قام الرئيس التشادي، إدريس ديبي إتنو، بزيارة لإسرائيل استمرت ثلاثة أيام بدءًا من 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، وقد وصفها رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، بالزيارة التاريخية، معلنًا أنه سيزور هو نفسه تشاد في المستقبل القريب للإعلان عن استئناف العلاقات الدبلوماسية التي ظلت مقطوعة طيلة 45 عامًا بين انجمينا وتل أبيب(1). ودولة تشاد قطعت هي وأغلبية الدول الأعضاء في منظمة الوحدة الإفريقية علاقاتها مع إسرائيل سنة 1973 بسبب احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية ولأراض عربية أخرى وتشريدها شعبًا بأكمله، لكن يبدو أن تلك الأسباب لم تعد حائلًا بين بعض القادة الأفارقة والهرولة نحو إسرائيل والتطبيع معها، خصوصًا أن بعض الأنظمة العربية لا تجد حرجًا في التطبيع مع تل أبيب، وليس من المنطقي أن تطالب أنظمة إفريقية بمواقف تخدم القضية الفلسطينية في الوقت الذي لا تتوانى أنظمة عربية عن التخلي عن تلك القضية والتقرب من تل أبيب سرًّا أو جهرًا، وآخرها زيارة نتنياهو إلى مسقط، واستقبال وزيرة الرياضة الإسرائيلية، ميريت ريغيف، في الإمارات، والحديث المعلن إسرائيليًّا عن تدشين علاقات دبلوماسية قريبًا مع دولة البحرين، وذكرت بعض التقارير التقارب بين إسرائيل والسودان. ويبقى السؤال واردًا حول الأدوات التي تستعملها إسرائيل اليوم في اختراق قارة إفريقيا، وهل بات باب إفريقيا مفتوحًا أمام إسرائيل أم أن هنالك عقباتٍ تحول دون اختراق إسرائيل كامل لإفريقيا؟ وما الذي يريده الرئيس التشادي تحديدًا من تل أبيب؟ ولماذا يزورها في هذه الفترة بالذات؟
إسرائيل وإفريقيا: دبلوماسية الزيارات
لم تنجح إسرائيل في تنظيم مؤتمر إفريقيا وإسرائيل الذي كان مقررًا انعقاده بلومي، عاصمة توغو، في نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2017، تحت عنوان التنمية والأمن التكنولوجي؛ نظرًا لعدم وجود إجماع إفريقي حول المؤتمر، بل أيضًا لوقوف بعض الدول الإفريقية الوازنة، وعلى رأسها جنوب إفريقيا، دون انعقاد هذه الفعالية، فضلًا عن تردد بعض الدول التي أعلنت حينها عن مشاركتها، وكذلك وقوع بعض الاضطرابات العمالية في لومي، فهي عوامل دفعت إلى إلغاء أو تأجيل مؤتمر إسرائيل وإفريقيا. ولا تزال إسرائيل مصرة على عقد ذلك المؤتمر، ومصرة كذلك على الحصول مقعد مراقب في الاتحاد الإفريقي، تلك المنظمة القارية التي تتخذ من أديس أبابا مقرًّا رسميًّا لها، وهو ما جعلها تعتمد دبلوماسية الزيارات المتتابعة والمتكررة لعدد من الدول الإفريقية.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قد حضر المؤتمر الرئاسي الحادي والخمسين لمنظمة التعاون الاقتصادي بغرب إفريقيا "إيكواس" في مونروفيا عاصمة ليبيريا، في 4 يونيو/حزيران 2017، وقد دُعي إلى تلك الفعالية دعوة شرفية، وشكَّل حضوره لهذه الفعالية سببًا في تغيب ملك المغرب، محمد السادس عنها، رغم سعي المغرب للانضمام لهذه المنظمة الإقليمية الإفريقية(2).
لم يكن اهتمام إسرائيل بتلميع صورتها لدى دول القارة الإفريقية منصبًّا على غرب إفريقيا فحسب بل أيضًا على شرق إفريقيا ومنطقة القرن الإفريقي؛ ففي صيف سنة 2016، زار نتنياهو أربع دول في شرق إفريقيا والقرن الإفريقي، هي: أوغندا وكينيا ورواندا وإثيوبيا. وقد اتضح من خلال تلك الزيارة أن الرهانات الاقتصادية والاستراتيجية هي المحرك الأساسي للدبلوماسية الإسرائيلية في إفريقيا. وقبل جولة نتنياهو الإفريقية قام وزير الخارجية الإسرائيلي السابق، أفيغدور ليبرمان، في يونيو/حزيران 2014، بزيارة رواندا وإثيوبيا وكينيا بشرق إفريقيا وبالقرن الإفريقي، كما زار غانا وكوت ديفوار بغرب إفريقيا سعيًا منه للتمكين للرغبة الإسرائيلية في الحصول على صفة مراقب في الاتحاد الإفريقي(3).
ما الذي تريده الأنظمة الإفريقية المطبِّعة من إسرائيل؟
هنالك عدة واجهات تحاول إسرائيل أن تسوق من خلالها نفسها للدول الإفريقية، ولعل من أبرزها:
أولًا: الخبرة الإسرائيلية في المجال الأمني والتكنولوجي
تُسَوِّق إسرائيل نفسها لإفريقيا على أن لديها خبراتٍ أمنية متطورة في مكافحة الإرهاب، وأنها قد أنتجت وسائل تكنولوجية متطورة للمراقبة والتنصت، وأن لديها شركات خاصة أسسها ضباط سابقون في جيش الدفاع الإسرائيلي من شأنها أن تقويَ وتطورَ أداء الحرس الرئاسي ووحدات النخبة في الدول الإفريقية. وبهذه المعطيات المغرية للأنظمة الاستبدادية يجد الرؤساء الأفارقة في إسرائيل مبتغاهم: فأغلب الدول الإفريقية تعيش حالات توتر أمني بحاجة إلى ضبط، كما أن العديد من الزعماء الأفارقة يرغب في التنصت على معارضيه والحصول على الوسائل التقنية الحديثة والكفيلة بتحقيق ذلك الغرض، وبهذا أصبحت إسرائيل مثابة كل نظام إفريقي يريد برامج وتكنولوجيا للتجسس على الخصوم؛ خصوصًا تلك التي تخص التنصت على المكالمات ومختلف أنواع التواصل، فضلًا عن تقديم إسرائيل الدعم اللوجستي الأمني لأنظمة الحكم من خلال توفير المعلومات الأمنية التي تُجمَع بواسطة الاستخبارات الإسرائيلية. ويعتبر الحرس الرئاسي في أغلب الدول الإفريقية أهم التشكيلات العسكرية وأكثرها تأهيلًا وتسليحًا، ويعني تدريب كتيبة الحرس الرئاسي في النهاية حماية رأس السلطة، وهو ما ستوفره إسرائيل لهذه الأنظمة.
وليست زيارة الرئيس التشادي الحالية لإسرائيل سوى إظهار علني لعلاقة ظلت موجود على الأقل منذ عقد من الزمن بين تشاد وإسرائيل. فمنذ أن واجه نظام إدريس ديبي ثورات مسلحة في شمال تشاد وشرقها نشط التعاون العسكري بين انجمينا وتل أبيب وتم تجهيز الجيش التشادي بالمعدات العسكرية الإسرائيلية(4).
يضاف إلى ذلك أن قضايا مكافحة الإرهاب تعتبر أحد المشاغل الأساسية لتشاد، العضو في مجموعة دول الساحل الخمس إلى جانب النيجر وبوركينا فاسو وموريتانيا ومالي. كما أن الجيش التشادي يعتبر من بين الجيوش الإفريقية الأكثر تجربة في مواجهة الحركات الجهادية؛ حيث تقاتل مع هذه الحركات في الأراضي المالية كما تقاتل مع بوكو حرام قرب بحيرة تشاد أكثر من مرة. وفي نفس الوقت تتخذ إسرائيل من وجود ونشاط "الجماعات الجهادية" في منطقة غرب إفريقيا وفي القرن الإفريقي على مدار الأعوام الأخيرة شماعة لوصم المقاومة الفلسطينية بالإرهاب، واعتبارها هي والجماعات الإفريقية المسلحة وجهين لعملة واحدة، مستفيدة من ضعف وعي وفهم النخب السياسية الإفريقية لأبعاد الصراع العربي/الإسرائيلي، بفعل تأثير الإعلام الغربي الموجه والخادم للمشروع الإسرائيلي(5). ولا يفتأ الإعلام الإسرائيلي يؤكد على وحدة المأساة بين الشعب اليهودي والشعب الإفريقي صاحب البشرة السوداء، فقد لاحقت المحارق والتشريد اليهود في أوروبا ولاحقت العبودية الأفارقة، وأن العرب -كما يقول الإعلام الإسرائيلي- كانوا أول من مارس تجارة العبيد على الشعوب الإفريقية(6).
ثانيًا: تطوير الميدان الزراعي
كانت إسرائيل قد استضافت، في ديسمبر/كانون الأول 2016، مؤتمرًا زراعيًّا خاصًّا بدول إفريقيا الغربية للتباحث حول الإنتاج المستدام في المناطق القاحلة وشبه القاحلة، وقد حضره وزراء خارجية كل من نيجيريا، وتوغو، وليبيريا، وغينيا، والرأس الأخضر، وغامبيا، وسيراليون؛ ومسؤولون كبار من بنين، وبوركينا فاسو، وساحل العاج، وغانا، وغينيا بيساو، والسنغال(7).
وفي السنوات الأخيرة، قامت إسرائيل ببعض المشاريع ذات الطابع الزراعي والتنموي: ففي إثيوبيا أقامت إسرائيل مشروع إنتاج السكر بتعاقد بين شركة إنتاج السكر الإثيوبية وشركة "نتافيم" الإسرائيلية، وهو مشروع يناهز مئتي مليون دولار، ويتولى ري وزراعة قصب السكر(8). وقد تنامت فيه الاستثمارات الإسرائيلية بالسوق الإثيوبية لاسيما في مجال زراعة الزهور والتصنيع الزراعي، ووفقًا لهيئة الاستثمار الإثيوبية فقد بلغ عدد المشاريع الإسرائيلية في إثيوبيا 187 مشروعًا بقيمة 1.3 مليار بر إثيوبي (ما يوازي 58.4 مليون دولار)(9).
كما تعاقدت وزارة الزراعة الرواندية مع شركة إيبوني الإسرائيلية، لوضع خطة رئيسية للري الرواندي، وتم التوقيع على مذكرة تفاهم بين الجانبين، يوم 22 يناير/كانون الثاني 2007، في مقر الوزارة في مدينة كيغالي. وتشارك إسرائيل أيضًا في مشروع ثلاثي مع ألمانيا وكينيا لتطهير مياه بحيرة فيكتوريا التي تبلغ مساحتها حوالي 69 ألف كيلومتر مربع وتشكِّل المنبع الرئيس لنهر النيل، وتم في 17 أغسطس/آب 2012 التوقيع في نيروبي بين الدول الثلاث على مشروع إنقاذ بحيرة فيكتوريا، التي تعتبر أكبر خزان للمياه العذبة في إفريقيا بهدف إعادة الثروة السمكية إليها وإبادة نباتات مائية ضارة سيطرت على البحيرة، ويتضح توظيف إسرائيل مرة أخرى للبُعد الإنساني في علاقاتها مع إفريقيا من خلال هذا المشروع الذي من المفترض أن يوفر فرص العمل لحوالي خمسة ملايين شخص في الدول الواقعة على البحيرة، وهي: كينيا، وأوغندا، وتنزانيا(10).
وقد وقَّعت دولة جنوب السودان مع إسرائيل سنة 2012 أول اتفاق بين البلدين ينص على بدء مشروعٍ إسرائيليٍّ لاستغلال الأراضي الخصبة في جنوب السودان لتشييد قريةٍ زراعية نموذجية. كما قامت إسرائيل ببعث مشروع ضخم لتوليد الطاقة الشمسية. وتعمل إسرائيل على مشاريع في مجالات متعددة بأوغندا وخاصة في مجال الزراعة وتكنولوجيات المياه...إلى آخره من المساعدات والخدمات التي توفرها إسرائيل في مجال العلاج الطبي والتدريب العسكري وتقديم استراتيجيات في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف الديني(11).
التمدد الإسرائيلي في إفريقيا: أهداف استراتيجية
يأتي التغلغل الإسرائيلي في إفريقيا في سياق استراتيجي بحت؛ حيث يهدف للتمكين لإسرائيل وفك العزلة التي ضربها عليها العرب في العقود الماضية، فليست هذه المشاريع لأجل تنمية إفريقيا بل لتسويق صورة لإسرائيل المتهمة بالعنصرية تجاه الشعب الفلسطيني.
ومن اللافت للنظر أن إفريقيا أصبحت ساحة صراع خفي بين إسرائيل من جهة وإيران وحزب الله من جهة ثانية. ومن المعروف أن للجالية اللبنانية حضورًا قديمًا في غرب إفريقيا يعود إلى نهايات القرن التاسع عشر، وتُقدَّر الجالية اللبنانية في إفريقيا الغربية بثلاثمئة ألف نسمة(12). وقد أصبح نشاط رجال الأعمال ذوي الأصول اللبنانية المالي والتجاري إحدى الرافعات الاقتصاديات لبعض دول غرب إفريقيا وخصوصًا في السنغال وكوت ديفوار، ويوجد بالعاصمة الإيفوارية جامع ضخم بحي ماركوري يُعرَف باسم مركز الزهراء الثقافي وتقوم مؤسسة الغدير بتسييره، ويسميه السكان المحليون "مسجد حزب الله"(13). ومن بين هؤلاء اللبنانيين من ينتمي مذهبيًّا للطائفة الشيعية اللبنانية. وتهتم الاستخبارات الإسرائيلية بالنشاط اللبناني التجاري والمالي في إفريقيا، وتزعم أن للجالية اللبنانية بإفريقيا دورًا في دعم حزب الله ماليًّا. وقد أنشأت إسرائيل عدة مؤسسات استثمارية لمنافسة اللبنانيين وخصوصًا في ساحل العاج، كما أقامت شركات للحراسة والأمن لجمع قاعدة بيانات عن رجالات حزب الله في البلد، وخريطة انتشارهم ومستوى تأثيرهم الاقتصادي. وتتولى شركة فيزيوول ديفنس الإسرائيلية-الكندية تأمين مطار فليكس هوفيت بوني الدولي بالعاصمة الاقتصادية، أبيدجان، وكذلك تأمين ميناء أبيدجان المستقل؛ مما يعني أن حركة الأفراد والواردات والصادرات الاقتصادية للبلد خاضعة للرقابة الإسرائيلية(14). ويسيطر رجال أعمال لبنانيون محسوبون على حركة أمل على تجاة الألماس في سيراليون(15). وفي نفس الوقت، تراقب إسرائيل كما تقف في وجه النفوذ الإيراني في إفريقيا، ومعلوم أن لإيران علاقة خاصة بجنوب إفريقيا، وكانت طهران قد وقفت بقوة إلى جانب حزب المؤتمر الإفريقي في نضاله ضد الأبارتايد.
وتقوم الولايات المتحدة بمساندة إسرائيل في الحد من نفوذ حزب الله وإيران بإفريقيا، ففي سنة 2011، اتهمت إدارة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، البنك اللبناني الكندي (la Lebanese Canadian Bank) بأنه شكَّل وسيطًا لتهريب الكوكايين من فنزويلا والمكسيك نحو أوروبا وذلك عبر شبكات حزب الله المالية الموجودة في غرب إفريقيا. فحسب التقرير الأميركي، قامت الشبكات الشيعية على جانبي المحيط الأطلسي، وخصوصا بأميركا الجنوبية وغرب إفريقيا بتأمين تهريب المخدرات، وأن ريع هذه العمليات كان يذهب إلى القوات المسلحة الثورية الكولومبية "فارك" وإلى حزب الله. وفي مايو/أيار 2013، اتهم القضاء النيجيري رجل الأعمال الإيراني، عظيم أغاجاني، بالمتاجرة غير الشرعية في السلاح، وأنه استورد إلى لاغوس ثلاث عشرة حاوية مملوءة سلاحًا كان يريد توجيهها إلى ثوار كازمانص بجنوب السنغال، وهو ما أدى إلى نشوب أزمة دبلوماسية بين داكار وطهران.
وقد اتهمت الخارجية الإيرانية كلا من إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية بترويج الشائعات هذه القضية، معتبرة أن هنالك خطة صهيونية-أميركية تهدف إلى تدمير العلاقات بين إيران ونيجيريا من خلال اتهام رجل الأعمال الإيراني، عظيم أغاجاني، بتهمة تهريب أسلحة إيرانية إلى نيجيريا(16).
ومن الواضح لمتتبع الاهتمام الإسرائيلي بالجاليات اللبنانية في إفريقيا، أن إسرائيل باتت مقتنعة بأن حزب الله يقوم من خلال شبكات مالية وتجارية في إفريقيا بعمليات جمع أموال ضخمة من "اللبنانيين" الأفارقة، وأن على تل أبيب الوقوف في سبيل هذه الأنشطة، ومن الواضح كذلك أن الإسرائيليين يجدون دعمًا ومساعدة الأميركيين في هذا المسعى، حيث لم تكتف واشنطن باتهام البنك اللبناني الكندي فحسب بل ضغطت من أجل إغلاق العديد من البنوك اللبنانية في بنين وفي غانا وليبيريا وسيراليون(17).
إسرائيل وإفريقيا: تسهيلات الاختراق
فضلًا عن السعي الإسرائيلي الحثيث لاختراق إفريقيا عن طريق تلميع صورتها وإغراء العديد من الأنظمة الحاكمة في القارة والتقرب منهم، فإن هنالك بعض الأطراف التي تسهِّل على إسرائيل مهمتها في إفريقيا ومن بينها الكنيسة الإنجيلية وتوسعها المطرد والواسع في إفريقيا، وهو توسع يتم على حساب الإسلام وعلى حساب الكنيسة الكاثولوكية في المستعمرات الفرنسية سابقًا. ومن المعروف أن أعضاء هذه الكنيسة من أشد المتحمسين لنصرة ومساندة دولة "إسرائيل" ويرفضون أي تنازل عن أي شبر للفلسطينيين. وتتمدد الكنائس الإنجيلية الموالية للولايات المتحدة الأميركية خصوصًا في جنوب الصحراء الإفريقية مسلحة باستراتيجية حديثة ونشاط تبشيري مكثف. ويتزايد عدد المعتنقين الجدد للنِّحلة الإنجيلية الأميركية تحت سمع وبصر الكنائس الأخرى. ومنذ بدايات 1990، شهدت عدة بلدان إفريقية اكتساح هذه الكنائس لمساحات جديدة بفضل وسائل فيها كثير من التجاوز ولكنها فعَّالة. في إفريقيا الوسطى مثلًا أصبحت الكفة متعادلة بين الكنيسة الإنجيلية والكنيسة الكاثوليكية بعد أن كانت الثانية أسبق مدة وأكثر عدة. وفي الغابون، يوجد حوالي 1070 كنيسة إنجيلية كما تناسلت عدة جمعيات إنجيلية أنشأها نيجيريون وغانيون وبينينيون.
وفي ظل انتشار الكنيسة الإنجليزية وتوسعها في إفريقيا تحقق إسرائيل مزيدًا من النفوذ بين الأفارقة؛ حيث أصبحت الكنيسة الإنجليزية تمثل إحدى أدوات الضغط الدينية والشعبية المؤيدة للتمكين لإسرائيل.
وموازاة مع قوة الكنيسة الإنجيلية بالقارة الإفريقية وسعيها للتمكين لتل أبيب فإن معظم الحكام الأفارقة الذين يستعيدون العلاقات مع إسرائيل يسعون إلى أن تؤمِّن لهم إسرائيل تعاطف الحكومات الغربية التي تتمتع إسرائيل بنفوذ لدى حكامها.
خاتمة
إذا كانت زيارة الرئيس التشادي، إدريس ديبي، تحقق اختراقًا إسرائيليًّا جديدًا داخل إفريقيا وتشجع تل أبيب على مطالبتها المستمرة بالحصول على عضوية مراقب في الاتحاد الإفريقي وتغيرها بعقد مؤتمر إسرائيل وإفريقيا الذي مُني بالفشل في عقده في أكتوبر/تشرين الأول 2017 بتوغو، فإن هنالك عقبات تنغِّص على تل أبيب مشروعها الإفريقي ألا وهي نشاط جماعات مناهضة للاختراق الإسرائيلي بإفريقيا بغرب إفريقيا وشرقها وجنوبها. ويغذي هذه الجماعات روابط المثقفين بالعربية من خريجي المؤسسات التعليمية العربية المحلية والمؤسسات التعليمية بالدول العربية، التي تعمل بنشاط في الميدان الإفريقي دون أي سند أو رعاية من الدول العربية.
____________________________________
* سيدي أحمد ولد الأمير: باحث بمركز الجزيرة للدراسات