرًا لتصريحات الرئيس السابقة حول عدم نيته انتهاك هذه المواد، إلا أنه يبقى في دائرة الاحتمالات النظرية بسبب تصريحات الرئيس المواربة عن المأمورية أثناء الحملة وربطه الضمني بينها وبين الحصول على الأغلبية اللازمة لتعديل الدستور(8) (حصلت عليها الأحزاب الداعمة له بالفعل)، وكذلك تصريحاته في المؤتمر الصحفي الذي عقده عقب الانتخابات، والتي حملت تشكيكًا غير مباشر في حصانة المواد الدستورية المانعة للمأمورية الثالثة(9).

  2. الاتفاق على مرشح واحد: تقف خلفه كل الأجنحة المؤثرة في النظام الحالي، وهو أمر يحول دونه قوة التنافس بين الواجهات السياسية للنظام، لكن قد يدفع باتجاهه توافق داخل أطراف الدولة العميقة وخاصة الجيش الذي يعرف عنه تفضيله لوقوع انتقال سلس يأتي بشخصية غير بعيدة من المؤسسة العسكرية، مثل إحدى الشخصيتين اللتين يجمع المراقبون حاليًّا على أنهما المهيئان لخلافة ولد عبد العزيز: العقيد السابق رئيس البرلمان المنتظر، الشيخ ولد بايه، والفريق المشرف على التقاعد رئيس الأركان، محمد ولد الغزواني، ومن المؤشرات التي قد تخدم هذا السيناريو احتفاظ الرئيس بوزيره الأول على رأس الحكومة بعد استقالته المقررة قانونيًّا (تقتضي القوانين المعمول بها تقديم الوزير الأول لاستقالته عقب كل انتخابات تشريعية) فخطوة كهذه ستُحسب على أنها رجوع من الرئيس عن الدعم المطلق لجناح الحزب الحاكم المناوئ للوزير الأول وجناحه.

  3. وقوع انقسام داخل الأغلبية: يؤدي إلى تقديم كل من أجنحتها لمرشح في انتخابات 2019، ويدفع باتجاه هذا السيناريو ما يظهر من مؤشرات على سعي الرئيس لتقديم صديقه الشخصي، ولد بايه، إلى خلافته، في حين أن الأجنحة الأخرى لا تفضل ولد بايه لأسباب منها ما هو سياسي نظرًا لقوة الخلاف بينها وبين الجناح الذي ينتمي إليه، ومنها ما هو عائد إلى أسباب اجتماعية تعود للتنافس "المسكوت عنه" بين الأطراف التقليدية في موريتانيا على الحضور في السلطة، ويتوقف هذا السيناريو بطبيعة الحال على كشف الرئيس لدعمه غير المعلن حتى الآن لترشح ولد بايه، كما يتوقف على وجود شخصية مستعدة وقادرة على قيادة الأطراف غير الراضية عن هذا القرار، مثل رئيس الأركان الحالي، ولد الغزواني، وهنا يبرز السؤال: هل سيسمح الرئيس لولد الغزواني بالتقاعد من المؤسسة العسكرية في حالة قرر الدفع بمرشح غيره؟ المؤكد أنه إذا سعى لمنعه من التقاعد فلابد له من تغيير القوانين العسكرية لإنشاء رتبة جديدة وترفيع ولد الغزواني إليها، نظرًا لأنه يحمل أعلى رتبة في الجيش حاليًّا وهي رتبة فريق، التي يتقاعد حاملها في سن 62 (سيصل إليها ولد الغزواني خلال الأسابيع القادمة).

وقبل إنهاء الحديث عن السيناريوهات المحتملة لما ستؤول إليه المواقف الداخلية للأغلبية نشير إلى أن مخرجات المؤتمر العام المنتظر للحزب الحاكم ستؤشر على الاتجاه الذي ستسلكه العلاقات داخل بيت النظام.

ب- سيناريوهات المعارضة 

أما بخصوص المعارضة، فيمكن رسم السيناريوهات التالية لمواقفها ودورها بخصوص السباق الرئاسي الحاسم في 2019:

1- التنسيق الشامل: بمعنى اتفاق كافة الأطراف التي تعارض نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز معارضة حادة على مرشح رئاسي واحد كما يدعو له بعض أطرافها، على أساس برنامج انتقالي من فترة رئاسية واحدة، ورغم أن المعارضة فشلت خلال تاريخها في سيناريو كهذا، إلا أنه يظل هذه المرة ممكنًا ولو نظريًّا، بسبب التغيرات الطارئة التي من بينها كون غالبية أطراف المعارضة ليس لديها مرشح خاص بها كما كان في السابق لأسباب دستورية وسياسية سبق الحديث عنها، لكن هذا لا يعني أن هذا السيناريو مرجح، بل تقف دونه عوائق مثل تباين مصالح أطراف هذه المعارضة، وتناقض خلفياتها (مثلًا التناقض الكبير بين الأطراف التي تنتمي للمعارضة التقليدية وبين الأطراف التي تنتمي تقليديًّا للأنظمة واضطرت لمعارضة الرئيس الحالي لأسباب تخصها).

2- التنسيق الجزئي: سواء تمثَّل في اتفاق غالبية الأطراف على مرشح واحد مع وجود مرشح أو أكثر تدعمه جهة من المعارضة، أو تمثَّل في اتفاق المعارضة جميعًا على دعم أي مرشح منها يصل للشوط الثاني، وهذا السيناريو سيرجحه تعذر وجود مرشح مقبول من قبل كل أطراف المعارضة ذات الاهتمامات المختلفة، مما يجعل المعارضة تفضل تعدد المرشحين لضمان الوصول إلى الشوط الثاني، كما أنه الأقرب إلى نمط عمل المعارضة الموريتانية تقليديًّا، ومع ذلك فقد تتمكن المعارضة من التوحد خاصة إذا ظهر لها أن مرشح الأغلبية سيكون امتدادًا مباشرًا لحكم الرئيس الحالي، بل إنه في هذه الحالة لا يُستغرب أن تجد دعمًا من بعض المغاضبين من النظام الذين يفضلون وقوع تغيير في نمط الحكم، إن لم يصل الأمر إلى ترشيح المعارضة مجتمعة أو غالبيتها لشخصية من شخصيات النظام السابقة لمواجهة مرشح الرئيس. (يُذكر هنا أن صحيفة الأخبار تحدثت في خبر لها عن إدراج اللجنة التي شكلها المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة المعارض اسم الوزير الأول السابق، مولاي ولد محمد لغظف، ضمن لائحة خيارات المرشح الموحد للمعارضة لانتخابات 2019(10). ورغم نفي المنتدى لذلك إلا أن مصداقية الصحيفة تبعد أن يكون خبرها بلا أساس).

خلاصة

جاءت انتخابات سبتمبر /أيلول 2018 لتكون اختبار قوة للأطراف السياسية في موريتانيا في لحظة حاسمة، فقد أعقبت مسارًا سياسيًّا اختفت فيه المعادلات السابقة الحاكمة للمشهد، فتحولت قوى من سابق عهدها كجزء لا يتجزأ من السلطة إلى أكثر أطراف المعارضة راديكالية، كما تحولت قوى أخرى من تصدر صف المعارضة الراديكالية إلى قيادة المعارضة المحاورة للسلطة والمتحالفة معها انتخابيًّا.

كما أن هذه الانتخابات جاءت قبيل انتقال دستوري مرتقب للسلطة غير مسبوق في تاريخ موريتانيا ظهرت تداعياته حتى داخل الطيف الموجود حاليًّا في السلطة الذي ظهر داخله صراع على خلافة الرئيس المنصرف.

ومع أن هذه الانتخابات لم تحمل بشكل واضح إجابة على حجم ونوع التغيير المرتقب إلا أن نتائجها تُمكِّن من توقع سيناريوهات معالجة كل من السلطة والمعارضة لوضعه الداخلي وتوضح أنه في حالة تمكنت القوى الحاكمة من الاتفاق على مرشح موحد فستكون أقدر من المعارضة على كسب المعركة الرئاسية المنتظرة حتى لو دفعت المعارضة بدورها بمرشح واحد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*المختار بن نافع- باحث مختص في الشؤون الموريتانية.

نبذة عن الكاتب

مراجع

(1)   "أزمة بوعماتو والنظام.. المسار والمآل"، المركز الموريتاني للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 6 ديسمبر/كانون الأول 2017، (تاريخ الدخول: 24 سبتمبر/أيلول 2018):http://www.cmers.org/2011-10-01-10-18-38/181-2017-12-06-11-07-59

(2)  "معالم الصراع على "تركة" الرجل "المغادر" إصلاح "يخفي" تنافسًا بين الفريق والعقيد"، موقع الأخبار، 21 مارس/آذار 2018، (تاريخ الدخول: 24 سبتمبر/أيلول 2018)https://alakhbar.info/?q=node/10031

(3)  “Mohamed Ould Abdel Aziz rompt le silence” dans une interview à Jeune Afrique, Ariactuel, 26 février 2018, (vu le 27 septembre 2108):https://afriactuel.com/2018/02/26/mohamed-ould-abdel-aziz-rompt-silence-interview-a-jeune-afrique/

(4)   "ولد عبد العزيز يؤكد على التصويت للحزب الحاكم"، موقع الصحراء، 14 أغسطس/آب 2018، (تاريخ الدخول: 24 سبتمبر/أيلول 2018):http://essahraa.net/node/2537

(5)   "موريتانيا.. أحزاب في الموالاة قهرت الحزب الحاكم"، موقع الصحراء ميديا، 15 سبتمبر/أيلول 2018، (تاريخ الدخول: 24 سبتمبر/أيلول 2018):https://goo.gl/XSSvRq

(6)   "الرئيس الموريتاني يطالب المترشحين من خارج الحزب بسحب ترشحهم"، موقع الطوارئ، 14 أغسطس/آب 2018، (تاريخ الدخول: 20 سبتمبر/أيلول 2018):http://tawary.com/spip.php?article34946

(7)   “Mauritanie: le président déclare ne pas vouloir changer la Constitution”, RFI, 21 septembre 2018, (vu le 27 septembre 2108)http://www.rfi.fr/afrique/20180921-mauritanie-le-president-declare-pas-vouloir-changer-constitution

(8)   "رئيس موريتانيا: من يطالب بمأمورية ثالثة ورابعة عليه أن يصوت لـUPR"، 14 أغسطس/آب 2018، (تاريخ الدخول: 25 سبتمبر/أيلول 2017):https://alakhbar.info/?q=node/12702

(9)    ر"ئيس الجمهورية خلال مؤتمر صحفي: الانتخابات الأخيرة جرت في جو من التنافس الإيجابي مكَّن الشعب الموريتاني من التعبير عن رأيه بكل حرية واختيار من يمثلونه"، موقع الوكالة الموريتانية للأنباء، 20 سبتمبر/أيلول 2018، (تاريخ الدخول: 24 سبتمبر/أيلول 2017):  http://www.ami.mr/Depeche-55081.html

(10)    "المنتدى يدرج اسم ولد محمد لغظف ضمن خيارات مرشحيه لرئاسيات 2019"، موقع الأخبار، 26 يونيو/حزيران 2017، (تاريخ الدخول: 25 سبتمبر/أيلول 2017):https://alakhbar.info/?q=node/4224