الطريق إلى الانتخابات العراقية الثانية

استطلاع أولي لأوضاع ومواقع القوى السياسية الرئيسية، ولاحتمالات تحالفها، وما يمكن أن تعنيه لنتائج الانتخابات البرلمانية العراقية الثانية التي من المفترض أن تعقد في يناير/ كانون الثاني القادم، وما هو تأثير هذه الانتخابات على مستقبل العراق.
1_937290_1_34.jpg







 

بشير نافع


من المفترض أن تعقد الانتخابات البرلمانية العراقية الثانية في يناير/ كانون ثاني القادم. وبينما كانت الانتخابات الأولى قبل أربع سنوات، التي جاءت بالمالكي رئيساً للوزراء، محل شكوك كبيرة فيما يتعلق بتأثيرها على مستقبل العراق، فإن التقدير الأغلب أن الانتخابات القادمة ستكون بالغة الأهمية والتاثير.


تأتي هذه الانتخابات في بداية عام سيشهد انسحاباً لمعظم القوات الأميركية في العراق، وفي وقت يشهد تراجعاً في موقع العراق عن رأس الأولويات الأميركية. مثل هذا الوضع يوحي بأن فراغاً ما سينجم عن الانسحاب الأميركي وهو ما قد يغري أطرافاً إقليمية بمحاولة تعزيز نفوذها في الساحة العراقية.


كما أن بدء الانسحاب الأميركي سيمثل امتحاناً كبيراً لقدرة الدولة العراقية الجديدة على البقاء، وعلى مواجهة التحديات الأمنية.





بدء الانسحاب الأميركي سيمثل امتحاناً كبيراً لقدرة الدولة العراقية الجديدة على البقاء، وعلى مواجهة التحديات الأمنية.
داخلياً، قدمت الانتخابات المحلية في العام الماضي دليلاً واضحاً على أن أغلب الشعب العراقي قد أدار ظهره للطائفية السياسية، وأنه يريد بناء السياسة العراقية على أسس وطنية. وإلى جانب هذه الرغبة الشعبية الواضحة، فإن الأزمة السياسية الإيرانية الداخلية تركت ظلالاً سلبية على موقع القوى الشيعية السياسية، بالرغم من أن الدور الإيراني في العراق ما يزال نشطاً.

ولا تقل أزمة القوى السنية السياسية عن نظيرتها الشيعية، سيما بعد أن أخفقت في تحقيق وعودها بتعديل الدستور، أو الضغط من أجل نزع الطابع الطائفي عن الدولة الجديدة، أو مواجهة التوسع المتزايد للنفوذ الكردي. ولكن عودة السنة العرب القوية في الانتخابات المحلية، وقرار المحكمة العليا بإعادة أكثر من عشر مقاعد برلمانية للمحافظات ذات الأكثرية السنية، يعزز موقع السنة العرب في الانتخابات.


أما في المنطقة الكردية، فقد أشارت انتخابات إقليم كردستان الأخيرة إلى تراجع كبير في موقع حزب الاتحاد الوطني الذي يقوده الطالباني لصالح الحزب الديمقراطي الذي يقوده البارزاني، ولصالح القوى خارج الحزبين الكبيرين. وبالنظر إلى العودة السنية العربية القوية، فإن الأكراد يستشعرون تراجع موقعهم في المعادلة العراقية ككل.


وفيما يلي نقدم استطلاعا أوليا لأوضاع ومواقع القوى السياسية الرئيسية، ولاحتمالات تحالفها، وما يمكن أن تعنيه لنتائج الانتخابات.


الإئتلاف الشيعي
المالكي وحزب الدعوة
التوافق السنية
مشروع القائمة الوطنية الجديدة
القائمة الكردية
سيناريوهات انتخابية


الإئتلاف الشيعي 


أعلنت القوى الشيعية الرئيسية عن إعادة بناء قائمة الإئتلاف، التي اكتسحت بها الانتخابات السابقة، ووفرت لها السيطرة على الحكم. ولكن الإئتلاف هذه المرة أنجز بدون حزب الدعوة الذي يقوده رئيس الوزراء المالكي.


تشكل الإئتلاف الجديد من المجلس الأعلى، الذي تقوده أسرة الحكيم، والتيار الصدري، الذي يعتقد أن انضمامه للإئتلاف جاء نتيجة لضغوط إيرانية. وقد انضم إلى الإئتلاف كل القوى الصغيرة والشخصيات التي تؤمن بأن الشيعة لابد أن يحكموا العراق كشيعة، وأن لا بأس من استمرار استناد النظام السياسي إلى أسس طائفية، بما في ذلك السياسي العلماني أحمد الجلبي، ورئيس الوزراء الانتقالي إبراهيم الجعفري، الذي شهدت فترة حكومته اندلاع ما يشبه الحرب الأهلية.


بعض من قادة الإئتلاف يتخوف من إفلات الحكم من أيديهم لصالح تحالف وطني، يأتي على ما انتزعوه من مكاسب ومصالح منذ الفترة التي أعقبت الاحتلال.


بيد أن رفض حزب الدعوة بقيادة المالكي وحزب الفضيلة الانضواء في الإئتلاف، وإعلان قيادة حزب الدعوة – تنظيم العراق أن القيادي السابق عبد الكريم العنزي، الذي انضم للإئتلاف، لا يمثل الحزب، يجعل الإئتلاف أضعف بكثير مما كان عليه في الانتخابات السابقة.


ويمكن أن يضاف إلى عوامل تراجع حظوظ الإئتلاف وفاة زعيم المجلس الأعلى عبد العزيز الحكيم، وتراجع شعبية المجلس بشكل عام في أوساط الشيعة العراقيين. وإلى جانب عدم الثقة الذي يشوب العلاقات بين المجلس الأعلى والتيار الصدري، فإن هناك خلافات حادة بين قيادات الإئتلاف الجديد حول ما إن كانت الانتخابات ستجري على أساس القائمة المفتوحة (التي يؤيدها الجعفري)، أو المغلقة (التي يؤيدها المجلس الأعلى).


المالكي وحزب الدعوة 





المالكي، وبالرغم من ارتباطاته الشيعية، يعتقد أن بالإمكان تأمين السيطرة الشيعية باتباع سياسة وطنية، تلتف حولها قطاعات الشعب العراقي المختلفة.
من المبكر حتى الآن الجزم بأن حزب الدعوة لن يعود إلى الإئتلاف الشيعي، سيما أن الضغوط الإيرانية على المالكي لم تتوقف، وأن المخاوف بفقدان الشيعة رئاسة الوزراء تتزايد.

ولكن المرجح أن يذهب المالكي إلى تشكيل تحالف دولة القانون الذي خاض به الانتخابات المحلية مستقلاً.


ثمة عدد من الأسباب التي جعلت المالكي يقاوم ضغوط العودة إلى الإئتلاف منها:



  1. أن حلفاء المالكي السابقين في الإئتلاف رفضوا الموافقة على احتفاظه برئاسة الوزراء في حال عاد الإئتلاف الكتلة البرلمانية الأكبر.
  2. أن القوى الشيعية الأخرى رفضت إعطاء حزب الدعوة الحصة الاكبر في قائمة الإئتلاف، الحصة التي يعتبر المالكي أنها تعكس فوزه وشعبية سياسته في الانتخابات المحلية.
  3. أن المالكي، وبالرغم من ارتباطاته الشيعية، يعتقد أن بالإمكان تأمين السيطرة الشيعية باتباع سياسة وطنية، تلتف حولها قطاعات الشعب العراقي المختلفة.
  4. أن تجربة الحكم علمت المالكي درس العراق الأولي وهو أن العراق لا يحكم بدون مركز قوي، مما يستدعي تعديلاً للدستور الحالي من أجل تعزيز قوة الدولة المركزية، وهو الأمر الذي يعترض عليه المجلس الأعلى.
  5. أن المالكي، في النهاية، يستشعر تراجع شعبية المجلس الأعلى والتيار الصدري، ويراهن على تحالف مع القوى السنية، يوفر له العودة إلى رئاسة الوزراء.

في حال استمر المالكي على موقفه، فالمتوقع أن يخوض الانتخابات بقائمة دولة القانون، التي سيعمل على تطعيمها بعدد ملموس من المرشحين السنة، للتوكيد على طابعها الوطني، وفي محاولة للحصول على أكبر عدد ممكن من أصوات السنة العرب.


وستعتمد حظوظ المالكي على حجم التحديات التي تواجهها حكومته في الفترة القصيرة السابقة على موعد الانتخابات؛ ولكن من الصعب حصوله على نصيب ملموس من أصوات السنة العرب في حال وجود منافس سني أو وطني يفوقه مصداقية.


التوافق السنية 


شكل الحزب الإسلامي (الواجهة السياسية للإخوان المسلمين) عماد جبهة التوافق السنية. ولكن الدعم الشعبي للحزب قد تراجع إلى حد كبير، والمؤكد أن إطاحة طارق الهاشمي عن قيادة الحزب فاقمت من أزمة الحزب. فالقيادة التي حلت محل الهاشمي أقل منه شعبية ومصداقية؛ كما أن من المؤكد أن الهاشمي سيخوض الانتخابات بقائمة مستقلة، يمكن أن تضم عدداً كبيراً من كوادر الحزب المؤيدة له. أما القوى والشخصيات السنية الأخرى التي انضوت تحتل مظلة التوافق، فإن تراجعها الشعبي أشد حدة من تراجع الحزب الإسلامي.


في حال عاد الحزب إلى تشكيل جبهة التوافق، سواء بقوى وشخصيات جديدة، أو بالشخصيات والقوى ذاتها، فمن غير المتوقع أن تحصل قائمة التوافق على الدعم العربي السني الذي حصلت عليه في الانتخابات السابقة، وهو الأمر الذي أظهرته نتائج الانتخابات المحلية على أية حال.


مشروع القائمة الوطنية الجديدة 


تضم المجموعات الأخرى، التي تقودها شخصيات سنية عربية، بدون أن تكون طائفية التوجه، كلاً من:



  1. قائمة المستقبل، التي يقودها الدكتور رافع العيساوي، والمشكلة من شخصيات مستقلة وأخرى سابقة في التوافق، من إسلاميين وعروبيين معتدلين.
  2. الحوار الوطني بقيادة الدكتور صالح المطلق، والمشكلة من شخصيات قومية عربية، أكثرها سنية وبعضها شيعية.
  3. قائمة الحدباء بقيادة أسامة النجيفي، أبرز قيادات مدينة الموصل.




شكل الحزب الإسلامي (الواجهة السياسية للإخوان المسلمين) عماد جبهة التوافق السنية. ولكن الدعم الشعبي للحزب قد تراجع إلى حد كبير.
وكانت هذه القوى معاً قد أكدت مصداقيتها وثقلها الشعبي في الانتخابات المحلية الأخيرة. وتشهد الساحة العراقية اتصالات حول إمكانية قيام تحالف بين هذه القوى، تضاف إليه القائمة العراقية، التي يقودها رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي، شيعي الأصل، وقومي - وطني التوجه؛ والقائمة التي يعمل زعيم الحزب الإسلامي السابق طارق الهاشمي على تأسيسها.

وسواء قامت تنظيمات المقاومة بإطلاق حزبها السياسي، أم لا، فالمتوقع أن تدعم أغلب قوى المقاومة مثل هذا التحالف.


في حال نجحت هذه القوى في تأسيس تحالفها، فستتقدم إلى الانتخابات في إطار وطني يصعب التشكيك فيه، ويتوقع أن تحصد أغلب أصوات السنة العرب وجزءاً ملموساً من الشيعة العرب، وأن يلتف حولها عدد من السياسيين المسيحيين والتركمان.


ومن المتوقع أن تجد دعماً من عدد من الدول العربية وتركيا، التي تريد أن يتخلص العراق من شبح الانقسام الداخلي ويستعيد عافيته.


عنصر الضعف الرئيس في هذا المشروع ينبع من تعدد الزعامات التي يفترض أن تساهم في بناء قائمته، وطموحات هذه الزعامات المتعارضة فيما بينها، وبينها وبين أولويات العراق الحالية.


القائمة الكردية 


شكلت القائمة الكردية في الانتخابات الماضية من ممثلين عن أحزاب صغيرة ومستقلين، وقادها حزبا الاتحاد الوطني (الطالباني) والكردستاني الديمقراطي (البارزاني). ويتوقع أن يقود الحزبان، بنصيب أكبر للبارزاني، القائمة الكردية في هذه الانتخابات أيضاً.


وليس من الواضح بعد ما إن كانت مجموعة الكوادر التي انشقت عن الطالباني، وحققت نتائج ملموسة في انتخابات الإقليم، ستنضم إلى القائمة الكردية الرئيسة أم ستخوض الانتخابات في شكل مستقل، لتوكيد خطها الداعي إلى كسر احتكار الحزبين للحياة السياسية في الإقليم.


مهما كان الأمر، فالواضح أن مشكلة الأكراد في هذه الانتخابات باتت أكبر من التدافعات الداخلية.


قامت السياسة الكردية منذ الاحتلال على أساس معادلة التحالف مع الشيعة، التي تضمن للشيعة السيطرة على الحكومة المركزية مقابل حصول الإقليم الكردي على أكبر قدر من الاستقلال الذاتي والنصيب المناسب من الميزانية المركزية.


ولكن الأكراد اكتشفوا في النهاية أن تحالفهم كان مع المجلس الأعلى، وليس مع الشيعة ككل، وأن هناك بين السياسيين الشيعة في بغداد من هو على استعداد لخوض حرب جديدة ضد الإقليم الكردي، من أجل الحفاظ على مصالح الدولة العراقية.


وبتزايد الأدلة على انحدار وضع المجلس الأعلى، والصحوة السياسية للسنة العرب، استشعرت القيادات الكردية الأزمة، وباتت تخشى ما يمكن أن تحمله الانتخابات القادمة من نتائج. ما يعزز من شعور الأكراد بالأزمة تراجع الالتزام الأميركي، والضوء الأخضر الذي وفرته إدارة أوباما للدور التركي في العراق.


لمواجهة المخاطر المحتملة، بدأت القيادات الكردية محاولة تهدئة التوتر مع المالكي، واتصالات بالقيادات العربية السنية، سيما تلك التي تعمل على تشكيل تحالف وطني. ليس من الواضح المدى الذي وصلت إليه هذه الاتصالات، ولكن ثمة مؤشرات على وجود توجه لدى تيار البارزاني للتخلص من التحالف مع المجلس الأعلى وما يجره هذا التحالف من أعباء الظهور بمظهر الارتهان للسياسة الإيرانية في العراق.


ومع توقع انسحاب أميركي كبير من العراق، يعود الأكراد إلى مواجهة الثوابت الجيوبوليتيكية التي تحيط بهم، سواء على صعيد جوارهم العراقي ذي الكثافة العربية السنية، الثقل التركي في معادلة القوة الإقليمية، والحاجة الحيوية لبناء علاقات صحية بالدائرة العربية الأوسع.


سيناريوهات انتخابية 






  1. قامت السياسة الكردية منذ الاحتلال على أساس معادلة التحالف مع الشيعة، التي تضمن للشيعة السيطرة على الحكومة المركزية مقابل حصول الإقليم الكردي على أكبر قدر من الاستقلال الذاتي والنصيب المناسب من الميزانية المركزية.
    إن عودة المالكي وحزب الدعوة إلى الإئتلاف الشيعي قد تؤدي إلى أن يبرز الإئتلاف من جديد باعتباره الكتلة الاكبر في البرلمان القادم، مما يعني تكليف أحد قياداته برئاسة الحكومة، ومن ثم تكرار تجربة الحكم على أسس طائفية وإثنية.


  2. في حال خاض المالكي الانتخابات مستقلاً عن الإئتلاف، ونجحت القيادات العربية السنية وعلاوي في تشكيل قائمة وطنية، فقد تصبح هذه القائمة صاحبة الكتلة الأكبر في البرلمان الجديد.

    • في هذه الحالة، ستسمي القائمة رئيساً للوزراء من بين قياداتها، يرجح أن يكون عربياً سنياً، سيما إن توصلت إلى تفاهم ضمني أو صريح مع الأكراد، ويدخل العراق من ثم في مرحلة جديدة تماماً، تفتح فيها أمامه نافذة ولو صغيرة لإعادة بناء الدولة والحكم على أساس وطني، ويطلق فيها جهد حقيقي وملموس لوضع حل نهائي للمسألة الكردية.


    • الاحتمال الثاني أن تعقد الكتلة الوطنية تحالفاً مشروطاً مع المالكي، يعيده إلى رئاسة الحكومة، بهدف تطمين الشيعة، بحيث تتعهد حكومة المالكي الجديدة تنفيذ برنامج إعادة بناء الدولة والحكم على أسس وطنية.


  3. هناك، بالطبع، دائماً سيناريوهات لا يمكن تقديرها، تتجلى بفعل التنافسات الحادة بين الزعماء السياسيين العراقيين، وهشاشة التحالفات بين قواهم المختلفة، أو بفعل إخفاق أحد الأطراف في تحقيق النتائج الانتخابية المتوقعة له، أو بفعل التدخلات الخارجية الحثيثة في الشأن العراقي.

_______________
مركز الجزيرة للدراسات